CMP: AIE: رواية خفايا القدر الفصل السابع7بقلم روان عرفات
أخر الاخبار

رواية خفايا القدر الفصل السابع7بقلم روان عرفات


 

#خفايا_القدر 

# الفصل_السابع

بقلم روان_عرفات. 


بغرفـة المشفى… يجلس الجميع بالغرفة التي تقبع بها أوركيد، بعدما أخبرهما الطبيب أن الذي حدث معها لأنها منذ ليلة أمس لم تنم ولم تعتني بنفسها جيدًا، تجلس روز بجانب ابنتها،




 تحاوطها بكلتا يديها بتملك، على الجانب الآخر آدم الذي أَيضًا يقوم بمحاوطتها كـزوجته تَمَامًا .. ابتسمت أوركيد باتساع على والديها وعلى خوفهما الواضح عليهما .. ربتت على أيديهما وأردفت بنبرة هادئـة :

- ربنا ما يحرمني منكوا يا أغلي من حياتي .. بس أنا كويسه أهو .. ماتقلقوش .


شددت روز على أحضانها وفعل المثل آدم مما جعل يوسف ينفجر ضاحكا وقال بمرح غاضب من بين ضحكاته :

- لا بقلكـوا إييييـه .. دي مرات الغالي، سيبوها ترتاح كده وأبعدوا عنها خالـص .


ضيق آدم عينيه ووجه حديثه إلى ندى قَائِلًا بنبرة مرحه جعلت الجميع ينفجر ضاحكا عليه :

- بالله عليكِ يا ندى فيه حد بيتكلم كده ومدايقني .. قولي له يسكت لأني كمان شوية وهلغي النسب اللي ما بينا .


نظر إليه يوسف بسخرية وأردف بكبريـاء :

- ماتقدرش ده أَوَّلًا .. والبنت بنت أختي، وأختي لا يمكن تقبل إنك تعمل حاجه زي كده وده ثانيـًا .


تنهد بقوة وقال بمرح بعدما ارتسمت ابتسامة واسعة على ثغره عندما وقعت عينيه على الجميع ورأى فيهما فضول لمعرفة "ثالثا" :

- لا مفيـش ثالثـًاا ! 


ألقى آدم الوسادة عليه بغضب منه ومن زوجته التي انفجرت ضاحكة على حديث أخيها .. ابتسمت أوركيد عليهما بخفه، ولكن يوجد دقـة عنيفه بقلبها، دقت بوصب، دلت على عدم إرتياحه، تنهدت بقوه وأغمضت عينيها بألم باد عليها…


يئن جسدها ألمًا، لكن انعجاج الروح، والنفس تعدى أي شجىً بهـا. 


               ********


تجولت عيني ندى في الغرفة الواسعة. باحثة على أخيها الذي لم تره منذ فترة، خرجت من الغرفة بهدوء وحزن احتل ملامحها لحال صديقتها .. ابتسمت بخفه عندما وقعت عينيها على وليد الجالس على إحدى المقاعد بجانب غرفـة كرم، هرولت إليه سريعا وجلست قبالته وتحدثت بنبرة قلقة :

- وليد .. طمني عليك حبيبي .


رفع وليد وجهه إليها. ناظرها بحزن ودموع تتلألأ بمقلتيه ضعفا وسرعان ما أخفض رأسه وأخفى دموعه التي تحررت من بين سجن جفنيه، مما جعلها تقترب منه وترفع وجهه تجاها، قائلة بصدمة وقلق عليه :

- وليد؟ أنت بتعيط! 


هز رأسه نافيـا، وتنهد بعمق مجففًا عبراته بهدوء. ناظرًا أمامه بشرود .. تاركًا تلك المسكينة التي بجانبه تتخبط بين أفكارها وخوفها عليه .. قالت بصوت مختنق :

- يا وليد أنا متعودتش عليك ساكت كده .. رد عليا وقولي مالك، محتاج لإيـه؟ 


حول نظره إليها وثبت عينيه على عينيها وأردف بخفوت وبحه خفيفه أثر صمته لوقت طويل :

- حضنـك .


