CMP: AIE: رواية خفايا القدر الفصل الحادى عشر11بقلم روان عرفات
أخر الاخبار

رواية خفايا القدر الفصل الحادى عشر11بقلم روان عرفات


 

#خفايا_القدر 

# الفصل الحادية عشر

#روان_عرفات


جالسًا بسيارته أمام إحدى المستشفيات. مُمسكًا برأسه بِكلتا يديه بمشاعر متخبطة بعدما تحدثت معه سوسن وأخبرته بسوء حالتها الصحية بمرض الإيدز الذي يتطور بسرعة مؤديًا إلى الوفاة خلال شهور من تشخيص المرض وهو متلازمة نقص المناعة البشرية.. طالبة منه رؤية ابنتها قبل تمكن المرض منها أكثر من ذلك.. لا يعلم مشاعرة حينها، كانت حزينة عليها




 أم على ابنته؟ للحظة شعر بالحزن عليها وعلى ما حدث معها. فما أصعب أن يكون عقابك بالحياة بمرض يقضي عليك.. تنهد بعمق وهبط من سيارته متوجهًا للأعلى بالغرفة التي تجلس بها بعدما اخبرته بمكانها وبأسم الطبيب الخاص بها.  




صعد للأعلى ببطء، أراد أن يذهب للطبيب والاستعلام عن حالتها والاطمئنان عليها منه لكنه لا يعلم ما الذي دفعه إلى غرفتها دون الذهاب للطبيب، دخل الغرفة بعدما سمحت له الممرضة الخاصة بها.. دخل الغرفة بملامح جادة وسرعان ما هدأت ملامحه وشعر بقشعريرة تسري بداخل جسده بالكامل بهيئتها المحزنه، كانت تتسطح على الفراش بجسدها الضئيل الواضح به فقدان الوزن بشكل مرعب، ووجهها الشاحب .







. تذكر حينما قرأ بخصوص هذا المرض بعدما أخبرته بـه من ما يقارب شهر تقريبًا أن المرض بأخر مرحلة يصبح كحالتها تلك كما أيضًا يُصبح المصاب أكثر عرضة بالإصابة بالسرطانات المختلفة والإلتهابات الرئوية الحادة.. للحظة أراد أن يبكي ولا يعلم سببًا واضحًا للبكاء سوى أنه يُريد! 



فتحت سوسن عينيها ونظرت إليه بفرحة تسللت لقلبها برؤيته، اشتاقت إليه حد السماء. مدت يدها إليه ليقترب منها لكنه نظر ليدها وظل صامتًا.. بكت بخفوت على حالها وما فعلته منذ




 سنوات طويلة مضت، بفعلتها تلك دمرت نفسها بنفسها دون أدنى تفكير بمل سيحل لها من وراء قرارها من صعوبات. كانت هي الضحية الوحيدة أو ربما ابنتها؟ وفي كِلا لحالتين هي الخاسرة!


خرج صوتها أخيرًا بعد بكاء جعل قلبه يَحن إليها، قائلة ببكاء خافت :

- اللي عملته صعب عليا قبل ما هو صعب عليك، كنت هبله ومش فاهمه خطورة اللي هعمله.. أنا أذيت نفسي بالبعُد ودمرتني بأبشع الطرق. اخدت درس عمري ما هنساه، طول ما الانسان ماشي في طريق معووج لازم يتعوج ويتكسر.


أجهشت بالبكاء وهي تتذكر ما حل بها وعلاقاتها المتعددة التي أدت إلى هذا المرض اللعين.. تابعت حديثها من بين بكائها بندم شديد :




- بس بالله عليك اديني فرصة بس اصلح الغلط اللي حصل بين بنتي، خليها حتى تسامحني قبل ما اموت وتفهم مني احسن ما تفهم من غيري. 


