CMP: AIE: رواية خفايا القدر الفصل الخامس عشر15بقلم روان عرفات
أخر الاخبار

رواية خفايا القدر الفصل الخامس عشر15بقلم روان عرفات


 

خفايا_القدر 

# الفصل الخامس عشر

#روان_عرفات.


تقف بمنتصف الغرفة الواسعة التي جعلتها فتيات الكلية مسجد لهما، تشعر بالتوتر من كمية الفتيات التي أمامها، أخذت شهيقًا عميقًا حبسته في صدرها لثوانٍ ثُمَّ زفرته ببطء لتنظر أمامها




 للصندوق متوسط الحجم المليء بالورق المطوي بعشوائية .. أخرجت ورقة من بين الوريقات مع نظرة عينيها لا إراديًا على أوركيد التي كانت تنظر لها بتشجيع.. أرسلت إليها قبلة في




 الهواء لتبتسم ندى بخفه عليها وهي تقوم بفك الورقة وتقرأ محتواها سرًا ليُطالباها الفتيات بقول المكتوب بصوت عالٍ .. قرأت الورقة مرة أُخرى بتوتر :

- ياريت تكلمينا عن الحُب وازاي أحافظ على قلبي من الحُب لحد ما الاقي الحُب الحلال. 


صمتت لبعض الوقت وهي تتذكر حديث والدها معها بخصوص هذا الموضوع منذ فترة، ابتسمت وقالت بعدما استعاذت من الشيطان الرجيم :




- المحافظة على القلب هتيجي لما تعرفي إيه دينك واللي أمرك بيه، يعني دينا بيأمرنا بغض البصر، وعدم الجلوس مع شخص




 أجنبي عنك في مكان لوحدكوا أو مكان عام عمتًا لأن مفيش أي صلة تجمعكوا .. غضيتي بصرك عن أي حد من الطبيعي مش هتحبيه ولا تتعلقي بيه وبكده هتكوني محافظة على قلبك.


عشان نكون واضحيين مع بعض أحيانًا بنقع في الحُب من غير قصد، بتلاقي نفسك غرقتي في تفاصيل شخص مفيش شيء مشترك بينكوا غير نظرتين وضحكتين في أي مكان .. عشان



 كده دينا حرم جلوس الست والراجل دون محرم لأن فيه غريزة هتتحرك جوه كل واحد مع مرور الأيام وحطوا مية خط تحت "مرور الأيام" دي.. لأن ممكن حد يفكر ويقول لي بقعد






 بس بيكون كلام في الشغل وبنضحك بس عشان الشغل بردو وعادي مفيش حاجة بتتحرك جوايا ناحيته، لا يا ست البنات دينا ورسولنا مأمروش بكده .. علاقة بتكون مجرد صحاب شغل أو صحاب دراسة فجأة بتقلب على عشاق! 


الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان. 

يعني مفيش راجل وست بيقعدوا لوحدهم غير الشيطان التالت اللي ما بينهم، ده غير غض البصر اللي أمرنا بيه ربنا عشان نبعد عن أي شبهه. ربنا سبحانه وتعالى بيقول {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} 




لو مشيتي ورا اللي بيأمرك بيه دينك ونبيك وربك صدقيني هتبعدي عن أي حُب بداية طريقه غلط.. وصدقيني الحُب اللي بيجي بالساهل هيمشي بالساهل! 


الحب محتاج الاستمرار في العطاء، الدنيا صعبة والمشاغل كتير ومن الطبيعي تحس بالضغط والملل في أي علاقة بس




 بالحب هتقدر تتخطى كل ده.. مع الشخص الصح وفي الوقت اللي ربنا كاتب لك الحب الحلال .. الحب محتاج للتسامح لأن ما فيش حد معصوم من الخطأ وجايز جدًا اللي بتحبه يغلط،



 فلازم تبقى مستعد لأي غلط وبإمكانك أنت توجهه للطريق الصح لأنك بتحبه ولأنك محتاجه يكمل معاك الباقي من عمرك.. الحب محتاج يكون بالحلال . 


