CMP: AIE: رواية خفايا القدر الفصل الثامن عشر18بقلم روان عرفات
أخر الاخبار

رواية خفايا القدر الفصل الثامن عشر18بقلم روان عرفات


 

#رواية خفايا_القدر

الفصل الثامن_عشر

بقلم روان_عرفات. 


وكم من قلبٍ أصبح رمادًا والنارُ كلمة! وكم من عقلٍ فقد صوابه والفاعلُ صديق! وكم من روحٍ ماتت والسبب فراق عزيزٍ كان للنفس خير دواء .. وفي جميع الحالات يفقد المرء بهجته، لأن شيئًا بداخله ذهب ولم يَعُد!  


دخلت ميار المطبخ ببطء شديد خوفًا من أخيها الذي يجلس بغرفته ويقوم بوضع أسئلة في المادة الخاصة به.. وقفت أمام الطاولة التي وضعت بها صحن به قطعة من المعكرونة بالبشاميل كما تعشق والتي تُحب صُنعها كثيرًا .. أخرجت هاتفها من جيب كنزتها البيتية، بلونها الأخضر الذي تبغضه



 ولكنها جاءت هدية من أقربهم حُبًا لقلبها، وأخذت تلتقط الصور للصحن بوضعيات مختلفة كما هي التي أخرجت لسانها والتقطت الصورة بسرعة ثُمَّ انفجرت ضاحكة على منظرها... أجفلها مالك من خلفها. يُناظرها بسخرية من جُنونيها مع قوله:


 

- نفسي أعرف إيه الجميل في إنك بتعملي مكرونة بالبشاميل وتصوريها؟ والمشكلة إنك بتصوريها بفرحة وكأنك لأول مرة تعمليها. 


نظرت إليه ميار بلامبالاة وأخذت تأكل بنهم وكأنها بالفعل لأول مرة تقوم بصنعها وتناولها .. جلس مالك إلى جانبها بضحكات خافتة عليها وأخذ يأكل بهدوء قطعته ميار بحديثها وهي تلوك الطعام:

- ما تعمل فيا خير يا اخويا وتقول لي .. الامتحان هيجي من أي حتة في الكتاب؟ 


قرص وجنتها بخفه متمتمًا: 

- أولًا ده حرام وثانيًا أنتِ ما بتذاكريش أصلًا، ويوم ما ربنا هيهديكِ وتفتحي كتاب بتقفليه بمجرد ما الكلام ما يعجبكيش .. أنا نفسي أفهم بس، ده في قانون مين؟ 


رفعت رأسها بغرور مصطنع وقالت بصوت عالي نسبيًا:

- ميار ميرووو . 


كتم مالك ضحكته بأعجوبة وقال بابتسامة واسعة وهو يجاهد في كتمها:

- طيب تعالي أختبرك كده .


أنهى حديثه ساحبًا إياها لغرفتها تحت صدمتها بفعلته الجنونية والتي تعلم تمامًا نهايتها، عقابًا صادمًا بالنسبة لها منه على تقصيرها في مذاكرتها .. أمسك مالك إحدى المُذكرات وقام بفتح صفحاتها الأولى وأعطاها لميار التي تُناظره بصدمة.. قائلًا بهدوء:

- اقرأي لي أول تعريف كده وعايزك تحفظيه.. لاء أنا عايزك تفاجئيني وتقولي لي إنك حفظاه أصلًا، يلا أنا مستني اتفاجئ.   


وضعت يدها على فهما تمنع ضحكتها التي تُريد الخروج، قالت بعد نفس طويل استنشقته بابتسامتها الواسعة:

- بخاف عليك من المفاجآت يا مالك والله. 


ناظرها مالك بغيظ جازًا أسنانه بعصبيه منها وأردف:

- طيب يلا اقري يا ميار .


ضحكت بقوة ثُمَّ قرأت أول تعريف في المادة التي تبغضها ولا تُحب حتى النظر إليها:

- العلم المعاصر.. هو نشاط انساني يهدف إلى تعظيم الجنس البشري واستبعاد الكوارث والالم وذلك بشكل منهجي وموضوعي. 

