رواية الشيطان شاهين الجزء الثانى2 الفصل الاول1والثاني2 بقلم ياسمين عزيز


 
رواية  › الشيطان شاهين ›  (الجزء الثاني2)

الفصل الأول والثاني

بقلم ياسمين عزيز


بعد ثلاثة سنوات......

في احدى أكبر مستشفيات لندن...

طرق أيهم باب مكتب   مدير المستشفى الدكتور

ألبير ليسمح له بالدخول، أدار مقبض الباب

ثم دلف ليقف له الآخر و يحييه باحترام مرحبا

به :"مرحبا دكتور أيهام...تفضل بالجلوس".

أخفى الاخر رغبته في الضحك على هذا

الانجليزي الذي لم يستطع نطق إسمه بالطريقة

الصحيحة رغم مكوثه هنا لمدة ثلاثة سنوات

كاملة....

هتف أيهم رادا التحية و هو يهم بالجلوس

:"شكرا دكتور ألبير".

إنحنى الآخر ليفتح   أحد أدراج مكتبه

و يخرج احد الملفات ليضعه أمامه

قائلا باهتمام :"إذن دكتور أيهام... هل

مازلت مصرا على تركنا، في الحقيقة

أنا و بقية الطاقم الطبي الذين

يعملون هنا لا نريد خسارتك...فكما

تعلم أنت تعتبر من أهم جراحي المخ و الأعصاب

في هذه المستشفى حتى أن مجلس

الإدارة في آخر إجتماع إقترح مضاعفة

راتبك و قبول جميع مطالبك حتى تقبل

تجديد عقد عملك في مشفانا ".

أجابه أيهم باختصار و قد نمت على شفتيه

إبتسامة خفيفة:" دكتور ألبير.. اشكرك على هذه الفرصة القيمة و لكنني في الحقيقة أريد

الرجوع إلى بلادي..لدي زوجة و طفل صغير

و عائلة تنتظرني هناك ".

نزع البير نظارته ثم وضعها على سطح

مكتبه ثم تطلع في أيهم بتمعن قبل

إن يتحدث بصوت واثق :" مستر ايهام

أنا اطلب منك أن تفكر مجددا...إنت من الاطباء المحظوظين الذين وجدوا

فرصهم هنا في بلد متقدم كبريطانيا...تستطيع

جلب عائلتك و الإستقرار هنا من المؤسف ان

تضيع عملك بعد كل الجهود التي بذلتها لتصبح

رئيسا لقسم جراحة المخ و الأعصاب في احد اكبر

المستشفيات هنا....

أومأ له أيهم بتفهم و قد إرتسمت أمامه شريط

ذكريات ثلاثة سنوات متواصلة من العمل

و الجد المتواصل ليلا و نهارا حتى

تم إختياره لرئاسة قسم جراحة المخ

تنهد مطولا قبل أن يهتف بتصميم

:"اقدر ذلكم ذلك مستر البير و لكنني

لا أستطيع لدي ظروف قاهرة تجعلني

أعود لمصر.... لكن أعدك إن قررت

مغادرة مصر مرة أخرى فسوف تكون

مشفاكم اول وجهة لي".

:"حسنا دكتور أيهم اتمنى لك التوفيق

في حياتك...و لا تنس ابدا ان هذا المستشفى

يرحب بك دائما".

أنهى كلامه ليقف من مكانه ليمد

يده ليصافح أيهم بحرارة قبل أن

يمد له بملف يحتوي على أوراقه.

بعد ساعة...

وصل أيهم لشقته التي تقع في

احد الأحياء الراقية بلندن.. دلف

إلى الداخل بخطى رتيبة ليجول بنظره

أنحاء الشقة الباردة كبرود حياته منذ

اول يوم أتى فيه إلى هذا البلد.

رمى مفاتيحه و هاتفه على أقرب

طاولة إعترضته ثم توقف أمام

مجموعة من الصور المعلقة على

الحائط بطريقة أنيقة.

تحسس إحداها باصابعه و هو يبتسم

بشوق.... طفله الصغير "أيسم" الذي بلغ من العمر

سنتين و نصف كم يشبهه بعينيه

الزرقاء و بشرته البيضاء المحمرة و شعره

الأشقر الحريري...

لم يره سوى من خلال الصور

التي تبعثها له والدته كل أسبوع و التي كان

ينتظرها بفارغ الصبر إضافة لمكالمات

الفيديو...كم حلم بضمه و تقبيله و

إستنشاق رائحته الطفولية... كم تمنى

انه كان معه في لحظة ولادته يتذكر

جيدا ذلك اليوم الذي هاتفته فيه والدته

و أخبرته أن إبنه قد جاء إلى الحياة يومها

ظل لساعات طويلة يبكي كطفل صغير

ود لو أنه لم يفعل ما فعله سابقا حتى

فقد حق وجوده بقربهما كأي اب في العالم.

منع نفسه بصعوبه   حتى لا يركب أول

طائرة متجهة نحو مصر ليكون معهما.

في كل مرة يتمنى لو يلمح وجهها الجميل

الذي إشتاق له حد الموت...منذ مجيئه

إلى هنا و قد تغيرت حياته كليا يتمنى

لو يعود به الزمن لكان الان في بيته

مع زوجته و طفله...

ندم بل يكاد يموت ندما في كل يوم

على أفعاله في الماضي.. كل يوم

يمر عليه يشعر و كأنه يموت بالبطيئ

يتعمد إرهاق نفسه في العمل لساعات

طويلة حتى لا يفكر.....

مسح دمعة خائنة سقطت من عينيه

رغما عنه قبل أن يشق طريقه لداخل

الشقة متجها نحو الحمام حتى

يتوضأ و يصلي صلاة الظهر...

في فيلا عمر الشناوى....

صرخت هبة بقهر و هي تدفع

باب غرفة نومها متجاهلة نداءات

عمر باسمها :"و الله حرام... انا إستحملتها

كثير و هي عمالة بترمي كلام زي

السم يمين و شمال... انا ذنبي إيه

مش كفاية اللي أنا فيه هو انا ناقصة"

أغلق عمر باب الغرفة وراءه ثم

إقترب منها محاولا تهدئتها كعادته

:"حبيبتي إهدي مينفعش كده ما إنت

عارفة ماما بتقول الكلمتين دول

كل شوية بس مش بتعمل حاجة".

هبة ببكاء:" لا يا عمر المرة دي مامتك

مصرة على اللي في دماغها و عاوزة

تجوزك بنت صاحبتها اللي بتقول

عليها دي...مش بتسيب فرصة إلا

و بتعايرني عشان لسه ربنا مكرمناش

و رزقنا بحتة عيل يملأ علينا حياتنا ".

إنكمشت ملامح عمر و بان عليه الحزن

ليردف بنبرة مريرة تخفي ورائها إنكساره

:" قلتلك قبل كده خليني اقلها

الحقيقة... إن انا اللي.. مبخلفش...

أسرعت نحوه بخطوات متعثرة

لتقف أمامه واضعة يدها على

ثغره تمنعه من إكمال كلامه قائلة

بصوت متحشرج وهي تنظر داخل عينيه

:" مش عاوزة اسمع الكلام داه ثاني..انا

أهون عليا استحمل نظرات الناس

و كلامهم عليا و لا اسمع حد يجيب

سيرتك بكلمة...

