CMP: AIE: رواية خفايا القدر الفصل التاسع9بقلم روان عرفات
أخر الاخبار

رواية خفايا القدر الفصل التاسع9بقلم روان عرفات


 

#خفايا_القدر 

# الفصل التاسع

بقلم روان_عرفات...


فتح عينيه ببطء بابتسامة هادئـة وهو يتذكر حديثه مع كرم ليلة أمس، عندما تحدثا بخصوص زواجه وتأخيرة بسبب حالته وما حدث معه، وكانت الفرحة من نصيبه حينما اعترض كرم على حديثه والتأخير يومًا واحدًا عن الموعد المُحدد. ازاح اللحاف عن جسده وذهب لدورة المياة.. مُنهيًا عاداته الصباحية بنشاط، خرج من المنزل للحديقة مُباشرةً، مشى ببطء فيها وبابتسامة واسعة. أخذ يقطف الورد وهو يُدندن بخفوت بأنشودة يسمعها دومًا من زوجته ورد وهي من قامت بكتابتها. انتهى من قطف بعض الورود، صعد السيارة الخاصة به وبكرم وخرج من حديقة المنزل الواسعة ذاهبًا لمحل تغليف الهدايا



 لكي يقوم بتغليف الورد في بوكية من اللون الأحمر وبعض من قِطع الشوكلاه التي وضعها بشكل مُميز، كما أنه ذهب إلى محل وابتاع دبدوب كبير الحجم كما تُحب، خرج من المحل وصعد سيارته مُتوجهًا لمنزلها بفرحـة كبيرة تحتل قلبه برؤيتها وباقتراب موعد زفافهما الذي يُريد رؤيتها عندما يخبرها بهذا الخبر.. 


صف سيارته بالحديقة الخاصة بمنزل جاسر بعدما استقبله واعتذر كون لديه موعد هام بالشركة ولا بد الذهاب، مضى بالحديقة إلى باب المنزل المُغلق.. تنهد بعمق ورسم ابتسامة حانية على ثغره، وأمسك ببوكية الورد والدبدوب بقوة. طرق عدة مرات وضحك بخفه وهو يستمع إلى صوتها. تطلب من




 الطارق بعض من الصبر، بابتسامة واسعة احتلت ثغره عندما فتحت ورد الباب، لكنها لم تدُم طويلًا وصُعق من مظهرها المُزْرى، ناظرها بصدمة حقيقية وهي ترتدي بيجامة بيتيه فضفاضة. بهذا الايشارب الذي يلتف حول فروة رأسها بطريقة جعلته ينفجر ضاحكًا، مُمسكة بيدها المكنسة اليدوية وبصمة الأتربة اتضحت على معالم وجهها البريء..




كانت تقف بالصالة. مُمسكة بيدها المكنسة بعدما انتهت للتو من توضيب غرفتها، قامت بتشغيل سورة البقرة في هاتفها ووضعته جانبًا.. لفت إيشارب حول رأسها وبدأت وصلة توضيبها للمنزل، استمعت إلى طرقات قوية على الباب مما جعلها تتذمر وأخذت تصرخ وتُطالبه بالصبر. فتحت الباب وكانت صدمتها لا تقل عنه، بل كانت أضعاف مُضاعفة، ابتسمت بخجل وهي تراه أمامها بهذا التيشرت الأبيض والبنطال الأسود. تضاعفت فرحتها برؤيتها للدبدوب الكبير، لكنها لم تدم حينما استمعت إلى نبرة صوته المصدومة:

- هاتيلي مراتي يا أم فتحي بالله عليكِ . 


رفعت إحدى حاجبيها بغيظ وهي تصدر صوتًا من شفتيها ينم على السخرية قائلة بغيظ جاهدت في اخفائه:

- مين هي دي اللي أم فتحي يا أمير؟

 

قال بصدمة مُصطنعة:

- ايـدااا؟ حتى أم فتحي عرفاني.. اللهم لك الحمد يا رب على نعمة حُب الناس اللي عندي دي.


