رواية قلوب مقيدة بالعشق الفصل الحادي والعشرون21 والثانى والعشرون22 بقلم زيزي محمد


 رواية قلوب مقيدة بالعشق 

الفصل الحادى والعشرون والثانى والعشرون 

بقلم زيزى محمد


الفصل الحادي والعشرين


فتحت عيونها بصعوبة واعتدلت تنظر في ارجاء الغرفة تبحث عنه، لقد شعرت به بالامس، التقط انفها رائحة عبقه ، شعرت بيده تمسد على يديها وشعرها ،، شعرت بملمس شفتاه على وجهها وثغرها ، نهضت بصعوبة تبحث عنه.. خرجت من غرفتها وجدت خديجة تجلس بجانب ايلين وتتحدث معاها ، لمحتها خديجة تقف على أعتاب الغرفة ، نهضت بسرعة قائلة : الف سلامة عليكي يا ندى..

مدت ندى يديها واستندت على خديجة قائلة بوهن : مالك فين..

اجابتها خديجة وهي تساعدها على الجلوس : جه امبارح واطمن عليكي وبعدها مشي علشان شغله..

سألتها ندى : وهو ايه اللي عرفه ، اخر حاجة فاكرها ان جيتلك وبعدها..

قالت خديجة بابتسامة : وبعدها وقعتي من طولك وانا روحي اتسحبت مني، وفي نفس الوقت كان فارس طالع على السلم يطمن عليكي، الحمد لله دخلناكي جوه وجاب دكتور قالنا ان عندك برد شديد ودرجة حرارتك كانت عالية أوي، الدكتور مشي من هنا مالك جه من هنا وفضل معاكي لغاية الصبح وبعدها مشي..

سقطت دموعها بغزارة قائلة: وهو مش عارف يستنى لغاية ما يطمن عليا. 

زمت خديجة شفتاها قائلة : اعذريه شغله  بردو صعب يا ندى..

مسحت ندى دموعها لتقول بلامبالاة ظاهرية : مبقاش يفرق..تعبتك معايا يا خديجة ..

ربتت خديجة على يديها : تعبك راحة يا ندوش، انتي بقيتي أختي ومفيش بين الاخوات الكلام ده.

..........

فرك جبينه بتعب، علامات الارهاق تحتل ملامحه بقوة ، لم يذق جفنيه طعم النوم منذ الامس، تنهد بحزن وهو ينظر لسقف الغرفة مفكراً بها وبحالتها، أغمض عيناه عندما تذكر بالامس صوت فارس وهو يخبره بمرضها، وقتها فقط شعر بقلبه يخرج من موضعه، لم يعرف كيف اختصر الطريق ولم يعرف كم كانت سرعته، كل ما كان يشغل ذهنه هي فقط، يريد ان يطمئن عليها، تذكر تلك الساعات المعدودة على أصابع يده التي قضاها برفقتها، لاشك انه أخذ طاقة منها عندما روى صدره وشغفه بها، وامتلئ قلبه بذلك الحنان المنبعث منها حتى وهي ترقد لا تشعر به، وشبعت عيونه برؤيتها، بعدما نفذت طاقته عادت تتجدد برؤيتها من جديد .. تمنى ان لو لديه شئ سحري يخترق ذلك السقف ويراها ويقضي معاها اطول وقت ممكن وخاصة عندما تذكر ان هذة المرة سيطول غيابه بالتأكيد بعدما اتخذ قراره بإنهاء اجازته وان يعود لعمله بأسرع وقت حتى ينغمس به ويحاول ان يشغل تفكيره بشئ اخر...

نهض بصعوبة من فراش صديقه عندما قرر بالامس ان يبيت عنده، ارتدى ثيابه وخرج من الغرفة وجد فارس يحضر الطعام قائلاً : بتعمل ايه !!.

رفع فارس عيونه قائلاً وهو يشير للصحن بيده : عملتلك مكرونة رهيــبة ..

تقدم منه مالك وهو يضع سلاحه خلفه : كُلها انت، انا هامشي.

تحدث فارس بحنق : ياض قدر وقفتي وانا بدخل على النت بجيب طريقتها، وربنا ريحتها تحفة ، وقعت على قناة طبخ ايه انما لذيذة..

ابتسم مالك ليقول باستنكار : طبخ، اخرتك تطبخ..

جلس فارس مكانه قائلاً بغيظ : جوايا غيظ يا مالك وخايف اتهور على سراج اكتر من كده تلاقوني لابس البدلة الحمرا، فقررت اتجه للطبخ .

ضحك بخفة ليقول : سراج عاملك جنان في دماغك..

وضع فارس امامه هدية يارا قائلاً باستنكار : شوف اختك جايبلي ايه وبتحرق دمي .

فتح مالك العلبة وجد سلسال به صورة ياسمينا .. فقال فارس بضيق : على أساس ان انا بلبس سلسلة مثلًا أختك دي هبلة ولا هي شايفني ايه، لا وحاطلي صورة ياسمينااا..ربنا ياخد الكفرة بجد علشان انا اتخنقت منها .

ربت مالك على كتفه ليقول : معلش استحملها، انا هاقوم امشي..

نهض فارس يقف بمقباله قائلاً : طيب اطلع اطمن عليها علشان ترتاح.

هز رأسه برفض : لأ انا هامشي مينفعش ارجع في قراري...سلام...

غادر مالك، أطلق فارس تنهيدة قوية قائلاً: قلوبنا متقيدة بالحب والعشق..لغاية امتى هانفضل في العذاب ده.

التفت بجسده ينظر لهديتها ليقول بغيظ : لغاية امتى هافضل مستحمل غبائها .

........

