روايةبراثن الذئاب الجزء الثاني من علي ذمة ذئب بقلم اميرة مدحت
الفصل الاول والثاني
بقلم اميرة مدحت
صدح صوت آذان الفجر في جميع أنحاء المنطقة حتى وصل إلى قصره الفخم، تململت "ياسمين" في فراشها، وفتحت
عينيها ليظهر لونهما الذي مثل لون الچنة، فركت عينيها وهي تشعر بذلك النشاط الذي يعتريها كالعادة، فهي مازالت شُعلة النشاط كما أطلقوا عليها.
أرتسمت على شفتيها إبتسامة صغيرة فور شعورها بأنه مازال مخلوط خصرها بقوة وكأنه يخشى فقدانها، أستدارت بجسدها
ورأسها بحرصٍ لتكون قبالته، ومدت يدها نحو وجنته لتلمس ليحته الخفيفة برقة، أطلقت تنهيدة نابعة من قلبها، وهي تتأمل
ملامحه التي لا تُزال يبدوا عليها القسوة والشدة، أقتربت برأسها نحو وجنتيه لـ تُقبله برقة وحُب مرددة بعشق :
بحبك أوي يا عزّ.
عقب أنتهاء من جملتها تلك، كانت تحرك يدها نحو ذراعه المفتول بالعضلات، وبدأت تهزه قائلة برفق:
_عزّ.. عزّ!!..
شعر بكفي يدها على ذراعه، وأستمع إلى صوتها العذب، ظهرت إبتسامة صغيرة على وجهه لكونه أستيقظ على صوتها، ولكن
رد عليها وهو مازال مُغمض العينين قائلًا بنعومة :
_أيوة يا حبيبتي.
تمتمت بهدوء قائلة :
_يالا يا عزّ قوم عشان نصلي الفجر سوى.
فتح "عزّ الدين" عينيه عقب أستماعه لجملتها تلك، أتسعت إبتسامته أكثر حينما رأى وجهها الملائكي، أقترب أكثر برأسه
وهو ما زال محاوط خصرها، ليطبع قُبلة عميقة على جبينها بث فيها عشقه الجارف لها، ثم أبتعد عنها وهو ينظر لعينيها
الخضراوتين بعشق هاتفاً بهمس :
_صباح الخير يا حبيبتي.
ردت عليه بإبتسامة :
_صباح النور يا حبيبي.
تذكرت أمرًا ما وكانت تود إخباره به، ولكن حاولت أن تنفض تلك الأفكار مؤقتاً حيث عضت عل شفتها السُفلى بقوة، شعر
"عزّ الدين" بتلك الحالة التي بداخلها وأنها تُريدُ أن تقول له أمراً ما، عقد حاجبيه بإستغراب قبل أن يردف بتساؤل وبلهجة جادة :
_في إيه يا ياسمين؟؟.. في حاجة عاوزة تقوليها؟!!..
أومأت "ياسمين" رأسها قبل أن تهتف :
_أنا فعلاً عاوزة أقولك على حاجة؟؟..
زادت دهشته وتعجبه ولكن أظهر العكس تمامًا حيث قال بجدية :
_طب قولي إيه!!.. إللي مانعك؟!!..
إبتسمت إبتسامة باهتة وهي تُجيب :
_مفيش حاجة منعاني، الموضوع تافه أصلاً.
فور أنتهاء من كلماتها تلك، كانت تبعد ذراعه المحاوط بخصرها، لتهبط من على الفراش وهي تعدل منامتها الحريرية -ذات
اللون الأزرق القاتم-، رفع حاجبيه للأعلى بتعجب أشد عن ذي
قبل، وأعتدل في جلسته ليظهر صدره العاري، ثم قال بصوت أجش :
_طالمًا حاجة إنتي عاوزة تقوليها تبقى مش تافه، قولي إللي إنتي عايزاه وأنا سامعك.
التفتت بجسدها نحوه وهي مازالت ترسم على محياها إبتسامة باهتة :
_عادي يا عزّ،أنا بس....
هبط من على فراشه وسار نحوها بخُطوات هادئة تماماً حتى وقف قبالتها، واضعاً كفي يديه بداخل جيب بنطاله القطني وهو يقول بخشونة :
_بس إيه؟؟..
رفعت عينيها لتحدق في لون عينيه الجذابة ثم هتفت بتبرم طفيف :
_بصراحة بقى، أنا عيزاك تتعود تصحى معايا في الوقت ده، عشان نصلي مع بعض الفجر.
تقوس فمه بإبتسامة ماكرة وهو يرُد :
_طب أنا كُنت صاحي من قبل ما الأدان يأدن أصلاً، ومن قبل ما تصحي.
هزت رأسها بسُخرية وهي تُجيبه بإستنكار واضح :
_لا الله!!..
