روايةامرأة و خمسة رجال
الفصل الاول الثانى
بقلم شاهندة
تأملت تمارا محيطها..تتأكد من أن كل شئ فى مكانه تماما..لتبتسم فى راحة ..فقريبا وقريبا جدا ستتزوج فى تلك
الشقة..شقتها التى فرشتها بحب وعناية والتى ستجمعها بحبيبها ماجد...
أربعة أيام فقط تفصلها عن حلمها..أربعة أيام وتتخلص من تلك الحياة التى عانت فيها الكثير ..تتخلص من قسوة أبيها الغير
مبررة ..من قلة حيلة أمها..من أيام تمنت فيها أن تعيش حياتها كما تحب أن تعيشها..فقط أن تعيش حياة يظللها الحب
والسلام..لم تشعر بأنها حية سوى منذ دخول ماجد إلى حياتها..لطالما خشيت أن يرزقها الله بشبيه لأبيها ولكن حمدا
لله رزقها الله بماجد.....ذلك الخطيب الرائع...
انتفضت من أفكارها على أحدهم يضمها من الخلف أحست بدقات قلبها المتسارعة والتى مالبثت أن هدأت حين تسلل
صوته إلى أذنيها وهو يقرب رأسه منها يخفى وجهه فى ثنايا عنقها قائلا:
إيه المفاجأة الحلوة دى؟
أحست تمارا بالخجل..بالاضطراب..وبمشاعر أخرى تجتاحها فتلك هي المرة الأولى التى يقترب منها ماجد بتلك الصورة.
.بل انها المرة الأولى التى يلمسها رجل على الإطلاق..أحست بالحرارة تغزو كيانها وشعرت بجفاف فى حلقها..فلم تستطع
النطق بكلمة..ليمرغ ماجد وجهه فى عنقها صاعدا إلى أذنيها قائلا فى همس:
وحشتينى.
ثم طبع قبلة حارة على وجنتها..لتنتفض تمارا.. فإلى هنا ولم تستطع التحمل ..تشعر بكيانها يذوب بين يديه لتبتعد عنه
بقوة وهي تلتفت لتواجهه ..أطرقت برأسها وهي تفرك يديها بخجل..ليبتسم ماجد وهو يقترب منها قائلا:
إيه ياحبيبتى إنتى لسة مكسوفة منى؟..احنا فرحنا بعد أيام.
رفعت إليه عينيها وهي تشير إليه بيدها قائلة فى حزم خجول:
معلش ياماجد خليك بعيد..احنا لسة.. يعنى متجوزناش.
اتسعت ابتسامته وهو يقول:
يعنى لما نتجوز هقرب براحتى.
اتسعت عينيها بصدمة وهي تقول:
ماجد.
قال لها بابتسامة :
روحه.
أطرقت برأسها فى خجل قائلة:
أنا..لازم أمشى..اتأخرت ع الأجزاخانة..أنا قلت للدكتور انى هاخد ساعة بس أتغدا فيها.
ونظرت إلى ساعتها قائلة:
والوقت خدنى وفات بدل الساعة ساعتين..
لتنظر إليه وهي تستطرد قائلا:
بس كان لازم أتمم على الشقة..وانت عارف من يوم ماخلصنا فرش الشقة وماما مانعانى آجى هنا.
قال ماجد فى ضيق:
بأوامر من والدك طبعا.
اقتربت منه تمارا قائلة :
معلش ياحبيبى ..انت عارف هو بيحبنا إزاي وبيخاف علينا أد إيه.
رفع ماجد حاجبه باستنكار قائلا:
بيخاف عليكى منى؟
أصبحت قبالته تماما لتمد يدها تمسك يده قائلة فى حب:
هانت ياماجد..هانت وهنكون مع بعض..ومفيش حد هيكون الآمر والناهى فى حياتى غيرك إنت.
رفع يدها الممسكة بيده إلى فمه ليقبلها بنعومة ناظرا إلى عينيها وهو يقول بحب:
أنا بستنى اليوم ده بفارغ الصبر ياحبيبتى.
أحست بالخجل لتترك يده قائلة:
أنا بجد اتأخرت..ولازم أمشى.
عاود مسك يدها وهو يقول بابتسامة:
هوصلك.
