الفصل الخامس عشر والسادس عشر
👇الفَصْلُ الخَّامِسُ عَشَر👇
أتسعت عيناي "عز الدين" في محجريهما من هول ما رأه، بينما فغر "إيهاب" ثغره صادماً وحدق بالسيارة بأعين مذعورة، ترجل
الذئب مهرولاً، وقد بدأت الجموع تتكون حول السيارة الذي يقودها" طائف"، شق طريقهم وهو يهدر فيهم بعصبية، وكذلك
" إيهاب" الذي يشعر ببعض الخوف عليه، بقى سقف السيارة على الأرضية وهو ملقاه بداخلها وقد فقد وعيه، وكانت رأسه
تُسيل منه الدماء بقوة، فتح "إيهاب" السيارة بصعوبة بالغة وبعد معاناه كبيرة، فقام "عز الدين" بإجتذابه من الداخل
بصعوبة شديدة، ولكنه فعلها في النهاية، هدر بنبرة صارمة لـ رفيقه وهو يأمره بـ :
_يالا بسرعة، لازم نلحقه.
ساعده "إيهاب" على حمل جسد "طائف" ثم تحركا نحو السيارة، فتح أحدهم الباب له ليضعه بحرص بالخلف، وأستقلا السيارة، لـ تنطلق بأقصى سرعة نحو المشفى.
وصل "عز الدين" نحو أحد المستشفيات، ترجل هو أولاً راكضاً صوب الداخل، دخل المشفى ووجهه متهجمًا، صرخ
بالموجودين قائلاً بنبرة جهورية صارمة :
_حد يجي معايا بسرعة، يالا.
أنتفض بعض الأطباء بفزع من تلك النبرة، ثم بسرعة البرق بدأ الأطباء بإعطاء الأوامر بتجهيز غرفة الطوارئ، بينما تحرك ثلاثة
من الممرضين وهو يجرّون سريراً نقالاً نحو الخارج متوجهين ناحية السيارة، بدأوا بإخراج جسد "طائف" بحرص شديد
بمساعدة "إيهاب" و"عز الدين"، عقب أن أسندوه على الناقلة الطبية، تحرك الجميع داخل المشفى لـ فحصه، خاصةً بعد أن
رأوا بأعينهم الدماء تُسيل من جانب جبينه، ولج كبير الأطباء داخل غرفة الطوارئ بعد أن أدخلوا "طائف".
أنتظر "عز الدين" و"إيهاب" خارج الغرفة، وهم غير قادرين على الإستيعاب ما يحدث، جلسا على المقعدين أمام الغرفة
منتظرين خروج كبير الأطباء من الداخل.
مرت فترة ليست بقليلة على الإطلاق، خرج كبير الأطباء مطرق الرأس، فـ هب "عز الدين" من مكانه وهو يسأله بحدة :
_إيه الأخبار؟!..
رد عليه بهدوء :
_إحنا عملنا إشاعة وطلع عنده أرتجاج في المخ، بسبب خبطة قوية خدها على دماغه، هي حصلتله حادثة!؟..
أجاب "إيهاب" بضيق طفيف ثم سأله بجدية :
_للأسف حصلتله حادثة عربية، العربية أتقلبت جامد وهو كان جواها، المهم أنا محتاج توضيح أكتر لحالته؟؟..
رد الطبيب بنبرة هادئة :
_هو هيتحجز يومين كده لحد ما نطمن عليه، وهو عنده شوية كدمات سطحية في دراعه الشمال.
سأله "عز الدين" في شئ من الضيق :
_طب هو هيفوق إمتى؟؟..
تنهد الطبيب وهو يجيبه على السؤال الذي طرحه :
_أنا أديتله منوم واليومين دول هنمشي على حُقن منومة عشان لازم يفضل نايم، لأن الحركة الكتير غلط عليه دلوقتي،
وخصوصاً أنه واضح عليه جداً التعب.
مد "إيهاب" يده قائلاً بجمود :
_شكراً يا دكتور.
صافحه الأخير بأدب :
_على إيه، إن شاء الله يقوم بالسلامة، عن إذنكم.
أنصرف الطبيب بينما أستدار "إيهاب" لـ "عز الدين" الذي قال وهو يُضيق عينيه :
_في حاجة غلط، في حاجات بتحصل وأنا مش فهمها ومش عارفها.