تقلب بفراشه يمنياً ويساراً عقله أرهقه من التفكير، وقلبه أرهقه من عشقها، ضغط بيده على الغطاء مشددًا عليه بغضب عندما تذكر أمس وحالة الضعف التي انتابته معها، ماذا فعل احتضنها وظهر ضعيفًا أمامها، أين وعوده لنفسه أين انتقامه، نسي كل ذلك، نسي حديثها اللاذع والموجع له ، كيف له ان ينسى وهو يتذكره يوميًا وفي كل ساعة وفي كل لحظة ، يتجسد امامه الموقف وكأنه البارحة وليس من ثلاث أعوام .. أغلق عيونه متذكرًا أكثر لحظة انفطر قلبه بها...

( فلاش بااك )

سارت بجانب والدتها بخطوات مملة وبطيئة ، عيناها على المارة ، وقلبها وعقلها متعلقين بـ عمار، خطوة تلو الاخرى، الالام تغزو رأسها بقوة، وقفت لثواني تغمض عيناها بقوة ، شعرت بيد قوية تعرف ملمسها جيدًا ، تجذبها بعيدًا عن الزحام ، فتحت عيناها وجدت عمار يتقدم بها بسرعة كبيرة الى أحد الطرقات المظلمة ، حولت بصرها الى الخلف لترى والدتها، لم تجدها ، حاولت ان تخرج صوتها وتنهره حتى يبتعد عنها، ولكن لم تستطيع ، فتركت لنفسها محاولة الاشباع منه ومن نظراته ، فهذه المرة ستكون الأخيرة ، لتمعن قلبها وعقلها وتروي عطش حرمانها منه....


وقف بها بعد دقائق وهو يلهث بقوة : الحمد لله انك معايا، يالا بسرعة نكمل طريقنا ..

جذبت يداه لتقول بعدم فهم : طريق ايه يا عمار، انا قولتلك طريقنا مش واحد.

هزها بعصبية ليقول بشراسة حبيب يدافع باستماتة عن عشقه : لا واحد، متخافيش انا معاكي، وابوكي هايوافق غصب عنه.

جذبت يدها من قبضته لتقول بهدوء : انا مش هاقف في وش ابويا يا عمار، ولا هاجبله العار قدام اهله واصحابه ولا هاكسره.

قطب عمار ما بين حاجبيه ليقول مستنكرًا : ماهو ياما كسرك يا خديجة، اكسريه مرة .

صرخت بنبرة مكتومة وهي تقول ببكاء : بس ده ابويا، حتى لو كان بيضربني وبيعاملني وحش، انا بحبه، مش هاكسره يا عمار واخليه ميقدرش يرفع عينه في حد، مش انا اللي تعمل كده في ابوها، ارجوك انا خلاص ده قدري ونصيبي، ومش هاقدر اغيره، سميه ضعف، سميه زي ما تسميه، انا مش هاجاي معاك، وهامشي في الطريق اللي ابويا رسموهولي،  وارضى بنصيبي.


وقفت للحظات ترى مدى تأثير حديثها عليه، فوجدته ينظر لها بقهر قائلًا بغضب : خسرت شغلي ومكانتي علشانك وفي الاخر تيجي وتقوليلي كده، انا قدمتلك كل حاجة ، وانتي مقدمتيش اي حاجة ، انا حبيتك وانتي للاسف كنتي واخدني كبري علشان تهربي من ابوكي، ومع اول كوبري جه وافقتي عليه، عارفة انا بقول كده ليه، علشان لو كنتي بتحبيني بجد كنت وقفتي في وشه واتجوزتيني!!!.


هزت رأسها ببطء وهي تحول بصرها للجهة الاخرى هرباً من نظراته القاتلة لتقول بصوت مختنق : صح، نظرتك فيا صح، لو سمحت سيبني بقى علشان اشوف كبري غيرك اهرب من جحيم ابويا عن طريقه.


توسعت عيناه من وقاحتها ، منذ متى وكانت خديجة زهرة قلبه تتحدث بهذه الفظاظة ، وجع يضرب صدره من جديد، ولكن هذه المرة كانت القشة التي قسمت ظهر البعير!..


تركها وسار في طريقه بخطوات متمهلة لعلها تصرخ وتناديه فيعود هو بسرعة ، ولكن خطوة تلو الاخرى وتبعتد تلك المسافة بينهم ، ليقف قليلًا ويستدر نصف استدارة ، يلقى نظرة اخيرة على محبوبته ، ليجد لا أثر لها، ابتسم بسخرية على سذاجته قائلًا بخفوت : اظاهر انك فعلًا واخدني كبري يا خديجة ، ربنا يسامحك او يسامح ابوكي !!.

( باااك ) 

وضع يده على وجهه يحاول كبح مشاعر كثيرة تتسابق بداخله ، انتبه على رنين الهاتف ، أجاب دون ان يرى من المتصل : ألو..

أغمض عيونه عندما وجدها هي من أرهقته بحبها : عمار انت فين؟!..

بلع تلك الغصة بحلقه في الآونة الاخيرة لم يعد باستطاعته ان يعود للجمود والقوة، حنينه لها سيطر عليه هتف بنبرة هادئة : في البيت.

_ أنا أسفة علشان سبتك امبارح بس ندى كانت تعبانة وانت شوفت كده .

خرج صوته مبحوح : عادي يا خديجة.

هتفت بقلق : انت كويس صح.

تزاحمت الكلمات المتناقضة وكأنها في صراع ليفوز احداهما بالخروج من فمه منها الجامد والحاد ومنها اللين و الضعيف، أخيرًا استطاع التحكم بنفسه : اه.. كنت عاوز اقولك ان هـ اسافر الفتره دي.

هتفت بحزن : فين .

_ مش ضروري تعرفي، سلام..

أغلق الهاتف والقاه بجانبه متمتماً : كده احسن، ابعد فترة علشان اعرف ارجع زي زمان..

............

بعد مرور شهر وأسبوع...


مسحت دموعها بقوة قائلة : قولتلك يا خديجة مبقاش يفرق، انا خلاص اخدت قراري.

عقدت خديجة حاجبيها وهتفت بتوجس : قرار ايه يا ندى..

نظرت لها ندى وتحدثت بنبرة مبحوحة : الطلاق.