ابتسمت بأتساع وبسطت ذراعيهـا وقالت بأبتسامة ونبرة حانيـة :

- تعالى .. وهنبقى نتحاسب على الأجرة بعد ما أطمن عليك .


ضحك بخفه عليها، واقترب منها بهدوء. حاوطته هي بكلتا يديها بتملك، احتوت شظايـا روحه المتناثرة بداخل حضنها الدافيء، لملمت بقايـا قوته بضمة يدها القوية ليديه .. قامت



 بـمداواة حضيض جرح قلبه بكلماتها التي كانت كـدعوة ثابتة في علم الغيب، بمعافاة مريض كاد يفقد معافاتـه لخبث المرض الذي ينهش بجسده، هونت عليه مُـر الأيام… فكيف لعنـاق بريء مداواة كل ما تحمله النفس من متاعب! 

وكأن للقلوب أذرع، عندما تتألم لا تجد مأوى سوى نصفها الآخر، الذي بجسد شخص آخر!


يمكنك تحمل بشاعـة العالم، مادام لديك شخص واحد يُساندك؛ شخص واحد فقط، وستنجوا كما أنت !! 


 💛 اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد 💛


 "بداخل الغرفـة" 


ناظرها يوسف بحزن لحالتها، غمز بعينيه بخفه وبحزن ظاهر جليا بهما. اماءت له بطمأنينة وهي تعلم ما يريده، نظرت إلى والديها وقالت بخفوت :

- ماما محتاجه أتكلم مع خالو شوية . 


ناظرها آدم بغيظ وقال بغيرة واضحة :

- أنا اللي أبوكي مش هو على فكرة!


ضحكت بخفه وشاركها يوسف الضحك بخفوت، أخذت روز زوجها وتأبطت بذراعه وخرجت للخارج كي تترك المجال لأوركيد ويوسف بالحديث بمفردهما .. بمجرد خروجهما أقترب



 يوسف من أوركيد وجلس إلى جوارها بهدوء. تنهد بعمق وارتسمت ابتسامة خفيفة على ثغره وردد :

- فهمتيني ازاي كده؟


ابتسمت باتساع وأغمضت عينيها لثوان معدودة، ثم قامت بفتحهما مجددا مع قولها له بنبرتها الحانية والمحبـه لقلبه :

- أنت أكتر من خال .. ازاي مش عايزني أفهمك؟ 


ربت على فروة رأسها مع ابتسامه خفيفة ارتسمت على وجهه .. لكن سرعان ما احتل الحزن ملامحه، انسالت الدموع على خديه بحرقة. مع شهقاته العالية التي جعلت أوركيد تهتف بقلق :

- مالك يا خالو؟ 


انفجر بالبكـاء وناظرها بحيرة... فهو بذاته لا يعلم ما بـه، فكيف له شرح شيء مجهول بداخله؟! 

احتل الحزن جدران قلبه، بل أنها تآكلت لكثـرة الأحزان .!! 


أمسكت بيده وربتت عليها بخفه وقالت بهدوء :

- ينفع تحكيلي اللي جواك؟ خايف من إيه؟ 


جفف دموعه وتنهد الصعداء قائلا بصوته الباكي :

- مش عارفه!! أنا حتى مش عارف حاسس بإيه .. اللي حصل مش سهل عليا أستحمله .. أشمعنـ…


قاطعته سريعا بمسكة يده بكلتا يدها قائلة بابتسامة خفيفة ارتسمت على محياها :




- لا يا خالو .. متقولش كده، وأوعى تعترض على حكمة ربنا في اللي بيحصل .. احنا لحد دلوقتي منعرفش اللي حصل وإيه اللي وصل أكرم لكده .. وبعدين ده بلاء ولازم نصبر عليه، افتكر إنك ديما بتفكرني بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم لما



 بيقول "عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صل الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ عِظَمَ الجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ البَلَاءِ، وَإِنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْماً ابْتَلاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ"

الحمد لله على كل شيء…


انفجر بالبكاء مجددا من حديثها الذي منعه من الأعتراض على حكمة الله بما حدث معه، تنهد بعمق وأخذ يحمد ربه مرارًا وتكرارًا مُتسائلًا بهدوء :

- المهم أنتِ كويسه . 


