CMP: AIE: رواية خفايا القدر الفصل الخامس5بقلم روان عرفات
أخر الاخبار

رواية خفايا القدر الفصل الخامس5بقلم روان عرفات


 

#خفايا_القدر 

# الفصل الخامس

#روان_عرفات


تقف ورد في غرفتها، بالتحديد أمام المرأة الخاصة بها، تقوم بلف خمارها بإحكام وابتسامة واسعة تحتل ثغرها لهذا اليوم... لطالما كان يوم مميز لها... 

فاليوم هو يوم ذهابها إلى النادي -الذي كان مشروع العمر بالنسبة لعمها آدم وأصدقائه- لكي تقوم بتحفيظ القرآن الكريم للأطفال. الذين أصبحوا شيئًا أساسيًا في حياتها..

دلفت غادة ببطء إلى الغرفة واقتربت منها وقبلت وجنتيها بحنان. قائلة :

- اليوم ده بيبقى حلو عندي أكتر منك، بيخليني أشوفك مبسوطه والابتسامة مش مفارقة وشك، ودي أهم حاجه عندي . 


ابتسمت ورد بحب وتابعت غادة بنبرة يشوبها الحزن لفراق من كانت بالنسبة لها الصديقة، وليست الابنة :

- أنا مش عارفه هعيش من غيرك ازاي بعد ما تمشي .


ضحكت ورد بصخب وأردفت :

- البيت جمب البيت على فكرة، وبعدين ده إحنا إمبارح اللي عرفنا من بابا إنه عايز كده، لكن لسه محددوش معاد!


رددت غادة بمكر : 

- لا يختي هما حددوا خلاص، وتقريبًا كده الله وأعلم بعد شهر .


صدمت ورد من حديثها، وخجلت من نظراتها الماكرة، ولكن يوجد فرحـة تسللت إلى قلبها بالقـرب منه وبهذا الخبر الذي سيجعلها لا تختفي عن ناظريه أبدًا .. 

تنهدت بابتسامة وخجل وتركتها وذهبت إلى النادي بفرحة تغمر قلبها...


              💛 اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد 💛


دخلت ورد إلى النادي المكون من ثلاثة أقسام، ويوجد قسم متوسط الحجم لتحفيظ القرآن، وهو في الحقيقة مخصص لها، فهي قد اتفقت مع جاسر الذي قام بعرض الفكرة على عمرو وإتفقا على فعله وتكون هي المسؤولة عنه..



ذهبت سريعًا إليه حيث ينتظرها الأطفال... 

غرفة واسعة، تفترش بالسجاد الأحمر، ومكتبة كبيرة مليئة بالمصاحف... كما أن الغرفة يحاوطها الورد من كل جانب كي يعطيها رائحة خلابه وطبيعية..



يجلسون الأطفال الصغار، الذي يتراوح أعمارهم بين السادسة والسابعة، ويوجد من هو أقل من ذلك عمرًا...



وضعت ورد علبة الشوكلاه جانبًا، التي ابتاعتها قبل مجيئها إلى هنا، تقوم بتفريقها إلى الأطفال كي تدخل الفرحة إلى قلوبهم وتشجعهم على الحفظ بإستمرار... 


ألقت السلام عليهم بابتسامة محببه لقلوبهم...

أخذت تردد آيات الله والأطفال يرددا خلفها، وبعد الانتهاء أخذ الأطفال يقتربون منها وبعدما يقوم الطفل بتسميع ما تم حفظه تعطيه الشوكلاه المغلفة... ومنهم من يقوم بتقبيلها أو إحتضانها...