رفعت العصاة عليه بطريقة مُضحكة وقالت بعصبية واضحة:

- حُب الناس اللي هو ازاي؟ مفيش حد يحبك غيري.. تمام؟ 


رفع يديه باستسلام بعدما وضع الهدايا بالأرض، منظره الطفولي جعلها تنفجر ضاحكة .. صمتت تمامًا وأخذت الدبدوب بين أحضانها كما بوكية الورد أيضًا ودخلت للمنزل تاركة خلفها أمير الذي تمتم بضجر:

- طيب على فكرة المفروض أنا اللي تاخديني في حُضنك مش الدبدوب! هقول إيه.. أنا اللي بجيبه لنفسي. 


ذهب خلفها وأمسك بيدها بخفه، قربها له بحركة سريعة جعلتها تنظر إليه بخجل.. مسح وجهها المليء بالأتربة بِكلتا يداه، بنظرات حانية مما جعلها تُناظره بابتسامة شاردة في ملامحه التي حفظتها عن ظهر قلب، قطع شرودها بملامحه نبرة صوته الماكرة:

- بس تصدقي إنك مهما عملتي فأنتِ جميلة.. اللي أعرفه إن شغل البيت بيمحي أي ملامح، لكن عندك بصراحة بيخليكِ أجمل. 


ابتسمت بحياء وارتمت بداخل احضانه وهي تختبئ منهُ إليه. فلا يوجد لديها سواه، ضحك أمير بخبث وقال وهو يضمها إليه بقوة:

- طيب على فكرة إحنا لوحدنا والشيطان تالتنا وأنتِ لابسه بيجامة خطفت قلبي وعيوني.. فـ خافي مني بقا .


انفجر ضاحكًا عليها عندما ركضت سريعًا إلى داخل غرفتها وأغلقت الباب عليها بعدما نظرت إليه بانتصار وأخرجت لسانها له لتغيظه.... 


💛 اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد 💛


تقف أوركيد أمام المرآة وهي تُمشط خصلات شعرها، بعدما أدت فرضها. تضع السماعات بأذنها وتقوم بمحادثة ندى عبر الهاتف.. قالت بغيرة واضحة:

- آه مش هروح.. وبعدين خايفه ليه تقعدي لوحدك، ما أنتِ ما شاء الله عليكِ عملتي علاقات. عايزاني فيه إيه؟ 


ضحكت ندى بقوة وقالت بصوت عالٍ بعدما خرجت من باب الشقة وصعدت للشقة التي تسكُن بها أوركيد:

- والله أنتِ الأساس والباقي ما يسـواش. 


كتمت ضحكتها باعجوبة وقالت بصوت جاهدت في اخفاء الابتسامة بـه:

- استني يختي.. فيه حد بيخبط .. مش عارفه مين الرخم اللي بيزور حد في الوقت ده! 


توعدت ندى سرًا بأنها ستُلقنها درسًا لم تنساه على حديثها.. بينما خرجت أوركيد من الغرفة وتحركت لباب الشقة ودارت بمقبض الباب لتتبين أمامها ندى بابتسامة بلهاء جعلت أوركيد تضحك بخجل وهي تضع يدها على وجهها وتنظر لها من بين أصابعها .. قالت ندى بغيظ:

- بقا أنا رخمة عشان جيالك في الوقت ده؟ وبعدين ما أنتِ زي القردة اهو.. مش عايزه تروحي الكلية ليه؟ 


تنهدت أوركيد بعمق وأردفت بهدوء بعدما أغلقت الباب وذهبت لغرفتها: 

- مش شرط التعب يبقى ظاهر! أوقات بيبقى التعب نابع من جوانا.. النفس اللي بتبقى تعبانه، وتعب النفس أصعب من تعب الجسم بمراحل.. تعب محدش بيشوفه وكمان ما ينفعش يتحكي، وبعدين ما تتكلميش معايا وروحي للي قلبك اختارها. 


