CMP: AIE: رواية خفايا القدر الفصل الثالث والعشرون23بقلم روان عرفات
أخر الاخبار

رواية خفايا القدر الفصل الثالث والعشرون23بقلم روان عرفات


 

#خفايا_القدر 

#الحلقة_الثالثة_والعشرون..

#روان_عرفات.


نظرت لساعة الحائط بحيرة من أمرها، تعدت الساعة العاشرة بعد منتصف الليل، تود الذهاب لجدتها التي انتقلت لمنزلها مُجَدَّدًا بعد إلحاح منها ومن والدها ووالدتها .. تُريد الحديث معها كما اعتادت دومًا، شعرت بالغضب تجاه نفسها حينما تذكرت كونها مُقصرة في حقها .. نهضت من مكانها وذهبت سريعًا لغرفة أخيها مروان.


طرقت باب الغرفة بخفه ليأتيها الرد على الفور وكأنه منتظرًا إياها.. دلفت الغرفة ببطء وهي تفرك يدها معًا بتوتر، اعتدل مروان سريعًا في جلسته بعدما اغلق هاتفه بعد محادثة طويلة بينه وبين أمير بخصوص العيادة الخاصة بهما.


ناظرها بتعجب وقال:

- تعالي يا ندى .. مالك كده؟ ما تعودتش عليكِ هادية .


ضحكت بخفه واقتربت منه، جلست إلى جواره وقالت بخفوت: 

- عايزة اروح لـ تيتا رقية .


رفع إحدى حاجبيه تعجبًا من صوتها الخافت وهدوئها الغير معتاد... صرخ بوجهها بنبرة مرحة بعض الشيء:

- يابنتي مالك؟ مؤدبة كده ليه؟ 


أنهى حديثه تزامُنًا مع اقترابها منه وهي تقوم بمداعبة معدته مما جعله ينفجر بالضحك الهستيري دون توقف، صرخ بصوتٍ عالٍ من بين ضحكاته العالية:

- اطمنت عليكِ .. والله خلااص اطمنت عليكِ .. خليكِ زي ما كنتي كيوت.


ضحكت بفرحة لضحكته التي أنارت قلبها، توقف مروان عن الضحك وتساءل بهدوء:

- عايزة تروحيلها دلوقتي ليه؟ الوقت اتأخر وبيتهيألي بابا مش هيرضا.


تنهدت بعمق، شاعرة بضيق تنفس لا تعلم سببه... قالت بدموع:

- محتاجة اقعد معاها يا مروان ونرغي سوا، ده غير إني حاسه بالتقصير ناحيتها من بعد ما مشيت من عندنا .. قلت لبابا قبل ما أجيلك وقال لي خليكِ عندها اليوم ده وأنا بصراحة ما صدقت. 


حاوطها إليه بحنان ومسد على شعرها بتنهيدة قلقه لحالها وصمتها الذي لم يعتد عليه كما دموعها التي دبت القلق في جميع أوصاله، قال بعد وقت من الصمت بينهم:

- قومي اجهزي يلا عشان أوصلك . 


ابتعدت عنه دون أن تنبس ببنت شفة، ذاهبة لغرفتها تحت نظرات وليد الخائفة عليها، ماذا الذي أُصيب اخته لتصل لهذه الحالة؟ هل ضايقها أحد بالجامعة؟ أم أنه ابتعد عنها الفترة الماضية ولا يعلم عنها شيئًا لهذا تشعر بالوحدة؟ أم ماذا؟ زفر بحنق ونهض من فراشه ليستعد بالذهاب معها لبيت جدتهما بملامح عابثة لكونه شعر بالتقصير وبالبُعد عنها طيلة الفترة الماضية. 


بعد نصف ساعة.. 

صف مروان سيارته أمام منزل جدته، كادت أن تهبط من السيارة مسك معصمها وقال بخنقه: 

- مالك؟ فيه حاجة مخبياها عليا؟ حاسس إني مقصر معاكِ وعشان كده مدايق من نفسي ومدايق من حالتك دي. 


ابتسمت باتساع، ربتت على يديه وقالت بابتسامة:

- اطمن يا قلب اختك أنا بخير .. مجرد بس ضغط من الامتحانات وعايزة أفك عن نفسي شوية لكن خليك كده تبعد عني.. ماقلكش على اللي هعمله.


ضحك بقوة عليها وطبع قبلة حانية على جبهتها مُتمتمًا بأطمئنان:

- طيب يلا انزلي وخلي بالك من نفسك وسلميلي على تيتا واعتذريلها نيابة عني .. هبقى اجيلكم بكرة ونقعد شوية مع بعض .


اماءت بهدوء وترجلت من السيارة وولجت سريعًا داخل العمارة السكنية التي بداخلها شقة لجدتها التي استقبلتها بالترحاب الشديد والفرحة التي ظهرت جليًا عليها... 


💛 سبحان الله وبحمده .. سبحان الله العظيم 💛 


"عند أمير وورد" 


بعد عشرين دقيقة تقريبـًا… 

خرجت من الغرفة بتوتر بعدما أرسل لها أمير رسالة عبر تطبيق الواتس آب، يُخبرها كونه ينتظرها بالخارج وعليها الخروج .. بمجرد أن قامت بفتح الباب ظهر أمامها ببدلته السوداء وابتسامته التي تعشقها، مُمْسِكًا بيده بوكية من الورد، وَاضِعًا يده اليمنى بجيب بنطاله تلك الحركة التي تلازمه منذ الصغر!


كان ينتظرها بتأفف من تأخرها الغير مرغوب به مُطْلَقًا، فقد اشتاق لها حد الجنون، وسرعان ما تحول تأففه إلى ذهول تام قد أصابه من مظهرها .. نظر إليها وعلى الفستان الذي ترتديه بصدمه من جمالها، يقسم بكونها هي من جملته بجمالها البسيط والذي يجعله يُغْرَم بها في كل مره تقع عيناه عليها..


