رواية لعنة العشق الفصل الثالث والربع بقلم شاهندة


 روايةلعنة العشق

الفصل الثالث والربع

بقلم شاهنده

الفصل الثالث

قالت جورى بحيرة:


مش عارفة ياسوسن ..صدقينى مش عارفة


قالت صديقتها سوسن بحدة:


مش عارفة ايه بس ياجورى ..انتى متعلقة بحبال دايبة على فكرة وبتستهبلى والله


نظرت اليها جورى بعتاب فتنهدت سوسن قائلة:


أنا آسفة ياستى..بس بصراحة حالك مش عاجبنى..يعنى ايه تفضلى عايشة على ذكرى حب مراهقة عبيط

..والحب ده حبتيه لواحد محبهولكيش أساسا ولا حس بيكى..لأ

 وسافر من سنين ويمكن حب واحدة واتنين وتلاتة..ده غير انه اصلا ميعرفش انك بتحبيه.

.تعرفى..انتى بتضيعى من ايدك فرصة كبيرة اوى بسبب أوهام..دكتور عاصم اللى 

مش همك ده ولا بتفكرى فيه..غيرك كتير بيتمناه..بس مع الاسف هو مهتم بيكى انتى

..مبينزلش عينه طول المحاضرة من عليكى انتى..و لو شاف منك بس لمحة اهتمام او ريق حلو هيتقدملك علطول


زفرت جورى قائلة:


دكتور عاصم ايه بس..للأسف ياسوسن مش هتقدرى تفهمينى ولا تحسى بية..أيهم بالنسبة لى حلم فضلت أحلمه سنين..ده اول واحد قلبى دق له..مش عارفة ازاى او من امتى حبيته بس صدقينى احساسى من ناحيته مش مشاعر طفلة ولا حب مراهقة..انا حاولت كتير أنساه لما سافر..حاولت أفكر نفسى بالفرق الكبير بينى وبينه وانه لا يمكن فى يوم يبصلى او يحس بية..بس مقدرتش..لقيته بيوحشنى وحبه فى قلبى بيكبر..بستنى أخباره ويوم رجوعه بفارغ الصبر..انتى تعرفى انهاردة لما عرفت انه راجع..قلبى كان هيقف من الفرحة


قالت سوسن فى حيرة:


طيب ..افرضى انه رجع ولسة شايفك جورى أم ضفيرتين صغيرين واللى كانت دايما

 وراه فى كل حتة زى ضله..واللى برده كان بيعاملها زى اخته الصغيرة..افرضى انه بيبصلك على انك جورى بنت نوال الدادة.....


قطعت سوسن كلماتها وهى تضع يدها على فمها فى صدمة وهى ترى ترقرق الدموع فى عينى صديقتها الجميلتين لتقول جورى:


ما تكملى.. سكتى ليه؟أيوة أنا جورى بنت نوال الدادة مبنكرش ده ولا بتكسف منه

..صحيح عيلة بابا اتبرت منه عشان حب ماما واتجوزها..بس هى بعد موته فضلت عايشة على ذكراه.

.اشتغلت وكافحت عشان تربينى احسن تربية وتدخلنى كلية الطب..ماما دى تبقى حياتى

 ..هى اللى خلتنى جورى اللى الكل بيحلف بأخلاقها وتفوقها


قالت سوسن بحزن:


عارفة والله ياجورى..أنا بجد متأسفة..مقصدش أقلل منك وانتى عارفة انا بحبك

 اد ايه وبحب طنط نوال وبقدرها هى كمان أد ايه..بس انا حبيت احط أدامك كل

 حاجة عشان متتصدميش بعدين..عشان خاطرى متزعليش منى


قالت جورى برقة وهى تربت على يد صديقتها:


مش زعلانة..ومتقلقيش علية ياسوسن..أنا جورى سعيد العدوى..لو حسيت

 للحظة ان أيهم مش بيحبنى او حتى ممكن يحبنى أقل مابحبه..أو حسيت

 فى لحظة انه هيقلل منى بأى شكل من الأشكال..هنساه ..هعتبره صفحة فى حياتى وانتهت وهفكر بس فى مستقبلى