بص مادة كذابة وأول تعريف كله كذب في كذب وأنا زي ما أنت عارفني ما بحبش الكذب.. فمش هذاكرها. 


ناظرها مالك بصدمةٍ ألجمته، للحظة أراد الانفجار بالضحك من أفعال أخته... لم ينبس ببنت شفة وران عليهما صمت طويل كانت ميار تضحك بقوة من صدمته وعينيه الجاحظة دون أدنى معرفة لصدمته .. خرج صوته أخيرًا يتساءل والصدمة مازالت تعلو وجهه:  

استني.. هو أنتِ إيه وداكِ لسنة رابعة؟ هما هيلغوا سنة تالته ولا إيه؟ 


توقفت عن الضحك وعينيها جاحظة إثر صدمتها بنفسها، تساءلت بتعجب وهي بالكاد لا تصدق كونها تستذكر في سنة غير السنة الدراسية المقررة عليها: 

- يعني أنا بذاكر من أول السنة في كُتبك أنت القديمة! 


أنهت حديثها تزامُنًا مع انفجار مالك بالضحك وشاركته هي الضحك من غبائها الذي دفعها لفعل شيء كان سيقضي على مستقبلها. 


💛 اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد 💛


بعد اسبوع تقريبًا... 


خرجت من الشقة تجر قدميها جرًا وهي تلتفت يمينًا ويسارًا بهلع من رؤية أحدهم لها بهذه الحالة التي هي بها .. هبطت للأسفل بسرعة، سندت جسدها على حائط العمارة السكنية التي تأتي لها من الحين والآخر حينما يتعلق الأمر بالتهديد



 بحياة ابنها، بكت بخفوت، واضعة يدها على فمها تمنع صوت شهقاتها.. تُريد الهروب والحديث بما هي به من شيء يصعب عليها تحمله لكنها عاجزة! تُريد زوجها بجانبها وتُخرج ما



 بجوفها وهي بداخل أحضانه لعلها بالقرب منه تطمئن .. أخذت نفسًا عميقًا أخرجته دفعه واحدة مع ركضها من هذا المكان وذهابها لمنزلها بعدما استوقفت إحدى السيارات كي تنقلها إلى



 منزلها بسرعة، دخلت المنزل بدموع تتساقت على وجنتيها دون توقف.. وما الدموع إلا حُزنًا بالقلب، وما القلب إلا محتويًا بين ثناياه لِحُزنٍ بداخله باقٍ، رغم الدموع التي أحيانًا ما تُشعرك



 بالسَّكِينة وأحيانًا بالكَلاَلَة... شيئان متناقضان، تشعر بالضعف وبالقوة في آن واحد .. لا تعلم كيفية الإفصاح عما يعتلي قلبك أو بالاصح وثقت في كثيرٍ من الناس وخُذلتَ بقدر ما زرفت عيناك دموعًا. 


هرول ابنها إليها سريعًا واحتضنها بقوة، ذاك الذي أتم عامه الثاني عشر والذي أخذ من ملامح والده الكثير وكأنه هو على ملامح طفل صغير .. ضحكت بوجع وابتسم هو ببراءة فبمجرد



 دخولها المنزل وسماعه لصوت مفاتيح الباب لا يشعر بقدميه إلا وهو يحتضنها إليه.. تلك العادة التي عادة ما يعملها دومًا، نظر لها بحماس مرددًا: 

- أنتِ وحشتيني أوي .. النهار ده ظهرت النتيجة بتاعتي يا مامي ونجحت. 


أنهى حديثه مع قفزات مُتتالية افتعلها.. ضحكت سوسن بقوة عليه وشاركته فرحته الطفولية، ضمته مجددًا لاحضانها وهي تدفن رأسها بداخله تستنشق رائحته مع دموعها التي انسالت رغمًا على ملابسه مما جعله يبتعد عنها قليلًا ويُناظرها بقلق بادٍ عليه.. وقال:

- ماما؟ هو أنتِ مالك؟ مين زعلك قولي لي.