أغلقت ندى الهاتف وذهبت خلفها سريعًا وقالت بحب:

- قلبي ما اختارش غيرك، ومينفعش يختار غيرك والله .


كانت تُوليها ظهرها وهذا ما جعلها تبتسم باتساع على حديثها وطريقتها في ارضائها.. دارت بجسدها إليها وقالت بغيظ وصوت عالٍ:

- مش وقت تثبيتك خـاااالص.


أمسكت يدها ووضعتها على كتفها وقامت هي بوضع يديها على خصرها وتابعت حديثها بتمايل مع كُل كلمة تتفوه بها:  

- وما حبش حد زي ما حبك.


ضحكت أوركيد بقـوة ثُمَّ قالت بتحذير:

- اركني كلام الحُب دلوقتي أنا بقول لك أهو.. وخلينا نكمل خناق.  


تابعت ندى بغرور وابتسامة واسعة مُتجاهلة حديثها:

- بيتمنى لُقاكِ والصياعة والهشتكة معاكِ. 


أنهت حديثها بضحكة عالية خرجت منها، ضحكت أوركيد بخفوت وقالت بجدية مُصطنعة:

- وبتقولي شعر كمان؟ طب على فكرة احنا شِبه عايشين مع بعض.. بتتمني لُقايا ازاي؟ 


ابتعدت ندى عنها قليلًا وقالت بضحكة:

- أنا بعيش دور الراجل المصري اللي بيلحق الخناقة من أولها.   


باتت محاولاتها بالفشل في كبح ابتسامتها.. ابتسمت باتساع وجاهدت في رسم تعابير الحُزن عليها لكنها فشلت وانفجرت بالضحك.. شاركتها ندى الضحك بفرحة لنجاحها في اضحاكها.. بعد وقت لا بأس به من الضحك مع بعضهم البعض كما ندى التي أخبرتها بكل ما حدث معها ومدى تقربها بـ (ميار) وحديثهما الذي تكاثر في الأونة الأخيرة وأسألتها عن موعد أول ندوة بالكلية.. قالت أوركيد بتساؤل:



- طيب وهتعملي ايه؟ بصراحة الفكرة حلوه والاستفادة هتبقى عامة. 


قالت ندى بتفكير:

- بفكر أعمل زي صندوق كده وأخلي اللي محتاج يسأل سؤال يسأله وأنا هجاوب عليه.. عشان اللي محتاج يسأل هيسأل من غير احراج، وتبقى الأسئلة مفتوحه للكل.


وافقتها أوركيد الرأي لتقترب منها ندى وقامت بإحتضانها بقوة قائلة بحب ظهر جليًا بنبرتها:



- مهما حصل هتفضلي أنتِ أقربهم للقلب، مهما صاحبت وعرفت غيرك والله ما حد هيقدر ياخد مكانتك الكبيرة اللي جوه قلبي، ويلا نستعد لأن ورد بكرة عامله سهرة قبل فرحها.


أنهت حديثها بصراخها الذي جعل أوركيد تضحك بصخب عليها، ضمتها إليها وابتسمت براحة..

وصديق لا تشعر بـالراحة إلا وهو بجانبك. رغم كُل ما يُحيطك من متاعب لا يُمكنك منع ضحكاتك وأنت معه! 


💛 اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد 💛


خرج من غرفة والدته بدموع انسالت رغمًا عنه من حالتها التي إلى الآن لا يعلم سببها .. يعلم أن ما بها من مرض بسبب شخص مجهول الهوية بالنسبة له ولكنه تهاعد مع نفسه ألا



 يتركه ينعم ويلهو بحياته طوال ما هو على قيد الحياة.. لن يترك أنين والدته يمضي سرابًا ولا حزنه هو عليها ولا فقدانه من اعز ما يملك في هذه الحياة بسببه، لن يتركه ما دام حيًا ولو كلفه الأمر روحه! 