أخذ الأطفال يخرجون واحدًا تلو الآخر إلى أن تبقى طفل واحد إنتظرهم حتى إنتهوا واقترب منها بابتسامة واسعة، ممسكًا بيده ورده حمراء وبيده الأخرى كيس من الشيبسي الذي تعشقه ورد، مد يده إليها لكنها تساءلت بابتسامة :

- إيه ده يا حبيبي؟ أوعى تقول ده ليا؟ 


تساءلت بصدمة وفرحة ظهرت جليًا في عينيها... قال ماجد ذو الخمس سنوات بلهجة حانية : 


- ليكِ، هو مفيش مناسبة محددة بس حبيت اعبرلك أنا أد إيه بحبك يا مس ورد... وبعدين الورد للورد يا وردتـي...


جحظت عيني ورد بصدمة من حديثه وجرأته، فكيف لطفل في مثل عمره يتحدث بهذه الطريقة؟!

أنهى ماجد حديثه تزامنًا مع دخول أمير الغرفة بوجه لا يبشر بالخير، بعدما استمع إلى حديث الطفل.




انتفضت ورد من مقعدها عندما تناهى إلى سمعها صوت أمير الغاضب :

- وردتـك اللي هيا مين يا حبيبي؟ قولها تاني بس عشان أنا ماسمعتش. 


ركض خالد للخارج سريعًا خوفًا منه، ومن لهجته التي أرعبته.. بينما لا يختلف حال ورد كثيرًا عنه، من نظراته الغاضبة لها، وكأنه رأها مع شاب وليس طفل صغير!



اقترب منها ببطء ونظرة عينيه جعلتها تنكمش في نفسها خوفًا.. جاءت لتركض مثل ما فعل الصغير لكنه كان الأسرع حينما انقض عليها وحاصرها بين ذراعيه بتملك قائلًا بغيظ : 

- ينفع تشرحيلي اللي شفته ده؟


نظرت إليه ورد ببلاهة وخجل من قربه لها، أنفاسه التي تلفح وجهها جعلتها تتوتر بعض الشيء، وكأنه يفعل ذلك عن قصد؟!

يعلم أنها بـالقرب تنسى من هي، وكأن العالم لا يوجد بـه سواهم!

قالت بخفوت وتوجس من ملامحه الحادة: 

- عادي يعني يا أمير، ولد صغير من اللي بحفظهم حب يفرحني بالحاجه اللي بحبها.


قال أمير بلهجة غاضبة :

- طب خليني ألمحك واقفه معاه بس، والله ما هيحصلك طيب.


زفرت ورد بضيق وقالت بصوت عالٍ نسبيًًا : 

- أنت بتهزر صح؟ 


هز رأسه نافيًا وقال بحدة:

- مبهزرش وأنتِ عارفه ده كويس، وأهو قولتلك خليني بس أشوفك أنتِ وهو مع بعض .. شوفي أنا هعمل إيه .


كتمت ضحكتها وتساءلت بمكر : 

- هتعمل إيه؟ 


هدأ أمير بعض الشيء ونظر إليها وتحولت نظرته إلى الخبث، وكأنه تحول من شخص لآخر، مضيقًا عينيه قائلًا بمكر : 



- لا من ناحية هعمل فأنا هعمل كتير، وبعدين ده أنا جاي اقول لك إن خلاص شهر وتبقي مراتي .. أروح أشوف المنظر ده؟ لا قال وإيييـه الورد للورد . 


رمقته ورد بنظرة متوعدة وقالت بغيظ وهي تبتعد :

- قال يعني الواد كبير! ده عنده خمس سنين .. يعني طفل! 


ركض خلفها قائلًا بمرح وصوت عالٍ : 

- يـا بت والله بحبـك وبغيـر عليكِ .. إيه ذنبي إن قلبي زي الشريك ميحبش فريك، قولي لي كـده ؟.


توقفت عن السير ودارت بوجهها وانفجرت ضاحكة وقالت من بين ضحكاتها: 

- يا حبيبي ازاي شريك ميحبش فريك؟ بتتقال زي الفريك مايحبش شريك، يعني الفريك هنا اللي مابيحبش .


أنهت حديثها بضحكة عاليـة لتغيظه...