ابتسمت سوسن قائلة:


هى دى جورى صاحبتى اللى بموت فيها


بادلتها جورى ابتسامتها ولكن من داخلها كان لديها ذلك الشك والذى يقتلها..تتساءل..هل هى حقا قادرة على نسيانه؟


************


ابتسم أدهم وهو يترجل من على جواده ويمسك بلجامه ليمنحه الى السايس وهو يلتفت الى أخيه قائلا:


واقف بقالك كتير؟


ابتسم مهيب قائلا:


لأ ..بقالى عشر دقايق بس..أخبارك إيه؟


قال أدهم بمزاح:


أكيد أحسن منك


ابتسم مهيب ليقول أدهم بجدية:


قولى بقى ايه سبب الزيارة الغريبة دى؟


قال مهيب باستنكار:


هو لازم يبقى فيه سبب عشان أزوركم


نظر أدهم اليه بنصف عين قائلا:


من يوم ما اتجوزت ..يعنى تقريبا من سنة وانا مبشوفكش غير لما يكون وراك حاجة..وده نادرا طبعا..زى مايكون ديالا هانم موصياك متجيش المزرعة عشان مبتحبهاش


قال مهيب بحدة:


ماتلم نفسك ياأدهم ..هو انا يعنى شخشيخة فى ايد مراتى..عشان تقولى اروح فين واجى منين..عموما ياسيدى انا غلطان انى جيت ..آل وانا فاكر ان انت اللى هتقدر تساعدنى


والتفت يغادر بعصبية ليمسك أدهم بيده قائلا:


تعالى بس رايح فين؟انت مش هتبطل العصبية بتاعتك دى..بهزر ياأخى بهزر


ابتسم مهيب وهو يتذكر كلمات مايا عن عصبيته ..ليلتقط أدهم تلك الابتسامة ويقول فى هدوء:


لأ ده الموضوع شكله كبير..تعالى نقعد هناك ونشرب كوبايتين شاى وتحكيلى كل حاجة بالتفصيل


أومأ مهيب برأسه فى استسلام وهو يتبع أخيه الذى شعر ببعض القلق من حال مهيب وما هو على وشك البوح به


**************


أحست كارمن باليأس من اكتسابها لثقة جود وحبه واهتمامه وتفاعله معها

..كانت تحاول بشتى الطرق فى الفترة الماضية أن تجعل جود يشارك معها ومع جودى

 فى تلك الأنشطة التى أعدتها لهم..لتقابل كل محاولاتها بالتجاهل من قبل

 جود بينما تفاعلت معها جودى بحماس..لم تستطع التغلغل الى اعماق ذلك الفتى الحساس 

والذى لاحظت حساسيته منذ يومها الاول..لاحظت أيضا بعض النظرات المسترقة

 منه عندما يصدر منها كلمة تشجيع او لمسة حانية..ليعود اليه ذلك القناع البارد على 

الفور عندما يلاحظ انها تنظر اليه..لا تدرى لما يذكرها جود بوالده كثيرا..

فهو لايحمل ملامح والده بحسب بل صفاته أيضا..ربما لم يمر عليها الكثير

 فى هذا المكان الا انها باتت تعرف طبائع المحيطين بها..هى لم تتعامل سوى مع القليلين 

مثل الدادة نوال  وهى سيدة طيبة للغاية وحنونة أيضا..والسيدة

 وجد تلك الام الحنونة والجميلة والرقيقة فى نفس الوقت

..تشعر انها تشبهها فى الاهتمامات والطباع أيضا..تعشق مثلها الرسم والقهوة.

.يجلسون كل يوم قبل غروب الشمس يحتسون القهوة ويرسمون بعض المناظر الطبيعية الخلابة خاصة لمنظر الغروب..عشقهم الأبدى

..أما ادهم..دق قلبها عند تذكرها له..لا تعلم لماذا..ربما بسبب غموضه الذى تحاول

 فك شفرته..فهو يبدوا أحيانا رائعا.. خاصة عند وجوده مع ولديه وأحيانا يبدو باردا

 ومتباعدا وصلبا لا تتحرك مشاعره أو ملامحه قيد أنملة..وغضبه..ياالله..