تسائل "إيهاب "بنبرة متعجبة :
_في حاجات مش مظبوطة فعلاً، ياترى هو كان عاوزك ليه؟؟.. وإيه الموضوع إللي كان محتاج يتكلم معاك فيك؟؟.. وغير
كده.. إيه إللي وصله للحالة دي، كان واقف قدامنا كويس، إيه إللي حصل؟؟..
أولاه ظهره وهو يفكر بعمق، ثوان وكان يعود النظر إليه وهو يبتسم بزواية فمه :
_في حاجة لازم أتأكد منها!!.. وعشان أتأكد لازم أروح أعمل مشوار دلوقتي حالاً.
سأله بتوجس :
_مشوار إيه؟؟..
إبتسم بقسوة وهو يدس يديه بداخل جيب بنطاله :
_رأفت الحديدي.
**************
جلست "ياسمين" على الأريكة وبجوارها "مُنى"، بعد أن وضعت كبيرة الخدم فنجان قهوة وكأسًا من العصير، إبتسمت لها
إبتسامة واسعة عقب أن علمت بأنها الآن تحمل في أحشائها جنيناً، بينما أخذت الأخيرة تعاتبها على عدم وجودها بجوارها
في تلك المناسبة السعيدة، تناولت "مُنى" الفنجان القهوة وهي تقول :
_معلش بقى يا ياسمين، بس والله كنت مشغولة أوي فالمُستشفى، بس أول ما بقيت فاضية، جيتلك على طول.
برقت عيناه ببريق لامع وهي تُهنئها بإبتسامة صافية :
_ألف مبروك يا حبيبتي.
بادلتها الإبتسامة قائلة :
_الله يبارك فيكي يا قمري، عقبالك يارب.
أشارت بكف يدها قائلة بشرود :
_مش عارفة يا ياسمين، بس موضوع الحمل ده مش هيبقى دلوقتي.
سألتها بتعجب :
_ليه؟؟..
أجابتها وهي تحرك كفيها بحركة سريعة :
_عادي، إيهاب طلب مني أخد حبوب منع حمل، وفعلاً بدأت أخدها من كام يوم.
تساءلت بإستغراب :
_طب ليه؟؟..
قالت ببسمة صغيرة لم تصل لعينيها :
_هو بيقول أنه محتاج يأجل الحمل لفترة عشان نقضي فترة طويلة مع بعض وحاجات شبيها بـ دي يعني.
زفرت "ياسمين" بحرارة وهي تهتف :
_يابنتي عادي، أي زوج بيبقى محتاج يقعد مع مراته فترة، لأن الفترة دي مش هتتعوض بعد الخلفة، وكمان ده أنتوا لسه فالبداية.
إبتسمت "مُنى" مرددة :
_الموضوع عادي أنا عارفة، المهم أخبار الهضبة معاكي إيه؟؟..
قهقهت "ياسمين" بضحك على كلمتها وهي تقول :
_هضبة!!.. إنتي مش هتبطلي اللقب ده؟!!..
ردت عليها بعدم إكتراث :
_تؤ، هو لايق عليه بـ جسمه وشكله.
أعتدلت "ياسمين" في جلستها بحركة سريعة وهي تقول لها بحماسٍ :
_آه صح، عايزة أقولك إني قررت خلاص أتحجب!!..
أسندت فنجان القهوة على الطاولة _متوسطة الحجم_ التي أمامها، ثم قالت بدهشة :
_بـجد!!.. إيه الأخبار الحلوة دي!!.
أضافت بإصرار :
_من بُكرا نروح نشتري أحلى لبس ليكي، ده إنتي هتبقي قمر بالحجاب.
هزت رأسها نفياً قائلة :
_لأ مفيش داعي، أنا قولت لـ عز النهاردة الصُبح على القرار ده، فمن غير كلام راح خدني وأشترينا لبس كتير ليا وفساتين.
قالت "مُنى" بإبتسامة مُتحمسة :
_طب أنا عايزة أشوف اللبس.
نهضت "ياسمين" من مكانها وهي تقول :
_طيب، أنا هاطلع أجيب الأكياس عشان أنا بحب رأيك أوي.