نظرت إليه لترى نظرة عينيه تتحداها أن ترفض..لتبتسم قائلة:
تمام ..يلا بينا.
تخلل أصابعها بأصابعه وهو يحكم قبضته عليها وسعادة جلية تظهر على وجهه..لتتسع ابتسامتها وهي تتجه معه إلى خارج الشقة..تشعر بالحب و......الأمان.
********************
وقف وليد يعدل من وضع رباط عنقه أمام المرآه تتابعه عينا ميار فى غيظ..ألقى عليها نظرة ليرى ملامحها الحانقة..ليعود ويركز فيما يفعله لتشعر ميار بالحنق يغمر كيانها لتجاهله إياها لتنهض من السرير وتتجه إليه تقف خلفه قائلة فى غيظ:
ممكن أعرف الباشا بيعمل إيه؟
إلتفت إليها قائلا فى برود:
هكون بعمل إيه يعنى؟بلبس.
ليلتفت إلى المرآه مجددا وهو يمسك فرشاة الشعر يمررها فى شعره بهدوء لتشعر ميار بالغليان وهي تقول:
طبعا بتلبس علشان تنزل تخرج مع أصحابك زي كل يوم.
زفر وليد بملل وهو يلتفت إليها قائلا:
ميار..بالله عليكى..مش طالبة النهاردة خناق..أيوة خارج مع أصحابى وهتأخر كمان..عايزة تتخانقى أجليها لما أبقى آجى..سلام.
وإتجه ليغادر الحجرة بهدوء ليوقفه صوتها الحاد وهي تقول:
وليد..استنى عندك.
إلتفت يحدقها بعيون باردة ..لتقول بعصبية:
على فكرة..أنا مراتك ولية حقوق عليك..وللأسف أهملتنى وأهملت حقوقى واللى يشوفنا دلوقتى يقول إننا متجوزين من سنين..مش من كام شهر بس..أنا زهقت بجد..وتعبت كلام..ولو انت خرجت من الأوضة دى دلوقتى وروحت مع أصحابك..مش هترجع تلاقينى فى البيت..قلت إيه؟
نظر إليها قائلا بكل برود:
إعملى اللى انتى عايزاه.
ثم إلتفت مغادرا يصفق الباب خلفه بقوة لتنظر ميار فى إثره بصدمة ..ثم مالبثت أن عبرت عن صدمتها بدموع انهمرت من عينيها تنعى قلبها الذى تحطم إلى أشلاء.
********************
كانت علياء تجلس مع نجوى أخت كمال زوجها يشاهدان ذلك المسلسل التركي حين دلف كمال إلى المنزل لتنفرج أسارير وجه علياء وهي تنهض بسرعة متجهة إليه وهي تقول:
كمال ..وجاي بدرى النهاردة أنا مش قادرة أصدق عينية.
قبلها كمال فى رأسها ثم قال:
لأ..ما أنا نازل تانى ياحبيبتى..أنا جاي بس هاخد حاجات وأنزل.
عقدت علياء حاجبيها بينما قال كمال موجها حديثه إلى نجوى المتابعة حديثهما فى صمت قائلا:
بطلى فرجة ع المسلسلات التركى دى..هتاكل عقلك.
قالت نجوى بغيظ:
ملكش دعوة..وعلى فكرة المسلسلات التركى دى هي اللى مصبرة مراتك عليك.
نظر كمال بطرف عينيه إلى علياء التى بدى على ملامحها الغيظ ليقول فى ارتباك:
وأنا مالى ياأختى..ما أنا شاب زي الفل أهو..بشتغل وكسيب وآخد بالى منكوا انتوا الاتنين..هو فيه حاجة ناقصاكوا؟
تجاهلته نجوى وهي تعيد النظر إلى جهاز التلفزيون قائلة:
وأنا مالى بقى..انت حر انت ومراتك.
نظر كمال إلى زوجته قائلا بعتاب:
هو أنا قصرت معاكى فى حاجة ياعلياء..قايلة إيه بس لنجوى؟
نظرت إلى عينيه مباشرة قائلة:
انت عارفنى كويس..مهما حصل بينا مش هخرج سرنا برة أوضتنا ياكمال..هي بس شايفاك كل يوم بتخرج وسايبنا لوحدنا..وانت عارف إنى فى شهور حملى الأولى ومحتاجالك جنبى.
