CMP: AIE: رواية ولعشقها ضريبة الفصل الثامن عشر18بقلم اسراء علي
أخر الاخبار

رواية ولعشقها ضريبة الفصل الثامن عشر18بقلم اسراء علي


 

رواية ولعشقها ضريبة

الفصل_الثامن_عشر


وتُجبرني الأقدار على الرحيل..وكأنك شمسٌ غير مقدرٍ لها السطوع...


وكأني ذئبًا ضال عن مأواه فلم يجده إلا بكِ...


ولكن حواجز القدر تمنعني...


وُضعت فوهة المسدس بـ مُؤخرة رأسه وصوتٍ غليظ يأمره بـ جمود


-ضع سلاحك أرضًا

-رد عليه جاسر بـ قسوة:ليس معي..إنه بـ السيارة...


لم يُصدقه الأخر وبدأ يتفحص ثيابه وجزعه ولكنه لم يجد شيئًا..كان جاسر نظره مُسلط بـ الإتجاه القادم منه الشعاع الأحمر وكأنه     يرى الأخر..ثوان وإختفى الشُعاع ليظهر من العدم شخصًُا أخر يرتدي حلة سوداء


لم يتحرك نظر جاسر عن ذلك القادم أو يهتز له جفن بل ظل وكأنه تمثال حجري منحوت من القسوة والصلابة..ليبتسم ذلك الشخص حتى برزت أنيابه ثم قال


-وأخيرًا إلتقيتُ بك أيها الثُعبان..أتعلم كم كنتُ أتشوق لـ لقائك!...


وأيضًا سكون ولا رد فقط صوت حذاء الأخر يطرق الأرض الأسمنية وهو يدور حول جاسر حتى وقف خلف أُذنه وهمس


-هل تعلم من أنا؟...


لم ينتظر رد جاسر بل وضع يده وضغط بـ قوة على جُرح ذراعه ثم همس بـ فحيح


-أُدعى چوناثان..شقيق مارتن..أتتذكره!

-ليرد جاسر لأول مرة وهو يبتسم بـ سخرية:ذلك الأخرق..لقد تذكرته..ولكن لم أكن أعلم أن هُنالك أخرقًا أخر

-ربت چوناثان على كتف جاسر تشدق بـ سخرية:يا صاح أنت لستَ بـ موقع قوة الآن..أنت تحت رحمتي

-أحقًا ما تقول!..لو كان مُقدر ليّ الموت الآن فـ لن أستطيع رده

-إنك بـ مؤمنٍ حقًا...


عاد چوناثان يقف أمام جاسر الذي حدق به بـ نظرات مُميتة وغليظة ليقول الأول وقد تجهم وجهه


-إسمع..لقد حذرناك أكثر من مرة مُسبقٌا..إما أن ترتدع أو تفقد أفراد عائلتك..أو هى والصغيرة...


خرجت زمجرة قاتلة من فم جاسر وقد إحتدت عيناه بـ شراسة حتى تحول لون عسليتاه إلى أخر مُتوهج كـ النيران ليهدر بـ صوتٍ جهوري جعل الذئاب تعوي


-أقسم إن إمتدت يدك القذرة على أحد أفراد عائلتي..لسوف أجعلك تتوسل إليّ لكي أقتلك..سأكون أسوء كوابيسك

-ضحك چوناثان قائلًا:وهل تعتقد إني خفتُ!..لا تقلق فـ أنا لستُ ضعيفًا كـ مارتن...


إقترب چوناثان مرةً أخرى ليلكم جاسر ولكنه أمسك ذراعه ثم عاد بـ رأسه إلى الخلف وقام بـ نطح رأس الأخر..ليعود بضع خطوات إثر قوة الضربة


تلقى جاسر بعدها ركلة قوية بـ رُكبته من الخلف جعلته يجثو قليلًا ويكتم تأوه كاد أن ينفلت..ليعود وينهض بـ شموخ وكأن شيئًا لم يكن..تقدم چوناثان منه وهو يشتعل بـ نيران الغضب ليُمسك بـ تلابيبه وهدر بـ عنف


-إسمعني جيدًا فلا وقت لي لأمثالك..بل أنظر جيدًا...


ثم قام بـ إخراج هاتفه وجعله يرى ما يحدث في أنحاء قصره لتتسع عينا جاسر بـ قوة وقد دق ناقوس الخطر وهو يرى نفس البُقعة الحمراء   على رأس صغيرته التي تجلس بـ أحضان والدتها..أعاد چوناثان هاتفه وهتف بـ خبث


-لا خيار أمامك..إما أن تبتعد..أو أُقدم لك تعازيّ الحارة مُقدمًا...