اقترب منها بخطوات بطيئة وعيناه لم تحيد من عليها، وقف أمامها وهو ينظر إلى عيناها الْمُزَيِّنَة بالكحل الأسود الذي أبرز جمالهما .. أخذ يذكر الله بداخله خَوْفًا عليها من عينيه قد يصيبها أذى دون قصد…


نظر إلى شعرها الذي تركته خلف ظهرها وخصلاتها تتمرد على وجهها بـدلال، رفع يديه إلى وجهها وقام بوضع خصلاتها خلف أذنها وهمس بعشق:

- وعلى الرغم من إعتيادي عليكِ وعلى ملامحك، إلا إني في كل مره ببصلك وكأنها المرة الأولى .. كل ما مالك بتحلوي عن الأول يا ورد .. أنا مش عارفه هحبك أكتر من كده إيه؟


إستنشقت زفيرًا عَمِيقًا وهي تراه أمامها وبهذا القرب الذي لم يعد قلبها يتحمله .. ابتلعت ريقها بخجل ونظرت عليه بعينان تفيض من العشق، نظر إليها أمير وقال بمرح:

- لا بقي أنا عايز حبيبتي الشعنونة اللي ما ينفعش تفضل ساكته أبدًا دي .. وبعدين ما لبستيش الخمار ليه؟


رفعت إحدى حاجبيها وقالت بتذمر:

- أولًا أنت ما جبتليش، ثانيا بقا أنا عارفه اننا لوحدنا ومستحيل تجيب حد يشاركنا يوم زي ده .. فمن غير ما اسألك فهمتك.


ابتسم بإتساع وأردف بحب:

- ياللي فاهمني أنت .. أنا فعلًا كان نفسي أجمع الكل، عشان تبقى سهرة لينا كلنا، بس أنا مش عايز غيرك النهار ده، عايز أستغل كل ثانية بالقـرب منك .. وعد مني والله ما هزعلك في يوم تاني .. أنتِ دخلتي حياتي عشان تفرحي وبس.


أمسكت وجهه بكلتا يديها وقالت وهي تنطر إلى عينيه:

- وأنا وعد مني عمري ما هخليك تبعد عني في يوم .. أنا مقدرش أستغنى عنك.


طبع قبلـة طويلة على جبهتها وقال بتنهيدة:

- مش عايز أضيع اليوم في الكلام، سيبي نفسك ليـا خاالص .. النهار ده يوم للمفاجآت وإني أسعدك وأعوضك عن أي حاجة عملتها.


ابتسمت له بخفه ومدت يدها لتأخذ منه بوكية الورد بحماس طفولي مما جعله ينفجر ضَاحِكًا عليها .. أعطاها البوكية وفاجأته هي عندما تأبطت ذراعه ورسمت على وجهها ابتسامتها المعتادة ونظرت إليه بطفوليه جعلته يبتسم بإتساع ويتوجه بها للأمام… 


أصابتها حالة من الذهول مما تراه، فقد كانا يسيران على الرمل ويوجد أصابع من الشمع زينت المكان أكمل .. أخذا يسيران لوقت لا بأس به، لا ترى شيئا سواه، من ضوء الشمع الضئيل .. توقفت عن المشي عندما وقف أمامها بوجهه خَالٍ من المشاعر مما جعلها تغضب من تصرفاته تلك وقبل أن تتفوه بكلمة واحدة أضاء المكان بالأنوار مما جعلها ترتمي بداخل أحضانه فَزِعًا، انفجر ضاحكًا أثر فعلتها تلك وقال بمرح:

- أنا اللي أعرفه إن الضلمة هيا اللي بيتخاف منها، لكن أول مرة أعرف إن أول ما النور بينور بيتخاف منه! ولا أنتِ عايزه تبقي جوه حضني ولا إيه؟


ضحكت بخجل وابتعدت عنه بتوتر .. اقترب هو منها وحاوطها بكلتا يديه وهمس بجانب أذنها: 

-قربي مني، وأنا عمري ما هسمحلك إنك تبعدي.


أنهى حديثه وسار بها للأمام مع موسيقى هادئة انبعثت من مصدر مجهول بالنسبة لها .. وصلا إلى مقعدين، والذي يوجد خلفهما جميع صورهما بجميع مراحل أعمارهم .. صرخت بفرحة وهى ترى قلبـًا كَبِيرًا من بلالين الهيليوم، وبجانبه بلالين تشبهه ولكنها أصغر حَجْمًا.. نظرت إليه بدموع متحجرة وندم سيقضي عليها مما فعلته، لكنه إنتشلها هو من تفكيرها عندما مد يده بعصاه، نظرت إليها بتعجب ولكن سرعان ما علمت ما عليها فعله عندما أخذها واقترب من القلب وطلب منها ضربه بالعصاه لكي ترى ما بداخلـه!


أخذت منه العصاه بفرحه وقامت بضرب القلب عدة مرات ولكنه كما هو، مما جعله يضحك بخفه ويأخذ منها العصا وقام بضربه مرة واحدة فقط جعلت ما بداخله ينسدل أرضًا مع صراخها الطفولي والمرح، نظرت إلى الحلوى والشوكلاه ومعلبات العصائر كما دبدوب الباندا كبير الحجم الذي تعشقه وهي ترمش عدة مرات بفرحة من الأشياء التي تحدث معها اليوم .. جلست أرضًا وأمسكت الدبدوب وقامت بإحتضانه بقوة مما جعل أمير يهتف بتذمر: 

-لا ماهو مش عشان جبتهولك فـ هتحضنيه هو وتسيبيني أنا!


نظرت له وضحكت بقوة على غيرته ومن ثُمَّ عادت مجددا للأشياء التي أمامها وهي تأكل من الشوكلاه بنهم.. أمسكها من معصمها وجعلها تقف مقابلة له، وهو يتمعن النظر بها، هتفت هي بخجل: 

-هو أنا أستاهل كل اللي بتعمله عشاني ده؟ 

أنا بحبك أوووي يا أمير.


وضع يديه على خصرها وقال: 

-تستاهلي الأكتـر من كده يا روح قلبي.. مش عايز يجي اليوم اللي نزعل من بعض فيه أكتر من خمس دقايق، عايز نتصافى في وقتها، منبعدش، ولا نهجر بعض، أكيد حياتنا مش هتخلى من المشاكل بس ناخد وعد على نفسنا الزعل ميطولش، إحنا واحد.


وضعت إحدى يديها على صدره وقالت بحب:

- واحـد يا عمري كله أنت .. متزعلش مني يا أمير .. أنـ…


جعلها تصمت تماما عندما إحتضنها بقوة وتمتم بخفوت: 

-مش عايز كلام يا ورد .. أرقصي معايا وخلينا ننسى العالم باللي فيه، مادام إحنا مع بعـض.