أخرج هاتفه من جيب بنطاله بعدما شعر باهتزازه مُعلنًا عن وصول اشعار جديد من طبيق ما بالهاتف، ابتسم بسخرية ودموع تلألأت بمقلتيه حينما رأي اشعار بخصوص حفل زفاف شخص عزيزًا على قلبه وكل كيانه .. 


أغلق الهاتف بعصبية وجلس على مقعد أمام الغرفة بحزن أطفأ بريق روحه، شعر بجلوس أحدهم إلى جانبه، رفع رأسه وناظر صديقه بابتسامة متعبة صاحبتها الدموع التي انسالت على



 وجنتيه .. قال صديقه الذي أتى إليه بالزي الشرطي دون حتى أن يذهب لمنزله ويستبدل ملابسه كونه شعر من نبرة صوته بالحزن الذي يحتله عندما حادثة منذ قليل:




- الصعب عدى وما فضلش غير السهل، افتكر لما عرفت بعدوك، لما بالصدفة عرفت إن والدتك بعدت عن الكُلَّ مجبرة بل مهددة بفقدانك في أي لحظة .. بعد ما كنت خلاص قربت تفتح العيادة اللي ياما حلمت بيها .. افتكر وجع قلبك على حُزنك من



 حلمك اللي بيضيع ومن اللي حصل لوالدتك وليك، افتكر ازاي تعبت عشان بس تدخل مخابرات ده غير سنتين التدريب اللي أخدتهم وأهو بسم الله ما شاء الله ليك سنة ونص وشايفك



 مش مقصر لا من ناحية والدتك ولا من ناحية القضية ولا من ناحية حلمك .. افتكر كُلَّ تعبك السنين اللي فاتت وخليك واثق بأنك عديت من الأصعب وهتقدر تعدي الباقي وأنت راسك مرفوعة لأنك أخدت حقك. 


ابتسم مازن بسخرية فور تذكره بالقضية واسم عدوه الذي يبحث عنه منذ مدة طويلة وإلى الآن لا يعرفه، وكيف له معرفة شخصية هو بذاته لا يعلم عنها شيئًا ولا حتى اسمها؟ قال:

- بس أنا لحد دلوقتي حتى ما عرفش اسمه إيه؟ أنا بدور على حد مجهول الهوية بالنسبة ليا .. أنت متخيل؟ 


ربت صديقه على كتفه بخفه وقال:

- بالراحة كده وهتقدر تاخد الاسم من والدتك، هيا آه خايفة عليك بس في نفس الوقت محتاجة للي ياخد لها حقها وحق سنين عمرها اللي ضاعت في المرض! ويلا أنا ماشي لأني تعبت من نظرات الخوف اللي بشوفها في الناس لما شوفني. 


ابتسم مازن إليه بخفه وذهب معه كونه يُريد الذهاب للمنزل. 


💛 اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد 💛


تجلس سجدة بشرفة غرفتها تلك التي وضعت بها مؤخرًا أرجوحة وزينتها بالورد كما النور الخافت الذي وضعته حول الشرفة بالكامل.. ولحسن حظها أن منزلهما مُنعزل عن الناس قليلًا، فلا يوجد أحد حولهما وهذا ما يجعلها تجلس بالشرفة




 دون خوف.. تحتوي هتافها بِكلتا يديها، وهي تُناظر الشاشة بعشق دفين لصورته التي تحتل الشاشة أكمل.. خرجت تنهيدة عميقـة منها وهي تتسائل بداخلها، إلى متى سيظل حُبه بداخل قلبها سجين؟ إلى متى سيظل قلبها يرقص فرحًا كُلما رأته في





 آية مكان أو استمعت إلى صوته؟ إلى أين سيقودها قلبها المُتيم بـه؟ أنتهت وصلة أسئلة قلبها إليها وهي تحتضن الهاتف مُتذكرة لقائهما الذي جاء على حين غرة، عندما كانت تجلس مع أوركيد وندى بمنزل يوسف.. جلست على الأرجوحة بمفردها