كانت تتحدث بهدوء وتضحك أحيانًا وتنتقل عينيها بين الفتيات بفرحة تحتلها من شدة تركيزهم مع حديثها، تابعت حديثها بتنهيدة طويلة أخرجتها ببطء مع قولها :




- الموضوع طويل وكلنا بنقع فيه، طويل من كل الجوانب. لأن أي بنت نفسها تحب وتتحب بس طريقة الحُب دي هتفرق لو



 كانت بالحلال، الدين بيغلي الست وبيرفعها لفوق .. يبقى اللي شاري هيدخل البيت من بابه، اللي هيتقي ربنا فيكِ هيدخل البيت من بابه، اللي عايز يحافظ عليكِ وخايف عليكِ من كلام



 الناس هيدخل البيت من بابه، اللي عايز يعيش معاكِ لذة الحُب الحلال والنظرة في عيونك بالحلال هيدخل البيت من بابه .. غير كده كلها خدع بيحاولوا يوهمونا بيها.


الدين مش بيمنعك من الحُب، الدين بس بيمنعك من الفواحش والشبهات، الرسول صلى الله عليه وسلم بيقول "فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام." رواه مسلم.




فاتقـوا الشبهات .. هتيجي واحدة تقول لي "أنا عايزة أحبه قبل الجواز، ازاي يعني نتجوز من غير حُب بينا؟" 

فيه حاجة الأيام دي منتشرة وهيا (جواز الصالونات) زي ما الناس مسمياها اللي هو يعني جواز من غير حُب أو معرفة قبل فترة الخطوبة.. ما يعرفوش إن بالدين هيقدروا يعيشوا قصة الحُب اللي نفسهم فيها...




الشخص اللي متقدم لك وحسيتي براحة جواكِ ليه دي بداية الحُب جوه قلبك، اللي قعدتي معاه وأهلك عن بُعد باصيين عليكوا وأنتِ متوترة وشغالة تسألية وهو بيجاوب وأوقات هو بيسألك ده بردو بداية الحُب، اللي لبستي دبلته عن اقتناع




 ورضا قلبك وروحك ونفسك كمان ده بداية حُب، اللي بتنتظري يوم ما يجيلك وبردو أهلك يكونوا معاكوا عن بُعد عشان تتكلموا في كلام عام وأسئلة عامة حُب .. لهفة قلبك للقائه حُب... كلها هتندرج تحت الحُب بس إحنا اللي بصراحة مش




 عايزين نفهم الأمور صح .. الحُب والله كده كده جاي بس حُب عن حُب يفرق، ونظرة عن نظرة تفرق، ودقة قلب عن دقة قلب تفرق، وراجل خبط على الباب مش اللي عمل علاقة قبل ما يدخل البيت.. بيفرق، والله بيفرق! 




اتكلمت كتير في الموضوع ده بس هو محتاج أيام وليالي، وباذن الله هنكمل فيه الاسبوع اللي جاي أكون لميت معلومات أكتر من كده. 


أنهت حديثها تزامنًا مع ميار التي نهضت من مقعدها.. قائلة 

يا ريت تقولي لنا تفسير آية {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} كلها أو تتكلمي معانا بخصوص الآية بمواضيع مختلفة.


كانت تأخذ نفسًا عميقًا وقبل اخراجه تفاجئت من حديث ميار الذي جعلها تضحك بقوة قائلة بتنهيدة طويلة بعدما أخرجت نفسها ببطء :

- أنا لسه باخد نفسي يا ميار.. تروحي جيبالي سؤال أصعب من اللي قبلة!


ضحكت ميار لتتبعها ضحكات الفتيات .. قالت ندى بهدوء :

- طيب انا مش مُلمة بالموضوع فخليه كمان في الاسبوع اللي جاي أو بعد الامتحانات مع موضوع الحُب. 


