CMP: AIE: رواية خفايا القدر الفصل الرابع عشر14بقلم روان عرفات
أخر الاخبار

رواية خفايا القدر الفصل الرابع عشر14بقلم روان عرفات


 

خفايا_القدر 

# الفصل _الرابع عشر

#بقلم روان_عرفات.



تقف وعد أمام المرآة تطالع هيئتها بهدوء بعدما أخبرها يوسف بضرورة ذهابهما إلى منزل روجينا والحديث معها ببعض الأمور الخاصة بها وبحياتها وترى الأشياء التي تحتاجه كما طالبها




 بالجلوس معها بمفردهما لتجعلها تتحدث معها بكل أريحية دون تقيد .. قامت بلف خمارها سريعًا ليحاوطها يوسف من الخلف مستنشقًا عبيرها بعشق قائلًا :

- قطتي اللي وحشاني وبعيدة عني بسبب شغل البيت والكارتون! 


قالها بتذمر لتبتسم وعد باتساع قائلة بحنان بعدما حاوطت خصره ودفنت رأسه في صدره :




- كرتون إيه اللي يشغلني عنك ولا شغل بيت إيه اللي يبعدني عن حُضنك .. بس حقك عليا لو مقصره في حقك يا قمري، حقك عليا بجد والله.


ابتسم يوسف بخفه وطبع قبلة طويلة على جبهتها قائلًا بهمس :

- وأنا بتأسف لك على كل لحظة كنت بعيد عنك فيها بسبب النادي والشغل اللي فيه.  


ربتت على يديه بحنان ليتابع هو بهدوء وحزن ظهر في نبرته :

- ابقي قربي من كرم الايام دي وخليكِ معاه .. حاولي ما تنشغليش عنه وأنا هعمل كده ومش عايز أحسسه بِبُعدنا عنه أبدًا. 


قالت وعد بقلق :

- ليه هو فيه حاجة؟ 


هز رأسه نافيًا وقال :

- مش شرط يكون فيه حاجة.. بس شايف اننا قصرنا في حقه واننا مش واخدين بالنا منه كفاية، فلازم ناخد بالنا من كده حتى وإحنا مشغولين .


اماءت له بهدوء مُمسكة بيده ليسير بها خارج الغرفة ثُمَّ إلى الحديقة لتصعد وعد السيارة وبجانبها يوسف الذي طبع قبلة




 حانية على يدها لتضحك وعد برقة، انطلق يوسف بالسيارة إلى منزل روجينا بعدما علم موقعة من كرم الذي كان يتابعهما من شرفة غرفته بحزن دفين يحتل قلبه من جميعهم. 


                ******


هبط يوسف من السيارة بعدما صفها قبل منزل روجينا بمسافة بعيدة نوعًا ما .. اقترب من وعد التي هبطت بمفردها من السيارة  نطر لها بتعجب.. قوس شفتيه بحزن قائلًا بطفولية :

- الله يرحم أيام ما كنتِ ما بترضيش تنزلي غير لما افتح لك الباب بنفسي.


كتمت وعد ابتسامتها باعجوبة وصعدت السيارة سريعًا وأغلقت الباب ونظرت إليه بابتسامتها المعتادة ونظرتها الطفولية الدائمة لينفجر يوسف ضاحكًا وقام بفتح الباب بخفه مع احتوائه ليديها بحب. سار بها بداخل المنزل وودعها وداع مؤقت لتجلس معها بأريحية وطالبها بمناداته لو احتاجته... 


دخلت وعد المنزل بعدما فتحت لها روجينا التي تبدل حالها كثيرًا في الفترة الأخيرة، أصبحت تجلس في المنزل ولا تخرج منه إلا للضرورة القصوى، بغضت العالم بما فيه وما زاد حزنها حينما علمت بما حل بكرم وزوجته بسببها وهذا ما قاله يوسف في زيارته الأخيرة في المشفى.

جلست وعد وجلست روجينا قبالتها، قالت وعد بابتسامة حانية:

- طمنيني عليكِ يا حبيبتي. عاملة إيه الأيام دي؟ 


ابتسمت روجينا بسخرية، فلو علمت بأنها هي السبب بما حل لأبنها وزوجته لتغيرت معاملتها لها تمامًا، تماسكت وردت عليها بهدوء:

- الحمد لله . 


