رواية عنيدة فى قلبي الفصل الخامس والعشرون


 

رواية عنيدة فى قلبي 

"الفصل الخامس والعشرون 

كانت الأيام الماضية تمضى برتمها المعتاد ....كان لقائهما فى العمل محدود وللضرورة منذ أن اجتمعا خارج العمل المرة الماضية....تتوق نفسه إليها أكثر ودائماً ولكن يُمنى نفسه



 بامتلاك خالص لا فراق بعده سوى للموت....وكأن اقترابها الغير مسبوق منه تلك المرة وهى تداويه بطريقة تلهب الحواس وتشعلها قد أصبح راسخاً فى مخيلته وتروق له ذكراه دوماً عندما يشتاق لها....



أرادت سمية تقديم هدية ما لسارة ....هى ورغم عدم اقتناعها الكافى بتلك الزيجة إلا أنها سيدة الذوقيات الأولى ولابد من تلك الخطوة .... ذهبت إلى أحد المحلات التجارية الراقية وانتقت فستاناً بأفتح درجات الأزرق ينسدل على الجسم


 بانسيابية ونعومة....اختارته تتبعاً لذوقها الشخصى وبما يناسب قد سارة الذى رسمته فى خيالها واحتفظت به ....لتذهب لمنزلها وتفاجئها بهديتها الراقية التى حظيت بالطبع



 بإعجاب سارة وانبهارها بذوق تلك المرأة، بينما كان هناك من سعد بهذه الهدية أكثر ....شكر كريم والدته وأثنى على تصرفها الودود والذى أعطاه أملاً قوياً بأن يذوب الجمود بين والدته وبين سارة.



حتى حان اليوم المنتظر ....يوم توثيق العقد الذى سيربطهما رسمياً...

أراد كريم أولاً اصطحاب سارة ووالديه إلى محل الحُلى صباحاً لتنتقى لنفسها ما تريد من قطع الذهب وحسب العرف المتبع باعتبار أنها ستكون خطبة وعقد قران معاً....ترك لها حرية الاختيار ولكن أزعجه تعمدها انتقاء القطع الصغيرة ذات الخامة


 المتوسطة....يعتقد أنها يليق بها الأفضل والأرقى ولكن لم يرد خلق مشكلة فى ذلك واكتفى بتنبيهها وحالما سأم حدجها بنظراته الحانقة التى تفهمها جيداً لتقابله بإصرارها على رأيها وتجاهل انفعالاته بصعوبة .



تعالت الزغاريد والأغانى وتوافد الزائرين والزائرات من أقارب سارة وأصدقائها وجيرانهم لتقديم المباركات والتهانى وتمضية وقت سعيد ومرح بصحبة عروس اليوم التى تأنقت بفستان



 السهرة والذى تحمل توقيعه والدة كريم وكما توقعت ناسبها كثيراً....كما زادتها تلك المساحيق على وجهها والتى تولت مهمتها إحدى ساكنات الحى الشهيرات بتلك المهنة جمالاً وحسناً.



جلست سارة مع النسوة اللاتى سعين لمجاراتها معهن فى التراقص على النغمات الصادرة من مكبرات الصوت لتحاول الامتثال لهن بتحفظ وبعض الحركات البسيطة.



بينما كان كريم متأنقاً كعادته ومحتفظاً بجاذبيته الآسرة والخاطفة للأنظار دوماً بحلة أنيقة سوداء محررة من رابطة العنق بأسفلها قميص أبيض.... منحته وسامة رائعة.



تمت مراسم كتابة العقد كالمعتاد وبحضور عم سارة نيابة عن والدها الراحل ....عانق الأب الإبن بسعادة لأجله لتتوالى مباركات من فى المسجد تباعاً.

 

كانت تخط بتوقيعها بين صفحات كتاب العقد وشعور لا تستطيع وصفه بالتحديد يتملكها....كيف تبدل حالها فى تلك المدة القصيرة ....الآن يعقد قرانها وهى التى كانت ترفض


 مسألة الارتباط حتى تحقق طموحها أولاً .... شهادة جامعية ووظيفة محترمة مستقرة تأمن بها مستقبلها....وأى شخص قد تزوجت به ؟! ....مديرها فى العمل!!....تتسائل وتستغرب هل


 هى فتاة محظوظة بعد الآن؟....لا مجال للشك بأن قريناتها وأى فتاة مثلها يرونها فتاة محظوظة بل ومحظوظة جداً .... تتمنى حقاً بأن تكون كذلك فعلاً ....فليس كل ما نملكه دليل على أننا محظوظون....قد يكون من حظنا السئ !!



