CMP: AIE: رواية ولعشقها ضريبة الفصل الواحد والعشرون21بقلم اسراء علي
أخر الاخبار

رواية ولعشقها ضريبة الفصل الواحد والعشرون21بقلم اسراء علي


 

رواية ولعشقها ضريبة

الفصل_الواحد_والعشرون



ليس كل ما يظنه المرء الحقيقة...

وليس كل ما يتنماه المرء يدركه...

ظلت تنظر إليه وكأنه كائن قادم من الفضاء..قبل أن ترتسم إبتسامة مهزوزة قائلة

-بطّل هزار يا جاسر..دا مش وقت هزارك...

ولكن نظرة عينه الجامدة والمُتألمة في الوقت ذاته جعلتها تُدرك أن ذبحها سيكون بـ يديه

لتنحسر الإبتسامة وحل مكانها عبرات صامتة تهطل بـ غزارة قبل أن تقول

-هتتجوز وتسبني !..طب واللي حصل من شوية؟!...

لم يرد فقط بقى صامتًا يُجاهد ألم يكاد يفتك به..ثوان وحلّ الإعصار الذي    توقعه فـ وجدها تصرخ بـ إهتياج وتدفعه بـ صدره بـ قوة هاتفة بـ صراخ مزق نيّاط قلبه

-حيوان وسافل..بعد أما كنت هقولك إني عاوزة أرجعلك وأخسر كرامتي قدامك مرة تانية تيجي وتقولي هتتجوز!...

وهو صخرة لا تتحرك أو تهتز بقت تضرب وتصرخ وهى يحكم يده حول خصرها فـ لم تجد بدًا أن تضربه أسفل معدته ليتركها مُتألمًا

لكنها لم تتوقف عند ذلك الحد بل إقتربت منه وظلت تضربه بـ قبضتيها قائلة بـ صراخ

-واحد خاين..بتحاسبني عشان بقرب من واحد قدملي خدمة بـ حياتي كلها  في    حين أنك محاسبتش نفسك على قُربك الغير مُبرر مني..على كل لمسة لمستهالي تحت مسمى الحب..وأنا كنت زي الهبلة مصدقة..أنت إيه؟...


أمسك كِلتا يديها وقربها من صدره ليُحيط خصرها في مُحاولةٍ يائسة في إحتواء غضبها وألمها  الذي توقعه..ليهمس وهو يُثبت رأسها بـ يده

-هشششش..خلاص يا روجيدا..بس عشان خاطري

-صرخت وهى تهز رأسها بـ سهتيرية:ملكش خاطر عندي..كفاية كدا بقى..أنا مش هستحمل...

وإنفجرت في بُكاءٍ مرير..ليجذب رأسها عنوة إلى صدره وبقى يربت على    خُصلاتها..إن كانت تتألم فهو يموت..وإن كانت تشعر بـ الخذلان فهو يموت..وإن كانت تشعر بـ الخيانة فهو يموت..كل ما شعر به يقوده إلى شئٍ واحد وهو الموت


صوت بُكاءها المكتوم مُمتزج مع صرخات ترتد بـ صدره ألمًا..مع كُل     صرخة كان قلبه يهوى..مع كل عبرة يشعر معها بـ أن هُناك جزءًا منه داخله يموت..وتبقى هى داخله كـ السرطان الذي ينهش الجسد بلا رحمة

ضربات صغيرة من قبضة أصغر على صدره و صوت بُكاء يرتفع معه نشيجها يُعذبه أكثر..سمع صوتها المبحوح إثر البُكاء

-قولي إنك مجبور على كدا وأنا هسامحك..قولي مفيش حل تاني يا روجيدا وأنا هعذرك...

قالتها ورفعت رأسها تنتظر منه أي إشارة..ولكنه كـ التمثال المُتحجر..عيناه لا مشاعر بهما..خالية تمامًا..و ملامحه لم تستطع التعرف عليها وكأن أحدهم محوها بـ ممحاة.. و روحه وكأنها خواء لا بها سوى صوت الرياح الغاضبة

عادت تهمس بـ رجاء و توسل جعلاه يجفل للحظة قبل أن يعود إلى قسوته و جموده

-عشان خاطري قولي..غصب عنك مش كدا؟!...

نظرت إلى عيناه الخالية تبحث عن الجواب..ولكن لا يوجد شئ سوى ظلام دامس خلّف .. حركت رأسها بـ هستيرية وهى تضحك..دقائق     مرت وهى على ذلك المنوال قبل أن تصرخ صراخ حاد أفزعه حقًا..تبعها صوته الكاره

-إطلع بره..إطلع برة أنا بكرهك.. بكرهك

-صرخ بـ حدة في المُقابل:روجيدا إهدي وبلاش جنان...

