رواية الشيطان شاهين
الفصل التاسع والعاشر
بقلم ياسمين عزيز
ارتخى شاهين على كرسي البار الصغير الموجود في مكتبه و هو يرفع كأسه الى شفتيه ليترشفه باستمتاع و تمهل... القى نظرة أخيرة على تلك الصور المبعثرة التي وصلته منذ قليل من أحد رجاله الذين كلفهم لمراقبة كاميليا و جلب معلومات عنها و عن عائلتها و حياتها... أمسك إحدى الصور لها و هي مدخل الجامعة، كانت واقفة تتحدث مع إحدى صديقاتها، ترتدي بنطال جينز اسود اللون و كنزة صوفية باللون الزهري الفاتح الذي انعكس على بشرتها البيضاء و الوردية اما شعرها البني فقد تركته حرا ينسدل على ظهرها ليعطيها مظهرا فاتنا...
حدق في الصورة بامعان قبل أن يرتشف رشفة أخرى من كأسه و هو يهمس:"لا حلوة...حلوة اوي و جريئة كمان، اللي تتجرأ انها تفكر تستغفل شاهين الألفي تبقى يا إما جريئة....او مجنونة.... فجأة انفجر ضاحكا بدون سبب لدرجة انه وضع الكأس فوق طاولة البار و انحنى بجذعه الى الامام و هو لايتوقف عن الضحك بصوت عال و كأنه فقد عقله .
وضع كفيه على وجهه الذي اسود فجأة و بدأت عروق يديه و رقبته بالبروز و أصبحت ملامحه اكثر قتامه و جسده ينتفض بشدة بسبب الغضب...
صرخ بجنون قبل أن يرفع قبضة يده و يدفع الكؤوس و الزجاجات التي كانت على سطح البار أرضا لتتحطم و تتناثر الى اشلاء محدثة دويا عاليا ....
خيم الصمت المخيف و لم يعد يسمع سوى صوت أنفاسه اللاهثة في المكان...
بدأ جسده في الارتخاء رويدا رويدا بينما عقله يصور له عدة أفكار لمعاقبتها على فعلتها توحشت عيناه بنظرة مظلمة ليردد بهسيس مخيف :"بنت حلوة و جات برجليها لعرين الشيطان.."
خرج من مكتبه سريعا ليصعد الى جناحه ليأخذ حماما منعشا بعد أن أمر إحدى الخادمات بتنظيف المكتب من الفوضى التي لحقت به...
_______________
في شقة أيهم
رمق عمر أيهم بنظرات حانقة بينما لم يعره الاخر أي إنتباه و هو يتفرس بوقاحة عالية جسد تلك الفتاة التي كانت تتمايل أمامهما بحركات راقصة مغرية....
صرخ عمر بنفاذ صبر على تجاهل أيهم له :"إنت يا بني آدم مش بكلمك... مش بترد ليه فين شاهين؟؟؟
أشار له الاخر بيده و هو لايزيح عينيه جسد الفتاة قبل أن يجيبه بصوت عال بسبب صوت الموسيقى :" قال مش جاي عنده شغل مستعجل...اكيد لقى مزاجه في حتة ثانية...
عمر بتذمر :"طبعا و انتم هيهمكم إيه غير مزاجكم ال...بقلك إيه ما تطرد البتاعة دي برا علشان عاوزك في موضوع مهم..
ايهم و هو يتناول حبات من الفواكه الجافة :"في إيه؟؟؟
عمر :" انا حتجوز.... و كنت عاوز شاهين علشان اقله.....
أيهم بصدمة :" انت... عمر الشناوي... حتجوز ؟؟؟
عمر و هو يلوي فمه بتهكم :" أيوا يا خويا حتجوز إيه من حقي؟؟ ".
أيهم بقهقة :" لا ياعم مش قصدي كده بس انا مستغرب انك فجأة قررت تتجوز ".
قام عمر من مكانه و أغلق جهاز الموسيقى ثم أعطى الفتاة مبلغا من المال قبل أن يدفعها باشمئزاز الى الخارج تحت أنظار ايهم الضاحكة:"يلا يا اختي امشي من هنا و مترجعيش ثاني.... انا مش عارف الناس دي مبتزهقش من القرف داه ليه .؟؟؟
أيهم بقهقة :"يا ابني الستات دول احلى حاجة في الدنيا... بيضبطو الدماغ وبيعلوا المزاج...
جلس عمر مقابلا له و هو يقول براحة :"اهو كده نقدر نتكلم...انت طبعا فاكر البنت اللي انا حكيتلكم عليها من زمان اللي كنت بحبها و انا لسه طالب في الجامعة؟؟ ".
ايهم و هو يشير له بكأسه :"أيوا طبعا فاكرها... قصة الحب الملحمية بين الأمير و بنت الحارة الشعبية".
عمر بضيق :"يا ابني احترم نفسك انت سكرت و الا إيه.... على فكرة اسمها هبة و قريب جدا حتبقى مراتي ".
ايهم بابتسامة :" الف مبروك يا صاحبي داه انت حتبقى خبر الموسم الناس عمرها ما شافتك مع بنت و فجأة كده يلاقوك حتتجوز... ايه رأيك نعمل فرحنا مع بعض في يوم واحد".
عمر بنفي:" لا مش حلحق اصلا... انا لسه ما فاتحتش اهلي في الموضوع و كمان عيلتها لسه ميعرفوش حاجة فححتاج وقت و انت فرحك بعد اسبوعين ".
ايهم :" بس تفتكر مامتك حتوافق؟؟ انت حكيت قبل كده انها رافضة تماما انك ترتبط ببنت من حارة شعبية ".
عمر باندفاع :" لازم تقبل انا مستحيل اتخلى على هبة مهما حصل... مش حعيد الغلط بتاع زمان لما سبتها و سافرت... انا لو كنت رجعت و لقيتها تجوزت كنت حرتكب جريمة، انا مش عارف ازاي محطيتش إحتمال انها تتجوز واحد ثاني،
صحيح انا كنت متأكد انها بتحبني بس كان لازم افكر في داه كمان... بس الحمد لله عدت على خير ".
أيهم بغرور:" انا مش عارف انت متمسك بيها طول السنين دي ليه... دي حتى مش لايقة عليك يعني مش من مستواك، انا بنصحك شوف واحدة ثانية تكون من عيلة كبيرة....
قاطعه عمر و قد ظهر الضيق على ملامح وجهه :"بقلك إيه يا أيهم لو عاوزنا نفضل صحاب ياريت متتكلمش في الموضوع داه تاني انا بحب هبة و مش حتجوز غيرها غنية او فقيره داه آخر همي
فياريت تحتفظ برأيك لنفسك... طبعاانا مش حقلك يا ريت تشيل افكار الطبقية و الباشوات بتاعت القرن الخامس عشر اللي مالية دماغك دي علشان عارفك مستحيل حتتغير بس حطلب منك حاجة واحدة يا ريت تحترمني و تحترم اختياراتي....