شهقت خديجة لتقول بذعر : طلاق ايه!!، لا استهدى بالله انتي لسه عروسة مكملتيش شهرين...

ابتسمت بسخرية قائلة : اهو اديكي قولتي عروسة وجوزي سايبني لوحدي في شقة طويلة عريضة مبيسألش عليا ولا مرة، كلت ايه ، شربت ايه ، كل تعامله معايا عن طريق صاحبه ، يطمن عليا من صاحبه ، انا مش هاستحمل العيشة دي، انا زهقت من الوحدة ، لو هو بيكرهني فيه بالذوق ، فـ هو نجح في كده وكرهته خلاص.

ربت خديجة على يداها قائلة : طب استهدي بالله، واستني لما يرجع من شغله واقعدي معاه لو ملاقتيش سبب قوي اطلقي.

نهضت ندى تبكي بإنهيار : هو انا هاستني لغاية امتى ؟!، انا تعبت من الانتظار، ومش هاستنى اكتر من كده، مش هو بيتعامل معايا  عن طريق صاحبه انا بقى هانزل لصاحبه..


حاولت خديجة إيقافها ولكن ندى لم تستمع لاي شئ، هبطت نحو شقة فارس وطرقت الباب والرؤية لديها مشوشة من كثرة دموعها، فتح فارس باب الشقة تفاجئ بها وبحالتها تلك هتف بقلق : في ايه...انتي كويسة ؟

هزت رأسها بنفي لتقول بـ لهجة حادة : تتصل على مالك وتقوله يجي انهارده حالًا ، حـالًا .

انهت حديثها وصعدت الدرج وصوت بكائها يرتفع شيئاً فـ شئياً ..

.......

جلس بمكتبه يهز ساقه بعصبية شديدة، ينظر لباب الغرفة بشرود، تخبطت المشاعر بداخله، ساءت حالته أكثر عندما سمع صوت زملائه ينهئون رأفت بنجاح القضية ، صدح رنين هاتفه اجاب على الفور..

_ الو ..

فارس بهدوء : مالك، ندى نزلت وكانت منهارة وبتقولك تيجي حالا..

هتف مالك بحزن : حاضر هاجي..

فارس بتعجب : هاتيجي بجد!.

مالك بضيق : امممم، الموضوع شكله هاينتهي انهارده.

فارس مستفهماً : رأفت رجع امتى؟!.

مالك : أول امبارح ولسه جاي الإدارة انهارده، وبين الثانية والتانية هايدخلي، اقفل انت..

............

احتضن سمير رأفت بقوة هاتفًا :. ليك وحشة يا بطل ، مبروك نجاح العملية .

هتف رأفت بسعادة : الله يبارك فيك، أخيرًا الغمة انزاحت..

ربت سمير على كتفه بفخر : الجهاز كله بيتكلم عن العملية ودقتك فيها..

تنهد رأفت براحة : متتخيليش فرحتي قد ايه وانا والشباب بيقبضوا عليهم، القضية دي طولت أوي مكنتش حاسس انها هاتخلص.

أشعل سمير سيجارة قائلاً : قضية مش سهلة والقبض على أكبر تاجر مخدرات في قنا حاجة مش سهلة بردو، المهم انك نجحت والشباب عملوها على اكمل وجه .. بس الا قولي مكلمتنيش ليه امبارح ؟

جذبه رأفت جانبًا وتحدث بخفوت : كنت بجهز شقه في إسكندرية علشان لما اخلص موضوع ندى اخدها على هناك.

هز سمير رأسه متفهمًا : طيب دخلت لـ مالك.

نظر رأفت صوب مكتب مالك : لا لسه هادخله اهو .. ربنا يسهل والموضوع يخلص على خير، انا متفائل.

سأله سمير باهتمام : انت كلمت ندى الفترة دي؟!.

 أجابه رأفت : اه وكان باين على صوتها انها زعلانة ، ادعيلي يا سمير الفترة دي تعدي على خير .

هتف سمير : ان شاء الله، ادخل انت يالا لـ مالك.

تقدم رأفت بخطوات واسعة نحو غرفة مالك، طرق الباب ثم دلف ...

_ اخبارك يا مالك .

نهض مالك يستقبله ورسم على وجهه ابتسامة صغيرة : الحمد لله، مبروك يا باشا.

جلس رأفت قائلاً : الله يبارك فيك.

عم الصمت المكان فـ توتر رأفت في بداية حديثه وايجاد كلمات مناسبة : انت طبعا عارف طلبي ، وعارف انا هاقولك ايه، واظن انت نفذت نص اتفاقنا، ياريت تنفذ الباقي وتطلق ندى..

ابتلع مالك ريقه بصعوبة ليقول : هو مفيش اي حل...

قاطعه رأفت بضيق : مالك انا مقدر انك خايف عليها، ومش عاوز تزعلها بس انا عمها وادرى بيها وبمصلحتها، وهي مينفعش تكمل معاك، اهمهم انها لو عرفت ان ليك أهل هاتتصدم فيك صدمة عمرها واحتمال متقمش منها، وكمان أهلك لو عرفوه هايبقى ايه منظرك قدامهم، من الافضل انك تنفذ وعدك.

هز مالك رأسه بحزن قائلًا : يالا بينا..

تعجب رأفت : دلوقتي!!.

هتف مالك وتملك منه بحة غريبة : اه ، ده انسب وقت.

...........

جلست بشقتها تراقب عقارب الساعة منتظرة مجيئه وخاصة عندما ابلغها فارس بمجيئه، جهزت بعقلها العديد من الاسئلة، مسحت دموعها للمرة الالف تقريبًا وحاولت رسم الجمود على وجهها، فشلت كالعادة وعاندتها دموعها وهبطت بغزارة ، انتبهت على قرع الجرس نهضت واتجهت بخطوات بطيئة فتحت الباب وجدت رأفت امامها ... ابتسمت بسعادة ومسحت دموعها واقتربت منه تحتضنه : وحشتني يا عمو، وحشتني أوي.