شهق بقوة ليغمض عينيه براحة

عندما شعر براحتيها الناعمتين

تلامسان وجهه و رائحتها اللذيذة

تغلفه لتذيب قلبه الهائم بها عشقا

ليهمس بتوتر رغم ألمه:"بس إنت

ذنبك إيه....انا السبب في ألمك و

حزنك داه...الناس كلها لازم تعرف

إن إنت ملكيش ذنب...

قاطعته مجددا :" متقولش كده مافيش

حد له ذنب في اللي حصل داه قدر

ربنا.. إحنا نصبر و و ندعيه وهو اكيد

حيعوض صبرنا خير....

أومأ لها بإيجاب لتجذبه هبه لها

لتريح رأسه على كتفها مخففة عنه

بعضا من آلامه التي يختزنها داخل

قلبه المتعب منذ سنوات....


في فيلا الألفي....

تركض كاميليا وراء إبنيها التوأم آسر و أسيل

كعادتها محاولة الإمساك بهما بعد أن رفضا تناول

وجبة الخضروات الخاصة بهما و التي

تحرص كاميليا على إعدادها لهم كل يوم

و إجبارهما على تناولها....

بينما يجلس فادي الذي بلغ من العمر

سبعة سنوات على اريكة الصالون

يتناول صحنه رغما عنه.. و على وجهه

علامات التقزز...

إلتفتت نحوه   كاميليا لتجده يرفع

الشوكة ببطئ نحو فمه و يغمض

عينيه حتى يتناول ما بها دون النظر

إليها..

صرخت بصوت لاهث بعد أن شعرت

بالتعب من الركض وراء الأطفال

:"حتى إنت يا فادي... و انا اللي بعتبرك

الكبير العاقل اللي بينهم اللي يشوفكم

و إنتوا عاملين كده بيقول بعذبكم".

اكل فادي قطعة الخضر متنهدا بقلة

حيلة مستسيغا طعمها اللذي يشبه

طعام المستشفيات قائلا باعتراض

:"طعمها وحش يا مامي...اصلا مفيش

حد عاقل بيحب الخضار ".

أكمل كلامه بنبرة هامسة لتبرق عينا كاميليا

بغضب لتهدر:" إنتوا لسه صغيرين

و مش عارفين... الخضار اللي مش عاجباك

دي فوائدها كثيرة خاصة للأطفال...عشان

كده....

أكمل فادي معها بصوت منخفض بقية

كلامها الذي حفظه عن ظهر قلب :" و أطباقكم حتكملوها يعني حتكملوها زي كل يوم...مش كفاية

حرمت نفسي من شغلي و مستقبلي و قاعدة في

البيت عشانكم....يا رب صبرني انا كان مالي و مال الجواز و الخلفة كان يوم اسود.. ".

نظرت حولها باحثة عن المشاغبين

الذين لم يتجاوز عمر الواحد منهما

سنتين و النصف و اللذين بالكاد يستطيعان

المشي جيدا لتجدهما يقفان وراء والدهما

الذي كان قد وصل منذ بداية وصلة

ردحها اليومية....

إبتلعت ريقها بصعوبة و هي ترفع

عينيها تدريجيا لتلتقي بعينيه

التين رأت بهما نظرة وعيد بعقاب

مناسب لما تفوهت به من كلام غير

مبالية بمن حولها...

أخفت خوفها و هي تتقدم نحوه

تتظاهر بالشجاعة و اللامبالاة و قد برعت في

رسم إبتسامتها الساحرة المعتادة

على ثغرها قائلة بصوت مرح :"حبيبي

حمد الله عالسلامة...

تعلقت بعنقه تمرر اناملها بدلال على

صدره لتشعر باشتداد عضلاته تحتها

لتهمس في اذنه بترجي بصوت شبه باكي :" حبيبي

ارجوك بلاش عقاب قداهم انا آسفة

اصل الولاد جننوني...

إبتعدت عنه بعد أن قبلت وجنتيه عدة مرات

محاولة الحصول على رضائه لكن دون

جدوى... تجاهلها شاهين و هو ينحني ليحمل

الصغيرين بعد أن وضع حقيبة عمله

على الأرض ثم سار بهما نحو فادي

الذي كان يشاهد مايحصل بابتسامة

خفية فهو يعلم جيدا ما سيحصل

آتيا..

وضع طبقه جانبا ثم امسك بكوب الماء

ليشربه كاملا عله يزيل طعم الخضروات

الكريه.... وقف بعدها ليحصل على

قبلة والده اليومية.

جلس شاهين بجانب فادي و على ركبتيه

وضع الطفلين الذين إلتصقا به كالغراء

يشكوان له بنظراتهما أفعال والدتهما....

تنهد بقلة حيلة و هو لا يزال يطالعها

بنظرات غير راضية ليهتف بعدها بتهكم

:"هو كل يوم نفس الحوار...مش حنخلص

من موضوع الخضار داه".

وضعت إحدى يديها على خصرها هاتفة بعدم رضا

:"لا مش حتخلص و بطل تحامي عليهم

ولادك دول مدلعين جدا و مش بيسمعوا

الكلام....

رفع حاجبيه نحوها بتهديد بعد أن نفذ صبره

ليتوعدها بعقاب   شديد في سره على

وقوفها أمامه بهذا الشكل...لم تمر دقائق

قليلة على مرور خطأها الأول حتى تلته بخطأ

آخر أكبر.

زفر بحدة قبل أن يضع الصغيرين

أرضا لينادي بعدها على زينب

لتأخذهما إلى غرفتهما... إستغل

بعدها فادي الفرصة ليستأذن

للذهاب إلى غرفته و هو يشكر والده

في سره على إنقاذه له من إكمال طبق

الخضروات.

إلتفتت كاميليا حولها ببلاهة لتجد نفسها

وحيدة في عرين هذا الأسد الغاضب

الذي كان يرمقها بنظرات حادة

ليشير لها باصبعه آمرا إياها بالتقدم

نحوه...تصنمت مكانها بخوف وهي تتمنى

لو بإمكانها الهروب من أمامه والاختفاء

عن مرمى بصره..

تهدلت أكتافها بقلة حيلة لتسير نحوه

و هي تقوس شفتيها ببكاء...

راقب شاهين ملامح وجهها الممتعضة

بتسليةوهو يحاول كبح ضحكته، أشار

لها لتجلس فوق ساقيه لتطيعه على الفور

همس لها بصوت خافت يخفي في طياته

نبرة وعيد :"سمعيني كنتي بتقولي إيه

من شوية عشان مكنتش سامعك كويس"

فركت يديها بتوتر و هي تجيبه بتلعثم :"الولاد

مش بيسمعوا الكلام.... و مدلعين".

شاهين بتفي :"تؤ اللي قبل كده... حاجة

كده على الجواز و الخلفة.....

رمشت ببلاهة عدة مرات لتبحث بسرعة

عن كذبة ما تنفذها من ورطتها قبل

إن تهتف بحماس زائف:"أحلى حاجة

في الدنيا و الله.....

قاطعها بحده و يديه تلتفان بقوة

حول خصرها :" كاميليا....


كتمت آهة متألمة لتعوضها بابتسامة

بلهاء:"قلب و عيون كاميليا.....

تجاهل محاولتها الفاشلة للتأثير عليه

:" كنتي بتقولي إيه؟؟؟

بصوت قريب للبكاء هتفت :"ما إنت

سمعتني كويس أنا قلت إيه... انا

مكانش قصدي بس الولاد حيجننوني....

