الفصل الثالث عشر.. والرابع عشر
بقلم زيزى محمد
وجد باب شقته مفتوحاً على مصرعيه، قطب مابين حاجبيه بقلق ثم دلف وهو ينادي عليها : ندى!!، ندى ،سايبة باب الشقة مفتوح ليه...
لم يأتيه رد، تقدم بخطوات واسعة يبحث عنها في ارجاء الشقة لم يجدها، التفت حوله هامساً بتفكير والقلق بدء ينهش صدره : ندى .
التفت بجسده ليغادر الشقة ، وجدها تدلف وما ان رأته ابتسمت برقة : مالك انت جيت.
اقترب منها بـ لهفة : اه، انتي كنتي فين، قلقتيني عليكي!.
ندى بهدوء وهي تغلق الباب خلفها : سمعت صوت دوشة خفيفة برة كنت بحسبك انت، فتحت الباب لقيتها خديجة وايلين وجوزها شايل البنت وباين عليها تعبانة دخلت معاهم اطمن عليها وكده، ولسه جاية ..
جعد جبينه هاتفاً بغيرة : وانتي بقى دخلتي وجوزها معاها!.
تحركت لداخل وهي تقول بلامبالاة : اه، نتغدى ايه.
جذبها من ذراعها وأوقفها أمامه ليقول بصرامة : ندى لما أكون بتكلم تقفي تكلميني، وياريت متتكرريش اللي انتي عملتيه ده تاني، جوزها موجود متعتبيش باب شقتها.
ندى بتعجب : ليه؟!، مش فاهمة يعني..
قاطعها بنبرة حادة : مفيش ليه، ومش ضروري تفهمي، انا جوزك ومن حقي لما اقولك حاجة تسمعيها..
تجاهلت حديثه ذلك بسبب تلك الكلمة، نطقها بطريقة غريبة ، بطريقة جعلها تبتسم بهدوء، حتماً لو ألقى بحديثه ذلك من غيرها لجادلته به، ولكن بسببها جعلها تصمت وتبتسم وينشغل ذهنها بتفسير نبرته بها، اهي تملك، ام حب، ام غيرة ، كلمة تحتوي على خليط من المشاعر أثار الفوضى بداخلها حتى انها لم تشعر بيده وهي تمسد بطول ذراعها ووجهه الذي اقترب منها قليلاً، انتبهت على همسه امام عيناها : ممكن أعرف القمر مبتسم ليه؟!.
همست برقة : قمر!.
مد يده وأزاح حجابها فسقط شعرها كالعادة بهيئته الكثيفة على ظهرها وجانبي وجهها، ابتسم عندما رأه : بحب اشوفه.
هتفت بهدوء وهي تنظر بعيناه مباشرة : هو ايه ده؟.
مد يده ومسد على خصلاته وتملك الحنان من صوته : شعرك.
صمتت، بسبب تلك الهالة التي رسمها هو بحديثه وأنفاسه الحارة التي تلطم وجهها بين الفينة والاخرى فتجعلها في حالة لا يرثى لها، وتلجم لسانها وعقلها عن التفكير، وتجعلها تغرق بإرادتها في دوامة عشقه..انتشلها من تلك الحالة رنين جواله، فـ همست بخجل : تليفونك.
أجابها بعد ثانية بهمس عندما نجح في اخراج صوته : ماله.
ابتعدت عنه قليلاً وهي تبتسم : بيرن .
استعاد وعيه الذي كاد يفقده من رقتها وجمالها، فقال وهو يضع يده على جيب بنطاله : اه، بيرن فعلاً.
ندى : طيب هادخل الحمام.
نعم هي تريد المرحاض باقصى سرعة لتلقي بالماء البارد فوق وجهها لعله يخفف من درجة حرارته المرتفعة ... بينما دلف مالك لشرفه وهو يجيب على الهاتف
:_ ايوا يا امي.
ماجي : حبيبي عاوزه اتكلم معاك في موضوع فاضي.
التفت بجسده صوب الباب الزجاجي ليتابع بعيناه مجيئ ندى فقال : ايوا في ايه؟!.
ماجى : في عريس كويس ومحترم جاي ليارا، انا لسه معرفتهاش، هاعرفها وهاخلي يجيي يتقدم اقعد معاه ومع اهله وهي كمان تتعرف عليه، فكرت ان انت مش موجود فـ أجيب اخوها التاني فارس..
ضغطت على حروف اسمه، ثم اكملت : يبقى مكانك، موافق.
صمت لبرهة يستكشف مغزى والدته من ذلك العريس، ليعود قائلاً : ماشي وماله، قوليله، بس قبل فارس ما يكون موجود، عمرو يكون موجود وحاضر .
ماجى : اكيد طبعًا، مش هانتفق في اي حاجة الا لما انت تيجي.
مالك متعجباً : وايه خلاكي متأكدة كده ان يارا هتوافق.
ماجى بمكر : المرة دي هتوافق، انا حاسة بكده.
مالك بتنهدة : طيب يا امي ابعتيلي معلوماته في مسج، علشان أسال عليه .
اغلق معاها الاتصال ثم قال بضيق : اهو انا مبحبش الامهات تخطط، صعب الواحد يفهم ايه في دماغهم، ربنا يستر يا ماما.
..........
دلفت غرفة ابنتها خديجة بخطوات بطيئة ، وجسدها لم تعد تشعر به من كثرة ضربه بها وخاصة عندما علم بزواج خديجة من ابن خالتها عمار، ليلة أمس كانت أصعب ليلة مرت عليها منذ زواجها منه، رقدت بألم بجانب ابنتها الصغيرة " ليلى" ثم وضعت رأسها على الوسادة تكتم شهاقتها من الالم خوفًا ان تستيقظ ابنتها، اغلقت عيناها وجسدها يصرخ من الوجع، لاشك ان هناك شئ بداخلها يخفف عنها ألمها، لقد اطمئن قلبها أخيراً على خديجة ، الان هي مع عمار وستبقى معه بأمان بعيداً عن علي ، فتحت عيناها تتأمل سقف الغرفة وتذكرت ما حدث منذ ثلاث أعوام، تذكرت عندما القت على ابنتها ذلك الخبر المفزع لاشك انه يسعد اي فتاة الا خديجة لانه ببساطه السعادة ستكون من شخص أخر ليس حبيبها او ما تمنته زوجها..
( فلاش باك )..
اغلقت الباب خلفها وهتفت بصوت خافت: يعني ايه يا علي كتبت كتاب البت!.
خلع قميصه وارتدى سترة قطنية مريحة ثم التفت لها قائلاً بوجه جامد خالي من اي تعابير : زي ما قولتلك الباشا مش فاضي ومستعجل فكتبنا الكتاب في الشغل.
حاولت استيعاب جمودية حديثه ، فعادت تقول مستفهمة : طب هو الفرح امتى على كده!؟
هز رأسه بنفي ليقول بغلظة : مفيش فرح، بقولك الباشا مش فاضي، هي بكرة بليل هاتروحله على البيت.
