CMP: AIE: رواية خفايا القدر الفصل الثامن8بقلم روان عرفات
أخر الاخبار

رواية خفايا القدر الفصل الثامن8بقلم روان عرفات


 

#خفايا_القدر 

# الفصل _الثامن

بقلم روان_عرفات. 


كيف للنفس تحمُل بشاعـة هذا العالم بمفردها؟! 

وكيف للقلب رؤية ما يجعل النبض مُنعدم بداخله ممن هم بالنسبة لـه الحيـاة! 


الحياة ما هي إلا تجـارب، منها المُتعبة، ومنها القاضية، ومنها التي تجعل كل ما بك يتحطم، ومنها التي تجعلك كـالرماد في



 لحظتها. ومع كل ذلك إن لم تعش تجارب فاعلم أنك انحدرت عن الطريق الصحيح؛ فالتجارب التي لا تجعلك تتقدم في نموك وفكرك لا تُسمى تجـارب!! 



كُل منا لديـة ضربة تلقاها من أقرب المقربين إليه، وبالرغم من شدتها وقوتها على النفس. إلا انها هي التي تجعل القوة تتضاعـف بالقلب! 



لا تستهين بالشخص الذي لا ينكسر بسهولة؛ فما أصبح على حالته تلك إلا عندما تلقى ضربـة العُمر! 


دقت الساعة الخامسة مساءً.. يجلس الجميع بمنزل يوسف، تحديدًا بغرفة كرم الذي تحسنت حالته، بعدما أخبرهما الطبيب بِلا حاجة له بالجلوس بالمشفى، بعد مرور يومين على جلوسه



 بالمشفى هو وروجينا.. التي تحدث كرم مع والده بخصوصها، وأن عليه الاعتناء بها لأنها وحيدة وليس لديها أحد غيره .. كما أخبرهم الطبيب بأن عليهم مراقبته الفترة القادمة والإعتناء بـه وبنفسيته..


كانت تجلس وعد إلى جانبه وعلى الجانب الآخر يجلس أمير، الذي يحتضن أخيه كطفل صغير يحتمي بداخل أحضان أخيه الأكبر عند الخوف.. أمسك أمير وجنتي كرم بكلتا يديه وهو



 يحركهم يمينًا ويسارًا مع إصدار صوت مرح من بين شفتيه، مما جعل جميع من بالغرفة ينفجرا ضاحيكن على فعلته تلك.. قائلًا وهو يُقبل جبهته بخوف ظهر جليًا بعينيه :



- والله وحشتني .. اليومين اللي عدوا من غيرك، عدوا وكأنهم سنتين في بُعدك .


أنهى حديثه وهو يطبع قُبلة حانية على وجنته اليُمنى ومن ثُمّ لف ذراعية حول خصره بقـوة جعلت كرم يتذمر من فعلته قائلًا بغيظ وهو يحاول ابعاده عنه : 

- أنا مقدر خوفك عليا بس أبعد شوية.. خلي ما بينا مسافة الله يبارك فيك .


ضحكت وعد بخفه على تذمرة، فتلك الحركة يبغضها مُنذ الصغر.. خرج الجميع من الغرفة ماعدا عائلة يوسف، وآدم.. الذي تأبط بذراعة قائلًا بمرح بجانب أُذنيه :



- ما تيجي نخلع يا صاحب عمري، انا هموت من الجوع .. وبصراحه مفيش غيرك اللي هيحس بيا ويشاركني جوعي.


ابتسم يوسف بأتساع وأردف بخفوت :

- يلا .. ونعمل حلتين فشار ونهشتك نفسنا كده، مع كوباية شاي ويـاسلام . 


أنهى حديثه تزامُنًا مع صرخة عالية خرجت منه، من ضربة روز له على ظهره.. انفجر آدم ضاحكًا مما جعل يوسف ينظر إليه بتوعد قائلًا :

- ده أنت من شوية شغال صاحبي ومش صاحبي .. بتبيع بسهولة كده ازاي؟ 


رفع آدم يديه بإستسلام بعدما رأي نظرات روز له، قالت بعدما اقتربت من اخاها بنبرة تحذيرية :

- فشار من غيري ممنوع.. فـاهم؟ 


اماء يوسف عدة مرات بسرعة جعلت آدم ينفجر ضاحكًا مرة ثانية، مُمسكًا معدته بيده من مظهرهما المضحك، ابتسمت روز


 بخفه واحتضنت اخاها بود وهي تُقبل وجنتيه بابتسامة محببه لقلبه.. تخصر آدم وهو ينظر لهما بغيظ، اقترب من زوجته وانتشلها من احضان يوسف وهو يضمها بقوة قائلًا بغيرة واضحة : 

- حضنك ليا أنـا وبس . 


