روايةبراثن الذئاب الجزء الثاني من علي ذمة ذئب
الفصل الثامن عشر والتاسع عشر
👇البارت..18👇
لأولُ مرة تستنجد به بتلك القوة العظيمة، ذلك الرعب الذي سرى في كل خلية من خلاياها، أتسعت عيناه وقلبه يخفق
بعنف، ظهرت عروق نحره التي تنبض بذات العنف، شحب لون وجهه وهو يتخيل شعورها، وجد ذاته يصرخ بأعلى صوت لديه
أهتز له أركان المكان وجعل من يسمعه ينتفض من مكانه :
_يــاسميــــــن!!!...
ضيق "طائف" عينيه بتوجس من حالته، لم يفهم ما الذي أصابه، بينما هو يتطلع للأمام بأعين مذعورة، أبعد الهاتف عن
أذنه حينما تأكد من إنقطاع الإتصال، ومع صرخة الفزع التي أنطلقت من حنجرتها ودون أن يضيع ثانية واحدة، كان يركض خارج المشفى مغيباً عن الواقع.
لمحه "إيهاب" من طرف عينيه، أرتسمت على تعبيراته القلق وهو يقول بهمس :
-هو في إيــه ؟؟..
أضاف وهو ينظر لـ"روان" قائلاً :
_معلش يا روان، أنا رايح ألحق عز، سـلام.
ثم تركها تحت أنظارها المتعجبة والممتزجة بالفضول، قررت أن لا تشغل بالها، تركت المكان ذاهبة إلى الغرفة وهي تشعر
بالضيق على ما وصلت إليه مع "طائف".
ظلت صدى كلماتها تتردد في أذنيه أستقل سيارته بسرعة البرق وقد أشتعل وجهه، لحق به "إيهاب" وأستقل السيارة على آخر
لحظة قبل أن تنطلق السيارة سأله بأنفاس لاهثة :
_في إيــه يا عز؟؟..
هتف "عز الدين" وهو ينطلق بالسيارة بأقصى سرعة وبمهارة عالية تستحق الإعجاب :
_ياسمين.
سأله بتوجس خائف :
_مالها؟؟.. إيه إللي حصل؟!..
برقت عيناه في شراسة وهو يصرخ :
_هقتلهم لو قربوا منها، ورحمة أبويا لأعمل كده لو أذوها الـ....!!..
**************
صرخت بفزع وهي تجدهم يترجلون عن السيارة، شهقت بهلع حينما فتح أحدهم باب السيارة، حاولت أن تتراجع ولكن كانوا
حاصروا السيارة وفشلت حينما جذبها ذاك الرجل من ذراعها بقوة، صرخت بذعر قائلة :
_لأ، أبعد عني!!..
هتف الرجل بإبتسامة شيطانية :
_تعالي يا حلوة.
أخرجها من السيارة بينما أخرج الرجل الثاني السائق "محمد" الذي أرتسم على وجهه الخوف، أقترب منه الرجل الثالث قائلاً بخبث :
_إحنا لازم ننفذ الباشا إللي أمره، بس مينفعش الراجل ده يشوف إيه إللي بيحصل.
هتف الرجل الثاني ببساطة :
_بس كده؟!.. بسيطة!!..
ختم كلمته الأخيرة قبل أن يبطح رأسه بـ ناصيته ضربة عنيفة أصابت أنفه وما يعلوها، فـ فقد وعيه، وترك جسده يتراخى
على الأرضية الصلبة، صرخت "ياسمين" بفزع وقد زاغت أبصارها متسائلة برعب :
_إيه ده !!.. إنتوا عملتوا إيه؟؟..
مال الرجل الأول الذي يقبض على ذراعيها قائلاً بخبث :
_مفيش، إحنا بنفذ الأوامر إللي جتلنا، واضح إني هستمتع أوي.
فهمت مقصده الدنئ فأشتعلت عيناها بحمرة غضب وبدون تفكير صفعته بقوة على صدغه وهي تهدر بصوتها الخائف :
_إنت واحد حيوان وسافــل!!..
أشتعلت عينيه كجمرات من النار، بادلها صفعة أشد قوة جعلتها تترنح في مكانها، حاولت التماسك، من أجل ذاتها.. من أجل الهروب، هروب من براثــن الذئــــاب!!..