أمسك كمال يدها وهو يمشى ساحبا إياها خلفه قائلا:
طب تعالى نتكلم فى أوضتنا.
دلف إلى الحجرة تتبعه علياء ليغلق الباب خلفه ثم يلتفت إليها قائلا:
انتى مش عارفة أنا بخرج كل يوم ليه ياعلياء؟
جلست علياء تريح قدميها المتورمتين رغم أنها فى الشهور الأولى من حملها ولكن صاحب هذا الحمل أعراضا كثيرة كارهاقها الجسدى الدائم وتقيؤها المستمر..إلى جانب تورم جسدها بأكمله..ولكنها تتحمل كل ذلك بفرحة انتظرتها طويلا مع زوجها وابن خالتها وحب عمرها كله... كمال.
نظرت إلى عينيه قائلة فى عتاب:
كل اللى أعرفه هو اللى انت قلتهولى ياكمال..
قال كمال :
وإيه اللى انا قلتهولك ياعلياء؟
نظرت إليه قائلة:
انك قابلت صاحبك ده اللى كان معاك فى الكلية من فترة وانه غنى أوى..وانك هترجع علاقتكوا ببعض زي زمان..وقلتلى إنك مش هتلاقى أحسن منه يدخل شريك معاك فى مشروعك..عشان أكيد مش هياخد فوايد وهيسيبك تشتغل براحتك.
اقترب منها كمال ليجلس بجوارها على السرير وهو يمد يده ويمسك يدها قائلا:
طب إيه اللى مزعلك بقى؟
نزعت يدها من يده وهي تقف قائلة فى عصبية:
عشان احنا اتفقنا ترجع علاقتك معاه آه ..بس ما اتفقناش تخرجوا سوا كل يوم ..وتسيبنى بوزى فى بوز أختك نجوى والتلفزيون..
لتزفر بقوة مستطردة:
إنت إتغيرت ياكمال.. مبقتش زي الأول..أهملتنى وأهملت أختك وبيتك وشغلك ..ده حتى الأسطى محمود إشتكاك لبابا وبابا كلمنى ..وكان عايز يكلمك بنفسه بس أنا اللى منعته..قاللى أقولك ان شغلك ده هو اللى فاتح بيتك ومعيشنا انا وانت واختك من خيره.
نهض كمال بدوره قائلا فى عصبية:
يعنى وهو أنا هعمل إيه بس؟..ما انا بسهر طول الليل ..وغصب عنى بقوم العصر ..وطبعا ده مش عاجب الأسطى محمود..وعشان كدة أنا عايز افتح مشروع لنفسى ..ابقى حر فيه وفى نفس الوقت شقايا وتعبى ميروحوش للغريب.
نظرت إليه علياء قائلة فى حزم:
بص ياكمال..أنا مش مرتاحة للى بيحصل..وبقولك أهو ياابن الناس..ابعد عن صاحبك ده وخليك فى شغلك وبيتك ..احنا كنا عايشين أحسن عيشة قبل ما تقابله....أنا قلتلك اللى عندى.. وإنت حر بقى.
لتتركه وتغادر الحجرة ليمرر يده فى شعر رأسه بعصبية قبل أن يزفر وهو يتجه إلى دولابه ليأخذ منه بعض المال ويضعهم فى جيبه قبل أن يتجه إلى الخارج ليغادر مباشرة المنزل دون أن ينظر إلى الفتاتين..نظرت كل منهما إلى الأخرى قبل أن تهز علياء رأسها بيأس..لتنظر كلتاهما إلى التلفاز بألم وحسرة.
********************
خرج عزت من الحمام يلف منشفة حول خصره ويجفف شعره بمنشفة أخرى ليتوقف فجأة وهو يجد صافى تجلس أمام المرآة تضع اللمسات الأخيرة لزينتها..ليقول فى سخرية:
ممكن أعرف الهانم رايحة فين؟
إلتفتت إليه صافى تتطلع إليه بنظراتها والتى ظهر بهم الرغبة واضحة جلية لتقول بهدوء:
رايحة حفلة شيري يابيبى..إنت نسيت ولا إيه؟
اقترب عزت من خزانة ملابسه ليمد يده وهو يفتحها ويأخذ منها بذلة كحلية اللون..تتابعه عينا صافى وهو يقول:
طبعا لازم أنسى ..ما هو كل يوم الهانم رايحة حفلة شكل ..من كتر الحفلات بقيت أنسى.