ابتسمت روز بحياء ودفنت وجهها بصدره، ارتسمت ابتسامة واسعة على شفتي يوسف لغيرته عليها، حتى من أقرب المُقربين لها، فـالمُحب في الغيرة لا يعرف أحدًا، إن كان قريبًا أو بعيدًا.. يُـحب ولا يستطيع السيطرة على قلبه عند الإقتراب من محبوبـة..


كان ثلاثتهم يتحاورون بالضحكات والمداعبات التي يُلقيها يوسف، كما أيضًا وعد ما أبنائها.. كانت تقف أوركيد بزاوية ما بالغرفة، كُل شيء بها صامت ماعدا قلبها الذي يئن وجعـًا..


💛 اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد 💛


بغرفة واسعة، تُميزها تلك الشرفة التي كانت عبارة عن غرفة بداخل الغرفة، بهذا الكرسي المُسمى بكرسي الأرجوحة التي جلبته لها صديقتها وابنة عمها أوركيد بعيد مولدها.. وذلك



 المكتب الصغير وتلك الورود التي تحتل الشرفة بالكامل، بنور خافت ينبعث من تلك الورود. أثر وضعها لأشرطة النور حولها.. تطل الغرفة على الحديقة الخاصة بالمنزل، المليئة بالورد والأشجار. مما أعطاها مظهرًا خلابًا.


كانت نائمة على الكرسي كطفلة صغيرة بملامحها البريئة. مُمسكة بيدها كتاب "إيكادولي" الذي قد ابتاعته ليلة أمس ولم تنم إلا وهو بداخل أحضانها، بعدما نصحها خالها بقراءة مملكة البلاغة للكاتبة حنان لاشين. 



استيقظت ندى على زقزقة العصافير. فركت عينيها بابتسامة وقامت من مقعدها ودخلت غرفتها وهي تضع الكتاب بالمكتبة



 الصغيرة التي بإحدى حوائط الغرفة.. ذهبت لدورة المياة المُلحقة بالغرفة، أنهت طقوسها الصباحية سريعًا وأدت فرضها وقرأت أذكارها الصباحية وهي ترتشف كوب النسكافية مع



 والديها. قبلت يديهما قبل خروجها من المنزل لتذهب للجامعة بمفردها بعدما أخبرتها أوركيد بمرضها المُفاجئ، أحكمت ربط نقابها على وجهها وخرجت بابتسامة تفاؤلية وهي تصطحب معها دعوات والدتها... 


وصلت إلى الجامعة ولسوء حظها كان المُعيد اعتذر عن مجيئة اليوم لإحدى الطالبات الآتي تعرفه معرفة شخصية. تنهدت بضيق وذهبت إلى الحديقة الخاصة بالجامعة، وقعت عيناها على صديقات لها، بنفس العمر ولكنها لا تجلس معهن لأنها لا




 تبتعد عن أوركيد بتاتًا.. ذهبت إليهن وجلست إلى جوارهن وأخذت تتحدث معهن في أمور شتى. وكُلما تحدثت كانت ترى بعيني كُل منهما التعجب، ألقت دُعابة مما جعلهن يضحكن بصوتٍ عال.. قالت واحدة منهن من بين ضحكاتها: 



- تصدقي إني أول مرة أشوفك بتضحكي! أنا كنت أوقات بسأل نفسي.. هيا ندى بتضحك وتهزر زينا كده؟ 


رفعت إحدى حاجبيها بتعجب وقالت بهدوء:

- وهي ندى ناقصها إيه عشان ما تضحكش؟ 


ردت واحدة أُخرى وهي ترمقها من رأسها لأخمص قدميها بنظرات علمت مغزاها جيدًا.. قالت الفتاة بضحكة ساخرة :



- لا بس اللي يشوفك بالمنظر ده، وبالهدوم دي يقول إنك ما بتعرفيش تبتسمي حتى!! 