رفع حاجبيه بمعنى عدم إقتناعه بحجتها

رغم نداء قلبه الذي يكاد يخرج من مكانه

تعاطفا معها لكنه بدل ذلك تصنع الحدة

:"مش عاجبك جوازك مني يا هانم؟ طيب

الظاهر وحشك العقاب اصلي بقالي

مدة مدلعك.....

أنهى كلامه و هو يقف من مكانه

ليحملها متجها للأعلى نحو غرفتهما

لتتعلق كاميليا بعنقه و هي تحاول في

كل خطوة تهدأته و إثناءه عن عقابها

بكلماتها الرقيقة :" حبيبي و الله آسفة

مكانش قصدي...ما إنت عارفني هبلة

و لما بفقد أعصابي بقول أي كلام....

عشان خاطري آخر مرة....

شاهين و هو يفتح باب الغرفة :" ممم لا

لازم تتعاقبي عشان ثاني مرة تبقي تفكري

قبل ما تتكلمي ".

أنزلها لتبتعد عنه مهرولة لآخر الغرفة

قائلة برجاء:"عشان خاطري و الله مكانش

قصدي.....

قاطعها و هو يعيد كلامها الذي تفوهت به

:" كان يوم اسود... ها....

كاميليا بنفي و هي تمسد أسفل ظهرها :"لالالا كان بامبي... أخضر فستقي..

أي لون عاجبك المهم العقاب لا... اصل

إيدك ثقيلة و بتعلم.. اااه

صرخت عندما وثب أمامها فجأة ليمسكها

بسهولة و قد إتسعت إبتسامته الشامتة

لتصرخ هي و تدفعه بجنون للتخلص منه قائلة

بصوت باكي:"و الله محاسمحك المرة دي

لو ضربتني...

ضمها نحوه بقوة لتغوض داخل جسده

لتخمد حركتها مثبتا رأسها بيده بعد أن

تأكد من هدوئها همس في اذنها بصوت

لين :" إهدي مش حعمل حاجة كنت بهزر

معاكي بس...و بعدين مش بيقولوا ضرب

الحبيب و إلا خلاص مبقتش حبيب..

شعر بارتعاش جسدها ليعلم انها تبكي

ليتنهد بنفاذ صبر و هو يجذبها برفق

لتسير معه و يجلسا معا على حافة

السرير...

حاولت دفعه عنها دون فائدة

ليحاوط هو وجهها بكفيه لاتتوقف

عن المقاومة مد انامله ليزيح دموعها برفق

قبل أن يهتف بنبرة حنونة و كأنه ليس

هو نفسه من كان يتحدث منذ قليل

:"

إنت اللي قلب..... و عيون... و روح.... شاهين و..... دنيته... كلها... متعيطيش..خلاص.. حقك... عليا

كان يقبل كل ما طاله من وجهها بعد كل

كلمة يقولها..عضت شفتيها بقوة

مانعة اي دموع أخرى من النزول...محاولة

السيطرة على مشاعرها التي تكاد

تفضح تأثرها بكل كلمة ينطق

بها....لتقول بدل ذلك :"لا إنت كنت عاوز

تعاقبني.....

صدرت منه ضحكة خافته قبل أن

يجيبها :" طب بذمتك ينفع الكلام اللي

قلتيه و قدام الولاد يقولوا علينا إيه

و خصوصا فادي....داه بقى كبير

و بيفهم.

كاميليا بنبرة متعثرة :"كنت زعلانة منهم...

شاهين و هو يلاعب ذقنها بابهامه

و في كل مرة يطبع قبلة رقيقة على عنقها :" بطلي تجبريهم ياكلوا خضار مسلوقة..طعمها وحش جدا

إتفقنا ".

:" حاضر... "

غمغمت كاميليا بطاعة و قد بدت

مغيبة و كأنها في عالم آخر لا تستطيع مقاومته ليبتسم هو بسعادة ماكرة لنجاحه   في كل مرة في السيطرة عليها و تمكنه بسهولة تامة من قلب حالتها كليا ....

أمام كلية الطب...

يجلس محمد في سيارته منذ حوالي

نصف ساعة ينتظر خروج نور ليقلها

إلى المنزل كما يفعل يوميا...

نظر إلى ساعته للمرة العاشرة قبل

أن يزفر بملل.. يقسم انه سينفجر

يوما ما من شدة غضبه من أفعالها

الطفولية المتهورة فكيف لا و هي

تكاد تفقد صوابه في كل مرة منذ

أن خطبها او بالأحرى منذ أن

عقد قرانه عليها أي منذ سنة

و بضعة أشهر بعد أن إستطاع

كسب الجميع بصفه للضغط

عليها لتمتثل نور رغما عنها لإلحاح كاميليا

و والدتها عليها حتى تقبل به

ليتحقق بذلك حلمه بها منذ أول يوم رآها فيه.

هدأت ملامحه الثائرة فور ان لمحها

تقترب من السيارة بخطى هادئة

بعد أن أشارت لصديقتها تودعها..

فتحت الباب لتركب بجانبه بعد أن

ألقت عليه التحية بنبرة مختصرة :"أهلا".

هز حاجبيه بعدم رضا من برودها معه

رغم أنه تعود عليها و على طبعها

الجاف ليجيبها ببرود مماثل :"أهلا...

قاد السيارة بملامح متجهمة بينما

إنشغلت هي بهاتفها تقلبه باهتمام

غير مبالية باللذي يجلس بجانبها

ينتظر ان تعبره بكلمة واحدة....

تنحنح محمد بعد أن يئس من حديثها

ليسألها :" إيه رأيك نتغدى سوى... في

مطعم فاتح جديد و أكله تحفة مش بعيد

من هنا...

قاطعته ببرود تخفي ضيقها :" لا انا وعدت

ماما حتغدى معاها.. زمانها مستنياني هي

و كريم......


لوى ثغره بتهكم و كأنه كان متوقعا

لإجابتها:"كالعادة بتتهربي انا مش عارف

لحد إمتى حتفضلي كده ".

فتحت نور حقيبتها لتخفي بداخلها

هاتفها و هي تجيبه في نفس الوقت

:" مفيش داعي للكلام داه.. إحنا في كل

مرة بنفتح فيها الموضوع داه بتنتهي

بخناقة خلينا كده احسن".

محمد :"أحسن.... احسن في إيه؟؟ ها

إحنا كلنا كده على بعضنا مش زي

أي طبيعين و لا كإننا مخطوبين بقالنا

سنة بتكلميني   بالعافية و لا مرة

قبلتي نخرج نتفسح و إلا نقعد مع

بعض نتكلم و لا نتغدى.... رافضة

أي تواصل بينا لحد إمتي حتفضلي

كده ".

نور بضيق :" إنت عارف كل حاجة على

فكرة فمفيش داعي لكل العصبية

دي...انا كده و مش حيتغير و لو حضرتك

مش عاجبك الحال براحتك...كل واحد

يروح لحاله و نفضيها سيرة اصلي

بصراحة زهقت ".

مرر نظره بينها بين الطريق متفرسا ملامح

وجهها البريئة التي يهيم بها عشقا

ليزفر بقلة حيلة... مهما فعلت و قالت

لم يستطيع التفريط فيها بعد

ان تعذب في الحصول عليها.

:" إنت ليه كده...هاين عليكي قلبي عشان

توجعيه بالطريقة دي.... إنت لو تعرفي

أنا بحبك قد إيه مكنتش قلتي كده".

