البارت الأول والثاني
بقلم سماح نجيب
تنهمر الأمطار بغزارة تنقر زجاج النافذة كحبات الحصى ورياح عاتية تعصف بالخارج تسربت
من تلك الشقوق التى تملأ الجدار تحالفت جميعها كأنها أصوات لطقس جنائزى
فى تلك الغرفة المظلمة التى تجلس بها فتاة معصوبة العينين ،مكبلة باصفاد حديدية ،
تشعر ببرودة تغزو أطرافها ،تسمع أزيز بعض الحشرات ، يقبض الخوف على فؤادها لا تعرف
ماذا تفعل هنا؟ صرخت بصوت عالى تكاد تنقطع احبالها الصوتية من شدة صراخها لعل احد ينقذها
–:" حد يلحقني يا نااااس حد ينقذنى فى حد سامعنى"
لاتسمع جواب على نداءها بللت دموعها تلك القطعة من القماش الموضوعة على عينيها والتى تشعر كأنها تقبض على انفاسها تهدج صوتها يحمل غصة مريرة فلا احد سينقذها ستظل هكذا سجينة ولا تعرف لماذا حاولت ان تنادى مرة اخرى
–يانااااااس حد سامعنى انا هنا الحقونى
سمعت خطوات تقترب منها ارهفت السمع لتلتقط أى شئ يحيى بداخلها الأمل انها ليست وحيدة فى ذلك المكان الذي لم تراه فهى لا تعرف كيف وصلت الى هنا؟
اقتربت منها تلك الخطوات شعرت بأن احدهم يجلس مقابل لها شعرت بدفء انفاسه تلفحها ازاء وجهها أرادت ان تعرف من يكون فبادرت مسرعة تردف بأمل:
– انت مين رد عليا الله يخليك خرجنى من هنا انا معملتش حاجة ومش عارفة انا هنا ليه اصلا انت سامعنى او سمعانى مين معايا فى الاوضة الله يخليك رد عليا
ولكن لا تسمع إجابة من ذلك الذى باتت تشعر كأن هناك جحيم ينبعث من انفاسه التى ربما ستمزق صدره من حدتها وقوتها ، مد يده سحب عصبة عينيها رمشت بعينيها عدة مرات كأنها عاجزة عن الرؤية الا انها رأت الظلام يحيط بالغرفة يسقط ضوء شحيح على عينان أصابتها بالذعر عينان سوداء بلون قاتم تلتمع تشبه جمرتين من لهيب مشتعل وجدت شئ يزحف إلى عنقها ولم تكن سوى يد ذلك المجهول الذى لا تعرف حتى من يكون ، قبضت يده على عنقها يضغط عليه باصابع فلاذية تكاد ان تزهق انفاسها ، تحركت بعصبية تحاول ان تحرر نفسها من قبضة يده دون جدوى فهتفت بصوت مختنق
–:" سيبنى هموت سيبنى ابعد عنى"
لم تفلح فى تخليص عنقها من يده ، فهى الآن يكاد يزحف اليها ظلام النهاية فربما الآن ستختنق وتموت اسلمت نفسها لقبضة يده فهى فشلت فى افلات نفسها من بين براثن تلك اليد التى ربما تضغط بحقد ، استرخى جسدها اسلمت أمرها فربما هذا افضل من ذلك العذاب الذى لا تعرف سببا له
رن جرس المنبه يحدث صوتا عاليا فانتفضت من نومها بذعر تلتقط انفاسها بصعوبة بسبب ذلك الكابوس الذى شعرت معه انها ستلقى حتفها حتماً فطفقت تردد:
–:" اعوذ بالله من الشيطان الرجيم استغفر الله العظيم الحمد لله انه كابوس انا كنت حاسة ان مت بجد الحمد لله"
تركت فراشها وقفت أمام الشرفة تزيح الستائر تريد ان تستنشق بعض الهواء فهى تشعر بأن رئتيها أصابها نقص الهواء بسبب ذلك الكابوس المزعج ، اغمضت عينيها تستنشق الهواء بنهم قائلة:
–:" اااااه الهوا النهاردة جميل اوى شكله هيبقى يوم حلو اوى بس لولا الكابوس المزعج ده اللى ضايقنى "
فتحت عينيها التى تشبه لون العسل الصافى تحاوطها رموش سوداء كثيفة ارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتيها المكتنزتين التى تشبه حبات الفراولة فنظرت الى حديقة المنزل الغناء التى تزخر بمختلف الزهور والاشجار كأنها جنة فهذا ما يميز منزل عائلة " الرافعى" تلك العائلة العريقة التى تنحدر اصولها لاغنى عائلات مصر فتلك الفتاة ذات العشرون ربيعاً ابنة الدكتور " جمال الرافعى" الذى يملك من أرث ابيه ربما اذا سمع به احد لا يصدق ان هناك من يمتلك كل هذا الثراء لذلك اصر والدها عندما وضعتها امها وجاءت الى هذا العالم ان يسميها " ثراء"
نظرت ثراء الى أسفل الشرفة لمحت ذلك الرجل يقوم بتأدية التمارين الرياضية التى اعتادت ان تراه يؤديها بشكل يومى منذ قدومه للعمل هنا كحارس وسائق شخصى لها منذ ستة أشهر تقريباً ،قام بتعيينه والدها لكى يقوم بحراستها خوفاً عليها من المتطفلين الذين حاولوا اكثر من مرة ازعاجها ، تركت الشرفة دلفت الى الحمام لتأخذ حمام سريع تخرج بعد ان توضأت لتصلى صلاتها فبالرغم من التحرر الذى يتبعه سكان هذا المنزل الا ان تلك الفتاة قد غرست بها امها حب الدين والالتزام انتهت من صلاتها وجدت باب غرفتها يفتح وتدلف منه امها ، امرأة خمسينية تدعى فيروز لم ينقص الزمن من جمالها ترتدى عباءة باللون الفضى يزينها حجاب رقيق يضفى على وجهها نعومة وجمال ، قامت ثراء من مكانها اقتربت من والداتها تحتضنها بحب
—:" صباح الخير يا ماما"
لتنظر إليها فيروز بابتسامة تربت عليها بحنان قائلة
—:" صباح النور على عيونك يا قلب ماما يلا ياقلبى علشان تفطرى وتروحى كليتك ذاكرتى كويس علشان الامتحان "
فأومأت ثراء بابتسامة قائلة:-
—:" ايوة الحمد لله حاضر يا ماما هلبس واجى وراكى على طول بابا صحى ولا لسه اوعى يكون راح المستشفى قبل ما اشوفه"
ألتفتت إليها والداتها قبل ان تعبر من باب الغرفة تردف بابتسامة:
—:" انتى عارفة باباكى بيصحى بدرى علشان يروح المستشفى بس هو لسه موجود يلا هستناكى تحت"
خرجت فيروز من الغرفة اسرعت ثراء لتنهى ارتداء ملابسها لكى تذهب الى كليتها فهى طالبة بالجامعة تدرس ادارة اعمال بالرغم من كرهها لتلك الدراسة ولكنها تفعلها ارضاء لعمها الذى اصر عليها ان تدرس ادارة اعمال بالجامعة الامريكية لتقوم فيما بعد بتولى زمام امور ادارة الجزء الخاص بوالدها في مجموعة شركات العائلة وهى شركات متخصصة فى صناعة و بيع الذهب والألماس فهى تجارة العائلة منذ الأزل، قبل ان تخرج من الغرفة سمعت رنين هاتفها التقطته بابتسامة قائلة:
– صباح الخير
انبعث إلى اذنها صوت رجولى رزين قائلاً بهدوء:
– صباح النور حضرتك صحيتى خلاص علشان متتأخريش على الامتحان
مدت ثراء احد يديها تسحب حقيبتها قائلة:
– اه خلاص انا جاهزة ونازلة دلوقتى هفطر واخرج على طول
هبطت الى الاسفل ترتدى ملابسها تتزين بحجابها الذى لم يزدها سوى جمال اضافة الى جمالها الذى حباه لها الله نظرت الى افراد اسرتها بداية من والدها الحبيب فهو رجل في منتصف الخمسينات بوجه وسيم طبيب له مشفي خاص يديره فهو في صغره فضل دراسة الطب ولم يشأ ان يصبح رجل اعمال مثل والده الراحل او مثل شقيقه الاكبر اهدت ثراء والدها ابتسامة وقبلة علي وجنته قبل ان تنظر لباقي افراد عائلتها بداية من عمها " عزام الرافعى" وهو رجل فى بداية الستينات يغزو المشيب رأسه يضفى عليه وقار وهيبة لديه ملامح وسيمة وهذا ما يميز ذكور هذه العائلة فجميعهم يمتازون بالوسامة وتمتاز الإناث بالجمال وزوجته المدعوة" لبنى" امرأة فى منتصف الخمسينات من عمرها ترتدى ثياب لا تناسب عمرها فهى تعيش كفتاة فى العشرينات وأبنهم شاب يدعى " شهاب" فى الثامنة والعشرين من عمره يعمل مع والده فى الشركة الخاصة بهم خريج كلية الهندسة وابنتهم المدعوة" ميرا" فتاة مدللة لاتكترث بأحد سوى نفسها فى ال22 من عمرها تكبر ثراء بعامين وخريجة كلية الألسن
حاولت ثراء رسم ابتسامة خفيفة على وجهها وهى تقترب منهم ثم جلست بجانب والداتها التى رمقتها بحب قائلة:
—" صباح الخير عليكم جميعا
ليجيب جميع الجالسين بصوت منخفض:
....:" صباح النور"
وعادوا ليكملوا تناول طعامهم مثلما كان يفعلون سمعت ثراء صوت ميرا تنادى على الخادمة بصوت عالى وغاضب:
—:" انتى يا عفاف انتى يا بتاعة انتى"
أتت الخادمة تهرول من المطبخ بعد سماع اسمها تقترب مسرعة لمعرفة ماذا تريد منها
—:" ايوة يا ست ميرا اؤمرى"
نظرت اليها ميرا بغضب قائلة:
—:" انتى مش يا زفتة انتى قولتلك 100 مرة انا مبحبش الكابتشينو سكره كتير انتى عملاه ايه ده "
ابتلعت الخادمة ريقها بخوف تجلي علي نبرة صوتها المتحشرجة تردف بتلعثم ظاهر:
—:" والله يا ست هانم حطيت معلقة واحدة بس زى حضرتك ما أمرتى"
نهضت ميرا من على مقعدها تقف مقابل لها تعقد ذراعيها امام صدرها تنظر اليها باحتقار تردف بحنق:
—:" انتى يعنى هتكدبينى يا بتاعة انتى"
رفعت ميرا يدها وعندما همت بصفعها على وجهها وجدت من يمسك كفها قبل ان يهوى على وجه تلك الفتاة المسكينة ، نظرت ميرا بغضب لمن فعل ذلك وجدت عينان تطالعها بغضب كاسح ربما ابتلعت ريقها خوفا من نظرة ذلك الرجل الذى ربما على وشك كسر يدها نظرت ميرا الى هيئته كان يرتدى بدلة سوداء بقميص ابيض وربطة عنق سوداء أنيقة يضع باذنه سماعة هاتف لاسلكى ويضع بخصره سلاح ناري فماذلك الرجل سوى ذلك الحارس الشخصى " أيسر خطاب" شاب فى الثانية والثلاثون من عمره يمتاز بملامح شرقية مليحة حاجبين كثيفين عيناه خضراوتين كحبات الزيتون الناضج وشعر اسود كثيف متحفز دائما كنمر يتربص لفرائسه
ضغط أيسر علي يدها يجز علي انيابه قائلا:
—:" ميصحش كده يا انسة ميرا هى ذنبها ايه علشان تضربيها هي عملت اللي انتى قولتلها عليه هى مغلطتش فى حاجة "
لم تتفوه ميرا بكلمة واحدة فاختلجت تلك الابتسامة على ثغرها من رؤيته وليس هذا فقط فهو ممسك بيدها أيضا ولكن شقيقها هو من هم بالرد عليه فهو منذ مجئ أيسر للعمل لديهم ونشأت بينهم عداوة لم تخفى على جميع من فى المنزل
فأسرع شهاب بالرد عليه بنبرة مفعمة بالعداء:
—:" انت ازاى اصلا تتجرأ وتمسك ايدها انت نسيت نفسك ولا ايه انت زيك زى اى واحد شغال هنا متتطاولش على اسيادك ولا تمد ايدك على اى حد فاهم ولا لاء يا بتاع أنت يا تربية الحوارى"
نظر اليه أيسر نظرة هادئة برغم ما يعتمل بصدره من نيران تصب حمم بركانية بداخل عروقه فأردف بهدوء:
—" انا مطاولتش على حد بس كده حرام تنضرب وهى ملهاش ذنب ثم حضرتك انا مش بتاع انا أسمى أيسر ولا حضرتك لسه محفظتوش لدلوقتى واه انا تربية حوارى مش قصور بس تربية الحوارى بتحترم الناس اللى تستاهل الاحترام"
انتفخت اوداج شهاب من الغضب وعندما هم بالرد عليه
وضعت لبنى قطعة الجبن فى فمها تنظر اليه باستخفاف تردف بعدم اكتراث:
—:" غلطت يبقى تتعاقب وبلاش تتعاقب انت كمان معاها يا أيسر ها وأعرف انت بتتكلم مع مين ولا علشان بتلاقى اللى يدافع عنك شايف يا دكتور جمال اللى انت جيبهولنا فى البيت وبيطول لسانه علينا ومتفرعن بسبب دفاعك عنه انت ومراتك وبنتك"
هتفت فيروز بغضب من عجرفة تلك المرأة التى ترى الخدم كأنهم عبيد لديها وليسوا بشر:
—:" أيسر معاه حق هى ملهاش ذنب بنتك اللى بتتلكك علشان تضرب اى حد على الصبح ثم ابنك كمان على طول بيحاول يقلل من أيسر متقوليش واخد ورثه"
نظرت اليها لبنى بكره فهى تكرهها بشدة بسبب حب كل العاملين بالمنزل لها ولابنتها فنظرت اليها قائلة:
—:" خليكى فى حالك انتى يا فيروز محدش وجه ليكى كلام بتردى ليه "
أحتدت فيروز على طريقة تلك المرأة فى الحديث معها:
—:" يعنى ايه اخلينى فى حالى هو افترا وخلاص وأنتى ازاى تكلمينى كده انتى ناسية ان انا هنا زيى زيك وزى ما أنتى وولادك عايشين فى القصر ده انا كمان وبنتى وجوزى عايشين فى ملكنا ياريت تفهمى ده كويس يكون أحسن"