أماءت له بخفه وفعل هو مثلها وران عليهما الصمت لفترة لا بأس بها. قطع يوسف الصمت السائد بينهما بنبرة راجيه لها وبصوت متحجرش :

- مش عايز يا أوركيد حد يعرف عن أكرم واللي قاله الدكتور .. انا عارف صدمتك بـ…


قاطعته مجددا بنبرة سريعة :

- أنت ناسي انه جوزي؟ يعني مهما حصل هيفضل كده وكرامته من كرامتي، وزعله من زعلي، وشدته لازم اقف معاه فيها .


كانت تتحدث وكأن الذي حدث لم يدمي قلبها بالأحزان، لم ينهش روحها المتلهفة للقُيـاه، والحديث والفضفضة بما تحمله النفس من تراكُمات. ولم يطفيء بريق عينيها، التي كانت تبرق



 شوقـًا وحبًا بـه، ولم يجعل للدموع حجة التحرر من جفنيها كل ليلة على وسادتها، لم ولم ولم، هو لم يفعل شيئـًا سوى أنه أفقدها ذاتها بتصرفاته وتركه لها في أكثر الأوقات احتياجـًا له.


انتبهت لرنين هاتفها الذي يعلن عن تلقي إحدى الرسائل من شخص تجهله، أمسكت الهاتف بسرعة. متلهفة لمعرفة المرسل لكثرة الرسائل التي قام بإرسالها .. صُعقت من هول المنظر.



 الذي رأتـه، تخشب جسدها وارتعشت يديها خوفًا وحزنًا. بعدم تصديق لِما تراه، قامت برمي الهاتف بآخر الغرفة ببكاء مما جعل يوسف يُنَاظِرُهَا بتعجب لحالتها المُبْهِمة، تحرك من مقعده



 بهدوء وأخذ الهاتف من الأرض وقام بفتح آخر تطبيق قامت بفتحه هي، وسرعان ما ألقاه أرضـًا. بصدمة أُخرى كادت أن تفقده نبض قلبه، فكيف للقلب تحمل صدمات كـالأسهم؟ 



كيف للعين تحمُل رؤيـة حصيدة ما زرعه الأب في أولاده بهذه الطريقة؟ 

أغمض عينيه لثوانٍ وكأنه يُـريد فقط جعل كل الذي يحدث مُجرد حلم وسينتهي أن قام بفتح عينيه!! 


نظر لأوركيد بوجع ينهش في خلايـا قلبه. شعر أن قدميه باتت بالفشل في حمله، بات ثقيلًا عليها فأرتخت بوهن.. جلس أرضًا وضم قدميه بكلتا يديه، واضعًا رأسه بينهما، وبكى.. أخرج كل ما يحمله القلب من حزن في البكـاء.. بكى وكأنه لم يبكي طيلـة حياته، وكأن ما باليد حيلة سوى البكاء والدعاء فقط! 



ولو كان ابنه بالغرفه وشاهد والده بهذه الحالـة، لبكى ندمـًا لِما اقترفه من شيء قام بِكسرهم جميعًا.! 


تحاملت أوركيد على نفسها وقامت من الفراش بفتور، جلست إلى جواره وضمت يده إليها بقـوة ضعف قلبها من كل تلك الصدمات التي تلقاها منذ ليلة أمس، منعت دموعها التي كانت على وشك النزول على خديها .. كان ينظر لها وكأنه يتوسل إليها بعدم البوح لأحد بما رأته .. تنهدت بعمق وقالت بأبتسامة مزيفة :

- ماتخفش .. عمري ما أعمل، ولا أقول لحد، الحاجه دي تمسني وتمس كرامتي .. وهو مهما كان جوزي ومينفعش أعمل كده فيه .


ابتسمت لها بخفه، ربت على ظهرها بحنان وعيناه تفيض بالأسف لها ولأنه لا يجد شيئًا يفعله في تلك الحاله سوى ذلك!!


وكأن عليها مُساندة الجميع، وفي المقابل لا يوجد من يُـساندها، ويشعر كونها تحطمت!!

 

من أصعب الصدمات، تلك التي تأتـي من الأقرب للقلب، وتميل له وتهـواه الروح. الذي وضعت بـه ثقة العالم أكمل… ستأتي منـه.!!