غمغم بمرارة و عجز مكملا :"بقالي

سنين يشحت منك شوية حب

و إهتمام... دست على كرامتي

أكثر من مرة و بتجاهل كلامك

و معاملتك الباردة ليا كل داه عشان

لييييه... قوليلي ليييه".

صرخ بقوة و هو يضرب مقود. السيارة

بعنف حتى كاد يخلعه من مكانه لتنكمش

نور على نفسها ملتصقة بنافذة السيارة

متحاشية النظر ناحيته حتى لا ترتعب

أكثر.... فمحمد منظره مخيف و هو هادئ

فكيف سيكون عندما يغضب..

عضت شفتيها عدة مرات محاولة

التفوه بأي كلمة تهدأ بها غضبه

لكنها فشلت لتهتف في الاخير

بتأتأة :"مح.... مد إهدأ....إنت

بتسوق".

و كأنها بكلماتها تلك زادت من لهيب

ناره التي تشتعل داخله منها ليهدر

بصياح :"خايفة على نفسك....كالعادة كل اللي

يهمك نفسك و بس.... مش هامك انا

اولع بغاز انا و قلبي و مشاعري....

يا ريتني ما كنت قابلتك و لا شفتك

و لا قلبي تعلق بيكي.... يا ريتني ماحبيتك

يا نور...مكنتش ذليت نفسي لحتة عيلة

عشان تلعب بيا...

قطع كلامه و هو يوقف السيارة بهدوء

ليسند رأسه على الكرسي مستنشقا

الهواء بقوة عدة مرات...ليهدأ من نفسه

حتى لا يقوم بشيئ متهور يندم عليه لاحقا.

تكلمت نور بصوت منخفض :"طيب

خلينا ننزل نتغدا و بعدين نكمل كلامنا".

صدرت منه ضحكة ساخرة عقبها قوله :"كثر

خيرك...البرنسس تنازلت المرة دي و قبلت

تتغدا معايا....

اجابته بهدوء:" محمد ملوش لزوم الكلام داه

إنت عارف إن أنا و إنت حكايتنا من الاول

كانت غلط.... أنا كنت   صريحة معاك ومخبيتش

عليك حاجة من اول مرة كلمتني فيها.... قلتلك

إني أنا مش بحبك و طلبت منك إنك تنساني

و تدور على واحدة ثانية من مستواك و تليق بيك..

بس إنت اللي ركبت دماغك و اصريت عليا

و انا وافقت بس كان غصب عني مكنتش

مقتنعة.. ماما من جهة و كاميليا و جوزها من

جهة ثانية حتى كريم....كلهم حتى إنت

كنت كل اما اروح مكان الاقيك فيه حاصرتني

من كل الجهات و تحت الضغط داه كله أنا

سلمت ووافقت بس إنت كنت عارف يعني

إنت دلوقتي ملكش حق تلومني على حاجة

و انا كمان مش حجبرك تكمل معايا...

إلتفت الآخر نحوها ليوليها كل إهتمامه

مركزا على كل كلمة تقولها قبل أن. يتحدث

:"طيب ممكن افهم ليه؟؟ و متقوليليش

شكلي عشان دي حجة عبيطة و مش

داخلة دماغي......

اجابته و هي تحرك رأسها بنفي :" طبعا

لا....مش داه السبب بس في أسباب

كثيرة بتدل على إن حكايتنا غلط من الاول

زي الفرق الاجتماعي الكبير جدا اللي بينا

مثلا انا نور بنت سعيد محمود

اللي شغال عامل في محل صغير و إنت

محمد اللي من عيلة البحيري من أكبر واغنى

العائلات في البلد...

حولت نظرها نحو الشارع قبل أن تستأنف

حديثها من جديد بنبرة حزينة :"إنت

مشفتش إحنا كنا عايشين إزاي قبل

ما كاميليا أختي تتجوز شاهين الألفي

كنا...فقرا اوي مش لاقيين ناكل .. انا

كنت بستلف هدومي من بنات الجيران

لما يكون عندنا فرح او مناسبة...بالمختصر

انا من عيلة بسيطة و فقيرة و كل

حاجة عندنا هي ملك لاختي و جوزها

يعني...

محمد بعدم تصديق :"يعني إيه... يعني

إيه يا نور إنت مجنونة انا مالي و مال الكلام

داه انا عاوزك إنت.... بحبك إنت

حفهمك إزاي داه....و بعدين ما انا عارف

و عيلتي كلها عارفة ها في حجة ثانية

و إلا خلاص".

بللت نور شفتيها قبل أن تنطق مدافعة

عن رأيها :"دي مش حجج دي حقايق

بكرة لما نتجوز حتفهم كويس أنا بتكلم

عن إيه و ساعتها انا إللي حبقى خسرانة ".

تنهد بنفاذ صبر من عنادها و رأسها اليابس

قائلا :" أنا لسه مستغرب من نفسي انا

جايب طولة البال دي كلها منين....و بسمع

كلامك الأهبل داه".

نور بغضب :"كلامي مش هبل و إنت

عارف داه كويس ..  . و الدليل اخوك

اللي تجوز بنت عمك و طلقها بعد شهرين

...وكان بيخونها مع كل ست يقابلها

و اهو بقاله ثلاث سنين لا حس و لا خبر

رمى إبنه و مراته...اللي هي بنت عمه

تقدر تقلي انا حيبقى مصيري إيه

لو حضرتك تجوزتني و رميتيني

زي ماعمل أخوك....

فغر محمد فاه بصدمة غير مصدق

لما يسمعه منها لأول مرة...هل وصل

بها التفكير لهذا الحد ان تظنه كأخيه أيهم؟

إحتقنت الدماء في وجهه أكثر و قد شعر

بأنه يكاد ينفجر في أي لحظة....

اعاد تشغيل سيارته من جديد متفاديا

قول اي كلمة ليسير في طريقه من جديد..

الشيطان شاهين ›

(الجزء الثاني)

الفصل الثاني 

بقلم ياسمين عزيز


تسمرت ليليان مكانها و هي تنظر امامها بصدمة

و كأن الزمان توقف عندها عندما إعترضت

أميرة طريقها في مدخل الفيلا لتخبرها

بصوت متحمس:"أيهم رجع يا لولو... أيهم

رجع".

أومأت لها وهي تبتلع ريقها بصعوبة

و دوار خفيف قد أحاط بها حتى

كاد يجعلها تقع مكانها على الأرض

لولا انها تمالكت نفسها في آخر لحظة

لتكمل سيرها للداخل بخطوات

متوترة......

لم تره منذ ثلاثة سنوات و لم تسمع

حتى صوته و كأنه لم يكن في حياتها

من قبل...لم يبق  لها سوي ذكرياتها معه في كل

ركن من الفيلا و المستشفى...

توقفت عن السير تبحث عنه بأعين

مترقبة من بين أفراد العائلة الذين

كانوا مجتمعين حوله في الصالون...لتجده

اخيرا بدا مختلفا في شكله عما

كان عليه سابقا...لحية خفيفة و نظارات

طبية و جسد نحيف و عيون ترسل

رسائل كثيرة... شوق و لهفة، خوف و تردد

امل و حزن، عذاب و ندم....

و كأنه احس بحضورها شعر بها

دون أن يرفع عينيه حيث لم

يمنعه إنشغاله باحاديث عائلته

الكثيرة و أسئلتهم المختلفة من

إستشعار وجودها...ليرفع عينيه

نحوها و إبتسامة رقيقة وجدت

طريقها نحو ثغره كالملاك الذي نزل

من السماء يراها... بحجابها الأبيض

و غمازتيها التين إشتاق إليها حد

الموت...