ضربت بكفيها على صدرها لتقول بصرخة مكتومة : يالهوي، ليه هي كانت معيوبة ؟ بنات المنطقة يقولوا ايه عليها، وفستان الفرح، وهي ونفسيتها دي هاتتقهر...
قاطعها بوحشية قائلاً : ده كله ماليش فيه، خليها تلم هدومها وبكرة هاتروح بليل، وفستان الفرح رجعيه هو ايجار اصلاً، ونفسيتها والقهرة اللي بتقولي عليها بكرة هاتتظبط من غنى الراجل ومتعرفيهاش ياختي ده رائد كبير في الجيش وغني هي طايلة ، احسن من عمار الف مرة .
اقتربت منه قائلة ببكاء : بس بتحبه يا علي ، والحب احلى وقيم من الفلوس.
جذبها من ذراعها سريعاً قابضاً بشدة عليه وهو يقول بغضب اعمى قلبه وعقله : اه وهو هايطلع الكلام ده الا من واحدة زيك خاينة ، ايه مش قادرة تنسيه، حتى بعد السنين دي كلها، ايه قلبك لسه محروق اوي عليه!.
هزت رأسها بنفي لتقول بصوت باكي يغلبه الرجاء : سيب ايدي يا علي ، انا قلبي محروق علشان انت لغاية دلوقتي فاكرني خاينة !.
قاطعها بصفعة قوية على خدها ليقول بصوت جهوري : خاينة وهاتفضلي خاينة ، وبنتك انا هامنعها تكون نسخة منك، وهاتتجوز اللي انا عاوزو وشايفه كويس ليها، يالا انجري من قدامي بلغيها.
هزت رأسها بضعف ثم تقدمت من باب الغرفة وقبل ان تفتحه القت نظرة اخرى عليه ليشير برأسه حتى تغادر ، وعيناه ترسل لها شرارات غضب لتقابلها بـ نظرات وجع وقهر منها، غادرت الغرفة ثم توجهت الى المرحاض غسلت وجهها جيداً بالماء البارد حتى تزيل اثار صفعته القوية ثم جففته ولكن عيناها كانت لها رأي أخر فلم تمتنع عن البكاء، فـ استمرت بالهبوط كشلالات على صفحات وجهها الحزين!...
امسكت المقبض بتردد وهى تلقي ذلك الخبر التعيس الذي من المؤكد سيكسر قلب ابنتها الى اشلاء، قررت ان تلقي بحديثها كدفعة واحدة وتغادر الغرفة ، فهي لم تعد لديها القدرة على تحمل حديث اخر موجع يصيب هدفه بقلبها بقوة ... وبالفعل دلفت فوجدت خديجة تجلس بجانب اختها الصغيرة " ليلى" وتتابع رسم اختها بصمت تام، رفعت عيناها تستفهم مجئ والدتها لها في هذه الساعة ، فقرأت الألم والضعف بأعين والدتها، تفهمت نصف الحديث تقريباً، والنصف الاخر أصاب قلبها قبل عقلها عندما تفوهت به والدتها، نظرت لوالدتها وهي تهرب بعيداً عنها مغلقة الباب خلفها، وكأنها اغلقت اخر باب للأمل من الهروب من تلك الزيجة!، ابتسمت بسخرية على حظها التعيس.
( بااااك ).
عادت من ذكرياتها لتهمس بضعف : يارب المرادي يكون حظك كويس يا خديجة ، انتي طيبة اوي يابنتي ومتستاهليش الا كل خير.
.........
ضحكت ليلة بقوة وهي تقفز على الاريكة بسعادة قائلة : بااااااس مريم هي اللي وقعت.
وقفت مريم بتذمر تنظر بحزن لعمرو، فزفر الاخر قائلاً : انا اللي هانزل مكان مريم .
يارا بحنق : ايه الهبل ده، لا مريم هي اللي مطلعتش على حاجه عاليه يبقى هي اللي عليها الدور.
عمرو بضيق : ياستي وانتي مالك، مش المهم نمشي الدور.
جلست يارا قائلة : لا خلاص مش هالعب بدام اللعب كده.
صفقت ليلة قائلة : بس يا جدعان، احنا نلغي اللعبة دي ونلعب صلح ويكون عمرو اول واحد اهو نتسلى عليه شوية .
نهضت يارا قائلة بحماس : اشطا، يالا يا عمرو..
رمقها عمرو بإستنكار : دلوقتي اشطا يا عمرو.
هتفت مريم برجاء : علشان خاطري يا عمرو يالا اللعبة دي بنضحك فيها.
ضيق عينيه قائلاً بهمس : هونت عليكي، دول بيكرهوني هايفرموني.
همست له بمكر طفولي : انا هاغششك.
هتف عمرو بصوت مرتفع : ماشي يالا.
أخذ وضعه المناسب ووضع يديه مغلقاً عيناه قائلاً بتحذير : اللي هاتضرب بغشامة هاموتها.
فركت ليلة يديها بسرعة وهي تبتسم بمكر، وقبل ان تهبط يديها على يده كانت ماجى تسبقها وصفعت يديه بقوة .
التفت عمرو بحنق : مين الح...، ماما.
ابتسمت باستفزاز : كمل يا عمرو، كمل يا دكتور، كمل يا محترم، واقف بتلعب، وسايب دراستك.
ضحكت ليلة بقوة : شكلك بقى وحش اوي.
لكزتها ماجى بذراعيها قائلة : امشي يابتاعت الثانوي ذاكري، امشي.
دبدت كالاطفال قائلة بحنق وهي تصعد لغرفتها : كل شوية روحي ذاكري، كل شوية زهقت.
نهرتها ماجي : امشي يا قليلة الادب.
التفت لــعمرو قائلة : يالا وصل مريم، علشان باباها كلمني ورجع من شغله أجازة .
انتفض عمرو قائلاً بحنق : ايه ده هو لحق ينزل أجازة ، ايه النحس ده.
لملمت مريم اشيائها قائلة : يالا بسرعة يا عمرو .
هتف بتذمر من خلفها : ياختي براحة، مستعجلة على ايه.
غادرا المنزل، فهتفت يارا بمكر : ها بقى يا ماما، في ايه خلتيهم يمشوا، اكيد عاوزه حاجة..
جلست ماجى قائلة بجدية : اه عاوزه اقولك حاجة وتستوعبي اللي هاقوله كويس، في عريس متقدملك ويبقى سراج زميلك في المدرسة، انا شايفه انسان كويس ومناسب.
نهضت يارا تقاطعها بغضب : هو سراج ده متخلف ما انا قولتله لا ازاي يتخطاني اصلاً ويجيلك.
مسكت ماجى يديها وجعلتها تجلس مرة اخرى قائلة بهدوء : اسمعي كويس يا يارا، العمر بيجري بيكي وانتي معيشة نفسك في عذاب، رفضتي رجوع فارس وده حقك يابنتي.
