روايةبراثن الذئاب الجزء الثاني من علي ذمة ذئب
الفصل السابع والثامن
بقلم اميرة مدحت
"الفَصْلُ السَّابِعُ"
أنقبض قلبه بقوة في لحظة ما، نظر على الورقة الصَّغيرة لـ يعود بقرأتها مُجددًا، ثم ضغط بعُنف على بوق السيارة محاولاً
تجاوز من هم أمامه، زاد من سُرعة السيارة محاولاً الوصول إليها قبل فوات الأوان، رغم غضبه المشحون منها إلا أن نصف
قلبه الأبيض يرفض وبشدة تلك العقوبة، مسح على شعره بقوة وهو يدور بـ سيارته لـ يدخل إحدى الشوارع الجانبية،
لحظات معدودة وكان يترجل من سيارته متوجهًا نحو مدخل البناية التي تقطن بها، ضغط بقوة على زرَّ أستدعاء المصعد لـ
يكتشف بعطله، شعر بالغيظ الشديد ولكن لم يهتم، فـ شاغله الأكبر هو إنجادها، من براثن الذئاب....!!!..
تحرك مُسرعًا نحو الدَرَج راكضًا نحو الطابق الثالث حتَّى وصل إلى منزلها، ضغط على زرَّ الجرس بقوة، لم يستمع إلى أيَّ ردَّ أو
حركة، كز على أسنانه بقوة ثم دق الباب عليهِ مرددًا بصيغة آمرة :
_إفتحي يا روان!!.. بقولك إفتحي!!.. طب رُدَّي عليـاا!!..
تضاعفت مخاوفه عليها فـ غمغم بقوةٍ :
_روان، روان!!!.. أنا كده هكسر الباب.
تعمد الصمت للحظات عسى أن يستمع إلى ردَّها أو أيَّ حركة، ولكن دون جدوى، فـ هدر بعصبيةٍ :
_أنا هكسر الباب يا روان!!.. هكســــــــره!!!...
تراجع خطوتين للخلف شاحذًا قواه لـ يندفع نحوه ضاربًا إيـاه بعُنف قاصدًا خلعه من مفصله، كرر تلك الفعلة ثلاثة مرَّات حتَّى
فُتح على مصراعيهِ، وقف عند عتبته يلهث وهو يجول داخله ببصره، وجد المكان خالياً وهادئًا تمامًا، في ذات الوقت، كان
المنزل الذي يقع بجوار منزل "روان" قد أنفتح ليظهر الزوج والزوجة عقب أستمعاهما إلى صوت تحطيم باب المنزل،
شهقت الزوجة مُتسائلة بفزعٍ :
_مين ده؟؟!!..
أجابهـــــا الزوج بقلقٍ :
_مش عارف، أنا لازم أدخله، دي بنت وحيدة عايشة لوحدها.
تحرك "طائف" نحو غُرفتها مُسرعًا، كان الباب مفتوح، بحث بأنظاره عنها وهو يلج للداخل، ولكن كان فـــات الأوان، أصابته
الصاعقة حيثُ أجتمع الذُعر والهلع بداخله في آن واحدٍ، حدجها بعينين مذهولتين خائفتين وهو يجد الأرضية غارقة بـ
دمائها، حتَّى وقعت عيناه عليها وهي ممددة على الأرضية، مد يده لـ يرفعها منه، كانت فاقدة للوعي وجسدها بارد للغاية،
وبشرتها شاحبة شحوبٍ مُخيف، تشنجت قسماته وتصلب جسده للوهلة غير مُصدق، صرخ برعُبٍ :
_روان!!!.. روان رُدَّي عليــاا!!..
هز رأسه نفيًا قائلاً بهلع :
_لأ، إنتي مستحقيش النهاية دي، روان قومي وكلميني زي ما بكلمك!!..