نهضت صافى وهي تقترب من عزت الذى ارتدى بنطاله بعصبية لتضع يدها على كتفه تمررها نزولا على ظهره العارى قائلة بإغراء:
ما أنا قلتلك كتير تيجى معايا وانت اللى مبترضاش يازوزو.
أمسك يدها التى أصبحت تحيط بخصره يوقفها عن لمس جسده قائلا فى حنق:
طبعا لازم أرفض دعوات سيادتك انتى وصحابك..ما انتى طول ما بتقوليلى يازوزو وطول ما أصحابك محسسينى إنى جوز الست..هفضل مقاطع حفلاتكو ياصافى.
نفضت صافى يدها قائلة بملل:
أوووه ياعزت..انت مش هتبطل الأسطوانة دى..أنا بجد زهقت.
قال عزت بسخرية:
طب ما تطلقينى ياصافى مادام مبقتش أعجبك زي زمان.
نظرت إليه صافى قائلة بتروى:
مين بس اللى قال إنك مبقتش تعجبنى أو إنى بطلت أحبك..أنا لو بطلت أحبك هطلقك من غير ماتطلبها ياعزت..بليز ياحبيبى إفهمنى..أنا زي ما أنا ..إنت اللى إتغيرت ..مبقتش فاهمة بس ليه ..إحنا كنا كويسين أوى قبل.....
لتصمت فيكمل هو قائلا فى سخرية:
قبل ما أتلم على شلة الكلية من تانى..مش ده اللى تقصديه ..مش ده كلامك ياصافى؟
اقتربت منه صافى حتى أصبحت قبالته لترفع يدها تمررها على وجهه قائلة فى نعومة:
عزت.. بيبى..بليز بلاش نتخانق..أوكيه..إنت روح إسهر مع أصحابك زي كل يوم وأنا كمان هروح أسهر مع أصحابى..ونشوف بعض بعدين..سلام.
كادت أن تغادر عندما إستوقفها نداءه بإسمها فالتفتت إليه ليقول هو فى هدوء:
محتاج فلوس ياصافى.
ابتسمت صافى وهي تقول :
بس كدة.. ثوانى.
لتفتح حقيبتها وتخرج مفاتيح خزنتها وتتجه إليها ..تفتحها بهدوء تخرج منها بعض المال ثم تغلقها مجددا لتلتفت إليه تمنحه المال وهي تقبله فى وجنته قائلة:
إنجوووي ياعزت.
ثم ابتعدت مغادرة الحجرة بخطوات أنيقة تتبعها عيون عزت الذى رفع المال أمام وجهه ثم ألقى بهم على السرير قائلا فى حقد:
ملعونة الفلوس اللى حوجتنى لواحدة زيك ياصافى.
الفصل الثاني
قال إسماعيل بصوت حاد:
ياسعاد..ياسعاااد.
هرولت سعاد إلى حيث زوجها الجالس على كرسيه يرمقها بنظرات حادة..لتقول بتوجس:
خير ياإسماعيل.
قال إسماعيل بحدة:
بنتك فين ياسعاد؟
قالت سعاد بإرتباك:
بنتى..قصدك تمارا ..أصلها يعنى...
قال إسماعيل فى غضب:
أصلها إيه..ماتنطقى .
قالت سعاد وقلبها يرتجف خوفا:
أصل صاحب الأجزاخانة اللى هي شغالة فيها وراه مشوار مهم النهاردة ..وكلمها تقعد بداله وهي سألتنى وأنا قلتلها ماشى.
نهض إسماعيل وعروقه تنتفض من الغضب وهو يقترب منها قائلا:
عملتى إيه ياأختى..وافقتى؟وإزاي توافقى من غير ماتسألينى.
تراجعت سعاد خطوة إلى الوراء وهي تقول فى خوف:
إسمعنى بس ياإسماعيل..الدكتور عرض عليها مبلغ حلو لو وقفت بداله النهاردة..وانت عارف إنها نفسها تأجر فستان
فرح حلو.. واحنا مفضلش معانا فلوس..أنا كنت هستلفلها حقه من أم محمود جارتنا بس أهي ريحتنا من السلف.