**************
مسحت دموعها بقوة التي كانت على وشك الهبوط مرة أخرى، فهي منذ أن خرجت وهي تبكي، كانت أستقلت إحدى سيارات
الأجرة، أخرجت هاتفها من الحقيبة، ثم فتحت أحد مواقع التواصل الإجتماعي "الفيسبوك"، لتقرأ الأخبار العاجلة، كنوع
من أنواع التسلية حتى تصل إلى منزلها، توقفت حركة أصبعها عن تحريك شاشة الهاتف وجحظت عيناها من هول ما تقرأهُ.
"أنقلاب سيارة طائف الحديدي إبن رجل الأعمال الشهير رأفت الحديدي"
شهقت بخفوت وهي تقول بهمس :
_يــنهــار أسود!!.. معقولة أنا السبب!!..
ضغطت على الخبر ليظهر لها تفاصيل الحادثة، كان مكتوب أسم المشفى التي متواجد بها، لتقول بدون أن تفكر مرتين للسائق :
_لو سمحت أطلع على مُستشفى الـ.......
**************
أستشاط "رأفت" غضبًا وأشتعلت عيناه، علت أصواته المرتفعة في أرجاء المكتب، حاول بعض من رجالته أن يسيطروا على
نوبة الغضب التي أعترت رب عملهم والتي تتزايد بشكل عجيب حينما علم ووصل له معلومات موثقة بإنقلاب سيارة
إبنه الوحيد، فالبداية ظن أنها إشاعة ولكن حينما وصلت له المعلومة من المصادر الموثقة، صاح بعصبية قائلًا :
_الكلب، أكيد إبن السيوفي هو إللي عملها، هو أكيد إبن الـ....، والله لأحرق قلبه زي ما هو حرق قلبي!!..
ركض أحد رجالته ناحيته وهو يقول :
_يا باشا أهدى، عشان صحتك!!..
صرخ بغضب :
_ملكش دعــوة!!.. غور من قُدامي!!..
هتف رجل آخر بخوف :
_ألحق يا باشا، عز الدين باشا السيوفي مستنيك بــرا.
أتسعت عيناه التي تبرق بالغل والحقد، حينما علم بوجوده، خرج من المكتب مسرعًا وهو يهدر بصوته العالي :
_هو فين؟؟..
أستدار "عز الدين" وهو يعقد حاجبيه بإستغراب زائف، كان يرتدي نظارته الشمسية السوداء وهو يبتسم إبتسامة قاسية :
_أنا أهوو.
وقف قبالته وهو يقول بذات الإبتسامة :
_واضح إنك عرفت حادثة إبنك.
أجاب "رأفت" بغل :
_عملتها يا إبن السيوفي وجاي تشمت.
تمتم بثقة عالية لا تُليق إلا بهِ :
_أنا لا يُمكن أموت إنسان، صحيح أنا معروف عني إني مش برحم، بس إلا القتل، وبعدين الشماتة دي مش صفة فيا يا إبن الحديدي.
أضاف بصلابة :
_وبعدين دي حادثة عادية على الطريق زي ما بيحصل كل يوم.
سأله في شئ من الغضب :
_أومال جاي ليه؟؟..
لم يرد عليه بل سأله بخُبث :
_بتسأل ليه؟؟.. هو إنت إيه أخبارك أصلاً مع إبنك؟!!.. الخناقة لسه شغالة ولا لأ؟؟..
ضيق عينيه وهو يقول :
_قصدك إيه؟؟..
أولاه ظهره ليسحب علبة سجائره من داخل جيب بنطاله، أشعله واحدة بتريث تاركاً أعصابه تحترق لمعرفة قصده،
أستدار ناحيته منفثاً دخانها ثم قال بنبرة قوية :
_هو مش في خناقة حصلت لما هو هرب السكرتيرة إللي بتشتغل عندي من القصر عندك هنا لما جيت إنت بجبروتك
خطفتها.
أبتلع الأخير ريقه بتوتر ملحوظ بعد حديثه الموحي عن جريمته، ولكن هتف بصوت حاول إخراجه أجش :
_أنا لا يُمكن أعمل كده.