أنهت حديثها تزامنًا مع ضحكتها الصاخبة التي تبعتها ضحكات الأُخريات.. كانت الصدمة من نصيبها، وهي تنظر إليهن بأعين جاحظة، دارت بعينيها عليهن. وكأنها لأول مرة تتفحص ملابسهن، تنهدت بقوة وابتسمت بخفة وقالت: 



- مش معنى إني بحاول الالتزام أبقى ما بعرفش أهزر ولا مش بعيش حياتي؟ 

لا خالص.. فيه فرق بين إني بعيش حياتي لنفسي وللي هيبقى حلالي، وفرق بين إني عامله نفسي عُرضة للناس!



أنا مش بعمل حاجه غير المطلوب. بحاول أمشي على كلام ربي ورسولي، بجاهد في زمن ما يعلم بيه إلا ربنا بس كله بأجره.


مش حارمه نفسي من حاجه، وعمري ما كان نفسي في حاجه وامتنعت منها، بحط ميك أب وعادي خالص، بتصور صور هبلة كتير، بتجنن مع نفسي، بلعب وبجري وبتنطط، بخرج وبتفسح


 وبركب ملاهي. لا وعايشه حياتي طبيعية يا جماعة والله، لأني بني آدمة وعادي بعيش، بس بحاول ألتزم.. مع كل ده بحاول ألتزم وأبعد عن أي شُبهة... بعمل كل اللي نفسي فيه.. بس لنفسي مش لحد!


بعمل اللي يرضي ربي وفي نفس الوقت مش بمنع نفسي من شيء. ببقى واقفة قدام المرايـة وأنا مبسوطه بشكلي وبجمالي اللي مش هيظهر غير لشخص واحد بس..



بس لما باجي أطلع برا البيت ما بخليش بني آدم يلمح طرف مني.. لأن اللي فيا مش للناس. 

فيه آية بتقول.. اعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

(وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ)

الآية ليها تكملة بس للأسف أنا مش حفظاها. 


كانت تتحدث بهدوء أحيانًا، وتنفعل في بعض الأوقات. تبتسم في أُخرى، وتضحك بخفة في إحداهن.. كانت تتحدث ويديها ترتعش توترًا، لأول مرة تصبح في مثل هذا الموقف، ولكن لا تود الخروج منه دون أن تُفيد.. أخفضت عينيها لثوانٍ لكي تستجمع قوتها.. رفعتها مُجددًا وقالت بابتسامة واسعة -من خلف نقابها- وثقة ظهرت جليًا بنبرتها، مع ضمة يدها لحقيبتها، ونظرة عينيها التي لم تستقر على أحد من شدة خجلها: 

- أنا واثقة من جوايا إني جميلة. فمش محتاجة أبين ده لحد عشان أسمع منه كلمة مدح فيا! 


صمتت تمامًا عندما رأت شابان اقتربا منهن وبقوا واقفين على بُعد منها لكنهم يستمعون إلى حديثها، لكزتها إحدى الفتيات التي كانت تجلس بجانبها وهي تَحُسها على استكمال حديثها لكنها رفضت وفضلت الصمت، ولكنها صُعقت عندما استمعت إلى زملائها وفتيات لا تعرفهمن يهتفن بصوتٍ عالٍ لكي تستكمل حديثها.. لا تعلم من أين لها بتلك القوة التي جعلتها تُتابع حديثها سريعًا بابتسامة خفيفه من خلف النقـاب :.


- يا بنات احنا مُطالبين بده، عمر الدين ولا الالتزام هيمنعك من شيء نفسك تعمليه، بالعكس كل حاجه بالحلال أجمل.

ربنا بيقول في كتابة {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} 



يعني اللي بيقول عليه الرسول أعملوا بيه.. واللي نهى عنه يبقى مُحرم. الدين ما سبش حاجه غير ووضحها، والله ما فيه حاجه غير وليها حلها بس للأسف مفيش حد بيتعب نفسه وبيبحث في أمور دينه.. 