تنحنح قليلا و هو يقف من مكانه

حاملا طفله الذي غفى في أحضانه

متقدما نحوها بخطوات مترددة حتى

وصل أمامها..مد يديه و علامات الخجل

تصحب جميع تصرفات قائلا بصوت

خافت :"إزيك يا ليليان... عاملة إيه؟".

بصعوبة حركت يدها نحوه لتصافحةو تحيته

قائلة :"حمد لله عالسلامة.. إزيك إنت ؟؟

أومأ لها و هو يسحب يده مرغما ليحيط

بها جسد طفله بقوة يمنع نفسه بصعوبة

من جذبها نحو أحضانه ليزيل عنه شوق

سنين.

تمالك نفسه بصعوبة ليعود لمكانه و هو يربت

باصابعه على شعر أيسم لتعرض عليه

والدته أخذه لينام في غرفته... أعطاه لها

بعد أن قبله قبلة طويلة و عيناه لا تحيد

عن تلك التي مازالت تقف مكانها و كأنها

تمثال جامد...و قد طافت بعقله مئات

الأسئلة و الافتراضات حول ردة فعلها

بعد رؤيته...

إستجمعت ليليان بقية قوتها لتستأذن

من الحاضرين الصعود إلى غرفتها

لأخذ قسط من  الراحة بعد قضائها

ليوم طويل من العمل المرهق..

أغلقت باب غرفتها بهدوء ينافي

صخب قلبها و جوارحها...لقد عاد

كابوسها من جديد و عادت معه ايام

العذاب و الحزن بعد أن إستطاعت

طوال الثلاث سنوات الماضية

من مداواة جروحها و آلامها هو

عاد حتى يفتحها من جديد

رمت حقيبتها بعنف على السرير

ثم إستدارت نحو باب الشرفة

لتفتحه و تسير بهدوء نحو السور

الرخامي لتسند عليه بيديها.. تنفست

الهواء بقوة بعد أن احست بانقطاعه عنها

ثم مسحت براحة كفها رقبتها عدة مرات

قبل أن تتوقف فجأة عندما شعرت بدخول

أحدهم إلى غرفتها....

لم تكد تخطو خطوة إلى الداخل حتى

تفاجأت بأميرة تقفز أمامها كالقطة صارخة

بقوة :"لولو.... شفتي أيهم جابلي إيه؟؟

رمقتها ليليان بعدم رضا و هي تضع

يدها موضع قلبها تهدأ ضرباته

التي زادت بسبب فزعها من صراخ

أميرة :" يوووه يا ميرا إنت مش حتبطلي

حركاتك دي.... موتيني من الرعبة حرام

عليكي ".

قهقهت الأخرى بخفة و هي ترمق

ملامحها الفزعة بتسلية قائلة

:"سوري يا لولو...مش قصدي

بس الظاهر إنت   اللي كنتي سرحانة

بقلك إيه تعالي عشان اوريكي علب

المايكاب اللي جابهالي تجنن تجنن

يا لولو.....

جذبتها بخفة من يديها لتدخلا

إلى الداخل و تجلس أميرة على السرير

و تبدأ في فتح العلب الفاخرة بحماس

مثرثرة :" واو... مكنتش عارفة إن أيهم

ذوقه حلو كده.... الظاهر في حاجات

كثيرة تغيرت فيه مش بس

شكله....

رفعت عيناها نحو ليليان و هي

تضم شفتيها بتفكير قبل أن تردف

:" حساه مختلف اوي عن زمان مش بيتكلم كثير

و لا بيشخط زي عوايده...حتى لما اخذ ايسم

في حضنه عيط.. انا شفت دموعه و ماما

كمان.... المهم انا حسيبك تغيري هدومك

و بعد العشاء حرجع عشان اوريكي

الحاجات الثانية... و إنت كمان....إتفقنا

وقفت من مكانها و هي تلملم اكياسها

بسرعة مضيفة :" اصل أيهم جايب شنط

كثير و حطها على جنب في اوضته ...".

خرجت أميرة تاركة ليليان تضع

يديها على رأسها بتعب من ثرثرة

إبنة عمها التي لا تنتهي...

جلست على الفراش بهدوء متمتة بملل

:"البنت دي حتجنني...ميكاب إيه و زفت إيه

اللي بتتكلم عليه داه مش مكفيها محل مواد

التجميل اللي في أوضتها...و مين اللي تغير داه؟؟

أنا مش فاهمة حاجة و مش عاوزة أفهم اصلا

يتغير ميتغيرش دي حاجة تخصه... يبعد عني

و خلاص داه المهم.  ... اوووف خليني اقوم

اغير هدومي و انزل اشوف إيه الحكاية

بالضبط ".

تمتمت بانفعال قبل أن تتجه نحو خزانة

ملابسها لتنتقي ملابس بيتية أنيقة

لترتديها و تنزل....

بعد نصف ساعة كانت مع بقية

أفراد العائلة الذين تحلقوا على مائدة

الطعام يتحاذبون أطراف الحديث

متحمسين برجوع أيهم....

سيف بمزاح:" بما إنك رجعت فأنا

اعتبر نفسي في إجازة طوييييلة.... ياه

بقالي ثلاث سنين مستني اليوم داه".

ايهم بابتسامة و هو يختلس النظر

ليليان بين الحين و الاخر :" وانا مال ما

انا بردو في اجازة ...

سيف و يمثل الحزن :" يعني إيه

في اجازة....شركتك و إدارة المستشفى

ردت إليكم انا مليش دعوة من بكرة

دوروا على حد غيري انا راجع مكتبي

في شركتنا ".

ايهم بجدية :" سيف لو سمحت...انت

عارف إن الشركة و المستشفى باسم

ليليان.... يعني هي صاحبة الشأن و القرار....

رفعت رأسها عندما سمعته يتحدث عنها

لتتلاقى أعينهما لتخفض ليليان عينيها

متظاهرة الانشغال بطبقها ليتحدث

سيف بثرثرة :" ماهي رجعتهم باسمك

من زمان...و الأوراق موجودة في مكتب

بابا....هي ما قالتلكش و إلا إيه؟؟؟

سعلت ليليان بقوة لتتجه جميع الانظار

نحوها...ليرمقها أيهم بقلق قبل أن تسارع

أميرة و تعطيها كأس مياه لتاخذه منها

ليليان و هي تشعر بحرج كبير....

تنحنح أيهم عن قصد حتى يجذب الانظار

نحوه قبل أن يتكلم بصوت هادئ :"طيب

خلينا نأجل الكلام داه لبعدين...

إلتفت نحو والدته ليكمل :" تسلم إيدك

يا ماما الأكل تحفة بقالي كثير مأكلتش

اكل زي داه....

كاريمان بابتسامة فرحة :"بالهناء و الشفاء

يا حبيبي...لو عاوز اكلة معينة قلي و انا

ححضرهالك بنفسي....

سيف بغيرة :" يا سلام.. من شاف احبابه يا ست

ماما....

ضحك الجميع و اكملوا تناول العشاء في

جو لا يخلو من المزاح و الضحك.....