كانت تنظر لها أوركيد بفخر ظهر جليًا بعينيها رمتها ندى بنظرة حنونة بعدما تذكرت حديثها مع وليد ومع حدث مع صديقتها .. وضعت يدها مرة أُخرى في الصندوق لتخرخ ورقة وقرأت محتواها بهدوء :





"لو حسيت إن ايماني بدأ يقل إيه أول حاجة أعملها؟ وازاي أمشي على طريق الاستقامة؟ وازاي كمان مكسلش في أي عبادة عشان كل ما بحس إني بقيت كويسه في العبادة بلاقي نفسي فجأة انتكست" 


تنهدت بقوة وأردفت بهدوء :

- لازم قبل ما الموضوع يكبر وما تقدريش تسيطري عليه لازم توقفي وقفة جادة شويه مع نفسك وضميرك .. تبعدي عن أ




ي مكان يلهيكِ عن عبادتك وصلاتك، ما تختلطيش بالناس اللي بدل ما تقربك لربك بتبعدك عنه لأن دي من أكبر الأسباب اللي بتخلي قلبك يقسى وتبعدي عن عبادتك .. لازم يبقالك قدوة




 صالحة ليكِ.. سواء كانت صحاب أو أهل أو جيران، وممكن من أكتر الناس اللي بتأثر علينا الصحاب.. فمش أي حد أقول عليه صاحب ومش أي حد يتصاحب، فيه اللي بيسحبنا لطريق كله متاعب وذنوب.. صحبتهُ لينا بتكون أكبر خسارة لحياتنا ..




 الصاحب لازم يكون مكسب مش خسارة أبدًا... أصل الصاحب اللي ما يسحبنيش من الضلمة  للنور ما يبقاش صاحب .. والصاحب اللي  يغرقني في بحر الذنوب ما يبقاش صاحب،



 الصاحب اللي يشجعني على الغلط عمره ما كان صاحب ولا هيكون! اختاروا صح عشان لما تقعوا ولا تحسوا باليأس مالي قلبكوا تلاقوا حد يسند ويقوي ويطبطب! 


ما تخليش اشغال الدنيا تبعدك عن الطاعة، كل ما تلاقي نفسك بعدتي قربي نفسك من تاني أول بأول وما تستنيش لحد ما



 تحسي إنك بعدتي كل البعد عن ربك .. الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار.." رواه البخاري. 

(تعس) المراد بيها هلك .. الرسول ما قالش مالك الدينار أو جامع لا ده قال عبد الدينار من شدة حرصه عليه وبيحفظه فـ زي ما يكون بيخدمه وبيعبده.. 




ربنا سبحانه وتعالى بيقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} 

فيه اللي بيكون الفلوس والأولاد سبب في هدايته واستقامته وقربه من ربه، وفيه العكس.. بدل ما بيقرب بيبعد فـ ربنا هنا بيحذرنا من تلاهي الدنيا عن طاعته. 




كمان فيه آية بتقول {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمْ الْأَمَل فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} 

والرسول صلى الله عليه وسلم قال: أربعة من الشقاء : "جمود العين، وقساوة القلب، وطول الأمل، والحرص على الدنيا." وطول الأمل هنا الحرص على الدنيا والانشغال بيها والتفكير في الدنيا أكتر من رب الدنيا.. وحب الدنيا والاعراض عن الآخرة. 


صمتت لوقت طويل كي تسترجع قوتها وتهدئ من شدة توترها الذي يظهر حينما تتحدث كثيرًا.. شعرت بدوار شديد جعل أوركيد تركض لها سريعًا بقلق، وتتبعتها ميار بخوف عليها.. أمسكت أوركيد يدها بزعر وقالت بقلق :

- أنتِ كويسه؟ 


اماءت لها ندى بخفه لتتابع أوركيد بخوف بعدما جعلتها تجلس على المقعد المجاور لهما : 

- حاسه بأيه؟ 


زفرت ببطء وهي تجفف حُبيبات العرق بمنديل ورقي أعطته لها ميار ثُمَّ قالت بعدما نهضت من مقعدها وقالت :

- مفيش يا كوكو أنا بخير.. يلا هكمل. 


نظرت إليها ميار بغيظ مُمسكة بمعصمها وجعلتها تجلس مُجَدَّدًا وأردفت :

- طيب اقعدي بلا هكمل .. أنتِ هترتاحي وبعدين نبقى نكمل، كفاية النهار ده. 