تجمع عدد لا بأس بهِ من جيرانها عقب شعورهم بالريبة والقلق في ما يحدث في البناية، أصدرت بعض من السيدات أصوات
صرخات عالية، حملها "طائف" بين ذراعيهِ راكضًا نحو الخارج، غير عابئًا بتسؤلاتهم وبإزدياد تجمع المارة والجيران، أستمر في هبوطه على الدرج متجهًا بها نحو سيارته، فالثواني قد تشكل
فارقاً هامًا في حياتها، فتح "طائف" الباب الأمامي وأسندها بحذرٍ على المقعد، دار حول السيارة ثم أستقلها لـ ينطلق بها نحو أقرب مشفى قبل خسارتها للأبد!!!..
كانت الدقيقة الواحدة بالنسبة إليهِ گـ ساعة، بعد فترة، وصل إلى أحد المستشفيات الخاصة، صف سيارته أمام المدخل ثم
ترجل عنها راكضًا نحو الباب الآخر لها، وضع ذراعه على ظهرها وذراعه الآخر أسفل رُكبتيها لـ يحملها بين ذراعيهِ ثم ركض بها
نحو ردهة الأستقبال صارخاً بإهتياج :
_حد يلحقها، يالا بسُرعــــــة!!!..
تجمع بالفعل عدد من الأطباء حوله وأسرع أجد المُمرضين بإحضار الناقلة الطبية، وبحرصٍ شديد تناولها منه وأسندوها
عليها، هتف أحد الأطباء بعملية :
_جهزوا الطوارئ بسُرعــــــة!!..
دفعوا الناقلة الطبية نحو غُرفة الطوارئ لإسعافها قبل فوات الأوان، وقف "طائف" مُنتظرًا على أحر من الجمر ما سيحدث،
لم يستطع الوقوف فجلس على الأرض ليدفن رأسه بين راحتي يده وهو يتمتم بألمٍ :
_يارب، يارب هي متستحقش ده!!..
مرت ساعات طويلة وهو على تلك الوضعية، ظل قلبه يعتصر من الألم، وظل مُنتظرًا خروج أحدهم للإطمئنان عليها خاصةً
بعد نقلها إلى غُرفة العمليات لإجراء جراحة عاجلة لها، أنتفض من مكانه وهو يرى خروج الطبيب من الداخل، نهض من مكانه
لـ يركض نحوه مُتسائلاً بنبرة تلهف وقد تحفزت حواسه :
_هَـاا يا دكتور؟؟.. أرجوك طمني.
أجابـــــــه بأسفٍ :
_إحنا بنعمل إللي علينا، بس للأسف حالتها مش مُستقرة
خالص، الطعنة كانت شبه عميقة وهي نزفت كتير جدًّا.
أجتاحته رعشة قوية وهو يسأله بنظرات قوية :
_يعني إيه؟؟!!..
أجابـــــــه بجدية :
_يعني لو عدى 24 ساعة على خير يبقى حالتها هتستقر، وإن شاء الله خير، عن إذنك.
ختم آخر حرف بأسفٍ ثم عاد إلى الداخل ليُتابع عمله، أستند على الحائط وهو يحدق في الغُرفة التي متواجدة بها، أغمض عينيهِ بتعبٍ وهو يغمغم :
_آآآآآآآآآآه!!.. أكيد دي مش النهاية!!.. أكيــد!!..
*************
دقت الساعة الثامنة صباحًا، خرج "عزّ الدين" من غُرفته هابطًا إلى الأسفل، بحث ببصره عنها لـ يجدها جالسة على الأريكة
برفقة والده "بدران السيوفي" تحرك نحوهما وهو يرتدي سترته ثم نظر لهما نظراتٍ جـادة هاتفًا بنبرة عادية :
_صباح الخير.
ردَّت "ياسمين" بـ بسمة صغيرة :
_صباح النور يا حبيبي.
سألـــه "بدران" بإبتسامة صغيرة :
_ها إيه أخبار الشُغل؟؟..
حرك رأسه بإيماءة خفيفة مرددًا :
_لأ كويس جدًّا الحمدالله.
صمت للحظات قبل أن يتساءل بإبتسامة باهتة :
_أخيرًا خرجت من الأوضة!!..