وجدت نفسها تركض، ركضت بقوة غريبة، ليركض الثلاثة خلفها، تسارعت أنفاسها من فرط المجهود، وبدأ جبينها يتصبب العرق من كثرة الرعب الذي تعيشه في تلك اللحظة، وفجأة..
توقفت سيارتين فارهتين ذات اللون الأسود، ترجل منها خمسة رجال أشداء البنية ضخام الجسد، جسد الواحد منهم بمثابة
عشرة، ملامحهم مريبة تبعث القلق وعدم الراحة، جذبها قائدهم من ذراعها بحذر ليجعلها تحتمي خلفه، أخرج الأربعة
أسلحتهم ثم صوب كُلاً منهم فوهه سلاحه على شخص، ظهر الأرتباك والقلق عليهم تسائل أحد الرجال التابعة لـ "طارق الصياد" بحدة :
_إنتوا مين؟؟!!..
أجابه طرف الأخر بنبرة عالية :
_إنت أتعديت حدودك لما قربت من ياسمين هانم، ومش هتفلت من العقاب أبداً من الباشا.
تفاجأت "ياسمين" بمعرفة إسمها ولكن تعمدت أن لا تتحدث نظراً لما يحدث حولها، سأله ذات الشخص مردداً :
_ومين الباشا ده؟؟..
أجابه القائد بغلظة :
_لما تشوفه هتعرفه على طول، ومفيش حد هيمشي من هنا إلا..
تعمد الصمت ليبث لهم الريبة فتابع بتأكيد :
_إلا عل جُثتـه!!..
قهقه الرجل بقوة ضاحكاً على كلماته، صمت بعد لحظات مردداً بثقة وبسُخرية :
_محدش يقدر يقرب مننا، إنت شكلك عبيط؟!..
ظهرت إبتسامة ظالمة على وجهه، وبدون سابق إنذار أخرج سلاحه من خلف ظهره وصوبه نحوه قبل إطلاق النار عليه، هتف قائلاً بصوت أجتاحه الغلظة :
_إنت إللي جبته لنفسك.
أطلق بعدها رصاصته الهادرة صوب ساقه فسقط الرجل وهو يصرخ بألم، أطلقت "ياسمين" صرخة عالية ثم أغمضت عينيها
بقوة لكي تمنع ذاتها من النظر إلى تلك المشاهد، أضاف القائد بعيون غاضبة :
_مفيش حد هيمشي إلا لما كل واحد ياخد حسابه من الباشا، وإللي هيفكر يهرب هيلاقي الرصاصة جت فدماغه.
ثم أشار بعينيه لأربعة الرجال الواقفين بجواره هادرًا بنبرة آمرة :
_هاتوا الحبل وأربطوهم يالا.
هزوا راءوسهم ثم بدأوا في تنفيذ آمره، في حين صاحت "ياسمين" متسائلة برعب :
_إنتوا مين؟؟..
أستدار لها القائد مردداً بإحترام :
_ماتقلقيش يا ياسمين هانم، أنا قائد حراستك، يعني تبع عزّ الدين باشا السيوفي.
توقفت الكلمات على حافة لسانها، ثواني وكانت نطقت بهمس خافت :
_عــز!!..
**************
كان "إيهاب" يحاول بحديثه تخفيف من وطأة الموقف رغم عدم فهمه لسبب وصوله إلى تلك الحالة، إلا أنه فشل في ذلك حينما صرخ "عز الدين" به بغضب أعمى :
_إيهــــاب، مش عاوز أسمع صوتك، ولا حرف!!..
أضطر الصمت أمام غضبه الأعمى الذي يمكن وبكل بساطة أن يؤدي إلى المشاكل، بينما تذكر"عز الدين" شيئاً هاماً قد نساه من كثره التوتر، أخرج هاتفه من جيب بنطاله ثم عبث به ووضعه على أذنه بعدها، أنتظر الرد ليأتيه بعد لحظات متسائلاً بصرامة :
_إنتوا فين؟؟..
أجابه قائد الحراسة بإحترام :
_إحنا مع ياسمين هانم يا عز باشا، أنا كنت لسه هكلم حضرتك عشان في حاجة حصلت.
