CMP: AIE: رواية خفايا القدر الفصل السادس6بقلم روان عرفات
أخر الاخبار

رواية خفايا القدر الفصل السادس6بقلم روان عرفات


 

#خفايا_القدر 

# الفصل_السادس

بقلم روان_عرفات


استيقظت سجدة على صوت والدها الذي يعبث بخصلات شعرها، ويداعب أنفها كي تستيقظ، هذه إحدى عاداته معها، ليكون أول من تراه عيناها.

تذمرت عليه وتمتمت بصوت ناعس :

- يا بابا حرام عليك، سبني يوم واحد بس أصحى براحتي.


صرخت بفزع عندما حملها عمرو فوق ظهره قائلًا بغضب مصطنع : 

- بقا كده، طيييـب، مش هخليكِ تنامي خالص.


سجدة بصراخ : 

- خلاص خلاص، والله ما هعترض تاني، دي أجمل حاجه أصلًا، إن عيوني تشوفك أول شخص، أنـت بتقول إيييـه بس .


أنزلها عمرو على فراشها تزامنًا مع دخول حياه بالسكين، قائلة بغيظ : 

- أنتو هتبطلوا أم العادة دي ولا أوريكـوا الوش التاني ؟ 


اقترب منها عمرو بضحكة عالية، ثم نظر إلى السكين وقال بعاتب :

- السكينة مرة واحـدة يا حياه؟ ده أنا عمورك !!


هدأت حياه بعض الشيء، وقالت :

- ماهو مش معقول كل يوم أتخض الخضة دي ! أنت ترضى حياتك تتخض ديما بالشكل ده ؟


تخصرت سجدة وقالت بغيظ : 

- بالله عليكوا روحوا حبوا في بعضكوا برا، أوضتي مش للكلام ده، لاااااا .


ركضت لدورة المياة سريعًا خوفًا، عندما اقترب منها عمرو، انفجرت حياه ضاحكة عليهما، وعلى شجارهما الدائم.. قالت بضحكة خفيفة :

- تعالى عشان تفطر، مش هتطلع دلوقتي، ده غير إنها هتروح لورد وتقعد معاها .


💛 اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد 💛 


خرجت سجدة من دورة المياة وقامت سريعًا بتبديل ثيابها، وتأدية فرضها، ومن ثم خرجت من المنزل متوجهة إلى منزل جاسر الذي لا يبتعد كثيرًا عن منزلها، بعدما أخذت نصيبها من حنان والديها عليها.


دلفت من باب الحديقة بعدما استقبلتها غادة بابتسامتها المعتادة، وسرعان ما شهقت بقوة، عندما اقتربت منها ورد وانتشلتها إلى أحضانها قائلة بإشتياق :

- دكتورتـي النفسية المستقبلية بإذن الله .. كده تغيبي عني كل ده؟ وتخلي الكلية تاخدك مني .


ابتسمت سجدة بحب وحاوطتها بكلتا يديها وقالت براحة غريبة احتلتها بعدما احتضنتها :

- أنا آسفه .. مش هعمل كده تاني، وحشاني، ووحشني حضنك .. والراحة اللي بتتمكن مني جواه .


ابتسمت غادة بحنان وذهبت للداخل كي تترك لهما مجال الحديث بأريحية .

أخذتها ورد إلى الأرجوحة، التي أمامها يوجد طاولة مليئة بالأشياء التي تحبها سجدة، تضع بعض من الورد على الطاولة مما أعطاها مظهرًا خلابًا..

جلست الفتاتان بجانب بعضهما، ومازالت ورد ممسكة بيد سجدة، التي قالت بمرح : 

- لا بقا، أنا كده هتغر .. يعني كل حاجه بحبها موجودة، ده غير الورد اللي موجود في كل حته .. أنتِ عارفه كويس إن الورد بالنسبالي شيء أساسي .


انفجرت ورد ضاحكة حينما طرأ على فكرها الطفل الصغير الذي تغزل بها، أمام زوجها .. تساءلت سجدة بتعجب : 

- بتضحكي على إيه ؟


روت لها ورد ما حدث يوم أمس، مما جعل الأخرى تنفجر ضاحكة عليهما .. قالت من بين ضحكاتها : 

- اللي مستغرباه، هو فيه ولد صغير يقول الكلام ده ؟


أجابت ورد بعدما أخذت كوب القهوة وارتشفت منه القليل :

- أنا اللي خايفه منه، أمير... ممكن ميخلنيش أروح تاني .