هز ايهم يديه كعلامة استسلام قائلا بابتسامة :"خلاص يا سي عمر فهمنا.... حقك عليا انت و الآنسة هبة و انا طبعا مستعد اساعدك و أقف جنبك في أي حاجة تطلبها....
عمر بملل :"متشكرين يا خويا لما اعوز حاجة حقلك.....بس قلي انت إزاي تسيب خطيبتك تعبانة و مريضة و جاي هنا تضبط دماغك....
أيهم و هو يترشف كأسه بلامبالاة:" انا مش سايبها لوحدها كل اللي في البيت بيهتموا بيها و مش سايبينها لوحدها فملوش لزوم وجودي هناك خصوصا انها تحسنت و بقت كويسة و انا من شوية كلمت أميرة و اطمنت عليها...
عمر و هو ينهض من مكانه :" طيب اسييك انا دلوقتي...
أيهم بتذمر:"يعني تطرد البنت و تخلع؟؟ ".
عمر بضحك :" يا ابني إرحم نفسك شوية دا انت حتى عريس...احتفظ بطاقتك لشهر العسل بلاش تهدرها على الفاضي ".
أيهم بقهقة :" تصدق عندك حق ازاي فاتتني دي...
عمر و هو يتجه الى باب الشقة :"يلا سلام يا عريس
لوح له أيهم بيده مودعا...ثم أغلق عينيه بارتياح و هو يتخيل كيف ستكون حياته بعد الزواج.
______________________
صباحا
جلست كاميليا على طاولة المطبخ مع عائلتها لتناول فطور الصباح...
سعيد :" فكرتي في الموضوع اللي قلتلك عليه امبارح يا كاميليا؟؟
كاميليا و هي تترشف كوب القهوة :" موضوع إيه يا بابا؟؟؟ ".
سعيد بتذمر:" موضوع المعلم زكريا يا بنتي... الراجل بقالوا شهر بيزن فوق دماغي كل يوم بيكلمني عليكي،...
كاميليا بتأفف:"انا مش عارفة الراجل داه مش ناوي يحل عني ليه؟؟ يا بابا داه ادك و متجوز مرتين و عنده اربع بنات الكبيرة فيهم اقل من نور بسنتين..
انت عاوزني ارمي نفسي الرمية السودا دي ليه...
سعيد بهدوء :" بس الراجل غني و يقدر يفتح بدل البيت أربعة...
كاميليا بضجر:"خليه يفتحهم بعيد عني... لو سمحت يا بابا قفل على الموضوع داه انا لا عاوزة اتجوزه لا هو و لا غيره انا دلوقتي مش بفكر غير في دراستي و بس...
سعيد بلامبالاة:"طيب حقله يستنى لما تكملي دراستك اهي كلها سنه كمان و تخلصي... على الاقل يحل عننا المدة دي و بعدين يحلها الحلال...
الام بحيرة :" طب و لو قلك انه عاوز خطوبة او كتب كتاب حتعمل ايه؟؟
نور بضحك :"انا من رأيي توافقي تعملي خطوبة يا كامي... الراجل متريش و حينغنغك فلوس و لبس و مش بعيد يشتريلك عربية و تبقى توصلينا انا و كريم على المدرسة...
ضربتها كاميليا على ذراعها بقوة و هي تتمتم بغيظ:" بت انت اتلمي و بلاش تحرقي دمي عالصبح... انا مستحيل اتجوز الراجل داه حتى لو جابلي كنور الدنيا كلها... روحي يااختي اتجوزيه انت و اشبعي بالعربية....
نور باشمئزاز:" ياااه...
الام :"خلاص يا بنات فضيناها سيرة.. و انت يا كاميليا يا حبيبتي قومي لحسن تتأخري على شغلك...
كاميليا بهدوء :"لا انا رايحة الجامعة الأول عندي test و بعدين جروح الشغل...
سعيد و هو ينهض من كرسيه :"خلي بالك من نفسك يا بنتي و اوعي الشغل يأثر على دراستك...
كاميليا بحب:"اطمن يا بابا انت عارف ان انا شاطرة و مفيش حاجة حتأثر على دراستي و بعدين انا حشتغل على طول كلها شهرين و ابطل شغل و اتفرغ للجامعة... متقلقش عليا انت ".
سعيد :" ربنا يحفظك يا بنتي انت و اخواتك... يلا انا رايح الشغل مش عاوزين حاجة...
الكل في صوت واحد :" سلامتك يا بابا....
هرولت الام تتبع زوجها لتودعه على الباب و تتبادل معه أحاديث سرية بصوت خافت...
_____________________
بعد ساعة في كافتيريا الجامعة
كاميليا بتذمر و هي تنظر إلى كومة الأوراق المبعثرة على الطاولة :" قلتلك الف مرة ان شيماء خطها زفت زي عيال الكي جي وان.. مش بفهم منه حاجة تي حتى الرسومات نصها متلخبط و مش باين...
هبة بعدم اهتمام :" مش مهم حبقى اجيبلك الشرح من زينة لما تيجي...
كاميليا :"طيب و انت محضرتيش ليه يا فالحة بدل ما تخلينا كده بنشحت المحاضرات..
هبة بابتسامة حالمه :"عشان خرجت مع عمر...
كاميليا بتهكم و هي تقلدها :" خرجت مع عمر....يعني علشان خروجة ضيعتي علينا محاضرات يومين كاملين... بس قوليلي انتم رحتو فين ها البرازيل..
هبة :"لا إحنا رحنا تغدينا مع بعض و بعدين وصلني الجامعه فأنا مجاليش مزاج احضر محاضرات فروحت البيت...
كاميليا بزهق:" ها.... و ثاني يوم... خرجتوا كمان...
هبة :"جرا إيه يا كاميليا انت حتحققي معايا علشان شوية اوراق ملهاش لازمة.... ما قلتلك حبقى اجيبلك الشرح من زينة بلاش تعكنني عليا و خليني في فرحتي بلاش ترجعيني للواقع....
كاميليا و هي تلوي فمها بتهكم :"طبعا ماهو حبيب القلب رجع بعد غياب سنين...
هبة بسعادة :"أيوا و حنتجوز... ياه يا كامي انت مش متخيلة انا مبسوطة اد ايه... مهما قلت مش حوصفلك شعور الحب.. داه احلى حاجة في الدنيا انا أصلا دلوقتي حاسة اني في عالم ثاني لدرجة ان كباية القهوة البني اللي قدامك دي انا شيفاها بامبي و انت شافاكي وردة حمراء و الشاب اللي هناك داه شايفاه طائر ابيض....