اعتذرت ميار من الجميع وشرحت لهما وضع ندى وهذا التعب الذي ظهر عليها فجأة ثُمَّ توجهت لهما مع خروج جميع الفتيات من الغرفة وبقائهم هم بداخلها لكي يطمئنا على ندى...  


💛 اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد 💛


بعد مرور ما يقارب الساعتين، انتشر خبر وفاة سوسن بين العائلة والحقيقة التي لا يعلم بها سوى افراد العائلة من ابآء وامهات فقط لا غير كسرعة البرق.. كان الجميع يجلس بمنزل



 يوسف كالعادة، الرجال يجاهدون في تهدئة جاسر على ابنته وما سيحدث بعد علمها بالحقيقة، والنساء يقمن بتهدئة غادة التي لا تعلم بماذا تشعر الآن بالتحديد من مشاعر متخبطة بين الحُزن والخوف والامبالاه! 




خرجت سجدة من المنزل ذاهبة لمنزلها.. تتبعتها أوركيد بدموع كما ندى التي لحقت بهما بعدما اختنقت من هذا الجو المحزن .. كل واحدة منهن بمشاعرها وخوفها على ورد، صدمتهما




 بمعرفتهما بالحقيقة كانت أكبر من عقلهما تحمله. فكيف لشيء منذ سنوات تعهدها أنه حقيقة يصبح مجرد كذب أو دعنا نقول أن أحيانًا من شدة ألم الذكريات لا نُريد شيئًا سوى محوها من حياتنا بالكامل. 


طرقت ورد الباب عدة مرات بفرحة ظهرت عليها من طرقتها للباب بطريقة مختلفة مع صوتها العالي وهي تطالبهن بالخروج وفتح الباب .. تنهدت أوركيد وجففت دموعها مع قولها بهدوء كي لا تسمعها ورد :




- مش عايزين نحسسها بأي حاجة .. هنضحك ونفرح ونفك عن نفسنا عشان بس ما تحسش بحاجة . 


أنهت حديثها وقامت بفتح الباب بعدما رسمت على ثغرها ابتسامة واسعة وصدمة مصطنعة برؤيتها لورد التي ارتمت داخل أحضانها متمتمة بمرح :

- يــااا كوكـوو .. حبيبي وحشتيني أوي .


ابتعدت عنها أوركيد قليلًا متسائلة بضجر :

- إيه كوكو دي؟ 


قالت ورد بضحكة بعدما لوحت بيدها لسجدة وندى باشتياق :

- مش أنتِ اسمك أوركيد؟ 


أماءت أوركيد بخفه.. رافعة إحدى حاجبيها بضجر ظاهر عليها .. تابعت ورد حديثها بمرح بعدما طبعت قبلة طويلة في وجنتها اليمنى : 

- يبقى دلعك كوكو أو نكدو .. أيهما أقرب؟ 


أتاها صوت ندى من الخلف قائلة بصوت عالي :

- نكــدوووو . 


تعالت ضحكات الفتيات ماعدا أوركيد التي نظرت لكل واحدة منهن بغيظ.. ذهبت للفراش وجلست بحزن، انسالت دموعها على وجنتيها ولا تعلم سببًا واضحًا للنزول .. اقتربت منها ورد وقالت بقلق :

- أنتِ زعلتي مني؟ 


تعالت شهقاتها لتقترب منها ندى سريعًا وانتشلتها داخل أحضانها كما سجدة التي أمسكت بيدها بحنان، جففت أوركيد دموعها مع تنهيدة طويلة أخرجتها ببطء .. قالت ببراءة :

- أنا جعانة. 


لكزتها ندى بعصبية من شدة قلقها عليها... قالت وهي تتأجج غيظًا بعدما نهضت من الفراش : 

- دي نسميها مفجوعة هانم .. اللي بتاكل ما بتشبعتش.. اللي يوم فرحها بدال بوكية الورد هيبقى أكل .. لكن نكدو! مش نكدو خـاالص . 