هتفت بخجل وهي تتذكر كلماته المدونة على الورق: 

-حبيت كلماتك فوق ما تتخيل، أنا ربنا رزقني بنعمة عمري ما هفرط فيها .. يا رب أكون بسعدك زي ما أنت مفرحني كده.


طبع قبلة على رأسها وتنهد بخفه وأردف بعشق:

- أنتِ دوا القلب عند المرض، وشفا للجرح عند الفراق، أنتِ حاجة كبيرة فقلبي لا هقدر اقولهالك ولا حتى أكتبها.. اللي جوايا ليكِ هو أكبر من أي كلام يتقال. 


      💛 استغفر الله العظيم وأتوب إليه 💛


اماءت بهدوء وترجلت من السيارة وولجت سريعًا داخل العمارة السكنية التي بداخلها شقة لجدتها التي استقبلتها بالترحاب الشديد والفرحة التي ظهرت جليًا عليها... 


دخلت للشقة بصحبة جدتها التي لم تتركها أبدًا وظلت تحاوطها وكأنها لم ترها منذ فترة طويلة، أغمضت ندى عينيها بدموع وهي ترى جدتها بهذه الحالة والوحدة التي تمكنت منها وهذا الذي ظهر في استقبالها لها، ابتعدت عنها وطبعت قُبلة طويلة على يدها مربتة عليها بحنانٍ قائلة بخجل:

- سامحيني يا تيتا .. والله بُعدي عنك غصب عني بس وعد مني والله ما هيحصل. 


ابتسامة نقية ارتسمت على شفتيها وقالت:

- مش هزعل منك غير بشرط .. ماتبطليش تجيلي، حتى لو كنتي مشغولة، تعالي وننشغل سوا وادوشيني يا ستي بمشاغلك.


رمت نفسها بأحضانها ثُمَّ ابتعدت عنها وطبعت الكثير من القبلات مما جعل رقية تنفجر ضاحكة على هذه الطفلة التي لم تكبر بعد.. بينما قالت الأُخرى بنبرة مرحة:

- والله أنتِ تيتا قمر أوي .


ضحكت رقية بخجل وأردفت بهدوء بعدما نهضت من مقعدها:

- وأنتِ قلب تيتا من جوه .. قومي بقا نحضر لنا لقمة ناكلها وبعدها شاي ونجيب فيلم عشان أنا مش هسيبك ترجعي تاني البيت. 


قالت بضحكة: 

- ومين قال لك إني راجعة؟ انا قاعدة على قلبك ومربعة يا رقاريقوو .


تنهدت بيأس منها ومن أحاديثها الغريبة ومصطلاحاتها وتغييرها للأسماء، ذهبت للمطبخ وتتبعتها ندى بفرحة غريبة احتلتها بمجرد دخولها المنزل واحتضانها لجدتها .. بداخل حضنها راحة لم ترها بالعالم أكمل. 


اخذت رقية بتحضير وجبة خفيفه لهما بينما أعدت ندى الشاي بشرود كعادتها منذ آخر حديث دار بينها وبين مالك أو لكونها لم تره منذ آخر مرة، بداخلها شعور غريب تجاهه.. قاطعها من شرودها رقية وهي تتساءل بهدوء: 

- مالك؟ سرحانة وهادية في نفسك كده ليه؟ مين شاغل بالك بالشكل ده يا قلب تيتا؟ 


لم تتعجب كونها علمت بحالها فهي اعتادت عليها وعلى احتوائها وفهمها لها دونًا عن الجميع أو أكثرهم فهمًا لها .. تنهدت بقوة وجلست إلى مقعد بالمطبخ مع سردها للأحداث بدون وعي منها بماذا تتحدث أو مع من أو لماذا الموضوع احتل تفكيرها لهذا الحد:

- من اربع شهور أو تلاتة تقريبًا.. شفته صدفة حصل تصادم بينا وأنا داخلة الجامعة، لأول مرة اسرح بملامح حد حد، لأول مرة الاقيني ببص على حد بالشكل ده .. اعتذر لي ولقيت صوته بيخترق جدران قلبي وبيتربع جواه.. مشيت ومشى والأيام عدت وعادي خالص لكنه كان شاغل بالي من مجرد لقاء عادي .. لحد ما حصل اللي عمله محمد والصور اللي صورهالي أنا وهو .. قلقه الزايد ونظراته اللي كانت مليانة خوف عمرهم ما راحوا عن بالي لحظة، مش عارفة دي الحقيقة ولا هو فعلًا كان قلقان عليا ولا ايه.. بس حسيت بكده والله.


هو معيد في الجامعة وده اللي بيخليني اشوفه كتير، مش حابه نفسي انا وكده، مش حابه الحالة اللي بكون فيها لما يكون قدامي .. أول ما بشوفه بحس الدنيا كلها بتضحك لي، بلاقيني ابتسمت من ورا النقاب لا إراديًا واللي هو اليوم بيحلى بشوفته .. بحس بالكسوف وكأن الناس كلها سامعة دقات قلبي العالية أول ما بيحس بيه في المكان.


آخر مرة شفته كان في امتحان الفاينال، كان بيراقب علينا وكان مركز معايا أوي ودي حاجة كانت موتراني .. كان بيلاحظ كل تحركاتي واللي بعمله لدرجة إني قرب مني وسألني هل أنا خلصت ولا لسه؟ وقتها حسيت إن فيه حاجة غلط.. نبرة صوته ما كنتش عادية، او معيد بيسأل الطالبة بتاعته أو ممكن أنا اللي عايزه احس بكده .. كان بيقول لي سيبي ورقتك مدام خلصتي لقيتني بقول له إني بحب أخد الوقت كله لأن ده حقي .. أول ما سمعني بقول كده ضحك، لقيتني مش عارفة أعمل إيه وهو بيضحك بالشكل ده لدرجة إني كنت عايزة أعيط من نفسي وتفكيرها وشيطاني .. مش عارفة إيه اللي جد عليا بس ممكن عشان مش بشوفه، ليا فترة ما شفتهوش، اللي هو حاسه بالنقص كده والدنيا بهتانة في عيني.