بكت يارا قائلة : مش هاقدر يا ماما، والله ما هاقدر.
مسدت ماجى على شعرها قائلة بحنو : حاولي يا حبيبتي، مش هاتخسري حاجة، وان حسيتي فعلا انك مش قادرة مش هاقف في طريقك، بس حاولي علشان خاطري، انا قولتله يجي بعد يومين، وبلغت فارس يجى يحضر معانا مكان اخوكي.
همست بعدم فهم : فارس!.
هزت ماجى رأسها وهتفت بمكر : اه، مش هو في مقام اخوكي.
دق قلبها بعنف قائلة : وهو قال ايه .
نهضت ماجى تنهي الحديث : موافق، هايرفض ليه!.
رفعت يارا وجهها وسألتها بوضوح : انتي عاوزه توصلي لايه يا ماما.
انحنت ماجى نحوها وأشارت لقلب يارا قائلة : انا عاوزه اوصل ان ده من حقه يرجع ويحب تاني ويعيش، وعاوزه أثبت لفارس انه خلاص مبقاش له مكان في ده.
انهت حديثها وطبعت قبلة فوق جبينها وتركتها، اما يارا فانزلت ببصرها نحو قلبها هامسة بوجع : ازاي مالوش مكان فيه، ده مبقاش لحد مكان فيه بسبب انه مسيطر على قلبي.
...........
بشقة مالك...
_ تسلم ايدك يا ندى، الاكل جميل.
ابتسمت ندى قائلة : ماكلتش حاجة على فكرة يا عمو.
ربت رأفت على يديها قائلاً: ازاي بقى ده انا كلت وشبعت.
نهض رأفت واكمل حديثه : اعملينا بقى قهوة لغاية ما نتكلم انا ومالك في شوية أمور.
هزت رأسها بصمت وتابعت بعيناها دخولهم لشرفه، تعجبت عندما وجدت مالك يعدل من وضع الكراسي وجعلهم بوجهها، رمقته باستفهام، فارسل اليها ابتسامة مشيراً لها بالقهوة ، تنهدت ثم نهضت تدخل المطبخ وذهنها عالق بعمها ومالك..
بينما عند مالك ورأفت..
مالك : ندى دخلت المطبخ، في حاجة مهمة ؟
أومأ رافت برأسه قائلاً : في شوية حاجات، اولهم انا خلاص هاسافر بكرة الصبح، حط ندى في عنيك يا مالك.
تحدث مالك بهدوء : متقلقش في عنيا.
هتف رأفت برجاء : ياريت يا مالك، متعملهاش بقسوة وان كنت قولتلك كده عاملها بعد الجواز بجمود بلاش، ندى رقيقة ومش هاتستحمل وانا مش هاكون موجود جنبها علشان اواسيها واهديها..
قطب مالك جبينه متعجباً من حديثه، فاكمل رأفت حديثه : يعني عاملها كويس بس متتعداش حدودك معاها، يعني افتكر دايما ان جوازكوا على الورق.
تحدث مالك بجمود : انا مش ناسي كلامك ياباشا.
مد رأفت يده قائلاً : توعدني.
ابتلع مالك ريقه بصعوبة ، ونظر ليد رأفت الممدودة امامه، فهتف رأفت مجدداً : توعدني يا مالك.
هتفت ندى باستفهام : يوعدك على ايه.
رفع مالك ورأفت وجهوهم بتوتر، فهمس مالك : ندى .
جلست بجانبه : اه، في ايه بقى ، وعد ايه ده.
توتر رأفت ولم يستطيع الرد، فقال مالك بثبات : عمك عاوزني اوعده اخد بالي منك ، ومزعلكيش .. علشان هو مسافر بكرة .
مد مالك يده وصافح رأفت قائلاً : اوعدك ياعمي ان مزعلش ندى واحطها في عنيا..
نظر رأفت في عيناه مباشرةً، مستغرباً لحديثه، وكأنه كان قاصداً تخطي وعده الثاني، انقضت الليلة سريعاً، وغادر رأفت غاضباً بداخله لعدم استطاعته استكمال حديثه مع مالك.
..........
اغلقت الكتاب بتذمر قائلة : الله يخربيتك يا ثانوية ، الهي تتحرقي، يعني الناس قاعدة بتضحك وبتهزر، الا انا قاعدة بتنيل وبذاكر.
جذبت كتاب أخر وفتحته تزامناً مع اخراجها لتنهيدة قوية من صدرها، صدح هاتفها بالنغمة المخصصة للرسائل، جذبته مبتسمة : اكيد ميزو.
قطبت حاجبيها وهي تقرأ نص الرسالة وقلبها يدق برعب :
قريب اوي اخواتك هايعرفوا علاقتك بـ مازن الدوسري، ونقول عليكي يارحمن يا رحيم.
انتفضت برعب من مكانها وضعت يديها على قلبها، الذي زدات دقاته فكادت تكسر قفصها الصدري من شدته، ضغطت على ازرار الهاتف بتوتر، ثم وضعت الهاتف على اذنها منتظرة رد مازن بفارغ الصبر، اتاها صوته الناعس : ايه ده ليلتي بتكلمني مش معقولة .
ليله برعب : مازن.. الحقني.
..........
بشقة مالك...
دلف غرفتهم بعد فترة كبيرة قضاها بالشرفه يفكر بحديث رأفت مستغرباً من نفسه عندما وجد نفسه يتخطى أمر زواجهم ذلك، وجد نفسه يغلق هاتفهه خوفاً ان يتصل به رأفت ويحدثه بالامر مجدداً.. قرر بداخله ان يترك نفسه للقدر او بالاحرى لقلبه، حان الموعد ان يعطي عقله أجازة من تفكيره ومخاوفه، ويعطي لقلبه فرصة بأن يتولى زمام اموره مع تلك الجميلة التي مازالت مُصرة تخطفه بكل حركة او فعل يصدر منها.. وقعت عيناه عليها تجلس على الفراش مشغولة باختيار فيلم جديد، ابتسم بسخرية هاتفاً لنفسه: فيلم حزين تاني لأ.
اقترب منها وجلس بجانبها قائلاً بتحذير : اوعي تقولي يا ندى انك هاتشغلي فيلم درامي تاني.
هزت رأسها واتسعت ابتسامتها قائلة : ايه عرفك، في فيلم قصته حلوة بس نهايته حزينة .
التقط منها الريموت قائلاً : لا وربنا مايحصل تاني، امال لو مكنتيش فرفوشة .
ندى باستفهام : قصدك هاتشغل كوميدي.
هز رأسه بنفي قائلاً بلامبالاة : لا رعب.
همست بصدمة : رعب!..
حول بصره نحوها فرمقها بمكر : ايه بتخافي ؟
انكمشت على نفسها بالفراش قائلة بكذب : لا ابداً عادي شغله .
اعتدل في جلسته بحماس قائلاً : اشطا اوي.