كم هو قاس عند غضبه..تتذكر البارحة عندما كان السائق يحضر التوأمين من المدرسة

 ليتوقف فى منتصف الطريق وينزل من السيارة ليحضر بعض السجائر..ليخرج التوأمين

 من السيارة الى الشارع حتى كادت جودى أن تقع فى الترعة لولا وصول أبيهم اليهم

 فى نفس اللحظة حيث كان يسير بنفس الطريق ليقفز من السيارة ويسرع بانقاذ ابنته 

قبل أن تقع فى المياه..ليأخذ أطفاله معه الى السيارة كما أخبرتها جودى ويأمر طه

 السائق بأن يسبقه الى هناك..وفى الفيلا وأمام الجميع انهال عليه بالتقريع لإهماله الذى

 كاد يودى بحياة ابنته بل كان سيبلغ عنه ويلقيه فى السجن لولا توسل أمه له أن يدعه

 وشأنه فاكتفى بأن قام بطرده وأخبره أنه إن وقعت عليه عيناه مرة أخرى سيقوم بالابلاغ عنه.

.ليسرع طه بالهرب من أمامه ويلتفت اليهم لترى كارمن نظرة غضب سوداء فى عينيه

 تبددت على الفور عندما اقترب منه كل من جود وجودى لينزل على ركبتيه ويحتضنهما

 فى حنان وهو يغمض عينيه ويزفر فى راحة..وكأنه يتخيل ما كان ممكن أن يحدث

 لولا وصوله فى اللحظة الاخيرة..وكأن أبنائه هما فقط من يعيش لأجلهما لترى 

كارمن دواخله فى تلك اللحظة التى فتح فيها عينيه لتتقابل مع عينيها فى نظرة

 طويلة معبرة ليقطع هو نظرتهم وهو ينهض ليمسك بيدى ولديه ويتجه بهما الى حجرته ليناما بجواره تلك الليلة


أفاقت من أفكارها على صوت جودى وهى تقول:


تفتكرى عمى أيهم فاكرنا يامس كارمن؟


نظرت اليها كارمن فى حيرة قائلة:


عمك أيهم؟؟


ابتسمت جودى قائلة:


أيوة يامس كارمن..عمى أيهم..انتى مشفتهوش عشان هو مسافر من زمان

..بابا قالى ان احنا كان عندنا ساعتها سنتين..وحكالنا عنه كتير وورالنا صوره كمان

..بس هو جاى آخر الأسبوع وهنشوفه كلنا..ومشفتيش كمان عمى مهيب ومراته .

.مش عارفة اسمها عشان مش بعرف أنطقه..بصى أنا بحب عمى مهيب بس مش بحب مراته عشان بتزعقلى كتير أنا و جود


قال جود بغضب:


خلاص ياجودى..مس كارمن مش لازم تعرف كل حاجة عننا


ابتسمت كارمن فلأول مرة ينطق جود اسمها ويتدخل فى حديثهما لتتوجه بالحديث الى جودى قائلة:


جود معاه حق ياحبيبتى..مينفعش نقول تفاصيل حياتنا لحد وخصوصا لو كان غريب عننا


قالت جودى بحيرة:


بس انتى مش غريبة يامس كارمن


قال جود بحدة:


لأ غريبة


لتقول جودى بتصميم:


لأ مش غريبة


لتقاطعهم كارمن قائلة بحنان:


خلاص ياولاد..خلينا دلوقتى فى درسنا..هعملكم امتحان صغير ولو حليتوا كويس هعملكم مفاجأة حلوة


ظهرت السعادة واضحة على وجه جودى بينما لمحت كارمن نظرة حماس فى عينى

 جود أخفاها بسرعة تحت قناع البرود..لتبتسم داخلها وهى تشعر بقرب هدم ذلك الجدار الذى بناه حوله ذلك الطفل البرئ ...جود


**********


كان أدهم يستمع الى أخيه بهدوء بينما تتصارع داخله الأفكار..لا يدرى بم يجيبه 

على تساؤلاته..فأخيه قد بدأ يشعر بما رآه الجميع من حوله..فالكل يعلمون أن

 مايا تعشق مهيب منذ الصغر..ورأو عذابها فى قربه وتجاهله لمشاعرها

..رأوها يوم زفافه وهى شاحبة كالموتى..ظلا لامرأة ..حتى أنها لم تستطع أن تكمل

 الحفل لتسقط مغشيا عليها وتظل مريضة لشهرين كاملين لتعود بعدها الى

 حياتها الطبيعية تحاول أن تقنع الجميع أنها على مايرام..وظن الجميع ذلك..