قهقه "بدران" بضحك ثم ردَّ عليهِ قائلاً :
_يا عزّ يابني أنا عشت عُمري كلـــــه فالشُغل، مُكنتش باخُد أجازة، إنما جه الوقت إللي أرتاح فيه بقى من الشُغل
ومشاكله!!..
تعمد الصمت للحظة قبل أن ينطق بـ فخرٍ :
_وبعدين كفاية أن إللي يمسك الشُغل يبقى إنت يا ذئب!!..
أتسعت إبتسامته أكثر قائلاً :
_ربنا يخليك يا بابا، طيب أنـا.....
قـــــاطع حديثه صوت رنين هاتفه المحمول المُعلن عن وجود أتصال ما، أخرج الهاتف من جيب بنطاله ثم نظر على أسم المُتصل لـ يقطب جبينه بإستغراب شديد وأعترت الدهشة
ملامحه، سألته "ياسمين" بتوجسٍ :
_مين يا عزَّ؟؟..
أجابهـــــا "عزَّ الدين" بتعجب :
_واحدة من الموظّفات إللي عندي!!..
أصابها أيضاً التعجب الشديد وكذلك "بدران" الذي عقد حاجبيهِ بدهشة، ضغط "عزَّ الدين" على زرَّ الإيجاب ثم وضع الهاتف على أذنه قائلاً بجدية :
_آلو.. أيوة يا آمنة، في حاجة ولا إيه؟؟..
هتفت "آمنة بنبرة باكية :
_الأستاذة روان، مش هتقدر تيجي يا فندم.
عقد حاجبيهِ مُتسائلاً بريبة :
_مُمكن تهدي وتقوليلي في إيه؟؟..
أجابـتــــــه ببُكاء :
_أنا كُنت راحة عندها عشان نروح مع بعض الشركة، خبط كتير على باب شقتها بس مفيش ردّ!!.. فـ في حد من الجيران قالي
أنها في حد طعنها فبطنها وفي واحد غريب أول مرة يشفوه كسر باب الشقة ودخل الشقة عشان ينقذها، بيقولوا أنها كانت غرقانة في دمها ومرمية جنب السرير!!!!!!!...
أتسعت عيناي "عزَّ الدين" في محجريهما من هول ماسمعه، تسائل بصدمة عارمة :
_إزاي ده حصل؟؟..
ردَّت عليهِ بصوتٍ مُتحشرج :
_مش عارفة يا فندم، بس روان مقطوعة من الشجرة، ملهاش
حد أصلاً!!!.. أنا مش عارفة أعمل إيه دلوقتي فقلت أتصل بحضرتك عشان مُمكن تقلب الدنيا لو لقيتها مجتش، خصوصاً أنها جت إمبارح متأخر.
أردف "عزَّ الدين" بهدوءٍ محاولاً إمتصاص إنفعالتها :
_طب أهدي، وروحي إنتي على الشركة وأنا هاروح أفهم الموضوع بالظبط!!.. بس أسم المُستشفى إيه؟؟..
ردَّت عليهِ بصوتٍ مبحوح :
_مُستشفى الــ..........
مسح على شعره مرددًا بضيق :
_طيب أعملي إللي قولتلك عليه وأنا هتصرف، يالا سلام.
أغلق الهاتف ثم حدق بوجه زوجته ليقول بصوتٍ جادّ :
_السكرتيرة إللي بتشتغل عندي فالشركة موجودة فالمُستشفى!!..
تساءلت "ياسمين" بقلقٍ :
_ليه مالها؟؟!!..
أجابهـــــا وهو لايُزال غير مُصدق :
_في حد حاول يقتلها، أطعنت طعنة قوية في بطنها!!..
شهقت زوجته بخوفٍ وهي تضع يديها على فمها غيرُ مُصدق، وضع هاتفه المحمول بداخل جيب سترته وهو يقول بقوة :
_أنا لازم أروحلها، أفهم إيه إللي حصل؟؟..
