رواية لمن القرار الفصل السادس والثلاثون36بقلم سهام صادق


 رواية لمن القرار 

الفصل السادس والثلاثون 

بقلم سهام صادق


تشبثت عيناها به تُحاول جاهدة أن تفسر ملامحه... لقد عاد إلى طاولتهم بعدما إستكمل



 خطواته نحو دورة المياة.. وبكلمات مقتضبة كانت تغادر خلفه المطعم تخشي ما هو قادم 

- هو أنت تعرف الويتر

وتوترت وهي تكمل باقية سؤالها

- أصل وقفته معاك كأنه  يعرفك معرفة شخصية 

التفت نحوها فازدردت لعابها فعاد يركز بعينيه نحو الطريق

- معرفه قديمة.. أيام ما كنت بخدم في الشرطة

حدقت به جيهان طويلا تقلب رده المختصر في عقلها

- وأنت بتقدر تفتكر كل الناس اللي عرفتهم زمان

رمقها بنظرة خاطفة

- جيهان في إيه .. أنا شايف إن الموضوع ملهوش لازمه إنك تحققي في

جمدها جوابه فحاولت ضبط نفسها.. فما هذا الهراء الذي تفعله.. هو لم يقف معه إلا دقيقتين لا أكثر... صرخت داخلها لحالها حانقه من نفسها ترسم فوق شفتيها إبتسامة هادئة

- أسفه يا جسار أنا مش عارفه فيا إيه... إظاهر إن تأخيرها موترني شوية

واستطردت بحديثها حالمة تضع بيدها فوق بطنها

- لو كنت حامل يا جسار...

وقبل أن تردف بباقي عبارتها كان يعود بعينيه إليها

- اتمنى ده ميحصلش يا جيهان.. لاني مش عايز أطفال حاليا.. واظن إن إحنا إتفقنا على كدة

بهتت ملامحها فأكثر الأشياء التي أصبحت تعرفها عنه إنه لا يحب إجباره على شئ.. صحيح جسار حنون و رجل يعرف تماما كيف يجعل المرأة تشعر بكاملها إلا إنه ذو طباع سيئة.. ظنت إنها ستستطيع خداعه ولكن هيهات هو يعطيها ما يريد إعطاءه لها

زفرت أنفاسها تغمض عينيها وقد رفعت يدها عن بطنها.. فما الذي ستفعله عندما يدرك إنها خالفت إتفاقهم ولم تتناول تلك الحبوب

- أنتي قبلتي محمود قبل كده يا جيهان 

جف حلقها فابتلعت لعابها تنظر إليه تهتف بتعلثم 

- محمود مين؟ 

صوب عينيه نحوها للحظات وعاد يركز عيناه على الطريق يهتف ببطئ 

- محمود الجرسون 

- اعرفه منين يا جسار ومن أمتي أنا بعرف الناس ديه

تمتمت عبارتها بعصبية وسرعان ما أدركت فداحة فعلتها 

- مالك اتعصبتي كده ليه  .. ده مجرد سؤال يا جيهان 

- بجد أنا اتخنقت يا جسار.. إحنا خرجنا نغير جو ولا خرجنا نتكلم عن الجرسون ووقفتك معاه 

هتفت عبارتها الأخيرة بتهكم.. فطالعها بعدما أوقف سيارته في جراح البناية التي يقطنون بها 

- أصله بيشبه عليكي.. 

تجمدت ملامحها ولكن سريعاً عادت لطبيعتها تشير نحو حالها 

- بيشبه عليا أنا.. لا أنا معرفش ناس بالأشكال ديه الصراحه 

وبدهاء إستطاعت إنهاء الحديث.. فانحنت قليلا تدلك جبهتها بتآوه 

- مش عارفه الصداع مش راضي يخف ليه... راسي هتنفجر 

زفر أنفاسه زفرات متتالية وترجل من سيارته نحوها .. ابتسمت وهي ترى يده الممدوة لها بعدما فك عنها حزام الأمان 

ضم خصرها إليه نحو المصعد إلى أن دلف بها الشقة... أعطاها مسكن وقد شعر بالضيق من   حاله فكيف لسؤال هذا النادل الذي بالفعل  يعرفه قديما جعله يشك بزوجته 