ضحك بسخرية وقال بنبرة حزينة بعدما اقترب منها قليلًا :

- وأنتِ ايه الحاجه اللي هتفهميها ليها خايفه حد غيرك يوصلها غلط؟ هتقوليها إيه أصلًا؟ معلش يا بنتي انا اخدت مكان انك تفضلي في بطني فلوس! ولا انا بعدت عنك ورميتك عشان



 واحد غير باباكي؟ ولا انا ما كنش يهمني غير الفلوس؟ ولا انك فضلتي تسعة وعشرين سنه ما بتسأليش عنها ولما تعبتي محتجاها جمبك؟ والله وأعلم اللي أنتِ فيه ده حقيقة ولا كدب .. لأني بطلت أصدق اي كلمة تقوليها.  


صدمت من حديثه وجحظت عينيها من هول الصدمة، لهذا الحد أصبح يكرها؟ لدرجة أن ما بها من بلاء يظنه كذب! جففت دموعها بأناملها وقالت :




- مش محتاجه إني أوضح لك شيء أنت مش عايز تصدقه.. بس صدقني لما تعرف الحقيقة هتندم على قساوة قلبك معايا .. بص يا جاسر لشكلي وبص لأني أم ومحتاجه لبنتي معايا .. جبهالي كأني واحده غريبة، المهم اشوفها وأملي عيوني منها ومن شوفتها قدامي .


ابتسم بذات السخرية وقال بعصبية وكره ظهر جليًا بعينيه :

- عمري ما هسمح لك تبوظي فرحتنا. الحمد لله بكره هسلمها للشخص اللي يصونها ويعوضها عن أي حاجه أنا قصرت معاها فيها، لكن اني ادخلك حياتنا تاني فده لا يمكن.. سبينا في حالنا ولو عايزه ورد تفضل مبسوطه ابعدي وما تفكريش فيها، هيا لو




 عرفت اللي عملتيه هتحتقرك وأنا عن نفسي عمري ما هروح أقول لبنتي حاجه زي دي .. فخليها مفكرة ان مامتها غادة وفي الحقيقة هيا مامتها لأنك عمرك ما كنتِ أم ولا هتكوني بطبعك ده. 


أدمعت عيناها وتساءلت ببكاء : 

- بقيت قاسي أوي كده ليه؟ 


رماها بنظرة سريعة ثُمَّ قال بهدوء مُميت :

- القلب ما بيقساش من مفيش، البعُد بيقسي لما يكون الفعل اللي قبل الفراق صعب على القلب أنه يتحمله، والقلب اللي حب بجد ما بيقساش بسهولة! 


جاء ليخرج من الغرفة لينهي هذا اللقاء الثقيل على القلب لكنها كانت الأسرع حينما أمسكت بيديه ونظرت إليه بدموع تنسال على وجنتيها بحرقة .. قالت بترجي :

- طيب خليني أشوفها. أشوف صورتها وشكلها هيا وعروسة، ما تحرمنيش من كده يا جاسر. 


نظر إليها وإلى يدها المتشبثة بيديه بقوة بحيرة. ابتعد عن يدها وأخرج هاتفه و وجهه الهاتف لها بصورة ورد بفستانها قبل نزولها للفتيات بعدما طلب جاسر من غادة تصويرها لكي يراها قبل الجميع. انتشلت سوسن منه الهاتف بلهفة وبكاء مرير




 برؤية ابنتها بفستان زفافها. لامست وجهها عبر شاشة الهاتف بابتسامة واسعة ارتسمت على شفتيها بابنتها التي تشبهها إلى حد كبير بعدما كَبُرت. أي غباء كانت عليه ليجعلها التخلي عن عائلتها من أجل المال؟ 



لا يعلم الانسان بقيمـة ما يمتلكه من أرزاق إلا حينما تذهب لغيره… انتشل جاسر منها الهاتف بعدما تناست كل ما بها من متاعب برؤيتها، كانت يده التي انتشلت الهاتف كصفعة




 مدويـة على خديها جعلتها تفيق مما هي به من أحلام أصبحت مستحيلة بالنسبة لها، خرج من الغرفة سريعًا دون اضافة آية حرف. استند على الباب بإنهاك وادمعت عينيه حُزنـًا وخوفًا على مشاعر ابنته عندما تعلم بهذا السر الذي دُفن لسنوات... 


