أخر الاخبار

رواية خفايا القدر الفصل الاول والثانى بقلم روان عرفات

رواية خفايا القدر

 الفصل الاول 
والفصل الثانى
 بقلم روان عرفات
 


تعدت الساعة الثالثة فجرًا، كل الشوارع هادئة لا صوت سوى صوت الرياح التي تهب الخوف داخل أوصاله بشيء هو حقًا يجهله. 


ترجل من سيارته سريعًا وحملها بين ذراعيه وصعد للأعلى بخطوات أشبه بالركض، لا يفكر في شيء سوى سلامتها فقط. 


أخذ يصرخ بكل قوته لكي يأتيه أي طبيب، ولكن لا يوجد أحد وهذا ما جعل الدماء تغلي في عروقة كون الطبيب ليس بالمشفى.


جلس أرضًا وهي ما زالت بين ذراعية فاقدة للوعي لا تشعد بما يحدث لكنها تشعر بوجوده .. أخذ يبكي كطفل صغير يشعر بالتيه كون والدته ليست معه... مُمسكًا بيدها ويقوم بتقبيلها



 ببكاء مصاحب بالدعاء لها .. أما عنها فكانت حقًا تشعر بهمساته وبكائه ولمسة يديه التي تحتويها، تُريد الحديث وتجفيف دموعه بيدها لكنها لا تستطيع!  


نهض من جانبها وأخذ يصرخ بالأطباء الذين أتو توًا .. اقتربوا منها وقبل دخولها لغرفة العمليات اقترب منها، شدد على مسكة ليدها بقوة وهو يفصح عما يكنه بداخله بصوت غاضب:

- والله ما هسيب حقك، والله هدفع تمن تعبك ودموعك وعذاب قلبك غالي أوي .. والله ما هرحم حد. 


❤اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد❤


خرجت من الكلية وهي تتأبـط بذراع صديقتها وبنت عمها التي في مثابة الأخت لها لكونهما في نفس العمر .. فقد أتما عامهما



 الثالث بعد العشرين منذ ما يقارب الشهر، هذه آخر سنة دراسية في حياتهم... يغطي النقاب ملامح وجهها البرئ، كما الخمار



 الذي زادها وقارًا، بهيئتها التي تسلب عيني المارة إليها على الرغم من عدم ظهور أي شيء منها .. لكنها أصبحت أكثر جمالًا وعفة بهما ! 

 

نظرت إلى أوركيد بابتسامة جانبيه على خمارها الذي قامت بإرتدائه منذ بضعة أيام فقط كما وجهها الحنطي وعينيها


 السوداء الواسعة .. أكبر منها طولًا لكن عقلًا يتسابقان في من سيصبح أصغر، لديها ملامح بريئة كالأطفال .. لها رونق خاص بها تتميز بـه عن غيرها. 


أخرجتها من شرودها بصوتها الرقيق:

- ندي! فينك يا بنتي ؟


اجابتها بغيظ: 

- يابت غيري نبرة صوتك دي .. إيه الرقة اللي أنتِ فيها دي يا عنيا ؟


ابتسمت أوركيد بأتساع وقالت: 

- أعمل إيه .. ده صوتي .. وصح بكره خطوبتي يعني هتباتي معايا ومش هسيبك أبدًا فاهمة .


ما لبثت أن تنهي حديثها إلا ورأته من بعيد .. تمتمت بخفوت:

- طيب الحقي خطيبك جاي اهو .. انا هسيبك وهروح المحل اللي جمبكوا ده وهشترى حاجه كده تكوني خلصتي كلام معاه .


ذهبت سريعًا دون أن تترك لها المجال للإعتراض، فهي لا تحب الجلوس معه في ذات المكان! 


اقترب منها بنظرة متفحصة لها .. قال بابتسامة واسعة: 

- اخبارك يا ندى .. وحشاني .


احتقن وجهها من حديثه وقالت بحدة:

- محمد لو سمحت بطل كلامك ده .. وخليك عارف إني رافضة اي كلام بينا لحد يوم كتب الكتاب .. احترم قراري وشجعني عليه .


نظر إلى عينيها الرمادية الواسعة وقال بحب: 

- يا ندى ما هو أنا مبعرفش أشوفك ومتكلمش .. وبعدين فيه موضوع عايز اتكلم معاكي فيه .


ندى بهدوء عكس غضبها منه:

- أظن إن ليا بيت أب وتقدر تيجي فيه في اي وقت تحب .. لكن نقف في الشارع ده ماينفعش .. يلا عن إذنك .


جاءت لتبتعد عنه لكنه كان الأسرع حينما قبض على يدها وقربها إليه لتصبح في ثوانٍ بداخل احضانه .. شهقت وهي ترفع يدها لا إراديًا إلى فمها مما حدث، ابتعدت سريعًا وقامت بصفعه بقوة مما جعله يهتف بعصبية: 



- أنتِ اتجننتي .. بعدين أنا خطيبك متخلنيش أشك إن فيه حد تاني غيري في حياتك .


جحظت عينيها بصدمة مما سمعته وقالت بعصبية: 

- إيـه اللي أنت بتقوله ده؟ أنت عارف معناه ولا لا؟ إذا كان وقفتك دي معايا في الشارع غلط وإتطريت اقف معاك .. وبعدين لو هنشك من أولها كده يبقى مع السلامة يا ابن الناس .


تغيرت لهجته من الحنية إلى الغيظ والكره لها .. قال بإحتقار:

- كلامك ده يوضحلي إن كلامي بجد .. عامله فيها الشريفة أم نقاب وأنتِ دايرة على حل شعرك .. أنا أصلًا مش عارف شايفه



 نفسك على إيه .. ده أنتِ لولا إن شكلك مش ولا بد يعني ماكنتيش لبستي النقاب .. تمام أوي يا ندى .. واللي وعملتيه من شوية ده عمري ما هعديه .


نظرت إليه بقوة وقد تركت كل حزنها من كلامه وقتًا لاحقًا .. قالت وكأن كلماته لم تمر على قلبها وتؤلمه:

- أنا عمري ما شفت حد بالسفاله اللي أنت فيها دي .. ربنا يهديك والله .


قام بجلب الدبلة التي كانت في جيب بنطالة وكأنه كان يريد هذا الحديث لكي ينهي ما بينهما .. قال بابتسامة صفراء:



- خدي دبلتك يا حلوة .. وإبقي شوفي مين هيرضى بيكي وأنتِ معقدة كده .. بنت مريضة وجايه تطلع مرضها عليا !


رماها بنظرة ساخرة جعلت دموعها تتلألأ بمقلتيها، تماسكت وإستعادت رباطة جأشها سريعًا .. تماسكت وقد خارت قواهـا، منعت دموعها من النزول على الرغم من حزنها وقوة الكلمات على قلبها لكنها تماسكت!


أخذت شهيقًا عميقًا أخرجته بتهدج محاولة منها تخفيف توترها وحزنها لكي لا تبكي أمام أحد .. تنهدت بثقل وأغمضت عينيها تعبًا مما يحدث معها، أتـت أوركيد من خلفها وقامت


 بمحاوطتها بحنو ودموع تهدد بالنزول بعدما إستمعت إلى آخر حديث دار بينهما .. شعرت بوغزات في قلبها من حديثه اللاذع .. قلبها يؤلمها من صمودها في كل ما تمر بـه من متاعب ولكنها صامدة..


دارت ندى بهدوء لتواجهها ونظرت لها بعيون دامعة وهزت رأسها بخفه وكأنها تخبرها أنها بخير ولا بأس بها .. بادلتها أوركيد الابتسامة وأمسكت بيدها وضمتها بحنو لتبادلها النظر بإمتنان وكأنها تستمد قوتها منها ..