تابعت بعيناه ما يحدث بالفيلم بخوف شديد، وخاصة عندما أطفأ الإضاءة، قضمت شفتاها بتوتر من احداث الفيلم المرعبة ، حولت بصرها نحو مالك وجدته يتابع باهتمام، فهمست لنفسها : هنام ازاي انا دلوقتي.
التفت مالك نحوها قائلاً : بتقولي ايه يا ندى؟!.
هتفت ببلاهة : ها، لا ، مبقولش!.
حول بصره للفيلم مرة اخرى وتابع باهتمام قائلاً : ايه رايك في الفيلم.
همست من بين اسنانها : تحفة أوي.
مرت عشر دقائق اخرى، حبست انفاسها بها وهي تتابع بخوف، حتى ظهر صراخ البطلة ، فصرخت ندى بقوة ولم تدرك انها جلست على ساق مالك، الا عندما اشعل مالك الإضاءة ، لهثت من فرط خوفها وضعت يديها على قلبها قائلة : يالهوى.
شعرت بانفاسه تلفح جانب وجهها قائلاً بخبث : طلعتي خوافة .
الان أدركت فعلتها الحمقاء، توردت وجنيتها خجلاً، حاولت ان تبتعد ولكن هو منعها من ذلك راسماً على شفتاها ابتسامة ماكرة، خرج صوتها مبحوح : مالك، اوعى.
ضحك بخفة قائلاً : انا حقيقي بشكر الفيلم على اللحظة دي.
وضعت وجهها بين يديها خجلاً تخفيه عن انظاره التي اخترقتها فـ أثارت لديها تلك المشاعر التي حاولت اخمادها في حضرته، اما هو فاقترب بوجهه أكثر ودفنه بين خصلات شعرها الكثيفة مستنشقاً عبيره الرائع، مستمتعاً بنعومته، طبع قبلة رقيقة على جيدها هامساً : يالا علشان تنامي .
اعتدلت بصعوبة بعد فعلته وحديثه، حاولت ضبط انفاسها وتهدئة ضربات قلبها من فرط انفاعله، وضعت رأسها فوق الوسادة اعطته ظهرها فـ أغلق هو الانوار، تسللت أصابعها لمكان قبلته تتحسسه برقة وابتسامة رائعة ترتسم على محياها، مطمئنة لعتمة الغرفة، وكأنه يراها او يشعر بها فشعرت باصابعه تداعب أصابعها فوق جيدها، أبعدت يدها بسرعة وهي تدفن نصف وجهها بالوسادة ، اما هو فـ عدل من وضعية يديه وحاوط خصرها بتملك، كما هي تملكت قلبه وجعلته يصدر عنه أفعال لم تكن بحسبانه، همس بين شفتيه لنفسه : الرحمة ندايا، تجعلي من مشاعري ثروة تندلع بانحاء صدري، فـ يشعل عشقك نيرانه بقلبي، وأصبح انا في نهاية الامر متيم بكِ..هيا اسقطي قطراتك الرطبة فوق قلبي ليهدأ من عنفوانه وثورانه الذي بات متأصلا به في الآونة الأخيرة..الرحمة ..
كانت أخر كلمة صدرت من بين شفتاه قبل ان يسقط في نعاسه متمنياً رؤيتها باحلامه ليعبر لها عن مدى حبه وعشقه لها.
______
قلوب مقيدة بالعشق
الفصل الرابع عشر...
مر يومان ولم تجيب على اتصالات مازن المستمرة بها، قررت ذلك بعدما داهمتها كوابيس باحلامها لحزن والدتها وغضب أخيها الاكبر منها، غادرت المدرسة وبحثت بعيناها عن سائقها الخاص وذلك بسبب غياب يارا اليوم من عملها بسبب عريسها المنتظر، وقعت عيناها الصغرتين عليه يقف بالاتجاه الاخر ينظر مباشرة لها وعلامات الضيق تحتل ملامحه، نظرت خلفها لزملائها وجدتهم مشغولين، حولت بصرها نحوه وقررت ان تعبر الطريق باقصى سرعتها، وبالفعل وصلت عنده تلهث قائلة بنبرة حانقة : انت مجنون يا مازن، جايلي هنا.
هتف غاضباً منها : ماهو علشان حضرتك مبترديش عليا.
عقدت ذراعها امامها قائلة بصرامة : اه ومش هارد عليك تاني يا مازن.
التوى فمه بتهكم : ده على أساس انك كنتي بتردي قبل كده، يابنتي احنا اصلا مكناش بنتكلم، اخرنا كان مسجات بس.
نظرت نحو زملائها بتوتر ثم عادت ترمقه برجاء : مازن بلاش كلامنا ده غلط كمان، ماما لو عرفت هاتزعل اوي مني، وممكن ابيه مالك يموتني، انت متعرفهوش هو يبان طيب بس لما بيغضب كلنا بنخاف منه.
أخرج تنهيدة قوية من صدره بسبب غبائها قائلاً: يابنتي انتي خلاص قررتي انهم عرفو ، ده مجرد مسج من واحدة هبلة او واحد اهبل بيخوفك بيها مش اكتر، وبعدين متخافيش انا كلمت واحد صاحبي اخوه بيشتغل في شركة اتصالات اللي اتبعتلك منها المسج ووعدني انه يعرفلي مين ده ولما اعرف والله منا سايبه او سايبها .
ضغطت على شفتيها بتوتر قائلة بحزم : ماشي لغاية ما تعرف منتكلمش يا مازن خالص، لو سمحت انا بقالي يومين منمتش من قلقي، ولا حتى بذاكر، لو سمحت بلاش الفترة دي.
وقبل ان يتحدث كانت تشير له وتودعه وتنطلق نحو الاتجاه الاخر نحو سيارتها، زفر مازن بخفوت منها ومن خوفها. وضع نظاراته الشخصية على عيناه السوداء، وانطلق في وجهته..
كانت تظن انها قد أنهت لو جزء صغير من خوفها بعدما ابلغته بقرارها، ولم تكن تعرف ان هناك اثنان من زملائها يقفون لها بالمرصاد.
أخفض هاتفه بعدما التقط لها العديد من الصور مبتسم بخبث لنجاح خطته، اقترب منه زميله قائلاً بانتصار : ايه يا زياد اخدت صور حلوة.
أطلق صفيراً مستمتعاً بتلك اللحظة ثم قال بعدها : شوية صور انما ايه، هايبقوا في الجون.
هتف الاخر بحماس : طيب ايه قولي هاتبعتهم امتى لاخواتها.
أشار له لكي يهدأ قائلاً : واحدة واحدة بالهداوة ، لازم اسويها من الخوف الاول.
صفق الاخر بحماس قائلاً : ايوه بقى شكل الحكاية هاتحلو، و هـ نكسر مناخيرك يا ليلة قريب.
.......
بجريدة الحرية ..