" حاسس إن شوفت مرات حضرتك قبل كده فاعذرني من سؤالي ونظراتي عليها .. أصلها نسخه طبق الأصل من طلقيتي يا بيه" 

تمدد فوق الأريكة يطالع التلفاز بشرود وعقب سيجارته بين شفتيه... والعبارة الأخيرة تتردد 

" أصلها طبق الأصل من طليقتي" 

" أنا كنت متجوزه قبل كده يا جسار... أطلقت منه لأنه كان راجل وحش..ضيعني وحرمني من بنتي اللي معرفش عنها حاجة "

والعبارات تتدافق على عقله دون هوادة... تنهد بسأم ومسح فوق وجهه متمتما 

- أنت إيه اللي بتفكر فيه ده يا جسار... صحيح جيهان مش  نفس الصوره اللي كنت شايفها فيها بس هي بتحبك 

- جسار 

تعلقت عيناه بها بعدما هتفت اسمه وقد استيقظت للتو من غفوتها القصيرة

- بقيتي كويسه دلوقتي 

اقتربت منه بتمهل تتلاعب بحمالة ثوبها 

- يعني بقيت احسن يا حبيبي 

ومن نظرة عينيها إليه كان يعلم ما هو قادم... وإمرأة فاتنة تعرف كيف تصنع طرقها وتنفذ دورها.. اغوته بطريقتها.. ومع الوقت كان يستجيب لها ينهل منها كل ما تقدمه... وهي اكثر من سعيدة همست بأنفاس متقطعه 

- بحبك 

عاد ليغرق في لذته مبتسمًا وقد ضاعت كلمة حبها التي لا يراها في عينيها إلا إنها مجرد كلمة تنطقها وليس هو رجل أحمق أن لا يفسر الكلمة 

والحقيقه التي أصبح يدركها يوما بعد يوم... أن جيهان لا تحبه إنما حبها له حب مصطنع وإنها إمرأة ذو خبرة واسعة تعرف تماما إحتياج الرجال بل   وبارعة بجدارة في الفراش بارعة لدرجة إنه أحيانا لا يصدق إنه يوما رأها أمرأة بريئة ظلمها أهلها في زيجتها في سن صغير وزوجها كان رجلا خسيس أذاقها المرار وما هي إلا ضحية 

غفت فوق صدره فاغمض عينيه وقد ضجر من تلك الأصوات التي تدور في عقله 

ازاحها برفق عنه ونهض.. فوقعت عيناه عليها في غفوتها 

- إيه اللي حصلك يا جسار مش ديه جيهان اللي كنت هتموت عليها 

والإجابة كانت مفقودة 

............

حاولت النوم لمرات عديدة ولكن مهما حاولت فالنوم هذه الليلة بعيدًا عنها... التقطت هاتفها تفتح الرساله التي بعثها إليها بعدما حاول لمرات عديدة مهاتفتها 

" فتون مبترديش عليا ليه... فتون مضطر اسافر كام يوم هولندا.. في فلوس في درج  المكتب عندك ولو عايزه تروحي تقعدي مع جنات معنديش مشكله والسواق هتلاقي مستنيكي تحت كل يوم.. اي حاجة محتاجاها كلميني وياريت لما اتصل تردي وبلاش جو الأطفال يا فتون... هتوحشيني " 

كلمة وراء كلمة كانت تعيد قرائتها... ولكن عندما وقعت عيناها على اسم جنات إبتسمت في تهكم مرير فحتى جنات قد إستطاع شراء ولاءها له.. جنات التي كانت ضد سليم النجار أصبحت تخبرها إنه رجل رائع ومحب 

عادت بذاكرتها للساعات الماضية وقد استمعت لحديث جنات مع احمس في المطعم بعدما ظنت إنها ذهبت لجلب بعض الإحتياجات التي يحتاجها المطعم 

عادت لكي تأخد الورقة التي دونت فيها الأشياء حتى لا تنسى غرضً

" معقول يا جنات أنتي تعملي كده... أنتي مش عارفه فتون بتثق فيكي أد إيه...ده أنتي السبب الأساسي في خضوعها إنها توافق تتجوزه" 

" احمس الله يكرمك بلاش كلامك ده... متخلنيش اندم إني حكيتلك وطلبت مساعدتك..." 

تخشب جسدها وبصعوبة إستطاعت تحريك قدميها لتتوارى عن أعينهم..