ران عليهما صمت طويل، كانت وعد تختلس النظرات لها من الحين للآخر بحزن على حالتها .. قطعت روجينا الصمت -فجأة- بحديثها وبكائها الجارح لقلب وعد التي أدمعت عينيها أثر حديثها :





- مفيش أصعب من إنك تبقي وحيدة. من أول ما تفتحي عيونك على الدنيا تفتحيها على حاجات قزرة والمصيبة إنك لوحدك وما حدش معاكِ ينصحك، وجعت قلب ناس كتير، وأذيت ناس أكتر. ودمرت نفسيات بني آدمين بكلامي، وصاحبت واتغدر بيا وحبيت واتخنت مع أقرب المقربين ليا واتجوزت وبقيت مطلقة وأنا لسه بنت اربعة وعشرين سنة.. هو أنا وحشة أوي كـده؟ 


أجهشت بالبكاء واضعة يدها على وجهها تمنع صوت شهقاتها العالية، اقتربت منها وعد واحتضنتها بخوف حقيقي عليها وكأنها ابنتها.. تابعت روجينا حديثها بدموع تنسال على وجنتيها وجعًا:

- أنا حتى مليش أهل، حتى اللي كانوا عاملين نفسهم اهلي جوزوني لواحد مش بطيقه. ولما مستحملش العيشة معاه بهدلني وعيشني اسوأ سنة معاه، اطلقت منه بعد وجع قلب،







 وقف معايا واحد من عمامي اللي كان من البداية رافض جوازي من الشخص ده .. وبعد ما خلصت منه كنت عايزة أنسى الوجع بأي طريقة، مشيت لطريق كنت عارفة انه غلط ونهايته




 هتدمرني. لكني استمريت وحياتي بقت عبارة عن جحيم بسبب أصحاب السوء اللي كنت معاهم .. أنا مش عارفة إيه اللي بيحصل لي ده؟ فهميني.  


حاولت وعد منعها من الحديث لكنها رفضت وبقوة.. 

يئن القلب وجعًا من تراكُماتٍ تُحيطه، كالبركان الذي يصمد ثُمَّ يكتم ما به ثُمَّ يتناسى النيران التي تحرق ثناياه إلى أن يأتي سببًا واحدًا فقط كي ينفجر بكل ما به من نيران تحرق الوجدان. 


تكورت كطفلة صغيرة خائفة من الجميع، تبكِ بصوت عالي جعل وعد تحتضنها بقوة.. أخذت تربت على ظهرها بحنان لكي تهدأ وهي ترتل آيات الله بصوت خافت، كانت كلما تستمع إلى



 آيات القرآن يزداد بكائها .. قالت وعد وهي تسير بيدها على ظهرها صعودًا وهبوطًا مع نبرة صوتها الحانية والخائفة عليها بذات اللحظة :




- ما تحسبيش إن كل اللي قولتيه ده هين عند ربك.. كل بلاء وكل حزن مر بيه الانسان ليه أجرة وثوابة عند ربه، أنتِ ما تعرفيش الخير فين من كل ده، أوقات الخير بيجيلنا على هيئة شر أو حاجة وحشه بتصيبنا، وأوقات بيجيلك البلاء عشان




 تزيدي درجة عند ربنا ما كنتيش هتزيديها غير بصبرك على البلاء ده.. مثلًا فيه ناس بتكون ماشية صح ولما يصيبها بلاء




 بتلاقيها قربت من ربها أكتر، فيه ثبات في الدين كده وإيمانها بيكبر وبينالوا منزله ما كنوش هينالوها غير بصبرهم على البلاء زي ما قولت لك لأن ربنا بيقول إيه؟ {إنما يوفَّى الصابرون




 أجرهم بغير حساب}، وفيه اللي اللي بيكون في غفلة والبلاء بيفوقه من اللي هو فيه وده بيكون خير ليهم لأنهم بيرجعوا لربهم ويصبروا .. وفيه ناس والعياذ بالله منها بيكونوا في



 غفلة ولما بيجيلهم بلاء من ربهم بيزيدوا بُعد عن العبادة. ربنا سبحانه وتعالى بيقول {فلولا إذ جاءهم بأسُنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون} مش




 بيحسوا بالموعظة، ولا بالألم ولا بيتأثروا بموت حبيب ومش بتأثر فيهم المصايب والعياذ بالله .. مش بينتفعوا بالموعظة ومش بيفهموها والشيطان بيزين لهم أعمالهم رغم وحاشتها. 