ضحكت سجدة بخفه وشاركتها ارتشاف القهوة بهدوء... قاطعته سجدة بتساؤل : 

- هو أنتِ يا ورد مش قولتي لي إنهم اختاروكِ تروحي رياض الأطفال .. مارحتيش ليه بقا ؟

حتى على الأقل دي هتبقى مهنة ليكِ .. ده غير إن الحاجة دي كانت حلم حياتك ! 


تنهدت بضيق لتذكرها لحلمها الذي لطالما كانت تسعى لتحقيقه، لكنها لا تعلم لما تخلت عنه ؟!

قالت بهدوء : 

- هتصدقيني لو قلت لك .. مش عارفه إيه اللي خلاني سبته، ومرضتش أروح ؟ حتى بابا من كام يوم بيسألني لقيتني بقوله تحفيظ القرآن اللي في النادي خلاني غيرت رأيي .. مع إن ده ماكنش رأيي في الأول .


رددت سجدة بابتسامة : 

- يا حبيبي مينفعش كده، ده حلمك .. ازاي تتخلي عنه بالسهولة كده؟ 

آه طبعًا تحفيظ القرآن حاجه كبيرة أوي، بس مفهاش حاجه لو حطيتي جمبها الحاجة اللي بتحبيها !


اماءت لها بخفه وابتسامة جانبيه وقالت بحب :

المهم أنتِ .. أوعي تتخلي عن حلمك .. عايزاكِ تبقي أكبر دكتورة نفسية .


ضحكت سجدة وقالت بتذمر : 

- ده أنا قربت أتجن، وبعدين لسه بدري يا ست ورد .. ده أنا لسه بقول بسم الله أنا آه في آخر سنة بس لسه .. صح بقول لك.


نظرت لها بفضول لمعرفة ما تود قوله، تابعت سجدة باقتراح : 

- بما إنك درستي رياض أطفال، وبتحبي المجال ده .. فأنا هعمل يوم كده هيبقى احنا نسأل وأنتِ تجاوبي، وأهو منها تفيدينا بدل ما سبتي الفرصة عليكِ .


أنهت حديثها وهي ترمقها بنظرات مغتاظة، بينما أخبرتها ورد بخبر زواجها مما جعل سجدة تقفز فرحًا، واقتربت منها وإحتضنتها... أخذت تقبل وجنتيها بجنون، قالت ورد من بين ضحكاتها : 

- طفلة عندها اتنين وعشرين سنة يـا ربي .


أجفلهما صوت جاسر الذي يتحدث عبر الهاتف، بخوف ظاهر جليًا بعينيه .. قامت ورد واقتربت منه وقالت بقلق :

- بابا، فيه إيه ؟


أجابها جاسر بعدما أنهى اتصاله مع يوسف :

- كرم عمل حادثة .


💛 اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد 💛


تجلس أمام باب غرفته، تبكِ خوفًا عليه، تخشى الفراق ويوجد بينهما خلاف، تشعر بالقلق يكاد يعصف قلبها؛ الذي كأنه تناسى حزنه وخزلانـه منه... تناسى وعده بأنه سيتخاصم معه، وكأن



 شيئًا لم يكن.. فحبه بـالقلب كالدم الذي يمشي بـالوريد...

اطمئن قلبها قليلًا بعدما طمئنها الطبيب على حالته، لكنها تريد أن تتأكد بنفسها، وتجلس معه ولو بعض الوقت...

 

بجانبها يوسف، الذي لا يختلف عنها كثيرًا، الدماء فرت من وجهه، انطفيء بريق عينيه، مثل ما إنطفأت روحه خوفًا على من سلب قطعة منها بهذا الحادث، وما زاد خوفه، عندما علم بالفتاة التي وجدوها معه، وحالتها لا تختلف عنه، بل أسوء منه....


اقتربت أوركيد منه وارتمت بداخل أحضانه ببكاء جعل المتبقي من قوتـه يفر هاربًا، شاركها البكاء الخافت وقلبه يكاد يفقد نبضه .. رمقهما وليد بنظرة حزينة، واقترب منهما وربت على كتف عمه بحنان متمتمًا بنبرة مطمئنة : 

- اهدوا يا جماعة مش كده .. الدكتور طمنا، مسألة وقت بس وبإذن الله خير .