راقبت زميلتها بالعمل وهي تتلقى طلباتهم عبر الهاتف المخصص للكافيه، احتدت ملامحها بغضب قائلة : هو انا مش عاوزه ازعلك يا قمر بس مش معقول يعني من وقت ما جيتي وانتي اللي بتاخدي طلباتهم، كده هايقولوا عليا مقصرة ، وانا عمري ما قصرت معاهم في حاجة .
هتفت الاخرى بهدوء : على فكرة والله ما ذنبي، استاذ عمار أمر انا اخد طلباتهم وانتي لطلباته هو بس.
همت تقف بضيق قائلة بغيظ من افعاله المفاجئة : انتي بتقولي ايه!!.
وضعت الاخرى المشروبات على الطاولة قائلة : لو مش مصدقاني اساليه..
هتفت خديجة بشجاعة : هاساله طبعا.
ذهبت صوب مكتبه وشجاعتها تزداد، وما ان دخلت غرفته حتى تبخرت في ثواني بمجرد ان رفع عيناه الزيتونية تقابلها، ليست فقط شجاعتها بل ايضًا لجم لسانها كالعادة وبقيت صامتة لعدة دقائق، حتى قطع هو صمتها قائلاً ببرود : خير!.
هتفت ببلاهة : ها..
نهض من مقعده ثم توجه نحوها حتى وقف امامها مباشرة فرفعت وجهها لاعلى لفارق الطول بينهم، أشار برأسه قائلاً : نعم؟!.
تلعثمت بحديثها قائلة : اه ، يعني..
صمتت لبرهة ثم عادت تستكمل حديثها وهي توجه سبابتها بوجهه : انت ازاي يا عمار تصدر قرار زي ده، ازاي انا بس اكون مخصصة اجبلك طلباتك والبنت الجديدة دي هي اللي...
قطع حديثها وهو يقبض على سبابتها قائلاً بصرامة : نزليه علشان متزعليش، واه انا حُر اعمل اللي انا عاوزو.
انزلت يديها وحاولت التحلي بالصبر امامه، فهذا أخر شخص بالعالم تقف وتجادله وذلك لتعنته وعناده...تنهدت بخفة ثم قالت بنبرة هادئة : عمار، لو سمحت انت كده بتسوء سمعتي يقولوا عليا ايه بقى، هايطلعوا عليا كلام وحش، لو سمحت علشان خاطري الغي قرارك ده ونرجع زي الاول، فكر في كلامي هاتلاقيه صح وعين العقل.
رسم ابتسامة هادئة على وجهه ليقول : صح فعلا.
زفرت براحة عندما وجدته هادئًا واقتنع أخيراً بوجهة نظرها وقبل ان تتحدث كان هو يضع اصبعه على ثغرها قائلا بنبرة جنونية : هششش، علشان انا هاعرفك عين العقل والصح.
شهقت عندما وجدته يجذبها خلفه بسرعة ، وغادر غرفته وقف امام مكاتبهم قائلاً بصوت مرتفع : لو سمحتوا، بصولي كده ثواني .
انتبه الجميع لهم ، فحبست انفاسها في تلك الثواني مفكرة ماذا سيقول لهم، لم تعد تستطيع تكهن ردة فعله، عمار أصبح مفاجئ بكل شئ، شعرت به يمسك يديها ثم رفعها عالياً ليقول : انا وخديجة اتجوزنا، باركولنا.
ارتفت اصواتهم بالتهاني متمنين السعادة لهم، اكتفت بهز رأسها مع ظهور ابتسامة صغيرة على ثغرها، شعرت به يجذبها نحو مكتبه مرة أخرى، دلفت خلفه قائلة بصدمة : عمار انت عارف عملت ايه!.
أجابها بلامبالاة : عارف كويس، انا مبخطيش خطوة الا وكانت عامل حسابها من زمان.
عقدت ذراعيها قائلة بتهكم : واقدر اعرف ايه اللي انت ناوي عليه، من باب المعرفة بالشئ.
ارجع ظهره للخلف مستنداً براحة على كرسيه الوثير قائلاً: وماله، الخطوة الجاية انك هاتطلعي دلوقتي تروحي لان مبقاش ينفع زوجة رئيس مجلس الاداره تبقى بتشتغل في كافيه ...
احمر وجهها بغيظ من عنجهيته، فاكمل هو حديثه : يالا هاتلاقي السواق واقف برة مستنيكي.
هتفت باستنكار : سواق!!.
عمار بابتسامة مستفزة : اه، ومن هنا رايح هاتتحركي بيه، لغاية مانشوف هتحتاجي مهلة قد ايه وتبلغي ايلين وتيجى بيتي..
همت بـ أن تعارضه، فقاال هو بحدة خفيفة : وقبل ما تعارضي، ده علشان حمايتك من ابوكي، لما نشوف اخرته ايه!، يالا علشان متتأخريش.
وقفت كالصنم لا تتحرك، كل ما تفعله تحدق به فقط، تريد اختراقه ومعرفة ما يدور بداخله، أصبح مختلفاً كلياً عنها، لقد جن بالفعل، في الثانية الواحدة تشعر بمئات المشاعر المختلفة والمتناقضة منه ، وكأنه يصارع نفسه لاظهار شخصية غير شخصيته الحقيقية..
انتفضت عندما ارتفع صوته أمراً اياها ان تغادر وتنفذ أمره، التفت لتغادر وضعت يديها على مقبض الباب وقبل ان تديره قالت : ايلين عازمك على العشا انهارده، هي قالتلي اقولك ... سلام.
..............
جهز نفسه وارتدى قميصاً باللون الاسود القاتم كحال ليلة ذلك المعتوه سراج، عدل من وضعية شعره وجعله مبعثراً، فـ بدى كرجل مافيا خطير، راقبه مالك باهتمام وحاول كتم ضحكاته، التفت له فارس قائلا بضيق : بتضحك على ايه..
نهض مالك من جلسته ثم وقف امامه قائلاً : ايه يا فارس انا حاسس انك رايح تقتله فعلاً، ايه شغل المافيا ده.
جز على اسنانه بغيظ : اقعد اتريق انت، وسايبني انا البس في الحيط .
ربت مالك على ذراعيه قائلاً بمزاح : لا اجمد كده يا بطل، لسه قدامك ليلة عاوزه صبر.
نفض فارس يديه بغضب : بطل هزار، قولي اعمل ايه في خطتك الرهيبة ، وريني شغل الظباط.
رفع مالك أحد حاجبيه قائلاً : رغم ان انا حاسس انها تريقة ، بس بص انا هابهرك..
تحرك صوب باب الشقة قائلاً : ابهرني يا مالك، ايه اول حاجة في الخطة بقى.
غادرا الشقة ثم وقفا امام المصعد فقال مالك وهو يهز كتفيه : ولا حاجة .
انقض فارس عليه يمسكه من مقدمة سترته قائلاً بغيظ : انت عاوز تفرسني ياخي، انت اكيد ضدي.
حاول مالك ابعاده عنه قائلاً: ابعد يا زفت، وضعنا مش ظريف.