ولازم تبقي عارفة إن أحيانًا البلاء بيكون لتكفير الخطايا ومحو السيئات، وبيكون لرفع الدرجات وزيادة الحسنات، وكمان لتمييز المؤمنين عن المنافقين وعشان يتعرف الصابر على




 البلاء من اللي بيبغضه .. وأحيانًا بيكون عقاب من ربنا للعبد على بعض الذنوب، وفي جميع الحالات هيا خير للعبد وديمًا خليكِ فاكرة قوله تعالى {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} 





كانت تستمع إليها روجينا بهدوء تام وهي تُناظرها بعينان محتقنتان أثر البكاء .. نهضت وعد من مكانها مع طلبت منها دخول دورة المياة لتمحي آثار الدموع التي على وجهها، دخلت




 روجينا وخرجت بعد وقت لا بأس به. نظرت لوعد الواقفة على البوتجاز تصنع لها بعض الأطعمة قبل ذهابها بشرود من وجودها المفاجئ في حياتي، هل ما قالته صحيح أن أحيانًا





 يُصبح خلف البلاء أشياء جميلة تُنتظر... وأنها بعد كل ما رأته من متاعب ستصبح هي أُمًا لها؟ قطعت شرودها وعد بسؤالها وابتسامتها التي اعتادت عليها في فترة جلوسهما : 

- أنتِ عندك كام سنة يا جوجو؟ 


ردت عليها بسخرية:

- قربت اتم التلاتين سنة


ضحكت وعد عليها بخفه وقالت بابتسامة حانية :

- أنا لو ربنا رزقني ببنوته كانت هتبقى في نفس عمرك، فأنتِ بنتي من النهار ده ومش عايزة أسمع اعتراض. 


قالتها بمرح كي تخفف عنها، ابتسمت روجينا وقالت بعدما ارتمت داخل احضانها :

- وأنا اسمحيلي أقول لك يا ماما؟ 


💛 اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد 💛


تقف بمنتصف الحديقة مُمسكة بيدها هاتفها وتقوم بالتقاط بعض الصور لصديقاتها، ترتدي فستان وردي طويل مع لفة حجابها البسيطة .. كانت تضع سبابتها أسفل ذقنها بعدما ارتدت الدبلة به.. غيرت الوضعية ووضعت الدبلة على وجنتيها






 وقامت بالتقاط الصورة سريعًا مع ضحكتها العالية على منظرها المضحك بالصورة، تناهى إلى مسامعها صوت زوجها من خلفها بصوته العالي :

- ضحكت يعني قلبهاااا مــاال. 


نظرت إليه ورد بضحكة رافعة إحدى حاجبيها بتعجب من جملته التي قالها بموسيقى، قال أمير سريعًا :

- ما تسألنيش عرفتها من فين، بالصدفة امبارح سمعتها وأنا في الشارع والله. 


ضحكت ورد بقوة عليه وشاركها هو الضحك مع قوله :

- بتتصوري على الصبح ليه؟ 


ما لبثت ان تجيبه ليتابع هو حديثه بمرح :

- وهيا المجنونة هيهمها صبح ولا ليل تتصور فيه يعني؟  


ناظرته بغيظ وهي تضرب الأرض بقدميها كالأطفال، أمسك بيدها بتملك طابعًا قبلة حانية عليها. نفضت يدها من يده وقوست شفتيها بحزن مصطنع ليحتوي أمير يديها بِكلتا يداه ناظرًا لعينيها قائلًا :

- عايز أمسك ايدك. 


قالت ورد بتذمر :

- لا ما تمسكش أصل إنت لما بتمسك في حاجة مش بتسيبها .


احتوى وجهها بيديه وقال بهمس عاشق لا يرى مثلها بالكون :

- آه زي ما أنا ماسك فيكِ كده ومش هسيبك .


ابتسمت بخجل وما لبثت ان تجيبه إلا واستمعت إلى رنين هاتفه برقم غير مسجل أيضًا، ابتعد أمير عن ورد قليلًا وقام بالضغط على زر الاجابة ليستمع إلى صوت رجولي صارم : 

- لو تهمك حياة مراتك ونفسيتها تعالى على عنوان (…) من غير ما تقول لحد مكانك وبسرعة.


أنهى حديثه وأغلق الهاتف.. نظر أمير للشاشة بشرود وقلق احتله من حديث الرجل، رفع عينيه على ورد الجالسة على الأرجوحة بخوف عليها. اقترب منها وضمها إليه بشدة آلمتها




 سار بها إلى داخل المنزل وأغلق الباب عليها بعدما ودعها وأخبرها بأن لديه مقابلة هامة مع إحدى أصدقائه وعليه الذهاب إليه على الفور. 