مسد رأفت على ظهرها قائلاً بحنو : وحشتيني يا ندى.

رفعت بصرها وجدت مالك يقف خلفه وملامح وجهه جامدة ، ابتعدت عن رأفت وهتفت بتهكم : نورت يا مالك، نورت بيتك أخيرًا.

دلف مالك الى الشقة وتجاهل نبرتها، فـ ربت رأفت على كتفها : مالك في ايه..

تعلق بصرها بمالك، فدلفت خلفه تتحدث بعصبية : في ايه انت بتتجاهل كلامي كده ازاي!!.

وجدها مالك فرصة مناسبة، فـ تحدث بعصبية : هاتجاهل بدام بتكلميني بالطريقة دي.

وقفت امامه تهتف بنفس عصبيته : انت ازاي كده، ازاي متفكرش فيا وتسئل عليا، جالك قلب..

جلس مالك وتحدث ببرود ظاهري : شغلي، ولازم تقدريه..

تقدمت منه قائلة بحزن : وان مقدرتش..

تشجنت ملامحه وقبض على يده ليقول بخفوت : يبقى نطلق.

رغم خفوت نبرته ولكن كانت قوية أصابت قلبها، رمشت بعيونها عدة مرات تحاول استيعاب حديثه الخالي من اي مشاعر، لهذه الدرجة نطقها بسهولة ، اين وعوده لها!!، اين مشاعره، اختفت بهذة السرعة ..رفعت رأسها وهي تبتلع تلك الغصة بحلقها لتقول بكبرياء  : يبقى نطلق.

نهض من مكانه واستدار صوب باب الشقة قائلاً بنبرة جامدة : انتي.. طالق.

شهقة قوية صدرت منها حاولت كتمها ففشلت، توقف للحظات واندلع الصراع بداخله في ان يلتفت لها ويحتضنها ضاربًا بكل مخاوفه عرض الحائط، او ان يسير في طريقه ..انتبه لصوت رأفت يقول بجمود : قومي يا ندى لمي هدومك..

ثم وجهه حديثه لمالك بحدة مزيفة : في اقرب وقت تبعتلها ورقة الطلاق..

التفت مالك برأسه يرمقه بكره وحقد لنبرته تلك تحدث وكأنه المذنب وليس هو... هو المذنب الاول والاخير بهذه القصة .. غادر مالك الشقة بسرعة ، واستقل سيارته ضاربًا بيده المقود، شعر باختناقه .. لم يدري بنفسه الا وهو امام منزله.. هبط بجسد مرهق وقلب جريح.. ودلف يبحث عن والدته بعينيه تجاهل حديث ليله ويارا، وتقدم صوب والدته وانتظر ريثما تنهي صلاتها.. جلس على الارض امامها وانتظر حتى انتهت تماماً عندها اندفع نحوها يحتضنها بقوة .. جعدت جبينها بقلق : فيك ايه، انت مجتش قعدت كده غير لما ابوك مات.

هتف بهمس حزين : متسألنيش، بس انا تعبان، ومحتاجك يا أمي.

مسدت على ظهره بحنان : وانا معاك يا قلب أمك، ارتاح وارمي همومك عليا.

_ صعب أوي، صعب.. همي ده هايفضل يخنقني على طول..

حاولت التحدث فقاطعها قائلاً: انا سبت كل الدنيا وجتلك انتي، علشان عارف انك مش هاتضغطي عليا وتسأليني زي ماعودتيني من صغري، اجاي واحضنك وانام.

ربتت ماجي على شعره لتقول بنبرة حزينة وخاصة عندما شعرت بنبرته الموجوعة والحزينة : نام.. وحاول تنسى زعلك، انا معاك.

...........

ساعدتها خديجة في ترتيب ثيابها في الحقائب، راقبتها خديجة بعيونها وجدتها هادئة تنتقل من هنا الى هنا بخفة وكأن لم يحدث شئ منذ ساعات قليلة ، قطبت جبينها وتقدمت منها وجعلتها تقف قائلة بقلق : انتي كويسة صح؟!.

هزت ندى رأسها وابتسمت : اه كويسة ..

احتضنتها خديجة لتقول بحزن : طيب عيطي، او طلعي الي جواكي حتى..

ابتعدت ندى عنها ورمقتها بحزن أشد : عيطت كتير، واللي جوايا انتي عارفاه كويس.

حاولت خديجة اخراج كلمات مناسبة : ندى دي مش نهاية الدنيا ولا نهاية حياتك، أكيد هاتقابلي حد تاني وتنسي مالك وتكوني حياة تانية جميلة... وسعيدة ..

سقطت دمعة ساخنة على صفحة وجهها قائلة بانكسار : بس دي نهايتي انا، وعمري ما هافتح قلبي لحد غيره ، قلبي اتكسر يا خديجة وصعب انه يتصلح تاني، كفاية اوي اللي عيشته معاه بحلوه ومُره هاكمل واعيش على ذكراه..

همست خديجة ببكاء : انتي بتحبيه اوي كده.

هزت ندى رأسها واستسلمت مجددًا لنوبة البكاء التي سيطرت عليها : اه اوي، ربنا يسامحه، علشان انا مش هاسامحه ابدًا.



الفصل الثاني والعشرون..