💛اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد💛


دخل لمنزلهما بصحبة زوجته التي تستند عليه لكونها لا تقوى على الوقوف.. تلألأت الدموع بمقلتيها على حالها واستئصالها


 للرحم منذ ما يقارب الشهر .. لا يوجد ابشع من الحرمان، حرمان شيء ظللت تدعو به ليلًا ونهارًا وبالأخير يتم استئصال الرحم كليًا بعدما أُصيبت بسرطان الرحم.



سار بها إلى غرفتهما ووضعها بحنو إلى الفراش ناظرًا إليها بابتسامة حانيـة، جلس إلى جوارها وأمسك بيديها بكلتا يديه وضغط عليهما بقوة وكأنه بفعلته تلك يخبرها أنه معها ولا داعي للخوف .. قائلًا بحب:



- خلي في بالك يا غادة إن صحتك عندي بالدنيا .. كفاية وجودك في حياتي .. والله ما محتاج حاجه غيرك وغير ابتسامتك اللي بتبهج روحي وحياتي .. خليكِ قوية عشان انا بستمد قوتي منك .


انسالت دموعها رغمًا .. تمتمت بصوت متحجرش:

- يا جاسر ده حتة الولد مش عارفه اجيبه والطريق ليه خلاص بقا مستحيل .. يعني الأمل اللي كان موجود من كام شهر اتمحى من بعد العملية .


تنهد بثقل من نبرتها التي آلمة قلبه وهشمته دون رحمة، لا يعلم ما الذي عليه فعله في مثل هذا الظرف!



يعلم أشد العلم أنها تحمل في قلبها من الألم ما يكفي لكنها حكمة الله .. يؤلمه قلبه أكثر منها، فهي كأي أم تريد أن تحمل



 ابنها بين يديها .. فمهما كانت ورد ابنته هو، ومهما حدث منها وأصبحت ابنتها التي لم تلدها لكن فطرتها كأم تعلم أنها ليست ابنتها!


جفف دموعها بأنامله بابتسامة محببه لقلبها قائلًا بدموع متحجرة: 

- عارف إن ده حقك وعارف إنك مدايقه أكتر ما إنه باين عليكي .. حاسس بيكي وبوجع قلبك يا روح قلبي .. بس يا غادة دي حكمة ربنا وإرادته .. ربنا أراد كده وأكيد ورا اللي



 حصل ده خير .. ربنا هيعوضك ويعوضني بحاجه احنا لحد دلوقتي مش عارفين اي هيا لكن هنعرف .. مش يمكن احنا ولاتنين عوض لبعض عن أي حاجه عشناها ودي حقيقة والله 



.. زي ما أنا عارف إن أي كلام هقوله مش هيغير حاجه بس ديما خليها في بالك إنه خير .. خير وبس .. أنتي فهماني ولا أنا بقول اي بالظبط .


ضحكت بخفه وقالت من بين دموعها:

- الخير اللي بجد والعوض اللي ربنا عوضهولي بيتوقف عندك أنت .


تنهدت بقوة وتابعت بابتسامة جاهدت في رسمها على محياها:

- أنت الأب، والأخ، والصديق، والحبيب، وكل حاجه اي ست بتحلم يكون جوزها كده .. زعلي لأني مش عارفه اجبلك حتة


 عيل .. يبقى مني ومنك .. ووالله ما بقول كده عشان تفهم كلامي غلط .. ورد دي روحي اللي من غيرها مقدرش أعيش .. بـ ..


قاطعها بحنو: 

- متكمليش .. أنا فاهمك وعارف هتقولي إيه .. متتعبيش نفسك في الكلام ومن دلوقتي مش عايز الفرحة تسيب وشك فاهمـة .


اماءت لـه بخفه وقد زال حزنها، حتى وإن كان في القلب حزن تعلم أشد العلم أنه سوف يمحو الحزن بنظرة من عينيـه...


قربها إليه وضمها بتملك، لا يريد تركها ولا يريد هذا الحزن أن يستوطن قلبها ولا لثوانٍ!


                                    ****************  


خرجت من دورة المياة بعدما أخذت حمامًا دافئًا لكي تمحو أثـار الحزن من عليها .. كما زوجها الذي تركها منذ بضعة دقائق وبعدما جعل قلبها يتغير من الحزن إلى الفرح.



ابتسمت بخجل وهي تتذكر كلماته المعسولة التي كانت لقلبها كالمطهر الذي يطهر الجرح من أي ألم. 


كيف عنده القدرة على محو حزنها من قلبها؟!

بكلمة واحدة فقط يمكنها أن تتناسى ما يؤلمها. 

كانت تظن أنها سترى أيامًا متعبه طالما اختارته حبيبًا لها .. خاب ظنها ولأول مرة إلى الأجمل والأحسن والأطيب للقلـب!


قامت بإرتداء فستان ابيض يتوسطة حزام أسود وتركت العنان لخصلات شعرها تنسال على كتفيها بدلاليـة .. ابتسمت برضا إلى مظهرها .. أرادت أن تترك حزنها جانبًا وتتمتع ببعض الراحة والفرحة مع صديقاتها.


تناهى إلى سمعها صوت جرز الباب مما جعل الابتسامة تتسع على محياها .. فقد أخبرتها روز بأنها ستأتي لها ومعها العائلة بأكملها لكي يجلسوا معها لبعض الوقت.


ذهبت سريعًا إلى الخارج وقد كانت ورد تسبقها حينما هي قامت بإستقبالهما بابتسامة خجولة عندما وقعت عينيها على حماتها وعد والتي هي أمًا لها.


تمتمت غادة بابتسامة واسعة: 

- والله وحشتوني يا بنـاات .. ووحشتني لمتنا .


اقتربت منها روز وقامت بإحتضانها بدموع متحجرة .. تتبعتها وعد وحياه وأميرة بدموع تتلألأ بمقلتي كل منهما على حال صديقتهما .. أخذت تضمهما هي وكأنها تستمد قوتها منهما أو في حضنهن تشعر وكأن حزنها الذي بداخل قلبها يتبدد!


بينما كانت تقف أوركيد إلى جانب ندى وبجانبهما سجدة كما ورد أيضًا...

هتفت أوركيد بمرح: 

- على فكره انتو بقيتوا أمهات .


نظرت إليها أميرة وأجابتها بضحكة: 

- إحنا اه عندنا خمسين سنه لكن لسه نينجا .. وبعدين متتكلميش أنتِ يا عروسه ها .


لكزتها حياه بقوة متمتمة بعصبية:

- بتقوليها في وشنا كده مره واحده .. أنتِ كده يعني بتقوليلنا انتو فعلًا كبرتوا صح؟


غادة بضحكة: 

- سيبكوا من الكلام ده وخلينا نرجع يوم من أيام زمان .. عايزه اتبسط يا بنات بوجودكوا .. نسوني كل حاجه وأنا معاكم .


اقتربن منها الفتيات الأربع وقاما بإحتضانها بقوة بينما وعد وأميرة وروز انسالت دموعهما على خديهما بحرارة من الألم القابع بداخل صديقتهما وليس لديهما القدرة على محوه .. لكنهما قررا أن يجعلاها تتناسى كل شيء ماداما إلى جوارها! 


💛اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد💛 


- قوليلي بقا أخبار غادة إيه؟


قالتها رقية والدة أميرة والجدة لندى والتي بلغت من العمر السبعون عامًا .. أجابتها ندى بهدوء: 

- الحمدلله يا حبيبتي .. أحسن من الأول .


اماءت رقية بخفه وطمأنينة عليها لكنها تلاشت حينما رأت ملامح حفيدتها عابسة كما أنها تنظر إلى الأسفل ويبدو عليها الحزن الشديد ... قالت بتساؤل وخوف:



- طيب وحبيبة قلب جدتها مالها .. ليه عيونها زعلانه كده؟


نظرت إليها بحزن وسرعان ما انسالت دموعها رغمًا وأخذت شهقاتها تعلو مما جعل رقية تقترب منها وتضمها إليها بحنان متمتمة بهدوء: 

- مالك يا ندى .. فيه إيه يا قلب جدتك .. احكيلي .