فيه حديث بينطبق على الحياة اللي عايشينها دلوقتي.. بيقول إيه؟ 

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «يأتي على الناس زمان القابض على دينه كالقابض على الجمر». رواه الترمذي.


يعني إيه الحديث ده؟ يعني بيجي على الناس زمان اللي صابر على البلاء، اللي صابر على الفتن اللي بتأذيه، كلام الناس اللي ممكن بيرجعه ميـة خطوة لورا، اللي صابر على دينه وبيجاهد



 وبيصبر وبيستغفر وبيعصي ربه وبيرجع يتوب، اللي أول ما يعرف الحاجه دي غلط وحرام بيبعد عنها... كأنـه ماسك جمر في إيده، لأنه زمن الفتن. 


عمر الفرحة ما كانت بإني أبين من نفسي ولا اتفاخر بجمالي، الفرحة بتكمن في أول ليلة مع الشخص اللي اختاره قلبي في الحلال، يومها هقف قصاده وأنا كُلي ثقة إني مبصتش لحد ولا مختليش حد  يبصلي غيره.. يومها بس هحس بحلاوة الدنيا. 


تنهدت بعمق وقالت بابتسامة واسعة بعدما رأت أعينهن معلقة عليها، كما بعض الفتيات اللآتي جاءوا بعدما استمعوا لحديثها :



معنى الدين يسر وليس بعسر لأن ربنا سبحانه وتعالى رفع فيه الحرج وفيه آيات بتدل على كده وخليني أعرفكوا بيهم. 


الأولى... {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا}

ربنا مش بيطلب من عباده غير اللي يقدورا عليه، مش بيطلب منهم ما لا يطيقونه، اللي هو ميقدروش إنهم يعملوه.. اللي هيعمل خير هينال الخير.. واللي هيعمل الشر هينال الشر. 


التانية... {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}

يعني مفيش مشقة أو ألم ومصاعب غير ويسرها لينا.. يعني مفيش حاجه إلا وليها حلها وتسهيلاتها.. إحنا بس اللي بنجمع حجج فارغة! 

ببساطة مفيش حرج ولا ضيق في الدين.. مفيش بلاء إلا وليه مخرج، جعل التوبة مخرج، والكفارة من بعض، والقِصاص من بعض، يعني مفيش ذنب يذنبه المؤمن إلا وليه في الدين الاسلامي مخرج..   


التالتة... {يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}

ربنا رخص لينا كمؤمنين في حال مرضنا. وسفرنا في الإفطار، وقضائها في أيام تانية، من الأيام اللي فطرناها بعد اقامتنا، وبعد المُعافاة من المرض، التسهيل علينا، والتخفيف، لأنه عارف



 بمشقة الصيام في الأوقات دي.. "ولا يُريد بكم العسر" يعني ما يردش ليكنا الشدة والمشقة فيكلفنا صيام الشهر في الأحوال دي، لأنه عارف شدتة علينا وثقلة لو حملنا صيامة.. 



يبقى اليسر: الإفطار في السفر، العسر: الصيام في السفر.     


الرابعة... {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} 

دي رخصة من ربنا سبحانه وتعالى، لأنه رحيم بعبادة. وكان الله عز وجل أنزل آية بتقول {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} حقّ تقاته هنا معناها أنه نُطيعه ما نعصيهوش، بعدها خفف تعالى ذكره بقوله.. فاتقوا الله ما استطعتم.. 



أنا أصلًا نفسي أعرف إزاي الإنسان المسلم يقول إن أوامر الدين ونواهية عسيرة؟

ربنا ما حرمش حاجه إلا وكانت في مصلحتنا إحنا..


أخذت شهيقًا عميقًا أخرجته بتهدج وهي تحاول السيطرة على اضطرابها الداخي.. نظرت للكم الهائل من الفتيات والشباب الجالسين أمامها برهبـة تسري بداخلها، قالت بهدوء وهي تحاول فض الحديث الذي بدأته، والتي لا تعلم من أين بدأت وكيف جاء بها الحديث إلى هذه النقطة التي هي بها الآن:




وقبل ما أمشي عايزه اقولكوا حاجه.. زي ما أنا واثقه إن اللي بعمله مش غلط، فأنا واثقه إن جوه كل واحده فيكم شخص كويس، شخص نضيف من جواه، شخص محتاج بس إيد تتمد له وهو هيطلع أحسن ما عنده.. شخص عايز يلتزم بس حاطط كلام الناس قدام عيونه ومش راضي يتحرك.