 ابتعد احمس عن جنات يزفر أنفاسه بضيق 

" حرمتوها ليه  إن يكون ليها حق توافق أو ترفض... أنا مصدوم يا جنات "

صرخت به جنات حانقه 

" يييه أنت مالك مضايق كده ليه... لتكونش حبيتها يا احمس "

طالعها احمس بتوتر 

" انا برضوه كنت حاسه بنظرات إعجاب منك ليها... احمس أنا بعتبرك اخويا الصغير... فتون وسليم النجار حكاية طويلة وعجيبة وحكايتهم مهما طالت كانت هتتجوزه.. عارف ليه

وصمتت قليلا تلتقط أنفاسها بحزن عما فعلته ويؤنبها 

" لأن الناس اللي زي سليم النجار لما بتعوز حاجة بتاخدها... المطعم ده من أملاك سليم النجار... الجمعية اللي بتساعد فتون.. عمته هي أحد مؤسسينها يعني تمويل الجمعية من فلوس عيلة النجار.. حتى أهلها بتتكفل بيهم عمته... يعني حياة فتون كلها عيلة النجار متحكمة فيها... حتى خروجها من السجن لما اتلفقت ليها القضية سليم النجار هو اللي دفع الكفالة وخرجها زي الشعرة من العجين.. يعني عاجلا او آجلا.. فتون هتكون ليه... هو بيحبها وده اللي شوفته في عينه بس الله واعلم هيستمر الحب ده ولا هيكون مجرد نزوة ويكتشف بعد كده إنه اختار الزوجة الغلط اللي متنسيبش مكانته .. "

" حرام عليكي يا جنات... حرام عليكي.. إنتي عارفه فتون غلبانه وعلى نيتها وعمرها   ما هتقدر تفهم الناس ديه... فتون طبعها طيب وغلبان... ده لولا وجودنا معاها مكنتش هتكون كده "

" احمس ارجوك كفايه.. ضميري بيعذبني ومش ناقصه كلام زيادة... لو سليم النجار اذاها هرجع اقفله من تاني وهكون جنات واحده تانيه معاها فلوس تقدر تقف في وش اي حد... أنت متعرفش ارض أبويا ديه تساوي اد إيه.."

هتفت عبارتها الأخيرة وقد استوحشت عيناها وهي تتذكر  تلك النظرة الساخطة التي رمقها بها ابن عم والدها عندما ذهبت إليه حينا إلتقت به في مقر عملها بشركة النجار.. وجعتها تلك النظرة المتكبرة ولو كانت نسيت قديما أمر الأرض التي ترك والده حقه لله.. فهي لن تتركها .. فابن عم والدها رجل ثري بشدة ورغم ذلك ما زال رجل طامع جشع 

فاقت على صوت احمس 

" هتنقذيها بعد ما تضيع يا جنات" 

هتفت بشرود 

" هو بيحبها" 

" ديه إحتمالات" 

" اي شئ في الدنيا مبنى على الإحتمالات يا احمس.. هتقف جانبي ولا لاء يا احمس "

واردفت بتطلع نحو المستقبل 

" هساعدك تحقق حلمك وتفتح مكتب بعد ما تخلص جامعتك" 


عادت لواقعها تلتقط أنفاسها ... الكل بحث عن مصلحته حتى جنات التي كانت قدوتها في يوما ما 

ضحكت ساخرة من نفسها فكل من إتأخذته قدوة كانت الأيام تثبت لها كم هي مغفلة 

نهضت من فوق فراشها الجديد في تلك الغرفة الفسيحة فلم يعد لديها مكان إلا هنا...هي وأهلها بالفعل تحت سيطرة سليم النجار

اتجهت نحو المرحاض تتوضئ وافترشت سجادة الصلاة تُسبح  إلى أن يحين موعد صلاة الفجر تدعو الله أن ينقذها من ذلك العالم المظلم الذي لم تعد تراه إلا غابة يُنهش فيها الضعفاء 

............. 