حاول جاسر الحراك وإبراح الأخر ضربًا ولكنه فوجئ بـ إثنين قويين البنية يقوما بـ تقييده..جعلاه عاجزًا عن الحراك..بقى يسب ويُطلق     الشتائم البذيئة ولكن الأخر كان يبتسم دون رد..وحينما إنتهى جاسر تشدق چوناثان


-ما هو جوابك!...


ولكنه مال إلى أُذنه دون أن يدع له مجالًا للرد وهمس بـ خبث


-أنا أعلمه مُسبقًا..لذا سندعك وشأنك الآن..ولكن إحذر فـ أنت لا يُمكنك الهرب من قبضتنا...


إبتعد عن جاسر التي إختفت التعابير عن وجهه وظلت القسوة وحدها تُظلل ملامحه ليبتسم چوناثان ثم أشار إلى رجاله بـ أن يرحلا وتحرك هو الآخر ولكنه هتف قبل أن يبتعد


-أراك لاحقًا سيد جاسر..والآن سندعك تحتفل مع أحد أفرادنا...


قالها وهو يُشير إلى جثة ذلك القناص الذي قتلوه ..ثم رحل الجميع وبقى جاسر وحيدًا ليجلس على الأرض القاسية يصرخ بـ إنهزام..لقد هُزم من جديد كل ما يفعله بات هباءًا منثورًا على مقاومة إتسهلكت    جل طاقته ولكنه هُزم..وضع يده على وجهه وصرخ من جديد وعلا مع صُرخه صوت عواء الذئاب ونُباح الكلاب وكأنها تُشاركه الألم


***************************************


كان شريف يجلس أمام يُسري ينتظر منه الإنتهاء من مُشاهدة المقطع..كان يتلهف إلى ردة فعله ما أن لاحظ تجهم وجهه بـ قوة وظهرت عله علامات عدم الرضا


إنتهى المقطع ليُطفئه يُسري ويُخرجه من جهاز الحاسوب ثم نظر إلى شريف بـ جمود وهتف


-وبعدين!

-رفع شريف حاجبه وهتف:وبعدين إيه يا سيادة اللوا!..دا قتل مع سبق الإصرار...


أومأ يُسري بـ رأسه ثم أمسك القُرص المُدمج وقام بـ تحطيمه إلى نصفين لتتسع     عيناه شريف بـ قوة وقبل أن يتذمر كان الآخر يقذف القُرص على المكتب بـ إهمال ثم أشعل لُفافة تبغ هدر بـ إنفعال


-لأخر مرة بقولك إبعد عن سكة الصياد يا شريف..أنت مش فاهم أي حاجة ولا عاوز تفهم بس أنا زهقت منك ومن غباءك...


فتح أحد أدارج مكتبه وأخرج منه ملف ليُعطيه إلى شريف الذي أخذه منه بـ ضيق ليقول يُسري بـ جمود


-إقرأ الملف دا وإدرسه كويس..أنا بديك فرصة تبعد عشان متورطش نفسك     فـ مشاكل أنت مش أدها..عشان بعد كدا لو عرفت إنك بتنخور ورا الموضوع دا تاني..صدقني هسيبه يقتلك...


فتح شريف الملف دون أن يلتفت إلى حديث يُسري وبدأ بـ قراءة الأوراق المُرفقه بـ الملف ومع كل سطر تتسع عيناه حتى كادت أن تخرج من محجريهما..سنوات ضاعت من البحث هباءًا وهو يقرأ تلك الأوراق


بعدما إنتهى من القراءة وضع الأوراق أمامه على الطاولة وهمس بـ عدم تصديق


-إيه دا!

-رد عليه يُسري بـ جفاء:اللي حبيت توقعه دا هو اللي عمّال يخدم سيادتك لما كنت شغال هنا..كل مهمة روحتها وإتنقذت فيها كان وراك      جاسر الصياد..من يومين بس عيلة جوز أختك مرمية فـ السجن وهتقضي اللي باقي من عمرها هناك يا حضرة النقيب شرف

-تشدق شريف بـ عدم تصديق:هو حضرتك عارف!

-أجابه بـ تهكم:من ساعة أما جاسر عرف..جه وقالي على كل حاجة وهو اللي دخلهم السجن وتقدر تعيش أنت وأختك فـ أمان...


قام بـ دهس لُفافة التبغ بـ منفضة السجائر ثم أكمل حديثه


-هو معملش دا عشان خاطرك..لأ..دا عشان خاطر أختك بس

-بس يا سيادة اللوا آآآ...