روت لها ما حدث بشهقات عالية ودموع تنسال على وجنتيها بحزن على الحديث الذي إستمعته منه .. تعلم أن حزنها ليس داعي له لأنها لا تحزن إلى حديث أحد مهما كان! 



شعرت بأن كلماتـه كالخنجـر الذي يصوبه أحدهم في منتصف القلـب.

لا يوجد من يسحب الخنجر لكي يكف الألم لأنه إذا تم سحبه سوف يموت حتمًا، وفي كِلا الحالتين القلب فقد شغفه فيما حوله، أو دعنا نقول بأنه مـات بالفعل!




قالت بضحكة وجع بعدما أنهت حديثها:

- قال لي إني واحده مريضة وجايه أطلع عليه مرضي .. ههههههه .. قال لي كده فعلًا مش مجرد كلام .. قال لي إني أروح اشوف لي حد يرضى بيا وبالعقد اللي عندي ده إذا لقيت .. هههههه انا مريضـة وعايزه اتعالج!




كانت تتحدث ودموعها تتساقط على وجنتيها بحرقة من حديثه اللاذع، وعلى الرغم من كونها لا تحبه ألا أن حديثه جعلها حقًا تختنق وتفقد قوتها في السيطرة على قلبها .. غير



 عابئة بوالدها الذي جاء للتو من عمله وذهب إلى غرفتها كما يفعل دائمًا .. لكنه توقف قبل أن يطرق الباب حينما استمع إلى حديثها .. فهو يحب الذهاب لها أولًا بعد يوم عمل شاق .. يشعر



 بأنها تزيل آلامه وتعبه بهذا اليوم .. لكن اليوم قد زادت من أوجاعه أضعافـًا مضاعفـة بحديثها وبما حدث معها، فهذا ثالث خاطب يتركها أو هي التي تتركه أو لا يعلم، هو حقًا لا يعلم!




تنهدت بثقل وتحمحم وطرق إلى الباب بخفه ليأتيه الرد بالدلوف .. دلف بابتسامة برع في رسمها على محياه.




إستقبلته ندى بابتسامة واسعة متناسيه وجع قلبها، اقترب منها وقام بمحاوطتها بحنو وذهب إلى والدة أميرة وقبل يديها بحب.


شدت من إحتضان إبنته محاولًا منه كبت دموعه.. تمتمت ندى بضحكة: 

- على فكرة أنا مش أميرة .


إبتسم بخفه وقال: 

- أميرة حاف كده؟


قالت بمرح: 

- أجبلك فينو طيب عشان تحشيه؟


نظر إليها بعدم فهم وسرعان ما انفجر ضاحكًا متمتمًا من بين ضحكاته: 

- مش هتبطلي لماضة .. أنتي كبرتي على فكرة .


ندى:

- عندي تلاتة وعشرين .. فين الكبر في كده؟


قرص وجنتيها بخفه وابتسامة جانبيه، وذهب إلى غرفته بدون أن ينبس ببنت شفة .. نظرت إليها رقية تحسها على الذهاب خلفه لتخبره بما حدث.




ذهبت خلفه سريعًا واحتضنته من الخلف قبل أن يدلف إلى الغرفة، وضعت رأسها على كتفه بدون أن تتحدث .. شعر بها وتألم قلبه عليها .. أمسك بيدها الصغيرة ودار لكي يواجهها، مسد على شعرها بجنو متمتمًا بهدوء:



- مالك يا حبيبة قلب أبوكي .


أخذت شهيقًا عميقًا وأخبرته بكل ما حدث في ثوانٍ وبسرعة وكأنها لا تريد أن تتذكر ما حدث بالتفصيل.. لكنها تغاضت عن حديثه اللاذع وأخبرته بأنهما انفصلا فقط!




أحمد بابتسامة محزنه، أدمعت عيناه على صغيرته وعلى ما حدث معها.. قال بهدوء ودموع تنسال رغمًا:



- متزعليش نفسك .. أنا بنتي الف من يتمناها ومش معنى إن ده راح يبقى مش هيجي مكانه .. لا ده هيجي سيده كمان .


جففت دموعه بأناملها وقالت بابتسامة جانبيه : 

- أنت اللي متزعلش .. أنا مش زعلانه .. عادي خالص...المهم عندي وجودك في حياتي يا سنـدي. 


💛اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد 💛 


دقت الساعة الحادية عشر مساءًا حيث يجلس مع أصدقائه في النادي المليء بـالكثير من الفتيات الآتي يظهرن مفاتنهن بدون خجل من الأعين المسلطة عليهن .. بل وأنهن يتمايلن على الموسيقي وكأنهن بمفردهن!




لا يوجد حياء ولا غيره!


أما عليه هو فكان جسده معهن، لكن عقله مشغولًا بها وبكل ما يخصها .. ابتسامة واسعة احتلت ثغره وهو يتذكر أن يوم غد سيكون خطبتهما. 



حبيبته الذي إنتظرها كثيرًا ستصبح ملكه هو فقط!

يكاد لا يصدق أن بالفعل ستبقى لـه. 


اقتربت منه إحدى الفتيات الآتي بالنادي والتي ترتدي فستان أحمر صارخ، بالكاد يصل إلى ما بعد الركبة .. له طبقة عند


 الصدر من التول اللامع .. يتوسطة حزام من نفس اللون .. تترك العنان لخصلات شعرها بالتمرد على كتفيها بدلالية.


انتبه إليها من خطواتها بحزائها العالي الأسود .. تسير بغنج ودلالية يصعب على العين تحمله!


نظر إليها مرغمًا بعينين تتفحصها بصدمة من جازبيتها المفرطة.


جلست إلى جواره بدون أن تأخذ إذنه في جلوسها معه ، قالت برقة ونبرة جعلته يذوب في صوتها:

- هاي .. أنا روجينـا بس قولي يا ريجـو .. أنا بحب اللي بيقولي كده على فكرة .


أنهت حديثها بضحكة عالية وغمزة من عينيها الخضراء جعلته يبتسم رغمًا!


تمتمت بهمس: 

- أنت شكلك جديد هنا .. ليك صحاب ولا لوحدك؟


هز رأسه نافيًا وقال: 

- لا .. جيت كذا مره .. وليا صاحب وأكيد تعرفيه .


اقتربت منه وقالت بهمس بجانب أذنه:

- طيب ومبتشربش لي؟


نظر إليها كرم بعينيه المائلة للإخضرار والتي تشبه عينيها إلى حد كبير .. ابتعد عنها قليلًا وقال ببحه: 

- مابشربش كتير .


اقتربت هي مجددًا وكأنها ترغمة على الإقتراب منها .. قالت برقة وهي تمد يدها بكأس الخمر:




- طيب خد ده عشاني وعشان أول مره نشوف بعض .


تردد في أن يمد يده ويأخذه منها .. تذكرها هي .. وكيف له أن يجلس مع أخرى والغد ستتم خطبتهما وستصبح مسؤله منه ومن واجباته أن يراعي الله فيها وفي حبها له وأنها وثقت به وسلمته نفسها!


تغلب عليه شيطانه وهذه العاهرة حينما اقتربت منه وأصبحت في حضنه .. جعلته يأخذ منها الكأس رغمًا أو هو يريد ذلك! 


  💛 اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد 💛 


- اجيلك دلوقتي إزاي يا ورد؟ ده الساعة داخله على اتناشر يا بنتي .