صعد سيارته سريعًا وذهب للمكان المحدد الذي استغرق منه الساعة فقد .. صف السيارة وترجل منها بسرعة وسار سريعًا لداخل المشفى بخطوات أشبه بالركض، استوقفه شاب في




 نفس عمره تقريبًا ليمنع عنه السير، حاول أمير تخطيه لكن الشاب كان كلما حاول الذهاب يمنعه... تأفف أمير وقال بنفاذ صبر:

- لو سمحت! 


جلس الشاب على مقعد أمام غرفة ما. قائلًا بهدوء وهو يتفحصه من رأسه حتى اخمص قدميه :  

- أنت أمير يوسف؟ 


هز رأسه أمير بخفه لينهض الشاب بذات الهدوء ويدخل معه إلى غرفة والدته، خرج وتركه يتخبط بين أفكاره، ما الذي يحل له؟ ومن هذا الشاب؟ وهذه النائمة على الفراش بوجهها الشاحب...


اقترب منها ببطء شديد ليتضح له كونها تطالعه بعينيها الواسعة البنية. لا يعلم ما سر هذه الدقة العنيفة الذي أصدرها قلبه بمجرد رؤيته لعينيها ووجها الصغير وملامحها التي تشبه ورد إلى حد كبير .. من المتضح أمامه أنها تعدت الخمسون




 والأكثر من عمرها، مدت يدها سوسن إليه ليُناظرها أمير ببعض الرهبة التي اجتاحته من مظهرها الغامض ونظرات هذا الشاب جعلته حقًا يشعر بالخوف تجاههم..  


قالت سوسن بوهن وبحة بصوتها أثر صمتها طوال الوقت حتى ابنها لا يتحدث معها بعدما سردت له ما حدث من أكثر من عشرون عامًا :

- تعالى يا ابني .


ذهب إليها مغيب تمامًا عما حوله، شيء ما يجذبه تجاهها لا يعلمه. جلس مُقابلًا لها على مقعد كبير، ظلت تُناظرة سوسن بابتسامة واسعة زينت ثغرها .. أخذت تتفحصه براحة احتلت قلبها من ملامحه، اطمئن قلبها على ابنتها... قالت بعد وقت طويل في النظر عليه مما جعل أمير يتعجب نظراتها التي اخترقته :





- طمني عليك يا ابني وعلى ورد.. عاملة إيه معاك؟ 


ناظرها بتعجب كونها تعلم اسم زوجته.. بداخله أفكار كثيرة عن هويتها لكن لا يُريد تصديق أيًا منها، تساءل بهدوء :

- أنتِ مين؟ 


ابتسمت سوسن بخفه مع سعالها الذي استمر لوقت جعله يقترب منها بخوف ظهر جليًا عليه قائلًا بقلق :

- أنتِ كويسه؟ طيب أجيب الدكتور؟ 


ربتت على يده وطالبته بالجلوس وطمأنته عليها، بعدما جلس نظرت إليه وهي تتذكر كل ما حدث معها وبُعدها المفاجئ عن جاسر وظلمه لها، كل شيء أخذت تتذكره وهي تسرده لأمير..




 تذكرت حينما كانت تجلس بغرفتها بعد زواجها بعشرة أيام فقط، تناهى إلى مسامعها رنين هاتفها الذي تركته بالمطبخ




 سَهْوًا، ذهبت وانتشلته بقوة وقامت برفض المكالمة بعدما رأت رقم غير مسجل... ما لبثت أن تذهب لغرفتها مُجَدَّدًا إلا وعاود الاتصال مرة أُخرى، تعجبت من اصرار المتصل لتضغط على زر الاجابة ليأتيها صوت رجولي أجش قائلًا :





- نص ساعة لو ما شوفتكيش في (…) تنسي إنك متجوزة وعروسة جديدة والكلام ده، جوزك بين ايديا وما حدش هيقدر يخلصه مني. 


أغلق الهاتف سريعًا وتركها في صدمتها، تتخبط بين حيرتها في الذهاب إليه أو تجنبه.. علمت بهوية المتصل بمجرد سماع صوته. قلق كبير احتلها خوفًا منه ومن أفعاله، يُحبها وتعلم ذلك جيدًا لكنه اختار الفراق وهي تزوجت من جاسر بعد




 اختياره مباشرةً .. أخرجها من شرودها وخوفها رنين هاتفها مُعلنًا عن وصول رسالة، قامت بفتحها وصُعقت من هول



 الصدمة حيث كان كريم يجلس إلى جانب جاسر المُقيد بالمقعد بتعب ظاهر عليه كما وجهه المُلطخ بالدماء. صرخت بفزع وركضت سريعًا للعنوان الذي قاله لها... 