توقفت عن الصراخ فجأة ونظرت إليه بـ حدة وغضب..و نظرة كُره خالصة أصابته في مقتل..لتهمس بـ برود

-أنت شايف إن دا جنان!..أنا هوريك الجنان على أصوله...

توجهت إلى طاولة الزينة وأمسك ما عليها ثم قذفته مرة على الأرض ومرة عليه وهو يُحدق بها بـ دهشة..توجهت إلى الفراش وصرخت

-عاوز تشوف الجنان!!..مش هحرمك من حاجة...

وأمسكت الملاءة تجذبها..حاولت تمزيقها ولكنها كانت قوية لتصرخ بـ قوة أكبر قبل أن تقذفها بـ وجه جاسر..إتجهت إلى الوسائد وقامت بـ تمزيقها ونثر ما فيها بـ الأجواء..لتلوثه وتلوثها

لم يتحمل ما يحدث ليقترب منها مُمسكًا إياها من خصرها وظلت هى تتلوى كـ أفعى بين يديه..ليقول هو بـ رجاء

-عشان خاطر بنتك إهدي..متخليهاش تيجي وتشوفك كدا...

نشبت أظافرها بـ كفه وظلت تخدشه ولكنه تحامل على نفسه .. وحاوطها أكثر     إليه..إلا أنها لم تهدأ أبدًا لتركل ساقه وبـ رأسها ضربت ذراعه المُضمد ليتركها عندما لم يستطع تحمل الألم..أشارت بـ سبابتها ثم قالت وهى تلهث بـ حدة

-ملكش دعوة بـ بنتي..من لحظة دي هي مش بنتك

-وضع يده على ذراعه وتشدق بـ نبرة خافتة:طب إهدي بس

-مش ههدى..ملكش دعوة بيا..أنت مش هتتجوز..يبقى متدخلش فـ حياتي...

فتحت باب الغُرفة ثم توجهت إلى الصالة وصرخت..تبعها هو لينتفض على صوت تهشم زجاج..صرخت بـ بُكاء

-خليك إتفرج على العرض للنهاية...

و دون أن يستوعب كانت يدها تُمسك قطعة من الزُجاج تخدش بها معصمها..صرخ بـ جزع وهو يقترب منها

-روجيدا لأ...

لحقها بـ لحظةٍ كادت أن تُنهي حياتها بها..ولكن لم يمنع أن تنسل الدماء من     معصمها..لتشعر بـ كفه الغليظ على كف يدها يضربه لتسقط قطعة الزجاج أرضًا..ثم عاد و وضع يده على معصمها هاتفًا بـ غضب وقلق أفتك به

-يا مجنونة...

شعرت أخيرًا بـ دوار حاد داهمها..ليرتخي جسدها بين يديه..شعر بـ هلع      يجتاحه وهى تُغمض عيناها ليضع يد أسفل رُكبتيها والأخرى أسفل ظهرها ليصرخ بـ صوته كله

-أكسروا الباب يا بقر...

ثوان وكان الباب مُحطم من قبل رجاله ليصرخ بهم بـ الإبتعاد..ركض بها     وهو لا يشعر بـ نبضات قلبه..عقله يصرخ بـ آلاف القصص عن فقدها..ليزأر بـ صوتٍ مذبوح ثم همس بـ قهر

-عملتي فـ نفسك إيه يا مجنونة!..عملتي فـ نفسك وفيا إيه!!...

************************************

خرجت من المرحاض وهى تُجفف وجهها لتجد زوجها شريد الذهن كان كـ الحاضر الغائب..إبتسمت وهى تتذكر ما حد أمس ومن وقتها لم يتحدث معها بـ شئ

"عودة إلى وقتٍ سابق"

عينان غائرتان ولكنهما لا يزالا يحتفظان بـ مكر مر عليه السنوات بـ بطء قاتل..كانت السبب في سنوات قضاها من الأسى والتعب    ..تدمرت حياة بسبب تلاعب شيطانة ظنها يومًا صديقته..ولكن اليوم تقف أمامه وكأنها أسلمت

تذكر حين قذف شقيقه ذلك الأحمق الذي وضع المظروف أمام المنزل لتنتهي حياتهم..عند قدميه وقبلّها الرجل قائلًا


-أبوس رجلك يا سامح باشا أنا معملتش حاجة..دا هي...

ضيق سامح عيناه لينظر إلى جاسر الذي تجاهله ليهبط إلى مستوى الساقط أرضًا يسأله بـ فحيح

-هي مين؟!

-واحدة اسمها مايسة..أنا معرفهاش يا باشا..بس جاتلي وطلبت مني أعمل الصور دي وأكدت عليها إني مطلعهاش مشكوك فيها

-وبعدين!