قالها أمير بصدمة وهو يتحدث في هاتفه مع زوجته ورد والذي مر على كتب كتابهما ما يقارب الشهر ..


تنهدت ورد وقالت بتذمر: 

- بص أنت وحشني فتجيلي يعني هتجيلي .


ابتسم بأتساع على تذمرها وقال بهمس: 

- وحشاني أكتر .. كلها شهر ولا اتنين ونبقى في بيت واحد .


كانت تجلس إلى فراشها وعندما إستمعت إلى حديثه نهضت بخجل وتزينت وجنتيها بحمرة الخجل منه، وكأنه يجلس أمامها الآن .. قالت بتلعثم:



- طيب تعالى شويه وبعدها أمشي .. عشان خاطري يا أمير .


زفر بحنق وقال بغضب مصطنع وصوت عالٍ: 

- بقولك إيــه يا ورد .. أنا جاي تعبان من الشغل، ده غير تحضيرات العيادة اللي هلكني، فمش فاضي والله لجنانك ده .


قالت بدموع متحجرة: 

- جنان؟ عشان بقولك وحشني الساعه إتناشر يبقى جنان؟


كتم ضحكته بإعجوبة وقام بإغلاق الهاتف بنظرة متسلية.


نظرت إلى الهاتف بصدمة من تجاهله لها ولإشتياقها .. ألقت بالهاتف أرضًا بعشوائية، غير عابئة بأنه سوف ينكسر حتمًا من رميتها له بتلك الطريقة!


خرجت إلى البلكون وجلست إلى الأرجوحة بدموع تتساقط على وجنتيها رغمًا .. ضمت قدميها ووضعت رأسها بينهما وأخذت تبكي وهي تتذكر صوته الحاد معها وعصبيته عليها.


لم يمضي سوي بضعة دقائق فقط وتناهى إلى مسامعها صوت رنين هاتفها .. نهضت من الأرجوحة بتكاسل وأخذت تبحث عن الهاتف في أرجاء الغرفة، وأخيرًا رأته أسفل الأريكة الموجوده




 بغرفتها، نظرت إلى المتصل بغيظ وقامت بإغلاق الهاتف، لكنه عاود الاتصال مجددًا وأخذ يبعث الرسائل بكثرة مما جعلها تقوم بالرد .. قائلة بعصبية: 




- عايز إيه؟ مش قولتلي تعبان وعايز أنام .. روح نام يا أمير وحب نومك براحتك .. النوم أهم مني؟


تساءلت بغيظ لينفجر ضاحكًا عليها متمتمًا بضحكة عالية: 

- أنـاا تحت البيييـت .


أخذت تقفز بفرحة تغمر قلبها بمجيئه إليها في هذا الوقت المتأخر من أجل أن يسعدها، متناسية حزنها منه .. 




أخذت حجابها وقامت بوضعة على رأسها بعفوية وذهبت سريعًا إلى البلكون بفرحة وابتسامة تحتل ثغرها لكن ملامحها تحولت للحزن مجددًا عندما رأته ليس بالحديقة.. فقد ظنت أنه أتى من أجلها بالفعل!




ما لبثت أن تتحدث إليه وتعاتبه إلا وخرجت منها شهقة مذهولة عندما رأتـه يتبين من خلف الشجرة التي توجد في



 منتصف الحديقة الخاص بمنزلها .. وهو يرتدي بنطال جينز اسود وقميص من نفس اللون ويقوم بفتح أول أزرار القميص كما خصلاته المصففة بعناية للخلف، يستند بظهره إلى الشجرة،




 ممسكًا بيده علبة من الشوكلاه كبيرة الحجم كما بوكية الورد الكبير .. وبيده الأخرى يمسك الكثير من البلالين .. ناظرًا إليها بابتسامة حانيـة .. تمتم بنبرة عاشقـة لها:




- مقدرش على زعلك يا وردتـي .. أنا كنت قاصد والله كده وكنت عايز أشوف ردة فعلك .. مكنتش أعرف إنك هتعيطي كده .. يلا كده امسحي دموعك دي، ومتعيطيش تاني .


جففت دموعها بأناملها بابتسامة واسعة وقالت بخجل: 

- وأنت متزعلنيش تاني ولا تتعصب عليا تاني .


نظر لها مطولًا ثم قال بهمس:  

- بحبـك، وما قدرش على زعلك وما قدرش إني أتعصب عليكي .


ابتسمت بخجل ونظرت إلى علبة الشوكلاه وقالت بتساؤل: 

- ألا قولي .. الشوكلاته دي نوعها إيه ؟


نظر إليها جازًا أسنانه بغيظ قائلًا: 

- اللي هامك الشوكلاته صح ؟ امال فين وحشتني يا أمير .. تعالى يا أمير .


انفجرت ضاحكة على طريقة حديثه وتنهدت بابتسامة واسعة وقالت بخجل: 

- بحبـ ...


نظر لها أمير بفرحة وخبث وقال بصوت عالٍ نسبيًًا: 

- اييـووه .


كتمت إبتسامتها وقالت بتوتر مصطنع: 

- بحب الشوكلاتـه أوي .. هو أنت ما تعرفش كده ولا إيـه ؟


ابتسم بغيظ وقال: 

- حبيبتي انا جوزك على فكرة .. يعني كلمة بحبك عادي تقوليهالي .


هزت رأسها برفض وقالت بخبث: 

- لا .. هقولهالك في الوقت المناسب .


إبتسم بخفه عليها .. قال وهو يتفحص بعينيه المكان:

- طيب أنا هحط الحاجات دي قدام الباب وأمشي قبل ما عمي جاسر يجي ويمسكني متلبس .


ضحكت بصخب وتساءلت:

- صح هو البلالين دي جبتها إزاي، والشوكلاته والورد .. مش معقوله جبتهم دلوقتي .


كتم ضحكته وهو يتذكر الذي فعله .. قال بضحكة عالية : 

- بتوع أخويـا كرم .. جايبهم عشان خطوبته بكرة وأنا اخدتهم عشان حبيبتي .


إنفلتت منه ضحكة صاخبه وتابع:

- هتحصل مجزرة بكرة يا معلم بسببك والله .. بس مش مهم يا نـوتيـلااا .


                💛 اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد 💛 


يجلس مع زوجته.... محاوطًا إياها بحنو .. يسير بيده على ظهرها صعودًا وهبوطًا بحنان، مستنشقًا عبيرها المحبب لقلبه.


 

بينما هي تبحر في بحور عشقـه الذي يجعلها ملكة متوجـه على قلبه أمام الجميع .. أغمضت عينيها براحة تحتلها بالكامل وهي بداخل أحضانه .. لكنها لم تدم طويلًا حينما استمعت إلى صوت رنين هاتفه والذي أخذه من الكمود الموضوع بجانب الفراش ..


وثب مذعورًا من حديث المتصل الذي دب القلق في جميع أوصاله بما قاله!

أخذت أنفاسه تتسارع بطريقة مرعبة.. حتى وصلت إلى مسامعها وذهبت إليه بقلق مسائلة عما حدث لكنـه


الفصل _الثاني


استيقظت أوركيد على صوت العصافير ونسمات الهواء الطلق التي تأتي لها عبر نافذة غرفتها المطلة على الحديقة الواسعة الخاصة بالمنزل .. فركت عينيها لكي تزيل عنهما آثار النوم واعتدلت في جلستها وهي لا تزال ممسكة بالفراش .. نظرت إلى البلكون وشهقت بصدمة عندما رأت ندى تجلس على الأرجوحة وتبكي بخفوت. 


هرولت إليها سريعًا وجلست مقابلة لها وتساءلت بقلق: 

- ندى .. مالك يا قلبي .


إنتبهت ندى إليها وقامت بتجفيف دموعها وقالت بابتسامة مصطنعة:

- أنا بخير .. ادايقت شوية كده .. عادي.