احتدم النقاش بينهم اصبحت النظرات غير ودية فربما لو كانوا بمفردهن كانوا لن يتوانون عن ضرب بعضهن البعض
قام عزام بضرب المائدة بقبضة يده تحدث الاطباق صوتاً من قوة الضربة يردف بصوت غاضب:
—:" بسسسس انتوا مش عاملين احترام لوجودى كمان ولا كأن فى كبير قاعد ثم يا جمال سكت مراتك مش كل يوم نفس الموال ده لازم تعرف ان انا هنا الكبير ولا علشان سايب الكل براحته لاء لو على كده هيبقى فى كلام تانى"
نظر اليه جمال بهدوء فهو يعلم ان زوجته لم تخطئ فلبنى دائما ما تفتعل شجارات بينها وبين زوجته:
—:" هى مراتى عملت ايه يا عزام هى بتقول الحق الناس دى بتخدمنا اه لكن دول بنى ادمين مش عبيد علشان نعاملهم بالطريقة دى زمن الوسية ده خلاص انتهى اللى ابنك الظاهر كان بيتفرج على المسلسل كتير وحابب يعيش فى دور المالك والسيد وان اللى بيشتغلوا عنده عبيده "
نظر اليه عزام بسخرية بسبب دفاعه عن زوجته دائماً
سكتت الالسنة عن الكلام اشار عزام بيده لأيسر فتقدم منه بضع خطوات فهتف عزام بنبرة رزينة:
—" خد ثراء وصلها الكلية وتانى مرة متمدش ايدك على بنتى يا أيسر انت فاهم ومش هقولهالك تانى لان بعد كده انت هتسيب الشغل هنا خالص مفهوم حتى لو اخويا بيدافع عنك لأن الكلمة الأولى والأخيرة فى البيت ده ليا انا مش لحد تانى "
هز أيسر رأسه قليلاً دليلاً على موافقته على كلامه قائلا:
—" مفهوم يا افندم اتفضلى معايا يا آنسة ثراء "
تتابع ثراء الحوار بينهم بصمت فهى كل يوم ترى هذا المشهد بتفاصيل مختلفة فميرا لابد لها من ان تختلق شجارات مع العاملين بالمنزل مفسحة بذلك المجال لوالداتها ان تتشجار معهم هى أيضاً..!!!
__________
" فى منزل الحاج رضوان"
يحمل ذلك العجوز مسبحته مردداً التسبيح والاستغفار والدعاء حتى رأى زوجته وهى تحمل له كوب الشاى الخاص به فتناوله من يدها بابتسامة كعادته قائلاً:
_"تسلم ايدك يا سميرة"
جلست سميرة بجواره ترتاح فى جلستها تبتسم له قائلة:
_تسلم يا رضوان يلا اشرب الشاى علشان تنزل تفتح الدكان بتاعك وتشوف رزقك"
قهقه رضوان عالياً بسبب اصرار زوجته على تسميه المكتبة الخاصة به بال" دكان''
_" بقالى سنين بقولك اسمها مكتبة مش دكان يا سميرة"
لتشيح سميرة بيدها قائلة:
—" يا اخويا مكتبة ولا دكان مش فارقة هقوم اشوف حسام صحى من النوم ولا لاء خليه ينزل معاك هو كمان يفتح ورشته لو انا مصحتهوش هيفضل نايم طول النهار الواد ده مبيشبعش نوم ابدا"
دلفت سميرة إلى غرفة حفيدها حسام ، فتحت نافذة الغرفة ليتساقط ضوء الشمس على شاب فى اوائل الثلاثينات من عمره فانكمشت ملامحه متأففاً يسحب الوسادة الصغيرة ليضعها على وجهه ليحجب عنه ذلك الضوء ليهتف بنبرة ناعسة:
—" يا تيتة اقفلى الشباك ده نور الشمس مضايقنى مش عارف أنام"
أقتربت منه جدته تسحب الوسادة من على وجهه تهتف به بغضب مصطنع:
—:" قوم يا واد انت يلا بقى قوم شوف أكل عيشك هتفضل نايم للضهر دا الرزق يحب الخفية قوم يلا والا والله ما هتعرف اللى هيجرالك يا حسام"
نهض حسام من على الفراش قائلا:
—" يعنى هنزل الاقى الورشة نقلوها يعنى ما هنزل الاقيها مكانها وزمان عفيفى فتحها ثم هتعملى ايه يا مرمر هتضربى حفيدك حبيبك"
اقتربت منه جدته تقرصه من وجنته تردف:
—" يعنى انت جبتلنا الصداع علشان تفتح الورشة بتاعتك دى ومرضيتش تروح تشتغل بشهادتك علشان دلوقتى تقول كده مش دى الورشة اللى عملتنا فيها شغل القرود بتاعك ده علشان تفتحها
حدق بها حسام بذهول قائلاً:
—" شغل القرود بتاعى! ايه الكلام ده يا تيتة ثم يعنى كنت هشتغل فى شركة ويطلعوا عينى وحد يتحكم فيها لاء انا كده حر نفسى"
ثم استأنف قائلا بمزاح:
—أنا دلوقتى الباشمهندس حسام عاطف رضوان الميكانيكى قد الدنيا"
عندما سمعت سميرة إسم ابنها الراحل كسى الحزن وجهها فوالد حسام ووالدته وافتهم المنية أثر حادث حريق فى منزلهم القديم فحسام فى ذلك الوقت لم يكن يبلغ العاشرة من عمره ليتولوا هم فيما بعد تربيته ونشأته حتى تخرج حسام من كلية الهندسة
_" انا هحضرلك الفطار على ما تجهز نفسك يا حسام ويلا بقى وبطل دوشة"
خرجت سميرة من الغرفة، ليصدح رنين هاتف حسام بوصول رسالة فالتقطه من على الكومود ينظر لتلك الرسالة المرسلة إليه فقرأها ليردف بعد ذلك:
—" وبعدين بقى فى المصيبة السودا دى انا عارف ان اليومين الجايين ما يعلم بيهم الا ربنا والشغلانة دى هتجيب اجلى استرها يارب"
دلف حسام الى الحمام وهو مازال يفكر فى محتوى تلك الرسالة فهو لا يريد فعل ذلك ولكن ليس لديه حق الإعتراض فهو يريد ان يمر ذلك الأمر بسلام فلو أخفق فربما ستصبح العواقب وخيمة للغاية ،بعد ان اخذ حمامه خرج ليرتدى ملابسه سمع رنين هاتفه التقطه بتأفف قائلا:
– افندم خير على الصبح بعتلى الرسالة ايه لازمة المكالمة ولا أنت لو معكننتش عليا حياتى يجرالك حاجة يا مجدى
قهقه مجدى بسخرية قائلا:
– انا بس بأكد عليك احسن تكون نسيت يا أسطى حسام ولا حاجة وانت عارف لو انت نسيت ولا عملت نفسك ناسى ايه اللى ممكن يجرالك
أطلق حسام سباب من بين شفتيه بصوت هامس ليستطرد قائلا:
– منسيتش يا مجدى وفاكر ولو انا نفسى افقد الذاكرة وانسى اليوم اللى شوفتك وعرفتك فيه كانت اسود معرفة فى حياتى وسلام بقى بلاش عكننة على الصبح وهجيلك فى الميعاد
اغلق حسام الهاتف قبل ان يتمكن مجدى من الرد عليه فخرج من غرفته اصرت عليه جدته بتناول طعام الافطار الا انه رفض رفضا قاطعاً فهو عندما يتعكر صفو مزاجه لا يرغب فى فعل شئ..!!!