رفع حاجه الإيسر وهو يردد بثقة :
_طب تحبي أقولك دليل؟؟..
نظرت له بتحدٍ سافر وهي تقول :
_قول.
رد بإبتسامة ماكرة منتظراً بفارغ الصبر ردة فعلها :
_بدليل أنك قربتي مني وبوستي خدي.
حدقت فيه بصدمة عارمة، غير مصدقة ما قاله، فغرت شفتيها بصدمة وهي تهمهم :
_هااا؟؟..
أتسعت إبتسامته حينما رأى معالم وجهها، زادت ثقته أكثر فتابع بنفس النبرة والإبتسامة :
_آه يا روحي، وبدليل إنك قولتي بحبك إوي يا عزّ.
صمت للحظة قبل أن يكمل :
_تحبي أقولك دليل كمان ولا كفاية كده؟؟..
أتسعت عيناها بصدمة أكثر وهي تتراجع للخلف غير مصدقة ما سمعته، هزت رأسها محاولة التصديق، كانت تظن أنه يمازحها،
ولكن كان على علم بكُل شيء، هتفت بتلعثم :
_إنت كُنت صاحي بجد بقى!!..
_أنا عُمري كدبت عليكي يا ياسمين؟؟..
أطرقت رأسها بإستيحاء، ليقترب منها وهو يردد بجدية :
_مكسوفة ليه؟؟..
وقف أمامها ليحاوط خصرها وهو يقربها إلى صدره، مد يده ليرفع ذقنها، فرفعت عينيها قائلة بهدوء :
_مش مكسوفة ولا حاجة؟؟..
تابعت بنظرات راجية :
_بس أبقى صحيني يا عزّ.
هتف بإبتسامة :
_بس كده؟؟.. من عينيا يا قلبي.
أشرق وجهها بطريقة واضحة، حتى بدت كالقمر في لونه،
أنحنى بجذعه قليلاً ليضع ذراعه الآخر أسفل رُكبتيها، ليحملها بين ذراعيه، دفنت رأسها بداخل صدره، فهي مازالت تشعر
بالخجل منه، سار بشموخ وهو يحملها متجهاً نحو المرحاض، وقف أمام الباب وهو ينظر لوجهها الذي تحول إلى لون الأحمر من فرط الخجل، تمتم بإبتسامة عابثة :
_لسه بتكسفي مني يا ياسمينا؟؟..
لم ترد على سؤاله بل قالت بجدية زائفة :
_من فضلك يا عزّ، نزلني عشان أتوضى.
حرك رأسه بإيماءة خفيفة وعلى وجهه إبتسامة قبل أن ينزلها على الأرض، فور أن لمست قدميها الأرض الرُخامية الصلبة
كانت تفتح الباب على مصراعيهِ لتدلف للداخل ثم أغلقت الباب، إفريقيا أنفاسه الحارة وهو يسير نحو الاريكة لـ يجلس عليها منتظراً خروجها لكي يتوضأ.
بعد فترة ليست بكبيرة.. كان كُلاً منهم أنتهى من التوأم وبدأ يصلون بخشوع معاً، وهو يناجون ربهم بأن يغفر لهم، وأن يديم الراحة والسعادة والصحة والأمل في الغد.
دقائق.. بدأت "ياسمين" بخلع إسدالها عقب أن أنهت صلاتها وكذلك "عزّ الدين" فقد نزع قميصه.
أقترب منها بخُطوات هادئة، ليحاوطها من الخلف، أبتسمت "ياسمين" على فعلته، وقبل أن تضع زي الصلاة على الاريكة
كان يسقط منها.. أغمضت عيناها حينما أنحنى برأسه ناحية عنقها وقد بدأ يُقبله ببُطء، تأثرت بشدة من قُبلاته المحمومة
التي تسحبها إلى عالم آخر، عالم جديد.. عالم خاص، شعرت أنها ستفقد الوعي من كثرة المشاعر التي أجتاحتها، ألتفتت إليهِ وهي تقول بهمسٍ خافت :
_عزّ.. بلاش!!..
نظر لـ عينيها التي تجعله في حالة أُخرى، تأمل عينيها قبل أن يجذبها من ذراعها ليطبق على شفتيها بشغف حقيقي، قُبلة
ليس فيها أي رغبات، بل كانت قُبلة شغوفة معشوقة، حاول أن
يبث فيها شوقه وعشقه الجارف لها، وهو يضم جسدها بقوة داخل أحضانه يُكاد يكسر ضلوعها من كثره القوة.
سحبها إلى عالم خاص، عالم ليس فيه أي نوع من القسوة أو عدم الرحمة، عالم ليس فيه أي نوع من الشر، إنه عالم العشاق.