قاطع حديثهم صوت هاتف يُسري يصدح ليأخذه ويُجيب دون أن يرى المُتصل ليأتيه صوت جاسر الخالي من الحياه


-سيادة اللوا يُسري

-عقد يُسري حاجبيه وهتف:جاسر!!..خير؟

-لأ مش خير..أنا عاوزك تيجي على العنوان اللي هبعتهولك فورًا

-طيب..إيديني العنوان...


أرسل جاسر إليه العنوان ليحمل سترة حلته فـ تساءل شريف بـ عدم فهم


-في حاجة يا سيادة اللوا!

-قوم معايا دلوقتي ومن غير كلام

-نهض شريف وقال:حاضر يا فندم...


**************************************


ملست على خُصلات طفلتها الكستنائية وهى نائمة و روجيدا غير واعية لتلك التي غطت في سُباتٍ عميق..ليأتيها صوت بسنت من خلفها     تُعانقها لتُبادلها روجيدا العناق..ساكنة..جامدة لا تتحرك فـ همست بسنت وهى تتفحص الصغيرة النائمة


-روجيدا..طلعي جُلنار تنام فـ أوضتها

-ها!!..طيب...


أزاحت خُصلاتها لتحمل الصغيرة التي تعلقت بـ عنق والدتها لتضع قُبلة حانية على وجنتها ثم صعدت بها إلى غُرفتها


وضعتها بـ فراشها ودثرتها جيدًا لتطبع قُبلة رقيقة على جبينها ورحلت..لتجد بسنت تنتظرها بـ إبتسامة مُزيفة على وجهها حاملة بـ يدها     كأسًا من الماء البارد..قدمته لروجيدا التي أخذته وظلت تنظر إليه بـ شرود قبل أن تُفيقها شقيقتها قائلة بـ صوتٍ خفيض


-تعالي ننزل الجنينة تحت...


أومأت روجيدا وكأنها مُسيرة لا مُخيرة لتهبط الدرج وتعود للخارج مرةٍ أخرى..جلست على تلك الأرجوحة وبـ جانبها أختها لتسألها وهى تُملس على ذراعها بـ حنو


-أنتي كويسة يا حبيبتي!

-نفت بـ رأسها قائلة:أنا تعبانة جدًا يا بسنت..تعبانة لدرجة إني مش حاسة بـ حاجة

-جذبت رأسها إليها وهمست:جربي تصرخي يمكن تحسي بـ حاجة...


إستسلمت ليد بسنت في جذبها إليها لتضع رأسها على صدرها وبقت هكذا تتنفس بـ رتابة وبُطء..كل ما تفعله يد أختها..أنها تُملس على رأسها وتُهدأها بـ كلمات عذبة


أعادت روجيدا ما حدث بـ رأسها مرارًا وتكرارًا وهى لا تكاد تُصدق ما حدث أو أنها نجت هى وطفلتها مما حدث..لم تشعر بما حدث بعدها     من تجمهر الشرطة وإصطحابها من وسط تلك الحادثة أو أيًا مما حدث..كل ما أحست به هو ذراعين صلبة تُعانقها بـ لهفة وخوف..وعند تلك النقطة إنتفضت روجيدا لتنتفض معها بسنت قائلة بـ ذعر


-في إيه يا روجيدا؟!

-سألت روجيدا بـ فزع:فين جاسر!

-أجابتها بسنت سريعًا:متخافيش يا حبيبتي..و راح يكمل التحقيقات بدالك

-نفت بـ رأسها قائلة:لأ..جاسر حصله حاجة...


نهضت بسنت تُمسك يدها ثم قالت وهى تبتسم بـ إطمئنان تُقدر ما بها من قلق


-والله صابر مكلمه وإحنا فـ الطريق وقاله إنه رايح القسم يكمل التحقيقات وصوته كان طبيعي

-ظهر بـ صوتها الرجاء:بجد يا بسنت!

-ربتت على يدها قائلة:بجد يا روجيدا..متقلقيش...


أومأت بـ رأسها لتجلس مرةً أخرى وبسنت جانبها..وظل السكون يُظلل ما بينهم وكُلًا غارقًا في أفكاره حتى صدح صوت جدتها من الخلف


-كنتُ أبحث عنكِ؟

-سألتها روجيدا دون أن تلتفت:ما الأمر جدتي؟!

-نظرت إلى بسنت ثم قالت:بسنت هل لكِ أن تبقي مع الصغيرة!...


أومأت بـ رأسها وقد فهمت أنها تُريد الحديث مع روجيدا بـ مفردها لذلك نهضت دون حديث..جلست سوزان بـ جانب حفيدتها وتساءلت


-هل من المُمكن أن تُخبريني بما حدث؟...