أنهى حديثه تزامنًا مع الممرضة التي أتت للتو، قائلة برسمية : 

- الدكتور عايزكوا ضروري .


نظر لها يوسف بزعر وكذلك أوركيد التي زادت من بكائها، أما عن وليد فهو تماسك من أجلهما، والخوف على صديقه وإبن عمه وصل إلى منتهاه في قلبه، لكنه تماسـك! 


شدد يوسف على يد أوركيد وسار بها إلى غرفة الطبيب، خلفهما مروان الذي يدعو الله أن تبقى الأمور على ما يرام...


دلفوا للغرفة وقامت الممرضة بغلق الباب عليهما، ابتسم لهما الطبيب وجلس يوسف بالمقعد وأمامه وليد وأوركيد فضلت الوقوف، ومتابعة الحوار عن بعد...


تساءل وليد بقلق : 

- طمنا يا دكتور .. هو بجد مفيش حاجة ؟


تنهد الطبيب بثقل وملامح دلت على شيئًا سيئًا قد أصابه .. قال برسمية : 

- الحادثة مكنتش قوية لكن أيده شبه مكسورة، لأن الخبطة كلها جت فيها هيا... المهم ده مش موضوعنا عشان مسير الكسر يتجبس ويخف لكـ ..


قاطعة يوسف بخوف : 

- هو فيه حاجه حصلت غير كسر أيده ؟ 


أكمل الطبيب حديثه بهدوء : 

- حصله تسمم بسبب كمية الكحوليات الكبيرة اللي دخلت جسمه .


تلقى يوسف الخبر كـالصاعقة، أخفض رأسه وانسالت دموعه على وجنتيه كالشلال، رفع يده إلى قلبه الذي وكأنه تلقى طعنـة في منتصف وريده، جعله مَيِّتًا رغم نبضه الذي يتسارع... 



أما عن أوركيد، كأنها تلقت صفعة مدوية على خديها، جعلتها تتأرجح وتكاد تفقد توازنها، لولا يدها التي تمسكت بالمقعد الذي أمامها، بكت بحزن، وعدم تصديق لما تسمعه...



فقدت جميع قوتها بعد ما تفوه الطبيب بكلماته، الذي لا يعلم مدى قوتها عليها، أو عليهما جميعًا...


كان وليد أكبر منهم قـوة، رغم صدمته بما استمعه، لكنه مطالب بتظاهر القوة والثبات، نظر للطبيب وقال بتنهيدة طويلة :

- طيب وأخباره إيه؟ 

أنا أعرف إن التسمم بيكون نتيجة لزيادة كمية الكحول في مجرى الدم، بس لو زاد الكحول في الدم هيكون الموضوع أشد خطورة .. ينفع تطمني من غير ما تخبي أي حاجه ؟


أماء الطبيب بخفه وقال : 

- هتكلم معاك بكل صراحة، حاليًا اللي خايف منه إنه يدخل في غيبوبة، أو ...


قاطعة وليد بتوتر : 

- بس ده بيحصل لو كان الارتفاع كبير لمستويات الكحول في الدم .. صح ولا إيه ؟


ابتسم له برسمية وتساءل ببعض من الحيرة :

- أنت تعرف الحاجات دي من فين؟ ولو أنت زي ما بفكر وإنك بتدرس طب .. مكنتش معاه ليه وخليته يبعد عن الطريق ده ؟


أجابت أوركيد بعدما جففت دموعها :

- احنا مانعرفش الكلام اللي بتقوله غير دلوقتي .. أنا أصلًا مش مصدقاك .. إيه هيخليه يشرب يعني؟ هو مفيش حاجه نقصاه .


قالتها بعصبية وصوت عالٍ، اقترب منها وليد وأخرجها للخارج تحت صراخها واعتراضها للأمر، وطلب ذلك من يوسف الذي أعترض في باديء الأمر لكنه أقنعه بطريقته، لأنه يعلم أنه لا يقدر على استماع كلمة أخرى من كلمات الطبيب...



جلس وليد أمام الطبيب بإنهاك .. تنهد ونظر إليه بحزن ظهر جليًا في عيناه، وكأنه الآن عليه التظاهر بالحزن والخوف؛ طالما بمفرده... أجابه بحزن : 



- أنا آسف على اللي حصل، بس فعلًا إحنا منعرفش الكلام اللي قولته غير دلوقتي، ولأننا مصدومين مش مصدقين .. أنت مش متخيل الموضوع صعب علينا ازاي .