لا يعلم بهذا الشاب الواقف قِبالته والذي يُناظره بنظرات غامضة.. لا يُريد شيئًا سوى الذهاب إليه ليطالبة بضمة بين ذراعيه، ضمة قويـة تجعله يعوض حرمانه منه طوال حياته .. انتبه إليه جاسر وتعجب من نظراته المصوبة عليه هو فقط! 


💛 اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد 💛


طرقت على الباب الغرفة عدة طرقات بخفوت. ليأتيها الرد بالدخول من قِبل ابنتها ورد الجالسة على الفراش بتعب ظاهر عليها أثر ما فعلته مع صديقاتها في حفلة اليوم.. دخلت غادة الغرفة بهدوء وجلست إلى جوارها ونظرت إليها بدموع متحجرة قائلة ببكاء :

- هسيبك تبعدي عني ازاي ما أعرفش. 


اقتربت منها ورد وضمتها إلى احضانها قائلة بدموع :

- أنا غير حُزني بفراقك.. خوفي من المسؤولية اللي داخله عليها مستحوذ عليا أوي يا ماما وخايفه خوف مخليني مش عارفه اتبسط! 


اعتدلت غادة في جلستها ونظرت إليها بحنان وأردفت بحب بعدما طبعت قبلة حانية على وجنتيها :

- واثقة فيكِ يا نور عيني. إيه رأيك نرغي شوية او شويتين تلاتة لانك وحشاني وأمير هيبعدك عني أسبوع كامل. 


ضحكت ورد بخفه لتتابع غادة حديثها بحماس :

- استني بس اجبلنا شوية تسالي كده مع كوبيتين شاي لحد ما جاسر يجيلنا. 


اماءت لها ورد بابتسامة هادئـة بينما ذهبت غادة سريعًا للخارج.. أمسكت ورد هاتفها وأخذت ترى الفيديوهات التي جمعت كل شيء حدث اليوم اخذت تضحك بقوة على الذي حدث وصراخها حينما رأت سجدث تقترب منها بمسدس المياة بينما هي بوضعها وضحكتها العالية دخلت غادة الغرفة بصينية




 كبيرة مليئة بالتسالي وبيدها الأخرى مُمسكة بصينية أُخرى وضعت بها كوبين من الشاي .. هرولت ورد سريعًا إليها وامسكت صينية منها وذهبت للفراش وتتبعتها غادة بفرحة تحتل قلبيهما، جلست إلى جوار ابنتها.. قالت غادة بهدوء بعدما ارتشفت القليل من الشاي :



- الجواز عمره ما كان سهل، والمسؤولية في حد ذاتها كبيرة، لكن لو اتقاسمت على الاتنين هنطلع في الآخر بنتيجة كويسه جدًا، لو هما والاتنين حطوا في دماغهم ان كل واحد بمقدرته انه ياخد اي حاجه وكل حاجه من الطرف التاني بس بالحكمة، بدون استغلال. 


قاطعتها ورد بتساؤل :

- ازاي بالحكمة يعني؟ 


تابعت غادة حديثها بذات الهدوء :

- لازم يبقى فيه عقل بيفكر وبيدبر. ما أبقاش بتعامل كده وخلاص، أي حد قدام الكلمة الحلوة بيضعف. فمبالك بجوزك وحلالك؟ للأسف الأغلب ما بيفكرش في كده وبيفكر ان ده


 ضعف منه لو عمل حاجه زي كده.. وقبل كل ده لازم الست أو البنت المقبلة على الزواج انها تعرف أهمية طاعة الزوج، لأن أول الحقوق اللي قررها الدين للراجل هيا طاعة الزوجة ليه.. 


فيه حديث بيقول إيه؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها دخلت من أي أبواب الجنة شاءت" وكمان في قوله سبحانه وتعالى {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا} 

بس طاعته ما تكونش بمعصية زي ما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق" 

تطيعيه بس مش في الحاجه الغلط والمحرمة.. يبقى لو طلب منها طلب تأمره، ولو نهى عن حاجه تطيعه، ولو نصح تستجاب لنصيحته، ولو طلب منها الاعتدال في مصاريف البيت تكون




 معاه بقلبها وروحها وإخلاصها لحُبه لأن دي أصول الحياة الزوجية اللي حطها ربنا بالمودة والرحمة وكل ده هيهون مع الزوج الصالح اللي عارف حقوقه وواجباته كزوج. 