أومأت روجيدا بـ رأسها وبدأت بـ سرد ما حدث وأوصالها ترتجف رُغمًا عنها..كانت سوزان تستمع ولم تظهر أي تعابيرة على وجهها حتى قالت بعد مُدة من صمت روجيدا


-ومن تظنين أنه فعلها!

-أجابت روجيدا بـ حقد:ومن غيرهم

-تنهدت سوزان قائلة:أنا لا أعتقد أنهم من تظنين

-ولما!

-بـ بساطة..هم لا يفتلعون شيئًا بـ وضح النهار..لا ينفذون بـ العلن..بـ الإضافة أنهم يسعون خلفك كل ذلك الوقت وها أنتِ أمامهم فـ لمَ لا ينتهون من أمرك!

-وضعت روجيدا وجهها بين يديها وقالت:لا أعلم..حقًا لا أعلم

-وضعت سوزان يدها على ساق روجيدا وقالت:أما أنا فـ أفعل..من فعل    ذلك يكره زوجك..أو ربما ذلك الضخم إفتعل شيئًا أغضب أحدهم فـ قرر تحذيره..لذلك قام بما حدث...


أزاحت روجيدا يدها عن وجهها لتنظر إلى سوزان قائلة


-لا أظنُ ذلك جدتي..أنا أعلم جيدًا أنهم تلك المُنظمة

-عزيزتي..إنتهى أمر تلك المُنظمة مُنذ زمن..فـ مُنذ قتل زوجك لمارتن قد توقفت     أعمالهم بـ مصر..مارتن كان اليد الأقوى لديهم وقد خسروه..لن يستطيعوا أن يجدوا أحد مثله ولو مرت مئات السنون..لذلك لن يفتلعوا أي شئ قد يُهلكهم جميعًا

-ولكن أخبرني أحدهم أنهم يُلاحقون جاسر بسبب نفوذه ويريدون ضمه إلى صفوفهم

-ضحكت سوزان قائلة:وهل تعتقدين أن سيد ضخم ليس بـ ندًا لهم!...


نظرت روجيدا إليها بـ تعجب لتُكمل سوزان حديثها وهى تبتسم


-وصلتني أخبار عدة تفي بـ أن جاسر تصدى لأكثر مهماتهم خطورة والسرية   ..زوجك ليس بـ شخصًا سهل..يعلم بما يفعل ذكاءه يجعلني أرفع له القُبعة إحترامًا..يئسوا منه ومن عدم وجود ثغرات لذلك تركوه وشأنه...


أومأت روجيدا بـ عدم إقتناع فـ هى لن تهدأ حتى تعرف بما يحدث..لتنهض قائلة


-حسنًا جدتي..سأذهب إلى النوم..تُصبحين على خير...


أومأت سوزان بـ رأسها بـ إبتسامة خفيفة وبقت هى جالسة تُفكر فيما حدث


***************************************


صعد جاسر الفراش كما طلبت منه الطبيبة وقامت بـ تمزيق القميص حتى تُضمد جرحه..نظفت ما حول الحرج ثم هتفت وهى تُدقق النظر بـ الجرح


-يا فندم الرصاصة لسه جوه محتاجة تطلع..لازم تاخد مخدر

-رد عليها بـ جمود:يلا طلعيها مش محتاجة مخدر

-تنهدت الطبيبة وقالت:تمام زي ما تحب...


بدأت الطبيبة بـ عملها وجاسر كان شاردًا فيما حدث..اليوم يُعلن هزيمته الساحقة..خسرها وقد كان..وجدوها في عُقر داره..وسط أهله وحرسه..في مملكته التي لم يتجرأ عليها أحد..لم يشعر     بـ ألم نزع الرصاصة من جسده قدر ألم قلبه على فُراقها الجبري من جديد..كانت معالمه تقسو أكثر كلما أعاد ذكرى تلك الليلة في ذهنه حتى قاطعه صوت الطبيبة


-ممكن تميل رقبتك شوية عشان الجرح!...


دون أن يُكلف نفسه عناء الرد أمال رأسه لتبدأ في تعقيم الجُرح وتضميده حتى إنتهت تمنت له الشفاء العاجل ثم رحلت..ليبقى هو جالس حتى دلف يُسري ومعه شريف وصابر الذي إندفع إليه وسأله بـ قلق


-أنت كويس يا جاسر!..حصلك حاجة؟

-نفى بـ رأسه وقال:لأ..أنا كويس...


جلس يُسري على أحد المقاعد أمام جاسر وبجانبه شريف الذي أخذ يرمقه    وكأنه شخص غريب عن الذي يُلاحقه..بالرغم من تلك القسوة البادية على وجهه لا يتستطيع أن يُخفي ذلك الحُزن الذي إلتهم عيناه


تشدق يُسري وهو ينظر إلى جاسر بـ أسف


-حمد لله ع السلامة يا بطل...