تململت بفراشها بـ غرفتها الجديدة في الشقة التي استأجرها عمها بالإسكندرية ، لم تعرف سبب برودة جسدها رغم الغطاء الثقيل الذي يحتضن جسدها بقوة، حاولت فتح عيونها ولكن فشلت لتورمها وانتفاخها الزائد بسبب بكائها اللعين الذي لم تستطيع ان تتحكم به حتى الان ورغم ان مر على طلاقها أسبوعًا كاملًا، أسبوعًا وتنتظره يوميًا أن يأتي خلفها او على الاقل يجري اتصالًا بها، ولكن خابت كل أمالها، أرهقت عقلها بالتفكير به وبما فعله، وأرهقت قلبها بذكرياتها معه ، نجحت أخيرًا بأن تقف على قدمها رغم تلك الهزة التي تحدث بجسدها كلما حاولت ان تقف، تقدمت بخطوات بطيئة نحو ذلك الصندوق الصغير الذي أخفته عن عمها، فتحته بأصابعها الرقيقة وهي تجذب من داخله قميصًا له وعالقة به رائحته، وضعت قميصه عند أنفها تستنشق عبقه واغلقت عيونها تستمتع بتلك اللحظة ، انسابت دموعها مجددًا بلا رحمة على صفحات وجهها وتعالت شهقاتها ضغطت بيدها على قميصه وكأنها تدواي به جراحها، انتبهت على طرق الباب وضعت القميص بسرعة وأخفت الصندوق مكانه ، مسحت دموعها وهي تتقدم باتجاه الباب فتحته بعد ثواني بعدما نجحت أخيرًا في تنظيم أنفاسها، رسمت ابتسامة صغيرة وهي تفتحه قائلة بصوتها الهادئ: صباح الخير يا عمو.

رمقها رأفت بعتاب : بردوا بتعيطي يا ندى.

التفت بجسدها تهرب من عيونه لتقول برقة : انا ؟ فين ده ؟

تقدم رأفت خلفها ثم جلس بجانبها ليقول : على أساس ان مبسمعكيش بليل والصبح، يابنتي حرام عليكي نفسك العياط هايفيدك بأيه...

هزت كتفيها لتقول ببكاء عندما لمس عمها جراحها : مش هايفيد بحاجة بس يمكن ارتاح..

زم رأفت شفتيه وحاول اقناعها بشتى الطرق : لازم ترتاحي وتشوفي حياتك، لانه أكيد شايف حياته دلوقتي.

نهضت واتجهت صوب النافذة تفتحها تحاول استنشاق الهواء لشعورها بالاختناق وانقباض قلبها فقالت بلامبالاة ظاهرية : ربنا يوفقه مع حد أحسن مني.

شعور رهيب يكاد يفتك برأفت بعدما فعله بها، لم يتخيل انها ستحزن بهذة الطريقة ، لوهلة فكر انه قد حسبها خطأ هو وسمير، لقد جنى بفعلته عليها ، ولا مجال للرجوع في خطته...

تقدم منها وتابع بعيناه تلاطم الامواج ببعضها فقال بهدوء : انا فكرت كتير، انا حاسس ان كبرت وعاوز اعيش اللي فضيلي من عمري معاكي يابنتي...

التفت له تتابعه بعيونها الحمراء ، فـ أكمل هو حديثه : انا قررت ان اقدم استقالتي ونسافر انا وانتي لأي مكان تحبيه .

هتفت برجاء : ياريت انا نفسي أسافر، انا حاسة اني مخنوقة أوي طول ما أنا هنا في مصر..

ابتسم رأفت بسعادة ليقول : انهارده هاسافر القاهرة أروح أحاول أقدم استقالتي .. ونبقى نرتب للسفر بعد كده.

اؤمات بموافقة ، فقال هو : هاروح ألبس علشان الحق أسافر..

غادر الغرفة والتفت هي تنظر للبحر بعيونها الحزينة ، راقبت الامواج وتلاطمها القوي ابتسمت بسخرية على حالها الذي تبدل في لمح البصر ، بين يوم والآخر، الامس كانت مشاعرها تتلاطم بقوة في حضرته تتصارع مع بعضها البعض رغم محاولتها الكثيرة لاخمادها، والان تلاطمها أصبح ضعيف يكاد يكون محسوس بداخلها ، اخمدت فعلا وليس بإرادتها بقيت مشاعرها الحزينة والتعيسة فقط ... وضعت يديها على قلبها عندما زادت انقباضاته همست بـ خوف لم تعلم مصدره : في ايه، قلبي واجعني اوي ليه..

.............

رفع وجهه يرمق قائده باستفهام : قولت حاجة يا فندم..

جذبه قائده بعيدًا عن زملائه : في ايه مالك ؟ انت مش مالك اللي انا اعرفه ولا مركز في القضية ولا أي حاجة ..

حمحم مالك بحرج وحاول ان يبرر، فقاطعه قائده بحزم وصرامة : ايا كان اللي شاغل بالك، ومخليك تايه لدرجاتي، فـ شغلك في المقام الاول والاخير، لاننا مبنشتغلش اي شغلانة ، احنا الغلطة تودينا في داهية..

أحمر وجهه من حديث قائده الصارم له، فـ عاد وتحدث القائد : مالك انت من أكفأ الظباط عندنا، ياريت مضيعيش مستقبلك، خلينا نخلص القضية دي على خير ونرجع شغلنا وحياتنا.. روح دلوقتي الوحدة ارتاح شوية وفكر في كلامي...

هز مالك رأسه وغادر غرفة العمليات واتجه للوحدة والتي كانت على مسافة قريبة من ذلك المبنى ، دلف غرفته وخلع قميصه باهمال ثم القى بجسده على الفراش مغلقًا عيناه للاستسلام لحالة النوم التي بات في الآونة الأخيرة يرحب به بصدر رحب خوفًا ان يغرق بالتفكير بها وتقوده مشاعره نحوها كـ حال كل ليلة ..

.............

جهز حقيبته واستعد للسفر، جلس على فراشه بإنهاك .. اكثر من أسبوع لم يستمع لصوتها او حتى شبعت عيونه برؤيتها المحببة له، التقط هاتفه يجري اتصالًا بها ناظرًا بملل للهاتف لتأكده انها لن تجيب عليه، ولكن فاجئته عندما أجابت بصوتها الهادئ : ألو..

تنهد ليقول بهدوء مماثل لها : مش متصل علشان نتخانق، بس بقولك ان انا مسافر..

صمتت لبرهة ثم قالت : اممم ويااترى شغل ؟!!.