تعلقت عينيها بعينين كاميليا وسرعان ما اشاحت عينيها عنها.. تجمدت عينين كاميليا للحظات ولكن عادت ملامحها تنبسط تهتف بتوتر 

- عامله إيه يا ملك 

و رد مقتضب كانت ملك تهتف به قبل أن تعود لدغدغت الصغار والضحك معهم... طالعتها    كاميليا في صمت واتاخذت جانبا وقد وضعت لها الخادمة فنجان قهوتها بعد ترحيبها بها 

طال الوقت وكاميليا في نفس جلستها تطالع ملك مع الصغار وقد شعرت بتغير فيهما... الصغار يهتفون باصوات ليست مفهومه ولكن اخيرا أصبحوا كمن مثلهم سنًا

" ما.. ما" 

هتف الصغير عبدالله بتلك الكلمة التي إستطاعت تفسيرها كلا من كاميليا وملك التي سرعان ما اتسعت ابتسامتها وضمته إليها

- حبيب ماما 

وعندما وجد عزالدين الصغير أخيه بين احضانها القى عليها جسده الصغير يريد أن ينال أيضا هذا الدفئ 

التمعت عينين كاميليا بالدموع... هكذا تمنت لأحفادها أم وحياة طبيعية 

انصرفت كاميليا دون حديث.   .. فهي تعلم تماما أن ملك لم تعود لحياتهم إلا من أجل الصغار 

وكما وعدت ابنها إنها لن تفتعل أي حديث يضايقها

صعدت سيارتها  واسترخت قليلا داخلها تطالع ما أمامها بشرود

سرعان ما تبدلت حالتها والتقطت هاتفها فقد حان الوقت لتنفيذ الخطه

" زي ما اتفقنا الأسبوع ده تنفذ اللي اتفقنا عليه.. مش عايزه تلاقي فرصة تقدر ترفض بيها"

والسمع والطاعه كان من الطرف الأخر الذي فور أن أغلق مكالمته وجد شقيقته تدلف الشقة فرمقها بمقت لعودتها مبكرا من عملها

- أنتي إيه اللي جابك دلوقتي

طالعت والدها الذي خرج من غرفته بتعب فاتجهت نحوه

- مالك يا بابا برضوه كليتك وجعاك... خلينا نشوف دكتور

- متقلقيش يا بنتي أنا كويس... أنتي إيه اللي رجعك من المصنع قبل ميعادك 

سلط فتحي عينيه نحوها ينتظر جوابها.. فزاغت بعينيها بينهما

- ياخوفي لتكون عملتي مصيبة ما أنا عارفه

وكاد أن يقترب منها فاسرعت هاتفه

- روحونا من المصنع بدري... اصل صاحب المصنع ابنه خطوبته النهاردة

- عقبال فرحك يا بنتي

طالعها فتحي متهكما بنظرات فاحصة

- هو مين راضي بيها في الحارة...

- اختك مليون واحد يتمناها 

- ياريت واحد بس من المليون وأنا موافق اجوزهاله اه تغور من وشنا بدل ما جيبالنا الفقر 

التمعت عينيها بحقد تستمع لحديثه المتهكم الذي يطعن أنوثتها ... ابتعدت عن والدها مقتربة   منه بعدما رأت نظراته إليها... فابتلعت غصتها المريرة بعدما استحكمت حلقها

- أنت السبب محدش بيرضي يتقدملي عشان رد سجون ونصاب 

تجمدت عينين فتحي وسرعان ما كانت كفه فوق خدها

- بت عايزه تتربى صحيح

صرخت بقهر بعدما إجتذبها من حجابها يدفعها للأمام ثم للخلف

- محدش راضي بيكي بسبب شكلك العفش

ودفعها نحو غرفتها بقوة كادت تسقطها لمرات ووقف بها أمام المرآة المتهشمة

- ديه خلقة حد يبص عليها... خلقة تسد النفس

سقطت دموعها بقهر... فكل يوم تخبرها مرآتها إنها ليست جميله.. ليست كباقية فتيات   الحارة لكنه هو السبب أيضا في رفض الخاطبين لها 

- ابعد ايدك عن اختك... يارب ترجع السجن تاني يا فتحي وتريحنا منك ومن شرك 

ارتطم جسدها بالأرض بعدما نفضها عن يده.. واتجه نحو والده يدفعه فوق كتفه 

- بتدعي عليا يا راجل يا عاجز أنت.. طب والله لاربيهالك 

اغمضت عينيها نحو ما هو قادم وصفعات فتحي تحط فوق جسدها... صرخت بألم بعدما دفعها بقدمه فوق بطنها ثم بصق عليها 

وكالعادة ينتهي الأمر بها هكذا.. ضمت جسدها بذراعيها بوهن وصوت والدها يعلو بالدعاء عليه مقتربًا منها يضمها نحوه اسفًا وقهرًا

- هسيبك لمين يا بنتي 

.............. 