أخذت شهيقًا عميقًا اخرجته دفعة واحدة وتابعت بدموع:

- أنا تعبت من نفسي لكوني بنصح بغض البصر وبلاش ننجرف للطريق ده وأنا بمشي فيه اهو .. الاحساس اللي حساه مخليني كارهه نفسي فوق ماتتخيلي والله.  


انهت حديثها ببكاء جعل رقية تقترب منها وتضمها إليها بحنان.. هدأت ندى قليلًا وابتعدت عنها رقية وقالت بهدوء: 

- هسألك كام سؤال يا ندى وعايزاكِ تفكري فيهم كويس. 


صمتت لبعض الوقت ثُمَّ تابعت حديثها بتنهيدة:

- الشخص ده يستحق تفكيرك؟ يستحق تخلي قلبك البرئ يتعلق بيه؟ يستحق عياطك وتوهانك ده؟ يستحق الوقت اللي بتضيعيه في التفكير فيه؟ 

طبعًا لا... طيب امته بقا يستحق؟ لما يخبط الباب ويطلب ايدك وتكوني حلال ليه .. هنا بقا يستحق ليه كل الحاجات دي، غير كده ما ينفعش .. ما تخليش حد ياخد مكان شخص تاني جواكِ.. عشان ما تحسيش بالندم لما ربنا يرزقك بنصيبك .. خلي كل حاجة جواكِ بريئة ما تعرفش وما بتفكرش غير فاللي هيكون حلال ليها وبس.. خلي كل حاجة جواكِ تحب اللي يستحقها. 


اللي أنتِ فيه مجرد اعجاب.. شفتيه كذا مرة، عجبك خوفه عليكِ لما محمد عمل الشوشرة دي، أُعجبتي بنظراته اللي ممكن تكون اقل من العادية بس أنتِ فتنتي فيها وده غلط يا قلب تيتا ولازم تبعدي وتدفعي الفتنة دي لبعيد عشان ما تنجرفيش وراها من غير ما تحسي .. فأنتِ أُعجبتي بالمواقف لكن هو مش حُب أبدًا .. طيب تعملي إيه عشان تبطلي تفكير .. دي بقا هتبقى محاربة مع النفس لأنها العدو الأكبر للبي آدم ..



 هتحاربي نفسك اللي بتخليكِ تفكري في المواقف اللي حصلت، هتدعي كتير، وهتصلي، هتدعي بأن ربنا يبعدك عن الفتن .. مافيش بني آدم معصوم من الفتنة! كلنا بنتفتن ومن أقل شيء بس لازم ندفع الفتنة دي وما نمشيش وراها لأن نهايتها مش بيبقى حلو مهما حصل. 


الشيطان يا ندى مش بيبدأ وسوسته بحاجة قوية صعب عقلك يتخيل إنك تعمليها لا ده هو بيبدأ بخطوة خطوة لحد ما يوصلك برجلك لحد نهاية المعصية وأنتِ مغيبة أو مش شايفة اللي بتعمليه غلط وما ينفعش تجيبي الغلط على حد غيرك.


فيه آية بتقول {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} 

الشيطان قال للانسان اكفر، اغواه وخلاه يكفر ولما مشى وراه وكفر قال له أنا بريء.. أنا بخاف ربنا .. بيكون سبب في الكفر ولما الانسان بيمشي وراه بيقول له أنت اللي مشيت .. بيتبرا منه وبيجيب الغلط عنده. 


صمتت لفتره وهي تُناظر ندى الهادئة امامها .. ابتسمت بخفه واقتربت منها طابعة قبلة طويلة على وجنتيها وهي تتابع حديثها بنبرة حانية: 

- ما تشغليش بالك بأي حاجة عشان ما تخليش نفسك تتعلق بشيء ما تعرفيش نهايته إيه، ابعدي عن الفتنة من بدايتها عشان ما تجيش النهاية وتلاقي نفسك في حفرة صعب الخروج منها.  


💛 اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد 💛


مرت الأيام تباعًا، لا يوجد جديد يُذكر سوى تخطيطات سراج وصديقه للفخ الذي سينصبوه لكريم واتباعه كما أمير ووليد الذي يقومان بتجهيز ما يحتاجانه في عيادتهما .. وكلٌ منهم مشغول بما تحمله حياته من مشاغل، لا أحد يرى احد ولا يوجد من يشعر بالمشاعر التي بالقلب سوى حامل القلب نفسه! 


كانت جالسة بحديقة المنزل.. تحديدًا بمكانها الخاص المنزوي عن أعين الناس قليلًا، تفترش ملائة صفراء تحتوي فوقها على العديد من معلبات العصائر الفارغة والاقلام المتناثرة بشكل

.

 عشوائي على الملائة .. تجلس هي بالمنتصف مرتدية تي شيرت بنصف كم من اللون الأبيض ويتخلله زهور عباد الشمس بطريقة مبهجة للغاية وبنطلون جينز أسود كما الحذاء الأبيض الرياضي الذي أيضًا يتخلله زهور عباد الشمس .. تجسو على



. قدميها وأمامها لوحة كبيرة، مُمسكة بيدها  بالفرشاة ..  وتقوم بالنظر أمامها لثواني ثُمَّ تعود مُجَدَّدًا للوحة بتعب ظاهر عليها من هذا المشهد الخيالي التي تقوم برسمه منذ عدة اسابيع لكونها انشغلت عن الرسم من أشياء استجدت بحياتها اضافة لنفسيتها التي تنحدر يومًا عن يوم. 


تنهدت وتركت ما بيدها وناظرت اللوحة بابتسامة تتسع تدريجيًا وهي تُناظر تفاصيلها التي رُسمت بكل ما يحمله قلبها من حُب لهذه الهواية التي اكتسبتها من والديها .. أمسكت علبة كانز وقامت بارتشاف القليل منها ثُمَّ وضعتها جانبًا، استعدت للرسم مُجَدَّدًا لكن وقعت عينيها على ذاك الجالس بشرفة




 غرفته بشرود تام، لا تعلم سببًا لتلك الملامح العابثة والحزينة طالما هو بذاته ذهب لهذا الطريق .. تشعر أحيانًا بالحيرة من أمره، تراه حزينًا لِبُعدهما لكن ما بداخل الفيديو لم يذهب عن بالها قط.. بل وكأنه سكين حاد، انغرزت بقلبها منذ تلك اللحظة. 