توتر للحظات عندما سألته، لو علمت سبب سفره الحقيقي حتمًا سـ تغلق الهاتف بوجهه، فأجاب : امممم شغل.

ردت بجفاء : متكذبش، وقول انك رايح لمليكة اخت ياسمينا ، عادي يا فارس ما هي بعتتلي مسج تطلب رقمك وانا بعتوهلها...

بلع ريقه وهتف مبررًا : مكنتش عاوز أقولك لانك أكيد هاتزعلي مني وهـ نتخانق .

أجابته ببرود : ونتخانق ليه، مفيش بيني وبينك حاجة أكتر من أخوة ، ورديت عليك علشان انت اخويا ... هاتعوز حاجة مني قبل ما أقفل ..

هتف باقتضاب : لا سلام .

اغلق الهاتف ساخرًا من نفسه على ضعفه معها تلك المتمردة دوماً على حبه، التفت برأسه بالاتجاه الاخر زافرًا بحنق فـ وقعت عيونه على صورته هو و ياسمينا ومالك..

_ الله يرحمك حتى في مماتك لسة بعاني..

أغلق عيونه واستعاد ذكرى صعبة عليه .. ذكرى جاهد كثيرًا نسيانها..

( فلاش بااك ).

انتفض بغضب ناظرًا لها بقوة وخرج صوته حاد معها لاول مرة : ايه الجنان ده، انتي واعية كويس للي بتقوليه .

وقفت ياسمينا امامه قائلة بحزن : اه واعية فيها ايه اللي بقوله، أنا مقولتش حاجة غلط...

قاطعها بعصبية مفرطة : انك تقوليلي اتجوزك يبقى مش غلط ؟ ..اتجوزك ازاي وانتي في مقام اختي ، اتجوزك ازاي وانا بحب يارا وانتي عارفة اني هاتجوزها...

هتفت بعصبية مماثلة : وانا عمري ما اعتبرتك أخ، انا طول عمري بتمناك جوزي، وانا أحق منها..

كور قبضته بغضب وتقلصت ملامحه : انتي مجنونة صح .

صرخت بوجهه قائلة : اه مجنونة ، وهاتجوزك..

هتف بصوته الجهور : مش غصب، ومش كل حاجة هاتعوزيها احققهالك، افهمي بقى صعب الي بتقوليه ، انا مش هاجرح يارا ولا هاجرح نفسي قبلها..

هتفت بتعالي اتسعت عيونه لها : على فكرة انا أحلى منها في كل حاجة ، ملامحي شعري وكمان جسم....

قبض على مرفقها بقوة مقاطعاً اياها قائلاً بغضب : بس اخرسي، انتي بتستعرضي نفسك قدامي، انتي اتجننتي على الاخر...

صمت لبرهة ثم أكمل حديثه بنبرة تحذيرية : اياكي تفتحي الكلام الفارغ ده معايا تاني، مش عاوز ازعلك مني، مش هاتشوفي وشي تاني، والاخوة اللي بينا هاتتقطع وللابد، فاهمة ولا لأ.

نفضها بعيدًا عنه ثم تقدم صوب باب الشقة ليغادر ، توقف للحظة عندما سمعها تتحدث بحزن  : عندي كانسر، وخلاص ايامي معدودة ومش هاتعلاج علشان عاوزه اروح لماما وأختي ، بس كان نفسي قبل ما أموت اتجوزك، امنية عشت كتير نفسي احققها متحرمنيش منها، العمر قدامك انت ويارا، اتجوزها بعدي ، بس حققلي امنيتي..

تراجع بجسده والتفت يحدج بها يستكشف صدق حديثها، فـ رأى دموعها لاول مرة تتلألأ بمقلتيها، اقتربت منه وبيدها العديد من الاوراق : دي تحاليلي واشعاتي، علشان تتأكد، لو مش مصدق يالا نروح اي مستشفى..

التقط منها الاوراق يتفحصها بصدمة ، رفع وجهه يتأملها ليقول : هاتتعالجي، وهاتخفي..

هزت رأسها برفض ثم قالت : لأ، مبقاش عندي طاقة احارب بيها ، ولا أشوف نظرات الشفقة بعيونكوا كلكو حتى انت ومالك هاخلصكوا مني ومن تعبي وحملي اللي على قلبكو .. واخلص مليكة اختي مني ..

قاطعها قائلاً : انتي بتقولي ايه، احنا كلنا بنحبك وهاتتعالجي، ياسمينا انتي قوية وعنيدة وهاتخفي ...

اشارت له حتى يصمت فقالت برجاء : فارس انا بحبك انت، كلهم عندي عادي، بس بحبك انت، لو هاحارب، هاحارب علشانك ، وافق وحقق امنيتي الوحيدة قبل ما أموت واريحك مني ... أرجوك وافق..

 استفاق من شروده على رنين هاتفهه وما كان الا مليكة .. زفر بخفة واجاب : ألو...

 ‏_ انت فين يا فارس..

 ‏نهض وجذب حقيبته يجرها خلفه : رايح المطار أهو يا مليكة متقلقيش هاجيلك .

 ‏هتفت بامتنان : شكرًا يا فارس، مستنياك..

 ‏..........  

 ‏حاول ايجاد اي إضاءة في هذا المكان المظلم، تحسس بيده في جميع الجهات وانفاسه ترتفع شيئًا فـ شيئًا، التقطت اذنيه همسها بأسمه، التفت حول نفسه هامسًا باسمها : ندى..

 ‏ظهر مجددًا همسها ولكن بنبرة أعلى : انا هنا ..

 ‏التفت نحو مصدر الصوت فوجد بصيص من النور بدء يظهر وبنهايته تقف هي بفستان أبيض ملوث وملطخ بالدماء انقبض قلبه لهيئتها تقدم منها بسرعة ، أشارت له بيدها حتى يقف وقالت : اقف، متكملش ..

 ‏توقف قائلاً بلهفه : ليه؟!، هاجيلك يا حبيبتي..