وصلت بعد نصف ساعة تقريبًا في مكان مهجور، ترددت في الدخول لكنها تشجعت ودخلت بخطوات أشبه بالركض وهي تدعو السلامة لزوجها. استقبلها كريم بضحكات ساخرة قائلًا من بينها :

- بتعاقبيني بجوازك من غيري؟ مبقاش أنا كريم إن ما خليت حياتك جحيم عشان اخترتيه. 


صرخت سوسن بـه وأخذت تضربه بيدها الصغيرة بعصبية مفرطه قائلة بصراخ ودموع انسالت رغمًا عنها :

- جاسر فين؟ جوزي فيـن يا كريـم؟ 


أخذ يضحك بقوة عليها وسرعان ما تبدلت هذه الضحكات إلى عصبية جامحة مع نظرة عينيه التي أرعبتها وقبضة يده على خصلات شعرها لدرجة جعلتها تصرخ ألمًا قائلًا بهمس جانب أذنها :




- هسيبه بس أسمع خبر طلاقك منه في أسرع وقت .. هكون مراقبك ومش عايز أي لعب كده ولا كده وأنتِ عارفة كريم كويس واللي ممكن يعمله، تمام؟ 





أماءت له عدة مرات بسرعة وهي تجاهد في كتم شهقاتها، سار بها للداخل لجاسر الذي ما أن رأها ابتسم لا إراديًا.. اقتربت منه سوسن بدموع وساعدته على الخروج من المكان تحت نظرات كريم التي كانت تراقبها...


قطع شرودها وحديثها بالذي مضى أمير بسؤاله :

- ما اتكلمتيش مع عمي جاسر ليه؟


تنهيدة طويلـة خرجت منها مفعمة بالآلام مع حديثها:

- حاولت بس كان تأثير تهديداته أقوى، كنت كل ما أجي اتكلم أسكت خوف عليه والله.. ده غير إنه كان مراقبني وحاطط عيون عليا في كل مكان، لدرجة إنه جاب لي جارة وسكنها قصادي.


كانت صدمته بما قالته قوية، يجاهد في استيعاب ما سمعه منها لكنه شعر بعدم استيعاب عقله من كثرة الصدمات والمفاجآت التي تلقاها اليوم بخصوص عائلة زوجته... تساءل أمير بهدوء :

- عملتي إيه بعدين؟ 


تابعت سوسن حديثها :

- خليت جاسر يكرهني بأفعالي وكلامي، معاملتي اتغيرت تمامًا بقيت واحدة تانية هو استغربها، طريقة لبسي وشكلي.. أنا آه ما كنتش لابسه حجاب بس بقيت أسوأ من الأول وبسهر وبخرج في أوقات وأماكن زبالة عشان عارفة إن جاسر مراقبني





 .. كان كتير بيعاتبني وأنا كنت ولا هنا.. لحد ما عرفت إني حامل، كان أصعب يوم في حياتي.. أنت عارف يعني إيه يوم بتستناه من يوم ما حبيت الشخص ده ولما يجي يبقى ككابوس عايز تفوق منه بأي طريقة .. ما لقيتش حل إني




 أخلي كريم يسكت ويخليني معاه لحد ما أولد غير إني أغريه بالفلوس لأني عرفاه كلب فلوس وفي نفس الوقت طلبت من جاسر مبلغ كبير عشان أفضل معاه لحد الولادة ده بعد ما خليته يشوفني كذا مرة بكلم كريم عشان بس يكرهني









 ويسيبني في حالي بعد ما أولد... كنت بتكلم معاه يومها بكل بجاحة، لسه فاكرة تعابير وشه وصدمته بكلامي وطلبي بأني أخلي بنتي في بطني بفلوس. كنت بتكلم وأنا بموت جوايا، كنت غبية وأستاهل كل اللي حصل لي. 


مش هقول لك إني مش غلطانة، بس أقسم بالله كل اللي عملته عشانه.. الخوف كان مسيطر عليا كُليًا وما كنتش قادرة أخد خطوة الفضفضة باللي حصل خوف عليه من كريم ومن تهوره...    