جففت دموعها وناظرته بابتسامة موجعه مع قولها بدموع:

- اوعدني إنك ما تزعلش مني ابدًا .. إنك تعذرني وما تفكرش فيا تفكير غلط، لأن أوقات بتتجبر إنك تعمل حاجة معينة، رغم أنها بتموتك بالبطئ لكن لما الأمر يتعلق باللي بتحبهم في داهية أي حد، المهم عندك هما... كله في سبيل حُبك للناس دي يهون.. والله يهون! 


فاق من شروده على دمعه حارقة انسالت على خديه، تتبعتها دموع كالاشلال من هذه الذكرى التي الآن فقط علم مغذى والدته من الحديث الغامض، وبسرعة البرق خرج سريعًا من



 المنزل، متوجهًا لمنزل مي الصديقة الوفية لوالدته والتي بمثابة أختًا لها، يُريد فقط الحديث معها ومعرفة كل مايتعلق بوالدته وبهذا المدعو كريم.. لعله يهدأ من ثوران قلبه الثائر بموتها، وبداخله يقسم كونه سينتقم أشد انتقام. 


                            *****


صف سيارته أمام العيادة الخاصة بصديقة والدته، رفع يده ونظر لساعته السوداء ليتفاجئ كون الساعة قد تعدت التاسعة مساءً .. تنهد بضيق وصعد سيارته وتوجه سريعًا إلى منزلها بمشاعر متخبطة، فلأول مرة يذهب للمنزل بدون والدته.



هبط من السيارة ليراها خرجت للتو من المنزل ووضعت أكياس القمامة بجانب الباب، رفعت عينيها إليه تزامُنًا مع انسيال دموعها بغزارة، اقترب منها لتسرع هي بالحديث ببكاء ممزوج بالفرحة برؤيته بعد معرفتها بوفاة والدته والتي حادثته كثيرًا وكانت على اتصال معه دائمًا:

- وحشتني يا غالي يا ابن الغالية. 


أنهت حديثها ودلفت للمنزل ببطء.. تتبعها مازن بوهن، جلس على الأريكة وذهبت مي لتصنع كوبين من الشاي كما يُحب مازن، تجولت عينيه في المكان لتقع على صورة لوالدته التي



 تضحك بقوة وتحتضنها صديقتها. أغمض عينيه وجعًا ضحكتها التي لا تذهب عن باله لحظة، دخلت مي المكان بالشاي لتراه بهذه الخالة التي جعلتها تجلس على مقربةً منه، قائلة بحزن:



- احنا والاتنين عارفين انها ارتاحت.. كانت بتتعذب قدام عيونا والمرض بيتمكن منها واحنا عاجزين، افتكر يوم ما الدكتور قال لك على كمية السرطانات اللي فيها من المرض .. الفراق صعب بس لو هيريحها يلقى راحتها أهم صح؟ 


رفع رأسه وأخذ كوب من الشاي وارتشف منه القليل مع قوله بخفوت:

- هيا كانت بتروح له امته؟ أو قعدت معاه قد إيه؟ لأني مش فاكر إنها كانت بتبعد عني غير في شغلها بس! 


تقبلت مي تغييره للحديث وأجابته بهدوء:

- لأنه كان عارف هو بيعمل إيه، هو مش عايزها هيا، هو عايز بس يخليها تحمل الفيرس جواها .. عايز يموتها بالبطئ وبأبشع موته. ومن قزارته جاب واحد حامل الفيـ..


وضعت يدها على فمها وبكت بقوة مع صوت شهقاتها العالية تحت نظرات مازن الحزينة... تساءلت مي بعد وقت طويل من الصمت بينهما:

- أخبار ورد إيه؟ اتكلمت معاهم وقابلتها ولا لسه؟ 


تنهد بعمض ثُمَّ أردف: 

- مش قادر أواجهها.. مجرد الفكرة نفسها بتخليني اتراجع، مع إني محتاج لها أوي بس مش عارف أعمل إيه؟ والله ما عارف! 