بعد إنتهاء السهرة العائلية المعتادة

دلفت ليليان غرفتها مشتاقة لصغيرها

الذي لم تره كثيرا اليوم...توقفت عن السير

بعد أن لمحت أيهم متكئا على ذراعه

بجانب أيسم الذي كان يغط في نوم

عميق... يداعب شعره بحنان و يقبله

بحرارة بين الحين و الاخر مستنشقا

رائحته الطفولية بعمق...

إنتبه أيهم  لقدومها ليقف من مكانه

بهدوء و إبتسامة سعيدة تسللت

نحو شفتيه عند رؤيتها...مازالت كما

هي..كما تركها منذ سنوات لم تتغير

سوى انها إزدادت جمالا عن قبل

ركز ببصره على خديها و تحديدا في مكان

غمازتيها قبل أن يتكلم بصوت خافت

حتى لا يزعج الصغير النائم وراءه:"أنا

آسف عشان دخلت اوضتك من غير

إستئذان... بس انا كنت عاوز اشوف

أيسم....أصله واحشني اوي و ملحقتش

اشبع منه".

أومأت له بإيجاب و هي تخفض رأسها

دون أن تنظر نحوه.. تقدمت للداخل

نحو الصغير من الجهة الأخرى للسرير

لتجلس قريبة منه... أمسكت بكفه

الضيئلة لتقبلها ثم جذبت الغطاء

أكثر نحو صدره لتغطيه....

راقب أيهم بتمعن.. كل حركة تقوم

بانفاس منقطعة يخزن ما يراه داخل

عقله و قلبه الذين حرما طويلا من

رؤيتها...

لاحظ توقف حركتها و سكونها في

مكان واحد ليعلم انها تنتظر خروجه

من الغرفة...لكنه عكس ذلك سار بهدوء

نحو كرسي وجده قريبا من السرير

ليجلس عليه قائلا :"أنا كنت عاوز اتكلم

معاكي في موضوع  الشركة و المستشفى

إنت ليه عملتي كده... انا مش عاوزهم

و بكره إن شاء الله اول حاجة حعملها

حرجعهم باسمك إنت و أيسم... دول من

حقك".

اجابته دون تفكير :"انا مش محتاجة

منك حاجة...لا انا و لا إبني انا اصلا

كنت مستنياك عشان ترجع.. "

خفق قلبه بلهفة منتظرا بشوق ما ستقوله

بعد ذلك لكنها خيبت أمله بعد أن أكملت

:" عشان نكمل إجراءات الطلاق....

هب من مكانه منتفضا و كأنه نارا احرقته

و هو يكاد يخترقها بعينيه ليهتف

بصوت مرتعش:"لا.... لا ..لو سمحتي

متكمليش...مش وقت الكلام داه عشان خاطر

إبننا يا ليليان...

ليليان بجمود رغم أنها لاحظت

إرتعاش صوته و ملامح وجهه التي تجهمت:"

طيب.. خذ وقتك زي ما إنت عايز اسبوع

إثنين شهر سنة لو حابب بس الموضوع داه

حيحصل في الاخير يعني ليه التأجيل؟

في تلك اللحطة شعر بأنه سمع صوت

تحطم قلبه و تمزق شرايين لآلاف القطع...

ساقيه اصبحتا كالهلام لا تقدران على

حمله ليرتمي من جديد على الكرسي

وراءه و إحساس العجز و قلة الحيلة

يغزوانه تدريجيا.. لا يستطيع إرغامها

على العودة إليه.. يعلم انه امر مستحيل

و انه لديها كل الحق مهما قالت او فعلت

فما يحصده الان هي ثمار ما غرسه في الماضي.

إبتسم بألم قبل أن يتكلم بصوت يتخلله

بعض الرجاء وكانه  آخر حل لديه :"طيب

خلينا كده...إنت كملي عيشي هنا إنت

و أيسم و انا.. انا إشتريت شقة جديدة

قريبة من هنا حسكن فيها... و اوعدك

مش حزعجك و لا حعمل اي حاجة

تضايقك.. حتى.... حتى لما آجي

اشوف أيسم حبقى اديكي خبر

قبلها بيوم...و اوعدك مش حتشوفيني

كثير... مرة واحدة في الأسبوع حبقى

آخذه الصبح و حجيبه بعد الظهر... مش

حخليه عندي كثير عشان متتضايقيش

ليليان ارجوكي انا قابل بكل شروطك

مهما كانت إلا الطلاق.. ارجوكي بلاش

مش حقدر أعمل كده انا إستحملت الغربة و بعدي

عن إبني و إستحملت إني مبقاش موجود يوم

ما تولد.... و تحملت بعدك عني اللي

بيقتلني كل دقيقة و كل ثانية حستحمل حتى لو مية سنة قدام... بس مش حستحمل الطلا......

خفض رأسه و هو يغلق عينيه بقوة يمنع تساقط دموعه التي اغشت عينيه التي أوشكت على فضح

ضعفه و هو الذي لم يتعود ان يكون ضعيفا

من قبل.... يقسم انه مستعد في هذه

اللحظه ان يخر على ركبتيه اسفل قدميها

طالبا الصفح و الغفران...ناشدا إياها

إن تمنحه فرصة اخيرة حتى يحاول

إصلاح ما افسده سابقا.....

حدقت ليليان بذهول فيه غير مصدقة

تذكرت قول أميرة قبل ساعات عندما

أخبرتها انه تغير و لكنها لم تكن تعلم

إلى أي حد... هل من المعقول انه هذا هو

ايهم كابوسها المرير الذي رافقها

لسنوات طويلة... هل هو نفسه من

جعلها تكره حياتها بسببه؟؟ هل غيرته

سنوات البعد حتى أصبح إنسانا يفقه معنى

الندم و الحزن ام  أنها.. خطة جديدة

يتبعها حتى يصل إلى مراده ثم من

بعد ذلك يعود كما الفته من قبل؟؟؟

حركت رأسها لتنفي عنها تلك الأفكار

التي تجمعت فجأة داخل دماغها...

ثم وجهت بصرها نحوه من جديد

لتجده على حاله...

طال صمتهما ليقطعه أيهم الذي وقف

من مكانه فجأة و قد إرتسمت على

ثغره إبتسامة مريرة ليتحدث

بصوت جاهد ان يخرج عاديا :"أتمنى

تفكري كويس في كلامي... فكري في

أيسم حياته حتبقى إزاي و أمه و ابوه

مطلقين.. انا مش بكذب عليكي انا فعلا

تغيرت اوي مبقتش أيهم بتاع زمان

و الايام حتثبتلك صدق كلامي....

تصبحي على خير.....

إتجه نحو الباب بعد أن أنهي كلامه

و دون أن ينتظر إجابتها غادر المكان

تاركا إياها تتخبط في ذكرياتها بين

الماضي و الحاضر....

بعد اسبوع ....

تجلس كاميليا بملل في مكتبها في

شركة شاهين الذي أقنعها بالعمل معه

بعد أن كانت رافضة تماما فكرة الخروج

للعمل و الانشغال عن اطفالها

تتصفح صورهم في حاسوبها المحمول

زفرت بانزعاج بعد أن لمحت في

أسفل الشاشة الساعة التي كانت تشير

إلى الحادية عشر صباحا...

تمتمت و هي تمط شفتيها بغضب

قائلة:"هو الوقت مش بيعدي ليه هنا؟؟

اوووف انا بجد زهقت...