توقفت عن الحديث وهي تتنهد بتعب ظاهر عليها مع نفسًا عميقًا أخرجته بتهدج وتابعت: 




- كرهته وكرهت حياتي بسببه ده كفاية انه كان سبب طلاقي من جوزي وسبب في اللي وصلتله.. كنت خايفة على جاسر لأني عارفة كريم واللي ممكن يعمله، قررت أبعد مع إن البُعد هيأذيني نفسيًا لكني بعدت. 


 💛 اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد 💛


خرجت أوركيد بصحبة ندى من المحاضرة التي استغرقت الساعتين، زفرت أوركيد بملل لقضائها هذه المدة الطويلة بالداخل ما لبثت أن تتحدث مع ندى إلا واستوقفتهما ميار التي تحدثت بمرح :




- أخيرًا لقيتكوا، أنا بدور عليكوا من بدري .. وأنتِ يا هانم النهار ده هتفضلي ومش هتمشي. 

 

أنهت حديثها وهي تشير لندى التي ابتسمت بتوتر أخرجت أوركيد ضحكة العالية عليها لتناظرها ندى بغيظ، تبادلا السلام والترحاب ببعضهما لتتابع ميار بحزن :

- الفاينال كمان حداشـر يوم .


رفعت ندى يدها للأعلى قائلة بدموع مصطنعة :

- أنـا عايزة أنجح بس يا رب .. أنجح بس. 


انفجرت أوركيد ضاحكة كما ميار التي جاهدث في كتم ضحكتها لكنها فشلت وانفجرت ضاحكة مثلها .. تابعت ندى حديثها بعدما رمتهما بنظرة ناريـة أرعبتهما :




- أعدي من غير ما أشيل مواد .. أنا بشيل نفسي بالعافية والله . 


وضعت أوركيد يدها على فمها تمنع ضحكتها وقالت بابتسامة واسعة :

- لا ده أنتِ لازم تتعودي تشيلي المسؤولية .


تابعت ميار الحديث بدلًا عنها بضحكة كتمتها باعجوبة :

- لأنك هتشيلي كتيـر .


نظرت إليها ندى بغيظ شديد لتتابع حديثها سريعًا خوفًا منها :

- بهزر بهزر . 


ضحكت ندى بخفه لينفجرا هما ضاحكين وشاركتهم هي الضحك...


💛 اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد 💛


- الشاب اللي برا ده ابنك من مين؟ 


قالها أمير بتوجس ناظرًا إليها يخشى حديثها قبل إخراجه، أردفت سوسن وهي تترقب ملامحه وصدمته بما ستقوله :

- ابن جاسر. 


صدمة أُخرى لم تكن بالحسبان أبدًا، كانت كصفعة مدويه على وجنتيه لتجعله يفيق على شيء لم يكن يُريده، ظل صامتًا لا يقوى على الحديث شعر وكأن لسانه شلّ عن الحركة، لا يقوى على تحريكه والبوح بما يشعر بـه .. جاهد في الحديث لكنه




 بالفعل لا يستطيع، أخذ شهيقًا عميقًا أخرجه ببطء مُميت مع وضع يده على وجهه بتيهه من تلك الصدمات التي كانت أقوى منه، تذكر زوجته والصدمة التي ستحتلها بظهور والدتها






 سوسن بعدما فتحت عينيها من بداية حياتها على غادة وهي من كانت والدتها ولا يوجد غيرها وصدمتها كون غادة لم تكن والدتها الحقيقية كما والدها الذي أخفى عنها كُلَّ ذلك.. تنهد بعمق وجاهد في عدم التفكير لكنها تحتل فكره ويخشى عليها من تلك الصدمات الصعبة على الكُلَّ...


رفع عينيه وناظرها بشيء من الحُب تسلل داخله كونها والدة زوجته، تناسى كُلَّ شيء شعر بالشفقة والخوف تجاهها.. تساءل بخفوت : 

- حصل ازاي ده؟ 


شردت بيوم ولادتها بابنتها ورد حينما كانت بالغرفة ومعها الدكتورة الخاصة بها ومعها ممرضتها تساعدها بالولادة، خرجت الممرضة بطلب منها هي لتتحدث الدكتورة التي كانت تتابع معها حالتها من بداية حملها وفي الأساس هي صديقتها منذ الصغر :




- بردو لسه مش عايزة تقولي لجوزك بموضوع حملك بتوأم؟ 


هزت رأسها نافية وقالت بخفوت وهي تتنفس بسرعة ناظرة لأبنائها بابتسامة متعبة وحزينة بذات اللحظة لفراق ابنتها :

- لا ما ينفعش .. نفسي أخليه معايا، حاجة من ريحة باباه .