اماء الطبيب عدة مرات بتفهم لحالتهم، وقال بهدوء : 

- هو بإذن الله ميحصلش غيبوبة، اطمن بعد التحاليل والفحوصات اللي اتعملت عشان نتحقق من مستوى الكحوليات في الدم، والحمدلله مطلعتش كبيرة، لكنها في نفس الوقت فيها نسبة خطر...


قاطعة بتساؤل :

- طيب فيه سوائل بتتاخد في الوريد، عشان تمنع الجفاف .. أنا آسف لو كنت بقاطعك وبتدخل في حاجات متخصنيش بـ ...


قاطعة الطبيب هذه المرة حينما قال بابتسامة : 

- بالعكس، أنا مبسوط بكلامك .. وده هيساعدني وهيساعدكم كتير في حالته، هتبقى أنت معاه عشان أنت دلوقتي بمسابة الدكتور ليه .


ابتسم له بخفه وتابع الطبيب بهدوء : 

- التسمم عمتًا بيبقى علاج داعم، محتاج الدعم منكم والوقاية .. تبقوا معاه وتاخدوا بالكوا من أقل حركة بيعملها، ده طبعًا بجانب إنه هيفضل هنا لبعض الوقت عشان نطمن على حالته وياخد كفايته من العلاج .. أنا بتكلم عن بعدين .


تنهد بتعب ثم أكمل حديثه بذات الهدوء :

- مش عايز أقول لك إن من الطبيعي أنه يرجع يشرب تاني، بس مع الوقاية والتشدد منكم أكيد الوضع هيختلف، ومننساش الجانب الديني .. هيبقى له تأثير كبير عليه أكيد، بس خليني



 أقولك لو حصل فعلًا وشرب، أوعى تخلي حد يرمي عليه مياة باردة، وحاجات كتيرة ليها خطورة على الإنسان والبعض بيعملها، ظنًا منهم إنها علاج! 


💛 اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد 💛


زرعت وعد الغرفة ذَهَابًا وإِيابًا، ممسكة بيهدها هاتفها الذي ما إن قامت بالضغط على زر الاتصال بزوجها تلقت هذه الجملة التي جعلتها تشطاط غضبًا "إن الهاتف الذي طلبته الآن خارج نطاق الخدمة" 



زفرت بحنق وتوجهت سريعًا الى غرفته أمير .. قامت بفتح نوافذ الغرفة بضيق وخوف يكاد يقضي على قلبها، اقتربت منه ولامست وجنتيه بدموع تتساقط على وجنتيها وقالت بخفوت : 

- حبيبي .. أمير قوم .


ابتسم أمير بخفه وأمسك يدها وقبلها بعشق قائلًا :

- سيبيني نايم شوية يا وردتي .. وبعدين ما تقربي مني كده، وحشتيني ووحشني حضنك .


انتشلت اللحاف من فوق جسده بعصبية وصرخت ببكاء :

- مش وقت هزارك ولا كلامك ده خالص .. ابوك واخوك مش موجودين من امبارح بالليل .. أنا حتى معرفش أي حاجه عنهم .


انتفض أمير من مقعدة بزعر وقال بتوتر : 

- ازاي يعني مش موجودين ؟ كرم كان قايلي انه هيسهر مع صحابه، عشان فرح واحد صاحبه .. وبابا ازاي مرجعش من شغله ؟


أنهى حديثه تزامنا مع شاشة هاتفه التي أضيئت والتي تخبره بإتصال من وليد .. أخذ الهاتف وقام بالرد مع خروج كلمات مروان الهادئة :

- السلام عليكم .. قبل كل حاجه لو كنت قاعد قدام أي حد قوم من مكانك وروح في مكان تاني .. يلا .


نظر أمير الى والدته المترقبه لملامحه، علها تعلم شيئا منها كي يطمئن قلبها على زوجها وابنها .. تحرك سريعًا الى البلكون الخاصة بالغرفة وقال بصوت خافت وحزين :

- نبرة صوتك بتقول إن فيه حاجه مش كويسه .. طمني يا وليد، بابا وكرم فين ؟ 


تنهد وليد بشيء من الخوف، تسلل بداخل قلبه لما سيحدث معهما بسبب هذا الحادث...