ضحكت أوركيد بقوة وكذلك ورد وبدون مقدمات احتضنت سجدة ورد بدموع جعلت ورد تتعجب منها، كما أوركيد وندى مما جعل ورد تتمتم بقلق :

- يا بنات مالكوا؟ 


قالت سجدة ببحه خفيفة :

- أنتِ وحشانا بس يا مدام ورد. 


ضحكت ورد بخفه ولفت يدها حول الفتيات بابتسامة واسعة احتلت ثغرها بقربهما الشديد منها...


وصديق رغم العتمة التي تُحيطك يُصبح قمرُك. 


💛 اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد 💛


بمنزل يوسف.. جالسًا بإنهاك واضعًا يده على وجهه يجاهد في تصديق كل ما يحدث معه وكل ما استمع إليه من أمير الذي سرد الحقيقة تحت أنظار الجميع التي كانت مسلطة عليه، زوجته تخلت عنه وفضلت الفراق بدلًا من خسارته لمدى




 الحياة. تعذبت وداقت من العذاب مالا يُطاق لأجله هو! لديه ابن منها وهو لا يعلم عنه شيئًا.. ابنه الذي اتم التاسعة والعشرون من عمره الآن وبعد كل تلك السنوات يعلم بوجودة في الحياة! 


ربت أمير على كتفه بعدما أصبح المكان خالي من الجميع عداه هو .. نظر إليه جاسر بدموع تزامنًا مع دخول يوسف الغرفة، اقترب سريعًا من جاسر الذي ارتمى داخل أحضانه ببكاء قائلًا من بين بكائه :

- مش عارف أعمل إيه يا يوسف .. والله ما عارف أعمل إيه. 


أجهش في البكاء الذي أدمى قلب يوسف كما أمير الذي لم يتحمل أكثر من ذلك وخرج من الغرفة للحديقة لشعوره بعدم قدرته على التنفس بالداخل .. اقترب منه كرم وانتشله إلى داخل أحضانه وكلما يزيد أمير في البكاء يشتد كرم في احتضانه بقوة كي يطمئنه وفي الحقيقة هو من يحتاج للحضن! 


قال بهدوء وهو يربت على ظهره بحنان :

- كل حاجة وليها حلها. ومش كل حاجة هتبقى حلها الدموع! 


أخد نفسًا عميقًا أخرجه بتهدج مع تجفيف دموعه وابتعاده عنه قليلًا وقال :

- الدموع ما هي إلا تفريغ طاقة .. بنحاول بس نخفف عن نفسنا في وقت ما كل الحلول مش موجودة! 


نظر له كرم بصدمة مصطنعة قائلًا بمرح كي يخفف عنه :

- بسم الله ما شاء الله عليك يا قلب اخـووك . 


لكزه أمير بغيظ وقال بتذمر :

- بس يالا .


ضحك كرم بخفه وكانت لضحكته أثر في أمير الذي نظر إليه بابتسامة خفيفه وتنهيدة عميقة خرجت منه .. قال كرم بعدما ربت على يده :

- كله هيبقى بخير أنت بس اطمن وباذن الله خير .


💛 اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد 💛


حل الليل سريعًا وكان مجيئة لبعض الأشخاص كطوق نجاة للهروب من الواقع بما فيه من متاعب.. دخل غرفته بعد وقت طويل في الحديث مع يوسف وباقي الرجال بخصوص ما




 حدث وما الذي عليه فعله في هذا الوضع .. ذرع الغرفة جيئة وذهابًا بخطى متوترة وهو لا يعلم ماذا يفعل أو ما الذي



 يحتاجه الآن مع توتره الملحوظ وعينيه التي تارة تنظر لشرفة الغرفة وتارة للسقف وتارة أُخرى ليديه التي يقوم بفركها بعصبية، نظرت إليه غادة بحزن روحها على نصفها الآخر الذي يتألم أمام عينيها، 

مدت يدها للأمام وقالت بابتسامة جاهدت في رسمها :

- جاسر .. تعالى. 