قهقه ضاحكاً ليُثير أعصابه، رمقه الأخير بنظرات متوعدة كاظماً غضبه في نفسه، نظر له بإزدراء وهو يقول :
_لأ عملت، وبعدين مش إنت بعت قاتل مأجور عشان يقتل روان!!..
لوح له بيده صائحاً :
_أخــــرس، أنا معملتش كده.
قست نظراته وهو يتسائل بتهكم :
_أومال إبنك عرف منين إنك عملت كده؟؟.. مش هو بردو راح أنقذها قبل ما ياخُدها الموت.
صاح فيه بإهتياج بعد كشفه عن جريمته :
_بقولك أخـــرس!!..
دس يديه بداخل جيب بنطاله وهو يقول بثقة :
_بس خلاص روان بقت فـ حمايتي دلوقتي.
ثم تابع بتأكيد ونظرات قوية :
_وهتفضل فـ حمايتي لحد ما تنتهي يا رأفت.
**************
بعد ساعة.. أضطربت أنفاسها وهي تجده متمدد على الفراش وبعض من الأسلاك موصولة بصدره العالي، ورأسه الذي تم
تضميد جزء العلوي بالشاش الطبي، كتمت شهاقتها لثوان قبل أن تنطق إسمه بصوت متحشرج :
_طائف.
أغمضت عينيها أن تهبط دموعها قائلة :
_يعني إمبارح كنت أنا بين الحياة والموت، والنهاردة تبقى مكاني.
أنسابت دموعها بغزارة أكبر لتزيد من آلمها النفسية، أمسكت بكف يده قائلة :
_أنا آسفة إني جرحتك، بس إحنا لازم فعلاً نبعد، أنا مكاني مش معاك، أنا هفضل جنبك زي ما إنت كنت جنبي، طب أقوم عشان خاطري.
صمت للحظات وهي تبكي بمرارة قبل أن تشهق بفزع حينما أستمعت صوت صــارم يُنادي عليها، أستدارت ببُطء لتجد رب عملها ومدير مكتبه يقفان بثبات، قالت بصوت مبحوح :
_مستر عز!!!.. ومستر إيهاب!!..
❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️
"الفَصْلُ السَّادِسُ عَشَرَ"
ران الصمت على المكان بضع ثواني بعد أن نطقت بإسم كلاً منهم، حاولت أن تتماسك أمامهم ولكن ظل جسدها يرتعش من كثره التوتر والقلق والخوف الذي أعتراها منذ بداية علمها بخبر الحادثة، دنى منها "إيهاب" مردداً :
_تعالي يا روان، إحنا عايزين بس نتكلم معاكي في حاجة.
أومأت رأسها قبل أن تسير خلفه، خرج "عز الدين" من الغرفة ثم أستدار ليكون في مواجهتها، رمقها بتمعن بينما كانت تشعر بإضطراب لا تعلم سببه، سألها بجدية بالغة :
-إيه إللي جابك المستشفى هنا يا روان؟؟..
ردت عليه بدون أن تفكر مرتين :
_كنت لازم أبقى معاه زي ما هو فضل معايا.
تسائل "إيهاب" بنبرة هادئة :
_طب وإنتي إيه أخبارك؟؟!!.
أجابت على سؤاله في شئ من الإضطراب :
_الحمدلله يا مستر إيهاب.
رفع حاجبيه للأعلى وهو يتمتم بإبتسامة صغيرة محاولاً أن يبث بداخلها الطمأنينة :
_طيب بلاش توتري نفسك، إحنا مش هنعملك حاجة، فـ أهدي يا روان، ده كمان عشان خاطر صحتك.
هبطت دموعها بغزارة وهي تشهق باكية، لم تستطع حقًا الصمود، أستندت بيديها على الحائط وصورته لا تريد أن تفارق عينيها، شعرت بتأنيب الضمير يجتاحها بعد حديثها معه بتلك الطريقة القاسية، أقترب منها "عز الدين" ثم قال لها بنبرة حاول إخراجها هادئة :
_ممكن تهدي وتقوليلي إنتي بتعيطي ليه؟؟..
تطلع "إيهاب" إليها بحيرة وهو يقول :
_مالك يا روان؟؟..
تحولت نظرات "عز الدين" إلى الغموض، ضيق عينيه وهو يتسائل في شئ من المكر والخبث في آن واحد :
_روان، هو إنتي بتحبيه ؟؟..