أنتِ شايفه عظمة طاعة الزوج؟ الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها" 

متخليش منفس للشيطان يدخل لكوا منه، الشيطان مداخله كتيرة وخطواته أكتر.. ديمًا خليكِ معاه وفضفضيله، خليه يشاركك كل حاجه وما تتكسفيش منه لأن ده جوزك مش حد




 غريب، خلاص هو أصبح أقرب لك من أي حد ومفيش حد هيساويه في القُرب مهما حصل .. لو الست والراجل يحطوا بس في دماغهم انهم مش داخلين على حرب، وان الجواز مش عبارة عن هنشوف مين هيكسر التاني. الوضع هيتغير. 




الحياة اساسيات لو مشينا عليها وما تخطيناش اساس من اساسها هنعرف نعيش صح.. مش غلط لو بحثت وقرأت عن حقوقي كزوجة وواجباتي، مش غلط اغلط واتعلم من غلطي. الحياة كلها تجارب ولازم أعيشها بكل تجاربها...  


تنهدت بقوة وأخذت نفسًا عميقًا أخرجته ببطء ثُمَّ تابعت حديثها بابتسامة واسعة متذكرة زوجها وحديثهما الدائم في هذه الأشياء والبحث عنها بشكل دائم :




- بشاعة الحياة بإمكانك تخطيها لما يكون معاك اللي يشاركك الصعب، لأن الحياة مش هتخلى من الحُزن.. بالعكس مليانه صعوبات فمش هتبقى مصيبة لو اتقاسمنا الصعب سوا.. المركب هتعدي لما الأتنين يكونوا شاريين بعض وخايفين يخسروا بعض.


خطأ الناس اللي مفكرة ان لازم يبقى فيه مساواة بين الراجل والست.. لأن ده لا من الفطرة ولا من الشرع .. ليه بقا؟ عشان المرأة بفطرتها ضعيفة محتاجه للي يقويها ويسندها عشان تقوى بقربه.. فليه هنا التساوي بينهم خطأ يعني مثلًا لو هقول لك مثال أنتِ اهو لو ماشية مع ابنك بعد ما جبتوا طلبات




 والطلبات اللي جبتيها كتيرة، رحتي قسمتي الطلبات عليكوا انتوا والاتنين، الطفل لانه صغير من الطبيعي مش هيقدر يشيل زي ما أنتِ شايلة، بكده هيبقى ظلم .. الست هنا بقا زي كده فلازم كل واحد يتحمل اللي يقدر عليه واللي مُطالب بيه. والعقل والفطرة بيجزموا بأن لكل من الراجل والست خصائصه




 المختلفة في تكونيه العقلي والنفسي والجسماني واللي بيختلفوا عن بعض اختلاف واضح .. عشان كده ربنا جعل الرعاية والحماية للراجل على الست عشان تتفرغ الست لوظيفتها الكبيرة وهيا رعاية بيتها وعيالها.. تعرف احتياجاتهم واحتياجات زوجها، هيبقى ظلم لو اتطلب من الست تعمل ده



 كله مع الشغل فكان من العدل ان يبقى للراجل القوامة. والقوامة هنا يعني الرعاية والحماية.. ده غير ان الست عندها الرقة والعاطفة وسرعة الاستجابة لاحتياجات الاطفال دي فطرة جوانا بيصعب عن الراجل انه يقوم بيها. 