صاح فيه بحدة :
_المهم هي كويسة!؟..
رد قائلاً بهدوء :
_أيوة يا باشا، في رجالة حاولوا يخطفوها، وواضح أن دي مؤامرة، يعني في حد بعتهم، بس ماتقلقش إحنا مسكنا الكلاب دول.
تألقت عينا "عز الدين" ببريق حازم مردداً :
_طيب، دقيتين وهكون عندك، أقفل.
أغلق الهاتف ومازال قلبه يخفق بتلك القوة، عشقه لها حتماً سيقتله في يوم من الأيام.
وعلى بُعد أمتار قليلة، أنعقد حاجبـا "عزّ الدين" في شدة، في حين ضغط هو بكُل قوة فرامل السيَّارة، فأنطلق من إطاراتها صرير مُخيف، وهي تدور حول نفسها حتى توقفت أخيراً إلى جانب الطريق، على نحو أختلّ معه توازن "إيهاب" الذي تفاجأ من تلك الحركة المباغتة، ألتفت "عزّ الدين" برأسه نحو نافذة سيَّارته وهو ينظر بعينين مذهولتين وقد ألتمعت بوميض الذُعر والخوف..
ترجل من السيارة سريعاً راكضاً ناحيتها، كانت عيناه لا ترى أي شئ سواها، كانت مستندة بظهرها على السيارة محتضنة جسدها بذراعيها، وقف قبالتها وهو ينطق بأنفاس متقطعة :
_يـ.. ياسمين!!..
نظرت له بعينين متلألأة من الدموع، فجذبها من رأسها ليحتضنها بقوة، وضع طرف ذقنه على رأسها وهو يتنفس بعمق، أنهارت باكية في أحضانه وأنتفض جسدها ليضمها أكثر وبداخله يشتعل ويشتعـل.
_أنا عاوز أعرف إيه إللي حصل و...
بتر "إيهاب" عبارته بغتة وأتسعت عيناه عن أخرهما في رعب هائل وهو يرتد إلى الخلف من هول الصدمة، عندما وجد أحد الرجال مصاب بطلق ناري، أبعد "عزّ الدين" طرف ذقنه عنها ليتطلع إلى ذلك الشخص الملقي على الأرض بعينين أشتعلتا بالنيران.. عينان بدتا كقطعتين من اللهب أو الجحيم.
أشار بعينيه لقائد الحراسة فـ فهم الأخير على الفور، أتجه إلى الحراسة وهو يأمرهم :
_خدوا الكلاب دول على المخزن القديم بتاعنا، وحد منكم يجيب دكتور يشوف السواق محمد.
سحبها "عز الدين" وهو مازال يضمها بقوة بينما هي تحاول أن تخبئ وجهها بداخل صدره، داهمها دوار حاد، فـ كادت أن تقع لولا ذراعه، بدأت تتعثر في سيرها لذلك أنحنى بجذعه ليضع ذراعه أسفل ركبتيها ثم ركض بها ناحية سيارته، فتح "إيهاب" الباب ليضعها برفق في المقعد ثم جلس بجوارها ليجعلها تتمدد في أحضانه، وأسند رأسها على ساقيه، وبدأ يمسح حبات العرق المتلاصقة على جبينها بنعومة، ونظراته تُشع منها القلق والخوف، أستقل "إيهاب" مقعد القيادة ثم أنطلق صوب القصر.
بعد برهة، كان يضعها برفق وحذر شديد على الفراش، ثم سحب الغطاء ليدثرها، قَبّل جبينها قبلة عميقة ثم أمسك بكف يدها ليُقبله هو الآخر بنعومة، همس بنبرة عذبة :
_الحمدالله، أنا كنت هموت لو جرالك حاجة.
تابع بتنهيدة حارة :
_كله هيعدي، طول ما إحنا مع بعض.
رمقها بنظرة أخيرة قبل أن ينزع حجابها برفق ثم تركها تغوص بداخل النوم، بعد ما رأته من الخوف.
خرج من الغرفة هابطاً إلى الأسفل حيث ينتظره رفيقه، سأله بلهفة حينما رأه يهبط درجات الدرج :
_ها إيه الأخبار؟؟..
أجابه بتنهيدة :
_شكلها مش كويس خالص.