__________
نهضت ثراء من مكانها تجلب حقيبتها لتذهب الى كليتها فلم يتبقى وقت كثير على بدأ الامتحان ويجب ان تذهب الآن ولكن استوقفها صوت ميرا:
—"استنى يا أيسر علشان توصلنى النادى"
رفعت ثراء احدى حاجبيها تعجبا من كلام ابنة عمها فهى تعلم ان أيسر حارس شخصى لها هى فقط ولكنها لا تتوانى عن ازعاجها فردت قائلة:
—:" حضرتك ده مش السواق بتاعك شوفى السواق فين علشان انا اتأخرت على الكلية والنهاردة عندى امتحان مهم"
فأقتربت منها ميرا وهى تستعد للخروج معهم قائلة: السواق عيان النهاردة فانا هاجى معاكى وهو بيوصلك ويودينى النادى وبعد كده يرجع ياخدك من الكلية تانى مفيهاش مشكلة يعنى"
كست ملامح الغضب وجه ثراء من حديث ميرا فأشارت الى شهاب:
—" عندك اخوكى خليه يوصلك يا ميرا"
هب شهاب واقفاً مكانه يستعد هو الآخر للذهاب إلى عمله يغلق ازرار بذلته الأنيقة يردف بتعجل:
—:" انا مش فاضى عندى شغل كتير النهاردة واجتماعات مش فاضى للتفاهات دى وايه يعنى لو وصلها يا ثراء هو لازمته ايه هنا فى البيت غير انه ينفذ اللى بيتقاله "
خرج شهاب من المنزل يتبعه والده أيضاً ظل أيسر ينقل بصره من ثراء الى ميرا اللواتى ربما يعتبرونه متاع يتشاجرون عليه زفر بضيق قائلا:
– انسة ثراء انا هستنى برا جنب العربية على ما حضرتك انتى وهى تتفقوا على قرار
إلا انه انتبه على صوت ثراء تهتف به قائلة:
—:" يلا يا أيسر خلينا نمشى كفاية تضيع وقت عايزة ألحق امتحانى"
حاولت ان تنهى هذا النقاش فهى لديها اختبار هام بالكلية وتريد ان تذهب سريعاً الا انها وجدت ميرا تسبقها إلى سيارتها فهى تعلم انها لن تكف عن تلك التصرفات المزعجة فأقتربت ثراء منها قليلاً قائلة:
—" دا اسمه ايه بقى على الصبح يا ميرا انا مش فاضية لدلعك الفارغ ده قولتلك عندى امتحان ومش عايزة اتأخر"
فتحت ميرا باب السيارة تتخذ مقعدها بجوار أيسر تنظر لثراء من نافذة السيارة
—" اركبى يا ثراء علشان تلحقى امتحانك وقولتلك أيسر هيوصلك وبعدين هيودينى النادى ويرجعلك تانى بسرعة بقى مضيعيش وقتك"
ابتعدت ثراء عن السيارة أشارت لأيسر بالاقتراب حتى لا تستمع ميرا لما تقوله فنظرت اليه قائلة:
_ هو انت مقولتلهاش ليه انك مش فاضى توديها النادى
– انتى حضرتك عارفة مليش ان أرفض كلام لاسيادى
قالها أيسر حانقاً فهو لم يعمل هنا الا بسبب إصرار
جمال على ان يعمل حارس لابنته فربما هو الوحيد فى هذا المنزل الذى يشعر تجاهه بالاحترام
ضمت ثراء ذراعيها الى صدرها قائلة:
– أيسر انت زعلت من كلام شهاب على اللى قاله عارفة انك اضايقت من كلامه بس هو شهاب طبيعته كده
وضع أيسر يده بجيبه يجز علي انيابه بحدة قائلا:
– أنسة ثراء انا مستحمل ابن عمك ده بالعافية علشان بس خاطر باباكى ومامتك وخاطرك انتى كمان غير كده انا كنت سيبت الشغل ده من أول يوم بسبب غروره ده اللى يجيب المرض انا لدلوقتى ماسك نفسى واعصابى علشان متهورش وللعلم مش انا اللى بحب اسمع الإهانات من حد واسكتله ولحد دلوقتى موريتهوش تربية الحوارى ممكن تعمل إيه
اخرجت ثراء قطعة شيكولاتة من حقيبتها تقضمها قائلة:
– طب طالما انت كده سيبت ميرا تيجى معانا فى العربية ليه وهتروح توديها النادى ماهى كمان زى أخوها
اشار ايسر لها بالصعود الى السيارة قائلا:
– يلا علشان تروحى كليتك وتلحقى امتحانك ومتجبيش الذنب عليا لو أتاخرتى وبطلى أكل شيكولاتة علشان متتعبيش وانتى ممنوعة من أكلها أساساً علشان الحساسية وان كان على الانسة ميرا فهى الصراحة تهون كتير عن اخوها شهاب على الأقل هى مبتتعاملش معايا بقلة ذوق ولطيفة فى كلامها
اخذ ما تبقى من قطعة الشيكولاتة يضعها فى فمه يبتسم على ملامح وجهها الضجرة ففتحت ثراء الباب الخلفى للسيارة وهى تشعر بشياطين العالم أجمع تتراقص أمام عيناها جلست فى المقعد الخلفى لتلتقى عيناها بعينى أيسر فى مرآة السيارة لتهتف بغضب:
—"مش يلا بينا ولا إيه يا أيسر ولا هتضيعوا عليا الامتحان كمان"
—" حاضر يا آنسة ثراء"
قالهاأيسر واومأ برأسه إحتراماً لها لينطلق بعد ذلك بالسيارة فى طريقه الى جامعتها، تلتفت اليه ميرا من الحين للأخر بابتسامة فهى حققت ما تريد ، أما ثراء فظلت طوال الطريق تستذكر دروسها حتى تصل إلى وجهتها او ربما حتى لا ترى ميوعة ميرا فى الحديث مع أيسر