مش معنى ان القوامة بيد الراجل يبقى كده الست في موضع ضعف أو تقليل منها ومن كرامتها، لا ابدًا .. لأن هيا ليها وظائفها اللي بتقوم بيها واللي أي راجل ما يقدرش يقوم بيها .. ولو كانت الست أضعف من الراجل في تحمل مسؤولية واعباء



 القوامة، لكنها أكتر منه صبر في تربية الأطفال والعناية بمصالح البيت اللي لو خلينا الراجل يعملها هيتخنق وهيحس بالتقيد لأن فطرته مش كده... ربنا بيقول {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} 




كل ده عمره ما كان إهانة للست نهائيًا، ده الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "استوصوا بالنساء خيراً، فإن المرأة خلقت من ضلع وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، إن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء".

هنا الرسول بين حقيقة المرأة ومزاجيتها اللي اتولدت بيها لأن هيا فطرتها كده. 


صمتت لبعض الوقت ثُمَّ تابعت :  

- الاختيار في حد ذاته صعب.. انا محتاجه اختار اللي يصوني وأنا معاه ويسعدني بوجوده.. الست المحظوظة بتبقى أخدت حظها الحلو من الدنيا لو ربنا رزقها براجل عارف دينه وعارف



 اللي ليه واللي عليه، عارف حقوق زوجته عليه كزوج وسند في حياتها .. بُعد الناس عن دينها وربها أدى لِكُتر حالات الطلاق بسبب عدم معرفة الطرفين حقوق التاني! 


ارتشفت الكثير من المياة وقالت بتعب وتنهيدة طويلـة :

- احنا كنا متفقين اننا هنرغي سوا. الموضوع خلتيه كُله عليا ليه؟  


ضحكت ورد بقوة وقالت بعدما احتضنتها بفرحة وطمأنينة كبيرة تسللت لقلبها بحديثها ونصائحها :

- بحبك بحبك يا أجمل مامي في الدنيـاا .


أخذت تطبع قبلات حانية على وجهها تزامُنًا مع دخول جاسر الغرفة بوجه لا يبشر بالخير أبدًا.. ضحكت غادة بقوة بينما ابتعدت ورد قليلًا عنها خوفًا من نظرات جاسر الذي ابتسم باتساع عليها واقترب منها وانتشلها إلى احضانه بفرحة وخوف في آن واحد قائلًا :

- وحشتيني الشوية اللي سبتك فيهم دول والله. 


تذمرت غادة فور سماعها جملته ونظرت إليه بغيظ مصطنع جعله يضمها هي الأُخرى إلى احضانه قائلًا بعشق :



- أنتِ الجنة بتاعتي اللي على الأرض.. بتوحشيني وبحس بالغربة بمجرد ما المكان اللي انا فيه ما فيهوش مراتي!  


💛 اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد 💛


كان يجلس بالحديقة بعدما ذهب الجميع إلى منازلهم، جالسًا بشرود وابتسامة واسعة زينت ثغره بزواجه الذي لطالما كان يتمناه من الفتاة الذي عشقها.. أخذ شريط حياتهما يمر أمام




 ناظرية كفيلم سينمائي جميل، كل ما حدث معهما في الأعوام الماضية تذكرها.. فهي من سلبت الفؤاد. وجعلت دقات القلب ملكية خاصة لها، بضحكتها التي تتناغم بدلال على قلبه الذي بالفطرة أحبها. قاطع شروده يوسف الذي وضع يديه على عينيه قائلًا من بين ضحكاته :

- أنا مييـن؟ 


ابتسم أمير بخفه وقال بعدما أمسك بيديه وطبع عليهما قبلة طويلة :

- أنت الأمان والسند والأخ والأب. الصاحب والحبيب والأبن في نفس الوقت، أنت اللي ما فيش كلام يوصفك ولا يكفيك .. أنت اللي مش شايل هم حاجة طول ما هو عايش.. واللي صوته فيه دفا وحنان الدنيا، أنت اللي أنا من غيرك ملييش وجود والله. 


تنهد يوسف بقوة وأردف بعدما انسالت دمعه حارقة على وجنتيه :

- ايه يا بني ده؟ أنا كنت بهزر.. ايه دخلنا في كل الحوارات دي بس؟ 


انفجر أمير ضاحكًا وشاركه يوسف الضحك بينما قالت وعد بصوت عالٍ من شرفة غرفتها بعدما استمعت إلى صوت ضحكهما الذي ملأ المكان :

- ضحكوني معاكـووا .


