CMP: AIE: رواية خفايا القدر الفصل الرابع والعشرون24بقلم روان عرفات
أخر الاخبار

رواية خفايا القدر الفصل الرابع والعشرون24بقلم روان عرفات

#خفايا_القدر 

#الفصل_الرابع_والعشرون..

#بقلم روان_عرفات.

.


الروح تُعافر في البقاء حية بداخل الجسد، والنفس أهلكتها طعنات المقربين .. وقلبًا لا يوجد بداخله سوى كدماتٍ.. فأي حُبٍ هذا الذي سيجد مأمنه داخل شيءٍ مُفَتَّت! 


تجلس إلى فراشها المليء بالحلوى ومعلبات العصائر وبعض التسالي .. أمامها الهاتف الخاص بها، تُشاهد إحدى الافلام الكارتونية التي تعشها وتُشعرها بالسعادة التي حُرمت منها في حياتها، كانت تبتسم في لحظات وتبكي في لحظات أُخرى



 وتعقد حاجبيها تعجبًا في أحيان .. تُناظرها روز بابتسامة واسعة من خلف الباب وهي تحمل بيدها صحنين من الفشار، دلفت للغرفة بعدما طرقت عدة طرقات وأذنت لها أوركيد بالدخول. 


اقتربت منها وجلست إلى جوارها طابعة قبلة حانية على رأسها بحنانٍ.. قائلة بابتسامة:

- أنا قلت ما ينفعش السهرة دي وفيلم الكارتون ده من غير الفشار. 


بادلتها أوركيد الابتسامة وبقيا يستمعان لفيلم الكارتون بهدوء تام.. قطعة انتهاء شحن الهاتف مما جعل أوركيد تتأفف بضجر وهي تقوس شفتيها بحزن .. ضحكت روز بقوة وأردفت


:

- لسه زي ما أنتِ الطفلة اللي عندها خمس سنين .. عمر الدنيا ما هتقدر تلوس جمال روحك وبرائتك .. هتفضلي في عيني طفلة بريئة مش محتاجة حاجة غير حضن. 


لا تعلم سببًا لنزول دموعها في تلك اللحظة، وكأن حديث والدتها جعلها تتذكر ما كانت تود نسيانه، ولكن كيف لها نسيان قلبًا أحبته، قلبًا لا يكتمل الحُب إلا به، قلبًا للعقلُ منشغلًا وللروح مُكتملًا، وما خُلق الحُب إلا لعينيه. 


ارتمت بداخل أحضانها وتشبثت بها وهي تبكي بصوتٍ عالي، شددت روز من احتضانها مربتة على ظهرها بدموع انسالت رغمًا عنها، تشعر بما تعانية ابنتها وتشعر ببعدها هي وكرم



 الواضح وضوح الشمس.. تجهل السبب الذي جعلهما بهذه الحالة لكنها تعلم تمام العلم كون حزن ابنتها بشيء كبير حدث بينها وبين زوجها وقد حدث توقعها حينما أخذت أوركيد تسرد




 ما حدث معها منذ ترجيها لكرم بالجلوس معها لكونها تحتاجه كما أيضًا تغيره معها في الأونة الأخيرة وتعامله الذي أصبح في حدود اللاشيء وكأنهما ليس بحبيبين وأيضًا اتصال المجهول




 واخباره بحادث كرم ومن ثُمَّ صدمتها بتعاطيه للمخدرات وتليها الصاعقة الكبرى الذي ألجمتها وهي تراه مع فتاة غيرها بوضع استصعب عليها شرحه، ومن بعدها شجارهم بحفل




 زفاف ورد ومكالماته الدائمة ومعاتبته لها دون حتى التقرب منها إلى آخر لقاء حدث معهما وصدمتها بكونه ما زال يشرب الكحول..


صمتت لبعض الوقت وهي تشهق بقوة.. أنهت حديثها بقولها ببكاء:

- اللي تاعبني إنه حتى مش بيحاول يقربني ليه.. عارف إني بعيدة وده باين جدًا في علاقتنا اللي اصبحت منعدمة .. مش بيكلمني، مش بيجيلي، مش بيهتم بيا .. لاقيني بعيدة مش بيسألني بعدت ليه؟ ما فيش معافرة! مش بيعافر يا ماما، مش



 محسسني إني مهمة عنده.. مش بيسألكوا مالي وإيه غيرني لأني المفروض مراته .. أنا مش فاكرة امته آخر مرة شفته، بيرن عليا يعاتبني ويقفل .. ده تحسيه ما صدق بُعدي عنه! 