أومأ بـ رأسه ولم يرد..يبدو أنه لم ينتبه إلى وجود شريف بعد وإلا لكانت أعلنت المشفى حالة الطوارئ..سأله يُسري


-إيه اللي حصل!

-زي ما أنت شوفت..لما شوفت الواد دا ومسكته..حاولت أعرف منهم أي حاجة بس هما قتلوه

-يعني مش أنت اللي قتلته؟...


إنطلق هذا السؤال من فم شريف ليترفع رأس جاسر سريعًا ونظر إليه بـ نظرات أكثر قسوة وظُلمة مما كانت عليه..إكتفى بـ تلك النظرات    ولم يقم بـ أي فعل..ليتساءل صابر عله يُنهي حرب النظرات تلك والتي لن تنتهي على خير


-طب هتعمل إيه؟!

-أخذ نفسًا عميق ثم قال:مش وقته..


نظر إلى يُسري ثم تشدق بـ برود


-عاوز الموضوع دا ميتعرفش..يعني اللي حصل والناس دي مين...


بتر حديثه وهو ينظر إلى شريف بـ تهكم ثم أكمل قائلًا


-الناس دي عيلة جبر الرشيد..عشاه دخلتهم السجن وهما حبوا ينتقموا

-طب واللي حصل وسط الناس؟!

-رفع جاسر منكبيه وهتف:عادي..رصاصة طايشة وجت فـ الحارس ..تهويش يعني

-أومأ يُسري قائلًا:تمام يا جاسر..روح أنت بيتك وإستريح...


لم يرد جاسر بل نهض وإتجه ناحية شريف لينهض صابر هو الأخر إستعدادًا لما قد ينشب من شجار


وقف جاسر أمام شريف الذي نهض بـ دوره ليميل جاسر ويهمس بـ حدة


-متفكرش إني بعمل كل دا عشان خاطر عيونك السود..دا عشان خاطر أحمي مراتي اللي كلب زيك حاطط عينه عليها..بس صدقني لما أخلص من كل دا هيكون الدور عليك يا سيادة المُلازم...


وربت على كتفه بـ ذراعه السليم ورحل ليتبعه صابر حتى دلفا خارج المشفى    ..عاونه صابر على الصعود إلى السيارة ثم إلتف هو حول مقعده وأدار المُحرك وإنطلقت بهم


أثناء القياد تساءل صابر دون أن ينظر إلى جاسر الذي عاد يتلبسه قناع القسوة لتجعل ملامحه مُخيفة


-مقولتليش هتعمل إيه!

-تنهد جاسر ورد بعد فترة:هعمل إيه يعني!..هبعد

-ردد صابر بـ صدمة:هتبعد!..ليه؟

-هما عاوزين كدا...


صمت صابر قليلًا يستوعب ما قيل أن جاسر قرر الإنسحاب والإبتعاد ليعود ويقول بـ حذر


-طب وإيه الجديد..ما هما طول عمرهم عاوزين كدا

-رد عليه جاسر بـ تعب:المرادي غير

-غير إزاي!!

-مسح جاسر على وجهه ثم هتف بـ قلة حيلة:وصلوا لجوه بيتي..صوروا مراتي وبنتي وهددوني..عاوزني أعاند أكتر عشان يضيعوا مني؟!...


قال عبارته الأخيرة بـ حسرة وإنكسار ليرد صابر سريعًا نافيًا بـ تبرير


-لأ طبعًا..بس أنت كل مرة بتلاقي حل..مش هتصعب عليك المرادي

-رد جاسر بـ غموض:أنا فعلًا عندي حل بس...


ثم صمت وكأنه لم يستوعب فكرة الإبتعاد حتى الآن ليحثه صديقه على الحديث


-كمل بس إيه!

-محتاج أبعد..عشان أعرف أفكر فيه كويس

-إيه هو؟!

-هز رأسه يُمنة ويُسرة قائلًا:مش وقته..لما أتأكد منه يا صابر الأول...


أومأ الآخر بـ تفهم ولم يتحدث ليعم الصمت المكان عدة دقائق قطعها جاسر قائلًا


-أنا هسافر لبنان أتابع الشغل هناك

-طب ما تخلي حد تاني

-لأ..عاوز أبعد عن هنا نهائي

-إبتسم صابر من زاوية فمه وقال:قصدك تبعد عنها نهائي

-إبتسم جاسر هو الآخر قائلًا:لو فضلت هنا هضعف يا صابر..وأنا مش عايز أضعف وأدفع تمن ضعفي..بس التمن دا هيكون غالي أوي

-عاذرك يا صاحبي..ربنا يقويك...