 بعدما دخلت أوركيد لزوجها لتطمئن عليها وندى ذهبت مع وعد لتُعد معها وجبة خفيفة للجميع، شردت بالبعيد وكأنها تراه أمامها بابتسامته التي تُربك قلبها، ارتجفت بحياء وهي تستمع إلى صوته من خلفها، قطع شرودها بمجيئه وكأنه يقرأ أفكارها




 ويعلم ما تتمنى.. دارت بجسدها إليه وابتسمت بتوتر. شعرت بإحمرار وجنتيها مما جعلها ترفع يدها وتتحسسهم بخجل جعله يُتمتم بابتسامة واسعة على خجلها الذي يتعجب من كثرته:

- ازيك يا سجدة. 


قالت بتوتر ملحوظ عليها:

- الحمد لله وأنت. 


ابتسم وليد بخفه وقال:

-الحمد لله يا بنت خالي.. أخبار كلية الطب معاكِ إيه؟ 


تناست توترها واعتدلت من مكانها ونظرت إليه وهو بهذا القُرب منها، فلا يفصل بينهما سوى الأرجوحة. قالت بسرعة ونبرة مُغتاظة:

- بالله عليك ما تفكرني.. ده أنا قربت أتجنن من المعيد اللي بيديني، منظره بيرعبني .. أنت تعرف إني أوقات بتجيني فكرة إني أنسحب قبل ما أبقى ضحية الكلية. أصل هي شعرة بين العقل والجنون، وأنا بصراحة حساها اتقطعت من يوم ما فكرت أدخل طب نفسي.


ضحك وليد بقوة رافعًا رأسه للأعلى ثُمَّ انخفضت تدريجيًا مع انخفاض ضحكته.. نظرت إليه وشردت بضحكته التي وقعت بغرامها للمرة المليون، وكأن الحياة تبتسم لها وتضمها بين أحضانها عندما يبتسم هو!


تحمحم وليد عندما شعر كونه أطال النظر عليها، لأول مرة يتأملها عن قُرب. جاهد في الهروب من عينيها البُنية الواسعة



 لكن محاولاته باتت بالفشل .. زفرت سجدة بتوتر محاولة منها تخفيف حدة التوتر التي تجتاحها عندما يضمهما مكان واحد، أخفضت رأسها أرضًا، بينما قال وليد بهدوء:



- مافيش حاجة كانت في أولها صعبة إلا وكانت نهايتها جبر خاطر.. وبعدين ده تحدي ما بينا، أوعي تتراجعي. 


ابتسمت بخفه لحديثه وتذكرت هذا التحدي الذي بينهما، فقد كان إحدى الأسباب في دخولها كلية الطب هو.. ودعها بابتسامة وطلب منها الاعتناء بنفسها وهو لا يعلم لماذا قال لها ذلك، أما عنها فكأنه اعترف بحُبه، ظلت تنظر إليه إلى أن



 اختفى عن ناظريها.. فما الحب إلا لـه، وما دقات القلب إلا حُبًا بعينيه، وما أحرف كلمة "أُحبك" إلا لـقلبه ودينه وروحه وذاته.. وما هي بدون حُبه قادرة على تحمل المصاعب. 


قطع شرودها والدها الذي حاوطها من الخلف طابعًا قبلة طويلة فوق رأسها مما جعلها تُغلق هاتفها سريعًا بتوتر، جلس عمرو بجانبها وبعد الحديث المتداول بينهما عن أخبارها وأخبار دِراستها، ران عليهما صمت خفيف قطعه عمرو حينما: 

- هو عارف؟ 


تعجبت من سؤاله وقالت:

- مين ده اللي عارف؟


تنهد بقـوة وقال بحزن احتل ملامحه:

- اللي قاعدة لوحدك، وسايبه اليوم العائلي اللي ما كنتيش بتقدري تفوتيه وقاعدة تتأملي في ملامحه!