قاطع أفكارها دخول هبة التي

إنفجرت ضاحكة    عند رؤية صديقتها

تجلس كما تركتها منذ ساعة بنفس

هيأتها مسترخية على كرسيها و تضع

خدها على يدها و بيدها الأخرى تضغط

ازرار الحاسوب...

رمقتها كاميليا بعيون نصف مغمضة

قائلة بعدم مبالاة :"إنت إيه اللي جابك

هنا معندكيش شغل؟؟؟

تصنعت هبة الحزن لتضع يدها على

صدرها شاهقة بزيف :" إخص عليكي

يا كوكي و انا اللي جيت اطمن عليكي

قلت يمكن محتاجة حاجة....

وضعت أمامها كوب القهوة ثم جلست

على الكرسي أمام المكتب لتخطف نظرة

على الملف الذي لم يمس حتى الآن

قائلة :" إنت لسه مكملتيش تصميم

المشروع....على فكرة معاد تسليمه

النهاردة.. و البشمهندس حسن

هو اللي حيختار التصميم الأفضل..

نفخت كاميليا خدها بعدم إكتراث

قبل أن تجيبها دون أن تحول نظرها

عن شاشة الحاسوب أمامها :" لا خلصته

من يومين...و حبقى اسلمه بعدين..


هبة و هي ترفع حاحبيها بعدم رضا :" أنا ليه

حاسة إنك جاية الشغل مجبرة...مين غير

نفس كده؟؟

كاميليا :"مش قادرة اتأقلم مع جو الشركة و

الشغل...ملفات و تصاميم حاسة إني مش

فاهمة حاجة...تعودت بقعدة البيت و العيال...

انام براحتي و اصحى براحتي عاوزة ارجع

اتفرج على التلفزيون   مع طنط ثريا... وحشني

مسلسل الحاج متولي داه معاده بقالي اسبوع متفرجتش عليه.... .

أنهت جملتها بصوت شبه باكي لتحدق

بها هبة ببلاهة قبل أن تنفجر ضاحكة

عليها و هي تهتف من بين ضحاتها

:"مسلسل إيه ياهبلة...مش مصدقة إن

اللي قدامي هي نفسها كاميليا الأولى

على دفعتي خمس سنين...

كاميليا :" داه كان زمان...انا اصلا دماغي

تمسح منه أي حاجة تخص الهندسة...بيت

ربة بيت ممتازة زي ما بيقولوا....انا مش

فاهمة إنت إزاي مستحملة خنقة الشغل

هنا..حاجة تقرف..

هبة و قد إكتسى ملامحها بعض الحزن

:" مفيش حاجة تخليني أقعد في البيت

ما إنت عارفة لا عيل و تيل

بالعكس على الاقل الشغل بيلهيني

شوية و يخليني انسى و ابعد عن

المشاكل.....

عضت كاميليا شفتيها و هي تشعر

بتأنيب الضمير لتطرقها لموضوع حساس

عند صديقتها دون قصد...لتنطق محاولة

تشتيت تفكيرها :" بقلك إيه معاكي روج؟؟

اجابتها الأخرى و هي تنظر لها ببلاهة :" روج

إيه؟؟؟

كاميليا :"روج يا هبة...و يا ريت يكون

لون فاقع اصل مش معايا حاجة في

شنطتي غير البرفيوم؟؟؟

هبة بتعجب :" نعم ياختي.... برفيوم و بس

مفيش حتى ماسكارا، ايلاينر....

كاميليا بنفي و هي تمد لها حقيبتها :"تؤ....و

لا اي حاجة... اصل شاهين قبل ما اخرج

بيفتش الشنطة    و لو لقى حاجة تابعة

الميكاب بيرميها على طول...

هبة و هي تمصمص شفتيها بانزعاج :"ما

أنا شايفاكي اهو قدامي وشك مفهوش حاجة...

بس مش جديدة ما إنت من زمان يعني

من قبل ما تتجوزي مكنتيش بتحبي تحطي

حاجة على وشك...يا دوب بتغسليه و تنزلي

بيه على طول كده".

كاميليا بتنهيدة:"عشان زمان مكانش عندي

ثمن قلم كحل... بس دلوقتي الحمد لله التسريحة

مليانة..

هبة :"طيب مش قلقانة يشوفك و إنت

عاملة روج هنا....

كاميليا بتذمر:" وحيشوفني إزاي؟؟ لو طلبني

حبقى امسحه قبل ما اروحله....

هبة بعدم إقتناع و هي تنهض من مكانها

:" طيب حروح اجيب شنطتي و اجيلك...

تراجعت كاميليا بظهرها على

الكرسي و هي تراقب خروج هبة

بأعين ناعسة قبل أن تلمح من

جديد ذلك الملف الذي حدثتها عنه

صديقتها منذ قليل....

ضمت شفتيها باستهزاء لاترغب في التفكير

في أي شيئ يخص العمل....

دخلت عليها هبة من جديد و هي تفتش

حقيبتها لتضع أمامها عدة انواع من مستحضرات

التجميل قائلة :"داه ايلاينز و داه ماسكارا و

دول روج إختاري اللي إنت عاوزاه و دي......

قاطعتها كاميليا و هي تخطف قلما أحمر

فاقعا جذب إنتباهها :" لا خلاص خدي

الثانيين كفاية داه... هاتي مراية و إلا قلك

حضبطه على كاميرا التلفون....

هبة باستسلام :"طيب انا رايحة

دلوقتي علشان عندي شغل مستعجل

و لازم أخلصه...و إلا عمر حيطين

عيشتي...

كاميليا :"طيب قبل ما تروحي... قوليلي

إيه رأيك في الروج... حلو عليا بقالي

كثير محطيتش اللون داه...

هبة بخبث:"هو   من ناحية حلو فهو حلو اوي

بس لو شافك جوزك حيبقى احلى و احلى

".

كاميليا بعناد :" وهو جوزي حيشوفني إزاي يا فالحة؟؟

هبة و هي تغمزها:"من الكاميرا اللي في

المكتب يا قمر....

وضعت الأخرى يدها على ثغرها

و قد إتسعت عيناها برعب بعد أن

سمعت ما تفوهت به هبة و هي تنفي براسها

يمينا و يسارا قبل أن تتكلم باختناق

:" كاميرا هو حاططلي كاميرا في المكتب ".


هبة و هي تتجه نحو باب المكتب

:" الشركة مليانة كاميرات...يلا سلام

اشوفك بعدين".

جالت بعينيها ارجاء المكتب بحثا

عن الكاميرا المختبئة لكنها لم تجدها

لتبدأ في مسح احمر الشفاه بمنديل ورقي و هي تطمئن متمتمة:"مفيش كاميرا هنا... اكيد

الغبية هبة قالت كده علشان تغيضني

مش اكثر... و بعدين هو انا خايفة منه ليه

أنا مش بعمل حاجة غلط و كل الستات

بتعمل روج و ألوان ثانية كمان....ايوا صح...

قاطع تمتمتها رنين هاتفها لتصرخ

بفزع قبل أن تستدرك نفسها....

:" يا لهوووي داه شاهين...يا نهار اسود

يا نهار اسود...    حيقتلني...حتموتي

يا كاميليا بسبب قلم روج".

في الخارج تابعت هبة طريقها نحو مكتبها

لكنها توقفت فجأة متمتمة بتفكير :"أنا نسيت

مقلتلهاش إن الروج ثابت و مش بيتمسح

قبل إثناشر ساعة..