ابتعد فارس قائلاً بتوعد : لو مقولتش حالاً ايه اول حاجة اعملها، هاروح اخطف اختك واتجوزها غصب عنها وعنك وعن التخين.
وقف مالك امامه ناظراً في عيناه مباشرةً ليقول بحدة وتحدِ : اعملها كده، وانا هاقتلك بعدها .
تراجع فارس ليقول بحنق وعصبية : طب قولي اعمل ايه!..
اتجه مالك صوب الدرج وخطى اول خطواته عليه قائلاً : قولتلك ولا حاجة ، روح عادي واتعامل عادي جدا، واعرفه كويس ولما تيجي نتكلم بهدوء واكون عرفت رأي يارا.
وصل المصعد فاستقله فارس قائلاً بغيظ : بارد اوي، اقسم بالله بارد قوي .
.......
وصل امام منزل صديقه، قرع الجرس، فظهر امامه عمرو مبتسماً : تصدق كنت بحسبك العريس .
تخطاه فارس قائلاً : ليه هو هايبقى حلو كده زي.
غمز له عمرو قائلاً : يا واثق انت.
دلف الى الصالون وجدهم جمعياً مجتمعين عدا هي، شعر بالغضب يتزايد بداخله، فكان يريد رؤية ثيابها اولاً قبل ذلك الفظ...اقترب من والد مريم قائلاً : ازيك ياعمي.
نظر له شريف وحيّاه برأسه : ازيك يا فارس اخبارك.
جلس بجانبه قائلاً بسخرية حاول اخفائها في حديثه : انا زي الفل.
قالت ماجى : لما عرفت ان شريف نزل اجازة قولتله يجي يحضر، انا اخويا وامي مسافرين ومالك في شغله وانتو مكانهم.
هتف شريف مؤكداً : طبعا يا ماجى، احنا عنينا ليكي، ولـ يارا، الا قوليلي هي والدتك وأحمد اخوكي مش ناوين ينزلوا بقى .
تنهدت بحزن : لا، اتحايلت عليهم كتير، المشكلة ان امي وحشتني اوي.
هتفت ليلة : ان شاء الله يا مامي ينزلوا قريب ويستقروا معانا.
قرع الجرس مره اخرى فنهض عمرو قائلاً : ده باين عليه العريس.
عدل فارس من وضعية جلوسه، وكأنه سيدخل حرباً لتو، رمقه شريف بتعجب، دلف سراج ووالدته خلف عمرو..نهضت ماجي ترحب بهم وايضاً شريف ماعدا هو لم يتحرك من مكانه ولم يحاول حتى تحيتهم، وكانهم هواء لا يراهم، احمر وجهه ماجى من فعلته، اما شريف فتعجب اكثر لفعلته تلك، نظرت ليلة وعمرو لبعضهم وعلامات الاستفهام تملئ وجوههم..بينما سراج جلس مكانه ورسم على وجهه ابتسامة النصر فمهما فعل خصمه الليلة هو المنتصر.... بعد فترة من التعارف دلفت يارا ترتدي فستان أزرق يرسم جسدها ببراعة وحجاب ابيض انار وجهها، صافحتها والدته بحرارة كبيرة ، وهي تنظر لها بسعادة فهى جميلة حقاً كما وصفها ولدها لها، تخطتها واقتربت من سراج فمد يده لكي يصافحها، نظرت هي ليده وشردت لثواني، اغمض فارس عيناه هامساً : متسلميش متسلميش .
انتبه للكزة شريف قائلاً بخفوت : انت كويس يا فارس.
هز رأسه بنفي ليقول : لأ.
قطب شريف ما بين حاجببه متسائلاً باهتمام : فيك ايه يابني .. قولي، عيان فيك حاجة .
حول بصره نحو يارا وجدها تصافح سراج بجمود، لاحت بذهنه فكرة حقيرة يفسد بها تلك الليلة لم يعد باستطاعته ان يتحمل ما سيحدث، التفت لشريف واتقن التمثيل ليقول بصوت خافت : بطني بتموتني ، معرفش حاسس ان هاموت، آه...
آه خافتة ، والاخرى كانت مرتفعة لدرجة انهم انتفضوا برعب نحوه حتى هي ...
قالت ماجى بقلق : في ايه مالو يا شريف.
كان منحيناً صوب شريف وعندما رأى يارا تقف بالاتجاه الاخر، انحنى نحوها واصدر عدة تأوهات خافتة .
نهض شريف ليقول بتوتر : شكل في بطنه حاجة ، يالا نوديه المستشفى..
اتسعت عيناه رعباً، ماذا مشفى!، كان بمخيلته افساد الليلة بالتظاهر بالمرض وينتهي بتأجيل الموعد، ليست مشفى من الواضح انه اتقن التمثيل بزيادة ، شعر بيدها تحاول مساعدته للنهوض قائلة : يالا بسرعة باين عليه عيان اوي.
حسناً فشكراً للمشفى ولتمثيله ولشريف ولكل شئ ساعده في افساد ليلة ذلك الابله..
استقل السيارة بجانب شريف وفي الخلف جلست ماجى وعمرو، أين هي ، يريد ان يسألهم، لما لا تأتي..لجم لسانه وحاول ان يستدير برأسه ناحية النافذة ليرى أين هي، وبالفعل نجح وجدها تستقل سيارة سراج ومعاها ليلة، اطمئن قلبه لوجود ليلة معاها....
وصلا الى المشفى وحاول عقله ان يسعفه ان يخرج من ذلك المأذق دون ان يفقد وضعه وهيبته امامهم..
وقف الجميع بالغرفة حتى دلف الطبيب فقطب ما بين حاجبيه قائلاً : ده كله في اوضة الكشف لا لو سمحتوا كلكو برا.
اطمئن قلبه قليلاً، وعادت الروح لديه، ولكن سرعان ما انسحبت عندما قال شريف : انا هاكون موجود، يالا اطلعوا انتو...
تعلقت عيناه بعيناها وهي تغادر الغرفة، أخيرًا شعر بخوفها وقلقها عليه، أخيرًا اطمئن قلبه انها مازالت تكن له بمشاعر، بعدما بدء بفقد الامل بها وخاصة بعد رفضها المتواصل له، رأى ذلك الفظ يدفعها للامام لكي تغادر الغرفة ، فخرجت منه تأوه قوية قطب الدكتور جبينه بعدها : يا خبر انت عيان لدرجاتي..
قال شريف بقلق : اه جداً، بييصرخ من بطنه، طمنا لو سمحت عليه..
هتف الطبيب بهدوء : متقلقش هاكشف اهو ونطمن
أراح رأسه على سرير الكشف واستسلم ليد الطبيب وسماعته التي تستمع لدقات قلبه، تمنى ان تستطيع هي ان تستمع دقاته لتعلم ما فعل حبها به..
...........
بشقة مالك..
دلف للمطبخ وجدها تقف امام الثلاجة بحيرة وعيناها تنتقل من هنا الى هناك، اقترب منها ليقول : بتعملي ايه يا ندى.