ربنا بيقول (فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ) 

يعني متخافوش من كلام الناس، لا خافوا مني ومن عقابي.


صمتت لبعض الوقت ثُمّ استعاذت من الشيطان الرجيم وقالت: 

إِنَّ الْحَلالَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ، فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ» 


أنهت الحديث وأحكمت قبضة يدها على حقيبتها وألقت نظرة سريعة عليهن وابتعدت سريعًا.. تنفست الصعداء وهي تحاول كبح دموعها التي لابد من نزولها بعد حديث استغرق منها القـوة، تلك العادة التي تُلازمها منذ الصغر، حتى وإن كانت بحديثها ردت كرامتها.. 


كانت تسير بسرعة جعلتها لم تنتبه لصوت الفتاة التي تُناديها، توقفت للحظات واستدارت بجسدها لترى أمامها فتاة تكبُرها عُمرًا، أو رُبما بنفس العُمر.. كانت الفتاة تلهث بقوة جعلت ندى تستغبي نفسها على تسرعها بالمشي.. قالت بأسف:



- أنا آسفه جدًا، مأخدتش بالي ان حد بينادي عليا.. بجد متزعليش. 


ابتسمت الفتاة بود وكأنها تعرفها من زمن، قالت وهي تمد يدها لها بابتسامة واسعة:

- أنا ميار النجار، فرقة تانية.. حبيت كلامك وقوة شخصيتك وردك اللي بصراحة أحييكي عليه، خطفتي قلبي بكلامك وحقيقي ما قدرتش أسيبك تمشي من غير ما أتعرف عليكِ. 


صافحتها ندى بود وقامت بتعريف نفسها بابتسامة واسعة تبينت لميار عندما أغلقت عينيها لا إراديًا منها.. جعلتها تضحك بقوة وقالت بابتسامة:

- وكمان عيونك بتقفل لما بتضحكي؟ لا ده يا بختنا بالقرب ده يا معلم. 


ضحكت ندى بقوة وقالت بخجل:

- أنتِ جميلة أوي يا ميار.


ابتسمت ميار بحياء ونظرت إليها وقالت بحرج:

- انا ممكن هتقل عليكِ بطلبي بس حقيقي هتبقى حاجة جميلة منك لو وافقتي، لأن أسلوبك في الكلام حاجة خيال. 


قالت ندى بابتسامة ظهرت جليًا بنبرتها:

- وأنا بتمنى أقدر أفيدك في طلبك.. اتفضلي حبيبتي. 


ظهرت الفرحة على ملامح وجهها وهي تمسك يدها بفرحة مما جعل ندى تبتسم باتساع عليها وعلى حركاتها الطفولية.. قالت ميار بهدوء:



- لو تقدري تحددي يوم في الأسبوع وتعملي حلقة دينية أو ندوة كده تعرفينا حاجات في الدين رايحة عن بالنا، تنصحينا، توجهينا للطريق الصح، وقبل ما أسمع منك اعتراض.. خليكِ متأكدة إنك احتمال كبير تبقي طوق نجاة لكتير من البنات. 


ظهرت معالم الحيرة على عينيها، تنهدت بقوة وقالت بعد تفكير عميق جعل ميار تتيقن بأن ردها الرفض:

- مقدرش أقول لك إني موافقة غير ما أخد موافقة بابا وأخويا.. وعد مني والله لو وافقوا أنا معاكِ، لأن الفكرة عجبتني. 


أنهت حديثها مع ضحكتها الخافتة عندما ارتمت ميار في أحضانها.. ربتت على ظهرها بابتسامة مُطمئنة وراحـة إحتلت قلبها بقربها منها، ولأول مرة تشعر بالراحة مع فتاة غير أوركيد.. تركتها بعدما تبادلا أرقام الهواتف، خرجت من الكلية


 دون أن تنتبه لتلك العيون التي كانت تُلازمها منذ حديثها الأول مع الفتيات إلى هذه اللحظة.. كانت مشاعرة مُتخبطة، سعيد برؤيتها ويشعر بنار مُتَّقِدَةٌ داخل قلبـه بكمية الشباب التي كانت تلتف حولها... 