💛 اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد 💛


وضعت رأسها على المنضده وعينيها مُعلقة عليه وعلى ملامحه التي حفظتها عن ظهر قلب، فعل مثلها بابتسامة حانيـة، ضحكت بخفه وهي تضع يدها على وجهها تخفي معالمه من الخجل، تلك الحركة التي لا تُفارقها. صمت أمير تمامًا .. ظل يُنَاظِرُهَا بصمت مطبق، تنهيدة مُتعبة خرجت منه مع اقتراب



 يديه من يدها وضمها إليه بإحتياج قلبه إليها ولقربها منه.. ضغطت عليها وهي تبتسم له بخفه، ظلت أعينهم مُعلقة على بعضهما دون حديث. همست ورد بحزن لحالته :

- أنا معاك أطمن .. كل حاجه هتبقى بخير . 


أماء لها عدة مرات بهدوء .. داعب أنفها بإصبعه مما جعلها تنفجر ضاحكة وهي تبتعد عنه بدلال، بادلها الضحك وعينيه مُعلقة عليها، ولكن سرعان ما تبدلت ضحكته إلى صمت مُميت جعلها ترفع إحدى حاجبيها بتعجب، قائلة بتساؤل :

- مالك يـ…


قاطعها بنبرة حادة وهو يعتدل في جلسته :

- اتعدلي بسرعة . 


اعتدلت ورد في سُكُون، وتعجبت من لهجته. وما زاد حيرتها أنهما بمفردهما في كافتيريا المشفى وهذا ما جعلها تأخذ راحتها بالجلوس دون تقيد.. نظرت إليه بخوف من حالته،



 تتبعت عينيه التي تنظر إلى الأمام بجمود. أخفت ابتسامتها عن ناظرية وهي ترى شابًا يُراقبهما بعينيه بجرأة، اعتدلت في جلستها مُجَدَّدًا وهي تضع يدها اليُمنى على وجنتيها بابتسامة فشلت في اخفائها، انتبه أمير إليها وقال بغيظ :

- انتِ بتضحكي ليه؟


قالت ورد بصدمة مصطنعة :

- أنـا؟؟


احتدت نظرته عليها وقال بعصبية حاول التحكم فيها :

- ايوه انتِ .


بلعت ريقها بتوتر مصطنع وقالت وهي تؤشر على نفسها بملامح وجه حزينة وطفولية :

- أنا يا باشا؟ والله ما حصل!! 


ناظرها بعدم فهم لحالتها تلك ومظهرها المُضحك، أخفى ابتسامته ببراعة لكنها قالت سريعا وبنبرة مُضحكة :

- أنت اللي بتضحك اهوو .. أنـا بريئـة . 


أنهت حديثها وهي تُسقف بكلتا يديها بفرحة تعجب منها .. انفجر ضاحكًا عليها، شاركته الضحك بتنهيدة طويلـة مطمئنة. فما اطمئن قلبها إلا عندما استمع ضحكته .. تنهد أمير بإرتياح بعدما رأي الشاب يبتعد عنهما، ناظرته ورد بابتسامة هادئة وقالت وهي تجلس إلى جواره : 



- مفيش راجل في الدنيا قدر يملى عيني ودنيتي غيرك، مفيش راجل في الدنيا هيقدر يحرك شعره فيا طول ما أنا بحبك .. مفيش حد هيقدر يسعدني قدك ولا يخليني حابـه الحياة لمجرد وجوده معايا.. بحبك أنت ودقات القلب عمرها ما كانت غير ليك. 


أمسك وجهها بكلتا يديه بنظرة تحمل الكثير من المعاني، انعقد لسانه عن الحديث. كلماتها كـأحتواء الكُتب للأحرف والكلمات، كالمزهرية التي تحتوي الورد بداخلها. كذراع حنونة إلتفت حول قلبه، كلماتها كدواء جاء لمريض كاد يفقد نفسه من شدة المرض .. أردف بحنان وابتسامة عاشقة : 


- وعلى الرغم من متاعب الدنيا، إلا إنك قادرة بضحكة منك تهوني عليا كُل مُـر. 