نظر لها لثوانٍ ثُمَّ اقترب منها سريعًا بخطوات أشبه بالركض وأنه وجد ضالته .. ارتمى بداخل أحضانها مستنشقًا عبيرها الذي كان كالمسكن الذي جعله يهدأ تمامًا، قال بهمس وصوت متحجرش : 

- مش محتاج غيره دلوقتي، وعمري ما هحتاج غيره بعدين.


ابتسم قلبها باطمئنان للحظة شعر بالخوف بظهورها المفاجئ والحقيقة التي اتضحت وبينت برائتها أمام الجميع، شعرت بالخوف من فقدانها لزوجها وابنتها التي في بدونهما لا شيء..




 لا تعلم ما الذي عليها فعله... فزوجها بحاجه لها أقرب من أي وقت مضى كما ورد التي إلى الآن لا تعلم شيء واخاها الذي ظهر فجأة ولكن لا تنكر كونها شعرت بالحب والشفقة تجاهه .. ربتت على ظهره وهي تدعو ربها بسلام الحال واصلاحه. 


 💛 اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد 💛


صعدت للطابق العلوي بعدما جلست لوقت لا بأس به مع وعد ويوسف تتحدث معهما في أمور عدة ولكن الذي يشغل تفكيرها كونها شعرت ببعض الحزن الذي يحتل ملامحهما حتى حديثهما




 كان به حُزن جعلها تتعجب حقًا .. دخلت شقتها بإنهاك متوجهة سريعًا للغرفة، وضعت حقيبتها جانبًا وقامت بخلع خمارها وهي تشعر بالقلق يحتل جميع أوصالها.. رفعت يدها على قلبها بألم




 شديد شعرت به فجأة. خرج أمير من دورة المياة وحينما رأها بحالتها تلك اقترب منها سريعًا وما لبث أن يتحدث إلا وأجفلته عندما لفت يدها حول خصره وأخذت تبكِ بنجيش مسموع.. شدت من احتضانه عليها وقال بقلق :

- ورد! حبيبي مالك؟ 


رفعت رأسها قليلًا كي تنظر إليه، قالت بدموع :

- مش عارفة.. حاسه بوجع غريب في قلبي كده. 


ضمها مرة أُخرى لحضنه وقال بخفوت ونبرة حنونة :

- مفيش حاجة.. اهدي خلاص .. إيه رأيك نحضر عشا سوا ونطلع ناكل في البلكونة ونقرأ قرآن؟ 


اماءت بخفه وابتعدت عنه وناظرته بحب، جففت دموعها دموعها وذهبت لدورة المياة تأخذ حمامًا ساخنًا لكي تُهدئ من قلقها الذي لا سبب لـه! 




خرجت من دورة المياة لتتفاجيء بأمير ينتظرها بشرفة الغرفة بعدما وضع على الطاولة بعض من المأكولات الخفيفة، اقتربت منه ورد وحاوطته من الخلف وقالت بخفوت :

- كل الدلع ده ليا؟ 


وضع يديه على يديها التي تلتف حول خصره وهمس بعشق :

- وأنا معايا مين غيرك عشان أدلعه؟ أنا عايش ليكِ أصلًا .


ابتسمت بخفه وطبعت قبلة سريعة على وجنتيه، وجلست على الكرسي وجلس أمير مقابلًا لها وهو يُناظرها بشرود، لا يفعل




 شيء سوى النظر عليها وعلى ما تفعله .. تنهد بقوة ونفض هذه الأفكار السيئة التي استحوذت على تفكيره، أمسك بيد ورد وطبع قبلة حانية وشرع في الأكل بعدما ناظرته ورد بابتسامة خجولة من فعلته المفاجأة. 




بعد الانتهاء... وضعت ورد الطاولة جانبًا لتجعل المقاعد الاسفنجية الكبيرة بمنتصف الشرفة التي يُنيرها القمر، جلست ورد وبجانبها أمير الذي احتوى يدها بتملك، أمسك المصحف بيديه بعدما ترك يدها بهدوء وأخذ يرتل آيات الله وهي تردد




 خلفه بخفوت.. تكاد لا تصدق أن الذي تعيشه معه من أحداثٍ كانت تتمناها كل ليلة من عمرها بجانبه هو يحدث الآن وهي زوجته وحلاله. 