—————
فى منزل فى أحد الأحياء السكنية الشعبية
فتحت ضحى عيناها ببطئ لتجد نفسها قد غفت على كتبها الموضوعة بجانب ماكينة الحياكة الخاصة بها لتنظر إلى هاتفها لتتسع حدقتيها فهى يجب ان تسرع فى الذهاب إلى جامعتها لتشهق بصوت منزعج:
—:" يا خبر ابيض الامتحان انا كده يادوب الحق"
هرولت مسرعة الى الحمام وبعد الانتهاء ذهبت إلى غرفتها ارتدت ملابسها ولملمت أغراضها ووضعت ذلك الثوب الذى انتهت من حياكته منذ يومين فى حقيبة لتخرج من فهىتدرسبالجامعةالامريكيةبمنحةدراسيةنظيرتفوقهاالدراسى ولكن عندما همت بفتح باب الشقة سمعت صوت زوجة أبيها المدعوة فايزة
—:" مالك خارجة تجرى كده ليه يا شملولة"
نفخت ضحى بضيق قبل ان تلتف إليها بابتسامة مقتضبة قائلة:
_" صباح الخير يا مرات أبويا خير فى حاجة على الصبح ورايا امتحان ضرورى"
مصمصت فايزة شفتيها من كلام تلك الفتاة تضع يدها بخصرها تردف بسخرية:
—:" يعنى راحة تفتحى عكة يا اختى براحة على نفسك كده شوية المهم فلوس الفستان اللى عملتيه ده توصلنى"
عقدت ضحى ذراعيها امام صدرها تنظر اليها بتحدى ظاهر فهى ليست مجبرة على سماع كلامها، وزوجة أبيها ليس لديها الحق فى سلبها أموالها التى تتقاضها على حياكة تلك الاثواب
—" ليه بقى ان شاء الله اديكى الفلوس دا تعبى انا عايزة تاخديه على الجاهز مش هيحصل وحطى فى دماغك كده"
فتحت ضحى باب الشقة لتخرج وتغلقه خلفها بشدة يحدث صوتاً عالياً من صوت صرير الباب الشبه متهالك لتجلس فايزة على الأريكة تنقر الأرض بقدمها بغيظ تنتظر خروج زوجها من الغرفة لتبث فى أذنه بعض من سمومها بشأن أبنته، خرج رجل من الغرفة بملامح متهدلة وأكتاف احناها الزمن يجر قدميه قسراً كأنه يحمل أطنانا على كتفيه يردف ببحة صوت متعبة:
—"صباح الخير يا فايزة مالك قاعدة ليه كده فين الفطار"
وقفت فايزة مواجهة له تضع يديها بخصرها تهز قدميها بعصبية تتحدث بنبرة صوت عالية:
—" انت شوفلك حل فى بنتك دى يا منير دى قليلة الأدب ومبتسمعش الكلام وبترد عليا"
نظر إليها منير بتعب فتجاوزها ليجلس فقدمه لا تتحمل الوقوف كثيراً فجلس يزفر بارهاق قائلاً:
_ " هى عملتلك ايه يا فايزة مش هنخلص من الموال ده بقى كل شوية بنتك بنتك متنسيش ان ضحى هى اللى بتساعد فى المصاريف بتاعة البيت جمب معاشى فبلاش تزهقيها البنت بتذاكر وبتفصل هدوم وياحبة عينى مش ملاحقة ياريت كان فيا صحة كنت قدرت اشتغل واساعدها"
ظلت فايزة تلوى شفتيها يميناً ويساراً وهى تنظر لزوجها من رأسه لاخمص قدميه باستخفاف تردف بسخرية:
—:" تشتغل هو أنت فيك حيل تقف علشان تشتغل أنت خلاص يا حبيبى راحت عليك لاشغل ولا يحزنون"
رفع اليها عيناه التى ارتسم الحزن بداخلها يعلم تلميحها المبطن واللاذع إلا انه أبى ان يظهر ضعفه كرجل أمامها فأردف بحدة:
_"تقصدى إيه بكلامك ده يا فايزة ها امشى حضريلى الفطار بسرعة"
رفعت حاجبها تناظره بسخرية قبل ان تذهب لاعداد الإفطار بينما اغلق منير عينيه بتعب فهو الآن مصاب بأمراض تعجزه عن العمل وربما تعجزه عن القيام بأى شئ، لا يملك الآن سوى ان ينتظر قضاء الله له ولكنه يخشى على أبنته من المصير الذي ستلقاه بعد أن يفارق هذه الحياة فظل يدعو الله ان يطمئنه على ابنته قبل ان ينفذ به قضاءه"
______
أمام الجامعة..وقف ذلك الرجل ينفث دخان سيجارته بضيق فهو ينتظر منذ قرابة الساعة حتى تصل تلك الفتاة فهو تلقى أوامر باتباعها اينما تذهب ألقى المتبقى من سيجارته على الأرض يدعسها بطرف حذاءه ينفخ بضيق قائلا:
– وبعدين فى الوقفة دى بقى و الشغلانة اللى تجيب الشلل دى
فتح هاتفه يتأمل صورة تلك الفتاة المكلف بمراقبتها ينظر إليها بإعجاب قائلا:
– الصراحة انتى حلوة أوىياللىاسمكثراءانتى وتستاهلى الواحد يستناكى بس
يا خسارة انا مش براقبك علشان خاطرى انا دا علشان البوص أمر
بكده انا مش عارف إيه الطار اللى بينه وبينك وحالف ما يسيبك الا لما يخطفك كأنك قتلاله قتيل
سمعرنينهاتفهوصلت ثراء إلى كليتها ولكن قبل ان تترجل من السيارة سمعت صوت..!!!!