تستمع لحديثها بصمود، ثابتة لا تُبدي آية ردة فعل سوى دموعها التي انسالت وجعًا لِما تعانية ابنتها من ألم صعب على أي شخص تحمله، صدمتها بأخيها كانت أكبر.. كيف له تحمل




 رؤيتها تتألم امام ناظرية ولا يفعل شيئًا سوى الطلب منها بعدم اخبارها لأحد لكونه لا يُريد تلوس سمعة ابنه، كيف له السكوت عن شيء كبير كهذا في سبيل سمعة ابنه؟ اين ابنتها من هذا التفكير؟ لهذه الدرجة لا تعي شيئًا عنده؟ 


اعتدلت في جلستها وتربعت ومازالت تنظر لأوركيد التي تبكي دون توقف، تساءلت بخفوت:

- أنتِ عايزة تكملي؟ 


شعرت بخفقان قلبها بين اضلعها بسرعة غريبة.. رفعت عينيها على روز التي تنتظر منها ردًا لكنها بقيت صامتة، لا تعلم بماذا تُجيبها، هي اصلًا لا تعلم مشاعرها تجاهه وصلت لأي حد؟ لكن مجرد سؤال كهذا جعل الخوف يتسلل لقلبها العاشق له.


قالت بحيرة:

- مش عارفة .. ما بين آه وما بين لا .. مش فاهمة نفسي .. قلبي عايزهُ وعقلي بيحذرني من التكملة .. بس مش كل حاجة القلب بيحتاجها بتكون صح! القلب بيدمر لأنه في الحُب أعمى وأنا مش هستنى لحد ما الاقيه مدمرني كُليًا عشان حُب! 


تنهدت روز بتعب وأردفت بهدوء:

- أنتِ بتعتبي عليه لأنه مش بيعافر ومش بتعتبي على نفسك لأنك بتعملي نفس الشيء؟ 

أنا مش بصغر حجم المصيبة اللي هو عاملها بس في نفس الوقت أنتِ غلطانة لأنك ما واجهتيش .. ماتكلمتيش باللي جواكِ وسمعتي منه حتى على الأقل عشان تعرفيه إنك عارفة ومايتهاونش في حاجة زي دي .. سكتي ليه؟ سكتي ليه لحد ما وصلتوا للحالة دي؟ 


أخذت تفرك يديها بتوتر وهي تجيبها:

- أوقات من كتر صدمتنا بالشيء اللي اتعمل بنستخسر المعاتبة .. أصل هعاتب على إيه ولا إيه؟ ما هو لو خايف على زعلي ماكنش عمل اللي يزعلني! ما هو لو كان شاريني كان باع كُل



 شيء عشاني .. أوقات كرامتنا بتمنعنا نعاتب لأننا عارفين نهاية المعاتبة دي إيه .. العتاب محتاج حد يفهم في لغته، يفهم إنه محبة، يفهم إنه مُكمل للحُب.. اللي بيفهم غير كده يبقى عمر الحُب ما خبط على باب قلبه. 


زفرت روز بقوة وقالت:

- أنا معاكِ في كل ده بس بردو عاتبية.


قاطعتها بوهن ظهر فجأة عليها:

- ماما أنا تعبت من الكلمة دي لأني أكتر واحدة عارفة وفاهمة كرم. 


صمتت للحظة ثُمَّ تساءلت بدموع:

- ممكن تحضنيني؟ 


شهقت روز بخفه وهي تقترب منها سريعًا وتقوم بمحاوطتها بقوة وهي تبكي عليها.. أخذت تربت على ظهرها وتدعو لها بصلاح الحال وتقرأ لها القرآن بخفوت بقلب أدمى حُزنًا لِما استمعه .. شعرت بعض وقت قليل بانتظام انفاسها المتسارعة



 لتعلم على الفور كونها نامت من كثرة ما تعانية.. طبعت قبلة طويلة على جبهتها مع دموعها التي انسالت على وجه أوركيد وخروجها من الغرفة وهي تضع يدها على فمها تمنع صوت بكائها... 


❤ اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد ❤


 ترجل من سيارته بهدوء، ناظرًا للشوارع بحيرة من أمر قلبه الذي جعله يأتي لمنزلها بهذا الوقت المتأخر من الليل .. رفع يديه يُناظر ساعته ليتفاجأ بكون الساعة تعدت الثانية بعد



 منتصف الليل، تنهد بعمق مستنشقًا شهيقًا قويًا أخرجه ببطء مع تحركه من المكان وتمشيه بالشوارع وهو يتذكر ملامحها التي حفظها القلب بين شرايينه. 