أخذت تردد القرآن خلفه براحة تحتلها، اطمأن القلب واستكانت الـروح وهدأ نحيب النفس مما تحمله الدنيا من صعوبات وهي تستمع قوله تعالى {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ}. ليصبح القرآن دائمًا دوائًا لِكُلّ داء؛ فـ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنّ الْقُلُوبُ. 


               *******


وضعت الصينية -بجانب الفراش- التي بها بعض المأكولات المختلفة، أمسكت قلم وورقة وكتبت:

"تمنيتُ حبيبًا يُدللني كالطفلة ويجعلني ملكة متوجه بِحُبه فرزقني الله بـالحبيب وبالأب وبالصديق، وبالأخ وأحيانًا بالطفل الذي يهرب إليّ دونًا عن الجميع.. 




جميعهم وجدتهم بك وأنت الساكن بـالقلب والنفس لا تهوى سوى اقترابك. 

أنا هروح لماما يا روحي وهرجع على طول لأنها وحشاني وما شفتهاش امبارح .. بحبك" 


وضعت الورقة بالصينية وطبعت قبلة خفيفة على وجنتيه وهبطت للأسفل بسرعة كبيرة باشتياش لضم والدتها بين ذراعيها، فضلت صنع كوبًا من النسكافية قبل ذهابها وقبل






 دخولها المطبخ استمعت إلى مناداة وعد لها التي تقف عند الباب تنظر لذاك الشاب المُمسك بيدة حقيبة مليئة بالرسائل الورقية، هكذا ظنت من شكل الحقيبة التي لا تحوي سوى على




 أنه ساعي بريد .. اقتربت ورد منها كما وعد التي أيضًا ابتعدت عن الباب واقتربت من ورد وهمست بخفوت بجانب أذنها : 

- كويس إنك جيتي.. جايب لك ظرف ولازم أنتِ اللي تمضي عليه. 


أنهت حديثها لتقترب ورد من الشاب الذي قال بجدية :

- أنتِ ورد جاسر؟ 


اماءت ورد بتعجب ليُخرج الشاب من حقيبته ظرف إلى نوعًا ما كبير قربه منها وقال بعدما اعطاها دفتر وقلم لتمضي 

- امضيلي هنا لو سمحتي .


فعلت مثل ما طلب منها لينطلق هو بدراجته النارية غير عابيء بنظراتها المتعجبة من هويته.. أغلقت الباب وتفاجئت كونها




 تقف بمفردها بعدما كانت وعد معها .. زفرت بتعجب وهي ترفع حاجبيها بضجر، ذهبت للمطبخ وبينما هي تصنع النسكافية انتابها الفضول في معرفة ما يحوي هذا الظرف ومن المرسل؟




 فتحت الظرف بترقب لمعرفة ما بداخله لتتفاجئ بجواب وبجانبه بعض الصور التي تحمل طفلين وتقوم والدتهم باحتوائهم بيديها وعليها ابتسامة واسعة تحتل ثغرها ووجهها




 متعب، من المتضح أمامها أنها نائمة على فراش بغرفة في المشفى من تلك الملابس التي ترتديها.. نظرت للطفلة لثوانٍ معدودة بصدمة احتلتها لِقُرب الشبه بينها وبين الصغيرة.





 تذكرت صورها بنفس عمرها التي كانت تجلبهم لها غادة وتضحك على ملامحها البريئة، نفضت جميع أفكارها السيئة التي احتلتها بعد مشاهدتها للصور وأمسكت الجواب وهي تنظر




 إليه وعلامات التعجب تحتل ملامحها مع تحريك الجواب بين يديها لتنتبه لكلمة جعلت القشعريرة تسري بداخلها بشيء من الخوف تسلل لقلبها أو التيهه من هذه الأشياء التي تحدث معها... 


قرأت الكلمة مُجَدَّدًا بصوت عالٍ بعض الشيء :

- سامحيني. 