- أنا مش عارفه مستحمله الذل ده ليه... بلغي عنه البوليس 

رفعت بسمه عينيها نحو ملك التي أخذت تضع الكمدات فوق كدماتها 

- فتحي شغال مخبر مع الحكومة يا ملك.. 

واردفت متآوه بوجع 

- وفي النهاية هكون أنا الخسرانه وهاخدلي علقة محترمة

تنهدت ملك بضيق وهي تطالع حالتها تلك 

- هبلغ عنه أنا 

- لا يا ملك اوعي... فتحي ده شراني ومؤذي هيأذيكي 

- ميقدرش... 

- اسمعي كلامي يا ملك.   . لو حصلك أي مشكله عمر رسلان ما هيوافق تربى ولاده ولا هيجيبهم ليكي الحارة 

مسحت ملك فوق خدها بحزن على حالها 

- طيب قوليلي اعملك إيه... قلبي وجعني عليكي 

ضحكت بسمة ولكن سرعان ما صرخت متآوه 

- منك لله يا فتحي اشوف فيك ايام الأسبوع كلها 

دمعت عينين ملك من شدة الضحك 

- والله يا بسمه انتي ينطبق عليكي المثل اللي بيقول هم يبكي وهم يحزن 

- بقولك إية متعمليلي من العصير الحلو اللي بتعملي وتعالي فكري معايا في حل في المصيبة اللي عندي 

تأهبت كل حواس ملك إستعداداً لسماع تلك المصيبة.. فطالعتها بسمة مبتسمه

- لا متخافيش هي مش مصيبة أوي ... أنا اتطردت بس من شغلي 

- يا شيخه حرام عليكي خضتيني 

هتفت بها ملك وابتعدت عنها حتى تصنع لها العصير الذي تحبه..

 اتبعتها بسمه تقص عليها   ما حدث.. لوهلة ظنت ملك إنها تعيش في حكاية من حكايات المسلسلات التي تشاهدها مؤخرًا 

- بيتحرش بيكم وانتوا ساكتين 

أطرقت بسمة عينيها 

- اكل العيش يا ملك...

ورفعت عينيها نحوها بقوة

- بس أنا مسكتش فرجت عليه المصنع كله... وفي الاخر اتطردت بس اتطردت بشرفي 

واردفت بعدما رفعت يديها تدعي عليه 

- منه لله صبحي الكلب عامل زي الكلب السعران ما بيصدق يلاقي واحده ينهش فيها... هو أنا وحشه يا ملك 

طالعتها ملك بعدما لم تفهم سؤالها.. فاستطردت متنهده 

- لما صرخت وفضحته... قالي كويس إني بصتلك.. تعرفي يا ملك أنا نفسي حد يبصلي بصه حلوه... بصة الراجل للست أنتي فهماني 

................. 

في الصباح  وفي الموعد المحدد الذي اتفقوا عليه.. وقفت بسمه خلف إحدى السيارات تنتظر قدوم ملك..فلمحتها أتيه من بعيد فتنهدت براحة واعتدلت في وقفتها حتى تراها.. 

اقتربت منها ملك بعدما أزالت   نظارتها عن عينيها ترمقها بنظرات فاحصة 

- لا مش معقول..أنتي كنتي مخبية الجمال ده كله فين يا بسمة 

هندمت بسمة ملابسها التي اعطتها لها  ليلة أمس تقلب شفتيها لاسفل بعبوس مصطنع 

- هو المثل بتاع لبس البوصة تبقى عروسة انطبق عليا ولإية 

انفرجت شفتي ملك بضحكة صاخبة سرعان ما انتبهت لحالها فوضعت يدها على فمها 

- هموت من كتر ما بضحك ليل نهار منك 

واجتذبت ذراعها نحوها بعدما التفت بعينيها حولهما خشية 

- مش قصدي حاجة.. بس حقيقي أنتي جميلة أوي النهاردة... شوفتي كان مجرد إهتمام بالشكل بس