نظرت لها كاميليا بذهول قبل أن تنفجر من الضحك على صديقتها المجنونة و هي تتمتم :"لا انت حالتك بقت خطيرة و لازمك حل يا بيبة...
هبة :" بكرة لما تحبي زي حتفهمي شعوري.
كاميليا بضحك :"لا ياختي مش عاوزة ابقى مجنونة زيك واقعد اتخيل في الناس...يلا قومي خلينا ندخل الحمام علشان اضبط نفسي قبل ما اروح شغلي...
هبة و هي تلملم الأوراق معها و تقول بضحك :" قصدك تتنكري...
______________________
انتهت كاميليا من عملها كالعادة ثم لملمت اشيائها استعدادا للرحيل و العودة إلى منزل والديها....قبلت الصغير من وجنتيه و هي تودعه و تخبره انها ستعود غدا... لتتفاجئ بالتصاق فادي بها و رفضه تركها ترحل...
ربتت على شعره الحريري بحنان و هي تقول :"حبيبي انا تأخرت و لازم اروح بيتنا...بس اوعدك بكرة حاجي بدري و حجيبلك معايا الشكلاطة اللي انت بتحبها...
حرك فادي رأسه برفض و هو يحتضن خصرها بقوة..
قلبت عينيها بتعب و هي تبعد يديه برفق الا انه ازداد تمسكا بها... لتهتف كاميليا بنفاذ صبر :" يا فادي مينفعش كده انا تأخرت و لازم امشي...بكرة حنكمل لعب و حعلمك رسمة جديدة...
فادي و هو ينفجر بالبكاء:" خليكي معايا يا ميس كاميليا...انا مش عاوز ابقى لوحدي... عاوز مامي، فؤاد صاحبي عنده مامي تنام معاه في الليل و تحكيله حدوته و انا مش عندي مامي...
كاميليا و هي تضمه الى صدرها قائلة باشفاق :" خلاص يا حبيبي متعيطش انا حبقى اقول للست ثريا تبات معاك و هي حتكيلك حدوتة....
فادي بصراخ هستيري :" مش عاوز.... تيتة.. عاوز مامي...عاوز مامييييي...
اجفلت كاميليا من صراخه المفاجئ لتحاول تهدئته بجميع الطرق و هي تقنعه بضرورة رحيلها... فكانت كلما ابعدته عنها ازداد التصاقا بها و تعالى بكاءه و صراخه....
صعد شاهين الدرج بخطوات راكضة أثر سماعه لصراخ إبنه ثم دفع الباب بقوة و هو يتوعد لها بالقتل ظنا منه انها قامت بإيذاء ابنه....
شاهين بصراخ و هو يحدجها بنظرات مهددة:"عملتي إيه لابني... انطقي...
كاميليا بتوتر :" والله ماعملت حاجة هو اللي فجأة بقى بيبكي و يصرخ...
جذب شاهين فادي ليحمله بين ذراعيه ليزداد صراخ الصغير و هو يتلوى بين أحضان والده محاولا الرجوع إلى كاميليا...
شاهين محاولا تهدئته :"مالك يا فادي عملتلك إيه البنت دي...
فادي ببكاء:"عاوز مامي....عاوز تكو.... ن عندي مامي ز..... ي فؤاد..
شاهين بتعجب وقد بدأ غضبه يهدأ رويدا رويدا :"اهدى بلاش عياط و فهمني عاوز إيه...
فادي من بين شهقاته و هو يشير لكامليا :" خلي ميس كاميليا تفضل معايا... عاوزها تحكيلي حدوتة.... صاحبي فؤاد عنده ماما و انا مش ليا ماما....
شاهين بصوت جدي :"يعني انت كنت بتعيط علشان عاوز الميس تبقى معاك....
هز الصغير رأسه بإيجاب وهو يمسح دموعه بيديه الصغيرتين... ليكمل شاهين حديثه وهو ينظر لكامليا التي كانت تمسك حقيبتها بتوتر :" خليكي هنا الليلة...
قفزت كاميليا من مكانها و هي تردف بصوت مرتعش :"مقدرش ابات هنا يا بيه... انا لازم اروح البيت....
انزل شاهين الصغير أرضا ثم وضع يديه في جيوب بنطاله ثم تقدم من كامليا بخطوات بطيئة و هو لا يحيد بعينيه عنها...دار حولها ثم انحنى ليهمس في أذنها قائلا :" بكره الصبح حديكي شيك فيه مبلغ كويس كتعويض بس خليكي الليلة هنا....
ابتلعت ريقها بصعوبة و هي تشعر بنظراته الصقرية تكاد تخترقها لتقول بتلعثم :" بابا.. مش حيقبل ابات برا...
زفر بملل و هو يكمل دورته حولها الى ان وصل أمامها، اطرقت كامليا برأسها قبل أن تتحرك مبتعدة عنه...
قاطعتها طرقات خفيفة على الباب قبل أن تدخل خديجة و فتحية الغرفة لتتفاجآ بوجوده...
خديجة :" ثريا هانم بعثتنا علشان نشوف البيه الصغير... اصلنا سمعنا صوته...
أشار شاهين لها لتأخذ فادي الذي كان يجلس ببراءة على طرف سريره....قائلا :" انزل تحت يا فادي علشان اتكلم مع الميس و أقنعها انها تفضل معاك النهاردة و خلي حسن السواق يروح يجيبلك مجموعة قصص جديدة علشان تقراهالك في الليل....
فرح الصغير ثم احتضن والده بحب قبل أن يغادر الغرفة برفقة الخادمتان....
ارتجفت كاميليا بخوف بعد أن وجدت نفسها وحيدة معه...جف حلقها و تسارعت أنفاسها و هي تشعر و كأن الهواء قد نفذ من حولها...
رمقها بازدراء قبل أن يجلس وراءها على طرف السرير قائلا بصوت آمر لا يقبل النقاش :"انت هنا المربية بتاعة فادي يعني تنفذي كل اللي هو عاوزه... انا مش حقبل ان ابني يبكي و ينهار بسببك..
التفتت كاميليا لتصبح واقفة أمامه مباشرة... حركت نظارتها بابهامها محاولة السيطرة على ارتجافها قبل أن تقول بتردد:" حضرتك انا متفقة مع ثريا هانم ان شغلي يخلص الساعة أربعة و نص و بعدها اروح البيت....
شاهين مقاطعا:" بقلك إيه انا مش بسألك على فكرة انا بأمرك... يا تباتي هنا اليلة دي... ياتباتي في القسم...
شهقت بقوة ثم حدقت به بذهول ...تذكرت حكاية رقية المسكينة التي روتها لها فتحية سابقا...
ظلت تنظر له بعدم تصديق و هي تشاهد ابتسامته الساخرة التي ارتسمت على شفتيه...
لتستحمع بقية شجاعتها و تهتف :"هو.... حضرتك حتدخلني السجن علشان رفضت ابات هنا...