-إبتلع الرجل ريقه وقال:أقسم بالله نفذت اللي هي قالته بـ الحرف..لو كنت أعرف أنه أنت مكنتش عملتها يا باشا

-ركله سامح بـ معدته ثم هدر:أخرس...

تأوه الرجل بـ شدة ليتركه سامح ويرحل..يومها ليلًا تذكر أنه إقتحم المنزل..صفعة فـ أخرى وسط أهل المنزل دون أن يتجرأ أحد على التدخل..وسط تهديد جهوري إما الزواج من رجل

 يبلغ من العمر الستون أو دخول السجن..إما هذا أو ذلك..والعريس أحد شركاء جاسر الذي وصاه "عايزها تلعن الساعة اللي عرفت فيها سامح الصياد"..وقد كان

واليوم وبعد خمس سنوات تظهر ويظهر معها سنوات البؤس والإذلال النفسي والجسدي

إستحال وجهه إلى كُتلة من الرخام..عضلاته إشتدت كلها ولم يشعر سوى بـ أنامل    يدها تقبض على خاصته..ليحتضنها بـ قوة وكأنه يخشى أن تنتهي لحظات العشق في وجود تلك الأفعى

تقدمت خطوة ولم تستطع الثانية فـ يد سامح أشارت لها بـ التوقف وهمس بـ جفاء

-إتكلمي من عندك

-وإبتسامة ناعمة إرتسمت:أزيك يا سامح!!...

أحس بـ أنامل نادين تشتد حول يده أكثر ليربت عليها بـ إطمئنان..عاد بـ نظره إلى الواقفة أمامه وهتف بـ وقاحة جحظت لها عيناها

-عندك حاجة قوليها..لو مش عندك الباب يفوت جمل...

لم تعتقد أنه تغير لتلك الدرجة..حقًا ظنت أنه نسى وبـ إستطاعتها البدء معه من جديد وربما عشق لم يندثر يُقدر له النهوض..مكيدة أخرى لزوجته وتزيحها من الطريق لتعود وتدور حول سامح من جديد

ولكن طريقته..حديثه..طريقه إمساكه ليد زوجته..جعلت من كل ثقتها تتداعى     بل وتتحطم فوق رأسها ..ويذهب كل ما فعلته من صمود كل تلك السنوات هباءًا منثورًا..إصطنعت إبتسامة وهمست

-هو مينفعش ننسى اللي فات..أنا إتغيرت

-كلمة واحدة منه قاطعة:لأ...

تلاشت الأبتسامة وحل مكانها الجمود..أما عن التي بـ جانبه إبتسمت بـ سعادة..فكم تعلم حبه الأخوي لمايسة تلك الحية التي أفسدت عليهم حياتهم الأولى..لتترك يده وتقف أمام الأخرى التي حدقت بها بـ إزدراء قائلة بـ نبرة ماكرة

-كان نفسي أعمل دا من زمان...

قطبت حاجبيها وما لبثا أن إرتفعا بـ دهشة وألم عند تلك الصفعة القوية     التي هبطت على وجنتها..وضعت يدها مذهولة على وجنتها وإبتسامة شامتة لمحتها على وجه سامح لتستمع إلى صوت نادين هاتفة بـ زمجرة

-برة يا زبالة...

"عودة إلى الوقت الحالي"

ضحكت وهى تتذكر خروجها الكارثي من مكتبه ولعناتها التي إبتلعتها مع لطمة سامح لها..مُخطط لهدم حياة فشل وهى خرجت من ذلك المكتب خالية الوفاض..ولكنها تعلم أنثى كـ مايسة لا تُحب الهزيمة

قذفت المنشفة وإتجهت إلى الفراش تمددت عليه لتمد يد سامح وتضعها    على بطنها التي بدأت بـ البروز..ليبستم بـ دفء طاردًا شروده..إرتفعت وطبعت على وجنته قُبلة ثم قالت بـ إبتسامة

-متفكرش فيها كتير..دي واحدة زبالة أقل من انك تفكر فيها..صدقني مش هتقدر تعمل حاجة

-همس بـ ضيق:بس عملت زمان

-وضعت يدها على وجنته وقالت:عشان مكنتش مخونها..ساعات الضربة بتيجي من ناس أنت متوقعتش إنها تضربك...

تنهد وهو يجذب يدها إلى فمه يُقبله ليقول وهو يسحبها من يدها

-طب تعالي ننزل نفطر عشان الست فاطمة متطلعش تفتح المدفع فـ وشنا

-ضحكت وقالت:يلا...

نهض وساعدها على النهوض ليحملها بغتةً فـ شهقت قائلة بـ إعتراض

-على فكرة أنا هعرف أمشي

-داعب أنفه بـ أنفها قائلًا:ست البنات ولازم تدلع...