هتف بشفقة :
_معلش يا عز، صعب إللي شافته بردو.
صمت للحظات قبل أن يتسائل :
_يعني هي فاقت؟؟!!..
حرك رأسه بنفي قائلًا :
_هي داخت جامد فـ كانت مش قادرة تتكلم ولا حتى تفتح عينيها، إنما دلوقتي هتنام.
حدق فيه بإستغراب متسائلاً :
_آه صح، هما إزاي حاولوا يخطفوها والحراسة كانت ماشية وراها، دول أغبية أوي!!..
هتف بإبتسامة ماكرة :
_ومين قالك كده؟!!.. هي نفسها مكنتش عارفة أن في حراسة ماشين وراها.
سأله بتعجب شديد :
_يعني إيه؟!..
أجاب بجدية :
_يعني أنا عامل خطة مع قائد الحراسة، أنهم يمشوا وراها من غير ما تحس ومش لازم تعرف إزاي عشان أنا مش فاضي أحكي، المهم أنا عملت كده عشان ياسمين متحسش بخنقة منهم، ثانياً عشان إللى يحاول يتعرضلها يقع الوقعة زي إللي وقوعها ولاد الـ....
أطلق من أعمق أعماق صدره زفرة حارة وهو يضيف :
_المهم مش عايزك تقول لـ مُنى أي حاجة من إللي حصلت.
تمتم الأخير بتأكيد :
_ده أكيد، أنا كنت ناوي أعمل كده من غير ما تقولي.
صمت للحظات قبل أن يسأله بتوتر :
_إنت ناوي على إيه؟؟!!..
رد عليه بنبرة عميقة صدرت عن أغواره :
_هجيب حقها من الكلاب دول.
هتف "إيهاب" بغضب :
_رأفت ده لازم يتربى، الموضوع زاد عن حده.
تمتم بثقة :
_رأفت مش ورا الموضوع ده.
سأله بعدم إقتناع :
_مفيش غيره يا عز؟؟..
قال بنظرات قوية :
_أنا بقولك رأفت مش ورا الموضوع ده يا إيهاب؟؟..
سأله بذهول :
_أومال مين إللي عملها؟؟.. وبعدين إيه إللي مخليك واثق أنه مش هو إللي وراها؟؟..
هتف بغموض مثير :
_هتعرف كل حاجة بعدين.
**************
عاد "إيهاب" إلى منزله، وجدها تنتظره كعادتها بعد أن هاتفها وهو في الطريق، أقترب منها سريعاً ليحتضنها، ثواني وكانت تتراجع لتتأمل عينيه التي تفيض عشقاً، أنزل يديه ليدفن وجهه في عنقها، يستنشق أكبر قدر ممكن من عطرها، أضحت رائحتها كالأدمان له، لا يصدق حتى الآن أنه في يوم وليلة أحبها وأدمنها!!..
بعد فترة رفع رأسه عنها وهو يتمتم :
_وحشتيني.
ردت عليه بخفوت :
_وإنت كمان يا إيهاب، إيه إللي رجعك بدري؟؟..
أجابها ببساطة :
-وحشتيني!!.. وكمان الشغل كان خفيف النهاردة ومكنش في لأ مواعيد ولا أي أجتماع.
أمسكت بكف يده مرددة :
_طيب تعالى عشان نتغدى.
همّت أن تغادر ولكن قبض على يدها، ألتفتت له وقبل أن تتحدث كان راح يُقبلها.
قبلاته تبعزقت على وجهها.. بنعومة ورقة.. بحب كبير وحنان.. بحب دافئ قبل أن يكون رغبة، حاوط خصرها بقوة بذراعه الأيمن قبل أن يعود إلى شفتيها يأخذها إلى رحلة طويلة، يوضح بطريقته الخاصة عن كم من العشق الذي موجود بداخله.
**************
صاح بأعلى صوته كثورٍ هائج وذئبٍ شرسٍ، جذبه "عز الدين" من تلابيبه بعنف، أرتجف ذلك الرجل حينما رأى في عينيه الشبيهة بالصقر، رأى شر دفين ونية غير صالحة له، أرتعد بخوف منه وقد تأكد من مصيره القاسي، هتف برعب قائلاً :
_والله العظيم هقول إللي حصل، صدقني الباشا هو إللي أمرنا إننا..