أبتعد عنها أخيراً ولكن ظل محاوط خصرها، أنحنى بجذعه مرة أخرى ليحملها بين ذراعيه، وسار نحو فراشهم حتى وصل إليه ليضعها عليه برفق وكأنها ماسه، يخشى أن يفقدها.
_حبيبتي.. أفتحي عينيكي.
قالها "عزّ الدين" بإبتسامة، فـ فتحت عينيها ببطء، ليُتابع وهو يخلل أصابع يده بداخل فروة شعرها بعد أن جلس بجانبها :
_أنا عايزك تنامي كويس، لأن النهاردة مش هيبقى أي يوم.
أتسعت إبتسامتها وهي ترد بسعادة وبهجة :
_طبعاً مش أي يوم ولا أي ليلة، أنا فرحانة بجد.
هتف بتأكيد ليقول بعدها بتحذير :
_طبعاً لازم تفرحي وأنا كمان فرحان جداً، بس إنتي لازم تاخدي الحراسة معاكي، ولازم تكوني تحت عينهم عشان أكون مطمن وموبيلك يكون مفتوح.
أجابته بحنق :
_ماشي يا عزّ، رغم أنا بتخنق لما بيكونوا معايا.
هتف بإبتسامة باهتة :
_معلش يا ياسمين، أنا مضطر أعمل كده لأني خايف عليكي، من ساعة ما أضربت بالنار وأنا خايف عليكي إنتي، أعدائي
كتير، وهما هيحاولوا يوقعوني عن طريقك إنتي.
تنهدت بحرارة قائلة :
_ماشي يا عزّ، يالا نام.
_يالا يا حبيبتي.
أعتدل في جلسته ثم حاوط خصرها بذراعه وقربها من صدره، ليستنشق عبيرها الذي أصبح مدمناً به، أغمض عينيه وكذلك هي، دقائق ليست بكثيرة وكانا قد ذهبا إلى نوماً عميقاً.
************
أسدل الليل ستائره السوداء، وقد ظهر القمر كاملاً، وتلألأت
النجوم في السماء السوداء، أشتعل حفل زفاف الخاص بـ "إيهاب" و"مُنى"، شعر "إيهاب" بسعادة لا توصف، عقب تحقيق
حلمه، فقد أرغمه "عزّ الدين" بعدم بدأ أعمال ترتيب حفل زفاف لكي يفعل هو حفلة كبيرة يعلن فيها عن زواجه المُفاجئ بـ
"ياسمين"، وبعد مرور أسبوعين كاملين.. بدأ أخيرًا في إجراءات ترتيب حفل زفافه، فذلك اليوم الذي طالمًا حلم بهِ كثيرًا.
دخل "عزّ الدين" و"ياسمين" قاعة الحفل بخُطوات ثابتة واثقة، تحركت عدسات المصورين صوبه لتلتقط بعض الصور التي
سيتم نشرها في الجرائد والمجلات، تحركا صوب أصحاب تلك الليلة وعلى ثغر "عزّ الدين" إبتسامة صغيرة ولكن وصلت
لعينيهِ، أحتضنت "ياسمين" صديقتها بقوة وهي تهمس لها
بمدى سعادتها على زواجها من شخص يعشقها، أحتضن "عزّ الدين" رفيق عُمره وهو يربت على ظهره بشدة، أخذ يهنئ لهً ولها بكلماتٍ بسيطة صغيرة، وأخذ يعبر عن مدى إشتياقه أن
يرى هذا اليوم، ألتقط بعض من الصحفيين عدة صور فوتوغرافية لهم، فهم على دراية كاملة أن تلك الصور
والموضوع سينشر بسُرعة البرق، خاصةً لقد تزايد عدد الفتيات المعجبات به، بعد نشر العديد من الصور توضح مدى رومانسيتهم.
حاوط "عزّ الدين" خصر "ياسمين" وهو يُسير بثقة صوب الطاولة الخاصة بهم، والتي في الصف الأول، جلست بهدوء
وكذلك هو وهو يتأمل المكان بعيناه الحادتان، إبتسمت "ياسمين" إبتسامة صادقة وهي أرى صديقة عُمر جالسة برفقة
حبيبها وعلى وجهها السعادة، تذكرت تلك الليلة التي كان بها حفلة كبيرة راقية، فقد كان قرر "عزّ الدين" أن يفعل تلك الحفلة ليعلن عن زواجه منها، توسعت إبتسامتها أكثر وقد
لمعت عينيها بوميض الفرحة، ألتفت برأسه ليراها تبتسم وشاردة في ذات الوقت، لم يشعر بنفسه إلا وهو يتأملها بعينين
عاشقة، يراها أجمل إمرأة في الكون، رفع حاجبيه للأعلى مبدياً إعجابه الشديد على ثوبها الأبيض.