وقف إسماعيل قبالتها وهو يقول فى صرامة:
سلف إيه اللى كنتى عايزة تستلفيه ياولية..أنا قلتلك قبل كدة إنى مليش دعوة بمصاريف فرح بنتك..أنا كفاية علية مصاريف تعليم ريم.
قالت سعاد وقلبها ينتفض رعبا:
وأنا أصلى قلتلك إدفع حاجة ياأخويا؟..ما تمارا اللى اشتغلت ومن تحويشها يانضرى جهزت نفسها..وأنا ساعدتها بقرشين
من شغلى فى الخياطة..وأهى الحمد لله خلصت.. وفاضل على فرحها أيام ياإسماعيل.
إلتفت إسماعيل ليعود إلى مقعده وهو يجلس عليه قائلا:
اللى مصبرنى إنى خلاص هخلص منها ..روحى ياولية..روحى
قوليلها تقفل الأجزاخانة وتيجى حالا..مش عايز حد فى الشارع يقول إسماعيل مش عارف يحكم أهل بيته..يلا مستنية إيه..غوووورى.
انتفضت سعاد وهي تسرع بالمغادرة..لتتصل بتمارا وقلبها تتقافز دقاته من الخوف.
********************
قال عزت فى ملل:
ماتروق ياابنى انت وهو..الواحد مش ناقص نكد..هتفكوها ولا أقوم أمشى؟
قال وليد فى حدة:
قوم إمشى ياعزت.
قال عزت بإستنكار:
هي بقت كدة؟..بقى أنا أسيب مراتى وحفلة كبيرة فيها بنات زي اللوز..عشان فى الآخر تقوللى قوم إمشى ياوليد..طب أنا قايم ماشى أهو.
ونهض بعصبية ليمسكه كمال من يده قائلا:
اهدى بس ياعم المهم واقعد..وليد بيهزر..هي القعدة تحلى من غيرك برده.
قال وليد فى ضجر:
اقعد ياعزت وبلاش غلبة..ياسيدى بهزر معاك.
جلس عزت وهو يرفع ياقة القميص بغرور قائلا:
أيوة كدة اتعدلوا ..
لتلمع عيناه وهو يستطرد قائلا:
ده أنا جايبلكوا معايا مفاجأة.
نظر إليه كمال قائلا فى حيرة:
مفاجأة إيه دى؟
أخرج عزت من جيبه ورقة صغيرة فتحها أمامه لتظهر ثلاثة أقراص تشبه الدواء..وهو يقول:
حاجة كدة خيال.. مجربتوهاش قبل كدة ولا عمركوا كنت هتجربوها ..يلا بقى أنا مش عارف بس من غيرى كنت هتعملوا إيه؟
إلتمعت عينا وليد وهو يمد يده ليمسك قرصا من الأقراص قائلا:
إيه ده؟
أبعد عزت يده وهو يقول :
حيلك حيلك إستنى بس..أصل الحبوب دى حاجة كدة هتوصلكوا للسعادة المطلقة زي ما بيقولوا ..هتعيشكوا فى دنيا تانية خالص..جايالى مخصوص من برة..محتاجة جو هادى خالص عشان نعيش معاها..تعالوا نشربها فى العربية.
قال كمال وهو يهز رأسه رافضا:
لأ.. أنا كفاية اللى شربتوا النهاردة..مش ناقص أسمع كلام من علياء..كفاية اللى سمعتوا النهاردة قبل ما آجى.
قال عزت بسخرية:
خايف من الست..لأ رجولة ياجدع.
قال كمال فى عصبية:
ما تتلم ياعزت..وتلم لسانك..أنا مش خايف..بس مبحبش المشاكل.
قال وليد فى سخرية:
مصدقينك ياكمال..مصدقينك.
نقل كمال نظره بينهما فى حنق ليقول موجها حديثه إلى عزت:
طب هات ياعزت ..هات الحباية دى وخلصنى..مش لازم نستنى لما نروح العربية..هااات.
قال عزت بإبتسامة:
أيوة كدة ياكمولة ياحبيبى..إمسك.