أبتعدت عن الحائط وقد أضطربت إضطربًا شديدًا، لقد أصاب الموضع الحساس بداخلها، بلعت ريقها بصعوبة وهي تحاول أن لا تنظر ناحية عينيه مجيبه بإرتباك واضح :
_لأ مش بحبه.
دس يديه بداخل حسب بنطاله متابعًا بإبتسامة جانبية توضح مدى مكره :
_أومال بتعيطي ليه أوي كده ليه؟؟..
هتفت وهي تكفكف عبراتها بظهر يدها :
_يا مستر عز، البني آدم ده أنقذني مرتين من الموت، في وقت أنا مكنش ليا أي حد فيه، دلوقتي لما أشوفه بين الحياة والموت، المفروض طبعاً أزعل جداً عليه!!...
ظلت إبتسامة ماكرة غامضة مرتسمة على وجهه، بينما هتف "إيهاب" وهو يشير بيده :
_طيب خلاص، لو عايزة تدخلي الأوضة تقدري تدخلي.
نظرت ناحية رب عملها لكي تأخذ منه الأذن، فـ حرك رأسه بخفة وعينيه ثابتة عليها، سارت صوب الغرفة وهي تمسح دموعها مرة أخرى التي تساقطت بغزارة، التفت "إيهاب" له بملامح متهجمة متسائلاً بصوته الأجش :
_إيه يا عز!!.. إزاي تسألها سؤال زي ده؟؟..
أجاب بصوت رجولي قوي :
_إيهاب، أنا عارف أنا بعمل إيه كويس، وأنا تعمدت أسأل السؤال ده.
سأله بتبرم :
_طب وأستفدت إيه لما سألتها؟؟..
أجابه ببساطة :
_أنا مش هستفيد دلوقتي، بعديــن!!..
مسح على وجهه بنفاذ الصبر قائلاً :
_الواحد مش قادر يفهمك اليومين دول.
أخرج نظارته الشمسية مردداً :
_معلش، بعدين هتفهم، يالا عشان أنا لازم أمشي.
تمتم بإستغراب :
_هو إحنا هنسيب طائف وروان هنا لوحدهم!!..
هتف بتهكم هاتفًا :
_أومال عايزني أبات هنا!!..
نفخ الأخير بضيق، ليضيف بجدية :
_ماتقلقش، أنا سايب شوية من رجالتي برا المستشفى يتابعوا إللي بيحصل أول بأول، وكذلك الدكاترة وصيتهم توصية جامدة على طائف، ثالثًا أنا سايب أتنين من رجالتي هيحرسوا روان من النهاردة.
تعجب بشدّة قائلاً :
_طب ليه عامل حراسة لـ روان ؟؟..
حرك رأسه نفياً ثم قال بصوت جاد :
_مش بقولك إنك في حاجات مش فهمها، على العموم تعالى بس نخرج من هنا عشان إللي هقوله هيبقى كلام خطير.
**************
عاد "عز الدين" إلى القصر بعد أن أوصل رفيقه إلى منزله، دخل الغرفة بخطوات هادئة ليجدها غائصة بداخل نوم عميق، دنى منها ثم جلس بجوارها، أبعد خصلات شعرها عن وجهها وعينيها، إبتسم لها بإشتياق وهو ينحني برأسه ليُقبل جبينها، تململت "ياسمين" ثم تشكلت إبتسامة صغيرة على شفتيها، فتحت عيناها وهي تنظر له بإبتسامة مشرقة، مسح على شعرها بحنان ناظرًا إليها بشغف، همس لها بشوق :
_وحشتيني أوي يا ياسمين.
أجابته مبتسمة :
_أكتر والله.
مسح بأصابعه على وجنتيها وجبينها مردداً بعشق :
_تعرفي إنك كل شوية بتحلوي عن الأول بكتير .
تمتمت بخفوت :
_طب أنا مش بعرف أرد على الكلام الحلو وإنت عارف ده!!..
همس لها قائلاً :
_مش لازم، أنا عارف وأسس بكل كلمة نفسك تقوليها.
قَبّل شفتيها برقة ثم قال بإبتسامته الخلابة :
_بحــبــك.