صمت خائفاً من قول تلك الجملة، سدد له "عزّ الدين" لكمة قوية في وجهه هادرًا بنبرة جهورية :
_أنطــق يـا كـلــب!!..
هتف وهو يبتلع ريقه بصعوبة :
_هو كان عاوز يذلك عن طريق مراتك، عشان عارف أن دي نقطة ضعفك، فكان عايز أننا نغتصبها عشان نحرق قلبك.
جن جنونه مع تلك الكلمة، سدد له عديد من لكمات عنيفة، ثم ضرب وجهه بقوة حتى كاد يسقط للوراء ولكن أمسكه من عنقه بعنف قبل أن يسقط وجذبه إليه وهو يسأله بإبتسامة قاسية شيطانية ظالمة :
_في حاجة نفسك تقولها قبل ما تشوف العذاب بجميع ألوانه؟؟..
قال بذعر وقد بدأ يختنق :
_يا باشا ده مش ذنبي والله، أنا مقدرش أقول لأ لـ طارق الصياد!!..
أتسعت عيناه بصدمة وهو يغمغم بهمسٍ خافت :
_طـارق الصياد!!..
❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️
البارت..19
ظل على حالتــه تلك، لم يتحدث بـ أي كلمة، بل أخذ يُحدق في سقف الغُرفة البيضاء، ومازال قلبــه ينزف بغزارة، أغمض عينيـهِ وهو يبتلع تلك الغصة المريرة التي تقف في مُنتصف حلقـه، أغمض عينيـهِ بقوة أكبر مقاومًا هبوط دمعة من بحر دموعــه الحــارة، وضع يده على مكان موضع قلبـه مُستشعرًا دقاتـه العنيفة، قلبــه الذي يصرخ بأنـه على وشك الأنهيـار، أصدر شهقة ألم حاول كتمهـا لـ فترة طويلة، خرجت "روان" من المرحاض لـ تجده على تلك الحـالة، أقتربت منـه سريعًا وهي تسألــه بنبرة تلهف :
-مـالك يا طائف ؟؟.. أجبلك دكتور ؟؟..
لانت ملامحــه بـ درجة متوسطة، فتح عينيـهِ بـ بُطء مُجيبًا بـ هدوءٍ :
-مفيش حاجة يا روان، أنـا كويس .
هتفت بـ نفيٍ :
-لأ، أنا هجيبلك دكتور .
قـال بضجر :
-روان أنا مش نـاقص، قولت لأ يبقى لأ !!..
صمتت للحظات قبل أن تقول بـ حُزن :
-إنت لسـه مضايق مني ؟؟..
لم يُجيبهـا بل ظل صامتًا، تابعت هي :
-يا طائف إنت لازم تقدر إللي أنا فيـه !!..
لم تستمع إلى أي رد أيضًا، أضافت بـ تذمر :
-طائف، إنت لو كان ليك أُخت وأتقدملهـا عريس أبوه بيقتل وبيخطف وبيعمل الجرايم دي كُلهـا، كُنت هتوافق عليـه ؟؟..
أغمض عينيـهِ بـ قوة محاولاً التغلب على ذلك الألـم الحـارق الذي أتى على حين غُرة، تابعت "روان" بضجرٍ :
-طائف أنا مش عوزاك تزعل مني، بس إنت هعارف كويس، أن جوازنـا مش هيبقى فيـه غير حُزن وتعب وكآبـة؛ بسبب أبوك !!!.. وكمان أنا مش مستغنية عن عُمري، وإنتوا دخلتوني حياتكُم بـ طريقة شيطانية، وأنا مش هسمح أن نهايتي تبقى ناهية سيئة .
صمتت للحظة واحدة قبل أن تُتابع بـ تأثر :
-أنا عايزة أعيش فـ أمــان، أمـان أنا أفتقدتـه من يوم وفـاة بابا وماما !!..
عـاد يفتح عينيـهِ وهو يقول بـ جمودٍ غريب :
-خلاص يا روان، أنا هبعد .
حدقت بـهِ بذات التأثر العالي لـ يُتابع بـ ذات الجدمود المُريب :
-هتبقي مُجرد ذكريــات حـلوة، هتبقي ماضي بالنسبالي .