ربت على فخذه بـ مؤازرة ليقول جاسر وكأنه رجاء


-بس عاوز أشوفها قبل ما أسافر..عاوز أودعها هي وبنتي..خايف تكون أخر مرة

-زجره صابر بـ عنف:بس يا جاسر متقولش كدا..إن شاء الله مش هتبقى أخر مرة..هتعيش معاهم لحد ما تجوز جُلنار..أنت بس توكل على ربنا

-ونعم بالله..ونعم بالله...


**************************************


كان شريف قد وصل إلى منزله..صف السيارة وهبط منها..إلتفت إلى    باب المنزل ليجد ذلك الرجلان اللذان أتيا صباحًا إلى منزل تلك الفتاة..أبتسم من زاوية فمه وإقترب منهما مُتسالًا بـ تهكم


-إيه سبب الزيارة اللي مش سعيدة دي خالص!

-أتاه صوتًا من خلفه:چايين نصفوا حسابنا معاك يا باشا...


إلتفت إلى ذلك الصوت الذي أتاه من خلفه ليجده رجل في العقده الرابع..    يرتدي جلباب كـ حال الجميع بـ تلك القرية..يضع شالًا من الحرير على منكبه وبيده عصاه لا يستند عليها ولكنه يستخدمها مُظهرًا القوة


جابه شريف بـ نظره ثم تساءل وهو يعلم الجواب


-حساب إيه يا ريس!

-إبتسم الآخر بـ لؤم:طب فين واچب الضيافة يا باشا؟

-رد عليه بـ سخرية:موچود..إتفضل...


لم يخفَ على ذلك الرجل نبرة التهكم بـ صوت شريف وهو يُقلد لكنته الصعيدية   ولكنه تجاهلها حاليًا..دلف الجميع المنزل ليجلسوا ثم هتف شريف بـ وقاحة وهو يجلس


-أعذرني مقدرش أضيفكوا أصل مفيش سكر ولا شاي بالمرة

-أبتسم الآخر وهو يهز رأسه:وماله..ملوش لزوم الشاي..نجضيها إكدة..ندخل بجى فـ المفيد

-أيووووة أنا عاوز المفيد يا ريس

-أولًا أني المعلم رچدي أكبر معلم مواشي فـ الصعيد كلاته

-إتشرفنا..بس دا مش موضوعي...


أشار رچدي وهو يضم قبضته في إشارة بـ معنى إنتظر ثم هتف وهو ينظر إلى عينا شريف


-صبرك عليا يا باشا..أني چاي أتحدت وياك

-هدر شريف بـ نفاذ صبر:وأنا بصراحة مش فاضي لقعدة حكاوي زمان دي

-وضع رچدي يده على صدره وقال:حجك عليا يا باشا..ألا لما يكون ليك فلوس عند حد..مش المفروض ترچعلك...


فهم شريف ما يرمي إليه ليتماكر معه بـ الحديث


-أكيد..بس لما تكون فلوسي مع حد قادر يسدد..واللي بيسترد..بيسترد بـ الإحترام..مش يبتعلي بلطجية ويقول عاوز حقي...


كاد أن ينهض الرجلا ولكن رچدي أشار إليهم بـ الجلوس..ليعاود    ا الجلوس..كان شريف يُتابع ما يحدث بـ إبتسامة مُتهكمة ليتشدق الأول بـ هدوء


-عندك حج يا باشا..لكن أني عطيته فرص كَتير و برضو مردش الفلوس..جالي مش معايا..جولت وماله يبجى نعجد إتفاج..كدا عداني العيب ولا إيه؟...


لم يرد عليه شريف ليُكمل رُچدي حديثه


-جولتله أتچوز بنتك مجابيل الفلوس وهو موافقش..يبجى أخد حجي بيدي ولا لع!

-إنتفض شريف واقفًا ثم هدر:تك كسر حُقك..بنت إيه يا راجل يا مجنون اللي تتجوزها..مش مكسوف من نفسك!

-الله الله..وليه الغلط بس!!

-أمسكه شريف من تلابيبه:أنت لسه شوفت غلط..ورحمة أبويا لو هوبت ناحيتهم تاني لكون معلق راسك قدام باب بيتك..الدنيا مش فتونه..ويلا خد كلابك وغور...


ثم دفعه بـ حدة وقبل أن يستل الرجلان سلاحمها كان شريف الأسرع و وجه    فوهة المسدس ناحيتهم..إعتدل رُچدي بـ وقفته وعدل من ثيابه ليُشير إلى رجاله قائلًا بـ توعد


-بينا يا رچالة..حسابنا لسه موجفش لحد إهنه...