احتضنتها بحب وقالت بحزن: 

- امبارح قولت لبابا إني عايزه أأجل معاد الخطوبة وأخليها يوم تاني غير النهارده .. بس هو مرضيش وقال لي إننا أجلناها كتير قبل كده .. أنا آسفه يا ندى .


لكزتها ندى بغيظ وقالت:

- أنتِ هبله يا أوركيد؟ آسفه على إيه .. وتأجلي خطوبتك ليه؟ أنتِ عارفه إن خطوبتك دي جايه في وقتها وأوي كمان .. هيا الحاجه الوحيدة اللي هتفرحني يا بت.


شددت من إحتضانها ومن ثم قبلتها في وجنتيها قبلة طويلة جعلت ندى تتألم على أثرها قائلة بعصبية: 

- خـدوداااي .. هتاكليهم .. اعااااا .


انفجرت أوركيد ضاحكة وذهبت إلى دورة المياة متمتمة بابتسامة: 

- طيب يلا يختي قومي .. خلينا ناكل وبعدها نشوف اللي هنعمله .


اماءت لها بخفه وابتسامة جانبيه وقامت برمي قبلة لها في الهواء لتلتقطها الأخرى بمرح وتضع يدها على وجنتيها بفرحة جعلت ندى تبتسم رغمًا عليها.


نزلت إلى الأسفل حيث تقبع شقتهما في نفس المنزل المكون من ثلاثة طوابق .. استقبلتها والدتها بحزن ظهر جليًا في عينيها .. ضمتها إليها بحزن وقالت بدموع متحجرة: 

- ولا يهمك يا قلب أمك .. وولا كأن حاجه حصلت فاهمه .. وده ميأثرش عليكي أبدًا .


حاوطتها ندى بكلتا يديها وجاهدت في كبح دموعها أمامها، قالت بهدوء: 

- ماما مفيش حاجه .. أنا بخير، ومفيش حاجه هتقدر تأثر عليا .. متقلقيش عليا وخليها زي المرات اللي فاتت .. بطلع من كل فسخ خطوبة أقوى من اللي قبلها ومتنكريش .


أنهت حديثها بضحكة خافته وشاركتها أميرة بالضحك والحزن معًا .. نظرت إليها أميرة بابتسامة حانية وقالت: 

- أنا واثقة من ده .. بنتي قوية ومفيش حاجه هتهزها .


اماءت لها ندى بخفه وارتمت بداخل احضانها مجددًا والأخرى تمسد على ظهرها بدموع على حال ابنتها.


               💛 اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد 💛 


تجلس إلى فراشها بجانب زوجها .. تداعب وجنتيه وأذنيه بأناملها مما جعله يتذمر عليها وعلى مشاكستها له.


فتح عينيه ببطء شديد لشدة الضوء المنبعث من البلكون الخاص بالغرفة والتي قامت وعد بفتحها لكي تتمكن من ايقاظه سريعًا .. أمسك بيدها وقربها إلى شفتيه طابعًا قبلة طويلة عليها، قائلًا بابتسامة: 

- أجمل صباح على عيونك حبيبتي .


ابتسمت له وقالت بابتسامة: 

- قوم بقا عشان نفطر .. جبتلك الأكل لحد هنا أهو .


نظر إلى الصينية الموضوعة بجانبه وقال بابتسامة ماكرة: 

- أنا هتعود على كده واحنا كبرنا على فكرة .


لكزته بكتفه بغيظ وقالت: 

- فين اللي كبرنا ده؟ وبعدين حته لو كبرنا فـ قلوبنا لسا شباب وبتحب بعضها زي الأول وأكتر كمان .


نظر لها بخبث على حديثها وما لبث أن يجيبها إلا وأجفلهما أصوات أبنائهما من الخراج .. ركضت وعد وتتبعها يوسف إلى الخارج .. خرجت ضحكة صاخبه من يوسف وهو يرى كرم يركض خلف أمير ممسكًا بيده المكنسة .. قال بضحكة:

- واحد عنده تسعة وعشرين سنة والتاني خمسة وعشرين .. يعني اللي يشوفكم كده يديكوا سن خمس سنين .. ما تسكـت يـاابنـي أنت وهـووا .


قالها  بعصبية جعلت وعد تنتفض على أثرها كما كرم الذي انقض على أمير، مُمسكًا لياقة قميصه بحدة .. تمتمت وعد بتذمر: 

- خضتني يا يوسف، حرام عليك .


نظر لها وقد تبدلت ملامحه إلى الحب قائلًا: 

- سلامتك من الخضة يا قلب وعيون يوسف أنتِ .


احتضنت كتفه بخجل، ليرمقها هو بنظرة ماكرة .. أخرجهما من حالة العشق أمير وهو يصرخ ألمـًا من قبضة كرم على عنقه:

- بالله عليك مش وقت حنيتك دي خـااالص يا بابا .. أنـا لو محدش لحقني هموت يـا نـاااس .


رماه كرم بنظرة مغتاظة .. نظر إلى والديه وقال بغيظ: 

- البيه خد الورد والشوكلاتة والبلالين اللي كنت جايبهم لأوركيد وراح وداهم لمراته .. يعني أنا مالي دلوقتي؟


يوسف بضحكة: 

- أنتو عاملين كل الدوشة دي عشان كده؟ يعني عشان فرحتكم تضيعوا الوقت اللي بقديه مع حبيبتي .


لكزته وعد بكتفه بخجل وقالت لكرم بنبرة حانية: 

- حبيبي لسه بدري وتقدر تجيب غيرهم، وسيبلي أنا الواد ده والجنان اللي بيعمله .. أنا هعرف أتصرف معاه .


ارتخت قبضة كرم على أمير وما لبث أن يتحدث إلا وسبقه يوسف قائلًا بتساؤل لكرم: 

- هو أنت جيت متأخر لي إمبارح؟ أنا كنت خلاص هنام وسمعت صوت عربيتك بعد ما استنيتك ساعات .


توترت ملامحه وشحب وجهه خوفًا، استجمع رباطة جأشه سريعًا وقال بتلعثم: 

- أصل رحت في بيت واحد صاحبي كنا بنراجع شوية حاجات .. وقبلها كنت بجهز للخطوبة والحاجات اللي هعملها .. عشان كده اتأخرت .


                💛 اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد 💛 


حل الليل سريعًا ، وتسلل القمر خفيـة إلى غرفتها التي تجمع أصدقائها والمقربين إليها .. تمتزج فرحتها بعدم تصديق بأن الذي كان حلمًا سيتحقق اليوم، بالراحة لأن أصدقائها بجانبها وفرحة كل منهن ظاهرة جليًا في عيونهن من أجلها، وهذا يكفي لجعل فراشات قلبها تحلق عاليـًا فوق الغيوم .. فالفرـة لن تصبح فرحة إلا عندما يبقى بجانبك من تحبه وتحب أن تشاركه فرحتك!


بينما هي تجلس أمام المرأة وتقوم ندى بلف الخمار وتعديله على فروة رأسها، وسجدة تقوم بوضع القليل من مساحيق التجميل في بشرتها ببراعة كما ورد التي تقوم بتعديل بوكية الورد.


تنهت ندى من لفها للخمار ونظرت لها بدموع تتلألأ بمقلتيها من مظهرها الذي يخطف الأنظار .. لطالما كانت هي الأخت، والصديقة، والأم أحيانًا، لطالما تعشقها ودومًا ما تكون عونًا لها، وطوق نجاتها في الحياة. 


انسالت دموعها رغمًا مما جعل أوركيد تنظر لها بحزن قائلة: 

- هتعيطي هعيط .


ابتسمت ندى بخفه وإحتضنتها وأخذت تدعو لها بالسعادة الدائمة معه. 