💛 اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد 💛


- خالو انا عايزة بجد اشوف البنت اللي عملت الحادثة مع كرم .. أنت رافض ليه؟ 


قالتها أوركيد بعصبية مما جعل روز تتحدث بنبرة حادة بعض الشيء :

- خالك أكيد خايف عليكِ، وبعدين أنتِ مُصرة تروحي ليه؟ 


صمتت تمامًا وناظرت يوسف بحزن يغزو قلبها. لا تعلم ما سر فضولها في معرفة من فتنت قلب زوجها، من جعلته يتركها هي ويذهب لها.. من تسببت في بني حاجز من الصعب تخطيه



 فيما بعد، من جعلت قربه بغُض.. وابتعاده عنها راحة لقلبها، من جعلت احتياجها له ضُعف وشيء كلما تذكرته بكت بكل ما أُتيت من ضعف.. فما فائدة الاحتياج عندما يكون للشخص الخطأ؟ 

ما بين الحب والفراق حاجز إن اخترقته رصاصة الخيانـة هُدم!! 


تنهد يوسف بثقل مما جعل آدم ينظر إليه بتعجب من حالته وحال ابنته، لكنه فضل الصمت. تحدث يوسف أخيرًا بعدما جلس جوارها :

- هوديكِ بس مش عايز تأخير .


اماءت عدة مرات بسرعة. ابتسم يوسف عليها ونظر إلى أخته بنظرة لم تفهم معناها .. قال آدم بتساؤل :

- إيه الفكرة في أنها مترحش؟ 


نظر إليه يوسف بتوتر ناظرته أوركيد بنظرة مطمئنة ليردف بهدوء : 

- منظرها مُتعب للنفسية.. وأنت عارف أوركيد أكتر مني .. مش هتستحمل منظر زي ده!! 


نظر إليه آدم مُطولًا، مُتعجبًا لحالتهم تلك. اقترب من ابنته وجعلها تستند عليه كي يذهبا إلى غرفة روجينا بعدما تم نقلها



 إلى غرفة عادية لأن حالتها مُستقرة وفي تحسن ملحوظ.. بمجرد أن وصلا أمام الغرفة خرجت تنهيدة عميقة من أوركيد وهي تُربت على يد والدها بحنان قائلة بابتسامة :

- سيبني يا بابا وأنا هدخل لها لوحدي.


جاء ليعترض لكنها قاطعته بذات الأبتسامة المُطمئنة وهي تُقبل يديه :

- ماتخفش عليا .. أنا بخير، محتاجه بس اتكلم معاها وأشوف اخبارها إيه. 


اماء لها بخفه وذهب بعيدًا عنها.. ظنت لوهلة أن الأمر سهل عليها، كانت مُخطئة.. فكيف لها تحمل رؤيـة من فعلت بها كُل هذا الأذى!!



دخلت إلى الغرفة وبجانبها إحدى الممرضات التي أغلقت عليها الباب بعدما أخبرتها بعدم التأخير والحديث معها بكثرة.. وقفت محلها دون حراك، فقط تنظر إليها وهي تتسطح على الفراش بحزن.. لا تعلم لِما شعرت للحظة بالشفقة عليها وعلى حالتها، اقتربت منها بخفوت، أغمضت عينيها وجعًا وهي تستمع لأنينها ومنداتها لزوجها، جلست إلى جوارها بصمت، فقط تتطلع إليها.



 ملامحها بريئة لا تقول بأنها هي من كانت مع زوجها.. أخذت تتسائل بحيرة، أين أهلها؟ كيف لهم أن يتركوها للحد الذي يجعلها تفعل الحرام دون خوف؟ أين مبادئها وحيائها؟ 

تنهدت بضيق وناظرتها بدموع متحجرة.. فكم من مباديء دُفنت أثر مجتمع لا يفقه شيء!! 


وضعت يدها على وجهها بوهن، بداخلها شيء تحطم، شيء كان من الصعب اختراقه. لأول مرة تشعر بهذا الضعف الذي تمكن بها..