ثم رحل تاركًا شريف يتنفس بـ حدة..وها قد إكتسب عدوًا جديد


****************************************


توجه إلى الغُرفة التي يقبعان بها سويًا بعدما أبدل ثيابه ليجلس على     طرف الفراش..يُراقبها وهى نائمة فـ ملس على خُصلاتها ثم همس بينه وبين نفسه


-عمري ما فكرت فـ فراقك أبدًا..كله غصب عني...


تملمت هى بـ إنزعاج من يده ليُبعدها سريعًا خشية أن تستيقظ ولكن الآوان قد فات وإستيقظت الأميرة النائمة..لتتسع عيناها وردد بـ سعادة


-جاسر!!..أخيرًا جيت...


لترتمي بـ أحضانه غير أبهه لجراحه التي لا تعلمها..إبتسم هو و حاوطها دافنًا رأسه بـ عنقها يشتمه بـ قوة لتتساءل روجيدا وهى لا تزال بـ أحضانه


-أنت كويس؟...


أبعدها عن أحضانه ليُحيط وجهها بين يداه ثم همس وعيناه تدور على كامل وجهها


-بقيت كويس لما شوفتك..جُلنار كويسة!

-تساءلت بـ غرابة:أنت لسه مشوفتهاش؟!

-لأ شوفتها بس كانت نايمة

-تعبت النهاردة

-أومأ مُوافقًا:أه تعبت...


وساد الصمت ولا يزال جاسر يُحدق بها وكأنه يحفر معالمها بـ قلبه وعقله على    حدًا سواء..وضعت روجيدا يدها على وجنته فـ تفاجئ هو من فعلتها لينظر إليها بـ دهشة ثم تساءلت


-إيه اللي حصل!

-بلاش تعرفي

-لتقول بـ غضب:هما مش كدا!...


تنفس جاسر بـ حدة قبل أن يُمسكها من كِلا ذراعيها وأخذ يحركها بـ عنف هامسًا بـ حدة


-بطلي الوهم اللي فـ دماغك دا..مش هما..مش هما أبدًا..ولا هيكونوا سبب فـ خوفك يوم من الأيام

-وضعت يدها على صدره وقالت:طب مين!

-وضع جبينه على خاصتها وقال:ناس ليهم عدواة معايا..كنت حطيتهم فـ السجن     عشان أعمال غير مشروعة..وأهلهم حبوا ينتقموا مني ..دي كل القصة..مش كل شوية تقوليلي هما

-متأكد يا جاسر!

-إبتسم إبتسامة مُزيفة:متأكد يا عيون جاسر...


همس بها لتبتسم هى الآخرى إبتسامة مُزيفة..لتضع راحتها على وجنته هامسه وهى تبتلع ريقها بـ صعوبة


-خفت تكون أخر مرة أشوفك

-أبعد خُصلاتها عن وجهها وقال:مش هتكون أخر مرة أبدًا..مفيش أخر مرة طول ما أنا وأنتي معانا ربنا...


إبتسمت أكثر وقد أشعرها حديثه بـ بعض الراحة..ظلا يُحدقان بـ بعضهما حتى    إقترب جاسر من وجهها أكثر لتتصاعد ضربات قلبها كلما إقترب منها حتى همس وشفتاه تتلمس شفاها عندما يتحدث


-عاوزك تعرفي إن كل حاجة عملتها عشانك أنتي وبس...


وبعدها تاه العالم عنهما وشفتاه تقبض على شفيتها في عناق رقيق..كان اللقاء الشفاه كـ لقاء الماء والنار..الليل والنهار


كانت يداه تلتف على عنقها تُقربها منه حتى باتت كـ أحد أضلعه الإضافية وبدورها عانقته فـ هى كانت أكثر حاجة منه لهذا العناق


بقيا مدة طويلة والعناق مُستمر والأرواح مُتلاقية ويبقى الأمان هو الشعور الوحيد الذي خلفته تلك القُبلة


إبتعد عنها بعدما إنعدمت أنفاسهما..ليدفن رأسه بـ عنقها وهى تستند على منكبه     مُغمضة لعيناها لا تكاد تُصدق أنها بادلته تلك القُبلة ولكنها إبتسمت وكأنه يُقبلها لأول مرة..همس جاسر بعدما طبع عدة قُبلات خفيفة على عُنقها


-روجيدا..أنا مسافر...