أخفضت رأسها خجلًا وتمنت لو أن الأرض تنشق وتبتلعها ولا تكون بمثل هذا الموقف، أراد عمرو أن يرفع عنها الحرج فقال بابتسامة حانية بعدما ضمها إليه:

- أنتِ مالك خايفه كده ليه؟ متخافيش يا قلب أبوكي. 


أدمعت عينيها وأخذت تبكي بخفوت، شعر بها وهذا ما جعل قلبه ينفطر حُزنـًا عليها. ربت على ظهرها بحنو قائلًا:

- بتحبيه أوي كده؟  


اعتدلت في جلستها وجففت دموعها وارتسمت ابتسامة رقيقة على ثغرها، قائلة بحزن:

- ما عرفتش معنى الحُب غير لما حسيت بدقات قلبي ليه، لكن إيه فايدة الحُب وهو من طرف واحد؟ بحبه لكني من أول ما



 اعترفت لنفسي بكده وأنا خايفه، وكل ما بتعلق بيه بخاف أكتر.. وفي نفس الوقت مش قادرة أمنع نفسي من حُبه، أنا مش عارفه أصلًا إيه اللي بيحصل لي ده؟ 


أنهت حديثها تزامُنًا مع بكائها المرير الذي جعله يقترب منها وينتشلها إلى أحضانه.. أخذت تُخبره بكل ما حدث. وكل مرة كانت تراه فيها حتى تلك المرة الأخيرة التي طال حديثهما وشعرت بنظراته عليها ولأول مرة… مسد على ظهرها بخفه وقال بعد صمت طويل بينهما:


- مش عايز أشوفك بتعيطي تاني عشان حاجه زي كده، حُبك ليه غصب عنك بس تقدري تغضي بصرك عنه ومتفضليش الوقت ده كله تتأملي في ملامح راجل أجنبي عنك؟ 

الحُب اللي ما يخليناش نتقدم في تفكيرنا ودينا وحياتنا، ويغير من نفسيتنا للأحسن. اللي نتبسط ونحس بالفرحة مش سيعانا أول ما نشوفه، واللي لما تيجي تبصي عليه متخافيش من شيء.. ما يبقاش حُب يا سجدة!




أكيد مش هقول لك انسيه ومتفكريش فيه تاني وبطلي تحبيه، لكني هفكرك بقول الله عز وجل في كتابه الكريم.. كان بيقول إيه؟ 

(وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنّ)[النور:31].



الأية واضحة ولكن حرم ربنا إنك تبصي لحد غير جوزك، اتفق كتير من العلماء بأنه ما يجوزش إن الست تبص للأجانب لا بشهوة ولا بغير شهوة أصلًا.. يعني النظر لحد مش حلال ليكِ حرام.


وفي حديثين عن الرسول صلى الله عليه وسلم بيقولوا إيه؟ 

قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يخلونّ رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم.

والحديث التاني.. قال صلى الله عليه وسلم: لا يخلونّ رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان. رواه الترمذي.



يعني يا حبيبة قلب بابا الكلام اللي بيدور بينكوا وأنتو لوحدكوا ده غلط. لأن مفيش حاجة تجمع ما بينكوا، آه ابن عمتك بس اجنبي عنك.. فهماني؟


أماءت لـه عدة مرات بخفوت ليُتابع عمرو بابتسامة حانية بعدما جاءت زوجته حياة وجلست إلى جانبهما بصمت وهي تحمل بيدها صحن مليء بالفشار كما أكواب النسكافية لثلاثتهم:



- كل ده يا سجدة خطوات شيطان، وخطوات الشيطان عاملة زي السلسلة اللي بيمشي وراها مش بتنتهي، في آية في القرآن بتقول إيه؟



(فبعزتك لأغوينهم أجمعين* إلا عبادك منهم المخلصين)

وبعدين ربنا حذرنا بقوله (إن الشيطان لكم عدواً فاتخذوه عدواً) 

فيه حاجات كتير يا سجدة بتمنع وقوع العبد في المعصية، وخليني أقول لك كام حاجه كده.. 