أخذ يتمشى بالشوارع دون كلل، متذكرًا نفسه حينما تتبعها إلى أن وصلت لهذا المكان وتحديدًا لمنزلها، متعجبًا ذاته التي تقوده وهو خلفها متغيبًا تمامًا عما يحدث.


توقف أمام باب منزلها على بُعدٍ ليس بكبير، بقلبٍ ينبض بالحياة لأجلها، يتوق للنظر إليها مُجَدَّدًا ومشاغبتها .. والتعرف عليها أكثر وأكثر لكن شخصية كشخصيتها من الصعب الوصول إليها.


اسند برأسه على شجرة عتيقة ليتنهد بعمق ومازالت عينيه لم تحيد عن باب المنزل وتلك الشرفة التي ظن أنها لها او قلبه يُريد هذا لكي يراها .. ابتسم باتساع وهو يتذكر ابتسامتها



 وفرحتها الكبيرة حينما اهداها الوردة، كانت تشبه الاطفال إلى حد كبير بملامحها الصغيرة.. كما عصبيتها وغيظها مما فعله



 بمجرد تفكيرها الذي جعلها تتساءل: من هو لتقف معه وتُحاوره؟ وذهابها من أمامه .. كل شيء حدث في أقل من عشر دقائق لكنها محتله التفكير منذ تلك اللحظة. 


لأول مرة يشعر بالخوف تجاه أي مهمة يقوم بها، غير كونها تخصه لكنه لأول مرة يخشى الموت والذهاب لمهمة دون العودة .. يخشى الحياة من دونها.. أوقفه تفكيره إلى هذا الحد وهو يتساءل: ما كنيتها لتجعله منشغلًا بها لهذا الحد المُهلك



 لقلبه وكل كيانه؟ ماذا فعلت بقلبه تلك المجنونة الصغيرة؟ ما الذي حدث له منذ النظر لعينيها الواسعة الخضراء؟ بها شيء جذبه لا يعلم ما هو .. الذي يعلمه أنها شغلت العقل بمجرد لقاء عابر لم يكن في الحسبان أبدًا..


بعد وقت لا بأس به.. نظر للشرفة بصدمة ألجمته برؤيتها أمامه وهي تضع سماعات هاتفها في الهاتف ومن المتضح كونها تتحدث مع شخصٍ ما، وهذا ما أَثار حَفيظتَه لكنه تمالك نفسه. 


انتهت توًا من صلاتها لقيام الليل وكما اعتادت بعد كُل صلاة محاكاة ندى وأوركيد في مكالمة جماعية، يتحدثوا في امور




 عدة أو مذاكرة بعض الدروس أو أسئلة تجمعها واحدة منهم وتقوم هي بإلقائهُ .. كانت تتحدث وتبتسم باتساع تلاشت ابتسامتها وصمتت تمامًا وهي ترى ظل شخص جعل دقات القلب تتواثب بشكل مُريب، لكن سرعان ما اختفى عن ناظريها




 مما جعلها تعقد حاجبيها بتعجب راكضة لداخل الغرفة بخوف حقيقي لكنها بذات اللحظة شعرت بالسعادة لكونها رأته ولكن ما الذي يجعلها تتيقن كونها رأته؟ من الممكن كونها تتوهم! 


وضع يده على قلبه ذو الدقات العالية، وهو يحمد ربه مرارًا وتكرارًا لكونه اختبئ قبل رؤيتها له، ارتسمت ابتسامة واسعة على قلبه لشعوره بوجودها، احساس جميل من الصعب عليه


 شرحه بالكلمات، وقعت عينيه على زجاجة مُفتته بالارض، التقط إحدى القطع المكسورة وهو ينظر للاشجرة بنظرة مفعمة بالحياة .. نحت بكلماتٍ خرجت من القلب لقلبها مباشرةً.. بكلماتٍ لم يكن يتخيل يومًا بأنه قائلها. 


وبعد الانتهاء... تحرك من مكانه عازمًا بشيء إن تمت المهمة على خير وبقائه حيًا سيفعله دون تردد حتى.