ليتبع حديثه قُبلة خفيفة على طرف أنفها وأخرى على جفنيها ليهبطا إلى أسفل ما أن سمعا صوت فاطمة يأمرهم بـ الهبوط

************************************

صف السائق السيارة سريعًا ليهبط منها جاسر بـ سرعة أكبر وهو يحمل روجيدا بين يديه..كانت رأسها تميل وتتحرك..عيناها شبه مفتوحة لتُهمهم بـ ثقل

-أنا عاوزة أنام

-رد عليها بـ قلق:لأ متناميش دلوقتي يا حبيبتي..خليكي فايقة معايا..تمام!!...

لم يسمع رد ليُحركها بين يديه وهو يخطو إلى المشفى ثم هدر

-تمام!...

أومأت بـ رأسها لتضعها على صدره تُعلن عن رحيل وعيها عن هذا العالم..أغمض جاسر عيناه ليقف في مُنتصف الردهة بـ المشفى وهى بين يديه ثم هدر بـ صوتٍ عال

-دكتور...

تحرك بها وهو يهدر بـ العاملين أن يُحضر طبيب..لتأمره مُمرضة أن يضعها بـ غُرفةٍ ما ليركض إليها سريعًا

وضعها على الفراش وملس على خُصلاتها هاتفًا بـ حنو

-فوقي عشان خاطري..

وضع يده على معصمها النازف يهدر بـ غضب

-عملتي إيه بس!...

نهض و إتجه ناحية باب الغُرقة ليصرخ بـ صوتٍ دوى كـ الرعد

-فين الدكتور!

-أنا أهو...

أتاه صوت أنثوي لم يُدقق بها ولم يلمحها بسبب قِصر قامتها ليجذبها من يدها تحت صدمتها و وضعها أمام الفراش المُلقى عليه زوجته ليهدر بـ أمر ونبرة مُهتزة من القلق

-شوفي شغلك بسرعة

-هدأته بـ نبرة عملية:طب إهدى عشان أعرف أشتغل...

كانت المُمرضة التي أرشدته إلى الغُرفة تدلف معها صندوق أبيض..لتهتف الطبيبة

-الجرح سطحي متقلقش مش خطير..هاتي الحاجة عشان نخيط الجرح...

تقدمت منها المُمرضة وقامت بـ تنظيف ما حول الجرح والطبيبة قامت بـ تعقيم الإبرة وبدأت في تضميد الجرح..كان يُراقب ما يحدث    بـ إرهاق وتعب..عيناه بالرغم من جمودها إلا إنهما تصرخان بـ ألم يفتك بـ جسده

خمسٌا وأربعون دقيقة مرت لتنتهي الطبيبة وتنزع قُفازها الطبي..لينتصب في وقفته عندما نهضت ثم هتفت بـ تقرير

-دي محاولة إنتحار..هو كان فيه حاجة مأثرة على نفسيتها!..حضرتك زوجها مش كدا؟!

-أومأ بـ رأسه بـ شرود ثم قال:أيوة جوزها

-طب ممكن تفهمني إيه اللي حصل


-إبتلع غصته وقال:خناقة وصلت بيها لكدا

-أومأت بـ رأسها وقالت:عمومًا هى تحت تأثير البنج حاليًا..لما تفوق هنقدر نشخص حالتها النفسية...

أومأ بـ رأسه ولم يعرها أدنى إنتباه..وقبل أن يقترب ليجلس بـ جانبها هتفت الطبيبة

-معلش لازم ننقلها أوضة عادية..لأن زي ما أنت شايف دي أوضة كشف...

أزال يدها وإتجه ناحية تلك النائمة بـ سكون وكأنها لم تقلب كيانه وموت قلبه قلقًا عليها..ليحملها بـ رقة ثم سأل الطبيبة

-أوديها فين!

-ردت عليه وهى مشدوهة بما قام:الممرضة هتعرفك فين...

وأشارت إلى المُمرضة لكي تُرشده إلى غٌرفتها..تبعها جاسر وهو يُقرب رأسها من صدره ثم همس

-ليه تعملي فـ قلبي كدا!..والله قلبي مش مستحمل...

ثم لثم جبينها بـ عمق وهى تائهة عن العالم..غير واعية لنبضات قلبه التي كادت أن تتوقف لأجلها

دقائق و كانت بـ الغُرفة..المُمرضة تضع إبرةً مُغذية في يدها وتُعلق المحلول الطبي..إلتفتت إليه وقالت بـ نبرة عادية

-حضرتك لازم تعمل إجراءات الدخول تحت...