رمتهما سجدة بعصبية وقالت بغيظ: 

- لا بقولكوا إيييـه .. مش عايزه عياط خالص إنهارده .. فاهمين.


تمتمت ورد بمرح: 

- خلوا العياط ده لما اتجوز أمير قلبي .


لوت سجدة شدقيها وهي تصدر من بينهما صوتًا يدل على السخرية وقالت: 

- بس يا بتاعـة أمير .


رمتها ورد بنظرة ذات مغزى جعلت سجدة تنظر لها بغيظ .. قاطعهما صوت روز التي جاءت توًا من الخارج متمتمة:

- ما تستعجلوا يا بنات .. العريس وصل والناس كلها بـ..


صمتت تمامًا عندما وقعت عينيها على إبنتها التي ترتدي فستان أبيض، ينزل بأتساع مناسب .. يتوسطة حزام من نفس اللون .. يأتي من عند الكتف الأيمن ورده كبيرة الحجم من اللون البنفسج؛ تبينت حتى حينما ارتدت الخمار .. كما الأكمام القابلة للتوسع، وحذائها الذهبي اللامع.


اقتربت منها روز وقامت بإحتضانها بفرحة تحتل قلبها متمتمة بنبرة حانية: 

- وكبرتي يا نـور عيني .. ربنا يجعله زوج صالح ليكِ يا حبيبتي .


ابتسمت أوركيد بخجل ورددت:

- ويحفظك ليا يا ست الكل .


أمسكت روز معصمها وذهبت بها إلى الخارج حيث يجلس الجميع ، تتبعتها الفتيات الثلاث بالزغاريد.


شهقة مذهولة خرجت منها عندما رأتـه يجلس بجانب والدها وعلى الناحية الأخرى المأزون .. للحظة شعرت بالـدوران وهي تفكر فيما يفعله المأزون واليوم هو خطبتهما وليس كتب كتابهما!


رفع كرم خضراوتيه على الباب عندما استمع إلى صوت الزغاريد ، وقعت عينيه عليها بنظرة سريعة لكنها كانت كبيرة عند قلبيهما .. تسارعت دقات قلبه حينما اقتربت وجلست إلى جوار والدها والمسافة لا تبعد كثيرًا عنه .. أصبحت أجمل عن قرب .. تبينت عينيها السوداء الواسعة المزينة بالكحل الأسود .. لا يعلم من الذي زين من!


وجهها البريء الذي يوجد به بعض مستحضرات التجميل الخفيفة، وجنتيها التي صبغت بحمرة الخجل بمجرد أن وقعت عيني كل منهما على الآخر .. 

بات ضعيفًا عندما رأهـا .. وقويـًا بقربها .. 

ضعف قلبه عند النبض، وقوة يأخذها بالقـرب منها....

كان للقلب حديثـًا آخر، وكأنه يوبخه عما فعله ليلة أمس .. فقد يكاد يجن منه .. فكيف له أن يسعد برؤيتهـا، ومن السهل عليه أن يتحدث ويجلس مع أخرى! 


ناظرة للأسفل بخجل يحتل أوصالها .. تكاد عبراتها تنسال على وجنتيها من فرط توترها وخجلها من عينيه المسلطة عليها .. أرادت أن تبتعد عنهما لكي يكف عن النظر إليها .. تحدثت إلى والدها بجانب أذنه ببلاهة: 

- هو المأزون بيعمل إيه؟


ضحك آدم بخفه وقال بهمس: 

- لو موافقة كتب الكتاب النهار ده أنا معنديش مانع .. خالك كان متفق معايا على كده بس كرم كان عايز يعملهالك مفاجأة .. ها اي رأيك.


أخذت شهيقًا عميقًا وقال بخفوت وخجل:

- اللي تشوفه يا بابا .. بس بالله عليك خليه يبطل يبص عليا .


نظر آدم إلى كرم الذي مازالت عينيه عليها وقال بغيظ: 

- من دلوقتي هتبصلها ؟ طب على فكرة إحنا معندناش بنات للجواز .


صرخت أوركيد بصدمة: 

- بـابـاا .


آدم بجانب عينه: 

- مش أنتِ اللي بتقوليلي خليه يبطل يبص عليا ؟


نظر كرم إلى أوركيد ورمقها بنظرة ماكرة قائلًا: 

- بتقوليله خليه يبطل يبصلي .. يلا كلها ثواني وتبقي مراتي، وهخليكي متقدريش تقوليله حاجه تانيه .


لكزه آدم بغيظ وقال: 

- بنتي ومبتخبيش عليا حاجه .


ابتسمت أوركيد بأتساع وهي ترى حديثهما وخجلت من عفويتها في الحديث. 


تم كتب الكتاب تحت الزغاريد من الفتيات والفرحة المشتركة من جميعهن .. ومع إنتهاء المأزون من آخر جملته "بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير" 

اقترب كرم من أوركيد وانتشلها إلى احضانه بحركة عفوية .. شددت من إحتضانها بقوة، ولفت هي يدها حول خصره ودفنت رأسها خجلًا في صدره ، متشبثه بـه وهي تحجب عينيها عن أنظار الجميع، مستمتعه برائحة عطره التي اخترقت أنفها إلى أن وصلت إلى قلبها لتعزف مقطوعة موسيقية لقلب عاشق مثل قلبهـا.


ومع دقـة قلبيهما في التصاقهما ببعض حدث حوار بينهما، حوار بين القلوب، لا يفهمه أحد سواهم .. تتواعد فيه القلوب بالوعد، والوصال وعدم الفـراق.

بالحب والتفاهم، طالما نبض القلب يخفق .. بالتشبث بالآخر ولا يترك قلبًا منهما شبيهه .. 


القلوب تتحد، ولكن الأفكار أحيانًا تختلف! 


                 💛 اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد 💛 


هبط الجميع إلى الأسفل وأوركيد تتأبـط بذراع زوجها بخجل من نظرات الجميع. 


دخلت معه إلى الحديقة الخاصة بمنزلها والتي كانت البوابة الواسعة للحديقة يحتلها الورد بالكامل، يكاد يخفيها من كثرته .. بينما الأنوار التي اهتزت حينما دلف الجميع إلى الداخل .. كما الكراسي الزرقاء المتراصة بنظام. 


شعرت بالفرحة تحتلها وهي ترى الحديقة التي تبدلت حالها إلى الأجمل بما فعله فيها .. بينما وهي تتجول بعينيها على المكان نظرت إلى نافورة المياة بابتسامة واسعة وهي ترى أول أحرف من أسمائهما بالورد الأحمر.


بينما المقعد المخصص لهما كان مزغرف بالأنـوار الضئيلة التي أعطته مظهرًا جزابًا .. كما صورهما التي وضعت خلف مقعدهما بشكل منمق ، ومع كل صوره ورده لعباد الشمس التي تعشقهـا مثل والدتها. 


رمقها كرم بنظرة ماكرة واقترب من جانب أذنها هامسًا بنبرة عاشقـة:

- يـااه أخيرًا .


ابتسمت بحياء من قربه وهمسه لها بهذه الطريقة التي تضعف قلبها... تدرجت حمرة الخجل على وجنتيها عندما شتد من ضم يدها بين راحتي يديه.


                                     **************


رمقها أمير بنظرة متفحصة لفستانها السماوي اللامع... ينزل بأتساع وطبقته العلوية شفافة مليئة بالفصوص اللامعة .. قائلًا بمكر: 

- السماوي هياخد منك حته يـا وردتـي .


أخفضت رأسها بحياء منه، رفعتها مجددًا وهي تختلس النظرات على بدلته السوداء .. قالت بابتسامة خجولة: 

- وأنت كمان البدله عليك حلوه .. متلبسهاش تاني غير ليا .. فـاهم .