ولكن أدهم فقط من ظل يرى مابداخلها عندما تنظر الى مهيب دون ان يلاحظ أحد.

.ويبدو أيضا ان مهيب فى طريقه لاكتشاف مشاعره التى كان غافلا عنها حتى عندما

 حذره أدهم من تسرعه فى الزواج من ديالا لم يعير تحذيره اى اهتمام..والآن فات 

الأوان فمهيب لن يكون قادرا على هدم بيته ولا هو قادرا ايضا على اتباع مشاعره ليفيق من أفكاره على صوت مهيب يقول بعصبية:


هو أنا بحكيلك عشان تفضل ساكت كدة؟


قال أدهم بهدوء:


اهدى بس.. كل الموضوع انى مش عارف أقولك ايه بصراحة


قال مهيب بسخرية:


جبتك ياعبد المعين


قال أدهم باستنكار:


عبد المعين..طب اسمع بقى ..أنا هسألك شوية أسئلة وانت تجاوبنى ومن اجاباتك ممكن تعرف ايه جواك ..تمام؟


نظر اليه مهيب فى شك إلا أنه أومأ برأسه موافقا ليقول أدهم:


ديالا بالنسبة لك ايه؟


قال مهيب:


مراتى


قال ادهم:


وحبيبتك


ارتبك مهيب ليقول:


آه طبعا وحبيبتى..بس يمكن مشاعرنا هديت شوية بعد الجواز..مبقاش فيها الشرارة دى اللى كانت موجودة قبل الجواز..وده تقريبا حال كل المتجوزين


قال أدهم فى هدوء:


مين قال الكلام ده بس..اوعى تصدق الناس اللى بتقول الجواز مقبرة الحب واذا دخل 

الجواز من الباب هرب الحب من الشباك..الحب لو موجود فى الجواز..بيزيد كل ما الوقت بيعدى

..الشرارة بتكبر مع العشرة الطيبة.. والشوق والعشق بيزيدوا مش بيقلوا.

.بشوية اهتمام ومشاعر من الطرفين شرارة الحب بتقيد وبتبقى لهيب.. والدليل أدامك..ماما وبابا ولا ايه؟


تنهد مهيب قائلا:


معاك حق


ثم قال بتردد:


دى كانت مشاعرك مع نوران؟


مرت لمحة حزينة فى عينى أدهم وهو يقول:


أنا ونوران كنا حالة مختلفة شوية..جوازنا كان جواز مصلحة مبنى ع العقل .

.اتنين متفقين فى الأطباع..هى كانت ست طيبة أوى الله يرحمها..عمرها ما عصتنى 

ولا نيمتنى زعلان..بس عمر الشرارة اللى بقولك عليها دى ما كانت موجودة بينا


قال مهيب بتفهم:


الله يرحمها..فعلا كانت طيبة اوى..كفاية انها جابتلنا جود وجودى


ابتسم أدهم عند ذكر ولديه وقفزت الى عقله صورتهما لينضم الى تلك الصورة فتاة ذات

 شعر بنى ناعم مسترسل وعينين لامعتين وابتسامة تظهر غمازتيها لينفض تلك الصورة بعنف ويفيق من أفكاره على صوت أخيه وهو يقول:


وسؤالك التانى؟


تنحنح أدهم قائلا:


احم..مايا بالنسبة لك ايه؟


ابتسم مهيب بتلقائية وهو يقول بشرود:


مايا دى نسمة هوا فى يوم حر بتخلينى قادر استحمل يومى..او نقطة مية فى

 صحرا من غيرها ممكن اموت..مايا اختى وصاحبتى واقرب واحدة لية..والوحيدة اللى بحس معاها براحة نفسية وكأنى قاعد مع نفسى


فغر أدهم فمه من قوة وروعة الوصف لينظر اليه مهيب ويدرك ما قاله دون وعى منه.