أولهم: مراقبة الله واستحضار عظمته.. يعني إيه الكلام ده؟ يعني انا هراقب ربنا؟ هقول لك لا، أنتِ هتراقبي اعمالك وهتفضلي في كل حاجه تعمليها تقولي هل الحاجه دي ترضي ربي ولا لا. 


تبقي عارفة إنك في أي مكان ربنا شايفك، كنتِ لوحدك أو قدام الناس شايفك، كنتِ في البر أو البحر فـ هو شايفك، في آية بتقول.. 



{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}[المجادلة: 7]


وخليني كمان أقول لك إن الحاجه دي من أعلى مقامات الدين، انك في أي حاجه تعمليها تحطي عقاب ربنا قدام عيونك.. فيه حديث بيقول إيه؟ 

«أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ».متفق عليه. 


تاني حاجه بقا.. 

تجنب خطوات الشيطان ربنا بيقول في كتابة {يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوت الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر} 

زي ما قولت لك من شوية إن خطوات الشيطان عامله زي السلسلة مبتنتهيش.  


تالت حاجه..

التوبة، مفيش حد معصوم من الخطأ والذنوب.. بس التجنب والاصرار على التوبة أحسن من الاستمرار فيها أكيد، وفيه حديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم بيقول.. وقال صلى الله عليه وسلم: "كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون" رواه الترمذي.

وفي سورة آل عمران آية بتقول.. بسم الله الرحمن الرحيم {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون} 


رابع حاجه..

تفكري نفسك ديمًا بعقاب ربنا ولقائه، لأن الموت مبيستأذنش ومحدش عارف نهايته أمته؟ 


قطع حديثه حينما اقتربت حياة منهما وجلست بينهما، أعطت لكل منهم كوب النسكافية مع قُبلة حانية على وجنتي كُل منهما، نظر لها عمرو وغمز بعينيه لتتابع هي الحديث، قالت حياة بابتسامة هادئـة:

- خامس حاجه.

(الدعاء) تدعي ربك ديمًا انه يبعدك عنك المعاصي والشبهات، تبقي عارفه انه هيستجيب، طالت المدة أو قلت هيستجيب.. ربنا سبحانه وتعالى بيقول إيه؟ {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} 




وفيه دعاء جميل خالص والمفروض يبقى على لسانك على طول. وهو… (اللَّهُمَّ لَا تَعَلُّقَ قَلْبِي بِمَا لَيْسَ لِي وَاجْعَلْ لِي فِيمَا أُحِبُّ نَصِيب) 


أنهت حديثها مع قبلة طويلة طُبعت على رأسها من عمرو، احتضنته بحب وابتسامة واسعة بقربه منها.. قالت سجدة بدموع:



- ومن نعم ربنا عليا إنه رزقني بعيلة زيكوا كده.


احتضنت والديها ببكاء، شعرت حياة بدموع عمرو مما جعلها تتمتم بغيظ:

- لا بقلكوا إييـه.. الجو حلو ومش محتاج حُزن أبدًا، اشربوا النسكافية وكلوا فشار واستمتعوا بالجو بس. 


أنهت حديثها تزامنًا مع ضحكتها العالية من زوجها الذي ارتشف الكوب الخاص به دفعة واحدة وفعلت المثل سجدة.. ابتسمت براحة وأخذت ترتشف النسكافية بفرحة غريبة تحتل قلبها عندما تراهم هكذا...



ليس بالضرورة يكون رزقك بالحياة مال! أحيانـًا الرزق يتمكن في أب حنون، وأم نصوحة، وصديقة تأخذ بيدك للجنة، وابنة



 بارة.. وزوج صالح يستكمل مسيرة الأب لمدى الحياة، فيُصبح الزوج والأب والأخ، والحبيب والسند، وقربـه راحة بـال وسكينة للروح... 