تساءلت صديقتها بقلق :

- هتقدري تحافظي عليه وأنتِ يعتبر كل حاجة بتعمليها بتوصل له؟ 


شعرت بالخوف يتسلل إلى أوصالها بمجرد تذكرها به، هزت رأسها بعنف وكأنها ترفض تمكن الخوف منها وقالت بثقة :




- هقدر .. طول ما أنتِ معايا هقدر، بس عايزة أهرب من هنا وما حدش يعرف لي طريق. عايزة أبعد عن كريم وجاسر وأبقى مع ابني وبس. 


أنهت حديثها ببكاء لتقترب منها صديقتها وتحتوي يدها وهي تضغط عليها بقوة قائلة بابتسامة هادئة لتجعلها تطمئن :




- أنا هطلع أدي البنت لجاسر وأنتِ خلي بالك من الولد اللي شكله مشاغب من أولها زي مامته. 


ضحكت سوسن بخفه وقبل خروجها قالت بدموع :

- استني يا مي. 


كانت على وشك الخروج من الباب، استمعت لصوتها لتغلق الباب سريعًا بعدما رأت جاسر ينتظرها بالخارج وذهبت مُجَدَّدًا إليها لتتابع سوسن :





- هاتيهم في حضني وصورينا .. امكن دي الصورة الوحيدة اللي هتجمعنا سوا. 


ربنا مي على يدها وقالت :

- ما تقوليش كده، باذن الله وقت وهيعدي وكل حاجة هترجع زي ما كانت .


ابتسمت سوسن بسخرية لتحتوي مي الطفلين بين ذراعيها وتقربهم من سوسن التي احتوتهم ببكاء حاد مستنشقة رائحتهم الطفولية بتنهيدة أخرجتها بوهن وحزن ظهر جليًا




 عليها في تلك اللحظة، التقطت مي بعض الصور تحت بكاء سوسن وابتسامتها الموجعة كما ضحكاتها من تذمرهم عليها من كثرة تقبيلهم في كل انش بوجههم.. 





قالت سوسن وهي تحتوي ابنتها بين ذراعيها وتقبلها بخفه خوفًا عليها :

- بطريقتك حاولي تعرفي منه هيسميها إيه .. وطمنيه على صحتها وقولي لي أول ما شافها عمل إيه، مستنياكِ.. متتأخريش. 





فاقت من ذكرياتها الأليمة على يد أمير التي تربت على يدها بخفه، نظرت إليها بابتسامة وهي تغمض عينيها بتعب ثُمَّ فتحتها مع حديثها :




- سافرت في لبنان بعد ما حولت الفلوس اللي ادهالي جاسر لحسابه من تاني .. عدت سنة ورا التانية لحد ما كريم عرف مكاني.. جالي وكانت عيونه مليانة حقد وغل ليه ولأبني



 رجعني لهنا من تاني وعاقبني وانتقم مني على شيء المفروض احنا والاتنين اخترناه أشد انتقام .. كان بيديني حقنة أفقد بيها وعيي...


وضعت يدها على فمها بقوة تمنع حديثها واستكمال ما كان يحدث معها.. قال أمير بدموع بعدما طبع قبلة حانية على يدها :

- خلاص ما تكمليش .. والله مصدقك، ارتاحي أنتِ بس وكفاية كلام. 


قالت سوسن بابتسامة ودموعها تنسال على وجنتيها دون توقف :

- لا أنا مرتاحة كده وفي الكلام معاك. 


تنهدت بعمق ثُمَّ تابعت :

- أنت عارف احساس إنك تقرف من نفسك وما فيش حاجة في ايدك تعملها.. كنت شبه مخطوفة وما حدش يعرف لي طريق غيره عشان بس يعمل فيا كل اللي عايزة مع أقذر البني آدمين اللي زيه .. لحد ما ابتليت بمرض الإيدز.  