خرج من تأمله حينما أستمع إلى صوت "إيهاب" يخترق المكان، وبجواره زوجته التي تشعر بالخجل والتعجب الشديد على ما
يفعله، نظر "إيهاب" للمعازيم بإبتسامة جانبية وهو يُردف بـ :
_مبدئياً عاوز أشكر كُل شخص جه الفرح.
صمت للحظة قبل أن يُشير نحو رفيقه :
_ثانياً عاوز أشكر صاحبي الوحيد وأخويا عزّ الدين السيوفي على كل حاجة حلوة عاملها لياا.
إبتسم "عزّ الدين" وهو يهز رأسه بإيماءة خفيفة، هتف بصوتٍ عميق وهو ينظر إلى وجهها الخجول بينما الجميع ينتظر ما سيقوله بشغف :
_في ناس كتير نفسها تعرف علاقتي مع مُنى وصلت لـ كده
إزاي؟؟.. مُنى هي أول حب وأكيد آخر حب، أنا علاقتي بيها أحلى من الحب بكتير أوي، علاقة معرفش ليها أي مُسمى، بس
بحب أكلمها كُل شوية وبحكيلها كل حاجة عني وبتحصلي عشان أنا حابب ده، كلامي معاها بيفرحني جداً، من وقت ما
دخلت حياتي وأنا مش عاوز أكلم غيرها، خدت كل الأدوار إللي في حياتي، عرفتها وقابلتها صُدفة والحقيقة دي أحلى صُدفة في حياتي.. بحبك يا مُنى.
قال أواخر كلماته وهو يلتفت نحوها، رفع كفي يدها الصغير ليُقبله بنعومة قائلاً :
_وبقولك للمرة تانية قدام الكل إني بعشقك، مش بحبك وبس يا أحلى صُدفة في حياتي.
لمعت عيناها بالدموع ليحتضنها بقوة وهو يشعر بـ السعادة
والراحة لأنها أصبحت له شرعاً وقانوناً، صفق الجميع بحرارة وهم يتابعون تلك الرومانسية الجامحة وكأنهم يشاهدون مشهد سينمائي.
نهض "عزّ الدين" من مكانه ليمد يده نحوها، نظرت له بإبتسامة عذبة وهي تمسك بكفي يده لتنهض من مكانها متوجهين صوب ساحة الرقص.
صدحت أغنية رومانسية باللغة الإنجليزية، أحاط خصرها ببُطء، ووضع يداها على كتفه مُقربًا إياها منه، أقترب منها أكثر
حتى أصبحت مُلتصقة بهِ، أخذ يتميلان بخفة وهم يتأملان حالهم، أصبح العشق يجرى في عروقهم وجسدهم، تأمل
قسمات وجهها الهادئة، ثم دفن وجهه عند رقبتها بينما أنفه تبحث بشوق عن رائحتها التي تذيب ثوران روحه لتشعل به ثورة من نوع آخر.
بعد دقيقتين، أبتعد عنها ولكن أسند جبينه على جبينها،
أستنشقت رائحة عطّرة التي تعشقها بجنون لا مثيل له، تشعر بأن أعصابها تهدأ.. وتلقائياً وبدون إرادةً منها حينما تستنشقها
تشعر بسلام داخلي، ظلا هكذا على تلك الوضعية ونظراتهم
هي التي تتحدث بدلاً من ألسنتهم، ليتحدث بصدق نابع من قلبه النابض بعشق :
_بحبك يا بنت صابر.
ردت بثقة :
_أنا أكتر يا ذئب!!
رفع حاجبيه للأعلى وهو يقول بمكر :
_أممم ،ذئب!!.. يعني مُعترفة إني ذئب؟؟..
أجابته بثقة أعلى عن ذي قبل :
_من اللحظة إللي شوفتك فيها وأنا مُعترفة أنك ذئب يا ذئب يا مكار!!!..
إبتسم إبتسامة جانبية وهو يقول :
_من ناحية إني مكار فـ أنا مكار جدًّا، فوق ماإنتي تتصوري.
تمتمت بتهكم :
_إنت هتقولي!!..
قبَّل جبينها بنعومة هاتفاً بـ :
_بس ماعدا إنتي يا قلب ذئب.
قهقهت بضحك ثم قالت بعيون لامعة :
_ربنا يخليك ليا يا عزّ.
رد بإبتسامة :
_ويخليكي ليا يا أجمل حاجة في حياتي.