               💛 اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد 💛 


ألقت ندى الكتاب أرضًا وصرخت بتعب :

- يـاا، أوركيد حرام حرام عليكِ، أنا تعبت والله.


ابتسمت أوركيد بخفه، ووضعت دفترها جانبًا بعدما انتهت من تدوين المطلوب منها :



على فكرة، المذاكرة بتخليني مبسوطه .. كفاية إنها بتشغل تفكيري، وبعدين ده إحنا بدأنا مذاكرة الساعة ستة ودلوقتي سبعة، يعني ساعة واحده بس يا ندود.


نظرت لها ندى بغيظ وقالت : 

- أول مرة أشوف واحده بتحب المذاكرة، قولي لي صح.. كلمتي كرم إنهارده؟


قامت أوركيد بتغيير مجرى الحديث وقالت بابتسامة : 

- موقف عمي أحمد اانهار ده فرحني أوي، بجد حنان الأب مفيش حد بيقدر يعوضه.  


ابتسمت ندى بحب وقد نجحت أوركيد في تغيير مجرى الحديث بسهولة، قالت ندى بنبرة حزينة :



- في مرة قال لي "عايز لما أموت تبقوا متطمنين بمجرد بس ما تفتكروني، يبقالي ذكرى حلوه معاكوا وإني ماخلتش حد فيكوا محتاج للحنان أو لأي حاجه وأنا معملتهاش، الفراق صعب




 وبالذات لما يبقى فراق الأحبة اللي هما أنت من غيرهم في الدنيا متسواش، وعن تجربه... كنت بموت في اليوم ألف موته"..

تعرفي يا أوركيد لما بيتكلم عن جدي وجدتي وكأنهم موجودين معانا، وبيقول لي أنا لحد دلوقتي لو كنت مخنوق بفتكر ضمتهم ليا وبنسى خنقتي، يعني حتى بعد ما ماتوا وهما الأمان بالنسباله..


انسالت العبرات رغمًا على وجنتيهما وإحتضنا بعض بشيء من الخوف تسلل إلى قلبيهما من فقدان عزيز لديهم..



دلفت روز ببطء إلى الغرفة بعدما طرقت على الباب عدة مرات ولا يوجد رد منهما، ابتسمت بمحبة وهي تراهما هكذا، فهما كالتوأم لا يفترقان أبدًا، لكن تلاشت إبتسامتها عندما وجدتهما يبكيان بقوة...

هرولت إليهما سريعًا وانتشلتهما إلى أحضانها قائلة بحنان :

- بتعيطوا ليه؟ أنتو مش عارفين إن دموعكوا غالية أوي علينا؟ طيب إيه فيه للعياط ده كله؟ 


روت لها أوركيد حديثهما وخوفهما من فقدانهما، ابتسمت روز بحنان وأردفت بهدوء بعدما جلست بجانبهما :



- يا حبايبي مينفعش كده، آه مش هقلكوا متخفوش بس دي سنة الحياة، هيا دنيا عايشينها عشان نعبد ربنا ونعمل اللي


 أمرنا بيه، ونتقيه في أي حاجه نعملها، وقبل ما نعمل أي حاجه نخلي عقاب ربنا قدامنا، وإن الحياة فانية ومحدش هيفضل فيها، وكلنا هنموت .. ومش هيبقالنا غير العمل الصالح... 




الفراق ده بيبقى أصعب على اللي على الدنيا، لأن اللي مات خلاص مش معانا، إحنا بس اللي بنتعذب، ولكن فين الدعاء؟ والصدقة؟ والاستغفار؟ 

وغيـر ده كله، ده قضاء ربنا وحكمته في الدنيا.. إحنا بقينا في زمن الدنيا هيا اللي بتاخدنا من بعض مش الموت!


توقفا عن البكاء لتتابع روز بمرح : 

- استنوا، مفيش غير حاجه واحدة بس اللي هتخليكوا مبسوطين.