أومأ بـ رأسه وكأنها الحركة الوحيدة التي يستطيع فعلها..قام بـ الإتصال بـ أحد حرسه وأمره بـ إنهاء أمر الإجراءات اللعينة..أغلق    هاتفه وإتجه إليها يُمسك يدها..يرفعها ويُقبلها..ثم إلى المعصم ويُلثمه بـ حنو وشغف..تنفس بـ عمق وكأنه يتنفس لأول مرة.

ملس على خُصلاتها وهمس بـ إنكسار وعتاب

-يعني ينفع كدا!..تسبيني أنا وبنتك لمين بس؟!..إوعي تفكري تعمليها تاني لأني ساعتها أنا اللي هقتلك وهقتل نفسي بعدك...

إقترب أكثر منها وعنياه تتجول على ملامحها المُجهدة..بشرة شاحبة مائلة إلى الإصفرار وشفاه وردية تحولت إلى أُخرى بيضاء..أنفاس بطيئة وكأنها تخرج وتدخل إلى رئتيها بـ ألم


أغمض عنياه فـ كم ألمه هذا المشهد..مُنذ سويعات كانت بين يداه يُقبلها ويشعر بـ عشقها التي وضعته بـ تلك القُبلة..وقتها كاد أن يُلقي كل     ما أجبر نفسه على تخطيطه عرض الحائط وإختطافها إلى أبعد بِقاع العالم..ولكن دائما تأتي الرياح بما لا تشتهي السُفن..فقط دائمًا وربما أبدًا..همس وهو يستند بـ أنفه على جبهتها

-تعبتي قلبي يا روجيدا..وأنا تعبت قلبك...

ضحك بـ ألم وهو يُداعب خُصلاتها الكستنائية

-مش عارف الحب دا أخرته إيه!..يا هيقتلني يا هيقتلك فـ يوم...

***********************************

-وبعدين فـ اليوم اللي مش فايت دا يا بسنت ع الصبح..أنتي مودياني فين؟!...

قالها صابر بـ ضيق وتذمر وهى مُنذ الصباح تُحاول الوصول إلى مقر عمل والده ولم تجده بعد..تأفف عدة مرات وهى تُحاول أن تجذبه من يده إلى أحد الشوارع لتقول بـ تذمر مُماثل

-لو صبر القاتل على المقتول

-رد عليها بـ تهكم:كان طفش أقسم بالله

-يا حبيبي..حد من صحباتي وصاني على حاجة أجيبها من محل هنا بس مش لاقياه...

وظلت تدور بـ عيناها حتى وجدت مُبتغاها لتصرخ بـ سعادة قائلة

-خلاص لاقيته

-فين

-أمسكت يده مرة أخرى وقالت:تعالا معايا...

ثم جذبته وعبرا الطريق معًا حتى وصلا إلى وجهتهم المنشودة..ليرفع صابر حاجباه وتساءل بـ تشكيك

-محل أدوات صحية!!..صحابك وصوكي على محل أدوات صحية؟!

-تأففت ثم قالت وهى تُقلب عيناها:أه عشان الدُش لما يبوظ

-نظر إليها شذرًا وقال بـ مزاح ثقيل:إبقي أظبطي الإريل يا ضنايا...

نظرت هى الأخرى بـ إزدراء ولم ترد عليه..ليدلفا المحل..ثوان وأحس صابر بـ    خافقه يطرق بـ عنف دون سبب ليقول وهو يضع يده على صدره بـ تهكم

-إيه هموت ولا إيه؟!..كله منك يا بسنت...

خرج والد صابر من غُرفةٍ ما بـ داخل المحل وما أن رفع أنظاره حتى إصطدمت مع نظرات صابر الجامدة والحاقدة..وأخرى مُتلهفة لما سيحدث

إلتفت صابر إلى بسنت وعلى ملامحه نذير شؤم وهو يهمس بـ خفوت خطير

-يعني أنتي جبتيني عشان كدا!

-إلتفت وهتفت بـ إصرار:لازم تحل مشاكلك مع والدك و والدتك..يا كدا يا مفيش جواز يا صابر..دا شرطي ودي الحاجة الوحيدة اللي هطلبها منك...

أغمض عيناه يمنع نوبة غضب تكاد تشطر من أمامه إلى نصفين..فتح عيناه ونظر إلى بسنت بـ نظرات تشتعل نيرانًا حارقة حتى أنها     أصابتها بـ توتر..لتتحرك ناحية والد ماردها لتربت على منكبه قائلة بـ تشجيع

-يلا يا عمو ورينا شطارتك...

إبتلع ريقه بـ صعوبة وهو يرى نظرات إبنه الكارهة مُسلطة إليه..فـ تُصيبه بـ إحباط ثم هتف

-إدعيلي يا بنتي

-خير ياعمو متقلقش...