أغمض عينيه وقال بتماسك :

- مش هقدر اقول لك غير إن كرم عمل حادثة، وعمي يوسف وأوركيد معايا هنا .. حبيت اقول لك عشان تطمن، ولو هتيجي ياريت متقولش لحد عندك عشان ميقلقوش .. وبالأخص مرات عمي روز وطنط وعد .. وآه بعتلك العنوان على الواتس .


اماء له أمير عدة مرات بخوف عليهم ودار بجسده مع اتساع عينيه من مظهر والدته الذي دل على كونها قد إستمعت بكل حرف دار بينه وبين مروان .. جاء ليتحدث لكنها اوقفته عن الحديث بإشارة من اصبعها وطلبت منه الذهاب في الحال إليهم....


                      **********


خرجت وعد بصحبة ابنها بشهقات عالية .. زاد بكائها عندما رأت روز وخلفها العائلة بأكملها مما جعل أمير ينظر إليهم بصدمة حقيقية، فحتما ستقول لهم والدته كل شيء ، وقد



 حدث ما يخشاه .. فقد اخبرتهم وعد بكل ما حدث، وقاموا بدورهم بالبكاء المرير .. مما جعل امير يردف بضيق : 



- يا جماعة اهدوا .. مفيش حاجه لكل ده،إن شاء الله خير .. بس بطلوا عياط وإلا مش هاخد حد معايا .


توقفوا عن البكاء جميعهم، وذهبوا سريعًا للخارج؛ ينتظرانه بالحديقة .. نظر إليهم بحزن وجفف هذه الدمعه التي تمردت وانسالت على وجنتيه رغمًا عنه، وذهب خلفهم....


💛 اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد 💛


جلس وليد بجانب يوسف الذي بالكاد يحاول فتح عيناه، أثر عدم نومه الليل أكمل، بجانب عدة الصدمـات التي تلقاها، والتي كانت أكبر منه قـوة لكنه يعلم أن الله مع الصابرين،



 خانته دموعه التي انسالت على وجنتيه وهو يتذكر حديث الطبيب الذي كان كالرصاصـة؛ اخترقت قلبه وحطمته بدون أدنى رحمـة لهشاشتـه! 


هل بالسهل عليه تصديق ما قاله الطبيب في ابنه؟! فلـذة كبده، ومن يثق به ثقه عمياء، يكتشف انه يتعاطى الكحوليـات!! 


نظر إلى وليد الذي ربت على كتفه بحنان، ونظرة حانيـة جعلته ينهار ببكاء مرير، قَائِلًا بتنهيده متعبه وهو يجفف دموعه من على خديه:

- اللي حصل واللي سمعناه المفروض ميتقلش .. مش عارف اللي بفكر فيه صح ولا ايه، بس مش عايز حد يعرف باللي فيه .. حتى على الأقل قدام عمته روز، كفايه إن أوركيد عرفت بكل حاجه .


طبع وليد قبلة طويله على رأسه وقال بهدوء :

- وده التفكير السليم يا عمي والله .. ملهوش لزوم حد يعرف، هو باذن الله هيبقى بخير ومفيش حاجه تستدعي للقلق أو اننا نسمع حد !! 


أنهى حديثه تزامنًا مع أوركيد التي جاءت للتو من دورة المياه الملحقية بالمشفى، قالت بهدوء لخالها يوسف :

- أنا محتاجه أشوف كرم، لازم اتكلم معاه وأطمن عليه .


نظر لها يوسف بحيرة، فالطبيب أخبرهما أن زيارته لا داعي لها، فهو الآن لا يشعر بشيء حوله .. تحدث وليد سَرِيعًا بعدما رأى الحيرة على ملامح يوسف : 

- تعالي يا أوركيد .. هنروح للدكتور ويـارب يرضى يدخلك .