اغلقت باب الثلاجة قائلة : محتارة اعمل كيكة بالبرتقال ولا كيكة بالشكولاته.
التقطت المكونات بين يديها تنظر لهم بحيرة، جذبهم من بين يديها ووضعهم على الطاولة : ولا دي ولا دي، تعالى هانخرج برة شوية.
مطت شفتيها للامام قائلة : لأ ماليش مزاج اخرج.
هتف بتهكم : امال ليكِ مزاج تقعدي في المطبخ.
ندى بضيق : ولا حتى المطبخ، انا عاوزه اعمل حاجة جديدة..
اقترب منها يشاكسها : طيب اهو قولتي تعملي حاجة جديدة، انتي بقى في اهم مرحلة من حياتك ياندى، انتي متجوزة جديد يا ماما..
وجدها شاردة بوجهه، فجعد جبينه ليقول بمكر : سرحانة في الجواز صح ...
لم يكمل جملته بسبب تصفقيها الحار، لتقول : بس وجدتها احنا نلعب كوتشينه.
رمقها بسخرية ليقول : هي دي فكرتك عن الجواز.
هتفت برجاء طفولي : يالا نلعبها علشان خاطري، انا شاطرة فيها أوي.
ابتسم مالك ليقول بنظرة ماكرة : نلعبها بس باحكام، اصلها متبقاش ليها طعم الا بالاحكام.
صمتت لبرهة تفكر لتقول بتحذير : ماشي بس اوعى تقولي انزلي السلالم او اطلعي بلكونة اصرخي، الاحكام في الشقة هنا.
ضحك بقوة قائلاً : عيب عليكي، هو انا تافه لدرجاتي، انا هاحكم احكام عميقة .
غادرت المطبخ لتقول : طيب هاروح اجيبها وانت تعال ورايا..
همس مالك بحماس : ياسلام ، هاتلاقيني في ضهرك.
.........
عدل الطبيب الابرة المثبتة بيد فارس، واطمئن على سريان المحلول ليقول : بس يابطل المحاليل دي هاتروقك.
هتف شريف بقلق : خير يا دكتور.
انشغل الطبيب بكتابة الدواء فقال : مفيش شوية مشاكل في معدته هاتتحل باذن الله.
اعطى الورقة لفارس قائلاً : جيب الدوا ده وانت مروح وهاتبقى زي الفل .
أكمل حديثه ووجه لشريف: لو سمحت تنادي حد من التمريض بس تيجي تراقب المحلول..
كان يحدثه تحت صدمة فارس التي لم يستطيع اخفائها، دواء ماذا، ومرض ماذا، ماذا يفعل ذلك الطبيب، غادر شريف ، فالتفت اليه الطبيب يوبخه : مش عيب لما طويل كده وراجل قد الدنيا وتبقى اهبل.
اتسعت اعين فارس بصدمة ، ليكمل الطبيب حديثه : انا قولت كده علشان مطلعكش كداب وخصوصا انك زي الفل، محاليل دي جلكوز ، والدوا ده فيتامينات مع انك مش محتاجهم...
دلفت الممرضة ومعاها شريف ودلف خلفه بقيتهم عدا هي انقبض قلبه، أيعقل ان تكون تركته وذهبت وشرد بتفكيره ولكنه عاد عندما وجدها امامه تجلس بهدوء على مقعد بجوار والدتها، انهت الممرضة عملها، فشكرها فارس : خلاص مالوش لزوم تقعدي معانا، شوفي انتي شغلك، معايا أهلي مش هايسيبوني.
هزت رأسها باستيحاء ثم خرجت، فنهضت والدة سراج : طيب يالا بينا يابني ، ونبقى نجتمع في وقت تاني انسب.
جز سراج على اسنانه بغيظ وخاصة عندما شعر بتمثيل فارس ليقول مؤكداً وهو ينظر بعيني فارس مباشرة والتحدِ يملئ عيناه ونبرة صوته : اكيد ياماما، لازم نقدر الظروف، المهم هاتصل بحضرتك يا طنط اخد معاد تاني عن اذنكوا...
غادروا تحت نظرات فارس الحانقة ، فخرج خلفهم ماجى وشريف وعمرو يودعوهم معتذرين عن ما حدث... فـ بقيت هي وحدها معه... حاول استطعافها بنظراته وتمثيله للوجع لعلها تتحرك وتأتي بجانبه ولكن لا فائدة فبقيت هي ساكنة ، تنظر له فقط..حتى قطعت هذا الصمت بوضعها سااق على الاخرى، فاشار هو للماء قائلاً : يارا هاتي المية دي وشربيني... تعبان اوي.
ظهر على وجهها علامات الامتعاض لتقول : متستعبطش يا فارس، انت زي الفل ما شاء الله..بس ان كنت فاكر انك كده ضيعت على سراج الليلة ، فـ متقلقش هاتخطبله بردوا ..
نهضت واتجهت صوب الباب ليقول بحنق : على جثتي يا يارا.
هزت كتفيها بلامبالاة قائلة باستفزاز : هانقرأ الفاتحة امتى؟؟..
غادرت الغرفة، فخرجت من فمه قذائف وسباب لاذع، حاول تهدئة نفسه والعودة لثباته قائلاً : اهدى يا فارس..،اهدى، هي عاوزه تعصبك.
غادرت الغرفة فوجدتهم امامها، وجهت حديثها لعمرو : يالا اطمن عليه وتعال وصلني علشان تعبانة .
هز رأسه بموافقة ، تقدمت من الدرج وهي تبتسم بنصر وخاصة بعدما علمت بامر تلك التمثيلية وتتذكر كلمات الطبيب وهي تقف امامه تستعطفه ليخبرها بحالته الصحية
_ يابنتي اهدي هو كويس والله، والله كويس، ده بيمثل شكله عاوز يهرب من حاجة، فـ مثل انه عيان..
عادت من شرودها، وضحكت باستمرار على تفكيره وفعلته الحمقاء تلك، اقسمت بداخلها ان تذقيه مرارة الفراق كما هو اذاقها من قبل بلا رحمة ، حان الوقت ان يتذوقها ليعلم قسوة مرارته ومرارة وجعه.
.........
بشقة مالك...
جلست امامه ترمقه باهتمام وهو يتحدث ويشرح لها قواعد اللعبة، عقدت حاجبيها بعدم فهم قائلة : ازاي يعني علبتين فيهم احكام .
وضع الصندوق امامها وبداخله عدد لا بأس به من الاوراق الصغيرة والمطوية : ده يا ستي العلبة بتاعتك فيها احكام تخصك لو انتي خسرتي هاتسحبي ورقة وتنفذي حكمها...
أكمل حديثه وهو يضع الصندوق الاخر امامه : وده بردوا علبتي وفيها احكام لو انا خسرت هاسحب ورقة وانفذها تمام..
رمقته بعد دقيقة من الصمت، لتقول بتحذير : بس اوعى يكون فيها ضرب.