💛 اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد 💛


مرت الأيام تِباعًا، وكانت حالته تتحسن يومًا عن يوم والصداع لم يتركه طلية هذه الأيام. جالسًا بغرفته ذات الضوء الخافت الذي انبعث من القمر الذي تسلل بحيـاء عبر شرفة الغرفة.. يتسطح على الفراش، مُمسكًا بالهاتف الخاص به، مُحتويًا إياه بِكلتا يديه وكأنه يحتضنها هي.. بينما تحتل صورة أوركيد 



 الشاشة بأكملها، بطلتها وملامحها التي تجعله مُتيمًا بها. لامس وجهها بأنامله بابتسامة خفيفة احتلت ثغره، مع دقة دلاليـة أصدرها القلب باشتياق لسماع تناغم قلبها أثر قربـه منها.. تذكر أجمل اللحظات التي مرت على قلبه، كان قد مر حينها القليل




 من الأيام على كتب كتابهما. عندما شعر بالحُزن يغزو قلبه فذهب لها بكل ثقة، مُتيقنًا بأنها ستمحو أي أثر لحُزن بداخله، ذهب لها خائـر القوى، ضعيف الشخصية، مهمومًا من مشقات الحياة، بحُزن أطفأ بريق عينيه، كان كَكُتلة رماديـة مُتحركة، لا يحتاج شيئًا أكثر من لملمتها بين ثنايا قلبها..


بـددت حُزنه بنظرة الفرح بعينيها التي بدت جليًا فيهما، ضاعفت قـوة شخصيته بابتسامتها الساحرة، خففت حدة همومه بيدها التي تشبثت بيديه فور رؤيته.. أنارت بريق عينيه بكلمة "أُحبك" التي تقولها له كُلما رأته، لملمت المُتبقي


 منه عندما انتشلته لأحضانها وربتت على ظهره بحنان بالغ، وكأنها تشعر وتعلم بحالته دون قوله لأي شيء.. لا تسأل الحبيب كيف يشعر بتعب مُحبه، فما دقـة القلب تمضي سرابًا، والقلبُ للقلبِ مُـحب...      


فاق من شروده على دموعه التي انسالت على وجنتيه تعبًا.. لا يعلم؛ يحتاجها لكونه أصبح وحيدًا، وجلوسه بالمنزل جعل حجة لهذه الفجوة الفراغية تحتله بالكامل، أم أنه بالفعل يحتاجها دون سبب؟ 


وبلحظـة ضعف واحتياج.. قام بالضغط على زر الإتصال، العقل مُغيب والقلب الذي يقود الموكب.. موكب العشق، الذي من المُفترض لا يتوقف مادام نبض القلب يتراقص بتناغم عند اللقـاء!



مُنتظرًا ردها للأتصال، وهو في الحقيقة يُريد ردًا لجميع الأسئلة التي تدور بِمُخيلته، سببًا واحد لإبتعادها وعدم مجيئها إليه، والإطمئنان عليه.. سببًا واحد لكي يجعل لقلبه حجه للغُفـران..



 انتفض القلب بمجرد سماعه لنبرة صوتها الخافتة وهي تسأله عن سبب الاتصال.. كيف لنبرة صوت أن تنتشله من عالمه المُظلم البارد إلى عالمها المُقمر الدافيء؟! صوت أنفاسها



 المُتسارعة -الذي لا يعلم سببًا لها- جعل الاشتياق يتزايد بالقلب أضعافًا مُضاعفة.. كان يُريد اخماد نيران الاشتياق التي تنهش بثنايـا قلبه، لم يكُن يعلم كون أنها ستشتعل أكثر كُلما تحدثا.!!


خرج صوته أخيرًا.. بنبرة مُتلهفة للقرب منها، قائلًا بِعتاب عاشق :

- وحشتيني قولت أكلمك. 