ذهبا للطبيب، والذي تفهم لحالتهم وسمح لها بزيارته مع مُرَاعَاتها لحالته ومنعه من الحديث…



وقفت أمام باب الغرفة وهي تشعر ببرودة تسري بداخلها، يديها التي ترتعش أثر توترها وخوفها من كونها ستراه بعد حادث كان سيبعده عنها، دقات قلبها التي تتواثب بسرعة جعلتها تتنهد بتعب ظهر جَلِيًّا على ملامح وجهها، أخذت تُهديء من نفسها


 ومن اتضرابها وتوترها وهي تحمد ربها كون زوجها بخير وسيبقى معها، نظر إليها وليد بخوف من مظهرها؛ لكنها بادلته النظرة بإطمئنان ودلفت الغرفة ببطء بعدما قامت إحدى الممرضات بتعقيمها…


بمجرد دخولها الغرفة وأغلقت الممرضة الباب عليها، وضعت يدها على فمها تمنع صوت صراخها، من منظره الْمُهْلِك لقلبها الْمُحِبّ لـه .. بكت بحرقـة وتغلبت عليها عواطفها في تلك



 اللحظة، تذكرت لحظاتهما وذكرياتهما معـًا، تذكرت ابتسامته التي لا تُفـارق وجهه، مغازلته لها، نظرته إليها التي تُـذيبها، وتطمئنها في ذات الوقت ..  


أغمضت عينيها بوجع وتحركت تِجَاهُه بدموع تنسال على وجنتيها دون توقـف! 

توقفت عند الفراش الذي يتسطح عليه، اقتربت منه بهدوء وجلست إلى المقعد المجاور لـه، والذي لا يبعد عنه كثيـرًا .. أمسكت يده وضمتها بين راحتي يديها وبكت، بكت على كل



 شيء، بكت عليه وعليها وعلى ما يحدث معهما، أخذت تبكي بكل ما أوتيت من قـوة، وكأن كل دموع المكسورين تجمعت بعينيها هي!

وكأن حُزْن العالم أكمل وُضِعَ بقلبهـا …

كانت ستذهب وتترك يـديه، لكنه أوقفها حينما ضغط على يدها بخفه جعلتها تنطر إليه بدموع، ولكن كانت لدموعها فرحـة؛ بأنه يشعر بها وبوجودها بجانبـه!

 

جلست بمقعدها مُجَدَّدًا ونظرت إليه بفرحة وقالت من بين دموعها :

- كـرم !! أنت سامعني، وحاسس بيا صح ؟


فتح عينيه ببطء شديد وقال بصوت بالكاد وصل لمسامعها :

- سـ .. سامعك .


قالت بفرحة بعدما جففت دموعها :

- طيب هروح أقول لخالو يوسف، هيفرح أوي يا كرم بجد .


ضغط على يدها بقـوة وقال بصوت خافت :

- أنـا محتاجك أنتِ .. أوعي تسيبيني .


نظرت إليه وإلى وجهه الذي شحب لونه، كما أن جبهته المُغطاه بالشاش الأبيض، عينيه التي بهـا إحتياج لها، كأنـه يطلب منها عن طريقها كم هو يحتاجها في هذا الوقت .. كم هو يريد ضمه



 ليديه بين يديها .. إلى إرتمائه داخل أحضانها، الذي بداخله ثقه عميـاء كونها ستمحو أي حزن بداخله بمجرد محاوطة يدها حوله .. إلى الحديث معها بكل ما يحمله القلب من حديث



 مخفي عن الجميع، لكنه يُـريد الفضفضة معها والبوح لها بكل شيء.. حتى وإن كانت بعد الذي ستعرفه عنه ستقرر الفـراق، يكفي كونه تخلص من هذه الغُمـة التي تحجب التنفس عن رئتيه! 


تنهدت بعمق وانسالت عبراتهـا فوق وجنتيها من نبرة صوته التي آلمتها وجعلت قلبها يعتصر ألمـًا عليه…



فمـا أصعب من امرأة تسمع معشوقها يطلب منها البقـاء بجانبه وألا تتركه، ستتألم ولكن إن كانت تحبه، لا شك بأن احتياج الحبيب من أجمل الأشياء التي من الممكن أن يحظى بها أي شخص، ولكنها في ذات اللحظة مؤلمـه !!



نبرة صوته الهادئة المليئة بالإحتيـاج لها جعلتها تتشبث بيديه وبكت بضعف، لا تعلم بأنه يُـريد أن يستمد قوته منها هي، قال بوهن وبذات الصوت الهاديء :



- متعيطيش .. عايزك قويـة زي ما أنا متعود أشوفك .. عايز أستمد قوتي منك، لأني قوي بيكِ .


انخرطت بالبكـاء ولامست وجهه بخفه، أخذت تُـمرر يدها عليه وهي تُـناظره بإشتياق، قالت بنظره مطمئنه ومازالت يدها اليسرى ممسكة بيده :



- معاك وجمبك يا عمري .. بس قوم بسرعة لأني محتجالك ومحتاجه لوجودك جمبي، أنت وحشني يا كـرم .