نظر إليها يوسف وابتسم على طفوليتها وقال بصوت عالٍ مثلها :

- تعالي نسهر سوا يلا واعمليلنا فشار بس من غير ما تقولي لروز . 


ضحكت وعد بقوة وهبطت سريعًا للأسفل لتقوم بإعداد الفشار وبعض من التسالي والمأكولات.. ران عليهما صمت مطبق لا يوجد من يتحدث كل منهما في عالمه الخاص، أحدهما سعيد بزواجه والآخر ما بين الحزن والفرح يتخبط بينهما كالكورة




 بين يدي الأطفال.. قطع يوسف هذا الصمت السائد بينهما بحديثه بعدما تذكر كونه يُريد الحديث معه بخصوص زواجه وكيفية التعامل مع زوجته، فمهما حدث ونضج الابن يظل بحاجة لمن ينصحه ويُرشده للطريق الصحيح.. قال بهدوء : 


 

- الجواز عبارة عن بيت بيتبني بمجرد ما الاتنين بيختاروا بعض .. لازم الاساس يتبني قوي، عشان مفيش حاجه في الدنيا تقدر تهده... 


لازم تبقى عارف يا ابني ان مراتك ليها حقوق عليك وديمًا خليك فاكر انها أمانة عندك.. مش غلط انك تعلمها وتعرفها امور دينها وتصحح لها الغلط وتصبر عليها وتفكرها بالمسؤولية اللي



 عليها وحقوقك اللي لازم تعملها، ده مش غلط أبدًا .. الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله وهو مسؤول عن رعيته" متفق عليه. 


ربنا سبحانه وتعالى أمرنا بحسن المُعاملة والمعاشرة بالمعروف، تصبر عليها وعلى أي خطأ تعمله وتبقى ديمًا فاكر ان مفيش 



حد معصوم من الغلط، تبقى عارف ان الحياة الزوجية عمتًا مش هتخلى من المشاكل والاختلافات .. تحتسب الأمر عند ربك لأنك أنت بتعامل ربك في حالتك دي.. لو الاتنين بس يفكروا




 انهم بيعاملوا ربهم وان كُلّ شيء بسوابه الدنيا هتتعدل والله .. لازم تفتكرها بالخير وتثني عليها قدامنا وقدام أهلها وتعلي من شأنها قدام أي حد وأولًا قدام نفسك.. ربنا بيقول إيه؟ بسم الله الرحمن الرحيم {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}



من أكتر الحاجات المهمة في أي علاقة .. الاحترام، لان الاحترام هو اللي بيبني كل شيء حلو ما بينكوا.. فيه احترام وحب ومودة ورحمة هتلاقي النتيجة في عيالك وهدوء البيت من أي عواصف .. انك تحترم مراتك وتشيلها جوه عيونك



 وتدلعها وتهزر معاها ده عمره ما هينقص من رجوليتك شيء، للأسف الأغلب بيشوف ان الحاجه دي بتنقص منه ومن رجوليته كراجل! ما يعرفش ان الحاجه دي بتعلي من شأنه




 وبيعمل الحاجه الصح واللي أمره بيه ربه والرسول.. الرسول صلى الله عليه وسلم كان مع زوجاته حنون ودود، بيحسن المعاشرة. بيكرم وعمره ما هان، بينصح وبيوجه للطريق الصح من غير عنف وسخرية.. بيهزر معاهم وبيغازلهم .. بيساعدهم



 في البيت وما كنش فيه الغرور بتاع الايام دي اللي بيصيب الطرفين لما طرف يتعلق بالتاني.. وكأنه بيندمه على اللحظة اللي اتعلق بيه فيها، كان ديمًا الرسول صلى الله عليه وسلم




 بيوصي أصحابه بزوجاتهم فيه حديث كان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذى جاره، واستوصوا بالنساء خيرا) رواه البخاري. 