لم تكد تكمل كلامها حتى شعرت بلسعة حارقة على خدها بعد أن هوى على خدها بصفعة قوية بظهر يده اردتها أرضا ...رفعت يدها تتحسس وجنتها غير مصدقة لما حدث للتو...امتلأت عيناها بالدموع و ارتجف قلبها و جسدها رعبا و هي تشاهده يدعس نظارتها التي طارت بسبب صفعته بحذائه لتتهشم الى قطع صغيرة.....
استندت على يديها بضعف محاولة الوقوف ليدفعها مجدد لتسقط أرضا هاتفا بنبرة حادة مهينة:"كلبة زيك مكانها هناك على الأرض... تحت رجلي...
اغمضت عينيها بتألم و قد تعالت دقات قلبها من فرط خوفها تقسم انه سوف يتوقف في اي لحظة و هي بين يدي هذا الوحش الذي يتربص بها عارما على الفتك بها في أي لحظة....
انتفض جسدها أثر صراخه و هو يأمرها:" امسحى وشك.. و اقلعي الطرحة...
سقط قلبها و انقطعت أنفاسها و هي تلتقط المنديل الورقي المبلل الذي رماه لها بيدين مرتعشتين و هي تتخيل حجم المصيبة التي وقعت بها...ببساطة لقد عرف كل شيئ و اكتشف ما كانت تخفيه عنه، وجهها الحقيقي الذي أخفته وراء مساحيق التجميل و تلك النظارات الكبيرة...
تسارعت أنفاسها بذعر و هي تحرك المنديل على وجهها بعشوائية.. و هي تفكر كيف ستكون نهاية هذه الليلة...
صاحت بذعر حين انحنى بجذعه نحوها ليجذبها بقسوة من ذراعها و يوقفها أمامه و هو يهدر بنفاذ صبر :"ما تنجزي يا روح امك.... و الا ناويه نبات هنا".
جذب المنديل من بين اصابعها و بدأ يزيل بقية مساحيق التجميل من وجهها بحركات عنيفة....
سلط انظاره على وجهها الأبيض المحمر و عينيها الزرقاء الدامعة ثم بحركة سريعة جذب حجابها و ألقاه أرضا لينسدل شعرها البني الطويل على جانبي وجهها لتكتمل صورتها المهلكة...
ابتسم ببرود و هو يخفي بصعوبة نظرات الإعجاب التي تظهر جليا من عينيه قبل أن يتحدث بخفوت مخيف :"شفتي بقى انا قلتلك حتباتي في القسم ليه...عشان انت انتحلتي شخصية حد ثاني لما دخلتي الفيلا هنا متنكرة و قربتي من إبني....مش يمكن في حد بعثك علشان تقتليه..
هزت كاميليا رأسها بنفي و قد برزت مقلتيها من شدة الذعر....قبل أن تهتف ببكاء:" و الله العظيم ما حصل...انا مليش دعوة بالمواضيع دي ثريا هانم هي اللي قالتلي أعمل كده...أرجوك صدقني...
رفع شاهين حاحبيه بعدم تصديق قبل أن يهتف بتسلية و هو يشاهد ذعرها :" و لو التهمة لبساكي لبساكي و في كاميرات موجودة في الفيلا حتثبت كلامي....تصنع التفكير قليلا قبل أن يضيف ببرود ثلجي :" في الحقيقة هما تهمتين... انتحال شخصية و يمكن محاولة قتل او خطف مش عارف الصراحة بس هما أكيد لما حيحققوا معاكي حيكتشفوا الحقيقة...
انهارت كاميليا أرضا و هي تضع كلتا يديها على وجهها تبكي بصوت مرتفع و هي تصيح :" و الله ما حصل...حرام عليك، ليه بيتخوفني كده انا عمري ما اذيت حد و لا عملت حاجة وحشة لحد.....
انحني مجددا الى مستواها ليربت على شعرها بحنو زائف و هو يقول بخبث:" يبقى نتفق يا حلوة .... ".
💜💜💜💜💜
الفصل العاشر
تجلست كاميليا على السرير الصغير و الذي أجبرت على النوم عليه مع فادي الذي إلتصق بها كجرو صغير....
التفتت برأسها إلى جانبها لتجده يغط في نوم عميق
و يضع يده الصغيرة على خصرها و يدفن راسه داخل صدرها....ابعدته بهدوء و هي تتمتم داخلها بحنق :"اللي يشوفك كده يقول عليك ملاك بريئ و انك مش سبب بلوتي...عاوز مامتك قول لابوك يجبهالك انا مالي هوانا خلفتك و نسيتك داه ايه الغلب دا ياربي... لا و المصيبة التانية انه عرفني يا ايامك السودا يا كاميليا داه مش حسيبك في حالك و كمان بيخترعلك في تهم بدماغه السم دي... محاولة قتل و خطف و مش عارف إيه، للدرجة دي وشي وش إجرام.....انا ؟؟؟بس يا رب تكون كل غايته اني افضل مع ابنه عشان لو كان بيفكر في حاجات ثانية تبقى نهايتك بجد....
ظلت كاميليا تفكر لساعات طويلة قبل أن يتمكن منها النوم لتغمض اجفانها بإرهاق و تغط في سبات عميق...
استيقظت صباحا على يدين صغيريتين تجذبانها من ذراعيها لتفتح عينيها بتذمر وتجد فادي يحاول إيقاظها....
فركت عينيها و هي تتثائب بتعب فهي لم تنم جيدا ليلة البارحة و مازالت ترغب في أخذ قسط من الراحة...
كاميليا بفتور :"صباح الخير يا فادي... مالك صاحي بدري كده ليه.. ثم أكملت بخفوت قبل الشحاتة و بنتها...
فادي ببراءة و هو مازال يمسك بذراعها:" شحاتة... مين شحاتة يا ميس كاميليا....
انتفظت كاميليا بذعر و هي تلعن نفسها على غباءها :"يا نهار اسود وذانه زي القط بتلقط اي كلمة لو سمعته الست ثريا بيقول كلام زي داه حطين عيشتي دي منبهة عليا مقولش الكلام داه قدامه ".
تصنعت الابتسامة و هي تحذبه إليها لتقبله على خده برقة قبل أن تقول بتنبيه رقيق :"حبيبي يا فادي انا قلت الدادة بس انت اللي سمعتها غلط علشان انا لسه قايمة من النوم و كلامي مش بيبقى مفهوم كويس....
اومأ لها بطاعة و هو يطوق عنقها بفرح قائلا :"حاضر يا ميس كاميليا...
كاميليا و هي تداعب شعره الحريري :"قلي بقى إيه اللي مصحيك بدري كده".
فادي :"عشان انا نمت كثير جدا امبارح و مش صحيت بالليل و حاسس اني active و عاوز العب كثير...