أغمض عينيه بوجع، مُتذكـرًا قسوة قلبه عليها وتجاهله لها في أشد الأوقات احْتِيَاجًا له، كانت تصرخ باسمه وتناديـه بأنها



 تحتاجه، بينما هو تركها بحالتها دون أن يرمش لـه جفن، دون أن يستمع إلى قلبه، فرت دمعه من عينيه وكأن الذي حدث منذ ساعات الآن يحدث أمامه، يتذكر كُلّ شيء حدث، كُلّ همسه




 خرجت منها وهي تطلب منه البقـاء تتردد بداخل أُذُنَيْه كصدى الصوت .. صوت بكائها ونحيبها الذي مـر عليه في لحظتها كالاشيء، والآن كالسكاكين التي تُقْطَع قلبه دون أي شفقـة!



فكم من أشيـاء نفعلها دون أن نُدْرِك عقوبـتها، لتأتي لنا الصدمة.. بعدما نتذوق مـرارة الندم! 


خرج صوته أَخِيرًا، بنبرة باكيـة وهو يجاهد في ترتيب الكلمات كي تفهمها بالطريقة التي يُـريدها :


- أوركيد .. مش عارف ده وقته ولا ايه، بس متزعليش مني من معاملتي ليكِ، متزعليش إني سبتك ومشيت في أكتر الاوقات كنتِ محتاجاني فيها .. آسف يا حبيبتي .


أشاحت بوجهها عنه تجاه أيديهما المتشابكـة وهي تُجَاهِد في منع دموعها من النزول، وهي تتذكر معاناتهـا وبكائها منه، تناست كُلّ شيء بمجرد أن علمت ما حدث له، وكأنه عندما




 اعتذر منها تذكرت ما حدث، تذكرت ما جعل قلبها يتألم، تذكرت نظرتها ومناجاتها لها، ضعفها في تلك اللحظة والتي تكره إظهاره أمام أحد، وعندما فعلتها كان هو؛ وكانت النتيجة كسرة قلبهـا وخزلانه بـه! 


توقف كل شيء أمامها عند كلمة "حبيبتي" كم اشتاقت لها ولحديثه معها كحبيبـة !!

رفعت عينيها عليه، وجدته نَاظِرًا عليها مُنْتَظِرًا رد لكلامه عليها، لكنها تبقيت كما هي دون حديث، كانت هي وقلبها تحت تأثير كلمته، وكأنها تُرِيد محو ما فعله بها بأي طريقة .. ابتسمت بخفه وقالت بهدوء :




- المهم عندي دلوقتي إنك بخير ومعايا .. عتابي ليك مش وقته خالص .


نظر لها كرم بخوف مصطنع وقال بمرح :

- معنى كده إني هيتنكد عليا بعد ما أخف ؟


ضحكت بخفه بينما تنهد هو بقوة وقال بقلق بعدما تذكر أمر روجينا وما حدث معهما :

- هيا روجينا فين صح ؟ 


عقدت حاجبيها بتعجب وسرعان ما ربطت حديث الطبيب عن الفتاه التي كانت معه بنفس الحادث، مع الاسم الذي نطقه للتو .. قالت بغيره واضحه :

- وهيا مين دي ؟


توترت ملامحه منها ومن نظراتها، ومن خوفه لفقدانهـا .. لكنه قال بهدوء :

- انا وراجع لقيتها بتجري وبتعيط بطريقة هستيريه، كانت متبهدله فعلا .. مفكرتش في أي حاجه وركبتها معايا .. دي كل الحكاية . 


نظرت إليه بعدم تصديق لكنها ربتت على يديه وبخفه تزامنًا مع دخول الممرضة، تُطالبها بالخروج في الحال، ودعته بابتسامة مطمئنه وخرجت من الغرفه بخطوات بطيئة وهي تشعر بصداع يكاد يفتك بهـا، نظرت إلى الجميع بنظرة سريعه،




 الكل أمامها لكنها لا ترى شيئا، لا تعلم ما سبب نظراتهم المتوتره والخائفة .. لا تسمع إلا صوت والدتها التي صرخت بفزع وهرولت سريعا لتحتضنها، لكنها فقدت وعيها من قبل وصولها إليها …… 


                   الفصل السابع من هنا

لقراءة باقي الفصول من هنا


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-