تقدم ناحية صابر الذي لم يهتز له جفن وبقى يُحدق بـ والده بـ نظرات قاتلة حتى همس والده بـ خفوت

-إتفضل إقعد يا إبني

-بـ لهجة مليئة بـ الإزدراء تشدق:اللي عندك قوله..مش عاوز أضيع وقتي وأنا بقعد

-إبتلع غصته وإهانته ثم قال:حقك أنا عارف..بس والله ما كان بـ إيدينا نسيبكوا..عارف إن الفقر مش عيب..بس لا كنا لاقيين ناكل ولا نأكلكوا

-إبتسم بـ سخرية وتشدق:تقوموا ترمونا مش كدا؟

-هتف الأخر بـ دفاع:لأ عمرنا ما راميناكوا..لأ إحنا وديناكوا ملجأ وأنت اللي هربت...

لم يُصدق صابر ما سمعه ليهتف بـ صوتٍ جهوري

-وهو أنت فكرك طفل عنده ستاشر سنة هيخلوه مع طفلة مبلغتش تلات   سنين!..قولي..أعرف منين إنهم مش هيعملوا فيها حاجة ولا يتاجروا بـ أعضاءها زي ما بنسمع فـ التلفزيون...

حرك رأسه نفيًا مرتان قبل أن يقول بـ أسى وهو ليكز صدره

-أنا اللي تعبت وشفت الذل عشانها..سيبتونا ومفكرين إن دا الصح..عمرك شوفت أم بتتخلى عن إبنها عشان الفقر..ربنا مبينساش حد..ربنا رحيم بـ عبادة يا مؤمن...

صوت رنين هاتفه جعله يصمت عن حديث لاذع كاد أن يتفوه به..ليُخرج هاتفه     فـ وجده صديقه جاسر..أجابه وعيناه لا تحيد عن الأخر بـ نظرات قاتمة ما لبثت أن تحولت إلى دهشة عندما إستمع إلى حديثه ليغلق الهاتف بعد قول موجز يُعلن عن قدومهم السريع

وضع هاتفه مكانه وهتف بـ صوتٍ جهوري

-يلا يا بسنت ماشيين

-نهضت وإقتربت ثم هتفت بـ تذمر:أنت لسه مخلصتش كلامك مع باباك

-جذبها بـ عنف من يدها قائلًا بـ غضب:مش وقته..أختك فـ المستشفى وعاوزنا نروحله حالًا

-تساءلت بـ قلق وبهت وجهها:روجيدا مالها؟!

-تأفف صابر وهو يُجيب بـ عصبية:معرفش مفهمتش منه حاجة...

وبـ حركة سريعة أوقف سيارة أجرة وصعدا لينطلق بهما إلى المشفى المنشود


************************************

ساعة وكانا يسألان عن غُرفة روجيدا لتدلهم إحدى المُمرضات إليها..كانت بسنت تركض فـ الممرات حتى وصلت إلى غُرفتها..فتحت        الباب ثم إندفعت إلى شقيقتها التي كانت جالسة بـ هدوء وسكينة..عيناها ميتتان لا روح فيها ولا مشاعر..تنظر إلى النافذة ولا تنتبه إلى أحد

وضعت بسنت يدها على خُصلاتها وتساءلت بـ حنو

-حبيبتي أنتي كويسة!...

لم ترد عليها ولم تلتف أيضًا..وكأن شقيقتها غير موجودة على الإطلاق..لتتنهد بسنت هاتفة بـ قلق

-طب فهميني إيه اللي حصل؟

-همسة ضعيفة وصلت إليها بـ الكاد تُسمع:مايه

-قالت بسنت بـ لهفة لسماع صوت روجيدا:قولتي إيه!

-إستدارت روجيدا بـ بطء وهمست بـ نبرة خالية:عاوزة ماية

-إنتفضت بسنت قائلة:من عنيا...

ثم نهضت وأحضرت إليها الماء لتُملس على وجنتها وتسألها

-عاوزة كمان!...

حركت رأسها نافية لتومئ بسنت..أمسكت يدها المُضمدة ليتنغص جبينها بـ ألم لتعود وتسألها وهى تُبعد خُصلاتها عن وجهها

-مش ناوية تقوليلي إيه اللي زعلك و وصلك لكدا!!...

تمددت على ظهرها ثم همست وهى تُغلق عيناها

-سبيني أنام..أنا عاوزة أنام...

تنهدت بسنت بـ يأس..لتنهض وتقوم بـ دثرها ثم هتفت بعدما لثمت جبينها

-نامي يا حبيبتي وإرتاحي...

وبـ الخارج كان جاسر يقص على صابر ما حدث ليهتف الأخر وهو يضرب كف بـ الأخر

-لا حول ولا قوة إلا بالله..ليه يا جاسر تكسرها بـ الشكل دا ؟..ليه تعمل كدا وأنت عارف إنها مش هتستحمل؟!