لم ينتظر ردًا لكلامه، تنهد بعمق وأغمض عينيه لثوانٍ معدودة وقام بفتحهما سريعًا ثم قال بهمس وضعف ظهر جليًا بنبرته :



- بعيدة عني ليه؟ أنتِ وحشاني بجد يا أوركيد.. طيب أنا عملت حاجه زعلتك؟ قولي لي لو فيه تصرف عملته ماعجبكيش وأنا والله هحاول أعدل من نفسي.


ابتسمت بسخرية لحديثه، لو كان الحديث أتى بموعد غير الموعد لهدأ من ثوران قلبها المُشتعل.. ولو كان الحديث أتى في لحظة احتياجها لكان تبدل حال قلبها من الإنطفاء إلى البهجة والإطمئنان.. لو يعلم ماذا يفعل التأخير! 


قالت بهدوء وبنبرة خالية من آية مشاعر، بعدما ذهبت إلى الشرفة الخاصة بغرفتها واستنشقت الهواء وهي تحاول تهدئة موجة البُكاء التي تحتلها :



- عمري ما كُنت بعيدة.. مجرد تعب بس، وبعدين أنت لازم ترتاح وتنام كتير زي ما قال لك الدكتور.


همس بذات النبرة العاتبة لِبُعدها الْمُهْلِك لقلبه : 

- الراحة عمرها ما كانت في عدد ساعات النوم، النوم بيريحنا جسديًا.. لكن النفسية ما بترتحش غير بقرب المُحب، وأنا مش لاقي راحـة في الدنيا غير قُربك. 


تعجبت نبرة صوته المليئة بالاحتياج والضعف.. كأنه أصبح شخصًا آخر لا تعلمه، شخصًا تناسته بعد الذي رأته عيناها منه، بعدما تركها في طيات الحُزن وحيدة!!



ويأتي شخصًا يتعجب كون الحُب يُضعفنا.. لا يعلم كون المُحب يُحب بكل جوارحه، يُصبح كمن سُلب منه عقله!

الحب قوة وضعف في آن واحد.. تشعر بالقـوة عند القرب من محبوبك، وبالضعف كُلما إبتعد، تحتاجه كالطفل الصغير الذي لا يستطيع العيش بدون والدته...


طال صمتها، مما جعله يُتابع حديثه :

- محتاج لك أكتر من أي وقت عدى يا أوركيد.. أسبوع عدى وأنا شبه مش بشوفك غير لحظات تتعد، متبقيش بعيدة عني بالشكل ده.   


ابتسم القلب باتساع.. وارتجفت يديها خجلًا.. وضعت خصلات شعرها خلف أذنها بدلال، وهي تذهب مجددا إلى فراشها، جلست بهدوء وهي تحاول السيطرة على دقات قلبها..



ما أسرع نسيان القلب لأشياء يفعلها الذي يهواه، وما أصعب قسوتـه، عندما يكون الأمر به وصل إلى مُنتهاه في الألم!! 


قالت بابتسامة خفيفة ارتسمت على شفتيها :

- بكرة هجيلك وهفضل معاك. 


أنهت حديثها وأغلقت الهاتف سريعًا، وكأن شيء بداخلها اعترض على حديثها معه، وموافقتها على الذهاب إليه.. هي بين نارين ولا تعلم الصواب من الخطأ !! 


💛 اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد 💛


جالسًا بغرفته ذات الضوء الخافت، مُمسكًا بيده إحدى الكُتب التي استعارها من ندى.. بجانبه عدة أقلام بألوان مُختلفة، لكي تتيح لـه الفرصة بتميز الحديث الذي لامس قلبه، ابتسم باتساع


 عندما قرأ جملة لامست شيء خفي بقلبه، حُب في بدايته ولكن لا يعلم عنه شيئًا.. القلب فقط من يعلم وهو الذي سيُقرر متى يفصح عنه..  

"إيكادولي.

أُحبُّك؛ تعني أنني سأعشق ملامحك يومًا بعد يوم، وسأعيش في تضاريس وجهك حتى أموت، سأحب فيك روحي التي بين جنبيك، ولن ألتفت لغيرك!" 