نظرت لها كل من أوركيد وندى بتعجب، أكملت روز حديثها بمزاح وصوت عالٍ : 

- الفشـااار .. مفيش غيره اللي بيخلي القلب فرحان، أستنوني بس وخلينا نسهر مع بعض كده.


ركضت إلى الخارج مما جعل الفتاتان ينفجرا ضاحكين عليها...


                💛 اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد 💛 


دقت الساعة التاسعة مساءًا حيث يقف كرم أمام المرأة، يقوم بتجفيف خصلات شعره، ووضع العطر الخاص به..

ألقى نظرة سريعة على مظهره وجاء ليخرج من غرفته، لكنه استوقفه صوت رنين هاتفه مُعلنًا عن إتصال، أخذ الهاتف بابتسامة واسعة وقام بالرد بخبث:

- طيب استني لما اتصل أنا .


ضحكت روجينا بدلال وأردفت : 

- مفيش فرق بينا، خلصت؟


ردد كرم بهدوء : 

- آه خلصت، استنيني، ثواني وهكون عندك .


أنهى حديثه بضحكة ماكرة، وأغلق الهاتف متوجهًا إلى الخارج تزامنًا مع خروج أوركيد إلى الشرفة، شعرت وكأن الدنيا تضيق بها، وكأنه يوجد شيئًا يجب التنفس عنها... أخرجت شهيقًا عميقًا محاولة منها ضبط تنفسها وتوترها، ابتسم قلبها حينما وقعت عينيها عليه، وارتخت ملامحها إلى الاطمئنان، فقط بمجرد رؤيتهـا له!

لكنها تعجبت من مظهره وكأنه على موعد ما، قادتها قدماها إلى الخارج، _بدون وعي منها_ بخطوات أشبه بالركض، وقد



 ساعدها قرب المنزلين من بعضهما، وهذا الباب الذي يفصل بينهما، فبمجرد عبورها منه وجدته يصطف سيارته، وإستعدت إلى الخروج من باب الحديقة الواسع...

هرولت إليه سريعًا وقالت بصوت عالٍ : 

- كـرم، ثواني ماتمشيش . 


توقف كرم ودار بجسده تجاهها بتعجب وتساؤل عما تريده، تناسى أنها تحتاج إليه وأنه أهملها الفترة الماضية، وكأنها ليست زوجته، وعليه حقوق تجاهها...

تقدمت أوركيد بخطوات بطيئة ودقات قلبها الثائرة بالحديث الذي بداخله .. 

توقفت عن السير حينما أصبحت أمامه مباشرةً ولا يفصل بينهما سوى بعض السنتيميترات، قالت بشوق ولهفة :

- وحشتني أوي يا كرم.


أمسك يدها وقبلهما بخفه وقال : 

- وأنتِ أكتر يا روحي.


تساءلت بحزن وصوت متحجرش : 

- أنت زعلان مني؟


هز رأسه نافيًا واقترب منها وضمها إليه وقال : 

- مافيش حاجه اسمها زعل بينا، أنا بس مشغول أوي بجد، هروح مشوار وهجيلك حالًا والله.


ابتعد عنها لكنها تشبثت بـه وقالت ببكاء : 

- طيب ولما هو مفيش زعل بينا، بتبعد ليه، ليه كل ما اتصل عليك تنهي الحوار بينا على طول، ولما أقول لك تعالى نطلع شوية تقولي مصدع، وبعدها أشوفك طالع؟

ليه بتبعد ولما أقرب منك بتبعدني عنك؟ أنت مخبي عني إيه، وليه كترت خروجاتك الأيام دي؟ والأهم من ده كله بتعمل فيا كل ده لييـه؟ 


زفر كرم بحنق وقال بهدوء عكس غضبه وتأخره على عشيقته:

- أي يا أوركيد الأسئلة دي كلها؟ يا حبيبتي هزعل وهبعد عنك ليه؟ 

أنتِ مكبرة الموضوع على فكرة؟


أجهشت أوركيد بالبكاء المرير وأردفت بخنقه :

- طيب ينفع تفضل معايا النهار ده؟ النهار ده بس يا كرم، وبعدها أمشي، محتاجه إني أطمن، حاسه بـالخوف وده المفروض مايبقاش جوايا طول ما أنت موجود... لكنك مش موجود، بدليل خوفي دلوقتي وعدم إرتياحي.