*************************************


نهضت روجيدا بـ وجه مُقتضب..نظرت بـ الهاتف جابنها ولم تجد أي إتصال     منه..لتقذفه بـ عنف على الفراش وأعادت خُصلاتها بـ شدة إلى الخلف..تأففت بـ ضيق وهى تتذكر ما حدث أمس كم ثارت وإنفعلت عندما أخبرها بـ سفره


عندها نهضت بـ عنف بعدما دفعته إلى الخلف وهدرت بـ حدة


-مسافر فين وسايبني هنا!..مش أنت اللي كنت هتموت ونرجع؟..دلوقي بتقولي مسافر!!!...


نهض جاسر عن الفراش وإتجه ناحيتها حاول أن يُمسك بـ ذراعيها يُهدأها ولكنها أزاحته بعيدًا..وضع يده على وجهه وقال بـ هدوء


-يا حبيبتي..أنا مسافر شغل مش أكتر..يعني مش مسافر العمر كله...


إستدارت إليه ودفعته بـ عنف على صدره لينكمش وجهه بـ تألم دون أن يوضح لها..ثم تشدقت بـ عصبية


-روُح يا جاسر..يلا..أفتكر أنك أنت اللي بتهدم كل حاجة بينا...


بـ يدٍ واحدة كان قد جذبها إلى أحضانه..ظلت هى تتلوى ولكنه لم يسمح لها أن تبتعد ليستند بـ جبينه على جبينها وهمس بـ نبرة إلتمست فيها الحُزن


-سامحيني يا روجيدا...


هذا أخر ما نطق به قبل أن يُقبل وجنتها بـ عمق وكأنها أخر مرة سيفعلها..بعدها    رحل تاركًا إياها تبكي جالسة أرضًا..حتى جفت عبراتها وصعدت فراشها ونامت


-سافر وأنا هرجع القاهرة...


قالتها بـ تحدي لتنهض عن الفراش ولكنها عادت وأمسكت هاتفها وإتصلت بـ أحدهم حتى أتاها الرد من الطرف الأخر


-روجيدا!..فتاتي الثرية..كيف حالكِ!

-إبتسمت روجيدا وقالت:بخير..كيف حالكِ أنتِ؟!

-وضعت كاثرين يدها على بطنها وأردفت:كيف تحملتِ فترة الحمل تلك؟..أنا أكاد أموت

-ضحكت روجيدا وقالت:على العكس..إنها فترة رائعة..ستمر...


نحنحت روجيدا وتساءلت بـ حرص


-هل ستيف بـ جانبك؟

-ردت عليها كاثرين بـ غرابة:لا..أنه بالعمل

-أخذت روجيدا نفسًا عميق وقالت:سأسألك شيئًا ما ولكن عديني ألا تكذبي

-حسنًا..أعدك...


وضعت روجيدت يدها على قلبها تخشى الإجابة وتخشى أن تسأل..ولكنها تشجعت وسألت بـ خفوت


-هل المُنظمة هى من إفتعلت حادث أمس؟

-تحدثت كاثرين بـ دهشة:هل حدث شيئًا ما أمس؟!

-ردت عليها روجيدا بـ غرابة أكبر:ألم تعلمي!

-نفت كاثرين قائلة:كلا..مُنذ ما حدث من خمس سنوات لا نعلم شئ..توقفت أنشطة المُنظمة وتوقفت مُلاحقتها لكِ

-ولكنها لم تتوقف عن مُلاحقة جاسر

-ردت عليها كاثرين:بلى..ولكن كل محاولاتها باءت بـ الفشل..لم يستطيعوا أن      يؤذوه من ثغراته..جاسر كان حذر وأخبرنا بـ الكثير من المعلومات وكُنا نُساعده..وفجأة إنقطع كُل شئ..أظنم يئسوا

-تمتمت روجيدا وكأنها تُحادث نفسها:هم لا ييئسون أبدأ...


أخذت روجيدا عدة أنفاس لتُهدئ نبرتها المُضطربة ثم عادت تقول


-أشكرك كاثرين..أتمنى أن تلدي على خير...


وأغلقت الهاتف دون أن تنتظر ردها..لتجلس على الفراش وعيناها مُسلطتان على الفراغ..الجميع يكذب..الجميع يحيك شيئًا ما خلفها


وعلى الجانب الآخر ما أن أغلقت كاثرين الهاتف حتى إلتفتت إلى ستيف الجالس بـ جانبها لتتساءل وهى تشعر بـ تعاطف مع روجيدا


-لمَ يفعل ذلك بها! لمَ لا يُخبرها الحقيقة!

-همس ستيف بـ شرود:إنه يحميها...


                    الفصل التاسع عشر من هنا

لقراة باقي الفصول من هنا


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-