فرت دمعة حارقة من جفنيها رغمًا عنها لِما آلت إليه الأمور بينها وبين حبيبها، جففتها سريعًا وناظرته وكأنها تُريد معرفة ما يدور بمخيلته، تتساءل.. هل يحتاجها؟ هل يشعر بالنقص في حياته وفي يومه لكونها لم تعد تُشاركه تفاصيله؟ أما زال يُحبها كالسابق؟ أم الهجر وعدم التواصل بنى حاجز يصعب على الشوق تسلقه لكي يصل لقلبيهما؟ لكنها تشتاق إليه بشكل لا تدري كيفية وصفه.. تشتاق لدرجة تُريد الذهاب إليها واحتضانه وترك ما يُحزنها منه جانبًا. 


تشعر بالتيه، تحيى حياة عالقة.. كونها تزوجت من الذي تمنته من ربها ليالٍ طويلة وبين كونها لم تعد كذلك، أمام الناس متزوجة لكن بداخلها هي أبعد ما يكون عن الزواج أو الترابط الذي يحدث بين الزوجين ما أن يُكتب الكتاب .. بُنيت أسوار بينهما من الصعب تخطيها، فكيف لها الغفران وقلبها مليءٌ بالندبات التي تتعمق بالقلب كلما زادت مدة صمته وعدم الحديث معها؟ 


أخرجها من وصلة تفكيرها وحزنها الذي لا تعلم متى يحين موعد الفراق بينهما، صوت والدتها روز التي قالت بابتسامة محببه لقلبها:

- أول ما دخلت اوضتك ولقيتك مش موجودة عرفت حالًا إنك موجودة هنا .. وحشتيني. 


أخذت شهيقًا عميقًا اخرجته دفعه واحدة وهي تدير بجسدها وتنظر لوالدتها بنظرات احتياجية فهمتها روز من الوهلة الأولى.. لطالما كانت روز أقربهم فهمًا لها ولكن ما حدث معها جعلها تبتعد عن الجميع حتى نفسها..  


قالت بعدما اقتربت منها وطبعت قبلة طويلة على يدها:

- ست الكل اللي بعيدة عني وبطلت تهتم بيا وبتهتم بآدم باشا بس .. عمومًا الاهتمام ما بيطلبش .


صمتت لبعض الوقت وهي ترى ملامح روز المندهشة من حديثها لتُتابع بنبرة جادة تحولت لمرحة في أقل من ثواني:

عمومًا الاهتمام ما بيطلبش .. بس أنا هطلبه عادي! نهياهياهيااايي .


ناظرتها روز بصدمة لم تدم كثيرًا وانفجرت بالضحك وشاركتها أوركيد الضحك بمرح لكونها نجحت برسم الضحكة على وجهها.. جلست روز ومقابلة لها أوركيد التي تساءلت:

- بس إيه القمر اللي أنتِ فيه ده يا رزروز؟ 


ابتسمت بخجل وقالت بحب:

- ده جمال عيونك يا روح قلب رزروز. 


ران عليهما صمت طويل قطعته روز بسؤالها:

- فيكِ إيه؟ 


كانت تلعب بالحشائش بحزن بادِ على وجهها، رفعت رأسها وعلامات التعجب تحتلها لتتابع حديثها الأخرى بهدوء: 

- بتحاولي تداري حُزنك اللي باين عليكِ بشوية ضحك وكلام من بتوعك.. ماتعرفيش إني فهماكِ وفاهمة إن اللي بتعمليه ما هو إلا لأنك مش عايزة تظهري اللي أنتِ عايشاه .. ما تعرفيش إنك حتة مني واللي فيكِ فيا بس حبيت أسيبك براحتك .. بس حقيقي ما قدرتش وأنا بشوفك بالشكل ده، كل ما مالك مابتتعبي وبتتغيري .. فيكِ إيه يا قلب امك بس.


لم تتعجب ولم تناظرها بنظرات مصدومة من فهما لها لأنها تعلم انها تفهمها أكثر من نفسها بل بكت بقوة جعلت والدتها تقترب منها وتنتشلها لأحضانها وهي تمسد على ظهرها بحنان مع ترديدها لآيات الله بخفوت لكي تهدأ.


ابتعدت عنها قليلًا وقالت بخفوت بعدما اخفضت رأسها: 

- بصراحة فيه.


اعتدلت روز في جلستها وفضلت الصمت لحين انتهائها من الحديث ولكن أجفلهما آدم الذي قال بصوت عالي لكي يستمعان إليه:

- تعالوا يلا لأني كسلان اجيلكوا .. عازمكـووا على الغدا ييلااا. 


ابتسمت له روز بخفه ونهضت من مكانها كما أوركيد أيضًا.. لتقل روز بخفوت:

- هنكمل كلامنا بعدين .. بس خليكِ بخير لأن مافيش حاجة تستاهل إنك تغيري من مودك عشانها.


 💛سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم 💛


- القضية زي ما تهمك فـ هيا تهمني وبزيادة كمان .. أنا بحسك اخويا وابني فمتخلنيش أحس إنك بتعتبرني غير كده. 


قالها صديق سراج ببعض من الضيق منه لكون سراج يُطالبه بالابتعاد عن هذه القضية لكيلا يُصيبه مكروه هو أو عائلته. 


تنهد سراج بقلة حيلة وأردف بابتسامة:

- خلاص بقا ما تزعلش .. أنا خايف عليك ومش عايز أكون سبب في اي حاجة وحشه تحصل لك .


قال الآخر:

- يا حبيبي احنا في مهنة ما ينفعش نفكر في الحاجات دي .. دي قضية مسكينها أنا وأنت زي غيرها وباذن الله هننجح فيها طول ما احنا سوا .. فـ سيبك من كل ده وخلينا نركز فاللي هنعمله .


كان يتسند برأسه على الكرسي وامامه ناصر مُمسكًا بأحد الملفات ويقرأ ما به بملامح جادة للغاية .. استنشق شهيقًا قوية أخرجة بقوة مع قوله بعدما اعتدل في جلسته:

- الضربة بالنسبة ليه هتكون بكرة .. يعتبر من أكبر العمليات اللي عملها هتكون بكرة قبل الفجر او بعده واحنا لازم نكون مستعدين في الوقتين .. اتكلمت مع اللواء والفريق هيكون مستعد بدري عن الوقت ده .. باذن الله هتكون نهايته بكرة ده غير إنه معاهم يعني مش هيعرف حتى يهرب او يسبت عكس اللي هو فيه.