أغمضت عيناهـا واضعة يدهـا على صدرهـا، شعرت بـ ذلك الألم الي يقبع بداخلهـا ولكن لا تقوَ على الصراخ، بينما أشـاح بـ وجهه للجهة الأُخرى محاولاً ضبط أنفاســه، ظل يتنفس بـ بُطء لـ يُحافظ على أنتظام أنفاســه المتوترة، وقد عزم أن يبدأ من جديد، أن يُغير شخصيتـه، يبدأ حيــاة جديدة بعيد عن والده وعن أعمــالـه تمامًا .
**************
أتسعت عينـاه في شئ من الذهول، صمت للحظات قبل أن تُظلم عينيـه بـ ظلامٍ دامس، أشتدت تعبيرات "عز الدين" قسوة مع تذكره أسم عدوه الثاني، عم الصمت على المكان قبل أن يهتف بـ غضب جامح :
-إنت إللي جبتـه لـ نفسك .
أتسعت عينـاه بـ فزعٍ حقيقيًا وقبل أن يتحدث سدد لــه لكمة عنيفة في فكــه، أمسكــه من تلابيبــه جيدًا قبل أن ينقض عليـهِ كما ينقض الوحش الضاري على فريستـه، أنهــال عليـهِ باللكمـات عنيفة مليئة بالشراسة، تدخل سبعة من رجـال حراستـه مانعيـن إيــاه من الضرب لذلك الرجل، هتف أحدهم بـ قوة :
-أهدى يا عز باشـا .
نظر لــه بـ عينين مُشتعلة من الغضب قبل أن يرفع قبضتـه المتكورة نـاحيتـه لـ يلكمــه بـ قوة، هتف الحارس الثاني برجاءً
ونبرة شبـه حـادة مُتعمدًا أن يضغط على الوتر الحساس الذي بداخلـه :
-يا عز باشا أهدى، إحنا هنربيهم، كفاية كده لأنـه هيموت فإيدك، تقدر تروح وإحنا هنقوم بالواجب معاهم، وعلى الأقل تشوف ياسمين هانم وتشوف حالتهـا عامله إزاي دلوقتـي .
مع ذكر أسم معشوقتــه، أنزل يديــهِ مُحدقًا بـهِ بنظراتٍ مميتة، تشدق بـ :
-مهمـا عملتوا محدش هيقدر يبرد النـار إللي جوايـا، وأنا هوريهم هُمـا وإللي مشغلهم مين هو عـز الدين السيوفـي !!..
أضــاف وقد تقوس فمه بإبتسامة قاسية :
-وإللي يقرب من مراتـي وإبني أشرب من دمـه، وأوريـه ألوان العذاب .
دفع الرجل بقسوة الذي سدد لـه لكمات عنيفة لـ يقع على الأرضية الصلبة المليئة بالغبار، رمقـه بنظراتٍ مُخيفة قبل أن يستدير بـ جسده، سـار للخارج بوجهٍ قاسي وهو يشعر بتلك النار التي بداخل صدره، أستقل سيارتـه ثم أدار المحرك لـ ينطلق إلى القصر، وهو يشعر بأنــه جالس فوق جمرات من النـار .
**************
فتحت عيناهـا بـ تثاقل شديد، وزعت أنظارهـا الواهنة على المكان قبل أن تهبط من على الفراش بـ بُطء، تحركت داخل المرحاض وهي تشعر بـ شئ من التعب والرهبة .
ثلاثة دقائق وكانت تدلف للخارج، في نفس التوقيت كان أنفتح باب الغُرفة، أنتفضت "ياسمين" من مكانهـا وقد شهقت دون قصد، دنى منهـا "عز الدين"، ووجهه مُتلهف لـ رؤيتهـا، ركض ناحيتهـا وهو يهمس بإسمهـا :
-ياسمين .
نظرت لــه بـ عينين حزينتين لامعة من الدموع، جذبهـا من خلف عنقهــا لـ يُضمهـا إلى أحضانـه بـ قوة، تعلقت به بشدة، وتعالت شهقاتهـا كمـا دبت إرتعاشة في جسدهـا، ضمهـا أكثر بداخل أحضانــه الدافئة عسى أن تهدأ، بكت بـ مرارة مرددة :
-أنا تعبت يا عز، أنا تعبت أوي .