💛 اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد 💛


بعد مرور ما يقارب اليومين... كان يقف في شرفته، يُناظرهم وهم يجلسون بالحديقة، ابتسم بارتياح لأبتسامتهم وضحكاتهم


 التي تصل لمسامعه لتجعله يبتسم لا إراديًا.. أخذ يبحث بعينيه على ابنه كرم، تبدلت ملامحه من الفرحة للحُزن بمجرد تذكره




 له ولحالته، ذهب سريعًا لغرفته. طرق الباب عدة مرات ليأتيه الرد بالدخول، دخل يوسف الغرفة بخطى بطيئة بينما كرم كان يقف بالشرفة بدموع متحجرة.. اقترب منه يوسف واحتضنه



 بقوة جعلت دموعه تنسال رغمًا عنه على وجنتيه، بكى حُزنًا وأخذ يوسف يربت على ظهره بحنان ليهدأ، ابتعد كرم عنه ببطء وجفف عبراته ونظر للحديقة بأسى.. تساءل يوسف بحنو:

- مش نازل تقعد معاهم ليه؟ 


ابتسم بسخرية وقال:

- وهو فيه مين محتاجني عشان اقعد؟ ده حتى مراتي ما اتكلمتش معايا وقالت لي انها هتيجي وعايزه تشوفني.. ده غير انها متغيرة معايا والمشكلة إني مش عارف السبب! 


تنهد يوسف بعمق نظر إليه ولامس وجهه بيديه، قائلًا بحنان:

- ومين بقي اللي ضحك عليك وقال لك انها مش محتاجالك؟ 


فرت دمعة حزينة من عينيه مع تنهيدة طويلة خرجت منه، قائلًا بمرارة:

- قلبي! 


نظر يوسف لأوركيد وهي تجلس إلى جانبهم لكنها بعالم آخر، شاردة بالبعيد ولا يعلم ما الذي يدور بذهنها الآن، قال بابتسامة خفيفه بعدما نظر إلى ابنه:



- كلمها، وعاتبها على بعدها منك، أصل عمر الزعل ما هيتمحي طول ما فيه صمت، الصمت بيقتل كل حاجه، بيقتل المشاعر



 والحُب اللي جوه القلب، الصمت لما بيدخل أي علاقة بيقتله، أي علاقة محتاجه للكلام، سواء الكلام ده حُب أو عتاب، والاتنين هيودوا لطريق واحد وأنكم هتفضلوا سوا وهيمنع




 الجفا، اسألها مالك؟ فيه ايه؟ أنا عملت حاجه زعلتك؟ احكيلي؟ فضفضي معايا.. أوقات الانسان بيحتاج لكلمة مالك أكتر من



 الكلام الكتير اللي بيبقى مليان نصايح ده، وصدقني بعدها هتلاقيه بيعيط ومحتاج لحُضن ينسيه وجعه وبس. 


صمت لبعض الوقت ثُمَّ تابع حديثه بهدوء ونظرة مليئة بالاعتزار لابنه:

- البلاء على قد ما إنه بلاء وبيكون صعب.. بس بيفوقنا، بيخلينا ناخد بالنا من حاجات ما كانتش في البال، بيخلينا نراجع نفسنا السنين اللي فاتت ونشوف احنا قصرنا في أي ركن



 في الحياة والدين .. على قد ما الضربة بتكون صعبة، على قد ما الدرس اللي بتطلع منه من بعدها بيكون أقوى.. بيخليك أنت من جواك أصبحت شخص تاني، شخص فهم الحياة صح، وطلع بمقدار معرفة كافية بالناس والحياة. 


تعجب كرم من حديثه الذي أخذ مسار آخر، اقترب منه يوسف سريعًا بعدما رأي التعجب بملامحه وأمسك يده وخرج من الغرفة قائلًا بحماس:

- يلا قوم خلينا ننزل ونحضر السهرة من اولها.. وما تخفش هتصرف وهعمل لقاء بينكوا كده وبالله عليك استغل الوضع واتكلم معاها..

                 الفصل العاشر من هنا

لقراءة باقي الفصول من هنا



تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-