سر غائب
البارت الثاني
بقلم سماح نجيب
وصلت ثراء إلى كليتها ترجلت من السيارة سمعت صوت أيسر يخاطب ميرا قائلا:
—" عن اذنك يا أنسة ميرا هأمن على الأنسة ثراء انها دخلت الكلية وارجع لحضرتك تانى"
إلا ان ثراء صفقت باب السيارة بعنف تهتف به قبل ان يترجل هو الآخر قائلة:
—" لاء متتعبش نفسك وتنزل من العربية يا أيسر اتفضل روح وصلها وانا هخلص الامتحان كمان ساعتين"
أسرعت ثراء فى الدخول إلى كليتها حتى قبل ان تسمع منه ردا على حديثها فهى الآن لا تريد سوى التفكير فى ذلك الاختبار الذى على وشك ان تأديه، قبل دلوفها الى قاعة الدراسة قابلت ضحى التى اقتربت منها تقبلها على وجنتها تردف بابتسامة :
—" صباح الخير على القمر مالك ضاربة بوز ليه كده على الصبح طب انا ومتخانقة كالعادة مع مرات ابويا انتى متخانقة مع مين"
ابتسمت ثراء رغما عنها من دعابة ضحى فبالرغم من الفارق الاجتماعى الشاسع بين الفتاتين إلا ان ذلك لم يمنع من انشاء صداقة قوية بينهن فأردفت ثراء:
_" انتى بتقولى فيها هى فعلاً ولا كأنها مرات أبويا ميرا هانم وعمايلها المستفزة لو مفورتش دمى يجرالها حاجة"
نظرت ضحى خلف ثراء فأقتربت منها تسألها بنبرة منخفضة قائلة:
_ " غريبة أيسر فين يا ثراء هو مجاش معاكى النهاردة ولا ايه انتى طفشتيه ههههه"
اجابتها ثراء بهدوء قائلة:
_" راح يوصل ميرا هانم النادى ثم يلا بينا علشان شوية والامتحان يبدأ يا ضحى وانا اصلا متوترة وخايفة"
مدت ضحى يدها بالحقيبة التى تحوى بداخلها الثوب الذى حاكته من أجلها فابتسمت قائلة:
:" الفستان بتاعك أهو خلصتهولك أهو على الله يعجبك يا ثراء"
اخذته ثراء من يدها وهى تنظر لها بامتنان وسعادة فهى منذ علمها ان ضحى تجيد حياكة الاثواب وهى أصبحت من الحين للأخر تجعلها تحيك لها ثوباً جديداً فنظرت إليها قائلة:
—" طب يلا نخلص امتحان الأول وبعد كده نتكلم"
دلفوا الى قاعة الاختبارات وضعت ثراء تركيزها فى حل إجابات الاختبار حتى شارفت على الإنتهاء وبتلقائية نظرت إلى تلك الساعة التى تزين معصمها لترى الوقت المتبقى فوجدت أنه مازال لديهم نصف ساعة أخرى ففضلت ان تظل جالسة مكانها فهى تخشى ان تخرج من القاعة ولا تجد أيسر قد عاد من النادى ولكن عندما تذكرته شردت بذهنها إلى ذلك اليوم الذى قابلته فيه،عندما كانت على وشك ركوب سيارتها بعد خروجها من أحد المتاجر فى طريقها للعودة إلى منزلها فأعترض طريقها شابين أحمقين ليردف احدهم باعجاب:
—:" ايه ده هو القمر بيطلع بالنهار ولا ايه يا ناس"
ليسرع رفيقه الاخر ينظر اليها بتفحص قائلاً:
_" يخربيت حلاوتك دى هم بيأكلوكى ايه مربى ولا عسل ولا كريمة"
ازدرت ريقها بخوف شديد فهيئتهم تدل على أنهم يشبهون قطاع الطرق لتلتفت حولها لعلها ترى أحد ينقذها منهم فلم تجد سوى ان تتسلح بتلك الشجاعة الواهية تردف بتهديد:
_" لو مبعتدوش عنى هبلغ البوليس وهوديكم فى داهية يلا امشوا من هنا"
نظر اليها احد الشابين بتسلية قائلا:
—" الحق دى القطة بتعرف تهدد كمان اهى لاء بجد عجبتينى يا حلوة"
ليقترب الاخر يمد يده محاولا لمسها قائلا:
—"استنى كده اشوف هى بتخربش كمان ولا لاء تعالى بس متخافيش دا انتى هتنبسطى معانا أوى يا قطة"
ابتعدت ثراء عن مرمى يد ذلك الشاب والخوف يزداد بقلبها إلا انها لم تجد مفر سوى الهرب من أمامهم فكأن الشارع أصبح خاليا فجأة فربما هذا حظها العثر ركضت هاربة الا انها وجدت نفسها تصطدم بشاب ولم يكن سوى أيسر نظر اليها بتعجب من رؤية ملامح الخوف على وجهها نظر خلفها وجد شابين يركضون خلفها فقال احدهم وهو يلتقط أنفاسه بصعوبة:
– تعالى هنا انتى قطعتى نفسنا من الجرى وانت ابعد من هنا دى تخصنا
مد يده يسحبها من جواره الا انه وجد يد أيسر تسبقه فى التقاط يده يعتصرها بقبضة يده قائلا :
—" أظن عيب كده يا كابتن لما تمد ايدك على بنت محدش قالك كده عيب اهلك مش مربينك ولا إيه"
تألم ذلك الشاب من ضغط يده فهتف بألم واضح:
—" سيب ايدى انت هتكسرها يا جدع انت "
ظل أيسر ممسكاً بيده لايريد افلاتها إلا ان الشاب الآخر سحب من جيبة ميدية صغيرة أصاب بها يد أيسر ليتأوه بصوت منخفض ليفروا هم هاربين مستغلين انشغاله بجرح يده، نظرت ثراء الى تلك الدماء التى غطت يده فهتفت بقلق بالغ:
_" انت ايدك اتجرحت جامد اتفضل معايا اوديك المستشفى دلوقتى"
نظر إليها أيسر بطيف ابتسامة محاولاً تجفيف تلك الدماء التى تساقطت من كف يده يردف بهدوء:
—" ملوش لزوم حاجة بسيطة متشغليش بالك اتفضلى أنتى"
الا انها علمت من ملامح وجه التى انكمشت ربما بسبب شعوره بالألم أنها تألمه ولكنه يحاول ان يخفى ألمه خلف تلك الابتسامة الهادئة الا انها اصرت عليه بالذهاب معها الى المشفى الخاص بأبيها ليتلقى العلاج اللازم، بسبب اصرارها وملامح وجهها التى كانت على وشك البكاء رضخ بالاخير ووافق على الذهاب معها،وصلا الى المشفى الخاص بوالدها فاتجهت ثراء الى غرفة مكتب ابيها قائلة بذعر:
– بابا الحقنى معايا واحد ايده اتعورت جامد تعال شوفه
انتفض جمال من دخول ابنته المفاجئ ليقترب منها قائلا بقلق:
– ثراء واحد مين ده وانتى مالك كده باين على وشك الخوف ايه اللى حصل
روت له ثراء القصة كاملة ومساعدة أيسر لها فذهب جمال معها يشرف على تلقيه العلاج اللازم ونظر اليه بامتنان قائلا:
– انا بجد متشكر ليك انك انقذت بنتى
نظر اليه أيسر بهدوء قائلا:
– لاشكر على واجب عن أذنك
التفت أيسر يبحث عن الملف الذى كان بحوزته فوجده على منضدة صغيرة فسحبه فنظر اليه جمال متسائلا:
– ملف ايه ده
أشار أيسر بيده قائلا بابتسامة:
– ده كان ملف cv بتاعى كنت رايح اقدم على شغل فى نادى رياضى بس الظاهر كده مليش نصيب
– هو انت خريج تربية رياضية
قالها جمال باهتمام فى انتظار رده فهز أيسر رأسه بالموافقة فابتسم له جمال قائلا:
– جايز ميكنش ليك نصيب فى وظيفة النادى بس ليك نصيب فى حاجة أحسن ايه رأيك تشتغل حارس شخصى لبنتى هى دايما بتتعرض لمضايقات وكانت بترفض اجبلها حراسة فلو انت موافق أكون متشكر ليك باين عليك راجل وشهم
اصر عليه جمال بالقبول وكانت تلك المرة الأولى التى تصمت ثراء وتستمع لكلام أبيها بضرورة إحضار حارس شخصى لها ،امام اصرار جمال وافق أيسر على العمل الذى عرضه عليه فأوكل اليه جمال مهمة حراسة ابنته ليصبح فيما بعد الحارس الشخصى الخاص ب" ثراء جمال الرافعى"..!!!