أنهى آخر جملته بـ غِلّ ظهر جليًا في ملامحه، بينما ترك ناصر ما بيده وناظره وهو يحك ذقنه بتفكير استغرق بعض الوقت ليقل بحديثٍ انتهى بسخرية:..



- شحنة مخدرات من العيار التقيل ومتنساش إنك قلت لي انها معاها سلاح .. يعني عمليتين في وقت واحد .. دا ما بيخفش بقا ! 


سراج بهدوء:

- مسيرهُ يخاف .. ومسير اللي مسنود عليه يتاخد منه عشان وقتها هتلاقي خوف الدنيا كلها بقى جواه لأنه جبان . 


صمت ران عليهما لم يعلم مدته سراج لكون عقله كان منشغلًا بها وبتفاصيل اللقاء، اخرجه من تفكيره صديقه وهو يتساءل بنيرة يعلم نيتها جيدًا:




- ألا قول لي يا سراج .. انت ليك كام يوم كده مش عاجبني .. اللي هو السرحان واخد جزء من يومك كده وبزيادة يعني، ابتسامات وحركات أنا مش متعود عليها وبصراحة مستغربها .. ما تكونش بتحب وأنا ما عرفش؟ 


أنهى حديثه بغمزة من عينيه بمكر جعلت ابتسامة كبيرة تحتل ذاك الجالس على مكتبه بشرود، لطالما كان ناصر الصديق الاقرب إليه من بعد والدته، يعلم ما يكنه القلب وما تحمله.



 الأعين من دموع حبيسة بين جفنيه، لطالما يشعق ذاك الاستثناء الذي يتضح أمام عينيه شيئًا فشيئًا من تعاملات ناصر لأي شخص بالجهاز وبه، وكأنه في خانة غير الآخرين .. 


.لا يتذكر كونه رأه بيوم من الأيام يتحدث مع أحد غيره، شخصية غامضة مع الجميع عداه، يعشق صداقتهما وحبهما الصادق النقي.. أقل ما يُقال عنه أنه أخًا لم تلدهُ امه. 


أخذ يمسك ملف ويتركه ويمسك الآخر ويضعه جانبًا بأنشغال مصطنع جعل ناصر يبتسم بخبث لتفكيره الصحيح بحالته الغريبة في هذه الأيام .. خرجت كلماته أخيرًا وهو يعبث بهاتفه دون النظر للجالس أمامه هروبًا من نظراته:



- عادي على فكرة يعني .. مش شرط عشان بسرح اكون بحب! 


وضع قدم فوق الأُخرى وهو يدندن بفرحة غريبة احتلته: 

- طب يا دبلة الخطـووبة عقالنا كلنا بقا وكده يعني. 


ضحك سراج بخفه ليقفز ناصر بمرح فوق المكتب وهو يقترب منه ولا يفصل بينهما سوى مسافة صغيرة.. متحدثًا بنبرة عالية وسريعة بذات الوقت: 

- مين؟ مين هيا يا سروجي؟ وقابلتها فين؟ وقلت لها إيه؟ طيب هيا قالت لك إيه؟ لا لا بص كده.. حسيت بأيه وقتها .. احساس الحُب من اول نظرة احكيهولي، طيب اعترفت لها بالحب ده ولا لسه؟ الفرح امته بقا عشان البس البدلة اللي جايبها لفرحك من زمن .. سراج رد .. سرااااج رد عليياااه. 


انفجر بالضحك من منظره وحديثه السريع وملامح وجهه الطفولية، قال من بين ضحكاته:

- انت تعرف كمية التهزيق اللي هتلاقيها لما حد يدخل علينا ويشوفك بالمنظر ده .. ابعد عني يا ناصر وخلينا نركز في شغلنا الله يبارك فيك .


قفز مُجَدَّدًا وهو ينفض ملابسه بخفه مبتعدًا عن المكتب، متوجهًا للباب وهو يقول: 

- طيب أنا ماشي .. ولما تحب تتكلم هتلاقيني مستنيك على باب البيت.. أنت كنت مفكر إني هقول لك مش هتلاقيني؟ يا عم ده أنا فضولي هيموتني لحد ما تحن وتتكلم معايا. 


خرج من الغرفة لينفجر سراج بالضحك بقوة.. متنهدًا براحة احتلته بمجرد التفكير بها فقط! 


    💛استغفر الله العظيم وأتوب إليه 💛 


خرجت من المنزل بملامح خالية من آية مشاعر، تنهدت بتعب وهي تتذكر مكالمة مي صديقة والدتها تدعوها لارتشاف كوب قهوة في أحد المطاعم والجلوس سويًا... لحظة! هل قالت.......




 والدتها؟ هل تعتبرها هكذا لدرجة كونها أيقنت أنها والدتها؟ هي لا تعلم من الاساس ما شعورها تجاهها.. ما تعلمه كونها تود احتضانها ورؤيتها ولو للحظة، تود اخبارها كونها إلى جانبها، تتوق لحديثٍ طويل معها عما يعتليه قلبها، لا تعلم لماذا تشعر




 بما عانته بهذه الطريقة! لا تعلم لِما كُلّما تذكرت ما حدث معها تود الانتقام مما كان سببًا في جميع أوجاعها شر انتقام .. في النهاية هي والدتها، وُلِدت من رحمها وتطبعت من ملامحها وهذا ما عرفته عندما رأت صورتها. 


أخرجها من دوامة الافكار رنين هاتفها مُعلنًا عن اتصال، أخرجته من حقيبتها وضغطت على زر الاجابة ما إن وقعت عينيها على اسم المتصل.. أتاها صوتها الحاني بعدما ألقت السلام عليها:

- طمنيني عنك .. حاسة إني قلقانة عليكِ وعايزة اشوفك. 


ابتسمت ورد بألم وطال صمتها وهي تسير بالشوارع بعدما قررت الذهاب لمي سيرًا على الاقدام .. قالت 

- وأنا نفسي اشوفك يا سجدة واتكلم معاكِ .. أنا حاليًا رايحة اقابل صديقة.


صمتت لبعض الوقت وهي لا تعلم بماذا تُلقبُها، تنفست الصعداء وهي تقول بخفوت:

- صديقة والدتي سوسن .. مش عارفة عايزة مني إيه بس اديني رايحة .. هشوفها محتاجة إيه وهجيلك.