في لحظاتٍ ما بحياتك، لا تُريد سوى شخصًا يحتوي ثنايا روحك المتناثرة من فعل إناسٍ من المفترض أنهم في خانة الأهل!. فمهما بلغ عمر المرء.. لا يمكنه التخلي عن عواطفه الجياشه، ولو عاش دهرًا من الزمن سيظل طفلًا صغيرًا يبكِ من أقل الأشياء حُزنًا. 


💛 اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد 💛


ارتشفتْ القليل من كوب الحليب بالفراولة خاصتها، وضعته جانبًا وأكملت سيل بحثها بخصوص المواضيع التي واجهتها



 في الفضفضة التي كانت بينها وبين فتيات جامعتها بعدما استذكرت دروسها للامتحانات الشهرية .. شردت بالبعيد، بعينيه التي لم تذهب عن مخيلتها قط، وابتسامته الساحرة



 التي تجعلها تذهب بعالم غير العالم.. زفرت بحنق من نفسها، فكيف لها النصح والتوجيه للطريق الصحيح وهي في الأساس تسير فيه وتفعل ما تنهاه وتخبر الفتيات بعقوبته، أدمعت


 عيناها حزنًا من تفكيرها وقلبها الذي يقودها لشيء دائمًا ما تبغضه وهي تسير خلفه دون وعيٍ منها، أخرجها من دوامة



 أفكارها وجلدها لذاتها رنين هاتفها، مُعلنًا عن وصول رسالة صوتيه من أوركيد .. ابتسمت باتساع وضغطت على زر التشغيل ليأتيها صوت أوركيد الناعس بعدما تثاءبت بتكاسل:



- ندااااا .. ما تيجي ننزل تحت ونلعب ولا ناكل ولا نسمع فيلم كرتون مع فشار .. أو مثلًا ناكل، بيتهيألي كده قلت ناكل؟ ما علينا ناكل تاني أو نذاكر مثلًا! 


ضحكت ندى بقوة وضغطت على زر التسجيل بعدما تناولت قطعة من الشوكلاه: 

- بعد ده كله نذاكر! بس يا بـاندا بس. 


كانت نائمة على فراشها وسرعان ما اعتدلت في جلستها سريعًا وأرسلت لها تسجيل صوتي تقول فيه بصوت عالٍ:

- بتاكلي إيه؟


أنهت ارسال الرسالة وتابعت في تسجيل الأُخر ثُمَّ الذي تليه بصوتها العالي ونبرتها الفضولية التي جعلت ندى تنفجر ضاحكة:

- ندااااااا .. يـاااااا بـتت .. بتاكلي إيه، باالله عليكِ بتاكلي إيه.


- أنتِ هتقولي لي بتاكلي إيه ولا اجي لك حالًا وأخطف اللي بتاكليه؟ 


أخذت تضحك ندى بقوة غريبة.. تنهدت بتعب إثر ضحكها وقالت في تسجيل:

- خطفت صندوق الأكل اللي مخبياه تحت السرير . 


ابتسمت أوركيد على الملصقات المضحكة التي أرسلتها ندى وبمجرد ما إن استمعت حديثها نهضت سريعًا من فراشها ومدت يدها لأسفل الفراش مع ضحكتها العالية التي أخرجتها وتصويرها لنفسها والصندوق واخراجها للسانها بطريقة



 مضحكة.. التقطت الصورة وقامت بإرسالها كما ندى أيضًا التي نظرت لغرفتها المليئة بالكتب والورق المتناثر بطريقة جعلتها تتقزز من منظر الغرفة، كما أكياس الشيبسي والشوكلاه



 ومعلبات العصائر، التقطت صورة للغرفة وقامت بتصوير فيديو أيضًا مع تحريك الفيديو كي يظهر منظر الغرفة لأوركيد بنبرة حزينة ومضحكة في آن واحد:

- أنا لو نبع الحنان شافت المنظر ده هاجي ابات عندك يا صاحبي .. وبعدين الصحاب لبعض ولا إيه؟  


💛 اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد 💛


خرجت من غرفتها بملامح عابثة من فعلتها ونظرات والدها التي إلى الآن تُلاحقها كظلها، كما حزنه منها وعدم محادثتها بعد رؤيته لها مع وليد .. توقفت أمام باب غرفته بتوتر، طرقت



 الباب بخفه بالكاد هي استمعت إليها. أتاها صوته من الداخل سامحًا لها بالدخول .. أخذت شهيقًا عميقًا ثُمَّ زفرته بقوة كبيرة مع دخولها للغرفة خافضة رأسها خجلًا منه .. رفعت رأسها



 لتراه يجلس إلى مكتبه وأمامه العديد من الكتب والمذكرات كما اعتادت عليه في كل يوم، يقوم بتحضير إحدى قصص الانبياء والصحابة ليوم الجمعة التي يلقيها على الاطفال في



 النادي... التي أحيانًا ما تذهب معه وتستمع إليها مع الاطفال، ظلت واقفة بجانب الباب تفرك يديها معًا بتوتر ملحوظ، رفع عمرو رأسه إليها.. ابتسم باتساع على توترها وخوفها منه، أخفى ابتسامته وقال بهدوء:

- تعالي يا سجدة. 


اقتربت منه بذات الخجل وجلست على مقربةً منه، قالت بعد وقت لا بأس به من الصمت المتبادل بينهما:

- بابا هو أنت زعلان مني؟ 


تساءل عمرو بهدوء:

- أزعل من إيه يا حبيبة بابا؟ 


انسالت دموعها على وجنتيها وقالت بخفوت:

- بطلت تقعد معايا زي الاول ومش بتنادي عليا وتاخد رأيي في أي حاجة بتعملها .. فأكيد زعلان مني، أنا والله ما كنت أقصـ.. 


قاطعها عمرو باقترابه منها وانتشالها لأحضانه، قائلًا:

- أنتِ حتة مني .. أنا لو هبقى زعلان فهقيبى كل زعلي خوفًا عليكِ، مش عايزك تدخلي في طريق ما تعرفيش نهايته إيه.. ما تعرفيش هل اللي بتحلمي بيه هيتحقق ولا لا، لأن كل 



الحاجات دي في علم الغيب .. بس يا سجدة لو ما وقفتيش نفسك عند الحد اللي وصلتي له ده مش هتقدري توقفيها.. كل اللي أنتِ بتمري بيه خطوات شيطان، بتبدأ بحاجة صغيرة لحد ما تكبر




 وأنتِ لسه من جواكِ مقتنعة إن اللي بتعمليه مش غلط، بتبقى الغلطة في البداية صغيرة وهينة والشيطان بيهونها وكل ما بتعدي الايام الغلطة بتكبر فعشان كده لازم نحذر أول خطوة



 من خطوات الشيطان لأنها بتجر وراها خطوات أكبر وأعظم عند ربنا .. المعصية عاملة زي باب مقفول لو حاولتي تفتحيه مرة من السهل جدًا تفتحيه تاني وتالت! 


ربت على رأسها بحنان مع قوله: 

- فهماني يا سجدة؟


اماءت سجدة عدة مرات ليتابع عمرو 

- عايزك توعديني تبعدي عن الطريق ده، وتحطي في دماغك إن مهما كان فيه اعجاب بيكون تسليه إلا إذا كان بيحبك بجد وناوي يتقدم.. ولحد اللحظة دي يبقى زيه زي أي حد غريب، لا تكلميه ولا يكلمك .. أنتِ ممكن تستغربي كلامي وإنه ابن 



اختي بس أنتِ بنتي ومصلحتك عندي أهم من أي حاجة في الدنيا، ولأني بمنعك من خطوات الشيطان فمش عايزكم أنتو والاتنين تنساقوا للطريق ده! طريق كله تعب.. ماشي؟ 


كان ردها أنها قبلة طويلة طبعتها على يديه وحاوطته بِكلتا يديها مع ابتسامة عمرو التي ارتسمت على ثغره من صغيرته وأفعالها.