قبل يديها وقال : 

- طيب ينفع بس أخلص المشوار ده، وهرجعلك والله، وبلاش كلامك ده لأنك بجد بتزعليني.


صعد سيارته تحت دموعها وحزنها من تركه لها؛ على الرغم من إخبارها بأنها بحـاجة إليه وإلى الاطمئنان، اقتربت من نافذة السيارة وهتفت بضعف ودموع تتساقط على وجنتيها :

- كرم أنا محتجـاالك... ماتمشيـش.


سار بالسيارة إلى الخارج بلامبالاه، وكأنها تضحك لا تبكِ؟

وتعجبت هي على قساوته معها، وجفـاء قلبه في تعامله، وهو من كان يخشى الحديث معها بمزاح كي لا يجرحها!



جلست أرضًا وبكت بحزن لحالها، وكأن قلبها يعلم بما يحدث، وأنه مشغولًا بغيرها...

كيف يتركها وهي تناجيه؟ 

طلبت منه القرب وقرر الإبتعـاد !

قلبها أعطـاه العذر، وعقلها يقسم بأنها ستشقى بالقـرب منه.

هي عالقة بينهما، لا تجيد التفكير ولا حتى تعطيه عذر لتركه لها بهذه الحالة، لا تجيد الآن سوى البكـاء....


                💛 اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد 💛 


ألقى فارس نظرة سريعة على الشقة التي قام هو وروجينا بترتيبها، لكي تكون جاهزة للجلوس والسهر، ذهب إلى غرفة النوم الخاصة بروجينا، تأكد من شيء ما وخـرج....



خرجت روجينا بفستانها الأحمر الصارخ، بخطواتها الغنجية المعتادة، اقترب منها فارس سريعًا لكنها تراجعت وقالت بحدة بعض الشيء : 

- أنت عارف إني مش بخلي حد يقرب مني غيره .. فياريت يعني منتماداش .


جز فارس أسنانه بغيظ وغيره من كرم الذي يتوفر له كل شيء، حتى الفتاة التي أحبها بصدق وعلى أتم الاستعداد للتغير من أجلها، أحبت كرم!

رسم على شفتيه ابتسامة مصطنعة وقال : 

- ماتنسيش اللي قولت لك عليه، أول ما تخلصوا وتيجوا هنا تديله ده .


أنهى حديثه وهو يعطيها كيس صغير، تابع بتحذير : 

- أوعى تغلطي أي غلطه .. خلي بالك من كل حاجه، عشان أنا عارف كرم إنه بالكتير هيقعد ساعتين، لكن أنا عايزه يفضل هنا للصبح .


ضحكت روجينا بدلال وقالت بغرور : 

- عيب عليك، ده هو بينسى نفسه معايـا .


خرجت ضحكة ماكرة منه وقال : 

حقيقي من حقه .. روجينا كلها كده متسمحش لحد يقربلها غيره! 

دي حاجه كبيرة جدًا .


                                       ***********


بعد ساعة تقريبًا...

يجلس كرم معها في إحدى المطاعم الفخمة، يختلس النظرات لها مما جعلها تهتف بخبث : 

- حبيبي، الأكل هيبرد وأنت لسه مأكلتش حاجه .


أردف كرم وهو يتفحصها :

- لما بتبقي قدامي مش بعرف أركز في أي حاجه غيرك، بتبقي مشوشة تفكيري، أنا حتى مستغرب نفسي وقعدتي معاكِ، خلتيني أعمل حاجات أنا مش بعملها ومفكرتش يوم إني أعملها، بس معاكِ عملتها...