هبت "ياسمين" واقفة وهي تقول بـ حسم :
_أنا جاية معاك.
وضع يده على كفها قائلاً بهدوء :
_لأ خليكي مع بابا وأنا هروح المُستشفى وهبقى أطمنك على الموبيل.
رفضت بشدّة حيثُ قالت بإصرار :
_لأ أنا جاية معاك.
تنهد "عزَّ الدين" تنهيدة حـارة ثم نظر ناحية والده لـ يجده يهز رأسه بالموافقة على إصرارها بالذهاب، أشار لها بإصبعيهِ قائلاً بإقتضاب :
_طيب أنا هستناكي، روحي ألبسي بسُرعــة.
أومأت رأسها ثم ركضت نحو الدرج لـ تصعد عليهِ متوجهه صوب غُرفتها لتبديل ملابسها بأسرع وقت مُمكن!!..
**************
جلس الطبيب الذي تولى حالتها بداخل مكتبه بإسترخاء، بعد أن أتم بمهارة عمله في تقطيب جرحها الغائر وقبل خروجه أمر أحد الأطباء بمُتابعة ومُراقبة مؤشراتها الحيوية من خلال الأجهزة الطبية الموصولة بها، أرجع رأسه للخلف للحظات معدودة قبل أن يهتف فجأة :
_أنا لازم أبلغ البوليس عن الواقعة دي!!..
**************
بعد نصف ساعة، كانت "ياسمين" تصعد السيارة بينما أستقل "عزَّ الدين" مقعد القيادة مُنطلقًا لها نحو المشفى المتواجدة بها سكرتيرته، تسائل "عزَّ الدين" بشرودٍ :
_تفتكري مين إللي مُمكن يعمل كده؟؟.. خصوصاً أنها ملهاش حد!!..
ردَّت عليهِ بتفكيرٍ :
_مُمكن يبقى حرامي كان عاوز يسرقها!!.. بُص هو كُل حاجة هتبان، المُهم أننا نطمن عليها الأول.
قال وهو يومئ رأسه بجدية :
_معاكي حق، ربنا يُسترها من عنده.
أردفت مُبتسمة :
_إن شاء الله يا حبيبي، وعلى فكرة آآ....
أبتلعت بقية كلماتها وأصدرت شهقة قوية حينما ضربت السيارة من الجانب بصورة مُفاجئة، لفت أنظاره بوجود سيارتان سوداوتان تتصارعان في الخلف، ضاقت عيناه وهو يوزع أنظاره بين المرآة الأمامية والجانبية، صرخت "ياسمين" بذُعر :
_هـو في إيـــــــــه؟؟..
تمسك جيدًا بالمقود وهو يُجيبها بعد أن عقد حاجبيهِ بشدّة :
_واضح جدًّا أنها مؤامرة عليا.
قالها بعد إدراكه من إصرار ملاحقيهِ على النيل منه أن هناك مؤامرة تمَّ تدبيرها لهُ، وقبل أن يبادر بأي حديث أو بفعل، كانوا بدأوا بإطلاق النار، أصابت إحدى الرُصاصات المرآة الجانبية، أخرج "عزَّ الدين" سلاحه من خلف ظهره وهو يقول بعصبيةٍ :
_آه يا ولاد الـــ.......، جيتوا للموت برجليكم!!..
**************
بداخل المشفى، كان "طائف" جالساً بداخل غُرفة الإستراحة، ولكن أنتفض من مكانه وكذلك قلبه بين ضلوعه عندما أستمع إلى أصوات الأطباء الجهورية وهم يُصيحون بـ المُمرضين والمُمرضات، توجه نحو الباب وفتحه ليدلف للخارج بخُطوات راكضة، وجد حالة من الأهتياج والركض تُسيطر على الطابق بأكمله، أوقف الطبيب المسئول عن حالة "روان" ليسأله بخوفٍ :
_هو في إيه؟؟..
تشنجت ملامحه وهو يُجيبه :
_معلش يا أُستاذ وسع كده عشان لازم نشوف شُغلنا بسُرعــة!!..