❤ اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد ❤


تعدت الساعة الثالثة فجرًا... كان يجلس على إحدى الأرائك بغرفة والدته، نظر لساعته ونهض سريعًا من مكانه .. هَنْدَمَ من ملابسه مستعدًا للخروج من المنزل والذهاب للمكان المحدد تنفيذ المهمة فيه .. القى نظرة سريعة على غرفة والدته،




 واقترب من صورتها المعلقة على الحائط وهو يطبع قبلة طويلة على جبينها بدموع انسالت رغمًا عنه... تحرك سريعًا من المكان متوجهًا للجهاز حيث كان ينتظره الجميع. 


ترجل من دراجته النارية وهو يلقي السلام للجميع، جلس إلى جوار ناصر الذي ربت على يده بنظرة تعي الكثير مما يحمله القلب له... قال بابتسامة مطمئنة وهو يضم يد سراج بين يديه:

- ما تخفش .. احنا سوا وهنقوي بعض. 


رمق سراج أيديهما المتشابكة بابتسامة ارتسمت على شفتيه ليصيح ناصر بصوتٍ عالي:

- يلا يا شباب .. كل واحد عارف هو هيعمل إيه .. خليكوا مركزين لأن المهمة دي مش ساهلة واللي فيها ناس مش ساهلة أبدًا .. همتنا يا شباب يـلااا .


أنهى حديثه وتحرك هو وسراج ومن ثُمَّ باقي الفريق لطريق صحراوي علم بموقعه من محادثة قامت بين كريم وأحد رجالة. 


ترجل الفريق من السيارة التي كان يسير خلفها هو وصديقة بدراجته النارية، ترجل منها بدقات قلب تتواثب بتوتر، ما الذي يحدث معه؟ لماذا يشعر بكل هذا الخوف.. غير كونها القضية تخصه لكنه الآن تعلق بالحياة لأن بها حياته، تنهيدة عميقة



 خرجت منه مع تردده لآيات الله بخفوت لكي يهدأ قليلًا، مستعيذًا من الشيطان وتفكيره بكل المُعاناة التي عانتها والدته لكي يسترجع حقها دون خوف او تراجع فيما يخطط له. 


اخذ كل شخص بالفريق اتخاذ موضعه كما قسمهم سراج مسبقًا بعدما ارتدوا سماعتهم لكي يسهل عليه الحديث معهم.


أول مهمة صعبة يُكلف بها، رغم مرور سنة ونصف على تعيينه بالمخابرات لكن هذه المهمة غير ما مروا من مهمات كان يُنهيها دون هذا الخوف الذي يحتله، توقف عند هذا الحد من التفكير



 وهو يتذكر بكاء والدته قبل وفاتها، نحيبها وأنين روحها الذي كان يشعر به، رؤيته لها تأتي قبل طلوع الشمس تبكي وأول شيء تقوم بفعله هو الاطمئنان عليه واحتضانه إلى أن تذهب



 في نوم عميق من كثرة ما تحمله من ألم.. مرضها الذي كان هو السبب فيه، كان يخطط للانتقام منها بشيء ليس لها علاقة به.... قوة كبيرة تضاعفت بقلبه للانتقام مما جعل خوفه يتبدد لقوة وعينين تُناظر الطريق بالمرصاد لمن يراه...


يقف الجميع على بعد مناسب من المكان منتظرين أيًا من اتباع كريم تظهر، طال انتظارهم مما جعل الجميع يزفر بحنق وكأنه فخ قد نصب لهم.


كان يتتبع الطريق.. منتظرًا أي شخص إلى أن تناهى إلى مسامعة صوت ماجد أحد افراد الفريق الذي تحدث ببعض من الضيق:

- وبعدين بقا يا شباب؟ أنا حاسس إنه مجرد فخ نصبوه لينا ومكان التسليم في حتة تانية.


ما لبث أحد ان يُجيبه إلا وأجفلهما صوت عمر -أحد افراد الفريق- وهو يتحدث بسرعة بعدما رأى إحدى السيارت تأتي على بعدٍ منهم:

- ظهرت عربيتين نقل كبيرة. 


صمت عام حل عليهم، نظر إلى السيارتين منتظرًا خروج أيًا منهم ويتم استلام أي شيء لكي يقوم المداهمة وهم بهذه الوضعية لكن لم يخرج أحد مما جعله يشك بالوضع كَكُل لكنه



 انتظر حدوث أي شيء وبسرعة البرق ظهرت سيارة من العدم وخلفها أُخريات لم يعلم من أين اتو وهو قسم الفريق على



 المكان أكمل لكي لا يكون لديهم سبيل للهروب.. خرج الرجال من السيارت وهم ملثمين، يقومون بتبديل أماكن السيارات وبهذه اللحظة أعطى اشارة للفريق وبالقوة التي أتى بها بالمداهمة في الحال. 