أنتِ بقيتِ حاجه أساسية في يومي يا روجينا .


انتفض قلبها بحيـاء، وتوردت وجنتيها خجلًا من حديثه، وكأنها المرة الأولى التي تستمع رجلًا يمدح بها، ويخبرها كم هي



 أصبحت شيئًا أساسيًا له، وكأنها لم تكن متزوجة من قبل، ومن الطبيعي أن يخبرها كم هو يحبها، على الرغم من كونها تكبره عدة أعوام، لكنها معه تصبح أصغر منه سنًا، تصبح فتاة في عنفوان شبابها... 


معـه تناست حزنها، والظلم الذي عاشته طيلة حياتها، كان لهـا كطوق نجاة، أنقذها من الغرق في شيء كانت تجهله، لكنه أنقذها .. حزنها وشيطانها كانا أكبر منها قـوة في السيطرة عليها وعلى تفكيرها، وأن الذي تفعله شيئًا عاديًا...



وكيف لا تترك لهما العنان في اللعب بها -كالكورة التي يلعب بها صاحبها كما يحلو لـه- وهي بعيدة كل البعد عن خالقهـا.

كيف لها أن ترى الذي تفعله خطًأ، وهي لا تعلم شيئًا عن دينها، وما حلله الله وما حرمه...


تشبثت بيده وقالت بخوف : 

- خايفة يجي يوم وتمشي وتسيبني، خايفة أصحى في يوم ألاقيـك مش معايا، وقتها هنسى معنى الحنان والأمان يا كرم .. خايفة حد يجي ياخدني منك، أنا أصلًا ماعرفتش معنى للأمان غير لما شفتك، خليك ومتسبنيش .. أنا بحبـك .


صدم كرم من حديثها، فقد كان مستبعد الحب عنهما، وعن العلاقة التي بينهما، فهي ما إلا فتاة يقضي معها وقتًا جميلًا ويذهب، وكأن شيئًا لم يكن...



نظر لها مطولًا، وتردد للذهاب وتركها، شعر بالضيق فجأة ولا يعلم السبب بالتحديد، فقط يريد الإبتعاد!


مرت أمام ناظرية أوركيد وبكائها، وهي تطلب منه الجلوس معها لأنها خائفة وتريد الاطمئنان، وكأنها أمامه الآن تبكي... لأول مرة يرها بهذا الحزن والخوف الذي ظهر في عينيها، دائمًا ما تظهر قوتها للجميع، وتبغض شيء اسمه ضعف، أو أن تبكي ويرى أحد دموعها...


فاق من شروده على روجينا التي اقتربت وضمته إلى أحضانها، متناسية إتفاقها مع فارس، وأن وجودها معه ما هو إلا اتفاق تم بينهما مسبقًا، وأن عليها الإقتراب منه لتجعله يحبها، ويغرم بهـا، ولكن في الحقيقة هي من وقعت في شباك حبه! 



قامت وأخذته إلى الخارج، وصعدت سيارته وهو معها وكأنها ألقت عليه تعويذة، تجعله يذهب معها دون تفكير لمدى خطورة الأخطاء التي يرتكبها...


                                    **********

وصلا إلى شقتها وصعدا بتمهل وتمايل، من كثرة المشروبات التي قاما بإرتشافها في المطعم، والتي أصبحت كالمياة لا يستطيعون التخلي عنها!



دخلت هي أولًا ثم تتبعها كرم الذي ما أن جاءت لتذهب إلى غرفتها أوقفها وهمس في أذنها بشيء جعل الحمرة تحتل




 وجنتيها وتخفض رأسها خجلًا منه....طبعت قبلة طويلة على وجنتيه وذهبت سريعًا إلى غرفتها وقامت بالإتصال على فارس، لتخبره كونهما الآن بالشقة...