صرخ فيه بعصبيةٍ :
_ماتقول في إيه؟؟.. روان حصلها حاجة؟؟..
ردَّ بقلقٍ بالغ :
_الآنسة إللي جبتها قلبها خلاص بيقف!!!!!...
❤️❤️❤️❤️🌹❤️❤️❤️❤️
"الفَصْلُ الثَّامِنُ"
لا تستجيب حتى لجهاز الكهربي الصاعق، حالة من الفوضى اللاشعورية نشبت في غُرفة العناية المركزة، وهم يجاهدون بأقصى ما لديهم لئلا يفقدون المريضة، بينما ساقي "طائف" لم تُعد تتحمل الوقوف، رفض التحرك من مكانه بل ظل واقفاً أمام الزجاج الغُرفة، وبعد معاناه.. أخيراً بدأ النبض يعود لطبيعته شيئاً فشيئاً، كالتي عادت للحياة مرة أُخرى بعد أن كانت على شفى حفرة من الموت، تنفس الطبيب بإرتياح ثم قال للمُمرضة :
_هاتي حُقنة ***.
قامت المُمرضة بتحضير إبرة طبية عبارة عن مزج أكثر من محلول، ثم ناولته إياها ليضخها في المحاليل المعلقة بجوار الفراش كي تتسرب عبر الأنبوب لأوردتها مُباشرةً، ترنح جسده ولم يستطع الوقوف أكثر من ذلك فجلس على الأرضية الصلبة غير شاعراً ما يحدث حوله، ركض أحد الأطباء ناحيته قائلاً بقلق :
_أستاذ، يا أستاذ!!.. إنت كويس؟؟..
لم يستمع إلى أي كلمة مما يقول، بل كان جامد الملامح، وفجأة شعر بأن الظلام يغشى عينيهِ ومخدر ما يتسرب إلى جسده، أغمض عينيه فاقداً للوعي عسى أن يهرب من ذلك الأبتلاء ولو لـ دقائق حتى، صرخ الطبيب بأعلى صوت لديهِ مرددًا بصيغة آمره :
_هاتوا سرير النقال بسُرعة!!!!...
**************
أصبح المكان كالحرب الذي نشاهده في الأفلام السينمائية، ظلت "ياسمين" تصدر صرخات عالية وهي تشعر بالفزع، هوى قلبها بين قدميها مع صوت تبادل إطلاق النار، بينما أخذ "عزّ الدين" يطلق النار عليهم حتى أُصيبت إحدى الرصاصات رأس السائق الذي يقود السيارة الأولى، وقبل أن يتخذ أي خطوة أو أي تصرف، كان سائق السيارة الثانية يوجه فوهه سلاحه نحو "عزّ الدين" ليطلق رصاصة هادرة أخترقت أعلى صدره، أغمض عينيه بقوة للحظة قبل أن يفتحهما مُجددًا ثم بكل قوة ضغط على دواسة الوقود، لتنطلق السيارة تنهب الأرض نهبًا، فقدت "ياسمين" توازنها من قوة السرعة، بينما هو ظل ينطلق بأقصى سرعة وبمهارة تستحق الإعجاب، ثم بدون سابق إنذار كان ينحرف بسيارته إلى إحدى الشوارع الجانبية، أصطدمت السيارة الثانية الرصيف بسبب وجود مياة كثيرة على الطريق لتنقلب بعنف، ثواني معدودة وكانت السيارة تنفجر، ليُصبح المكان عاصفة من التراب والدخان والدوى والضجيج، صرخت "ياسمين" بهلع قائلة :
_عز!!!!.. إنت أتصابت؟!!!..
أجابها بهدوء :
_ماتخفيش، أنا لابس سترة واقية من الرصاص.