وضعت القلم جانباً لتجد تأملات من حولها سعداء بها.... ابتسمت لهن وقبّلت أختها الصغيرة الجالسة جوارها تلازمها منذ أن جلست....أقبلت سامية على ابنتها وعروس الليلة


 الجميلة تلثمها وتستقبلها فى حضنها بفرحة حقيقية وأعين لامعة "مبروك يا حبيبتى ألف مبروك أنا فرحتى النهاردة ماتتوصفش ....ربنا يسعدك يارب" .



لاحقاً اتجهت أنظار الحضور إلى ذلك الوافد بحلته وهيئته الرائعة لتنتبه سارة تلقائياً وتسايرهم النظر لتلتقى الأعين التى كانت بالأصل منصبة عليها ....



إنه جذاب بطريقة تفقدها صوابها ....لديه هالة رجولية تسحر أى حواء تراه....ولأول مرة تشعر سارة بشئ من الغيرة تجاهه استياءً من نظرات الفتيات فى المجلس والنساء جميعهن....



أطرقت رأسها خجلاً حتى دنا منها كريم ومع كل خطوة يقترب منها كانت تنبض بعنف لا تعلم سببه ....اقترب منها لتنهض وتقف أمامه وكانت اللقطة المضيئة بأن دنا منها بعد أن تأمل


 وجهها وحمرته المهلكة وأمسك برأسها بين راحتيه يطبع قبلة على جبينها ....لم تكن مجرد قبلة وحسب أو حركة اعتيادية يفعلها جميع من يوثق عقد زواجه بل عنيت له الكثير والكثير



 ....جعلها كريم تبث رسائل ومعانٍ كثيرة استشعرتها سارة من فرط رقتها.... كان المعنى الأسمى من تلك المعانى هو الثقة وكأنه يبلغها بأننى جدير بثقتك فتريثى فى الحكم علىّ ولا تتعجلى.



وحتى انصرف أغلب الحضور لتتاح لكريم الفرصة فى الاختلاء بعروسه لبعض الوقت على انفراد وهنا أيقن أنه تصرف بحماقة عندما وافقها رأيها بأن يكون عقد قران فقط وليس زفاف !!




جلسا فى غرفتها ولأول مرة يرى كريم غرفة سارة بمحتوياتها البسيطة واتساعها المحدود ولكنها راقت له كثيراً فأى شئ من طرفها أو يتعلق بها فهو رائع .



"دى أوضتك صح ؟"....تسائل باهتمام وهو يجوب الغرفة بنظره ليثير اهتمامها فأجابته "أيوه"



ترك شأن الغرفة وتأمل فاتنته مرة أخرى بثوبها الذى يحمل ذوق والدته وحجابها المنمق....لم يتخيل أن سارة ستكون أنثوية جميلة هذه الليلة إلى تلك الدرجة .... ليته أسرع بإنهاء الأمر والعقد والزفاف معاً فتتاح له الفرصة لسبر أغوار هذا الحسن ومعالمه.....!




اقترب أكثر والتقط يديها الباردتين بين راحتيه  الدافئتين يتأملها مطولاً ليقول بابتسامة مشاكسة...."شوفتى بقى ....عرفتى كلام مين اللى حصل فى النهاية"




لوت سارة جانب ثغرها باستياء من تحديه الدائم لها والذى لم يستغن عنه حتى فى مناسبة هامة تخصهما كتلك....ليبتسم لها ويدنو منها مقبلاً خدها للتفاجئ بفعلته الجريئة وتتسمر بحرج كبير بعد أن تحول وجهها لحبة من البندورة بفعل الخجل....بينما لم تفارقه ابتسامته مستمتعاً بحصاره لها ورؤية ارتباكها.

.....

لم تصدق ما ألقته والدتها على مسامعها بأن كريم قد كتب كتابه وسيُتم زفافه بعد عدة أشهر .... مئات التساؤلات والاستنتاجات تدور برأسها.... لم يمر شهر على انفصالهما هل تناسى الأمر بتلك السهولة !!....ساذجة أنت يا مى وهل كنت محل ذكراه فى يوم ما ؟!




ها هو تعافى سريعاً وتخطى الأمر ولم يتريث ويقيم خطبة ذات مدة أولاً مثلما فعل معك بل عقد قرانه أيضاً....



كانت المفاجأة الأكبر بالنسبة لها بأن سارة هى صاحبة النصيب.... نعم كل شئ كان واضحاً منذ البداية فنظراته لها التى رأتها بعينها لم تكن عادية أبداً لشخص مثل كريم....الأمر مثير جداً.



عادت إلى واقعها....عليها أن تتناسى كما نسى هو ....لاشعورياً اجتاحها ارتياح داخلى فور أن تذكرت لؤى ....ذاك الذى يعشقها ويرغب بها ....مجرد تذكرها لغيره الآن جريمة بحقه ....عقدت العزم بداخلها أن تترك ماضيها ولا تلتفت له أبداً مهما كان ذلك مكلفاً.