فتحت روجينا عينيها ببطء، صرخت فزعًا عندما رأت أوركيد أمامها وعينيها مصوبة عليها، وما جعل خوفها يزداد كونها تعرفت عليها.. فقد رأتها عدة مرات مع كرم كما أنها أيضًا طلبت


 منه رؤية ما فعلاه يوم كتب كتابهما ووافقها دون جدال ولا حذر منها ومن تفكيرها .. هدأت بعض الشيء عندما قالت أوركيد بنبرة باكيـة :

- عرفتيه من فين؟ 


أدمعت عيني روجينا وهي تتذكر ليلة أمس.. عندما كانت بداخل أحضانه في الغرفة الخاصة بها، بجانبها كرم الذي يضمها إليه بطريقة يتعجب منها أحيانًا.. يشعر بقربها كطفل صغير لا



 يجد الأمان إلا بأحضان والدته.. مُمسكًا بيده كأس مليء بالخمر.. كل منهما غارق في عالمة الخاص، كل منهما يوقن بأن الذي يفعله خطأ، ولكن ما فائدة الإعتراف بالخطأ وأنت مازلت تسير على نفس الطريق؟!


انتفضت روجينا بفزع وهي تستمع إلى صراخ طليقها، ارتعش جسدها خوفًا.. اختبأت بداخل احضان كرم مُجَدَّدًا الذي طلب


 منها أن يذهب لكي يرى من الطارق، لكنها منعته سريعًا وطلبت منه احتوائها ببكاء .. ضمها إليه وقال بتعجب :

- أنتِ خايفه من إيه؟ أنا هروح أفتح وأشوف مين وهرجعلك تاني والله.


هزت رأسها برفض، خرجت منها صرخة مدويـة وهي تستمع إليه وهو يطلب منها الخروج والمواجهة وجهًا لوجه.. بكت، أخذت تبكي كطفلة صغيرة في أحضانه.. تأكد كرم حينها بأن



 الطارق طليقها، ولكن ما جعله يتخبط في أفكاره خوفها وإرتعاش جسدها كلما احتدت نبرته!! ما الذي فعله بها لكي تخافه بهذا الحد؟! قال وهو يمسد على فروة رأسها بحنان :

- ماتخافيش.. أنا معاكِ .


قام من الفراش بعدما طمئنها.. طلب منها أن يذهب لمحادثته كي يبتعد، فصراخه أمام المنزل سيُسبب المشاكل لها.. خرج من الغرفة بضجر منه ومن صوته العالٍ، فتح الباب بعصبية بعدما قام بإرتداء ملابسه. أردف بنبرة غاضبة :

- نعم؟! 


ناظره مجد طليق روجينا بعدم فهم لوجوده بشقتها، لكنه قال بسخصرية وهو يضرب كفيه ببعضهما :

- هستغرب من وجودك هنا ليه .. وهيا دي شغلتها أصلًا!


أنهى حديثه تزامنًا مع خروج روجينا من الغرفة وهي تقترب من كرم لتحتمي خلفه.. قائلة بعدما أمسك كرم يدها وضغط عليها بقوة، كانت لفعلته اثر كبير في نفسها وقلبها، وكأنها مصدر قوة لكليهما :



- لو سمحت يا مجد أمشي من هنا.. احنا ملناش نصيب في بعض، وعمر جوازنا ما هيكون ناجح.. الجواز اللي مايتبنيش على التفاهم، والحب، والود.. عمره ما هيستمر!! 


ضحك بقوة على حديثها مما جعلها تنظر إليه بغيظ يكاد يفتك بها، أخفض رأسه تدريجيًا بعدما رفعها بحركة عفوية مع ضحكته الساخرة عليها، ناظرها بإعجاب ساخر وهو يُسقف بضحكة جعلتها تكز أسنانها غيظًا.. قائلًا :



- لا بجد برافو.. بس قولي لي أمته اتعلمتي الكلام ده؟ 


مع انتهائه لحديثه ضربه كرم في جبهته بقوة جعلته يتأرنح مع صرخة عالية خرجت من روجينا وهي تضع كلتا يديها على


 فمها بصدمة مما فعله كرم .. رمقه مجد ببغض وهو يضع يده عليها بتألم. اقترب من روجينا وأمسك بيدها وجَّرها خلفه بوحشيه، اتسعت حدقتيها بزعر.. حاولت مرارًا وتكرارًا تثبيت



 قدميها بالأرض وسحب يدها من قبضته ولكن هيهات، فقد كان كالوحش الثائـر. لا يرى أمامه شيء سوى أنه يُـريدها ولا يجد سببًا لإصراره عليها بعدما تم انفصالهما بالتراضي بينهما.. 