كاميليا في داخلها :"طبعا و هو انت هامك إيه... يا بختك ياما نفسي أعيش مكانك يوم وأحد و بعدها اموت....انت تجننتي يا كاميليا حتحسديه؟؟ دا ولد صغير ملوش ذنب، دا حتى محروم من مامته استغفر الله العظيم يا ربي
طال شرودها ليلكزها مرة أخرى بخفة قائلا :" يلا يا ميس ننزل انا عاوز افطر "
أومأت له بخفة و هي تنهض من مكانها متجهة الى الاسفل و فادي يتشبث بيدها بطريقة مضحكة و كأنها ستهرب منه.
دخلت كاميليا المطبخ الواسع و هي تبحث على قارورة ماء تروي به ضمأها لتجد فتحية و خديجة تعدان الفطور.
كاميليا بنبرة متعبة:" صباح الخير "..
فتحية بإيحاء:"يا اهلا و سهلا...و أخيرا إفراج...
كاميليا بضحك :" آه الحمد لله...
فتحية بهمس:"انت بتضحكي يا بت بعد اللي حصلك امبارح... بقلك إيه إحكيلي ايه اللي حصل عملك إيه البيه...
ترشفت كاميليا كوب الماء بتمهل و هي تجيبها :" محصلش حاجة بس فادي كان عاوزني ابات معاه و لما رفضت البيه زعقلي... دي كل الحكاية".
قلبت فتحية عينيها بانزعاج قائلة بحقد :"يعني كل الزعيق و الرعب بتاع امبارح علشان البيه الصغير بيتدلع... طبعا المهم راحتهم هما أما إحنا و لا كأننا بني آدمين عايشين معاهم".
خديجة بصرامة:" خلاص يا فتحية كفاية رغي بقى و روحي نادي زينب علشان تجهزوا السفرة".
فتحية بتذمر:"حاضر ماشية اهو الواحد مش عارف يقول كلمتين على بعض في المكان داه ".
تابعت كاميليا خروج فتحية من الباب الخلفي للمطبخ قم اقتربت من خديجة لتهمس لها :" طنط خديجة... انا كنت عاوزة اقلك حاجة مهمة حصلت امبارح ".
ضيقت خديجة عينيها باهتمام مستشعرة الجدية في حديث كاميليا.... نظرت حولها لتتأكد من خلو المكان حولها قبل أن تهمس هي الاخرى:"في إيه يا بنتي...احكيلي".
كاميليا بتوتر:"شاهين بيه عرف اني غيرت شكلي علشان اشتغل هنا و بصراحة هو هددني امبارح وقلي انه حيدخلني السجن بتهمة انتحال شخصية و اني.... كنت عاوزة اخطف فادي".
ضربت خديجة صدرها و هي تشهق :"يا مصيبتي انت بتقولي إيه يا بنتي.... سجن و خطف ".
اومأت لها كاميليا بحزن لتستدرك خديجة هامسة بلهفة:" طيب.. هو عرف منين؟؟ دا مفيش حد شافك هنا غير القاردز و كمان الست ثريا مسحت فيديو الكاميرات كلهم يعني... ".
كاميليا و هي تقاطعها بلطف :"انا مش عارفة حاجة يا طنط بس هو عرف خلاص و بقى بيهددني... انا عاوزة اسيب الشغل و أخرج من هنا ارجوكي كفاية لحد كده".
خديجة :" إهدي يابنتي و انشاء الله خير متخافيش انا حقول للست ثريا هانم و هي اكيد حتلاقيلك حل و بعدين مش هي اللي قالتلك إعملي كده يبقى".
كاميليا بارتجاف:" انت مشفتيشه كان بيكلمني إزاي و كأني بجد انا هنا علشان أؤذي إبنه ومصدقش اي كلمه من اللي أنا قلتلهاله... أنا أحسن حاجة أسيب الشغل ".
خديجة و هي تحدث نفسها:" و هو إنت فاكرة لو سبتي الشغل حيسيبك يبقى إنت متعرفيش مين شاهين الألفي داه حيجيبك حتى و لو كنتي في سابع أرض و مش حيسيبك غير بمزاجه.. انا مش عارفة دماغي كانت فين لما قبلت أساعدك تشتغلي هنا يا بنتي... أنا مش حسامح نفسي لو جوالك حاجة...
كاميليا و هي تلاحظ شرودها :"طنط خديجة مالك رحتي فين...
رسمت خديجة إبتسامة مزيفة على شفتيها قبل أن تقول بصوت هادئ:" و لا حاجة يا حبيبتي انا كنت بفكر في فتحية و زينب راحوا فين....
كاميليا :"زمانهم جايي.....
قطعت كلامها عندما وجدت فتحية تندفع الى الداخل و هي تجر زينب ورائها
لتأنبهما خديجة قائلة :" انتوا كنتوا فين...سايبين شغلكم و قاعدين في الجنينة يلا منك ليها بسرعة
خذوا الأطباق دي على السفرة... اكيد ثريا هانم و البيه الصغير قاعدين مستنيين الفطار...
فتحية بتوتر و هي تنظر إلى كاميليا :" في الحقيقة كلهم متجمعين برا و.....كمان شاهين بيه قالي أنادي لكامليا علشان تفطر مع فادي...
شهقت كاميليا بخوف و هي تتمتم :" إيه...شفتي يا طنط مش قلتلك في دماغه حاجة...انا مش متعودة افطر مع فادي طيب ليه النهاردة بالذات....
خديجة مطمئنة :"يا بنتي إهدي داه أكيد البيه الصغير هو اللي عاوزك تفطري معاه زي ما أصر إمبارح انك تنامي جنبه... متخافيش و يلا روحي و إحنا حنجيب الفطار.....
بعد دقائق إستطاعت إقناعها بالذهاب إليهم و اوصتها ان تتصرف على طبيعتها سارت كاميليا إلى غرفة الطعام الكبيرة حيث وجدت شاهين يترأس الطاولة الضخمة و على يمينه تجلس والدته على كرسيها المتحرك اما على يساره فيجلس فادي الذي كان يتحدث بحماس على رسوماته الجديدة التي تعلمها....
جلست كاميليا بهدوء بجانب فادي الذي ما إن رآها حتى إرتمى في أحضانها لتنهره جدته قائلة:"سيب الميس يا فادي خليها تفطر براحتها و بعدين إبقى براحتك....
شاهين ببرود :" خليه يا أمي داه باين بيحبها أوي... خصوصا لما شالت النظارة و الكريمات المعفنة اللي كانت مالية بيها وشها...
ثريا بتأنيب:"هي حرة في حياتها يا شاهين تلبس زي ماهي عاوزة المهم انها تعرف تتعامل مع إبنك و تعتني بيه كويس....