زحفت أصابـع كفـه لـ تخترق شُعيرات رأسهـا، تلاعب فيهن برومانسية وهو يهمس بـ صدقٍ :
-هجيبلك حقك .
نزح بأطراف أنمالـه دموعها وهو يُتابع بـ ذات الهمس الصادق :
-هنعدي الفترة دي سوى، كُل حاجة هتبقى أحسن من الأول، طول ما إحنـا مع بعض .
هتفت بـ بُكاء يفطر القلوب :
-أنا خايفة يا عز، خايفة أوي .
مسح على شعرهـا مرددًا بـ هدوءٍ :
-أمسحي كلمة خوف من القاموس طول ما أنا جنبك وفيـا نفس .
نطقت بـ ذات البُكاء :
-أنـا عايزة أرتـاح !!..
أرتسمت بسمة صغيرة لم تصل لـ عينيهِ هامسًا بـ تأكيد :
-قُريب، قُريب جدًا هترتاحـي .
تابــع بـ تأكيد أقوى قائلاً بـ قسوتــه :
-وكُل دمعة تعب وخوف نزلتيهـا من عينيكي هخليهم ينزلوا بحر من الدموع، دموعهم مش هتقف أبدًا من كُتر الندم وقلة حيلة، وده وعد مني يا ياسمين .
**************
بعد مرور يومين بداخل المشفى، تحركت "روان" ناحية "طائف" بخُطوات مُرتبكة، طوال تلك الفترة لم يتحدث معهـا، بل ظل ساكنًا، إما مُغمض العينين أو شاردًا مُحدقًا بأنظاره التائهه على سقف الغُرفة، وقفت قبالتـه مرددة بـ توتر :
-خلاص هتخرج النهاردة من المُستشفى ؟؟..
حدجهـــا بنظراتٍ هادئة مُجيبًا بإقتضاب :
-آه .
بلعت ريقهــا بإرتباك قبل أن تتسائل بـ تلعثم :
-يعني مش هانشوف بعض من اللحظة دي ؟؟..
أجابهــا بـ جفاءً :
-أيوة، للأبــد !!..
أغمضت عينيها بـ قوة مقاومة الدموع التي على وشك الهبوط من عينيها، هتفت بـ خفوت :
_طيب حمدلله على سلامتك.
أضافت قبل أن تتحرك سريعًا :
_عن إذنك.
ركضت ناحية باب الغُرفة، أمسكت بـ المقبض وأدارته لـ ينفتح الباب على مصراعيه، صرخت بذعر وهلع في آن واحد حينما وجدت ذاك الرجل يقف أمامها، هتفت بهلع وهي تتراجع للخلف :
_لااااااااأ.
تطلع "رأفت" إليها بعيون شيطانية، حافظ على هدوئه الزائف من أجل إبنه الوحيد، بينما سار "طائف" نحوهما لـ يجذبها من رسغها، فـ أحتمت خلف ظهره مُثبتة أبصارها الفازعة على ذاك الشيطان، سأله والده بنبرة مُخيفة :
_بتعمل إيه البنت دي هنا؟؟..
رد بنبرة قوية :
_كانت واقفة جنبي الفترة دي زي ما أنا وقفت جنبها.
تعمد الصمت لـ ثوانٍ قبل أن يقول بصيغة شبه آمره :
_وإياك يا رأفت باشا تقرب منها، كفاية أوي إللي حصلها من تحت رأسك .
أستدار لـ يرمقها بجدية آمرًا إياها :
_تقدري تتفضلي يا آنسة روان.
تضاعف حُزنها، نظرت له نظرةً أخيرة، كانت تتمنى أن تنطق بأي كلمة، حتى لو كانت كلمة "الوداع" ولكن عجزت، عقد لسانها عن اللفظ، أخفضت بصرها ثم تحركت للخارج بخطى سريعة مُتحاشية النظر عن تلك العينين المُخيفتين التي تُحدق فيها، عاد ينظر "طائف" لـ والده متسائلاً بضيق :
_خير يا رأفت باشا، عاوزني في حاجة؟؟..
رد الأخير بجدية :
_هترجع البيت إمتى؟؟..