أغمضت عيناها بإبتسامة صغيرة، ليعود "عزّ الدين" يسند جبينه على جبينها وهو يستنشق عبيرها الذي يعشقه بشدة
روايةبراثن الذئاب الجزء الثاني من علي ذمة ذئب
الفصل الثاني
بقلم اميرة مدحت
أسدلت الشمس ستائرها البُرتقالية على المكان، لم يكُن صباحاً عادياً بالنسبة لها، أستيقظت "مُنى" من نومها بتثاقل شديد
وجسد مُرهق للغاية، فتحت عينيها بهدوء، وهي توزع نظراتها على شكل الغُرفة، تذكرت تلك الليلة التي قضتها بين أحضانه،
وضعت أصابع يدها على شفتيها تتحسس آثار شعورها التي مازالت عالقة بها، أغمضت عيناها وهي تتنهد بعُمق، عادت
تفتحهما لتبحث بلهفة عن قميص، وجدت قميصه القطني ذات اللون الكحلي، فـ أخذته وأرتدته بسُرعة البرق، أنتفضت في
جلستها حينما وجدته يخرج من المرحاض، وشهقت بخفوت حينما وجدته عاري الصدر، نظر لها بأعين مُتفحصة حتى قرأ
بهما الخجل الشديد، بينما أشاحت "مُنى" بوجهها للجهه الأُخرى وقد أشتعلت وجنتيها بحُمرة خجل، أقترب كنها ثم جلس على
الفراش أمامها، نظرت لهُ بخجل، فـ هتف بإبتسامة عابثة وهو يغمز لها بنصف عين مُداعباً إياها :
_إيه يا جميل، مكسوفة مني ولا إيه؟؟..
لم ترُدَّ عليهِ بل أخفضت عينيها فـ تابع بهمسٍ رقيق :
_مُنمُن..
تلك المرة أجابته بعد أن أخفضت رأسها وهي ترُد :
_نعم؟؟..
أقترب منها قليلاً ليقول بـ أرق إبتسامة :
_تعرفي أن قميصي حلو أوي عليكي؟!!..
رفعت رأسها لتقول بإبتسامة واسعة وهي تنظر للقميص :
_بجد؟؟.. خلاص هاخُد شوية قُمصان من عندك.
نظر لها بإستنكار قائلاً :
_إزاي يعني؟؟..
نظرت له بعبوس قائلة :
_خلاص مش عايزة.
نظر لها بإبتسامة حائرة :
_لو هيريحك إنك تلبسي شوية من قمصاني يبقـ....
قاطعته بإبتسامتها المعهودة :
_ياسيدي أنا كنت بهزر.
قهقه بقوة وبضحك ليقول بعدها وهو يقترب منها :
_طب مُمكن طلب؟
نظرت لهُ في شئ من الإهتمام :
_طلب إيه؟؟..
هتف وهو يعلق بصره على شفتيها :
_عاوز شوية عسل منك.
لم يمهلها لحظة واحدة للتفكير أو الإستيعاب، بل قاطعها بـ قُبلته المحمومة التي أطبق عليها بها، لمس بأصابعه أطراف
أذنها ونحرها بنعومة وهو يبث لها شوقه، أستسلمت لـ قُبلاته
العاشقة وخللت بأصابع يدها بداخل فروة شعره الكثيفة، لـ ينغمسا معاً بداخل بحور العشق.
************
_إيــــــــــــــــــه ده يا عزّ!!!..
قالتها "ياسمين" بذهول وهي تعبث بهاتفها، توسعت عيناها أكثر وهي تشاهد الصور التي تم نشرها على مواقع التواصل
الاجتماعي أهمها [الفيسبوك..و.. Instagram]، ســـار "عزّ الدين" نحوها بقلق وهو يعقد رابطه عنقه، ووقف قبالتها ثم تساءل بتعجب طفيف :
_إيه؟؟.. في إيه؟؟.. مش فاهم!!..
مدت يدها المُمسكة بهاتفها فـ ألتقطه ببساطة ثم بدأ يرى الصور بدقة وبعدها بدأ يقرأ الكلمات المكتوبة فوق الصور، رفع حاجبيهِ للأعلى وهو يتمتم :
_إيه ده صحيح؟؟..
هتفت بدهشة :
_دول ناشرين صورنا أنا وإنت لما كُنا في الفرح إمبارح، وكاتبين فينا شعر وكلمات توضح مدى رومانسية إللي كُنا فيها.
قال بسُخرية وهو يناولها الهاتف :
_ومش بس كده، دول مصورني على غفلة وأنا عمال أتأمل فيكي.
مطت شفتيها للجانب وهي تقول بتبرم :
_وياريتها جت على أد كده، إنت مشوفتش كمية الـ Comments [تعليقات] البنات الموجودة على الـ Posts [منشورات]، دول كاتبين فيك شعر وكلام يجنن، وواحدة كاتبة الشرع حلل أربعة.
رمقتــــه بغيظ وهي تُضيف :
_وأظن إنت فاهم.