اعطاها ورق الكوتشينه بيدها ليقول : مبمدش ايدي على بنت، وبعدين قولتلك الاحكام اعمق من كده بكتير.
أنهى حديثه بغمزة خفيفة من طرف عينيه، ليقول بحماس : يالا نبدأ.
هتفت يارا بنفس حماسه ولكنه مصاحب لخوف بسيط وخاصة عندما لاحظت تلك النظرة الوقحة بعيناه : يالا ..
توترت ببدء الامر بسبب انشغالها بالتفكير بالاحكام التي كتبت بالاوراق الصغيرة ، فـ أدت الى خسرتها، حتى صفق هو بحماس : مبروك يا ندى، خسرتي اول جولة يالا بقى اختاري حكم.
نظرت للصندوق بتفكير، فحثها هو على الاختيار، اختارت ورقة فتحتها وقرأتها بهمس : بوس اللي قدامك.
شهقة قوية كتمتها، رفعت عيناها له ترمقه بخجل، فرأته يبادلها بنظرات ماكرة ، ليقول بحماس : يالا نفذي اللي في الورقة .
القتها بعيداً قائلة بتوتر : لا هاختار واحدة تانية .
مدت اصابعها تلتقط ورقة اخرى مع تذمره الكامل لعدم تنفيذها للحكم الاخر، قرأت بهمس وعيناها تتسع تدريجياً من وقاحته : احضن اللي قدامك لمدة ربع ساعة، ها لمدة ربع ساعة .
القتها هي الاخرى وكان التذمر من نصيبها لتقول : ايه ده ايه الاحكام دي.
رفع حاجبيه مستفهماً ببراءة : مالها!!.
هتفت سريعاً : قليل....
بترت جملتها وصمتت، حتى قال هو حانقاً : لا انتي بتبوظي اللعبة، يالا اختاري واحدة تانية وهاتنفذيها.
زفرت بخفة وهي تقرأ الاخرى، حمدت ربها ان حكمها اخيراً باستطاعتها تنفيذه : قول كلمة حلوة في حق اللي قدامك.
اتسعت ابتسامتها لتقول : اممم، حاسة انك طيب اوي.
بادلها بابتسامة مقتضة قائلاً : انتى بتكلمي ابن اختك، بعدين اشمعنا دي اللي نفذتيها، على العموم شكراً..
غمزت بطرف عيناها لتقول قاصدة اغاظته : العفو..يالا بقى نلعب جوة تانية وان شاء الله اكسبك.
اعطاها الاوراق بيديها ليقول بمكر : لازم تكسبيني المرادي.
لم تفهم حديثه او بمعنى أصح ركزت باللعب حتى لا تخوض تجربة الاحكام مرة اخرى..اوشكت على الانتصار ودقيقة اخرى ستعلن انتصارها بسعادة ، ولكن في الحقيقة هو من قصد الخسارة امامها..
ندى بحماس : اختار يالا حكم وهاتنفذه.
ضحك مالك ليقول : طبعا، انا متشوق اصلا للاحكام بتاعتي .
قطبت جبينها و رمقته بعد فهم، حتى سمعته يقرأ : بوووس...
اشارت له صارخة : لا والله ابداً انا عفيتك عن التنفيذ.
هز رأسه بنفي ليقول : ابداً هانفذه..
وقفت بسرعة قائلة : خلاص انا مش هالعب،زهقت..
اتسعت عيناها عندما وجدته يقف ويقترب منها قائلاً بمكر : انا حاسس بتأنيب الضمير ان مخلتكيش تشمتي فيا، لازم انفذ الحكم.
وضع يديه على خصرها، فتوترت هي حاولت الابتعاد ليقول باصرار : والله ابدا لازم انفذه وبااتقان.
حاول عقلها اسعافها للخروج من تلك الورطة ، حتى قالت وهي تنظر خلفه : ايه ده مين ده.
ابتسم بمكر : قديمة ، العبي غيرها.
همست باسمه باستعطاف : مالك..
اغلق عيناه زافراً بخفة ليقول : متقوليش اسمي كده.
هتفت ببلاهة : ليه، مقولش ليه!.
فتح عينيه ليقترب بوجهه أكثر منها قائلاً : بيخليني عاوز اعمل كده.
لثم شفتيها برقة ، تراخى جسدها بسبب تلك العاصفة التي داهمتها بقوة فجعلتها في دوامة من المشاعر كلما حاولت ان تبتعد تغرق أكثر بها، اما هو فكان شعوره لا يقل عنها، بل ارتفعت حرارة جسده لملمس شفتاها الرائع، ابتعد عنها ببطئ وهو يتفحصها بهدوء، دفعته عنها بقوة وركضت صوب الغرفة تحتمي بها واغلقت الباب خلفها وهي تلهث، لمست شفتاها باصابعها قائلة : ده طلع مجنون، مجنون ايه ده قليل الادب.
راقبها وهى تبتعد وتختبئ منه، تنهد ونظر للاوراق الملقاة ارضاً : لا حكايه الكوتشينه دي طلعت تحفه.
.......
بشقة خديجة ..
رفعت الاطباق من على الطاولة لتأمر الصغيرة : ايلين اغسلي ايدك يالا..
امتثلت الصغيرة لامرها، امسك عمار بعض الاطباق وذهب خلفها للمطبخ، استدرات هي تزامناً مع دخوله فاصطداما ببعضهما، ابعد الاطباق عنها حتى لا تسقط فـ وضعت خديجة يديها على صدره كحركة تلقائية ، رفعت عيناها ترمقه بتوتر فمن المؤكد سيوبخها عن فعلتها تلك، عقد حاجبيها عندما وجدته مستكيناً ينظر لها باشتياق، عضت على شفتيها السفلى خجلاً من نظراته وزاغت انظارها، مد اصابعه يحرر شفتاها ببطء وهي لا حول لها ولا قوة كل ما في وسعها هو اغلاق عيناها والاستمتاع بتلك اللحظة التي قد لا تتكرر، اقترب بوجهه منها وكاد ان يلتهم شفتاها كالمغيب لولا هتاف الصغيرة الذي ايقظه في اخر لحظة وجعله يعود لطبيعته القاسية، ابتعد عنها فشعرت هي بالفراغ، نعم فراغ قاتل بعد كم من المشاعر الدافئة التي شعرت بها تحت لمسته لها...
انتبهت على الصغيرة تقول له : عمار ممكن تبقى تيجي معاايا المدرسة بكرة ، في حفلة وقالوا نجيب بباهتنا معانا وانا معنديش بابا، تيجي انت..
حولت خديجة بصرها نحوه ترمقه برجاء فوجدت وجهه خالي من اي مشاعر، اقتربت من الصغيرة لتواسيها عندما ايقنت انه بعد دقيقة سيرفض بشكل قاطع...اما هو فاغلق عيناه بغضب من ذلك الصراع الذي بدء لتو بداخله بين قلبه وعقله، فمن سينتصر في النهاية !!