.لتتسع عينا مهيب ويعرف أدهم ان مهيب قد أدرك مشاعره تجاه مايا ليقول ادهم بهدوء:


دلوقتى أقدر أقول انك عرفت ايه اللى جواك بس المشكلة بقت ازاى هتقدر تتعامل معاه؟


نظر إليه مهيب فى حيرة يعلم أن هذا السؤال سيظل وقت طويل بلا إجابة

الفصل الربع


ابتسمت كارمن وهى تتأمل المكان من حولها..ذلك المكان الذى اكتشفته بالصدفة منذ يومان.

.والذى أصبح مكانها المفضل فى المزرعة..كانت ترسم التوأمين وهما يلعبان بتلك الطائرة 

الورقية والتى أهدتهما اياها البارحة لنجاحهم فى الامتحان بعد أن صنعتها خصيصا من

 أجلهما كمكافأة لهما على اجتهادهما..فرحت جودى بها كثيرا بينما ظهر عدم الاهتمام 

على ملامح جود ولكن كارمن لمحت سعادة مخفية بمهارة داخل عينيه..ولكنها أدركتها.

.تأملتهما قليلا وقلبها يكاد ينفجر من قوة الحب الذى تشعر به تجاه هذين الطفلين..

والذين ملكا مشاعرها منذ اول لقاء لها معهما لتمر الأيام ويزداد حبها وتعلقها بهما لينتابها 

الخوف من لحظة فراقهما والتى ستأتى عاجلا أم آجلا..بعد عام.. بعد اثنين..النهاية واحدة.

. فقد ووحشة وألم..انسابت دمعة من عينيها لتمسحها بسرعة وهى تلاحظ اقتراب الطفلين منها ..ابتسمت قائلة:


ايه.. زهقتوا ياحبايبى؟


جلست جودى بجوارها بينما ظل جود واقفا لتقول جودى بتعب:


هنرتاح شوية يامس كارمن وبعدين هنلعب تانى


ثم نظرت الى رسمة كارمن قائلة بسعادة:


انتى بترسمينا صح؟


ابتسمت كارمن وهى تومئ برأسها لتلاحظ اهتماما مستترا من جود وهو يمد رأسه قليلا ليرى رسمتها فقربتها منه قليلا ليراها جيدا..ليتظاهر بعدم الاهتمام قائلا:


يلا ياجودى نكمل لعب


قالت جودى:


لأ ..أنا هقعد أتفرج على مس كارمن وهى بترسم..انا بحب الرسم اوى وعايزة اتعلم منها..روح انت ياجود


هز جود كتفيه وهو يقول:


انتى حرة


ليبتعد ويلعب بالطائرة بينما تتابعه كارمن بعينيها..تعلم أنه عنيد مثل أبيه تماما 

ولن يستسلم بسهولة ولكنها لن تيأس قبل أن يرفع لها راية الاستسلام..لا تدرى لماذا 

فى تلك اللحظة ظهرت صورة أدهم أمامها لتنفضها بسرعة وهى تشعر بالارتباك والخطر


***********


وقف مهيب ينظر الى السماء من خلال نافذة مكتبه تتصارع لديه الأفكار 

..منذ ذلك اليوم عند أدهم وكلامهما سويا ..وهو يشعر بالتمزق..يرفض أن يصدق

 استنتاجه لتلك المشاعر التى تجتاحه..يرفض أن يصدق أنه يحب مايا منذ أن عرف للحب

 طعم كما قال له أخوه..هو بالتأكيد لا يحبها بل يتوهم ذلك..نعم تزداد دقات قلبه

 فى قربها ولكنه أرجع ذلك الى جمالها وهدوءها ورقتها أو ربما هو عطرها الوردى الهادئ

 مثلها تماما والذى أصبح كالهواء بالنسبة له..يعشق استنشاقه..ونعم هو لطالما 

افتقدها كلما غابت عن ناظريه بل كاد ان يموت عندما علم بمرضها حتى انه

 قطع شهر العسل خاصته ليكون الى جوارها..ولكنه أرجع ذلك الى انها مثل اخته الصغيرة تماما.