قهقه بضحكة عالية على كلماتها الحانقة من الموقف، فقد قرأ الغيرة في عينيها، جلس أمامها على الفراش ثم أمسك كفي
يدها قائلاً بصوتٍ عميق وهو ينظر نحو عينيها مُباشرةً :
_ياسمين، أولاً.. مفيش حد يملي عيني غيرك إنتي وبس، حُطي تحت الجُملة دي مليون خط، ثانياً.. خلي واحدة تقول الكلام
ده فـ وشي، هوريها وشي التاني على طول.
شهقت بخوف وهي تقول :
_لأ يا حرام دي هتترعب.
أجابها بضحك :
_هي إللي جابته لنفسها يا ياسمينا.
ضحكت بخفوت لـ يُتابع بإبتسامة جانبية :
_وخلي الناس تنشر الصور براحتها عشان مصر كُلها تعرف إني بعشقك.
إبتسمت بـ حُب وعيناها تلتمعان تأثراً من كلماته، أمسكت برأسه براحتي يدها لتضمها بداخل أحضانها، ومسحت على
شعره بلُطف، بينما هو مُحيطاً خصرها بـ ذراعيهِ ودافناً رأسه في صدرها كالطفل الذي في حُضن أمه، ظلت تمسح على
شعره بحنوٍ مُثير، فـ زاد شعوره بالإسترخاء، لم يذق أي نوع من الحنان، مُنذ الصغر ولكن الآن يعيش ويختبر الشعور، إنه شعور خاص وجديد عليهِ، أغمض جفنيه براحة بينما هي تلمس
بأصابعها فروة شعره الكثيف، بعد فترة أبعد رأسه عن أحضانها، فـ أقتربت برأسها نحو جبينه لتطبع قُبلة رقيقة، قبل أن تهتف بهمس :
_يالا يا حبيبي عشان تلحق شُغلك.
إبتسم لها بدفئ وهو يربت على كفها قائلاً بهمسٍ :
_لو أحتجتي حاجة كلميني، وأنا هبقى أكلمك كُل شوية.
أجابته بعينيها بإبتسامة صغيرة عذبة، نهض من مكانه متوجهاً نحو الخارج، تنهدت بعُمق وهي تنظر ناحيته، بعد خروجه قالت بدعاء :
_ربنا يقدرني وأعوضك يا عزّ زي ما إنت بتعوضني.
************
ترجلت من سيارة الأجرة بعد أن أعطته عدة أوراق نقدية،
تحركت نحو داخل مقر الشركة بخُطوات هادئة وهي تتأكد من تعديل حجابها، حياها بعض الموظفين والموظفات فـ بادلتهم
التحية بتهذيب، دخلت مكتبها ثم جلست على مقعدها لـ تبدأ بـ عملها.
بعد نصف ساعة، أستدعاها ربَّ عملها "عزّ الدين السيوفي" فـ
هبت واقفة من مكانها وولجت للخارج بخُطوات سريعة، قرعت على باب مكتبه، فـ أستمعت إلى صوته الحـاد وهو يأذن
بالدخول، خطت للداخل بخطى هادئة، ثم وقفت أمام مكتبه وهي تُحيه في شئ من التوتر :
_صباح الخير يا مستر عزّ.
رفع رأسه نحوها ثم ترك القلم الذي كان يمسكه قائلاً بهدوءٍ حـاد :
_صباح النور، أظن إنتي عارفة أن مستر إيهاب خد أجازة عشان شهر العسل.
هزت رأسها ووميض البهجة في عينيها قائلة :
_أيوة يا فندم، يارب يبقى شهر عسل سعيد عليهم.
حرك رأسه بخفة مُرددًا :
_إن شاء الله.
عاد إلى هدوئه الحاد وهو يُردف بـ :
_بما إنه هيسافر، عاوزك تهتمي بالشُغل الفترة دي، لحد ما مستر إيهاب يرجع بالسلامة.
أجابته بإبتسامة هادئة :
_حاضر يا مستر عزّ.
أشار بيده وهو ينظر على جهاز حاسوبه :
_طيب تمام أتفضلي يالا على شُغلك.
لم تتحرك من مكانها بل ظلت واقفة وهي تعض على شفتيها بتوتر بالغ مترددة في إخباره، شعر "عزّ الدين" بعدم ذهابا كما
أمرها، فـ عاد يرفع بصره الحاد نحوها وهو ينطق بخشونة :
_في إيه يا أستاذة روان؟؟..
بلعت ريقها بصعوبة قبل أن تقول بنبرة شبه جادة :
_كان في أوراق ومُستندات محتاجة إمضتك من إمبارح، بس
حضرتك كنت في الفرح، فـ مجتش الشركة، تحب أجيب الأوراق والمُستندات دي إمتى؟؟..