ثم وثب واقفاً لتبديل ملابسه، ولكن قبل أن يشرع في التحرك كانت تمسك يده بقوة مانعة إياه من الذهاب، أستدار بجسده ثم جلس مرة أخرى، أحتضن يدها بكفي يدها قائلاً :
_في حاجة عاوزها ولا إيه يا حبيبتي؟؟..
همست "ياسمين" بتردد :
_عز أنا عايزة أسألك على حاجة شاغله بالي بقالها فترة.
هز رأسه قائلاً بتأكيد :
_أسألي يا حبيبتي.
سألته بتردد أشد :
_هو إنت ليه كنت قاسي معايا زمان، خطفتني وأتجوزتني غصب من غير سبب وبتهديد، ليه كل ده حصل من الأول.
ترقرقت الدموع بمقلتيها رغماً عنها وهي تتذكر شخصيته القديمة معها، كل ما تريد أن تعرف لماذا؟!!.. لماذا تزوجها بتلك الطريقة؟؟..
بلمح البصر كان "عز الدين" يرفع وجهها إليه لـ يُقبل عينيها وهو يرد :
_عشان خاطري أنسى الأيام دي، بلاش توجعي نفسك وتوجعيني معاكي.
وضعت يديها على صدره لتدفعه بخفة ثم أعتدلت في جلستها، قالت "ياسمين" بيأس :
_غصب عني بفتكر يا عز.
هتف "عز الدين" بندم :
_أنا آسف، أنا آسف يا ياسمين.
صمت للحظة قائلاً بإبتسامة التي تجعلها في حالة أخرى :
_أنا مستعد أعافر عشانك، أنا بعشقك يا نصفي.
همس "عز الدين" بتلك النبرة التي جعلت كل مخاوفها تضمحل، جعلت روحها تنشرح لف خصرها بذراعه ليقربها إليه بشدة ثم أنحنى يُقبل عنقها الظاهر بشغف، أستنشق عقبها بقوة فـ ملاذه الوحيد رائحتها، ثم همس بصوت رجولي :
_بس الحاجة الوحيدة إللي عملتها صح، إني أتجوزتك يا ياسمين.
***************
جلس على الأريكة وهو يتحدث في الهاتف قائلاً بنبرة مليئة بالتبرم :
_يعني إيه الكلام ده؟؟..
أجابه طرف الثاني مردداً بهدوء بارد :
_زي ما سمعت، إنت كده بتودي نفسك في داهية وأنا معنديش أستعداد أودي نفسي في داهية طالماً مش بتفكر.
تنهد بضجر هاتفاً :
_خلاص يا منصور، مفيش داعي نخسر بعض عشان إنتقامي من إبن الـ...... ده!!..
هتف "منصور" بلؤم :
_هو ده الكلام، أهو كده تعجبني.
**************
بعد مرور يومين، كانت الأشياء ساكنة من حولها إلا صوت جهاز قياس نبضات القلب، ظلت بجانبه طوال تلك الفترة، لم تتحرك إلا في وقت الشدة، أشتاقت لرؤيته لسماع صوته، أنتبهت حواسها فجأة حينما شعرت بعودته للحياة من جديد، وجهت أبصارها على وجه "طائف" منتظرة بفارغ الصبر فتح عينيه.
حرك رأسه وهو يئن بهمس ضعيف، فتح جفنيه بتثاقل شديد ولكن سرعان ما أغلقهما حينما هاجمته الإضاءة القوية، حاول الأعتياد عليها حتى أتضح أخيراً الخيال المشوش قليلاً، همست بسعادة قائلة :
_طائف!!.. إنت فتحت؟!!.. حمدلله على سلامتك.
دقق في ملامحها بنظرات غريبة.. خالية من الحياة، أجتاحها القلق وأنقبض قلبها بقوة، سألته بقلق :
_طائف!!.. في إيه؟!!.. مش بترد ليه؟!..
لم يجيبها بل ظل ينظر لها ذات النظرات لتهتف بذعر عقب أن تخيلت ما وصل إليه بسبب الحادثة :
_لاااااأ، طائــف!!..
القراءة الجزء الثاني جميع الفصول من هنا
لقراءة الجزء الاول كاملة جميع الفصول اضغط هنا