.....

منذ يومين وهى بحالة على غير طبيعتها ....بدا له أن أمرا ما قد حدث معها فهل هو مزعج إلى ذلك الحد!...

حتى صادفه خبر زواج كريم رأفت والذى بالطبع


 كان خطيبً سابقً لخطيبته....تلاعبت الظنون برأسه فالتوقيت مثيراً بحق


 ....هل هذا مايزعج مى ؟ ألازالت تفكر به وحزنت لأمر ارتباطه بأخرى ؟!...نعم يعلم أنها كانت تحب كريم جداً وكان يختنق


 لذلك ولكن الآن هو يختنق بصورة أكبر....كيف تفكر بغيره وهى الآن معه ....لقد ظن أنه قطع شوطاً كبيراً فى علاقته بها على مدار الأيام الماضية ولكن تفكيره فى هذا الأمر أشعره بالإحباط الجلى.



.....

لم يستطع لؤى إخفاء ضيقه الشديد من مى فحتى محادثته معها باتت قليلة وأثناء العمل لم يعد يتسلل إليها ليروى ظمأ اشتياقه لها كما السابق بل بات يتحجج بأن عليه أن يعمل أكثر.....



حتى لاحظت الأخيرة ذلك بوضوح وتجلى استياؤها لتطلب منه اللقاء وفهم أسبابه رغم خشيتها بأن تصيب ظنونها وماتفكر فيه !!



قادته إلى غرفة منعزلة فى مقر العمل تبعد عن مكتبيهما وأغلقت الباب وجلست على الأريكة فى منتصف الغرفة الصغيرة ثم دعته للجلوس .



نظرت باتجاهه وذراعيها مثبتتين إلى جانبيها على المقعد ....كان ينظر لأسفل ويضم يديه لبعضهما.

"فى حاجة؟"

نظر لها "حاجة أيه"

قطبت جبينها ولوت ثغرها باستياء قائلة " لؤى انت فاهمنى كويس انت مش طبيعى بقالك فترة كإن فى حاجة مضايقاك من ناحيتى"

تأملها لثوانٍ مردفاً "أنا بقالى فترة مش طبيعى صح ؟! طب وانتى يا مى؟"



هزت رأسها بتساؤل ليتابع "مى تنكرى ان موضوع كتب كتاب كريم ده ضايقك وانك زعلتى من إللى حصل؟"



وكأنه ألقى بدلو ماء بارد عليها ....توسعت حدقتيها بعدما أيقنت ظنونها....ابتلعت غصة مريرة تقف فى حلقها تحاول



 ادعاء الثبات أمامه فلديها ما ترغب بقوله.... نظرت ناحيته تقول بأعين لامعة "لؤى انا مش هنكر انى اتضايقت شوية لما عرفت الخبر ومش هكدب عليك كل الموضوع انى كنت بندم



 عالوقت إللى قضيته مع كريم وانا فاكره انه بيحبنى أو ممكن يكون فى حاجة بيننا لكن مش زى ما بتفكر أبداً ....أنا مستحيل أفكر فى الماضى أو حتى أتمنى الأيام دى ترجع"



استشعر فى كلامها لهجة صادقة نادمة فرق قلبه لأجلها....هو لم يكن يرغب فى جعلها تتضايق فلا يطيق رؤيتها هكذا وإنما عتاب المحبين فقط .



"خلاص يا مى إنسى مفيش حاجة حصلت"

عقبت والدموع تشق طريقها لعينها بشكل أكبر " لؤى أنا بجد مش عايزاك زعلان منى أبدا وبجد ده صعب عليا جدا ....أنا بحبك ومستحيل أفكر فى حد تانى"



ابتسم يقترب منها محيطاً إياها بذراعه "وانا بموت فيكى ياميوش بس بلاش دموع عشان خاطرى" ....ثم مد كفه يسمح عبراتها ويقول بمداعبة "بصى بقى بما إنك متأثرة وزعلانة انا حابب أستغل الفرصة دى واطلب منك طلب"



ردت بملامح متسائلة بفضول "طلب أيه!!"

تأملها لؤى بحدقتيه ثم أردف " نكتب كتابنا احنا كمان أو نعجل الجواز شوية" ....لاذت بالصمت تستوعب ماقاله مما أقلقه "لو مش موافقة خلاص براحتك أوى أنا مش هجبرك على حاجة أبداً"



ابتسمت مى ابتسامة واسعة جميلة وقالت وهى تومئ برأسها "موافقة"....ليبادلها لؤى ابتسامة أكبر حفاوة بموافقتها ويدنو مقبلاً رأسها بسعادة .


                الفصل الاخير من هنا

لقراءة باقي الفصول من هنا



تعليقات



<>