أنهت جملتها بتحذير... حملق أمير بها للحظات مرت على قلبـه كالحلم... قال بصدمة: 

- أنتِ قولتي إيه؟


رفعت إحدي حاجبيها بخبث ونظرت إلى عينيه الرمادية قائلة: 

- قولت متلبسش البدله دي تاني لأني بغير من عيون أي حد يبصلك .


تمتم بصوت عالٍ: 

- يـاا عمـي جـاااسـر أنـت فيين؟ 


صدمت من صوته العالٍ وحمدت ربها أنهما إبتعدا عن أنظار الجميع في إحدى زوايا الحديقة .. اقتربت منه بدون وعي ووضعت يدها على فمه وقالت بتذمر: 

- هتفضحنا .. أنت مش شايف الناس دي كلها .. ااسكت يا أمير .


ابتسامة خفيفة احتلت ثغره... إتسعت وهو يراها قريبة منه بهذا الحد .. قال بهيام: 

- سكت يا قلب وروح وكل حاجه في أمير .. تعرفي إن دي أول مرة حد ينطق اسمي بالجمال ده .. أنتِ خليتي الأسم حلو لما نطقتيه .. 

أنتِ هتعملي فيا اي تاني يا وردتـي بس؟


ضحكة خافته خرجت منها وقالت برقة:

- قلب وردتك .


ابتعد عنها أمير وقال بمرح: 

- لا بقـا .. أنا رايح لعمي جاسـر .. يـاا عمـي .


                                         *************


اقتربت ندى من سجدة التي تجلس بمفردها شاردة لا تعلم ما بها!

حاوطتها من الخلف متمتمة بمرح: 

- بنت خالو عمرو بتعمل إيه لوحدها ؟ أنتِ مش عارفه إنك وحشاني ولا إيه؟


ابتسمت سجدة بحب وحاوطت يدها ودارت بوجهها لكي تواجهها قائلة: 

- اخيرًا لقيتك .. من بدري بدور عليكِ والله .


ابتعدت عنها ندى لكي تجلس إلى جوارها... قالت بتساؤل: 

- ها يا ستي .. قوليلي بقا قاعده لوحدك ليه؟


تنهدت سجدة بثقل وأغمضت عينيها تعبًا... قالت بحماس ورسمت الابتسامة على شفتيها :

- سيبك مني وخليني في أوركيد .. بقولك اي... ما تيجي ناخدها من كرم ونتصور .. نسيب عقلنا شوية ونبقى مجانين .


أنهت حديثها تزامنًا مع مروان الذي أتى توًا متمتمًا بمزاح:

- وأنتِ من امته يا بنت خالي عاقلة؟


انتفض قلبها، وتسارعت دقاته وشعرت وكأن الدنيا تضيق بها بمجرد سماعها لصوته .. رائحة عطره التي إخترقت أنفها، وصوتـه الذي يوجد به بحه خفيفة جعلتها تغرم به... دارت لكي تواجهه، لكن انعقد لسانها وهي تره بهذا الشكل الجذاب الذي هو به... عينيه السوداء، وشعره المائل للإصفرار نوعًا  ما. 

نظرت إلى القميص الأسود... شعرت وكأنـه يعلم أنها تعشق هذا اللون ليرتديـه دومًا .. ليجعل المتبقي من قلبها ملكـًا له إلى آخر أنفاسها....


أخرجتها ندى من شرودها عندما لكزتها بكتفها بغيظ قائلة بخفوت: 

- رحتي فين يا زفته؟


انتبهت سجدة لما كانت تفعله، وأنها ليس لديها أي حق في النظر إليه!

تنهدت بضيق من حالها وقالت وهي تنظر إلى أوركيد التي تبتسم بأتساع وهي تتحدث مع زوجها:

- أنا همشي وأسيبكوا براحتكوا.


وقفت وهمت بالإنصراف ولكن كانت ندى أسرع حينما أمسكت يدها وجعلتها تجلس مجددًا وقالت لأخاها: 

- ما تروح تجبلنا شيبسي يا مروان .


ضحك مروان بخفه وقال بتساؤل: 

- المهم أنتِ بخير صح؟


اماءت لـه بخفه وهي تعلم ما سر سؤاله... قال بمرح: 

- أنا نفسي أعرف بس .. أمته هتبطلي تفسخي خطوبتك ها؟


ابتسمت سجدة بخفه على طريقته المضحكة وقالت ندى بغيظ: 

- لما نشوفك مع خطيبتك يـاخويـا.


انفجر ضاحكًا متمتمًا من بين ضحكاته: 

- أنـااا فشلكت .


أنهى حديثه بضحكة عالية جعلت تلك المسكينة تنظر إليه بصدمة... وتساءلت هل هي من تركته، أم هو تركها؟!

أكان يحبها ؟ أم إنها مجرد خطيبة فقط!

نظرت إلى عينيه، تريد أن تجد بعض الحزن بهما لتركها... لكنها لم تجد!


قالت ندى بصدمة: 

- أنت بتهزر صح؟


هز رأسه نافيًا وقال: 

- لا بكلمك بجد .. أنا وهيا مش لبعض... ومحدش يقدر يعترض للنصيب!


ظنت أنه حزينًا عليها .. نظرت إليه وجاهدت كي لا تنسال دموعها أمامهما.


                💛 اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد 💛 


أمسك بيدها وقربها إلى شفتيه طابعًا قبلة طويلة عليها، قائلًا: 

- مبارك يا حته من قلبي، ربنا يقدرني وأسعدك .


ابتسمت أوركيد بحياء وقالت: 

- وربنا يقدرني أنا كمان وأسعدك .


غمز بعينه بمكر قائلًا: 

- هتقدري .


ضحك بصخب وهو يرى إحمرار وجنتيها خجلًا من حديثه، تابع بهدوء: 

- ما تيجي نمشي .


نظرت إليه بصدمة ورددت: 

- نمشي فين؟ 


خرجت منه ضحكة صاخبه قائلًا: 

- أنتِ دماغك بتروح شمال ليه؟

هوديكي في مكان لينا احنا بس، بعيد عن الناس .. المهم تعالي أخد رأي جوز عمتي اللي شغال يحب فيها قدام الكل كده .


ذهب بها إلى آدم الذي تمتم بإشتياق إلى زوجته:

- وحشاني .. البت دي من يوم ما اتولدت وهيا وخداكي مني كده .


ابتسمت روز بمحبة وقالت بابتسامة: 

- دلوقتي لما تتجوز هتتمنى بس تشوفها .


آدم بمرح: 

- لا مش هتمنى .. تتجوز هيا بس وتسيبني براحتي .

بس قوليلي، إيه الحلاوة دي .. اللي يشوفك يقول إنك أنتِ العروسة . 


أنهى حديثه تزامنًا مع إقتحام أوركيد وكرم لحديثهما الهاديء قائلًا بمزاح: 

- اي يا جوز عمتي .. قدام الكل كده وهاتك يا كلام، ونظرات وحركات .. طب حتى اعمل حساب للناس. 


ضحكت روز بخفه وقال آدم بابتسامة: 

- اللي يتجوز واحده زي عمتك ميشبعش من كلامها ولا النظرة في عيونها .


كرم بابتسامة: 

- نفسي لما أوصل للعمر ده أفضل أحب أوركيد بنفس الحب اللي بحبهولها دلوقتي وأكتر كمان .


قالت روز بابتسامة واسعة: 

- ربنا يسعدكوا يا حبايب قلبي .. أنتو ناقصكوا حاجه ولا إيه؟ 


اقترب كرم منها وطبع قبلة على رأسها، وفعل المثل لآدم قائلًا: 

كنت عايز أخد أوركيد ونسهر شوية مع بعض .


اعترض آدم ذهابهما بمفردهما، لكن قالت روز بهدوء: 

- روح يا حبيبي .. ومش هوصيك عليها، خلي بالك منها وافرحوا ببعض .