ليناوله القرص فأخذه كمال وتناوله بسرعة يتبعه وليد ثم عزت..لتلتف رءوسهم على الفور وتصور لهم أوهام ذلك المخدر أن الحياة صارت رائعة..وأنهم يدخلون باب الجنة بأرجلهم..لا يدركون أنهم مايدخلون إلا بابا سيفتح عليهم نار جهنم ليحترقون بلهيبها.
********************
ردت تمارا على هاتفها على الفور عندما رأت رقم إبنة خالتها وصديقتها وفاء..لتقول بابتسامة:
فوفو حبييتى وحشتينى.
قالت وفاء بعتاب ساخر:
لو وحشتك بجد كنتى عديتى علية الصبح قبل ماتنزلى.
مالت تمارا برقبتها واضعة هاتفها مابين أذنها اليمنى وكتفها وهي تسجل آخر دواء باعته منذ قليل قائلة:
والله يافوفو كنت مستعجلة أوى الصبح لإنى سهرت بالليل شوية وصحيت متأخرة..فمعرفتش اعدى عليكى.
قالت وفاء بسخرية :
وإيه ياأختى اللى كان مسهرك بالليل..أكيد بترغى مع المحروس ..وأنا ولا على بالك.
توقفت تمارا عما تدونه وهي تقول بحيرة:
أنا نفسى اعرف بس مش طايقة ماجد ليه ياوفاء؟ده حتى عمره ما جاب سيرتك غير بكل خير.
قالت وفاء بارتباك:
وأنا مالى وماله ياتمارا؟هو أنا قلت حاجة ؟كل الموضوع بس إنه واخدك منى وطبعا لما هتتجوزوا هياخدك منى أكتر.
ابتسمت تمارا وهي تعود لتكمل الكتابة قائلة:
قلتييلى..لأ ياستى متقلقيش أنا قلت لماجد إنك مش بنت خالتى وبس..لأ ده انتى زي أختى وأكتر وإن بيتى هو بيتك ..يعنى تشرفينا ياستى وقت ماتحبى وتباتى معانا كمان.
قالت وفاء:
أبات معاكو..انتى الظاهر إتجننتى..عموما كفاية كدة كلام فى التليفون وأشوفك لما ترجعى..متنسيش تعدى علية.
قالت تمارا وهي تغلق الدفتر لتعود وتمسك هاتفها بيدها قائلة:
مش هينفع ياأختى..خالتك سعاد بتتصل بية بقالها نص ساعة وأنا مبردش..أكيد بابا قالب الدنيا عشان إتأخرت..وأنا يادوبك هطلع على أول الشارع وآخد تاكسى ..مش هستنى الأتوبيس زي كل يوم..الحمد لله إن ماجد مكلمنيش كان هيضايق أوى لو عرف إنى خدت وردية بالليل ومقلتلوش..يلا كله عشان خاطر فستان الفرح اللى قلتلك عليه..يارب بس بكرة أنزل ألاقيه لسة متحجزش.
قالت وفاء فى سخرية:
متقلقيش هيروح فين يعنى..هما العرايس يعنى بتتجوز كل يوم..ما احنا ملقحين زي الرز أهو ومحدش بيهوب ناحيتنا .
قالت تمارا بحنان:
معلش يافوفو بكرة ربنا هيرزقك بإبن الحلال اللى يسعدك بس انتى إصبرى بس.
قالت وفاء:
صابرة يااختى ..صابرة.
قالت تمارا:
تمام..يلا بقى..هشوفك بكرة قبل ما أنزل الشغل..سلام.
ثم أغلقت الهاتف ووضعته فى حقيبتها وهي تغلق باب الصيدلية وتتجه بخطوات سريعة إلى الشارع الرئيسى..كي تركب أي سيارة أجرة توصلها إلى البيت بأقصى سرعة.
*******************
دلفت السيدة منيرة إلى الحجرة لتجد ميار الجالسة على السرير تبكى فى صمت..وبجوارها حقيبة مفتوحة بها بعض ملابسها..ما ان رأتها ميار حتى مدت يدها لتمسح دموعها على الفور لتقترب منها منيرة وتجلس بجوارها على السرير قائلة بهدوء:
مش هسألك كنتوا بتتخانقوا ليه وصوتكوا عالى..ولا ليه لميتى هدومك فى الشنطة دى؟بس هسألك سؤال تانى خالص وياريت تجاوبينى عليه بمنتهى الصراحة؟
نظرت إليها ميار قائلة فى حزن:
اتفضلى ياطنط..إسألى.