عقد ما بين حاجبيهِ قائلاً :
_بيت!!.. بيت إيه؟؟.. أنا ماليش بيت!!.. ومفيش أي حاجة تربطني بيك خلاص.
هتف "رأفت" في شئ من الغضب :
_أنا أبوك، دمي بيجري في عروقك!!..
كاد أن يُتابع حديثه ولكن قاطعـه "طائف" صارخاً بإهتياج :
_لأ طبعًا.
صمت عم المكان ماعدا صوت أنفاسه الحانقة والغاضبة، تابع بصراخٍ عنيف :
_دمك مش هو دمي، أنا مقدرش أقتل إنما إنت تقدر، أنا
مقدرش أتاجر فالممنوعات إنما إنت تقدر، في فرق ما بينا، وفرق كبير يا رأفت باشا.
قهقه "رأفت" مُتعمدًا إستفزازه :
_وهتعيش إزاي ؟؟!!..
أجاب بقوة :
_هشتغل، هدور على الشغل، هبدأ حياتي من الجديد
هتف "رأفت" بتحذير :
_إرجع لـ طوعي يا طائف، إنت لما تشتغل هتتعب، إنما لما ترجعلي كل حاجة هترجع لـ طبيعتها.
هز رأسه نفيًا قائلًا بإصرار :
_أستحاله، أنا لا يُمكن أمشي فنفس الطريق إللي ماشي فيه، أنا في طريق اليمين إنما إنت في الطريق الشمال والطريقين دول
مش هيتقابلوا غير في آخر المشوار وكل واحد هياخد حسابه وقتها.
نظر له بتوعد قائلاً بسخط :
_بقى كده؟؟.. براحتك، بس لازم تعرف، أن كمان كام يوم هتيجي زاحف على رجليك بتطلب مني إني أسامحك عشان ترجع تاني لـ بيتك.
إبتسم الأخير مرددًا بسُخرية :
_لما يجي اليوم ده، أبقى ساعتها أتكلم يا رأفت باشا.
زاد تهكمه قائلاً :
_عن إذنك عشان مش فاضي.
أنصرف من أمامه مُسرعًا وهو يحاول ضبط أنفاسه، تاركًا والده يشتعل من الغضب من كلماته، ولكن تلك هي الحقيقة، والحقيقة دائماً تكون مريرة.
**************
قاد سيارته متوجهًا إلى مكانٍ ما، كان يقود بهدوء تام عكس ما بداخله، كان يتحدث عن طريق الهاتف مع رفيقه، هتف "عز الدين" بجدية :
_أيوة طارق الصياد هو ورا إللي حصل لـ ياسمين.
تسائل "إيهاب" بتعجب :
_مش ده أبوه إللي خسر فلوسه وخسر زباينه لما دخل مُنافسة مع أبوك الله يرحمه وإنت أتدخلت؟؟!..
أجاب بإقتضاب :
_أيوة هو ده.
صمت للحظات قبل أن يهتف بجمود :
_طيب أنا هقفل معاك دلوقتي يا إيهاب، وهكلمك بعدين، سـلام.
_ســلام.
أغلق الهاتف لـ يدسه بداخل جيب بنطاله حدق في المرآة الأمامية وهو يعود إلى تفكير عميق.
عشرة دقائق مرت وكان وصل، صف سيارته أسفل البناية ثم ترجل عن السيارة، تحرك داخل البناية قاصدًا إلى المصعد وهو
يبتسم بقسوته المعهودة، دقيقتين وكان يخرج من المصعد، أتجه إلى المنزل رقم خمسة، وضغط على جرس الباب عدة
مرات حتى أنفتح لـ يظهر "طارق الصياد"، أتسعت إبتسامته القاسية أكثر وهو ينزع نظارته الشمسية قائلاً بلؤم :
_أزيك يا طارق.
تعمد الصمت قبل أن يقول بأشد قسوة :
_يا إبن الصياد.
حدق به بصدمة عارمة وهو يقول بعدم إستيعاب :
_مش معقــــول!!.. عــز الدين السيوفــي!!..
القراءة الجزء الثاني جميع الفصول من هنا
لقراءة الجزء الاول كاملة جميع الفصول اضغط هنا