—————
يتأمل ذلك الجدار الذى امتلأ بصور تلك الفتاة وعائلتها ولكن هى من كان لها النصيب الأكبر فى تلك الصور جلس البوص على مقعد هزاز تتزامن حركته مع نقر اصابعه على طرف المقعد وذلك الضوء القادم من النافذة يلقى بظلاله على وجهه ليرتد ثانية فى الظلام التفت ناحية الباب وجد رجل ربما فى اواخر الثلاثينات يولج بيده صور حديثة تم التقاطها اليوم لثراء فتقدم ذلك الرجل منه ويدعى متولى قائلا
– الصور بتاعة النهاردة يا بوص
مد يده اخذ منه الصور يتأملها جيداً قائلا:
– هو عباس فين دلوقتى
سحب متولى مقعدا يجلس عليه قائلا:
– هو دلوقتى قدام الجامعة بتاعتها بيراقب خطواتها كلها حتى قالى ان النهاردة الحارس نزلها قدام الجامعة ومشى بالعربية مستنهاش زى كل مرة
ألقى البوص الصور على منضدة بجواره ظل متولى ينظر اليه بحيرة فالتفت اليه قائلا بتعجب:
– مالك يا متولى بتبصلى كده ليه فى ايه
حمحم متولى قبل ان يقول:
– اصل الصراحة مستغرب من اصرارك على خطف البت دى ومش عارف ايه سر العداوة اللى بينك وبينها
اراح البوص رأسه على طرف المقعد قائلا بصوت منخفض:
– هو طارى مش معاها هى وبس لاء دا مع ابوها كمان ولازم عيلة الرافعى كلها تدفع التمن وبالاخص البنت دى وأبوها حتى عمها عزام لازم ياخد نصيبه ومتنساش العيلة دى غنية ازاى يعنى لو البت دى بقت معانا وطلبنا فدية بالملايين هيدفعوا وهم ساكتين مش هيقدروا يرفضوا
– طب ما هى ليها ولاد عم كمان اشمعنا هى بس اللى عايزها
قالها متولى بحيرة فهو يريد معرفة ذلك السبب القهرى لكل هذا العداء من جانب البوص لتلك العائلة
مد البوص يده يعدل من وضع نظارته الشمسية على عينيه قائلا:
ولاد عمها ملهمش لازمة بالنسبة ليها دول عيال اخرهم انهم يبقوا مغرورين بس برضه أبوهم مش هسيبه فى حاله بس انا عايز أوجع قلب جمال الرافعى على بنته الحيلة وبطل اسئلة بقى يا متولى علشان متوجعش دماغى وانت عارف لو دماغى وجعتنى هتبقى انت الخسران
اذدرد متولى ريقه عدة مرات من ذلك التهديد الصريح فهو يعرف خير المعرفة أن ذلك الرجل إذا أصابه الضيق منه لن يتوانى عن التخلص منه وبرصاصة واحدة لا أكثر..!!!
________
دلفت لبنى الى غرفة مكتب ابنها خلعت نظارتها الشمسية تقترب تجلس على احد المقاعد ،نظر اليها شهاب بنظرة مبهمة فما الذى أتى بوالدته الى هنا فهى لا تأتى هنا الا نادرا او لأنها تريد صنع شئ خاص بها من المصوغات
– اهلا يا ماما خير حضرتك جيتى الشركة ليه عايزة المرة دى أسورة ولا عقد ألماس
قالها شهاب وهو يترك مكانه يقترب منها يضع يده بجيبه ينظر اليها
وضعت لبنى ساق على الأخرى قائلة:
– انت مكنتش عايزنى اجى ولا ايه ثم ايه اسلوبك ده فى الكلام انت ناسى ان انا مامتك يا شهاب
شعر شهاب بالحرج فجلس على المقعد المقابل لها قائلا:
– انا اسف يا ماما بس استغربت ان حضرتك جيتى ليا مكتبى وانتى نادرا لما بتيجى الشركة
نظر إليها فى انتظار سماع ما ستقوله فبدأت لبنى فى سرد ما تريد قائلة:
– شهاب انا عيزاك تتجوز ثراء ضرورى وبسرعة قبل حد تانى ما ييجى يتجوزها ويكوش على ده كله
حدق شهاب بها متعجباً فمن اين أتت بتلك الفكرة وهى تعلم ان لا يوجد بينه او بين ثراء توافق فدائما ثراء ما تنعته بالغرور فقال بصوت أقرب للصدمة:
– حضرتك عيزانى اتجوز انا وثراء ثراء بنت عمى اللى احنا الاتنين مش بنرتاح فى الكلام مع بعض عيزانا نتجوز ثم مين قال لحضرتك ان انا باصص ليها بنظرة مختلفة انا مش شايفها غير انها زى ميرا وبس مش اكتر من كده دى على طول تقولى يا مغرور وبتطول لسانها عليها يا ماما
زفرت لبنى بضيق قائلة:
– ما انا عارفة ثراء وعارفة كلامها مش تربية فيروز بنت الجرسون هتكون ايه يعنى المهم انا مقولتلكش حبها يا شهاب انا مش عايزة حد ييجى ياخد كل اللى ثراء بتملكه وانت عارف ان عمك كاتب كل أملاكه ونصيبه فى الشركات باسم ثراء يعنى ثراء ليها نص املاك عيلة الرافعى كلها فده مش لازم يروح لحد غريب تخيل كده ورثها على اللى عندك هتبقى غنى ازاى يا شهاب ولما هى تعملك توكيل بادارة الشركات بتاعتها مش هيبقى حد عنده قد اللى عندك
ظل شهاب يفكر فيما سمعه من والدته وذلك العرض المغرى الذى عرضته عليه الآن فرد قائلا:
– طب لو ثراء رفضت هنعمل ايه وانتى عارفة عمى جمال مبيحبش يغصب عليها فى حاجة لو هى قالت لاء يبقى مستحيل عمى يوافق حتى لو كنت انا ابن اخوه هو بيحب بنته وعمره ما رفضلها طلب
نقرت لبنى باصابعها على طرف المكتب تفكر فى حل حتى رآها شهاب تبتسم ابتسامة ربما لم يرتح لها هو بذاته
– انا هقولك تعمل ايه يا شهاب وساعتها هى هتوافق مش هترفض
حدق بها شهاب باهتمام قائلا:
– حل ايه ده يا ماما اللى يخلى ثراء تغير فكرتها عنى او قرارها دا احنا كده عايزنها تفقد الذاكرة علشان تاخد فكرة تانية عنى ولا مثلا هنديها منوم تقوم تلاقى نفسها مراتى
لم يخلو حديث شهاب من السخرية التى امتعضت بسببها لبنى فانحنت اليه قائلة:
– وهو ده وقت تريقة حضرتك دا بدل ما تفكر معايا وتسمع اللى هقولك عليه
ألتزم شهاب الصمت فى انتظار سماع حديث والدته ومن داخله يعلم ان أى محاولة لاستمالة ثراء من جانبه ستبوء بالفشل فهو حتى لايريد التفكير بالأمر فهو كلما يتخيل أن ثراء من الممكن ان تصبح زوجته تنكمش ملامح وجهه استياءا فثراء فتاة عنيدة لا تتماشى طباعها مع طباعه..!!!