رفعت حاجبيها من الكلمة المجهولة ومن صاحبها وعن ماذا تسامحه؟ زفرت بملل وشرعت بقراءة الجواب بصدمة احتلتها بالكامل وعدم تصديق لِما تقرأه مع عبارتها التي تنسال على وجنتيها دون توقف :





"بنتي وضي عيني.. صحيح كبرتي واتربيتي بعيد عني بس والله قلبي كان حاسس بيكِ وباللي عيشاه، كنت بعرف اخبارك من عمك يوسف اللي حكيت له وضعي واللي حصلي بعد ما تميتي العشر سنين، بعد ما كنت خلاص اتحولت من واحدة هتقدر تبقى



 كويسة لوحده عايشه أيامها في النوادي وحاجات غريبة كده بتحصل لها .. طلبت منه يطمني عليكِ ديمًا وما يقولش لجاسر اللي بيحصل معايا، احتمال كبير





 لو قال له كنت هبقى وسطكوا.. بس أنا وقتها سرقت الوقت اللي كلمته فيه سرقة، ما كنش هيقدر وحياته كانت هتبقى جحيم لأن كريم مش أي حد بيطلع من تحت ايديه سليم.. 






كنت كل أسبوع على الوضع ده .. باخد أي تليفون عشان اطمن عليك، حاول معايا كتير أنه يكلم جاسر بس أنا منعته كنت خايفة على حياته تتهد بسببي وأكون سبب في حُزنه وتعبه لتاني مرة .. متأكدة إنك






 مش هتفهمي كلامي ومش هتفهميه غير لما يفهمهولك والدك أو عمك جاسر، وتعرفي إني والدتك اللي الحمد لله جاسر ما اتكلمش معاكِ وقال لك إن غادة مش والدتك لأني ما كنتش أعرف شكل الفكرة اللي كانت






 هتبقى في دماغك ليا.. خلي بالك من أخوكِ هو محتاج لك فوق ما تتخيلي، وديمًا بيتمنى اليوم اللي تتجمعوا فيه .. عوضي نفسك وعوضيه عن كل حاجة






 ما قدرتش أعملها معاكوا كأم ليكوا.. ما تحكميش عليا وعلى تصرفي غير لما تعرفي اللي حصل بالتفصيل، ومهما كانت فكرتك اللي هتاخديها عني أنا مقدرة وضعك لأني غلطانة بكل اللي عملته بس والله ده عشانك.  

  

كلامي هيوصل لك وهتقريه وأنا هكون وقتها مش موجودة معاكِ، بتمنى تسامحيني يا بنتي وتقدري وضعي اللي اتحطيت فيه غصب.. كان صعب عليا فراقك بس الفراق عندي أهون من عذابك قدام عيني .. بحبك يا قلب مامتك".




نظرت للأمام بشرود فالذي قرأته يصعب على عقلها استيعابه. فاقت من شرودها على كوب النسكافية الذي أصبح أشلائًا بالأرض بعدما سقط منها سهوًا






 من شدة صدمتها.. لم تعطيه آية أهمية فقط نظرت سريعًا للأرض مع خروجها من المطبخ والمنزل بالكامل غير عابئة بمناداة أمير لها التي كانت لا تسمعها من الأساس. 


ذهبت لمنزل والدها وهي تدعو كون ما قرأته مجرد كذبة وأن والدتها غادة ولا يوجد غيرها بالحياة، فتح لها الباب جاسر وخلفه غادة التي نظرت لورد





 بابتسامة واسعة برؤيتها لكنها لم تنظر إليها حتى... نظرت ورد لوالدها بدموع وقالت ببكاء بعدما أعطته الظرف :

- ينفع تفهمني إيه ده؟ أنا مين ووالدتي مين؟ 


صُعق بحديثها، ظل ينظر إليها بعينين جاحظتين مما قالته.. تفحص جاسر الظرف بصدمة جعلته يخفض رأسه ولا توجد لديه القدرة على النظر في عينيها كما غادة التي تنظر لورد تارة ثُمَّ تنقل نظرها لجاسر تارة بدموع جاهدت في منعها لكنها فشلت!  


            الفصل السادس عشر من هنا

لقراءة باقي الفصول من هنا



تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-