وضعت يدها على مقبض الباب لتفتحه

و تدلف و هي مازالت تتمتم:"حبقى أقلها

بعدين... دلوقتي

لازم أخلص كوم الملفات اللي سابهولي

الاستاذ جوزي...انا إيه اللي خلاني اقبل

ابقى مديرة مكتبه...بلا نيلة ماهو

لو كنتي رفضت كان قعدني في البيت.....

فين ملف الصفقة 5642 انا حطيته فين....

فين يا هبة؟؟ ركزي بقى....

في الجهة الأخرى من نفس الطابق دخلت

كاميليا مكتب شاهين الذي كان منشغلا

بدراسة التصاميم التي

قدمها عدة مهندسين من الشركة حتى

يتم إختيار التصميم الأنسب

لبناء المدينة السياحية الجديدة

التي تعتزم الشركة بنائها قريبا....

كان يترأس طاولة الاجتماعات

و على يمينه يجلس عمر و بجانبه

المهندس حسن بينما يقابلهما

في الجهة الأخرى رجلين لم تتعرف

عليهما كاميليا التي ظلت واقفة

بارتباك..

خفض الجميع رؤسهم باحترام متحاشين

النظر نحوها مخافة غضب رئيسهم...بينما

رفع شاهين عينيه نحوها يتأملها بشوق

و حب.. لحظات قليلة حتى أدرك أن

مشاهدتها من بعيد لم تعد تكفيه...

أشار لها حتى تجلس على مكتبه قليلا

قبل أن ينهي الاجتماع على عجل.

وقف من كرسيه ليسير نحوها

حالما أغلق عمر   باب المكتب خلفه...

توقف أمامها بعد أن لاحظ إرتباكها

ليفهم أنها قد قامت بفعل شيئ

خاطئ و تخفيه عنه

اثار إنتباهه أحمر الشفاه الذي

زين شفتيها حتى أصبحتا مثالا

في الجمال و الإغراء لتعتريه

رغبة جامحة في تقبيلها بقسوة

حتى يزيل عنهما هذا اللون المزعج الذي

إستفزه بشدة.. وضع يديه في جيوب

بنطاله متمالكا نفسه بصعوبة قائلا بسخرية

:" حلو الروج....جبتيه منين؟؟؟

رفعت رأسها نحوه قائلة باستغراب

:" روج إيه؟؟ انا مسحته قبل ما أجيلك....

إنحنى نحوها ليمرر إصبعه على

شفتيها قائلا :"تؤ....مش من النوع اللي

بيتشال بسهولة.....

رمشت عينيها عدة مرات تسبل اهدابها

و هي تنظر نحوه بوداعة قائلة

بنعومة :"مخذتش بالي...اصلي زهقت

في الشركة و ملقيتش حاجة اعملها....

شاهين :"زهقانة مممم يعني كملتي

تصميم المشروع...

اخذ الملف الذي   وضعته منذ قليل

فوق مكتبه ليفتحه و يبدأ في مراجعته

بعد ثوان قليلة تفاجأت به يلقيه

على الطاولة الصغيرة أمامها بإهمال

قائلا بفتور :" باين جدا إنك زهقانة

لدرجة إنك بتشتغلي بالمقلوب...

مفيش حاجة عدلة في التصميم

بتاعك أخطاء ميعملهاش طالب

في سنة اولى...سايبة شغلك و

مهتمة بحاجات تافهة.

وقفت أمامه بتحدي لتشعر بالغضب

من كلاماتها التي تتضمن في طياتها

:" على فكرة إنت اللي اقنعتني إني

آجي الشركة و ابدا شغل... انا مكنتش عاوزة

عشان عارفة نفسي حفشل.... مش حقدر

أركز هنا و قلبي و فكري هناك في البيت

مع الاولاد...مع اللي إسمها فتحية إنت عارف

كويس إني مش بحبها و إنت بالعند فيا

خليتها هي اللي تهتم بيهم".

شاهين بملل :" رجعنا لنفس الاسطوانة

من تاني.... فتحية  مين اللي تتجرأ و تأذي

أولادي... . انا لو كان عندي شك واحد في المية

في أمانتها كنت محيتها من على وش الأرض

من زمان...إنت ليه مش عاوزة تقتنعي

إن حكاية زمان كانت مجرد تمثيلية

مني...شيلي الأوهام دي من دماغك

عشان ترتاحي و بالنسبة للتصميم

أنا عارف إنك بتتعمدي تغلطي عشان تخليني

أيأس منك و ابطل أجيبك معايا الشركة...

كاميليا بضيق من إكتشاف خطتها :"لا طبعا... كل الحكاية

إن المشروع صعب و ِمحتاج حد عنده

خبرة اكثر مني عشان يطلعه perfect....

أحاط خصرها بذراعيه ليقربها منه

هامسا بحنان مفاجئ بعد أن لانت نظراته :" حبيبي

إنت كنتي الأولى  على دفعتك خمس

سنين يعني مشروع زي داه مهما كان

صعب لو ركزتي شوية مكنتيش حتغلطي

فيه كده....انا مش عايز احرمك إنك

تحققي حلمك اللي تعبتي عشانه من

سنين...الاولاد بخير متقلقيش و تقدري

كل ساعة تطمني عليهم بالتلفون... و كلما

تحسي نفسك زهقتي او تعبتي تقدري

تروحي انا مش بجبرك إنك تشتغلي بالعافية

بس انا لاحظت من فترة طويلة إنك

بقيتي مهوسة بالاولاد بشكل غريب...

لدرجة إنك بتراقبيهم حتى و

هما نايمين... بقيتي خنقاهم ياكلوا داه و

مياكلوش داه مش بتخليهم يلعبوا براحتهم

فالحل إنك لازم تبعدي عنهم شوية لو سبتك

كده حتبقي موسوسة.... خليهم هما

كمان يرتاحوا شوية من الخضار المسلوقة

اللي بتجبريهم ياكلوها....

قالها بمزاح مترقبا ردة فعلها التي توقعها

عندما قوست شفتيها بحنق مزيف

و هي تحاوط عنقه بذراعيها تتعلق به

كطفلة صغيرة هامسة بدلال :"بقى كده

يعني إنت جبتني هنا عشان الولاد يرتاحوا

مني....

لثم شفتيها بخفة قبل أن يهز راسه بنفي

ويجيبها بصوت متحشرج:" تؤ جبتك

هنا عشان عاوزك قدامي طول الوقت...

و كمان عشان اكسب ثواب في ولادك

المساكين و خاصة فادي...

زمانه عامل حفلة مع اسيل و ايسم

و بياكلو بيتزا و كنتاكي.....

ضربته على صدره بخفة متمتمة بانزعاج :"انا

مش عارفة إنت ليه كل مرة بتغلبني و بتنفذ بس

اللي في دماغك بأي طريقة...كل حاجة

بتحصل على مزاجك إنت وبس انا مليش

رأي و لا اي قرار...."

داعب انفها قائلا :"و هو انا إيه مين غيرك...

و لا حاجة....

تراقص قلبها بفرحة و اشعت عينيها

بلهفة واضحة تطالعه بنظرات هائمة

مطالبة بالمزيد من كلماته التي تأخذها

عاليا فوق الغيوم  الوردية حتى انها

تنسى نفسها و زمانها و مكانها لا ترى

سواه و لا تشعر سوى باحضانه الدافئة...


                   الفصل الثالث من هنا

لقراءة باقي الفصول اضغط هنا

لقراءة الجزء الاول جميع الفصول كاملة من هنا



تعليقات