أشار بإصبعيه وهو يتمتم :
_هاتيهم دلوقتي، بس قبل ما تجبيهم خلي محمد يعملي القهوة بتاعتي.
إبتسمت إبتسامة صافية مرددة :
_تمام يا مستر عزّ، عن إذنك.
_أتفضلي.
تحركت نحو الخارج وهي تزفر أنفاسها الحارة، وأوصدت الباب خلفها، رمقها "عزّ الدين" بترقب حتى خرجت من مكتبه ليعود
بقراءة الرسائل الواردة له على جهاز حاسوبه الشخصي.
*************
"روان محمود" شابة في مُنتصف العقد الثالث من عُمرها، طيبة
القلب، وتتمتع بصفات ليست موجودة الآن، توفى والدها مُنذ عشر أعوام، أما والدتها فـ توفت مُنذ ثلاث سنوات، تتميز
بالبشرة البيضاء والعيون باللون البُني القاتم، أما عن شعرها الأسود تخفيه أسفل حجابها، تعمل سكرتيرة في شركة "عزّ الدين السيوفي" مُنذ عدة سنوات.
*************
في ڤيلا "رأفت الحديدي"، وقف بشموخ أمام مكتبه يفكر
ويخطط، يشعر بأن النار التي بداخله تشتعل أكثر كُل يوم.. في كُل ساعة.. في كُل لحظة.. حينما يتذكر فشل خطته، أغمض
عينيه بقوة وهو يشعر بالغضب الشديد أتجاه نفسه، دخل إبنه الوحيد حجرة المكتب ليجد والده يعتصر جفنيه بعُنف، زفر بإختناق ثم سار نحوه وهو يتمتم بضيق :
_في إيه يا بابا، ما كفاية بقى، كفاية أنك تشغل دماغك بالجدع ده!!..
فتح جفنيهِ ليتطلع عليه بغضب قائلاً :
_أفندم ؟؟.. إزاي؟؟.. إنت فاهم إنت بتقول إيه يا طائف ؟؟!!..
تنهد "طائف" بضيق وهو يُردف بصرامة :
_شوف يا بابا، المرة إللي فاتت وافقتك على الخطة وأنا قلبي مقبوض، ولما فشلت الخطة على رغم إني أضايقت إلا إني فرحت لأن دي كارثة، والدنيا هتقلب علينا لو عرفوا.
صمت للحظة قبل أن يكمل بـ :
_الموضوع ده في خطورة كبيرة على حياتنا، وبعدين ده ربنا بيحبنا عشان حمانا من الموضوع ده.
هدر فيه بصوت جهوري :
_في إيــــــــــــــــــه يا طائف؟؟.. أتغيرت كده ليه؟؟.. وبعدين إنت معايا ولا معاه؟؟..
أظلمت عيناه بقسوة وهو يقول :
_أنا مش معاه إنت عارف ده كويس، ثانياً إحنا مش عاوزين مشاكل، كفاية إللي إحنا فيه!!..
صرخ بعصبية قائلاً :
_ماهوو كل ده بسببه، المشاكل دي كلها بسببه هو، بسبب الـ.......!!..
كز على أسنانه بقوة محاولاً أن يتمالك أعصابه الثائرة ليقول بعدها بصوت حاد كالسيف :
_آخره الموضوع ده وحش، كفاية وخلينا في حالنا بقى!!..
رمق نجله بنظرات نارية وهو يهتف بغضب جامح :
_طـــائف، أنا علمتك وربيتك على قسوة القلب، وعلى القوة،
وعلى أننا لازم ناخُد حقنا من أي شخص غلط فينا حتى لو كان رئيس الجمهورية ذات نفسهُ.
أشتعلت عينيه كجمرتين من النار من شدة الغضب، لم ينبث ببنت شفة، وقبل أن يتحدث الأخير بغضبه كان يصدح صوت
رنين هاتفه المحمول معلناً إتصال، ألتقطه من على سطح المكتب، ثم نظر نحو إبنه الوحيد ليغمغم بإقتضاب :
_ده منصور، هرُد عليه وهخرج بعديها، بس أبقى تعالى على مكتبي عشان هقولك على الخطة الجديدة.
نظر له بإستنكار واضح، ورمقه بنظرةً أخيرة ذات مغزى قم ولج خارج الحجرة، وهو يضع كفي يديه بداخل جيب بنطاله
الأسود، بينما الأخير ضغط على زر الرد ليُجيب على المُتصل، وعقله لك يتوقف عن التفكير في خطته الشيطانية.