💛 اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد 💛


خرج من منزل والده مُتجهًا لمنزل جاسر، أخذ يسير بسرعة كي يراها رغم توتره من نظراتها الذي كلما رأته تناظره كأنه متهم في قضيتةٍ ما .. وصل للمنزل، زفر بقوة ثُمَّ طرق الباب تزامُنًا


 مع فتحها للباب مما جعله يُناظرها بصدمة لم تقل عن صدمتها بهذا اللقاء المفاجئ، تحدثا في وقت واحد بدايةً من ورد التي قالت بتوتر اجتاحها فور رؤيته: 

- أأ .. أنا كنت طالعة أشم شوية هوا بس! 


ومن ثُمَّ أمير الذي قال بكذب مع انخفاضة لرأسه بخجل: 

- أنا كنت جاي أقابل عمي جاسر! 


اماءت ورد بحزن وتحركت لكي تذهب للحديقة ليسرع أمير إليها ويقبض معصمها، قائلًا باشتياق:

- بصراحة أنا جاي عشانك أنتِ.. عشان وحشتيني. 


توردت وجنتيها بحمرة الخجل مع عينيها التي نظرت بعيدًا عنه خجلًا من نظراته المصوبة عليها، تابع حديثه بذات النبرة المشتاقة لها واحتوائه ليديها:




- ما تبعديش .. مهما تعدى الزعل من مراحل ما تبعديش وخليكِ معايا، ما تدفعينيش حساب غلطة بِبُعدك عني! افهميني واسمعيني وبعدها قرري .. بس مهما كان قرارك سيبي حُبنا على جنب، لأننا محتاجين لبعض حتى لو حصل بينا إيه. 


أخفضت رأسها وقالت بخجل:

- صدمتي جات فيك.. بعدت عنك وأنت ما لكش دعوة بكل اللي بيحصل ده غير إنـ..


قاطعها أمير بسرعة:

- أنتِ مراتي، يعني حتة مني، واللي بيحصل لك بيحص لي كمان .. وحزنك من حزني.. بس خلينا مع بعض، نادي من الحُزن والايام الصعبة وأنتِ معايا. 

 

اغرورقت عينيها بالدموع من ألم قلبها، لا تعلم على من تحزن؟ والدتها التي فراقت الحياة قبل حتى لقاء وداع بينهما، أم عن



 أخيها الذي إلى الآن لا تعلم شيئًا عنه، أم عن غادة التي تبدل حالها وفقدت وزنها كثيرًا من أجلها خوفًا عليها، أم عن والدها و نفسها وزوجها؟ هي حقًا لا تعلم... قالت ببكاء:



- أنت متخيل تعيش حياتك كلها مع ناس متخيلها أهلك وفجأة تكتشف إن ليك أهل تانية الله وأعلم عاشوا حياتهم ازاي؟ 


انتشلها أمير إلى أحضانه ويديه تربت على ظهرها بحنان بالغ مع كلماته التي يهمسها بجانب أذنها يُخبرها أنه بجانبها.. شعرت ورد بعدم مقدرة قدميها على حملها، كانت ستجلس



 أرضًا وسرعان ما حملها أمير وذهب للحديقة تحت نظرات غادة التي كانت تتابعهما من شرفته غرفتها بابتسامة خفيفه زينت ثغرها من أمير وأفعاله مع ابنتها.... 


💛 اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد 💛


كان يمشي بطرقات المنزل بملل من حياته التي انفطأ بريقها بعد فراقها.. توقف عند سلم الطابق العلوي، أخذ يُناظر المنزل من الأعلى بعينان تفيضان من الدمع، ذاك الذي يحمل بين



 احشائه ذكرياتٍ بالقلب لم تفارق، لم يكن يتخيل يومًا العيش به وحيدًا، أو مناظرته من الأعلى بمفرده.. بدون صديقته ورفيقة دربه الأولى.