نظرت منيرة إليها قائلة:
لما هتروحى بيتكم هتقولى إيه لمامتك وباباكى..هتقوليلهم أنا بسرعة إستسلمت وفقدت الأمل فى جوزى وخلاص مبقتش عايزة أكمل..هتقولى إن بنت عيلة الجمال مقدرتش على أول مشكلة واجهتها وفضلت تهرب زي الجبنا.
حاولت ميار أن تتحدث لتقاطعها منيرة بإشارة من يدها قائلة فى حزم:
طيب مفكرتيش فى وليد لما يعرف إنك سبتى البيت وخرجتى من غير إذنه..تفتكرى وليد هيعدى حاجة زي دى بالساهل..مش بعيد يطلقك فيها..قوليلى بقى..ده اللى انتى عايزاه يا ميار يابنت أختى؟ ياللى اخترتك من وسط البنات اللى كانوا أدامى كلهم عشان تكونى مرات إبنى.
أطرقت ميار برأسها قائلة بحزن:
هي دى المشكلة..أنا كنت اختيارك انتى مش اختياره ومن يوم مااتجوزته لغاية النهاردة وأنا بدفع تمن الاختيار ده..بس أنا تعبت..من حقى أحس إنى محبوبة ومرغوبة من جوزى مش حاجة اتفرضت عليه.
قالت منيرة فى هدوء :
بصى ياميار.. جوازك من وليد ده حلم بنات كتير..كانوا مستعدين يعملوا أي حاجة عشان يكونوا فى مكانك..وأي ست عاقلة بتحافظ على بيتها هتتحمل..وهتشوف إزاي ممكن تخلى جوزها يحبها وميستغناش عنها..خدى بالك من بيتك وخدى بالك من جوزك عشان مترجعيش تندمى ياميار.
لتنهض قائلة فى حزم:
أي جواز فى الدنيا لازم تحصل فيه تنازلات ..إذا كنتى مستعدة تقدمى تنازلات عشان علاقتكوا تنجح يبقى هتكملى معاه أما لو لأ..فساعتها انتى حرة..القرار يرجعلك.
لتمشى مغادرة الحجرة فى هدوء..تتبعها عينا ميار الحائرتين..تتساءل هل هي حقا مستعدة لتقديم تلك التنازلات للحفاظ على زواجها من وليد؟وهل ذلك الزواج يستأهل أن تفعل ذلك؟ترى هل تحبه إلى تلك الدرجة؟لتظل أسئلتها عالقة.......دون إجابة.
********************
قال عزت فى ملل:
يوووه ياوليد..احنا لسة موصلناش لشقتك؟
قال وليد الذى يقود السيارة بصعوبة من أثر تلك الحبوب:
قربنا أهو ياعزت..
قال عزت:
يعنى مش كنا جبنا البت زيزى معانا.. أهى كانت طرت لينا الليلة حبة بدل ماهي ناشفة كدة؟
قال كمال وهو يحاول أن يفيق من أثر المخدر الذى يسرى فى دمه :
يعنى وهي رضت تيجى معانا وإحنا مجبنهاش؟..ما قالتلك ان إحنا كتير عليها.
قال وليد وهو يحاول أن يفتح عينيه بصعوبة:
أحسن إنها جت منها وهي دى أشكال أصلا تطرى قعدة..ذوقك بقى لوكال ياعزت.
قال عزت بسخرية وهو ينظر خارج السيارة:
خلينالك الذوق العالى ياكبير.
ليصرخ فجأة قائلا:
اقف ياوليد..بسرعة.
توقف وليد كابحا فرامل سيارته على الفور..قائلا:
فيه إيه؟
أشار عزت إلى الجهة الأخرى من الطريق قائلا:
بصوا كدة ع المزة اللى هناك دى..يالهوووى..دى صارووخ.