تنفست الصعداء وهي ترجع رأسها للخلف، أغمضت عينيها بقوة ثم شهقت باكية، أنهمرت دموعها بغزارة وهي تتخيل فكرة خسارته للأبد، أوقف "عز الدين" السيارة ثم وجه أبصاره عليها ليجد صدرها يعلو ويهبط من كثره البكاء، ومُغمضة العينين، أعتصر قلبه ألمًا ثم ترجل عن السيارة متوجهًا نحو الباب الآخر، فتحه ثم قال بصوتٍ آمر :
_أنزلي يا ياسمين.
هبطت من السيارة ولكن شعرت بدوار يهاجمها فـ كادت أن تسقط لولا ذراعه الذي حاوط خصرها بنعومة، أرتمت بداخل أحضانه لتصرخ ببكاء، ضم جسدها بقوة ومسح على شعر رأسها بحنوٍ مثير، أخذت تُردف بنبرة باكية :
_أنا مش عايزة أخسرك!!.. أرجوك أنا مش عايزة أخسرك إنت بذات، أنا خسرت حاجات كتير فالدنيا دي، معنديش أستعداد أخسرك.
دبت إرتعاشة في جسدها فضمها أكثر لتهدأ، ظلت سجينة أحضانه، لدقائق حتى هدأت تماماً، هتف أخيراً بهمس بعد صمت طويل :
_كل حاجة هتتحل، ماتخفيش، كل حاجة هتبقى تمام.
***************
في المشفى، أحضر أحد المُمرضين سريراً نقالاً، ثم أقترب من جسد "طائف" ليحمله برفقة ثلاثة من الأطباء، أسندوا جسده على السرير بحرص ثم دفعوا ناحية غرفة الطوارئ لفحصه، عقب دخولهم الغُرفة عادوا يحملوا جسده ليضعوه على الفراش، بدأ الطبيب بفحصه بدقة عالية، بعد دقائق هتف للمُمرض بأمر :
_هات حُقنة *****.
أومأ المُمرض رأسه قم تحرك ليجلب بعد لحظات إبرة طبية بداخلها محلول، أخذها منه الطبيب وهو يغمغم :
_عنده هبوط في الدورة الدموية.
***************
وصلا إلى المشفى بعد فترة وجيزة، كان حريص على القدوم والأطمئنان عليها حتى يتسنى له معرفة ماحدث بالتفصيل ولج إلى الأستقبال برفقة زوجته متوجهين نحو الموظف ليسأله عنها، أجابه الأخير بجدية :
_هي فالعناية المركزة.
سأله بصوتٍ حاد :
_طب وحالتها إيه؟؟..
أجابه وهو يمط شفتيه للجانب :
_للأسف حالتها حرجة جداً.
توسعت عينا "ياسمين" بخوف، بينما تسائل "عز الدين" متبرمًا :
_طب ممكن أعرف مين إللي جابها هنا؟؟..
رد بعملية وهو يعبث بالأوراق :
_الأستاذ طائف رأفت.
ألجمت الصدمة لسانه وعقدته، مر بباله الكثير من الأسئلة..
كيف يعرف "روان"؟؟.. هل هناك علاقة بينهما؟؟.. وإن كانت الإجابة نعم، ها هي علاقة غرام أم علاقة عمل؟؟.. كيف علم بحادثتها تلك؟؟.. هل يعلم بعملها عند عدوه؟؟..وهل كانت تعمل معه طوال تلك الفترة على أنها جاسوسة؟؟...
خرج من شروده بعد دقيقة ثم عاد يسأله بغلظة :
_ألاقيه فين الأستاذ؟؟..
هتف بهدوء :
_في غرفة الطوارئ.
هز رأسه بجدية ثم قبض على يد زوجته ليتحركا نحو المصعد، فتحه أحد العاملين بالمشفى لتدخل "ياسمين" أولاً ولحق بها "عز الدين"، بعدها بثواني معدودة كان خرج وهو محاوط خصرها، ثم تحركا نحو غرفة الطوارئ، أستدار لها ليهتف بصوت أجش :
_روحي إنتي شوفي الأستاذة روان وأعرفي مين إللي مسئول عن حالتها؟؟.. وأعرفي منه وضعها الحالي، وأنا رايحله.