شاهين بنظرة ذات معنى :"يعني إنت موافقاها على اللي عملته...واحدة زي دي قدرت تدخل بيتي بوش مزيف وانا معرفش.... داه اسمه تزوير و انتحال شخصية واحدة ثانية و الله أعلم إيه هي أسبابها الحقيقية....
نظرت كاميليا لثريا بحزن و قلة حيلة و هي تنفي برأسها اتهاماته القاسية لتجيبه ثريا :" كل اللي في دماغك داه غلط و مفيش حاجة منه صح... فادي حفيدي و انا كمان بخاف عليه زيك او أكثر منك كمان و أكيد مش حأذيه.... البنت اول يوم جات فيه كانت عادية بوشها الحقيقي و انا اللي قلتلها تعمل كده...كاميليا بنت جميلة جدا و الفيلا مليانة حرس و رجالة فخفت عليها ان حد يتعرض لها يعني كل اللي حصل كان بعلمي... انت ليه مكبر الحكاية بس...
شاهين بنبرة غاضبة :"لما حد غريب يتجرأ انه يدخل فيلا شاهين الألفي و يتحرك فيها من غير انا أعرف دي في حد ذاتها كارثة، خاصة إنك أنت عارفة و مشجعاها كمان بالرغم من انك عارفة ان أكثر حاجة بكرهها في حياتي هي أن حد يكذب عليا او يستغفلني...
ثريا محاولة تهدئته :" يا إبني صدقني الحكاية مش كده....
رمى شاهين المنديل على الطاولة بعنف قبل أن يقف م مكانه قائلا بصرامة :" بعدين نتكلم في الموضوع داه... انا مش فاضي دلوقتي، و يكون في علمك انا مش هعدي اللي حصل على خير....
بصق كلماته بقسوته المعتادة قبل أن يغادر الفيلا تاركا كاميليا المسكينة ترتجف من الخوف من تهديده و هي تتخيل نفسها وراء قضبان السجن....لتحاول ثريا طمئنتها :" متخافيش يا بنتي شاهين إبني دايما كده لما بيتعصب بيقول أي كلام بس هو بعدين حيهدىو حيعرف ان الحكاية مش مستاهلة كل الدوشة دي خصوصا ان انا اللي قلتلك إعملي كده.. يلا كملي فطارك و انا حقول للسواق يوصلك جامعتك انت بقالك مدة مرحتيش".
بعد أسبوعين....
في كافتيريا الجامعة،تجلس كاميليا كعادتها مع هبة يتبادلان أطراف الحديث،متجاهلة نظرات الإعجاب الموجهة إليها من الطلبة و الدكاترة...
كاميليا بسخرية و هي تراقب صديقتها تضع رأسها على الطاولة لتنام :" إيه يا ست جولييت لسة سهرات الحب شغالة مع الاستاذ عمر..
هبة بنعاس :"اسكتي خليني أعرف أنام شوية قبل ماندخل المحاضرة الثانية...
كاميليا :"طبعا تلاقيكي نايمة الفجر... يا بختك
هبة بمزاح :" الله انت حتقري عليا يا بنتي... بكرة تحبي و تعشقي و حتعرفي يعني إيه التضحية في سبيل الحب".
كاميليا ضاحكة:"مش لما ألاقي حد يحبني و أحبه الأول ".
هبة بحركة درامية :" بقى كاميليا هانم ملكة جمال الجامعة كلها مش حتلاقي حد يحبها.. دا انت معجبينك بالهبل انت بس شاوري ".
كاميليا بضجر :" و هما فين المعجبين دول عم زكريا ابو كرش قضى عليهم كلهم واحد واحد...".
هبة و هي تنفجر من الضحك :" و الله فكرتني بعك زكريا داه هو أخباره إيه...
كامليا بملل و هي تجمع عدة الأوراق أمامها و تضمهم في ملف واحد :"اهو متلحق في قهوته صبحو ليل و كأنه معندوش عيلتين يروحلهم...داه غير عرض الازياء اللي هو عامله داه واخذ دستة قمصان شبه بعض اللي بخطوط رفيعة دي من بتوع عشرين جنيه و كل يوم بيلبس منهم قميص....
هبة و هي تغمزها ضاحكة :" بيرجع شبابه.. داه كله علشانك ياجميل....
كامليا بنظرات حانقة:" بنت انت تلمي احسن و الله حكلم الاستاذ عمر بتاعك و أقله انك بتغازلي رجالة...
هبة بشهقة درامية :"و يهون عليكي الكرواسون و القهوة اللي اللي شربناها مع بعض.. مكانش العشم يا كوكي".
كامليا :"عشان تحرمي تتريقي و خلي عمك زكريا ينفعك...
استقامت هبة في كرسيها و هي تقول بجدية :" عارفة يا كامي النهاردة بالليل فرح صاحب عمر... اسمه أيهم البحيري دكتور جراح متجوز بنت عمه، هي كمان دكتورة زيه بس إيه لو تشوفيها، زي القمر و عمر كان طلب مني إني أروح معاه بس مقدرتش".
كامليا باهتمام :"أكيد الدكتور داه صاحب شاهين بيه بردو".
هبة بإيجاب :"أيوا داه صاحبهم الثالث الانتيم...
كاميليا بسخرية :" قصدك ثلاثي الشر".
هبة بضحك :"يابنتي لمي لسانك المتبري منك داه... و متنسيش ان اللي بتتكلمي عليه داه حبيبي حيبقى جوزي انشاء الله قريب...و بعدين عمورة داه مش زيهم هو حنين و متواضع جدا عكسهم و الدليل انه عاوز يتجوز واحدة أقل من مستواه بكثير بالرغم من معارضة والدته إلا إنه متمسك بيا جدا و عاوز يعمل خطوبة في أقرب وقت.. ".
كامليا :" طيب و مستنية إيه متفاتحي اهلك و تحكيلهم الموضوع... انت لحد إمتى حتفضلي تكلميه في السر و تخرجي معاه مين غير ماحد يعرف انت عارفة ان داه غلط ياهبة و ميصحش تعملي كده انا بصراحة كنت عاوزة انبهك بس خفت تزعلي مني ".
هبة بنفي :" لا لا انا عارفة ان اللي بعمله غلط و عمر كمان قلي كده هو مش عاوز تكون علاقتنا بالسر بس انا اللي خايفة و مش قادرة اتكلم مع بابا... هو أكيد لسه منساش اللي حصل زمان، الحكاية مش بالسهولة اللي انت متخيلاها".
كاميليا و هي تربت على يدها الموضوعة فوق الطاولة :" معلش ياهبة استحملي انا عارفة ان الاستاذ عمر شخص كويس و بيخاف عليكي علشان كده متستسلميش و قولي لأهلك.. انت كده كده حتقوليلهم النهاردة او بكره فليه تأجلي، انت لازم تعرفيهم في أقرب وقت علشان لو حصلت مشكلة تقدري تحليها من دلوقتي بلاش تضيعي وقت".