اماءت الأُخرى بهدوء وكأنها تراها، أغلقت الهاتف وهي تدلف للمطعم باحثة عنها بتوتر اجتاحها فجأة.


تقدمت من الطاولة بابتسامة خفيفه بعدما لوحت لها مي بمرح بات واضحًا على ملامحها.. جلست مقابلًا لها تزامُنًا مع استماعها لصوته من خلفها بنبرته الرجولية الجذابة:

- أخيرًا الواحد هيشرب قهوة بعيد عـ...


ابتلع باقي كلماته حينما وقعت عينيه عليها بفستانها الأبيض الذي يتوسطه حزام من اللون البني وخمار من نفس لون الفستان .. إنها ملاك على هيئة انسان، برائتها الظاهرة على



 ملامحها حد الهلاك جعلته مغيبًا عن الدنيا .. وكأنها عشيقته، هي بالفعل عشيقته وحبيبته الأولى الذي كان يتوق لضمها بين ذراعيه والحديث معها.


لا يستطيع تصديق كونها أمامه الآن وبجانبه كما تمنى طيلة حياته.. توترت ملامحه وهي تُناظره بنفس نظراته لها، بنفس


 النظرات المتوترة والخائفة، لا يلعم ما الذي عليه فعله في هذه اللحظة بالتحديد .. لحظة تمناها كثيرًا وها هي تحققت لكنه متردد لفعل أي ردة فعل، يُريد انتشالها لأحضانه لكي يعوض قلبه من حرمانها.


بينما تلك الجالسة التي تخشبت محلها عندما دارت بجسدها ما إن تحدث، وكأن قلبها علم بقربه.. سرعان ما عادت لوضعيتها وهي ترفع يدها لقلبها الذي تواثبت دقاته بشكل جعلها تشعر



 بالتعب، لم تكن تدري صعوبة اللقاء بينهما، لم تكن تدري كون كُلّ شيء بها متعلق به رغم بُعدهما عن بعض، لم تكن تدري كونها تحتاجه رغم كونها علِمت بوجوده منذ أيام. 


أخرجتهما مي من تفكيرهما وصدمتهما برؤيتهم لبعض بقولها بنبرة هادئة ومترجية في آن واحد:

- ينفع تتكلموا سوا؟ ينفع تنسوا الماضي وتعوضوا بعض عن حرمانكوا من بعض؟ ينفع تخليكوا سوا وكل واحد يمسك في



 التاني ويبقى عكازه؟ انا هسيبكوا وهستنى رسالة من حد فيكوا بفيديو ليكوا أنتو والاتنين وصور كتير تتصوروها سوا .. عايزة اطلع من هنا وأنا مطمنة عليكوا .. عايزة احقق وصية والدتكم ليا. 


أنهت حديثها وخرجت من المكان أكمل فحالتهما لا تسمح أبدًا لأي حديث، لذا قررت تركهما بفردهما لكي يتحدثا بأريحية .. عازمة ذهابها لشخص تخشى مقابلته لكنها في سبيل راحة ابناء صديقتها بإمكانها فعل أي شيء...


  💛لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم 💛


دخلت للمكتب الخاص بجاسر بخطوات مترددة بعدما سمح لها السكرتير بالدخول، رفع عينيه جاسر عليها ليتفاجئ بوجودها امامه ببدلة نسائية بيضاء وحذاء ذو كعب عالي بنفس اللون.



 أيضًا.. تاركة العنان لخصلات شعرها تنسدل على كتفيها بعفوية، نهض من مكانه وجلس إلى المقعد المنزوي بالغرفة بعدما رحب بها بتعجب ظهر جليًا عليه.


جلست مي وجلس جاسر تجاهها، قالت بتماسك وكأنها عندما رأته تذكرت ما عانته صديقتها في سبيل سعادته وراحته هو:

- اخبارك يا جاسر؟  


تنهد بتعب وهو يُناظرها، تذكرها وتذكر كل ذكرياتهما .. مشاغبتها، ضحكتها التي تزيل عنه مشقات الدنيا، مقالبها التي كانت لا تتوقف عن افتعالها .. حبهما ومعافرتهما في تكوين



 اسرتهما التي لم تدم واصعبها صدمة على قلبه حينما علم كونها ابتعدت عنه رغمًا عنها وأنها كانت تُحبه، ضحت بحياتها لأجله! وكأن مي جعلته يسترجع بذاكرته لسنينٍ مضت كان لا يظن يومًا بأنه يتذكرها.. لكنه حدث! 


قال بهدوء:

- الحمد لله يا مي .. في زحام من نعم. 


اماءت مي بخفه واخرجت هاتفها من حقيبتها الصغيرة وهي توجهه له مع قولها:

- الاتنين كانوا تايهيين وعرفوا طريقهم لما اتلاقوا .. خليك مع الاتنين وقويهم، هما في فترة محتاجينك فيها عشان تعوضهم وتعوض نفسك من حرمان ابنك .. انسى اللي فات وخليك في دلوقتي. 


امسك الهاتف بأيدي ترتعش ودموع تتساقط على وجنتيه رغمًا مما رأته عيناه .. كانت صورة لورد وسراج في المطعم، كان سراج مُمسكًا بيد ورد بقوة وحنان.. منظرهما سويًا جعله يبكي بألم يغزو قلبه.


كانت مي تنظر إليه بدموع فهذه الصورة التي التقطتها بعدما خرجت من المطعم لكنها بقيت تناظرهما من بعيد، أخذت الهاتف منه وهو على حالته لتنهي مي اللقاء بقولها:

- ابنك بينتقم من اللي كان سبب في اللي عمله فيكوا وحرمانكوا من بعض .. حاولت أنا ووالدته الله يرحمها قبل وفاتها نمنعه بس هو رفض، فـ خليك جنبه .. اسنده وخليه قوي بوجودك، اكتر حد محتاجك هو.. فـ ما تسيبش ايده.


خرجت من الغرفة تاركة خلفها جاسر الذي اقرورقت عيناه بالدموع بقلة حيلة أو بالأصح لا يعلم كيفية التفكير لكون عقلة شلّ عن التفكير! 