انتشرت القوة في المكان والجميع يصوبون أسلحتهم على الرجال الذين لم يفعلوا آية ردة فعل سوى أنهم استسلموا للأمر الواقع دون حتى دفاع او هروب من المكان! 


قام الجميع بالقبض عليهم في حين أخذ هو يبحث عن شخص واحد ينتظر رؤيته منذ زمن، ضرب السيارة بقدمه وهو يتأجج غيظًا حينما لم يعثر عليه ليعلم كون الذي حدث ما هو إلا كمين قام بفعله هذا المدعو بكريم.


تحرك من المكان بنظرات نارية وهو لا يرى أمامه من الغيظ.. ما لبث أن يصعد لدراجته إلا وأتته رصاصة استقرت بصدره من العدم وهروب جميع من قاموا بالقبض عليهم وهم يصوبون الأسلحة عليهم إلى أن اختفوا جميعًا من المكان. 


ركض إليه صديقه بسرعة جنونية وهو يحمله على ظهره ببكاء من كمية الدماء التي تنسال من جسده....


❤ اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد ❤


تثاءب بضجر من أشعة الشمس التي تسللت من شرفة غرفته، أخذ يتقلب في فراشه استعدادًا للنهوض، فتح عينيه بتكاسل وهو يُلقي نظرة سريعة على الغرفة.. تحديدًا على هذا الصندوق الموضوع بجانب الفراش في أريكة بزاوية ما بالغرفة ..

نهض بنشاط على غير العادة وهو يجذب المنشفة من خزانته ذاهبًا لدورة المياة ليأخذ حمامًا دافئًا ثُمَّ يذهب لوجهته كما خططت ليلة أمس.


خرج بعد وقت لا بأس به وهو يجفف خصلات شعره، فتح خزانته واخرج بنطال جينز اسود وتيشيرت ابيض قد اهدته له زوجته مسبقًا كما ساعة يد التي كانت أيضًا هدية منها بلونها الاسود كما يُحب وحذاء رياضي أبيض .. 


ارتدى ملابسه بسرعة وهو يُناظر ذاته بالمرآة بابتسامة واسعة احتلت ثغره مع تنهيدة مفعمة بالحيوية خرجت منه... عازمًا لإنهاء جميع الصراعات التي بينهما والفجوة الغريبة التي حدثت دون آية فعل منه -هكذا يظن-، لكنه قرر أنه سيعترف




 لها بكل ما حدث.. كل شيء فعله في حقها سيعترف به، سيجعلها قوته وأمانه ومأمنهُ وسنده .. مهما دفعته بعيدًا سيقترب، مهما كان حديثها لازعًا سيجعل قلبها يلين تجاهه لأنه يُحبها.


خرج من غرفته ونزل للأسفل بخطوات أشبه بالركض، اقترب من والدته الجالسة أمام التلفاز تُشاهد إحدى البرامج الدينية.. طبع قبلة طويلة على رأسها مع قوله بصوته العالي والمازح:

- التقلان علينا ومش بيقعد مع حد خالص .. وحشتيني والله. 


ضحكت والدته على حديثه وهي تتمتم بحزن مصطنع: 

- أنا بردو اللي تقلانة؟ 


أمسك يديها وقبلهما بحنان ظهر جليًا بعينيه التي ناظرتها بحزن حقيقي.. تنهد بعمق وقال:

- سامحيني على أي وقت قصرت في حقك فيه .. عمري ما هسيبك تاني ولا تخلي حاجة تبعدني عنكوا .. أنا بس محتاج دعواتك يا غالية.


ربتت على ظهره بابتسامة حانية وهي تنتشله إلى أحضانها بضمة قوية جعلته يستكين بداخلها، وكأنه الآن فقط وجد ضالته! 

ابتعد عنها قليلًا مودعًا إياها بعدما ألقى مداعباته لكي تضحك ويرى ابتسامتها، أخذت تدعو له وهو يبتعد عن ناظريها بدموع انسالت رغمًا عنها وهي ترجو ربها بالهداية له ويبعد عنه كل سوء. 


خرج هو من المنزل وترجل سيارته وخرج من الحديقة بعدما ارتدى نظارته.. اراد فقط الذهاب لصديقة والحديث معه بما يُريد فعله.