************
"طائف رأفت الحديدي" شاب في أوائل العقد الرابع من عُمره، يتميز بالعيون السوداء كالظلام الدامس، والشعر الأسود،
وبالبشرة البيضاء، عُرف عنه القسوة بسبب وجهه المُتهجم وعيناه الحادة، ولكن بداخل قلبه بقعة بيضاء كبيرة، نصف قلبه
مليئ بالظلام، هو الإبن الوحيد لـ "رأفت الحديدي"، يعمل مع والده في شركاته.
*************
تلألأت النجوم في السماء، بعد أن أسدل الليل ستائره السوداء، خرج "عزّ الدين" من المرحاض، وهو عاري الصدر ثم بدأ يجفف
شعره وجهه، ترك المنشفة على الأريكة بإهمال ليجد معشوقتهُ
تنظر له بإبتسامتها الدافئة، أرتسمت على محياه إبتسامة جذابة وهو يتحرك نحوها حتى جلس أمامها على الفراش، ثم أمسك
بيدها الصغيرة ليُقبله بنعومة، عاد ينظر لها بإبتسامته وهو يلمس بشرها البيضاء بيده الأخرى برقة، هتف بخفوت :
_عامله إيه النهاردة؟؟..
هزت رأسها قائلة :
_الحمدلله.
سألها من جديد:
_عملتي إيه من غيري؟؟..
ردت بملل :
_كان يوم مُمل أوي يا عزّ.
طأطأ رأسه ليقول في شئ من الضيق :
_معلش يا ياسمين، بس الشُغل واخد من وقتي جامد، وخصوصاً الفترة دي، بعد ما إيهاب سافر.
سألته بإهتمام :
_هما هيسافروا إمتى؟؟..
رد بجدية :
_بكرا إن شاء الله.
نهضت "ياسمين" كن مكانها وهي تقول:
_طب كويس أوي، بقولك إيه.. أنا نازلة دلوقتي أقولهم يحضروا الأكل عشان أنا جعانة.
أجاب بهدوء:
_وأنا كمان جعان جداً، أنا هاروح ألبس التيشيرت وهحصلك على طول.
_طيب يا حبيبي.
قالتها وهي تومئ برأسها، ودلفت خارج الغُرفة، بينما تحرك "عزّ الدين" نحو خزانته ليسحب قميص قطني باللون الأبيض ثم
أرتداه بهدوء، تحركت "ياسمين" نحو المطبخ ولكن قبل أن
تدخل، كان تصلب جسدها حينما أستمعت إلى تلك الكلمات من كبيرة الخدم، شهقت بألم ثم أغمضت عينيها بحُزن وهي تستمع
إلى تلك الحقيقة، عادت تفتحهما لتدخل عليهم على حين غرة بخُطوات ثابتة، نظرت لـ "سُعاد" بجدية وهي تنطق بـ :
_سُعاد، تعالي هنـا!!..
************
دخل "طائف" مكتب والده بعد أن تعدت الساعة العاشرة مساءً
، وقف أمام مكتب والده الذي كان يجلس بإسترخاء وعلى وجهه إبتسامة متلذذة وهو يفكر إذا نجحت خطته، رمقه "رأفت"
بتعجب ثم رفع حاجبيهِ للأعلى قائلاً بدهشة :
_أقعد يا طائف، إنت واقف ليه؟؟..
جلس بهدوء وهو ينفخ بضيق، هتف الأخير بإبتسامة مليئة بالظلام :
_عندي خطة هتكسر عز الدين، وتعرفه مين إحنا.
سأله بإهتمام :
_إيه الخطة؟؟..
هتف بحماسٍ :
_وصلتلي معلومات أن هو دخل في صفقة كبيرة مع شركة فرنسية كبيرة أوي، الصفقة دي داخل فيها بفلوس ومبلاغ
ضخمة، لأنها صفقة مضمونة، المطلوب دلوقتي إننا نخسره الصفقة دي
تسائل بجدية :
_وده هيحصل إزاي؟؟..
أجاب في شئ من الضيق:
_إحنا لازم نسرق الورق.
عقد حاجبيهِ بجمود قائلاً :
_طب وده هيتعمل إزاي؟؟..
أجاب وهو يشير بإصبعيه :
_السكرتيرة بتاعته، أسمها روان محمود، عايشة لوحدها، هنطلب منها أنها تسرق الورق ده.
هتف بتهكم :
_يا سلام!!.. طب إحنا إيه إللي يضمنا أنها هتوافق، وبعدين هنقابلها إزاي ونطلب منها الطلب ده؟؟..
هب واقفاً من مكانه ليُجيب بإبتسامته الشيطانية وعيون مليئة بالظلام وعدم الرحمة :
_هنخطفها!!!...
لقراءة الجزء الثاني جميع الفصول من هنا
لقراءة الجزء الاول كاملة جميع الفصول اضغط هنا