هبة بتوتر:"بس انا خايفة من بابا ليزعل مني داه زمان لما جات مامة عمر عندنا و هددته... حبسني في البيت و منعني حتى أروح المدرسة و دلوقتي مش بعيد يعيد اللي عمله من سبع سنين و يحرمني اروح الجامعة ".
كامليا بنفي:" يا عبيطة زمان غير دلوقتي خالص ساعتها كنتي صغيرة و هو كان خايف عليكي بس دلوقتي انت كبرتي و كمان الاستاذ عمر كبر و بقى مسؤول و يقدر يحميكي و يقف في وش عيلتك و عيلته كمان..و بعدين انا ممكن آجي و اتكلم مع عم منصور و أكيد هو حيتقنع و متنسيش كمان طنط خديجة هي أكيد لو حكيتيلها هي حتساعدك دي أكثر واحدة تعرف الاستاذ عمر ".
هبة و قد انفرجت أساريرها بعد أن سمعت كلام صديقتها المشجع :" انا كمان فكرت كده و بكره إنشاء الله حكلمها و اقلها...عشان عمر قلي انه بعد فرح صاحبه حيجي البيت عندنا حتى لو انا مقلتلهمش".
كاميليا بمزاح :الحب يا سيدي...
هبة بنبرة حالمة :" اصلك متعرفيش انا بحبه قد إيه و مش مصدقة انه رجعلي من ثاني بعد السنين دي كلها.. انا خايفة اخسره يا كامي ساعاتها حموت
بجد".
كاميليا بابتسامة :" متخافيش هو اصلا مش حسيبك داه ممكن اصلا يخطفك...هو حيلاقي أجمل و الا أرق منك يا بيبة".
هبة بغرور كاذب :"طبعا يابنتي و قريبا حبقي هبة هانم....
كاميليا بضحك :"مش لايقة عليكي الصراحة...ثم أضافت باستدراك... يا لهوي دا انا عمالة أرغي و أضحك من الصبح وناسية المصايب اللي عندي".
هبة :"يا بنتي انسي و لا يقدر يعملك حاجة انا حقول لعمر و هو حيتصرف متخافيش و كمان الست ثريا أكيد مش حتخليه يعملك حاجة".
كاميليا بنفي:"دي ست كبيرة و بتنام من المغرب و مبتبقاش حاسة بحاجة و حتى لو كانت موجودة مش حتقدر تقف في وش إبنها انت مشفتيشه يا بيبة داه شيطان زي ما بيقولوا عليه...دماغه سم بشكل رهيب...داه طلعلي تهم من الهواء مكانتش حتخطر على بال أي حد حتى بعد عشرين سنة و المشكلة انها صح... هو لو راح اشتكاني للشرطة حيطلع معاه حق عشان اللي انا عملته داه غباء و مفيش حد يعمله إلا إذا كان حد حمار زيي ".
هبة :" بس والدته كانت عارفه...
كاميليا مقاطعة:"يا بنتي داه إنسان مابيخافش من حد لا تقوليلي والدته و لا أبوه..".
هبة :"طيب مش انت قلتي انه بقاله مدة مش بكلمك و بيعاملك و لا كإنك موجودة".
كاميليا :"أيوا بس المشكلة في الدلوع ابنه الاستاذ فادي بقى كل يوم عاوزني ابات معاه...و بقيت مجبرة إني أعمل كده،أنا معدتش قادرة انام طول الليل بفضل سهرانة علشان خايفة يدخل عليا او يعملي حاجة...او حتى يقتلني ".
هبة باستغراب:"لا طبعا يا كامي مش للدرجة دي داه مهما كان شاهين الألفي... داه كل البنات بتجري وراه و بتترمي تحت رجليه يعني أكيد مش حيعمل حاجة زي دي و بصراحة انا مرة سألت عمر عليه فقلي إنه صحيح عنده علاقات كثير مع الستات و بيعمل حاجات كثير مقرفة معاهم بس عمره ما أجبر ست انها تكون معاه بالغصب....لالا انا مفتكرش انه حيأذيكي بالشكل داه و بعدين زي ما قلتلك انا حكلم عمر و أحكيله و هو حيوصيه على الاقل يغير معاملته الزفت ليكي ".
كاميليا بسخرية :" ما أعتقدش انه حيسمع منه داه بيعاملني اقل من أي خدامة في الفيلا...و كل مرة بيهددني انه حيعاقبني علشان استغفلته و كذبت عليه داه لسه منسيش اللي حصل و ناوي يعاقبني بس مأجل التنفيذ ".
هبة :" داه إيه الرعب اللي انت عايشة فيه داه يا بنتي...بقلك إيه انت تسيبي الشغل أحسن الرزق بإيد ربنا ".
كاميليا بتنهيدة :" انتم ليه مش عاوزين تفهموني انت و الست ثريا و طنط خديجة... بقلك بيهددني
و حاطط إثنين من القاردز بيراقبني ليل نهار حبقى اوريهملك لما نطلع.. بقلك إيه خلينا نغير الموضوع داه انا معدتي تقلبت و جسمي كله بترعش من الخوف....
ليلا في فيلا البحيري......
ألقت المزينة (الميكاب أرتيست) نظرة أخيرة على ليليان بعد أن أنهت وضع حجابها الأبيض المزين بفصوص لامعة الملائم مع ثوبها العرائسي الأبيض الفاخر لتتمتم قائلة بإعجاب:"مشاء الله يا ليليان هانم بصراحة انت زي القمر مفيش أجمل من كده، داه أيهم بيه حيتجنن الليلة دي".
إنسكبت دموع ليليان تلقائيا و ارتفعت شهقاتها دون وعي منها بعد أن سمعت إسمه لتشهق المزينة قائلة بعتاب خفيف :"لسه كده بس يا هانم... ارجوكي بلاش عياط انت كده حتبوزي الميكاب.... ".
كانت ليليان في عالم آخر حتى انها لم تكن منتبهة لحركات المزينة و هي تحاول تجفيف دموعها بخفة متجنبة إفساد مساحيق التجميل التي وضعتها على وجهها منذ قليل....لتزفر الأخرى بيأس و تتراجع متجهة الى خارج الغرفة تاركة ليليان تبكي بقوة،...
بعد لحظات دخلت كاريمان مسرعة و هي تتجه نحوها و تضمها بحنان قائلة بلهفة :"مالك يا حبيبتي بتعيطي ليه، في حاجة مش عاجباكي و عاوزة تغيريها....
نفت ليليان برأسها دون أن تتكلم لتعيد الأخرى سؤالها و علامات القلق مرتسمة على وجهها :" أمال فيكي إيه يا بنتي، إحكيلي إيه اللي حصل؟.