أجهشت بالبكاء وشاركها أمير بالبكاء بمشاعر متخبطة بين الماضي والمستقبل وزوجته ومشاعرها.. هدأت سوسن



 وأخرجت من تحت وسادتها صورها هي وابنها وورد أيضًا، نظر إليهم أمير بدموع... لتتابع سوسن حديثها بتوسل :




- عايزاك تاخد بالك من مازن.. أنا واثقة إنك هتبقى صاحبة وهتحبوا بعض زي ما واثقة إنك هتخليهم يحبوا بعض




 ويعوضوا بعض عن فراق السنين مع إنهم توأم .. مازن عايز ينتقم لي من كريم واللي معاه بس هو والله مش قدهم ولا قد




 خبثهم .. خليك معاه يا أمير وخلي بالك من ورد، قولها إني بحبها ووالله العظيم كان غصب عني فراقها. كان موت بالنسبالي بس اخترت راحتها بعيد عني. 





جاهد في الحديث لكنه لا يقوى على التفوه بكلمة واحدة حتى، كل الذي فعله هو النظر إلى الصور ثُمَّ خرج من الغرفة بعدما ودعها ووعدها بمقابلة أُخرى في أسرع وقت متوعدًا بالذي فعل بها كل ذلك الكثير...


                 ***** 


خرج من المشفى وصعد سيارته مع إخراجه لهاتفه ومحادثة والدته التي ردت عليه على الفور بعدما غادرت منزل روجينا .. قالت وعد بفرحة بعدما أطلقت الزغاريد فرحًا بابنها :





- طمني عليك يا قلب امك.. عاملين إيه أنت وورد، طمني عليكوا. 


تجاهل حديثها وتساءل بتوجس:

- هو عمو جاسر كان متجوز قبل مراته؟ 


تعجبت وعد سؤاله لكنها ردت عليه بحسن نية :

- آه يا حبيبي بس اطلقوا بعد ما ولدت ورد على طول وكل واحد راح لحاله ومن يومها ما نعرفش حاجه عنها .. بس أنت ليه بتسأل؟ الموضوع ده ما حدش يعرف عنه حاجة. 



أغمض عينيه بثقل مع تنهيدة قويـة أخرجها ثُمَّ فتح عينيه وأغلق الهاتف بشرود.. لا يعلم ماذا يفعل في ذلك الوضع الذي هو به، يتحدث مع والدة أم يذهب لزوجته؟ ولكن كيف




 يتحدث مع زوجته بشيء كذلك؟ الصدمة شديدة عليه وهي مجرد والدة زوجته أما عنها فماذا سيحل لها بعدما تعرف أن كل ما عاشته كله كذبة! 


💛 اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد 💛


بعد مرور ما يقارب الساعتين ونصف.. أغلق جاسر هاتفه بابتسامة واسعة مطمئن على ابنته بعدما تحدث معها ليطمئن قلبه عليها، تنهد براحة وجلس على الأرجوحة ليعتدل في



 جلسته على الفور متذكرًا الورد الخاص بابنته الذي تناسى أمره، ذهب سريعًا للمكان المخصص الورد وقام بارتوائه مع



 ذهابه مُجَدَّدًا للأرجوحة .. جلس ونظر للسماء بغصة مريرة شعر بها فجأة جعلته يذكر ربه مرارًا وتكرارًا مع صوت أنفاسه



 العالية من شيء يجهله .. ثوانٍ معدودة وشعر باهتزاز هاتفه مُعلنًا عن تلقي اتصال برقم مسجل بـ (المستشفى) ارتجف قلبه




 خوفًا بين اضلعه ولا يعلم سببًا للخوف بمجرد رؤيته لاسم المتصل، ضغط على زر الاجابة دون حديث ليتلقى صدمة لم تكن في مخيلته حدوثها الآن بالتحديد، ظل على حالته لوقت



 يجهله.. لا يفعل شيئًا سوى يستمع لحديث المتصل بشرود، سقط الهاتف بالأرض مع اقتراب غادة منه بعدما صنعت من أجليهما كوبًا من الشاي .. قالت بتعجب لحالته الغريبة :

- جاسر! مالك ؟ 


رفع جاسر عينيه عليها بعدم تصديق لِما استمعه للتو، انسالت دموعه على خديه مما دب القلق في أوصال تلك المسكينة. أغمض عينيه لثوانٍ وكأنه يُريد فقط استيعاب ما يحدث أو يُريده كابوسًا وسينتهي كل شيء حينما يقوم بفتح عينيه، قام بفتحهم عله يجده حلم لكنها وجد زوجته أمامه مما جعله يتيقن من حقيقة ما تلقاه .. قال بصدمة حقيقية ظهرت على وجهه مع نظرة عينيه للأمام بشرود :

- ماتت!  

         الفصل الخامس عشر من هنا

لقراءة باقي الفصول من هنا



تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-