.تنهد بعمق لا يدرى الى متى سيظل فى تلك الأفكار التى تكاد تؤدى به الى الجنون؟


على الجانب الآخر من الغرفة وتحديدا امام الباب تقف مايا مترددة فمنذ يومين

 ومهيب يتصرف بغرابة..يتجنب لقائهما..وحتى عندما يتلاقيا يتصرف معها بتوتر وجفاء.

.تخشى ان يكون قد ادرك مشاعرها تجاهه..يعلم الله أنها حاولت المستحيل كى لا يشعر بحبها

..أغمضت عينيها تدعوا الله أن لا يكون قد اكتشف مشاعرها وإلا فقدته للأبد .

.وهى على استعداد للتخلى عنه كحبيب ولكنها ليست على استعداد مطلقا ان لا يكون له وجودا بحياتها.

.لا تستطيع أن لا تراه كل يوم ..أن تتنفس عطره وتحظى بلحظات قليلة بقربه...لا تستطيع


أخذت نفسا عميقا وطرقت الباب ليأمرها مهيب بالدخول..دلفت مايا الى الحجرة لتجده واقفا ومانحا اياها ظهره لتتنحنح قائلة:


احم..مهيب؟


منذ لحظة دخولها الى الحجرة وعرف مهيب على الفور أنها هى لتزداد دقات قلبه وهو يسمعها تنادى باسمه

..اغمض عينيه وهو يتعجب من حاله..فمنذ فترة قريبة كان وجودها معه يسره ولكنه 

لا يسارع دقات قلبه كما يحدث الآن ليدرك أنه كان معميا عن مشاعره والتى ما ان

 أدركها حتى بات من المستحيل انكارها..التفت اليها بهدوء يتأملها بصمت بدءا من شعرها الأسود الحريرى.

.مرورا بعينيها التى دائما ما تختفى خلف نظارتها وصولا الى شفتيها الكرزيتين وعنقها الطويل 

..تأمل ملابسها والتى تظهر قدها الرشيق..كانت تلبس تنورة سوداء ضيقة تصل

 الى ركبتيها عليها جاكت قصير أسود وتحته بلوزة بيضاء..مظهرا كلاسيكيا فتان.

.ملابسها تعكس طبيعتها..بسيطة وهادئة وأنيقة..توترت مايا من نظراته وقالت بارتباك:


مهيب !


أفاق من سحر النظر اليها ليقول بهدوء يحاول به أن يهدئ من نبضات قلبه الثائر:


خير يامايا..ايه اللى جابك بدرى انهاردة؟


اقتربت منه قائلة:


انت يامهيب


عقد حاجبيه قائلا:


انا ؟؟؟


أومات برأسها ايجابا وهى تقول :


أيوة انت..مبقتش أشوفك خالص..بتيجى بدرى وبتروح بدرى..ولو اتقابلنا بالصدفة بتبقى بارد معايا وكأنك مش عايز تشوفنى


صمت وقد ظهر عليه الارتباك..لتضع يدها على فمها بصدمة وترجع الى الخلف وقد ترقرقت بعينيها الدموع قائلة:


انت بجد مش عايز تشوفنى ..صح؟


أوجعته دموعها ليسرع بالنفى وهو يقترب منها قائلا:


انتى أكيد اتجننتى..ازاى بس مش عايز أشوفك..طب ليه؟


هزت رأسها قائلة بمرارة:


مش عارفة ..مش عارفة


أمسك يدها بحنان قائلا:


بطلى هبل..وقوليلى..انتى فطرتى؟


نظرت اليه بحيرة لترى ابتسامته التى أزالت حزنها على الفور لتهز رأسها نفيا قائلة:


لأ


اتسعت ابتسامته وهو يراها تمط شفتيها كالأطفال ليقول:


انا كمان مفطرتش..ايه رأيك ناكل سندوتشات بيض بالبسطرمة ونشرب كابتشينو وبعدين نشوف حكايتك ايه..عشان شكلك اتجننتى ع الآخر


ابتسمت قائلة من وسط دموعها:


انت اللى طول عمرك مجنون ياحبيبى


لتصمت فجاة وهى تدرك أنها تفوهت بلفظ التحبب دون أن تدرى ولكن مهيب تجاهل كلمتها لتشعر هى بالراحة وهو يقول:


بقى أنا طول عمرى مجنون..طيب..هاتى النضارة دى كمان


وقرن قوله بنزع نظارتها دون الاهتمام بمعارضتها ليرى عينيها الجميلتين والتى سحرته على الفور ليقول دون وعى:


ايه يابنتى الجمال ده كله ..مخبياه ورا النضارة يامجنونة


أخذت منديله بعفوية ومسحت دموعها ونظارتها وهى تقول بطفوليه:


مبشوفش من غيرها


اقترب منها أكثر وأخذ منديله من يدها بمشاكسة وهو يقول:


منديلى على فكرة


انتبهت الى ما فعلته ليحمر وجهها خجلا ليستطرد قائلا فى مرح:


فيه حاجة اسمها لينسز ياماما.. الحقى نفسك عشان هتعنسى


نظرت اليه قائلة بهدوء:


مش مهم..انا أصلا مبفكرش فى الجواز


أراحته تلك الكلمات ليدرك انه كلما مر الوقت يتأكد من احتلالها لقلبه ليتنحنح قائلا بجدية:


أكيد هييجى اليوم وقلبك يدق وييجى اللى هياخدك مننا يامايا


شعر بطعنة كلماته لقلبه وهو يتخيل ذلك اليوم الذى يراها فيه عروس لشخص آخر..لتقول هى فى نفسها:


فات الأوان ..واللى قلبى دقله مبقاش نصيبى بس قلبى هيعيش ليك وبس يامهيب


لتقول بصوت هادئ وهى تغير الموضوع:


متنساش اجتماع انهاردة الساعة ٥..لازم تكون موجود..مستر ايهاب طالبك بالاسم


اومأ برأسه موافقا فابتسمت بهدوء واتجهت لتغادر الحجرة ليناديها مهيب قائلا:


مش هتفطرى؟


التفتت اليه قائلة :


ورايا شغل كتير..مرة تانية ..سلام


وغادرت ليتنهد مهيب قائلا:


من انهاردة يامهيب لا هتشوف راحة ولا سلام


**************


تناهى الى مسامع أدهم صوت ضحكات تأتى من الحديقة..ليتجه الى النافذة

 وينظر من خلالها ليرى كارمن تمشى مغمضة العينين بعصابة عليهما..تنادى على الطفلين

 بصوت ضاحك بينما طفليه يتنقلان حولها تتعالى ضحكات جودى وهى تناديها أما جود 

 فيحاول ان لا يظهر حماسه للعب بينما تعكس عينيه سعادته..خرج ادهم الى الحديقة

 واقترب منهم بهدوء وهو يشير لطفليه بالصمت لتعقد كارمن حاجبيها قائلة فى حيرة:


روحتوا فين ياولاد؟..جود ...جودى


تعثرت فى مشيتها وكادت ان تقع لولا ان امتد اليها ساعدين قويين أمسكا بها بقوة فمنعا سقوطها..

لتشعر كارمن بجسدها ينتفض على الفور ورائحة ذكورية قويه تعرفها جيدا تتسلل الى أنفها

..فنزعت العصابة عن عينيها بسرعة لتتقابل عينيها مع عينين بنيتين تغيمان بنظرة لم تستطع تفسيرها..

تنحنحت وهى تعتدل فى وقفتها وتبتعد عن محيط ذراعيه قائلة فى توتر:


شش..شكرا


ابتلع أدهم ريقه بتوتر قائلا:


ولا يهمك


حاول أن يخرج من تلك الحالة الغريبة التى مر بها منذ ثوان..انها حالة من الغرق

..الغرق فى ملامحها الجميلة..عيونها اللامعة ورموشها الطويلة وشفتيها المنفرجتين والتى تدعوه لتقبيلهما.