وصل للمكان المحدد بعد ربع ساعة تقريبًا... ترجل من السيارة وصعد للعمارة قاصدًا شقة صديقة بالتحديد، ما لبث أن يطرق الباب إلا وأجفله خروج إحدى الفتيات من الشقة بدلالية واضحة على مشيتها، رمقته الفتاة بابتسامة بعدما غمزت بعينيها بمكر وذهبت من أمامه.


تنهد بقوة ودخل للشقة ومن ثُمَّ غرفته، ابتسم بخبث وذهب سريعًا للمطبخ واحضر كوب ماء وسكبه على صديقة الذي نهض من مكانه فزعًا وهو يتلفظ بالشتائم مما جعله ينفجر ضاحكًا عليه. 


جلس إلى جواره معتذرًا منه من بين ضحكاته، قال بابتسامة:

- يلا قوم بقا .. النهار ده اليوم طويل ومحتاجك في كذا حاجة كده.


تثاءب بضجر وهو يشعر بحاجة جامحة في استكمال نومه لكونه لا يزال يرغب في النوم .. تساءل بعدما وضع رأسه على وسادته بنعاس:

- هتعمل إيه؟ 


استنشق شهيقًا عميقًا أخرجه بارتياح مع تحركه من جانبه وفتحه للستائر لكي يتسلل الضوء للغرفة .. نظر من الشرفة وقال بفرحة ظهرت على عينيه ونبرة صوته:

- هتكلم معاها .. هعترف لها بكل حاجة .. هخليها تطمن لي وترجع لي من جديد، هنهي البُعد اللي بينا ده وهقربلها وهحبها أكتر ما أنا بحبها .. حاسس إن كتماني باللي حصل هو سبب كل اللي بيحصل ده .. فأكيد لما نتكلم وافضفض معاها الوضع هيختلف ده غير إني هرتاح. 


كان يغمض عينيه بكل أريحية بمجرد فقط سماعه لحديثه وثب فزعًا من فراشه وهو يُناظره بصدمة حقيقية، ما بقي القليل على تنفيذ مخططه ليأتي هذا الأبلة ويُخبره كونه سيصلح جميع ما فعله لأجل أن يفترقا؟ لماذا يأخذ منه كل شيء اراد الاقتراب منه؟ لماذا يبقى صديقة في هذه الخانة وهو... هو لا خانة له من الاساس!  


اعتدل في جلسته وما زال لا يصدق كون ما سمعه حقيقة، اقترب منه ورمقه بنظرات صعب على الآخر تفسيرها أو ماذا تحمل بداخلها .. قال بهدوء عكس ما بداخله من تساؤلات وغيظ مما استمعه:

- طيب ولو قررت الفراق؟ هتعمل إيه؟ 


دار بجسده تجاهه واجابه بذات الهدوء لكن بداخله يخشى قرارها:

- هحترم قرارها بس هطلب منها تسمحلي بفرصة تانية .. فرصة هجاهد نفسي وهجاهد الأيام والسنين، هجاهد الكل



 عشانها وعشان أثبت لها إني اتغيرت .. فارس أنا قررت وعايزك تشجعني على قراري ده ولو جيت في يوم وتعبت قويني يا صاحبي لأني ما لييش غيرك! 


أنهى حديثه وهو يرتمي بداخل أحضانه ويضمه بقوة، لم يفعل الآخر آية ردة فعل.. حتى لم يلف يداه على خصر صديقه وتشجيعه كما طلب منه .. ابتعد عنه وخرج من الشقة بعدما



 طالبه بتغيير ملابسه والذهاب معه لكي يقوم بمساعدته في اختيار المكان الذي سيفعل به حفل بسيط له ولها فقط. 


تتبعته عيناه وهو يخرج من الغرفة ثُمَّ من المكان أكمل بدموع تحجرت بمقلتيه، سيأخذها منه كما يفعل دائمًا .. سينتشلها



 لأحضانه بعدما أبعدها عنه! وماذا عنه؟ هو يُريدها ويُحبها ويقسم كونه سيتغير لأجلها... إذًا لن يجعله يقترب منها خطوة واحدة وسيكون هو الأقرب لها في هذه الاوقات.


انتشل هاتفه وأجرى مكالمة هاتفية لم يتفوه بها إلا بعدة كلمات خرجت بهدوء تام:

- النهار ده .. كل حاجة هتم النهار ده. 


وعجبًا على أُناسٍ يضعون أنفسهم بموضع الضحية، وهم في الحقيقة ثعابين تتزين بثياب الطهر! 