ردت عليه بنبرة عادية :
_ماشي.
ظل ينظر لها بعينين كالصقر حتى أنصرفت، أمسك بمقبض الباب ثم أداره لينفتح، دلف للداخل ليجده ممددًا على الفراش، تقوس فمه بإبتسامة قاسية وهو يتحرك نحو المقعد ليجلس عليه، دقق في ملامحه ليجدها واهنة وفي ذات الوقت متهجمة، رفع ساقه ليضعها على الأُخرى ثم أسترخى أكثر في جلسته ناظرًا إليه بملامح غامضة مريبة.
دقائق.. كانت تتلاحق أنفاس "طائف" وفي خياله مشهد توقف قلبها، زادت تلاحق أنفاسه حتى كاد يختنق في نومه، أنتفض جسده فجأة ثم فتح عينيه ناهضًا من رقدته وهو يصيح :
_لأ، روان!!!!..
بلع ريقه بصعوبة وهو يتمتم بألم :
_لأ ده كابوس، هي هتبقى كويسة.
ألتفت "طائف" برأسه عفوياً ليجد عدوه جالساً بإسترخاء، ناظرًا إليه بجمود وغموض، أنتفض من مكانه للمرة الثانية وهو يقول :
_بسم الله الرحمن الرحيم.
إبتسم إبتسامة جانبية وهو يقول بتهكم :
_حمدالله على السلامة.
سأله بحدة قاسية :
_إيه إللي جابك هنا؟؟..
لم يجيبه بل سأله هو الآخر بحدة صارمة :
_تعرف روان منين يا إبن رأفت الحديدي؟؟..
أجابه بدون تفكير :
_بصفتك إيه تسألني؟؟..
هب من مكانه واقفاً ثم دنا منه وهو يقول بصرامة :
_لأ ماهو إنت هتقول يعني هتقول، قول بالزوق بدل ما أخليك تقول بالعافية.
صاح "طائف" بغضب :
_هتعمل إيه يعني يا إبن السيوفي ؟؟.. هتقتلني زي ما قتلت أُمي؟؟!!..
صرخ "عز الدين" بعصبية :
_أنا مقتلتهاش ،ده كان قدرها.
هدر "طائف" فيه بحقد :
_لأ أقتلتها وكنت متعمد، بس أنا إللي هقتلك وهشرب من دمك.
قال بسخرية :
_ليه هو إنت متعرفش أن أبوك بعت رجالة ورايا عشان يخلصوا عليا؟؟..
أردف بغضب جامح :
_معرفش، أنا ماليش دعوة بأفعال أبويا.
هتف "عز الدين" بهدوء مريب :
_بالنسبة أنك تعرف روان منين؟؟.. فأنا هخليك تتكلم بس مش دلوقتي، لو عايز تسمعني وتعرف الحقيقة، قول وأنا هوريك الحقيقة بالدليل، لأنك لازم تعرف إني مش هسيب أبوك، وهندمه على كل تصرف وفعل عمله فيا، وهخليه يشوف أوحش أيام حياته بسبب كل دمعة نزلت من عين مراتي، أنا هاسيبك ترتاح، بس لينا كلام تاني.
ثم لوح بيده قائلاً :
_سلام.
تحرك نحو باب الغرفة ليدلف للخارج، وقبل أن يتحرك، في هذهِ اللحظة أصدر فيها هاتفه المحمول رنينًا صاخبًا، لم يتردد في الرد وهو يقول بنفاذ الصبر :
_خير يا سُعاد!!.. بتتصلي ليه؟؟..
هتفت بنبرة باكية :
_أبوك يا بيه.
أنقبض قلبه وهو يتسائل بقلق :
_ماله؟؟.. هو تعب؟؟.. جراله حاجة؟؟!!..
أجابته بصوتٍ باكي :
_البقاء لله، بدران بيه تعيش إنت يا عز باشا!!!...
القراءة الجزء الثاني جميع الفصول من هنا
لقراءة الجزء الاول كاملة جميع الفصول اضغط هنا