واردفت متسائله 

- فتحي شافك وأنتى خارجه 

لوت بسمة شفتيها إستنكارا 

- فتحي؟ ده بيصحي الضهر.. مش فالح غير إنه عامل فيها راجل عليا وليل نهار ضرب..   وهو قاعد في البيت وأنا أنزل اتبهدل عشان أجيب فلوس  

ودمعت عيناها رغما عنها وهي تتذكر صعوبة الإهانات التي كانت تتلقاها في المصنع من أجل لقمة العيش 

- وياريت عاجب 

ضمتها ملك نحوها تمسح عنها دموعها 

- محل العطور اللي هتشتغلي فيه محل راقي وفي مكان نضيف ومتقلقيش صاحبته معرفه قديمة وأنا موصياها عليكي 

ارتسمت ابتسامة واسعه فوق شفتي بسمة وسرعان ما كانت تعبر عن سعادتها باحتضانها بقوة دون إهتمام لتلك الأعين المتلصصه حولهم 

- أنا بحبك أوي يا ملك

...............

وكما اتفقت وحددت معه الوقت والمكان أتت.. وضعت فوق خصلاتها حجابً صغيراً...    طالعت هيئتها في مرآة السيارة وزفرت أنفاسها بضيق 

- مش عارفه طلعتيلي منين يا محمود.. كنت فكراك مت وارتحت منك 

وتناولت تلك الحقيبة التي وضعت بها المال وترجلت من السيارة بعدما اغلقت إضاءتها 

التفتت حولها قلقً وقبل ان ترفع هاتفها تدق عليه كان صوته يأتيها من خلفها 

- جيبتي الفلوس 

رمقته بمقت وألقت نحوه الحقيبة 

- ياريت مشوفش وشك تاني 

صدحت ضحكته بقوة بعدما فتح الحقيبة 

- الفلوس اهي اخدتها..ياريت تبعد عن حياتي 

رفع عينيه عن المال محدقًا بها بحقد 

- بنتك ماتت... ماتت عشان مكنتش عارف اجيبلها الدوا 

قالها بغصة وبحرقة استوطنت قلبه منذ سنوات... خمس سنوات مروا ولم ينسى يومًا تلك المرارة 

القى المال عليها فتراجعت للخلف لا تستوعب فعلته 

- مال الدنيا عمره ما هيعوضني عن بنتي ولا مستقبلي اللي ضاع بسببك 

صمتت جيهان لثواني تنظر إليه وللمال 

- ومدام مش عايز فلوس جايبني ليه هنا 

- عشان أعرف حقيقتك يا هانم! 

التفت خلفها وقد ارتسمت الصدمة فوق ملامحها تنظر نحو الواقف على مقربة منهما 

- جسار! 

.............. 

دلفت الشقة بعد يوم طويل ومرهق..تجمدت في وقفتها وهي تستمع لذلك الضجيج القادم   من المطبخ... سارت بخطوات بطيئة فبدء الأمر يتضح لها.. إنها أصوات ضحكات وهناك ضحكة طفولية تسمعها..    وقفت على أعتاب المطبخ فتعلقت عينيها بتلك الصغيرة التي تأكل طعامها بنهم وأمامها جهاز لوحي تشاهد عليه فيلمها المفضل من الرسوم المتحركة 

رفعت الصغيرة عينيها عندما شعرت بوجود شخص ما... رمقتها الصغيره في صمت

- خديجة مالك سكتي ليه يا حببتي... اجبلك العصير بتاعك 

التفت السيدة ألفت نحو  الصغيره وقد فهمت سبب صمت الصغيرة 

- فتون 

بخفوت خرج صوت فتون وقد اقتربت منهما 

- مدام ألفت 

ابتسمت ألفت بسعادة وقد أدركت فداحة الخطأ الذي اقترفته للتو من نطقها لاسمها مجرد 

- أسفه ياهانم 

ولكن إقتراب فتون منها ثم إحتضانها لها.. جعلها لا تصدق فعلتها 

ضمتها السيدة ألفت بقوة وقد دمعت عيناها.. ابتعدت عنها فتون فمسحت السيدة ألفت   دموعها تشير نحو الصغيرة التي أخذت تطالعهما بترقب 

- ديه خديجة بنت سليم بيه! 



           الفصل السابع والثلاثون من هنا

لقراءة باقي الفصول اضغط هنا 

تعليقات



<>