نظر كل من كمال ووليد إلى الجهة التى ينظر إليها عزت لتلتمع عينا وليد وهو يقول:
فعلا ياواد ياعزت..صاروخ.
قال عزت بتباهى:
عشان تعرف بس ذوقى ياسى وليد..آل لوكال آل.
قال كمال :
الحقيقة البت قمر ..بس واقفة فى الحتة المقطوعة دى ليه وفى الوقت ده؟
قال عزت:
تلاقيها شمال..وواقفة تلقط رزقها..ماتيجوا نجرب ..مش جايز تظبط وأهى أحلى من البت زيزى بمراحل.
قال وليد وهو يفكر:
من جهة أحلى فهي أحلى..ومالوا.. تعالوا نجرب..
ليدير سيارته وهو يلتف بها من المحور المقابل ليقترب منها بسرعة ثم يتوقف بجوارها تماما.
....كانت تمارا تقف على الطريق تلعن ذلك الحظ الذى جعلها تفكر فى ركوب سيارة أجرة لتظل قرابة النصف ساعة فى هذا المكان ولم يقترب منها سوى بعض السيارات المسرعة..حتى هاتفها الذى حاولت أن تتصل بماجد من خلاله.. وجدته فارغا لتلعن حظها مجددا وهي تنظر إلى ساعتها تدرك أنها ستحظى بتقريع من والدها يساوى ماحصلت عليه منه طوال حياتها..لتفيق على صوت توقف سيارة بحدة بجوارها وصوت صاحبها يقول بلهجة ثقيلة:
القمر رايح فين؟
نظرت إليه تمارا لتشعر بأن وجهه مألوف إلى حد ما..لابد وأنها رأته فى مكان ما ولكن أين؟ليقول ذلك الشاب الذى فى الخلف:
ماتيجى معانا يامزة واللى انتى عايزاه هتاخديه؟
هنا أدركت تمارا مايحدث ..انهم مجموعة من الشباب أولاد الأغنياء والذين يظنون أنهم يستطيعون شراء شرفها بالمال..لتشيح بوجهها عنهم وهي تنظر إلى الطريق تدعوا الله من كل قلبها أن تجد أي سيارة أجرة لتركبها وتبتعد عنهم لينتفض قلبها رعبا حين هبط ذلك الرجل بالخلف قائلا:
ماتعبرينا يامزة..إيه مش عاجبينك ولا إيه؟
أغمضت عينيها وهي تدرك من لهجته الثقيلة وترنحه أنه لابد وأنه مخمور..مما زاد الطين بلة..لتنظر حولها تريد ان تستنجد بأي أحد فلم تجد..حاولت أن تمشى بعيدا عنه ولكن استوقفتها يده التى أمسكت بها قائلا بحدة:
رايحة فين وسايبانى.
نفضت يده فى غضب قائلة:
سيب إيدى ياحيوان.
ليصفعها بقوة قائلا:
حيوان..لأ ده إنتى عايزة تتربى من أول وجديد.
أمسكت تمارا وجنتها بيدها فى ألم وكادت أن تضربه باليد الأخرى ليمسك يدها بينما وجدت ذلك الشابين قد خرجا من السيارة وأصبحا بجوارهما فى ثانية وأحدهما يقول:
فيه إيه ياعزت ..مالها البت دى؟
قال ذلك العزت:
بتشتمنى ولازم تتربى.
قال ذلك الشاب :
طب يلا هاتوها معانا واحنا نربيها بطريقتنا.
اتسعت عينا تمارا فى جزع وهي تستمع إلى تلك الكلمات لتتركهم وهي تهرول مبتعدة ..تطلق ساقيها للرياح هربا منهم..لتجد نفسها فى ثوان..مقيدة من قبل أحدهم الذى وضع يده على فمها يكمم صوتها..و حملها معه رجل آخر منهم..بينما أسرع الثالث لفتح باب السيارة قائلا:
يلا بسرعة قبل ما حد يشوفنا.
لتجد تمارا نفسها فى سيارة مجهولة مع رجال لا تعرفهم يقيدونها بقوة ويكممون فمها متجهين إلى مكان ما لتصرخ
بكل قوة وتركل بقدمها بشدة..تحاول الإستنجاد بأي أحد.. قبل أن تشعر بضربة على رأسها و يحيط بها الظلام.