_________
أمام النادى.. شعرت ميرا بالسعادة لقضاء ذلك الوقت برفقته فصف أيسر السيارة جانباً فى انتظار ترجل ميرا منها فنظرت إليه قائلة بابتسامة عذبة:
– ميرسى يا أيسر انك وصلتنى النادى ميرسى على كل حاجة
اومأ لها أيسر قائلا:
– لاشكر على واجب يا انسة ميرا بس حضرتك هترجعى البيت ازاى وانتى مش معاكى عربية
– هخلى واحدة من صحباتى توصلنى البيت باى يا أيسر ولا تحب تنزل تقعد معايا شوية فى النادى
قالتها ميرا وهى تفتح باب السيارة قبل ان يجيبها سمع رنين هاتفه فنظر اليها معتذرا:
– عن اذنك يا انسة ميرا لازم اروح للانسة ثراء الكلية دلوقتى خلى بالك من نفسك
ترجلت ميرا من السيارة ظلت تنظر للسيارة حتى رأتها تغادر فتح أيسر هاتفه بابتسامة قائلا:
– اهلا باللى مبيسألش عليا الا اذا كان فى مصيبة
تعالت صوت ضحكة حسام وهو يقول ممازحاً:
– أخص عليك يا ايسر انا بتاع مصايب برضه بس فينك كده محدش بقى يشوف وشك من ساعة ما اشتغلت هى القعدة حلوة اوى كده عندك اجى اقعد معاك بلاش طفاسة وافتكرنى بأى حاجة
فرد ايسر قائلا:
– اتلم ياض انت وبطل قلة أدب بس غريبة صاحى بدرى هى القيامة هتقوم ولا إيه ولا مرمر دخلت صحتك من النوم بالشبشب كالعادة
زفر حسام بقوة قائلاً:
–لاء دا انا صحيت بدرى عندى مصلحة بس حبيت اطمن عليك انت عارف مليش صاحب غيرك
شعر أيسر بالقلق من نبرة صوت حسام فرد قائلا:
– حسام فى حاجة ولا ايه مال صوتك كده اتغير زى ما يكون فى حاجة مضيقاك جدك وجدتك كويسين كلكم كويسين ومصلحة ايه دى اللى على الصبح انت بتصحى من نومك بالعافية قولى يا حسام فى ايه بالظبط علشان مش مرتاحلك
أجابه حسام يطمأنه:
– احنا تمام يا أيسر متقلقش سلام دلوقتى وخلينا نشوفك يا صاحبى
انتهت المكالمة ومازال أيسر يشعر بالقلق فهو يعرف حسام خير المعرفة فهم أصدقاء منذ انتقال حسام وعائلته للسكن بالشقة المجاورة لشقته فى ذلك الحى الذى يقطن به ونبرة صوته تدل على ان هناك شئ لايعرفه او ربما حسام لايريد اخباره به
أنتهى الوقت المحدد للاختبار لتخرج ثراء من القاعة وهى شاردة برفقة ضحى التى نظرت اليها تتعجب من حالها اليوم فسألتها باهتمام قائلة:
—" مالك يا ثراء فى ايه انتى محلتيش ولا ايه فى الامتحان"
افاقت ثراء من شرودها لترسم ابتسامة على شفتيها قائلة:
_" لاء الحمد لله حليت كويس يا ضحى "
_" طب فى ايه وسرحانة كده ليه بقى يلا قوليلى"
أردفت ضحى بكلامها وهى تسحب يد ثراء ليجلسن فى مكان هادئ بعيد عن ذلك الضوضاء الذى يعم المكان
ظلت تفرك يدها بتوتر ظاهر انتبهت عليه ضحى إلا أن ثراء هتفت قائلة:
—" النهاردة الصبح حلمت حلم غريب أوى ومن ساعتها وانا متوترة وخايفة"
نظرت اليها ضحى باهتمام قائلة:
—" خير اللهم اجعله خير احكيلى حلمتى بايه"
روت لها ثراء ذلك الحلم الذى راودها هذا الصباح فهذا الكابوس ظل مطبوع بذهنها ولم تنساه تذكرت كل ماحدث لها حتى انها تشعر كأن يد ذلك المجهول ما زالت تقبض على عنقها وبعد ان انتهت ربتت ضحى على يدها بتفهم قائلة:
—" يا ستى ده حلم متحطيش فى دماغك تلاقيكى كنتى متقلة فى العشا وجالك كابوس"
أفلتت ضحكتها من بين شفتيها على مزاح ضحى إلا انها تذكرت أنها يجب أن تدفع لها نقودا ثمناً للثوب فسحبت من حقيبتها اوراق نقدية ذات الفئة العالية تضعهم فى يد ضحى
—" انا الكلام اخدنى ونسيت ادفعلك حق الفستان تسلم ايدك يا ضحى "
نظرت ضحى للمال الذى بين يديها فأعادته لها مرة ثانية قائلة:
—" عيب عليكى يا ثراء اللى بتعمليه ده احنا صحاب وانا عملت ايه يعنى ما انتى اللى اشتريتى القماش وكل حاجة وانا بس فصلته مخترعتش الذرة يعنى ومش كل مرة كده وتدفعيلى فلوس كتير"
سحبت ثراء حقيبة ضحى تضع بها النقود بالرغم من الرفض القاطع منها بعدم اخذ المال الا ان ثراء هتفت بها بنبرة مترجية قائلة:
—"ضحى الله يباركلك بلاش مناهدة كل مرة دى ثم انا النهاردة متعصبة متخلنيش اتعصب عليكى بقى واطلع غيظى فيكى واللى عملته ميرا هطلعه عليكى"
قالتها ثراء بنبرة ممازحة فهى تعلم ضيق المعيشة التى تعانى منها صديقتها فبذلك تحاول مساعدتها بدون ان تجرح شعورها فقالت ضحى ممازحة:
– الله وانا مالى يا لمبى هى بنت عمك تنكد عليا تقومى تنكدى عليا مش كفاية مرات أبويا اه لو اروح يا ثراء الاقيها اختفت من البيت دا هصلى ركعتين شكر لله
لمحت ثراء أقتراب أيسر منها يمشى بخطوات واسعة ليصل اليها معتذراً عن تأخره فى المجئ:
—" انا اسف يا انسة ثراء ان كنت اتأخرت ازيك يا آنسة ضحى"
ضحى بابتسامة خفيفة:
_" الحمد لله عن اذنكم همشى انا سلام عليكم"
غادرت ضحى لتنهض ثراء من مكانها تسبقه فى مشيتها يسير خلفها إلا انها توقفت عن السير فهى اشتمت رائحة عطر انثوى يفوح منه وماذلك العطر سوى الذى تستخدمه ميرا دائماً فألتفتت اليه فنظر اليها قائلا:
—" فى حاجة يا أنسة ثراء وقفتى ليه"
مدت ثراء يدها تسحب تلك المحرمةالورقية التى بدت ظاهرة من جيب سترته الأمامى والتى عليها ايضا أثر طلاء الشفاه الذى رأته اليوم على شفاه ميرا لتشير بها امام وجهه قائلة:
—" ايه ده يا أيسر مش ده برضه الروج اللى كانت ميرا حطاه النهاردة ايه اللى جابه فى منديلك انتوا كنتوا بتعملوا ايه بالظبط..!!!!