❤ اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد ❤


فتحت عينيها بفزع وهي تعتدل في جلستها وتُناظر ساعة الحائط بقلق حينما وجدتها قد تعدت الحادية عشر ظهرًا .. قامت بارتداء الروب خاصتها وإغلاقه باحكام ملتقطة هاتفها



 الذي وضعته على الكمود، اجرت اتصالًا هاتفيًا عليه وهي تدعو له بالسلامة.. زفرت بقلق عندما لم يأتيها الرد، أخذت تذرع الغرفة ذهابًا وإيابًا بدموع متحجرة. 


ما لبثت ان تدخل دورة المياة لكي تستبدل ملابسها إلا ووقعت عيناها على الوردة الموضوعة بجانب وسادتها، ابتسمت بحب على زوجها الذي لم يكف عن فعل عادته تلك. 




اقتربت من الفراش وهي تأخذ الوردة بين راحتي يديها وتقربها من أنفها، مستنشقة عبيرها .. عقدت حاجبيها عندما رأت ورقة صغيرة كانت أسفل الوردة ولم تنتبه لها .. جلست إلى الفراش وأخذتها وقامت بقرائتها في الحال:

- ".أنا في حُبك كصائم، لن يرتوي إلا بماء عِشقك."


تدرجت حمرة الخجل على خديها وهي تخفض رأسها وكأنه أمامها الآن وتسمع صوته الذي يُذيبها .. وضعتهم جانبًا ودخلت دورة المياة لكي تنهي تقوسها الصباحية سريعًا وتذهب لغادة. 


خرجت بعد مدة ليست بقليلة... قامت بارتداء خمارها ومن ثُمَّ خرجت من المنزل بسرعة وبداخلها قلق يكاد يفتك بها.


استقبلتها غادة بالترحاب الشديد وهي تسحبها للداخل بفرحة ظهرت عليها .. قالت:

- البيت من غيرك والله ما ليه لازمة. 


ابتسمت ورد بخفه وما لبثت أن تجيبها إلا وأجفلهما صوت جاسر من خلفهم قائلًا بتذمر:

- لا والله؟ وأنا كيس بطاطس في البيت مثلًا؟ 


ضحكت ورد بقوة بينما شهقت غادة بخجل وهي تجيبه بخفوت:

- أنت الخير والبركة يا نور عيني. 


رمقها بمكر واقترب من ابنته التي ارتمت بداخل أحضانه بدموع.. ضمها إليه وقال باشتياق:

- حبيبة قلب بابا .. طمنيني عنك وعن أميـ...


قطع حديثه رنين هاتفه الذي جعله يبتعد عنها مرغمًا وهو يجيب على الهاتف .. بينما اقتربت منها غادة وتساءلت عما يجعلها بهذه الحالة الغريبة، أخذت تسرد لها ورد مقابلتها بسراج وحديثهما وهذه المهمة التي تمت اليوم وإلى الآن لم يُراسلها كما اتفقا الأمس ..  


لم تحزن ولم تبدي آية ردة فعل سوى كونها ابتسمت.. ابتسمت بصفاء وهي تدعو ربها بتيسير أموره وحفظه من كل شر ..



 وكأنه ابنها التي لم تلده رغم أنها لم تره من قبل... تحدثت معها لكي تطمئن قلبها وتخبرها كونه بخير وأنه سيحادثها ما أن ينتهي. 


وثبت بفرحة وهي ترى اسمه يحتل شاشة هاتفها، لم تنتظر ثواني وضغطت على زر الاجابة ليأتيها حديثٍ لم تكن تُريده،




 حديثٍ وقع على قلبها فأدماه وجعل دموعها تنسال بغزارة على وجننيها حُزنًا، غير عابئة بهذا الواقف خلف الباب يستمع لحديثهما بدموعٍ تلألأت بمقلتيه وبقلبٍ تعالت دقاته خوفًا من مكروه يُصيبوه. 


❤ اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد ❤


صعد سيارته بإنهاك بعد يوم عمل صعب بالعمارة التي سيقوم بفتح عيادته الخاصة هو وأمير بداخلها.. داعيًا ربه بأن يجعلها خير عليه وعلى صديقة. 


توجه لمنزل جدته لكون اخته ما زالت تقيم عندها، اشتاق لها ويشعر بالفراغ من دونها، المنزل فقط بهجته لمجرد كونها



 خارج نطاقه .. لم يكن يعلم كونها هي من تضيف له البهجة والحيوية بضحكها المستمر ومقالبها التي لم يسلم منها أحد بالمنزل.