 

جلس أرضًا، وتكور كطفل صغير، مُحتضنًا قدميه بيديه بدموع تتساقط على وجنتيه تعبًا، مُتذكرًا لحظاته الأخيرة مع والدته بعدما خرج أمير من الغرفة بعد مرور الساعتين تقريبًا .. دخل



 الغرفة بفضول لمعرفة ما دار بينهما من أحاديث بابتسامة خفيفه احتلت ثغره بأنه أخيرًا سيجلس مع اخته أو ستتغير الأمور ويصبح لديه عائلة تُحبه، ركض سريعًا لفراشها وسرعان



 ما تلاشت ابتسامته حينما رأي وجهها الشاحب وشفتيها الزرقاء، كانت تُناظره بابتسامتها المعتادة، رغم تعبها ما زالت محتفظة بها!.. قال بفزع ودموع انسالت رغمًا عنه:

- ماما .. مالك؟ حاسه بأيه؟ 


أنهى حديثه وتوجه للخارج لكي يأتي بالطبيب، وما لبث أن يخطو خطوة واحدة إلا وأجفلته عندما أمسكت يده بقوة تمنعه من الخروج، قالت بوهن وصوت خافت بالكاد حاول فهم ما تقوله:

- مازن.. خليك، أنا محتاجة أتكلم معاك. 


جلس إلى جوارها لتبدأ هي بالحديث عن حبها له وكم تتوق لضم ورد بين ذراعيها واستنشاق عبيرها والبكاء في حضنها، أخذت توصيه عليها وكيفية الاعتناء بها واحتوائها .. أخذت



 تتحدث في أحاديث عدة جعلت مازن يُناظرها بحزن من حالتها تلك، وكأنها تودعه بنظرتها الحزينة وعيناها المليئة بالدموع.. ضغطت على يده بقوة مع ارتعاشها بخفه جعلت مازن يتساءل ببكاء:



- مين اللي عمل فيكِ كده؟ مين سبب في مرضك وفراقنا عن اقرب ناس لينا .. مين السبب في دموعنا اللي كانت بتموتنا بالبطئ، مييـن؟ 


انسالت دموعها على خديها وأخدت نفسًا عميقًا أخرجته ببطء شديد وهي تشعر بألم شديد احتل جميع أوصالها.. كانت تخرج أول حرف من اسمه ومن ثُمَّ تصمت تمامًا خوفًا على ابنها، خمس دقائق مرت على قلبه كخمسة أعوام بصمتها وبكائه



 ومناداته لها بقول الحقيقة أو شيء بسيط منها، وما كان يزيد صراخه حينما تغمض عينيها رغمًا عنها من شدة تعبها، وأخيرًا بعد انتظاره لها تفوهت باسمه وسرعان ما أغمضت عينيها ولكن هذه المرة كانت للأبد! 


كان يعلم نهاية هذا المرض، ولكن الشيء الوحيد الذي غاب عن باله هو فراقها وحقيقة المرض كان دائمًا ما يطردها من تفكيره.. نظر لهذا الخط الذي استقام إثر نبضات قلبها التي توقفت، ظل يُناظره بعيني جاحظة، وأيدي ترتعش، ودموعًا



 أغرقت وجهه، منظر لا يحتمل العقل تصديقه، ولا العين تحتمل رؤيته .. كل شيء به يقسم كونها ستبقى معه رغم أنها فارقت الحياة قبل مولده، منذ ذاك اليوم الذي عَلِمت كونها ستشقى كونها ابتعدت عنه! 


فاق من شروده على يد تربت على كتفه، دار بجسده وبمجرد رؤيته للشخص انفجر بالبكاء مع صرخة مدوية أخرجها بشعور جامح بداخله كونها ستخفف عنه أوجاعه.... 


           الفصل التاسع عشر من هنا

لقراءة باقي الفصول من هنا



تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-