كانت هذه الجملة التي قرأها بصوتٍ عالٍ تزامنًا مع إلتفاتة رأسه للخلف حينما استمع إلى ضحكة عالية من أحدهم، ابتسم بخفه على أخته التي تضحك بقوة جعلته يتعجب، قائلًا بغيظ:

- بتضحكي على ايه؟ 


أخفضت ضحكتها تدريجيًا وجلست مُقابلة له في الفراش وهي تعطيه كوب نسكافية وقالت بابتسامة:

- لا بس اللي يشوفك وأنت بتقرأ الجملة دي يقول إنك عاشق. 


ضحك بخفه وأغلق الكتاب ووضعة جانبًا، نظر إليها مجددا وقال بهدوء وابتسامة خفيفة بعدما إرتشف القليل من الكوب الخاص به:



- الحب فِطرة بيتولد جوانا من أول دقة القلب بيدقها.. طول ما جوه كل واحد فينا قلب بيدق فـأكيد القلب ده بيحب بس أنت شخصك ما تعرفش، دقات القلب ما بتبقاش ليها معنى غير لما تحب!


انفجر ضاحكًا عندما رأي عينيها جاحظة وتُناظرة بصدمة حقيقية من حديثه، قالت بصدمة ظهرت بنبرة صوتها البطيئة:

- أأ.. أنت وليد؟ اللي مسمياه الجبل اللي مبيحسش، وعمري ما تخيلتك تحب.. أنت؟ 


ضحك وليد بقوة وهدأ قليلًا ثُمّ قال بابتسامة:

- أنتِ مصدومة ليه؟ ما هو مش معنى إني محبتش أبقى ما بعرفش أحب! الحب ما بيظهرش غير في وقته.. الحب اللي


 بيغيرنا. بيغير أفعالنا، تفكيرنا، نظرتنا للدنيا، نُضجنا، بيخلينا نحب الدنيا واللي في الدنيا بمجرد اقتحامه لقلبنا ولحياتنا.. الحب حلو بس مع اللي يستاهل قلبك. 


امسكت كوب النسكافية الذي أمامها وارتشفت القليل منه وظلت صامتة مما جعله يضحك عليها.. قائلًا بتساؤل: 

- مالك؟ 


نظرت إليه مُطولًا وقالت بهدوء بعدما شردت بعيدًا بخيالها، بعينيه التي سحرتها منذ النظرة الأولى:

- بعيدًا عن كلام العشق والغرام اللي هيجي يوم وأعرف لمين، بس فعلًا الحب بيغير، وإحنا الحمد لله كل اللي بندخلهم حياتنا بيهربوا مننا.. وكأننا ملناش نصيب نحب!


قرص وجنتيها بخفه وقال بابتسامته الهادئة:

- لو كانوا خيرًا لبقوا.. ولو كانوا الأصلح لعافرنا وعافروا لحد ما نبقى من نصيب بعض.. وفي كِلا الحالتين ده الخير لينا. وما نقدرس نقول غير كده.


ضحكت ندى بخبث وقالت وهي تغمز بعينيها بنظرة ماكرة:

- ده أنا سبتك أسبوع واحد بس يا دكتور، كُل ده يحصل لك في أسبوع؟ 


ألقى الوسادة عليها مما جعلها تضحك بقوة عليه.. ران عليهما الصمت لبعض الوقت، قطعه هو بسؤاله:

- مالك؟ 


تنخدت بقوة وسردت له ما حدث معها بالكلية في الأسبوع الماضي، بتوتر وخوف من ردة فعله.. قال وليد بهدوء بعدما حاوطها إليه بحنو:

- طيب وهو أنتِ خايفه ليه؟ بالعكس دي مش حاجه تزعلك ولا تخليكِ خايفه من شيء. أنتِ رديتي عليها بالرد اللي تستاهله، بعيدًا عن تأخيرك في الكلام معايا.. بس ده غلط مني وإني كنت مقصر معاكي الفترة اللي فاتت، حقك عليا.


أنهى حديثه وهو يُقبل رأسها كعلامة للأعتذار، ابتسمت بارتياح ليُتابع حديثه هو بتحذير:

- بس متختلطيش بأي حد. أنا واثق فيكِ لكن ماقدرش ما أقولكيش كده، ولازم بردو تاخدي رأي بابا وماما. 


اماءت لـه عدة مرات بابتسامة مُطمئنة.. 



               الفصل التاسع من هنا

لقراءة باقي الفصول من هنا


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-