 ‏أشارت خلفها لتلك الحفرة قائلة : هاتقع معايا..

 ‏وتراجعت نحوها عدة خطوات، فـ صرخ هو بإسمها : ندى ، حاسبي هاتقعي..، انا هاجيلك حتى لو وقعت معاكي..

 ‏انسابت دموعها قائلة : قولتلي قبل كده مش هاسيبك وسبتني، انا هاقع لوحدي..

 ‏وتراجعت خطوة اخرى، فـ صرخ باسمها مجددًا وركض نحوها، اما هي، فالقت عليه نظرة أخيرة ثم القت بجسدها نحو الحفرة برضا واستسلام وعلى وجهها ابتسامة، ارتفع صراخه : نــــــــدى، لاااااا.

 ‏انتفض من نومه وهو يتنفس بسرعة هامسًا باسمها : ندى..

 ‏تحسس جبينه وحبات العرق تملأ وجهه، نهض من فراشه نحو المرحاض ثم وقف تحت المياه الباردة يتنفس بسرعة ولم يستطيع السيطرة على انفاسه ولا عقله وهو يعيد مشهدها وهي تقع بإرادتها وابتسامتها الحزينة ...

 ‏اغلق المياه وهو يجاهد لالتقاط انفاسه، هتف بانفاس متقطعة : لا مش قادر، مش هاقدر أكمل من غيرها ..

 التقط منشفة وجفف نفسه ثم خرج من المرحاض يبحث عن هاتفه، اجرى اتصالاً بفارس.

 ‏_ فارس، انت فين؟! 

 ‏_في المطار .

 ‏_ ليه شغل؟!.

 ‏_ لأ مليكة اخت ياسمينا في مشكلة مع صاحب البيت وكذا صاحب ليها تقريبًا بسبب ديون عليها وفي مشكلة مع السفارة هناك هاروح احلها..

 ‏_ طيب لما توصل بالسلامة طمني عليها..

 ‏_ انت كنت محتاج حاجة ؟!.

 ‏_ آه انا قررت ارجع ندى لعصمتي ، مش قادر يا فارس أكمل حياتي من غيرها، هاواجهها لما ارجع القاهرة واواجه اهلي وهاحارب علشانها، هي تستاهل كده يا فارس.

 ‏_ طيب وأمك ...

 ‏_ هاتقدر موقفي لما تعرف ان كان غرضي نبيل...

 ‏_ وعمها؟!.

 ‏_ غصب عنه انا هاردها لعصمتي تاني، هو يقف في وشي ليه ؟  وحتى لو وقف هاخدها منه غصب، محدش هايمنعني عن مراتي حتى لو هي بنفسها.

 ‏..........

 ‏قطبت جبينها تحاول استيعاب حديث زميلتها : ايه الكلام ده ؟ من امتى حصل ؟

 ‏اخذتها زميلتها بالجريدة جانبًا : والله زي ما قولتلك كده، باع الاسهم لواحد تاني وساب الجريدة ومشي ومنعرفش ليه أصلًا.

 ‏صمتت تفكر بحديثها، ماذا يعني هذا ..غيابه شهراً كاملًا دون اتصال حتى .. انتبهت على حديث زميلتها بالجريدة : هو انتو يا خديجة طلقتو ؟ انا سمعت كلام كده من قيمه ...

 ‏قاطعتها خديجة متسائلة : مين اللي قال هوو..!.

 ‏هزت رأسها بنفي لتقول : لأ، بس علياء قالت كده..

 ‏هتفت خديجة بشراسة : لا مطلقناش ، بس يعني في شوية مشاكل كده، وان شاء الله هاتتحل، انا هامشي بقى علشان متأخرش..

 ‏غادرت خديجة الجريدة، وعقلها مشغول بـ عمار، أين هو؟!، ما سر اختفائه..أخرجت هاتفها تجري اتصالًا به لعله يجيب عليها هذه المرة... زفرت بخفة عندما وجدته مغلقًا، انتفضت بذعر عندما سمعت صوت والدها خلفها..

 ‏_ اخبارك يا خديجة ...

 ‏التفت بسرعة قائلة بتوتر : الحمد لله.

 ‏اقترب والدها منها يعانقها تحت صدمتها ثم قال : وحشتيني، عاملة ايه!؟.

 ‏تلعثمت بالحديث قائلة : كويسة ..انتو كويسين.

 ‏هتف بنبرة هادئة : اه، ايه اخبارك مع عمار ؟

 ‏هتفت بتوتر : الحمد لله..

 ‏ربت على كتفيها ليقول : انا عارف انك مستغربة ويمكن مخضوضة من معاملتي ليكِ، بس انتي بنتي في الاول وفي الاخر مهما عملتي او عصيتي أمري ، لازم اهتم بيكي واعرف اخبارك زي ما انا عرفت انه سايبك أكتر من شهر مبيسألش فيكي ..

 ‏خرجت نبرتها مهزوزة محاولة خلق اي مبررات لحديثه : اصل هو وراه يعني شغل..

 ‏قاطعها علي بـ لهجة حاسمة : متحاوليش تكذبي ، انا فاهم كويس ، انا جيتلك اعرض عليكي عرض وفكري فيه كويس، زي ما انا فكرت كويس وفكرت انه مبقاش ينفع أغصبك على حاجة ، او اجوزك واخليكي تسيبي البنت اللي انتي بتربيها واعتبرتيها بنتك، انا بقولك يابنتي .. اطلقي من عمار هو كده عمره ما يحبك تاني ... اطلقي منه وهاتي ايلين وعيشي معانا، فكري كويس قبل ما تردي..

 ‏همست متعجبة : ليه؟!.

 ‏اجابها بثبات : فكرت ولقيت انه عيب تلجأي لواحد غريب من ابوكي .. فكري قبل ما تردي.

 ‏ربت على يديها ثم غادر وذهب بطريقه، اما هي فوقفت تنظر في اثره مغمغمة بصدمة : معقولة .