-فرك جبينه بـ تعب وقال:صدقني مش هعرف أحكي أي حاجة..بس كل     اللي أقدر أقولك عليه..خُد بالك منها يا صابر..روجيدا أمانة فـ رقبتك تاني لحد أما أرجع لنفسي

-وضع يده على منكبه وتساءل:ناوي على إيه يا بن الصياد!

-ناوي أرحم نفسي وأرحمها من عذاب هياكل فـ روحنا بـ البطئ

-طب فهمني بس

-ربت على ذراعه وهمس بـ إبتسامة مُنكسرة:صدقني هقولك على كل حاجة..لكن مش دلوقتي خليكوا جنبها

-تنهد صابر وتساءل:طب فين جدتها وبنتك؟!

-وصتهم ميرجعوش البيت عشان اللي فيه و وديتهم بيت تاني

-طب هما عرفوا؟!

-أومأ موافقًا وقال:أه بس محكتش اللي حصل بـ الظبط...

قاطع حديثهم خروج بسنت من غُرفتها ليتجه إليها جاسر بـ لهفة مُتساءلًا

-عاملة إيه؟

-رفعت منكبيها وقالت:طلبت تشرب وتنام

-رفع صابر حاجبيه بـ إستنكار وقال:بس كدا!...

إلتفتت بسنت مرةً أخرى إلى جاسر وتساءلت بـ هجوم وحدة

-أنت عملتلها إيه!

-نهرها صابر بـ حدة:مش وقته يا بسنت

-هدرت وهى تنظر إلى جاسر:لأ وقته..عشان هو مقدملهاش غير الوجع..سبها بقى و إرحمها

-هدر صابر هو الأخر بـ غضب:بسنت!!

-ولكن جاسر تشدق بـ هدوء وكأن لا شئ يحدث:صح معاكي حق..أنا مبقدملهاش غير الوجع..خلوا بالكوا منها...

وتركهم  ورحل هكذا بـ بساطة.

كانت بسنت تتنفس بـ غضب وهى تهذي بـ مدى إستياءها من أنانيته التي تودي بهم إلى التهلكة.

أما صابر ولأول مرة يلمح إنحناء ظهر صديقه وكأنه هَرَمَ..وكأن العديد من السنون     أُضيفت إلى عمره لينحني ظهره وكأنه كهل هلكته مصاعب ومشاق الحياة..كهل وكأنه فقد لذة الحياة وينتظر لذة الموت بـ شهوة

**************************************

مر يومان كـ الجحيم على الجميع..روجيدا وكأنها تُعاقبهم بـ الصمت..وجاسر يذهب إلى ذلك المنزل الريفي يعمل بـ صومعة أرادها جنة لهم..يعمل بـ كد وكأن حياته متوقفة على تلك الصومعة..عيناه حمراوتان كـ حُمرة الدماء.

وجسده أُنهك بشدة ولكنه بدا أضخم من كثرة مُمارسة الرياضة..الغضب     كان شيئًا أساسي بـ يومه لا تمر دقيقة دون أن يكون أحدهم فريسة لغضبه.

كان يُحادث صديقه يستشف منه أخبار حبيبته والتي لم تكن مُطمئِنة البتة..دائمًا يُخبره أنها صامتة لا تتحدث..لا تبكي ولا تأكل..وكأنها بل وأنها إعتزلت الحياه

حتى أخبره اليوم أنها طلبت الخروج من المشفى بما أن حالتها الجسدية عادية..كانت بسنت تُساندها على السير وهو يُراقب تحركاتها

خُصلاتها المُتمردة على وجهها ولم تُكلف نفسها عناء إزاحتهم..يدها المُضمدة والتي كلما نظر إليها لعن نفسه..عينان فيروزيتان     حزينتان بل خالية من المشاعر..ميتة كـ صاحبتها..كم ألمه قلبه!..كم ودّ أن يترجل ويركض ليحتضنها يُخبئها بـ صدره بعيدًا عن أي أحد

ثم إبتعاد السيارة التي صعدت بها ليذهب هو إلى منزله بـ عنيان مليئتان بـ الظلام والغضب..عينان تُقسمان على إنتقام ستبكي له السماء  وتصرخ به الجبال طلبًا للرحمة

كان المنزل يعمل على قدمٍ وساق وكيف لا واليوم موعد خطبة جاسر لأحدهم..    قابل الجميع بـ أفواه مفتوحة وعقل يرفض التصديق..من كان ليُصدق أن ذلك الرجل العاشق يتخلى عن فيروزه ويذهب إلى أُخرى

وجد والدته تُشرف على الإستعدادات بـ وجه مُتجهم ليقترب منها ويُقبلها على رأسها هاتفًا بـ نبرة جاهد أن تكون عادية

-إيه الأخبار يا أمي؟

-لوت شدقها وردت بـ تبرم:كله كويس يا قلب أمك..ليه تعمل فينا وفيها كدا!