الست بفطرتها رقيقة وما بتستحملش، سبحان الله هما كده.. عندهم رقة القلب والمشاعر وهدوء الطبع، رالضعف .. كل الحاجات دي فطرة جواهم فمحتاجين اللي يقويهم ويفضل معاهم مش اللي يضعفهم بزيادة... 


صمت لبعض الوقت واخذ نفسًا عميقًا أخرجه بتهدج قائلًا بهدوء :

- والدتك ديمًا كانت بتقول لي {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} في اي وضع واي مكان الاقيها بتقول لي الآية دي كتير، وكأنها عايزه ديمًا تفكرني بدوري كزوج ليها واني ابقالها الراجل اللي






 يكون سند وقوة ليها مش عليها.. لسه فاكر اول يوم بعد كتب كتابنا لما لقيتها بتترمي في حضني وبتقول لي بضعف كان ظاهر عليها أوي "اوعى تبعد عني مهما كان حجم الغلط كبير،



 أنا دخلتك حياتي عشان تصحح لي الغلط من بعدي.. أنت راجل في حياتي يبقى القائم عليا وعلى أي فعل أنا بعمله، لو عملت غلط انصحني، ولو اعترضت على حاجه أنت عايزها



 مني فكرني حقوقك عليا كزوجة ليك، فكرني بكلام ربي ورسولي وقول لي ان دينك اللي بيطلب منك كده مش أنا.. دخلتك حياتي لأني محتجالك سند قبل ما تبقى زوج!" 


جلست وعد بجانبه بعدما وضعت المشروب على الطاولة بابتسامة خفيفه عندما استمعت إلى حديث زوجها. فرت دمعه حارقة من جفنيها وهي تتذكر تلك الليلة، ضمها يوسف إليه وتابع حديثه بعدما طبع قبلة حانية على جبهتها بحنان : 




- خالك آدم كان بيقول لي "الجواز ده عامل زي المركب وكل طرف من الاتنين بيقود جانب من المركب خلي حد فيهم



 يسيب جانب كده .. من مقدرة الانسان مش هيعرف يدير المركب لوحده، والبيت والمسؤولية زي كده.. محتاجة لروحين يبقوا روح واحدة في كل حاجه. يا نغرق سوا.. يا نفضل زي ما احنا بِحبنا وبتمسكنا ببعض" 




كان بيعجبني تفكيره وتحليله للأمور. ما فهمتش كلامه كويس غير لما اتجوزت وبقيت مسؤول من بيت وزوجة لازم اسعدها وابقى محتويها.. وتعرف إن كل الحاجات دي هتبقى أسهل



 بكتير لو كان بين الاتنين حُب. الزوج والزوجة مطالبين بالاحترام وكل واحد فيهم عليه حقوق وواجبات لازم يقوم بيها، بس لما الحقوق والواجبات دي تتعمل بحب اكيد هتفرق




 عن اني بعملها عشان هيا حق عليا وخلاص… لأن الحب بيخلينا نستحمل ونفغر ونسامح، ونطبطب في الوقت اللي احنا نفسنا محتاجين الطبطبه .. بيخلينا نحب العيوب قبل المميزات، بيخلي الحياة تبهت بمجرد بُعد اللي بنحبه عننا.. لما يكون 



فيه حُب بين أي علاقة بيخليهم يتغاضوا عن أي فعل مش كويس، الاتنين يبقوا مستحملين بعض وشاريين بعض .. الشخص اللي بيحب المميزات بس وأول ما العيوب تظهر يبعد.. ده عمره ما كان حُب! 

دقة القلب اللي بتدق في أول لقاء بتدوم.. بس مع اللي بيصون!! 


ارتشف القليل من فنجان القهوة الخاص به وتابع حديثه بذات الهدوء :

- البُعد مش هيجي فجأة.. البُعد بيجي بعد معافرة وأذى نفسي وجسدي، بعد اصراف في المشاعر ببذخ، بعد دموع حُزن بتغرقنا معاها، الحُزن لما بيتراكم بيأدي للبعُد وده الطبيعي! فمتخليش أي شيء يتراكم ما بينكوا مهما حصل. 

          الفصل الثانى عشر من هنا

لقراءة باقي الفصول من هنا


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-