 ‏على الجانب الاخر فـ كان يراقبها من سيارته ويراقب حديثها مع والدها بدقات قلب عنيفة وجسد يتشنج بين الثانية والاخرى ضغط على المقود بيده ليقول بتفكير : يا ترى قالك ايه، يا ترى هددك بايه...

 ‏............

 ‏هتف بضيق وهو ينظر لهاتفه : يوووه وده وقته تكون مقفول..

 ‏رفع وجهه يفكر بهدوء فهمس : اتصل عليها واقولها ان انا ردتها لعصمتي...

 ‏تحرك ذهابًا وايابًا بتفكير وهو ينهر نفسه قائلاً : لا استحالة ترد عليا ، ولو ردت هاتقفل الخط في وشي، انا اسيب ندى اخر شخص، ابلغ الاول رأفت ،وبعده امي ، وبعدها ندى..اه ندى اخر حد علشان لازم استعدلها كويس أوي وأواجها بالحقيقة كلها...

 ‏جلس على فراشه يجري اتصالا مرة اخرى بـ رأفت ولكن كالعادة مغلق ، زفر بحنق..رفع وجهه عندما طرق الباب ،نهض يفتحه وجد احد زملائه : باشا... سيادة اللوا عاوزك..

 ‏هز مالك رأسه بإيجاب ثم القى هاتفه على الفراش وغادر غرفته يلبي نداء قائده..

 صدح رنين هاتفه بالغرفة وما كانت المتصل الا ... ندى. 

 ‏.........

 ‏بالإسكندرية ..


نظرت للهاتف بصدمة لتقول : لدرجة دي مش راضي حتى يرد عليا.

اغلقت الهاتف وانسابت دموعها وهي تنهر نفسها : غبية بتتصلي عليه ليه ؟ انتي ضعيفة ليه كده ؟ ده ميستاهلش انك تعبريه..

وقفت امام المرآة تحدث نفسها وتواسيها : معلش يا ندى اكيد انتي تستاهلي حد أحسن منه، حتى لو كان هو أحسن حد انتي شايفه ، بس لازم تنسيه، لازم، ومتضعفيش تاني ابدًا ولا تكلميه .

نظرت للهاتف مرة أخرى ثم اخرجت شريحة الاتصال وكسرتها ثم القتها بالسلة قائلة : كدا احسن علشان مفكرش أضعف تاني..

...........

جلس امام سمير قائلاً : الحمد لله كنت خايف انهم ميتفهموش الوضع بس وافقوا بعد ما القضية ما تنتهي خالص والشهير يتحكم عليه بالاعدام...

اشعل سمير سيجارته ثم قال : هايتحكم وفي أسرع وقت، ده ممسوك متلبس وعليه قواضي بالهبل..

حمحم رأفت ثم سأل سمير : امال مالك فين ؟

اجابه سمير بهدوء : ماسك عملية صغيرة كده في طنطا مع عادل.

عاد يسأله رأفت بقلق : مسألش عليا!؟.

هز سمير رأسه بنفي : لأ.

اخرج رأفت جواله يفتحه متمتماً : الحمد لله، اما اكلم ندى بقى ...ايه ده .

سمير : في ايه؟!.

رفع رأفت وجهه وقال بتوتر : مالك اتصل عليا فوق الخمس مرات جايلي رسايل بكده..

اشار له سمير قائلاً : طب اتصل عليه، شوفو عاوز ايه..

هز رأفت رأسه برفض قاطع ليقول : لأ، مش هاتصل ولا هارد عليه، علشان ينسى اي تفكير ممكن يرجعلها من رابع المستحيلات انه يرجعلها، وكمان كام يوم هاكلمه يبعت ورقه الطلاق... انا هاقوم أسافر ..وارجع الخميس على المحاكمة كده.

سمير : طيب في رعاية الله..

خرج رأفت من المبنى ثم اخرج هاتفهه وهو يهبط الدرج الخارجي وحاول الاتصال بندى وفي كل مرة كان يعيطه مغلق او خارج نطاق الخدمة وفي اخر الدرج وطأت قدماه على الارض انطلقت طلقة خائنة من سلاح احدهم، وصل العيار الناري لموضعه المصوب عليه من قبل القاتل وصل لقلبه واستقر وهنا انفجرت براكين من الدم الذكريات 

دماؤه تسيل وأمامها حياته منذ ولادته وحتى هذه اللحظة وهو يشهق شهقات الموت، سادت حوله حالة من الهرج والمرج وارتفعت الاصوات من حوله صارخين ببعضهم، وارتفعت الأعيرة النارية تنطلق بلا رحمة هنا وهناك وهو يغلق عيناه على أخر صورة تأتي امامه هامسًا باسمها بضعف ثم انتهى كل شئ في لمح البصر و ارتفعت روحه الى بارئها.. 

لم يعرف كيف وصل اليه وسط كل هذه الرصاصات والأعيرة ، انطلق صوب صديق عمره ليجلس بجانبه منهارًا ببكاء : رأفت..رأفت، لااااا، لاااااا رأفت.

حاول زملائه ابعاده عنه متمتمين : البقاء الله...

رفع وجهه لهم وهو يبكي بانهيار : ازاي، رأفت..

انطلق امامه احد الضباط ممسكًا بأحدهم : مسكنا واحد .. يبقى ابن اخو المجرم شهير..

اندفع سمير نحوه يكيل له ضربات عنيفة ليقول بحرقة : قتلتوه يا ولاد الكلب، يا مجرمين، مش هايكفيني فيكوا روووحكووو.

نجحو أخيرا في السيطرة عليه وابعاد المجرم عنه ثم اخذه داخل المبنى ، وتقدم أحدهم وهو يضع غطاء ابيض على جسد رأفت الممدد على الارض وانسدلت الستائر عن حياته وقصته وبطولاته...

            الفصل الثالث والعشرون من هنا

لقراءة باقي الفصول من هنا


تعليقات



<>