-لثم يدها وهمس بـ رجاء:أرجوكي يا أمي أنا مش ناقص..أنا عاوزك تدعيلي إن ربنا يفرج كربي

-ربتت على صدره وهمست بـ دُعاءٍ صادق:ربنا ينجيك من كل كرب ويجعل لك فـ كل خطوة سلام ويبعد عنك كل شر...

إبتسم إبتسامة صغيرة ثم رحل..حركت رأسها بـ أسى على والدها وعناده..حياته التي إنقلبت رأسًا على عقب مُنذ سنوات..بدأت بـ حادثة السير التي أصابت روجيدا..حتى الآن ومن يعلم إلى متى تستمر

دلف خارج المرحاض وهو يُجفف عنقه بـ منشفة..الجميع يسأله..يُقنعه بـ العدول عن قراره ولكن لا أحد يفهم..إرتدى بذلته  بـ وجهٍ     خال..و روحٍ ميتة..عكس يوم عقد قرانه من مُعذبته التي كان متلهفًا لكي تك ن له وبـ اسمه

إنتهى وهبط يُحضر عروسه والتي لم تكن سوى داليدا!!..لتبدأ مراسم الخطبة في وجود عدد لا يُستهان به من الصحفيين

وقفت أمام المرآه تتأنق على غير عادتها..ترتدي ثوب من اللون الذي شابه لون عيناها..طويل يصل إلى كاحلها..ذو ظهر مفتوح حتى المُنتصف و    حمالتان رفيعتان بـ شكل مُتعاكس حول عُنقها لتثبيت الثوب على جسدها..فتحة صدر واسعة أبرزت عظمتي الترقوة وما أسفلها بـ قليل.

لأول مرة تضع مُستحضرات التجميل لتُخفي عيوب وجهها التي ظهرت عليها مُنذ يومان..وجنتان غائرتان و عينان مطفيتان و هالات سوداء أحاطتهما

ثم تسللت وتوجهت إلى حفل زفافه والتي إستعمت إلى شجار بسنت وصابر والتي أصرت فيه على عدم الذهاب..لتنتهي بـ ذهاب صابر وتركها..وهى بدروها تسللت وإنطلقت إلى المكان

كانت تُدرب نفسها على الجمود وإظهار مشاعر الكره والحقد..ولكن ذلك القلب اللعين يأبى..كلما قصرت المسافة كلما تسارعت     نبضاتها بـ صورة جنونية..لا تزال تأمل أن كل ذلك ما هو إلا وهم أو مزحة وسينتهي كل شئ ما أن تذهب

إنهارت أمالها وتفتت روحها..ثم خافقها بدأ في تباطئ النبضات وداخلها يدعو أن يتوقف الآن وهى


تراه يجلس بـ جانب أخرى ويضع حلقة ذهبية بـ يد أخرى..ويهدي إبتسامة حتى وإن كانت مُصطنعة إلى أخرى

وسقطت أولى عبراتها وهى تتقدم بين الجموع دون أن يلحظها أحد..دون أن يستمع أحد إلى صوت صُراخها المكتوم..نقطة وإنتهت حياتها

ماتت من يمر بجانبها يستطيع شم رائحة روحها العفنة..مسحت عبرة وأخرى وهى تتقدم ثم رسمت إبتسامة تحمل الخذلان والألم والموت بـ آنٍ واحد

نفس الحفل وربما نفس الناس..نفس الشخص ولكن إختلفت العروس..أجواء     الحفلة كئيبة لم تشعر هى بها..تصعد درجة وأخرى وهى ترفع ثوبها حتى وصلت إلى مكان العروسان.

تصفيق بطئ منها جعل جاسر ينتفض من مكانه وينظر إليها بـ هلع وصدمة..لم يكن من أن تراه ولكن ألمًا لما تراه

نظرات تقابلت وعينان تحدثت وقلبان يصرخان..عقلان يودان عودة الزمن إلى     الوراء ولكن "قول لزمان إرجع يا زمان"..وتبقى الأمنيات مُستحيلة..الشفاه المُبتسمة بـ تلك المشاعر قرأها ولم تزده سوى ألم

رفعت يد مُرتجفة ونبرة هادئة ولكنها مذبوحة تشدقت بها مع إبتسامتها

-ألف مبروك يا جاسر بيه..ألف مبروك يا عريس.


                الفصل الثانى والعشرون من هنا

لقراة باقي الفصول من هنا


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-