ترجل من السيارة وصعد سريعًا للأعلى بعدما ابتاع لها بعض الحلوى والفشار كما تحب... طرق الباب عدة مرات متتالية ليأتيه صوتها المنزعج من الطارق من الخلف، كتم ضحكته وما



 لبث أن يجيبها إلا وظهرت أمامه بكنزة بيتيه واسعة وبيدها صحن مليء بالكوسة التي انتهت توًا من تقويرها لتصلح



 للحشو كما وجهها المليء بالصلصة التي لا يعلم ما الذي جاء بها وخصلات شعرها التي قامت بإخفائها بإيشارب اسود صغير ..



 لوهلة شعر كونه لم يأتي لمنزل جدته، ناظرها بصدمة تحولت لضحك هستيري من مظهرها .. قال من بين ضحكاته:

- والله ودهورت الايام حالك يا ندود .. ما كنش يـوومك يا اختـااااي. 


رمقته بغيظ ودخلت للشقة تاركة إياه يضحك دون توقف إلى أن اقتربت منه جدته وتساءلت بابتسامة:

- مالك يا وليد؟ 


اجابها وما زال يضحك:

- إيه اللي عملتيه في البنت يا تيتا بس .. ده بقت ست بيت شاطرة أوي. 


أنهى حديثه وانفجر بالضحك مُجَدَّدًا وشاركته رقية الضحك وهي تسحبه للداخل تحت نظرات ندى المتغاظة التي تخلت



 عنها وهي ترى يده مُمسكة بكيس كبير إلى حد ما .. اقتربت منه وانتشلته من بين يديه بفرحة ليُتابع وليد حديثه بتنهيدة متعبة من كثرة الضحك:



- أنا كنت جايبهم لندى .. الطفلة الصغيرة دي .. ما كنتش اعرف إن يومين عند تيتا هيخلوكِ ست بيت عاقلة كده! 


رفعت كتفيها بلامبالاة ودخلت الغرفة سريعًا وهي تضع الكيس جانبًا لكي تأخذ حمامًا باردًا -كما اعتادت- لكي يزيل عنها غبار وتعب اليوم. 


ربتت رقية على قدم وليد الذي طبع قبلة حانية على رأسها .. قالت بابتسامتها المعتادة: 

- اخبارك يا قلب جدتك واخبار عيادتك .. قربت تخلصها؟ 


قال بهدوء:

- دعواتك يا تيتا .. الحمد لله كل ما نلاقي مكان نفتح فيه العيادة تحصل مشكلة ونسيب المكان والله لحد ما بابا وعمي يوسف اقترحوا عليا أنا وأمير انهم هيبنوا وبلاش نأجر. 


رقية بتأييد للفكرة:

- طيب ما فكرة حلوة .. على الاقل المكان هيبقوا تبعكوا. 


تنهد بهمق وأردف:

- عايزين نشتغل من حاجة احنا نكون عاملينها .. نكون تعبانيين فيها وتعبنا لحد ما وصلنالها عشان لما يجي وقت النجاح نحس بالانجاز اللي بجد. 


أخذت تدعو له تحت ابتسامته التي تزداد شيئًا فشيئًا إلى أن تذكر منظر اخته لينفجر بالضحك مرة أُخرى تحت نظرات رقية المصدومة منه. 


لم يكن يدري بتلك المسكينة التي تقف خلف الباب، تُناظره بدقات قلب عالية إثر ضحكته التي تُطيب جروح القلب وتشفي كدماته.. كانت تحاول استرجاع قوتها التي سُلبت منها بمجرد



 رؤيتها له، زفرت شهيقًا قويًا مع طرقها للباب الذي كان شبه مفتوح مع نهوض رقية من مكانها واستقبالها بفرحة كبيرة بتجمع احفادها. 


شعر بدقات قلبه تتواثب بمجرد سماع اسمها من قِبل جدته، نظر إليها لكي لا ينخرط بالتفكير الذي لا يعلم ما نهايته، رد السلام عليها وأخذا يتحدثان بأمور الدراسة وحالهما فقط



 وبجانبهما رقية التي تبتسم خفية على توتر الاثنين بمجرد حضور الآخر .. دعت دعوة صامته بقلبها ترجو ربها أن تتحقق...

 

        الفصل الخامس والعشرون من هنا

لقراءة باقي الفصول من هنا

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-