ابتسم كرم بأتساع وذهب سريعًا إلى الخارج ومن ثم المكان المخصص لهما.

نظرت روز إلى آدم وابتسمت بخفه وهي ترى عبوث ملامحه .. قالت بهدوء: 

- زعلان ليه؟

أنت أكتر حد عارف بنتك بتحبه أد إيه وعارف هو بيحبها إزاي .. فمتحرمهمش من فرحتهم الليلة دي وخليهم يتبسطوا شوية مع بعض .. وبعدين ما أنت أخدتني في يوم زي ده ويوسف معترضش .


أنهت حديثها بتذمر طفولي جعله يبتسم رغمًا عنه .. اقترب منها وحاوطها بحنو وابتسامة واسعة تحتل ثغريهما.


                💛 اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد 💛 


يختلس النظرات لها خفيـة .. ممسكًا بيدها بتمـلك، وخوف من الفـراق .. فعل ما فعله ولكن كل شيء بـه يوبخه عما اقترفه من ذنب!

أخطأ ولا جدال في ذلك، ولكنها مالكـة القلب ولو بعد حين .. 

زفر بحنق من كثرة تفكيره بما حدث، يريد أن يسعد بقربها .. لا يتذكر ما حدث ليلة أمس!


قرب يدها إلى شفتيه طابعًا قبلة عاشقـة لها، ناظرًا إلى عينيها بلهفة عاشق يريد ضمها إلى قلبه .. يريدها تقترب وتبقى إلى جواره ولا تتركـه.



لا يعلم ما سر هذا الخوف الذي يحتل قلبه .. فهي ليست المرة الأولى التي يجلس مع أصدقائه، وتقترب منهما إحدى الفتيات، ويمزحان مع بعضهما!



لحظة مرت على قلبه وعلى جميع أوصاله خوف من الله عز وجل، ولكنه ككل مرة ترك نفسه لشيطانـه يجعله يتناسى ما حدث وينظر إليها .. تلك التي تشعر بخفقان قلبها بجواره، سعيدة بأنها أصبحت زوجته  لا تعلم بأنها من اليوم ستشقى بحب قلبهـا له!


توقف بالسيارة في إحدى المطاعم الضخمة بالإسكندرية، قام بحجزه من أجلها، إحتفالًا بهذا اليوم، وأنها أصبحت زوجة لـه..



.

ترجل من السيارة ومن ثم توجه إليها وقام بفتح الباب بطريقة كوميدية جعلتها تضحك رغمًا عنها .. اقترب منها وحاوط يدها ودلف ببطء إلى المطعم الذي زُيِّن بالورد الأحمر عند بابه الواسع .. ابتسمت أوركيد بأتساع وعينيها تتجول على الورد بفرحة، شدد على يدها ودخل بها إلى المطعم .. 



شهقت بقوة وهي ترى أرضية المطعم مليئة بالشمع على أشكال مختلفة .. كما يوجد قلبـًا كبيرًا وبداخله صورتها، تبينت من اضاءة الشمع الخافته، والمغرية.



اقتربا من الطاولة التي يوجد بها بعض البلالين الحمراء المدون عليها أحرفهما، وأخرى يوجد بها أسمائهما.


جلست إلى المقعد بخجل من هذا الجو الذي لم تعتد عليه، وتلاقت عينيها مع عينيه بنظرة تفضح كم هما عاشقـين.



شرعت في الأكل كي تتجنب نظراته مما جعله يبتسم رغمًا عنه، وبدأ هو الآخر بالأكل ولكنه في الحقيقة كان ينظر إليها فقط! 


بعد الإنتهاء....تبين أحد العاملين بالمطعم، ممسكًا بيده قالب حلوى وبداخله صورتهما في عمر يتراوح بين الرابعة والخامسة من عمريهما.



نظرت أوركيد إليه وانتظرت إلى أن غادر العامل وقالت بمرح: 

- أنا هتعود على كده، ومش هتقدر عليا .


أسند رأسه على ظهر الكرسي وإرتخى جسده تعبًا لا يعلم سببه....قال بابتسامة جانبية: 

- أنا حبيبتي تتعود براحتها .. أنا موجود في الدنيا عشان أبسطك .


ابتسمت له بخجل ليقترب هو منها ممسكًا بيدها مقربًا إياها إلى أحضانـه، ذاهبًا بها إلى منتصف المطعم مع إضاءة خافته انبعثت من الشمع كي يتمكن كل منهما رؤية الآخر ... 



وضعت يدها على صدره بعفوية وخجل من قربها منه بهذا الحد المهلك لقلبهـا...وأسندت رأسها خجلًا على كتفه بابتسامة واسعة احتلت ثغرها...



قربهـا إليه أكثر من ذي قبل وشدد يده على خصرها هامسًا بنبرة أذابـت قلبها:

- والجميل في علاقتنا .. إن قلبي وقلبك ميعرفوش حد .. حبوا بعض من صغرنا، وكل واحد فيهم عارف إن ده شبيهه وهو اللي هيكمل معاه. 



ديما كنت بحس إنك مني وبنتي، مع إن فرق السن سنه....بس كنت بحسك حته مني، ولازم أخد بالي منها .. متتخيليش كنت ببقى عامل إزاي لما ألاقي أخويا أو مروان قريبين منك، مع إننا كنا صغيرين بس كنتِ حبيبتي .


خرجت منها ضحكة خافته وقالت بتذمر: 

- آه بالأمارة لما لقيتني مع أمير بنلعب، جيت شديت شعري اللي طلع نصه في إيدك، ومشيت .


ضحك كرم بقوة رافعًا رأسه للأعلى ثم إنخفضت تدريجيًا مع إنخفاض ضحكته مما جعلها ترفع عينيها لا إراديًا إليه .. بـات أجمل عن قرب...

فرحة إحتلتها وهي تنظر إليه دون خوف من الله عز وجل، زوجها ويحل لها النظر إليه كما شاءت....التمعن فيه كانت إحدى الأشيـاء المحرمة عليها، والآن هي تنظر وتقترب منه بطمأنينة تحتل قلبها بـالحلال.

أخرجها من شرودها قائلًا بتساؤل: 

- مين قالك الكلام ده ؟


قالت بضحكة: 

- أول ما اتقدمتلي رسمي بابا جالي وقالي الواد ده مش سهل على فكرة .. وقال لي إنك عملت كده عشان كنت بتكلم مع أمير .. تعمل فيا كده وأنا مكنتش تميت الخمس سنين؟


نظر إلى عينيها وقال بغيظ: 

- وأنتِ مين قالك تتكلمي معاه؟


كتمت إبتسامتها وقالت: 

- أنا كنت صغيرة يا كرم!


رماها بنظرة غاضبة ثم قربها إليه مجددًا وضمها إليه قائلًا بالعشق المخبأ بداخلـه:


- هتصدقيني لو قولت لك بغير عليكِ من أقرب ما ليكِ .. مبحبش حد يشاركني فيكِ، ويبقى واخد جانب حب من قلبك .. عايز قلبك ليا ولوحدي .. لأن قلبي في غيرتـه عليكِ ميعرفش نفسه.


               💛 اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد 💛 


بعد مضي يومين.


جالسًا في شرفته مستمتعًا برائحـة الورد التي تنبعث من حديقة المنزل .. أمامه كوب القهوة المميز، أخذه وقربه من شفتيه وإرتشف القليل منه بابتسامة خفيفة .. تلاشت حينما تناهى إلى سمعه صوتها الباكي من خلفه:

- مكنتش أعرف إنك لحد دلوقتي بتحبها .. وعلى تواصل معاها .


                      الفصل الثالث من هنا

لقراءة باقي الفصول من هنا



تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-