هرول كرم سريعًا خلفه بعدما وصلا للطابق السفلي من العمارة بوقت قصير جدًا.. وقف أمامهما بوجه لا يبشر بالخير، زفر بحنق وأخذ روجينا وقربها منه بقـوة، قائلًا بتحذير :



- إيـاك تاني مرة تقرب منها .. أبعد عنها عشان ماتنولش اللي عمره ما هيجي على هواك . 


أنهى حديثه وهو يوجه له سبابته بتحذير ونظرة ناريـة.. وقبل أن يخطو خطوة لداخل العمارة مُجَدَّدًا، مسكه مجد وضربة



 ضربة قوية.. ترك كرم يد روجينا وأخذا يتضاربان بوحشيـة، مع صراخ روجينا الذي جعل الشباب التي كانت بالشارع تأتي لكي تفض الإشتباك الذي بينهما.. لكن لا يوجد احد منهما يُريد

 ترك الآخر، هدأ كرم تمامًا بعدما رأى جسده يهوي أرضًا. نظر لروجينا بلامبالاة وأمسكها من معصمها وبسرعة البرق صعدا



 سيارته وذهب بها بعيدًا.. لا يدري بمن فاق من اغمائه بعدما ذهبا بوقت ليس بطويل وأخذ سيارته الخاصة وذهب خلفهما بسرعة عالية..


كان كرم يمشي بسيارته بإعجوبة لكثرة شربه لهذا السائل الذي يجعله بعالم غير العالم.. صرخت روجينا بفزع بعدما رأت



 سيارته خلفهما مباشرةً، طلبت من كرم تهدئة السرعة لكنه كان مغيب تمامًا عن الدنيا وما فيها، وبسرعـة البرق ارتطمت السيارتين ببعضهما البعض.. مع صراخ روجينا الذي هز الأركان



، وارتعاش جسدها بعدما هزته أوركيد بحركة عفوية؛ فاقت من شرودها على يد أوركيد التي تعجبت وبكت من صرختها تلك، ناظرتها روجينا بحزن ينهش بقلبها ..أجابتها على سؤالها



 كإجابة كرم تمامًا وأخبرتها كونها كانت تحاول الفرار من طليقها الذي اقتحم شقتها دون معرفة .. مما جعل أوركيد تنظر إليها بابتسامة ساخرة وهي تُجفف عبراتها بألم، تساءلت روجينا بهدوء :

- طمنيني على كرم .. أخباره إيه؟


ردت عليها بإقتضاب :

- الحمد لله .


أنهت حديثها مع اقتحام الغرفة من قِبل الممرضة التي وجهت حديثها إلى روجينا بعدما اطمأنت على وضعها الصحي :

- حمد لله على سلامتك وسلامة الشاب اللي كان معاكِ .. بس للأسف فيه واحد منهم مقدرناش نساعده.. البقاء لله .


نظرت إليها بصدمة حقيقية.. وعلى الرغم من كونها تخلصت من حُبه الذي كان يسكُن قلبها، ألا أنها شعرت بوخزات موجعة فيه. فـالقلب مهما بلغت قساوة من يُـحبه يضل كما هو على العهد السابق بينهما بعدم النسيـان!

  

بكت بصمت وظلت تتابعها أوركيد بهدوء. هُناك ضربـة ستتلقاها في طريق حياتك، تلك التي لن تنجوا منها إلا وأنت



 شخص غير الذي تعرفه.. شخصًا احتل الحزن قلبه، وملامحه.. أكبرها تعبـًا.. تلك التي تأتي من الأقر ب للقلـب!! 

ملامحها جامدة.. والقلب بداخل احشائها ينزف ألمـًا.. 


                    الفصل الثامن من هنا

لقراءة باقي الفصول من هنا


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-