.وصدرها الذى يعلو ويهبط بسرعة نتيجة لتسارع أنفاسها..نبض قلبها والذى

 يظهر فى ذلك العرق النابض فى رقبتها..يود لو يقبله حتى يهدئ تماما..نظر لطفليه قائلا بتوتر:


كفاية لعب بقى وذاكروا شوية..عمكم أيهم جاى بكرة والدنيا هتتقلب ومش هتعرفوا تذاكروا الفترة الجاية دى


أومأ الأطفال برءوسهم وهما يتجهان الى قاعة الدرس..كاد أدهم ان يغادر هو الآخر هربا من مشاعره..ليوقفه صوت كارمن الرقيق قائلا:


لو سمحت ياأستاذ أدهم


التفت اليها قائلا :


أفندم


قالت بتردد:


هو أنا ممكن آخد أجازة بكرة؟


عقد حاجبيه قائلا:


ممكن أعرف السبب؟


قالت بارتباك:


بكرة الأستاذ أيهم هيوصل وهتبقى فيه حفلة ووجودى مش هيبقى ليه لزوم


قال أدهم :


بالعكس..أولا فى الحفلة وجودك ضرورى عشان الأولاد..ثانيا..دى فرصة كويسة تتعرفى فيها على بقية العيلة


قالت بهدوء:


تمام..هأجل الأجازة بس انا فعلا محتاجاها عشان عايزة أزور حد عزيز علية وبقالى فترة مشوفتوش


قال أدهم فى جمود:


ممكن أسأل مين ده؟


ابتسمت فى حنان دون أن تنتبه الى غيرته التى ظهرت فى صوته ونظراته لتقول:


طفل فى الملجأ..الحقيقة انا متعودتش أقعد الفترة دى كلها مشوفوش


تنهد أدهم داخليا بارتياح واكتشف انه كان يحبس أنفاسه بانتظار اجابتها.

.ليتعجب من شعوره القوى هذا ..ليفيق من افكاره على صوت كارمن يقول بقلق:


ممكن؟؟


اومأ برأسه لتهب بعض الرياح المحملة بالأتربة وتدخل فى عينى كارمن لتصرخ واضعة

 يدها على عينيها ليسرع أدهم ويزيل يدها وهو يفرد منديله بسرعة ويضعه على عينيها

 وينفخ فيهما بقوة ثم يزيل منديله بعد قليل ..لتفتح كارمن عينيها ببطئ وتلتقى بعينيه

 فى نظرة طويلة أثارت مشاعرهم ليفيقا سويا على صوت جهورى يقول بصرامة:


أدهم


التفتا سويا ليجدا والد أدهم ...يحدجه بنظرة صارمة..وهو ينقل بصره بينه وبين كارمن..التى أصابها الخجل ليقترب أدهم من والده مرحبا وهو يقول:


حمد الله ع السلامة يابابا


قال والده فى حزم وهو يشير الى كارمن:


مين دى؟؟


قال ادهم:


دى تبقى مس كارمن..مربية الأولاد


نظر أدهم الى كارمن قائلا:


قربى ياآنسة كارمن


اقتربت كارمن منهما قائلة فى خجل:


حمد الله على السلامة ياراجى بيه


أومأ برأسه بإيجاز دون أن ينطق بكلمة ليقول لأدهم:


عايزك فى المكتب


أومأ أدهم برأسه ليغادر راجى المكان دون كلمة أخرى لينظر أدهم الى كارمن قائلا:


متزعليش من بابا..هو يبان قاسى وعصبى بس قلبه مفيش أطيب منه


أومأت برأسها ليقول:


روحى انتى للاولاد وخلى بالك منهم


أومأت برأسها مجددا وهى تتعجب من اهتمامه بمشاعرها واعتذاره لها عن تصرف أبيه

..ابتعدت تتبعها عيناه وهو لا يعلم حتى الآن سر اهتمامه بها وبمشاعرها..هى فقط دون غيرها

                    الفصل الخامس من هنا

لقراءة باقي الفصول من هنا


تعليقات



<>