أنهت ما تفعله تزامنًا مع دخول كرم للغرفة وهو يتمايل وشبه مغمض العينين من هذا المشروب، اقتربت منه وحاوط هو خصرها بكلتا يديـه.....


               💛 اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد 💛 


تجلس أرضًا بجسدها الضئيل، ممسكة بيدها قلم، تمرره على الورقة صعودًا وهبوطًا بخفه، عقلها منشغلًا بـه وبتغيره..

تنهيدة طويله خرجت منها دلت على إنطفـاء روحها، وحزنها منه ومن عدم وجوده معها، ودموع تتلألأ بمقلتيها حزنًا على تركه لها تبكي ولم يرمش له جفن. 

قامت من مكانها وذهبت إلى الشرفة بقلق يعصف قلبها من تأخره بالخارج إلى هذا الوقت المتأخر...


فاقت من شرودها حينما أضاءت شاشة هاتفها مُعلنة عن إتصال من رقم غير مسجل، أمسكته وقامت بالرد بلامبالاه، وسرعان ما وثبت وهي تبكِ من حديث المتصل الذي دب القلق في أوصالها، أغلقت الهاتف بشرود، وضيق، شعرت كـأن الغرفة تضمها إليها بقوة؛ لحد الإختناق!






تخشبت محلها وهي لا تدري ما عليها فعله، أو كيف تتصرف في ظرف مثل ظرفها !


لفت خمارها سريعًا، وألقت نظرة سريعة على مظهرها، وفستانها الأسود الفضفاض...

خرجت سريعًا من الشقة دون أن تخبر أحد عن مكان ذهابها، ولحسن حظها أوقفها وليد الذي هتف بتعجب من خروجها من المنزل بهذا الوقت المتأخر :

- أوركيد، رايحة فين الساعة اتنين بالليل ؟


اقتربت منه أوركيد بدموع وقالت بصوت بالكاد حاول فهمها :

- حد اتصل بيا وقالي كرم عمل حادثة .


صدم وليد ونظر لها بتوتر وخوف عليه، قال بتوتر : 

- طيب وقالك عنوان أو أي حاجه ؟


أماءت له وزادت في بكائها، وتابع بهدوء ونبرة مطمئنة : 

- يهدي طيب، إن شاء الله خير، تعالى بس نروح ومش لازم حد يعرف، مع إني مدايق من إنك قررتِ تروحي لوحدك في وقت زي ده، بإذن الله هنلاقيه بخير .


أماءت له عدة مرات، وهي تجفف دموعها بخوف، ذهبت خلفه محاولة منها تخفيف توترها وخوفها عليه، أخذت تدعي الله أن ينجيه من كل سوء، ويحفظه لها...


خرجا من المنزل تزامنًا مع يوسف الذي جاء توًا من الخارج، حاملًا بيده أغراض قام بشرائها بعد إنتهاؤه من عمله، وهذا لسوء حظهما، لأنه ولأول مرة يتأخر في العمل... هتف بتعجب من خروجهما بهذا الوقت :

- خير إن شاء الله؟ رايحين فين في الوقت ده؟


توترت ملامح وليد، وتردد في فول سبب خروجهما لعمه الذي صرخ بوجهيهما بغضب :

- فيـه إيييـه؟ إيه اللي مطلعكم في الوقت ده؟ 


إنتفضت أوركيد من صراخه، وأخبرته بأمر المتصل ببكاء مرير، بعدما أخذته إلى الخارج كي لا يستمع حديثهما أحد...



أنهت حديثها تزامنًا مع يوسف الذي فقد وعيه أمامهما مما جعل أوركيد تصرخ بوجع، وخوف عليه وعلى زوجها، جست أرضًا وجلست إلى جواره تبكِ، وبجانبها وليد الذي انسالت دموعه خوفًا، ولا يدري ما الذي يفعلـه....



             الفصل السادس من هنا

لقراءة باقي الفصول من هنا


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-