       💛 استغفر الله العظيم وأتوب إليه 💛 


- طيب وبعدين؟ يا بنتي محسساني إني جوزك من الكسوف اللي أنتِ فيه. 


قالها سراج ببعض المرح لكي يزيل عن ورد توترها وخجلها منه، أردفت وهي تفرك يديها معًا بتوتر ملحوظ:

- بص يا سراج إنا مانكرش إني محتجالك وأول ما سمعت إن ليا توأم حسيت بالامان بجد وكأن كان فيه حاجة نقصاني وأخيرًا لقيتها .. أنت توأمي واخويا بس أنا مش متعودة اتكلم مع حد ماعرفهوش..


قطعت حديثها وهي تُناظره بتوتر لكلمتها الأخيرة، صححت حديثها بسرعة:

- قصدي يعني اللي هو لسه ماتعودتش عليك .. فاستحملني.  


خرجت منه تنهيدة طويلة مع قوله بهيام وهو يرمقها بنظرة غريبة مع غمزة عينيه التي جعلتها تبتسم رغمًا عنها:

- أحلى سراج سمعتها في حياتي يا ناس. 


أخفضت رأسها خجلًا مما جعله يضحك بقوة عليها .. اخذ نفسًا عميقًا أخرجه ببطء وقال بهدوء:

- أنا ما قولتش خدي عليا من دلوقتي .. مقدر صدمتك بوجودي وإن فجأة تكتشفي وجود اشخاص في حياتك ماكنتيش تتخيلي بوجودهم أصلًا .. أنا بس عايز نبقى سوا، نتكلم مع بعض ونتقابل ونفضل سوا زي أي اتنين اخوات .. عايز نشيل أي كسوف جوانا ونعوض بعض من سنين عمرنا اللي ضاعت في البُعد .. أنا كل ما افتكرك لحظات احتياجي ليكِ بعوز أخبيكِ جوه حضني وماطلعكيش منه مهما حصل .. أنا محتاجك وما صدقت لقيتك واتقابلنا فـ متبعديش مهما كان السبب. 


أمسك يدها وطبع قبلة حانية جعلتها تغمض عينيها بقوة وهي تشعر بإحساس جديد يتسلل داخل قلبها بوجود نصف آخر لها.. بنفس الملامح وتقريبًا الطباع! 


قال سراج بدموع:

- مش مصدق إنك قدام عيوني.. حلم يا ما اتمنيته أنا وماما اللي ماكنتش تبطل وصاية عليكِ وإني أول ما اشوفك لازم اخد بالي منك وأكون السند ليكِ .. مش مصدق إن خلاص الكابوس قرب ينتهي وهعيش معاكِ وهنسى كل وجعي معاكِ، مش مصدق إنك هنا يا ورد والله. 


أنهى حديثه بدموعه التي انسالت رغمًا عنه، اقتربت منه ورد وقامت بتجفيفهما بأناملها ببراءة، طابعة قبلة خفيفه بين عينيه جعلت سراج يبتسم وهو يغمض عينيه بارتياح. 


تساءل بضجر وغيرة بدت واضحة على نبرة صوته لكي يقوم بتغيير مجرى الحديث بعدما رأها تبكي وهذا شيء صعب عليه تحمله:

- قولتيلي جوزك اسمه إيه؟ حقيقي بحسده على كمية الدلع اللي بياخدها منك! 


ابتسمت ورد باتساع وهي تجيبه بخجل:

- أمير. 


ربت على يدها بخفه وقال بتنهيدة:

- توعديني إنك لو احتاجتي لحاجة تكلميني؟ وتوعديني كمان إنك تفضلي معايا ونساعد بعض اننا نتخطى أي حواجز بينا. 


اماءت عدة مرات ليتابع:

- طيب بما اننا توأم بقا وكده.


قالها بمرح مما جعلها تبتسم باتساع لمزاحه الدائم في الحديث لكي يسعدها فقط .. تابع حديثه بهدوء:

- بكرة هطلع مهمة ودي من اهم المهمات اللي مسكتها .. هجيب حقنا يا ورد وحق ووالدتنا اللي ضحت بحياتها عشان نعيش.. عايزك تبقي مطمنة طول ما أنا معاكِ، وسامحيني لأني اتأخرت في شوفتك .. كنت خايف من لقانا رغم إني كنت بتقطع من جوايا والله.


شعرت بانقباض قلبها من حديثه.. علمت صدفة بعمله بالمخابرات لكنها لم تكن تعلم مدى خوفها عليه حينما تسمع هذا الحديث منه هو، وبعدما تحدثا ورأته عن قرب أصبح خوفها مضاعف لكونها لا تُريد خسارته. 


لا تعلم كيف جاءت بهذه الجرأة وهي تقترب منه وتنتشله لأحضانها بضمة قوية جعلت قلبيهما يتحدثان بحديثٍ خفي برباط يجمعهما لكونهما من دمٍ ورحمٍ واحد، لكونهما بذات الطباع .. لكونها النصف الآخر له.


كانت مشاعرهما متخبطة في تلك اللحظة بين السعادة بهذا القرب وبين الصدمة لوجودهما بذات المكان.. كانت فرحة سراج تعدت جميع مراحل السعادة لكونه منذ الصغر وهو يتوق لتلك اللحظة.. شدت من احتضانه وضمها إليه تاركًا العنان لعينيه تبكي دون توقف، تبكي لكونها أخيرًا رأت من كانت دومًا تراه بأحلامها وبالصور عبر الهواتف فقط .. اخذ يحمد ربه مرارًا وتكرارًا على هذا الشعور الذي يشار به الآن، شعور الفرحة والامان بوجودها فقط شعر بهما.


أما عنها فكانت تضمه إليها وكأنه ابنها، بمجرد فقط سماعها بأنه سينتقم مما كان السبب تشعر بغصة مريرة تمنع عنها التنفس.. تُريد الانتقام مثله لكنها تخشى فقدانه، تتعجب كونها تعلقت به بهذه السرعة التي لم تكن تتخيل يومًا بأنها ستصلها معه بعدما علمت بوجوده.


ربتت على ظهره وهي تبتعد عنه بهدوء، ناظره لعينيه بنظرة حانية وقالت:

- خلي بالك من نفسك لأني مش مستعدة أعيش من غيرك تاني.


        الفصل الرابع والعشرون من هنا

لقراءة باقي الفصول من هنا


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-