ليليان بصوت متقطع :"مفيش.... إن.... ا بس... إفتكرت...ما.... ما ".
كاريمان بحزن :" الله يرحمها يا حبيبتي، هي أكيد في مكان أحسن من داه و أكيد مبسوطة علشان بنتها الوحيدة النهاردة كبرت و بقت عروسة... يلا يا حبيبتي أيهم مستنيكي برا مش وقت عياط دلوقتي داه وقت فرح....
اومأت لها ليليان و هي تكفكف دموعها بصعوبة محاولة التماسك قائلة في نفسها :"لو كانت ماما موجودة مكانتش خلتني اتعذب في حياتي بالشكل داه و مكانتش حتخليني أتجوز غصب عني أكثر إنسان بكره في حياتي....فينيك يا ماما وحشتني اوي .....
قاطع حديثها مع نفسها إقتراب المزينة منها لإعادة
ضبط ماكياجها...
بعد دقائق قليلة كانت تنزل الدرج بطلتها الساحرة متأبطة ذراع عمها والد أيهم ،لتجذب جميع أنظار الحاضرين الذين انبهروا لشدة جمالها، ثوبها الأبيض الذي صمم خصيصا لها في إحدى أشهر دور الازياء الفرنسية لائم جسدها المنحوت ببراعة و الذي نافس أجساد عارضات الازياء.. حجابها الأبيض يضم وجهها الفاتن الذي
تزين بألوان وردية هادئة جعلتها شبيهة بأميرات القصص الخيالية.
إقترب منها أيهم الذي كان مغيبا ذهنيا لا يصدق كتلة الجمال التي تقف بجانبه رغم نظراتها الحزينة و التي زادتها فتنة، هو يعلم انها جميلة و لكنه لم يكن يعتقد انها ستصل لهذه الدرجة،ابتسم لها و هو يتسلم يدها من والده الذي أوصاه عليها بشدة....
وضع أيهم يده على خصر ليليان و هو يتقدم بها إلى خارج الفيلا وسط تهاني العائلة و مشاكسة أصدقائه....
الحفل كان خياليا... قاعة الفندق الملكية المخصصة لحفلات الزفاف مكتضة بمئات المدعويين من أطباء و رجال أعمال و بعض الوزراء من أصدقاء أيهم و أقاربه...
بديكور الفخم باللونين الأبيض و البنفسجي،يتخللهما لون أزرق خافت عند كرسي العروسين
كل شيئ يصرخ بالفخامة و البذخ... الطاولات، الزهور، الشموع المنتقاة بعناية....
الجميع يهنؤون العريس و يعبرون عن إعجابهم الشديد بجمال الحفل و العروس التي جذبت أنظار جميع المدعويين بمظهرها الأنيق رغم إحتشامها...
اما ليليان فكانت تجاهد لرسم إبتسامات باهتة على وجهها...
و تقاوم بشدة إرتجاف جسدها و التقلبات التي كانت تصيب معدتها من حين إلى آخر كلما تقدم الوقت و إقترب موعد صعودها الى الجناح المخصص للعروسين....
حتى انها لم تستطع ان ترفض عندما طلبت منها أميرة النزول من مكانها لتشارك اولاد عمها سيف و محمد الرقص علها تنسى بعض هواجسها....
في نهاية الحفل.. ودعت أفراد عائلة عمها و صديقتها الوحيدة أمنية التي شجعتها و حاولت تهدئتها قليلا...
سارت كالمغيبة بجانبه و هي لاتزال غير مصدقة أنه أصبح زوجها
شهقت بقوة عندما شعرت بجسدها يطير في الهواء و ذراعين قويتين تحملانها بخفة ليضحك أيهم عليها و هو يشاهد ارتباكها الذي ظهر جليا على كامل ملامح وجهها...
قبل أن يهتف بصوت مشاكس:"إسم الله عليكي يا قمر اتخضيتي....انا بس حبيت أشيلك لما شفتك مش قادرة تتحركي بالفستان الكبير داه و كمان عارف إنك تعبتي أوي في الحفل".
أومأت له بإيجاب دون أن تتكلم و هي تحاول السيطرة على إرتجاف جسدها و دقات قلبها التي تسارعت تدريجيا كلما إقتربت خطواته من باب الغرفة.
أشار لها برأسه لتفتح الباب بالكارت الخاص
الذي وجدته في جيب بدلته...
ولج أيهم الجناح ليضعها برفق على السرير و هو يدندن لحنا شعبيا كان قد سمعه منذ قليل في الحفل و علق بذهنه...جلس الى جانبها لتنكمش ليليان على نفسها و ترمقه بحذر ليقهقه أيهم بصخب على مظهرها الخائف اللطيف، قطع ضحكاته فجأة و هو يطالعها بنظرات غامضة قبل أن يهتف بتلاعب :"إيه مالك ياليلي؟ من ساعة ما طلعنا من الفيلا و انت بتبصيلي بنظرات غريبة... تكونيشي خايفة مني
تؤتؤ يا قلبي داه انا حتى جوزك.... و الليلة دخلتنا".
ليليان بصوت ضعيف و هي تلاحظ نظراته الخبيثة :"أرجوك يا أيهم انا تعبانة النهارده ممكن نأجل الكلام داه لبكرة".
إقترب منها أيهم ثم رفع يديه ليفك حجابها متجاهلا نفورها منه...و هو يقول ببرود قاتل :" متخافيش.. لو فضلتي مطيعة كده كل حاجة حتبقى تمام ".
لم يترك لها المجال حتى تستوعب كلماته لتمتد يداه و يفتح سحاب فستانها الذي إرتخي قليلا ليكشف عن بشرة جسدها البيضاء الناعمة ...
تسارعت أنفاسه و ازدادت حرارة جسده و هو يتفرس ملامحهاالتي إزدادت جمالا بعد أن انسدل شعرها على جانبي وجهها قبل أن يهبط بنظراته الى رقبتها و مقدمة صدرها و كتفيها،قاطع تأمله شهقة ليليان المستنكرة و هي تحاول لملمة أطراف فستانها...
ليزفر هو بغضب و يمسك يديها بحدة يبعدها قائلا بأنفاس لاهثة حاول جاهدا ان يكتمها:"و بعدين بقى إهدي...خلي الليلة تهدي".
دفعت ليليان يديه قائلة برفض :"قلتلك تعبانة... إيه مبتفهمش".
أغمض أيهم عينيه بقوة و هو يحاول التحكم بالمشاعر المتنوعة التي سيطرت على جسده قبل ان يهتف بتحذير:"انا داخل جوا حغير هدومي.. اطلع الاقيكي جاهزة انا صبرت عليكي كثير و الليلة حتبقي ليا برضاك او غصب عنك يا ليليان حتبقي ملكي". عرض أقل