#عهد_يمين
بقلم بتول على
#الفصل_السادس_عشر والاخير
لن يترك فعلة ابنه تمر مرور الكرام ... سيعاقبه بقسوه على فعلته وسيجعله تحت سيطرته كما كان من قبل ... يعرف جيدا أنه ليس من السهل أن ينفذ ممدوح كل ما يطلبه منه بكل
خضوع وإذعان كما كان يفعل في الماضي ... سيكون طريقه وعراً وبه الكثير من العقبات ولكنه لن يستسلم ... سيقضي على تلك العقبات التي تصعب عليه الأمر ... سيقتل سيرين ويتخلص منها ، فهى سبب انقلاب ممدوح عليه ... غمغم بشرود وهو ينظر إلى سها:
-"أنت عندك حق ، لازم سيرين والأولاد يموتوا". ابتسمت بخبث فهي استطاعت بسهوله اقناع توفيق بقتل سيرين وطفليها المزعجين ... هتف توفيق وهو يمسك هاتفه:
-"أنا هكلم أيمن والرجاله عشان ياخذوها المخزن القديم يخلصوا عليها فيه ، وبعدين هنشوف صرفه في الأولاد".
اتسعت حدقتى سها بدهشه عندما سمعت صوت تحطم المزهريه في الخارج ... خرج توفيق على الفور ليعرف من الذي سمع حديثه مع سها ، وعاد مره أخرى إلى الغرفه وهو يجر
سيرين التي تصرخ وتبكي من شعرها ... أحضرت سها زجاجه المخدر من خزانتها ونثرت القليل منها على منديل ورقي وقربته من سيرين ... حاولت سيرين المقاومه ولكن توفيق
أحكم قبضته عليها ، واستطاعت سها اجبارها على استنشاق الماده المخدره لتفقد وعيها على الفور ... اقترح توفيق قتلها في هذه اللحظه ولكن سها أخبرته أنه سيكون من الصعب التخلص من الجثه ، وتنظيف المكان إن قام بقتلها في هذه الغرفه.
زفرت سها وهي ترمق سيرين الغائبه عن الوعي بنظرات غاضبه:
-"احنا نخلي الرجاله يجوا ياخدوها على المخزن ويخلصوا عليها هناك".
أومأ توفيق برأسه موافقا على حديثها:
-"تمام".
بعد مرور عشر دقائق حضر رجال توفيق وأخذوا سيرين إلى المخزن القديم كما أمرهم توفيق ... لم ينتبه أى أحد إلى هذه الخادمه التي سمعت كل شيء وأسرعت تهاتف ممدوح وتخبره بالأمر
-"أيوه يا زينب".
ازدردت زينب ريقها بصعوبه وقالت وهى تفرك أصابعها بتوتر:
-"رجاله توفيق بيه أخدوا مدام سيرين على المخزن القديم وهيقتلوها".
لن يتركهم يفعلوا هذا بزوجته ... أمسك مسدسه وتفقده وهو يغادر مكتبه وقال:
-"اسمعي كويس يا زينب الكلام ده ونفذيه ... خدى الأولاد من البوابه الخلفيه ووديهم عند أشرف السواق وقوليله ياخذهم على شقه المقطم ويفضل معاهم".
أومأت زينب برأسها في خوف ، وفعلت كل ما طلبه منها ممدوح وهي تدعو الله أن يكون كل شيء على ما يرام ، وألا يصيب ممدوح وزوجته أي مكروه ، فهي تعتبر ممدوح بمثابه ابنها.
استقل ممدوح سيارته ، وأدار المحرك ، وشرع في القياده ... هل يمكن أن يقتلوا زوجته قبل وصوله إليهم؟
لن يدع هذا الشيء يحدث ... يعرف والده جيداً إذا أراد فعل شيء من أفعاله القذره سيستعين بمساعده أيمن ... أمسك هاتفه واتصل بأيمن الذي أجاب بعد عده مرات من الاتصال.
-"اسمعني كويس يا أيمن ... إياك حد فيكم يلمس شعره من مراتي".
رد أيمن متلعثما:
-"أنا مش فاهم أنت تقصد إيه يا ممدوح بيه".
كز ممدوح على أسنانه بغيظ وضرب مقود سيارته بعصبيه ... هل يتظاهر أيمن بأنه لا يعرف ماذا يقصد!!
حسنا لم يترك له سوى خيار واحد.
-"أي حاجه هتحصل لمراتي هتحصل لمراتك ، اللي رجالتي دلوقتي عندها في البيت".
-"يعرف أن ممدوح سينفذ تهديده حقا إن حدث شيئا لزوجته ... هتف قائلا برجاء:
-"أنا مليش دعوه والله ... أنا بس بنفذ أوامر توفيق بيه".
-"ما تخليش حد من الرجاله يقرب منها وأنا عشر دقايق بالكتير وهكون عندكم وهاخدها وهتصرف بنفسى مع توفيق".
أومأ أيمن برأسه وعزم على فعل ما طلبه منه ممدوح ، فليذهب توفيق إلى الجحيم ... لن يضحي بزوجته وأولاده من أجله.
---------
نظرت له بضيق وهو يضحك غير عابئا بنظراتها الغاضبه ... صاحت ريهام قائله بانفعال:
-"بطل ضحك بقى يا سامح".
-"أخر حاجه كنت أتوقعها أن ممدوح يبقى ابن عمه جوزك".
هتف بها سامح بعدما استطاع كبح ضحكته بصعوبه بالغه ، فمن كان يصدق أن أمجد وممدوح تربطهما صله قرابه قويه لهذه الدرجه ... تنهدت ريهام قائله بحزن:
-"أمجد لحد دلوقتى مش مستوعب ولا قادر يقبل الموضوع ، وبصراحه عنده حق الحكايه دي صعبه قوي عليه".
شقيقته محقه ، فأمجد يكره ممدوح كثيراً ، كيف سيتقبل هذه الحقيقه الصادمه؟
يعرف جيدا أن أمجد مجبراً على تقبل هذه الحقيقه من أجل عمته ، التي فعلت الكثير من أجله ، واعتبرته ابنها الذي لم تنجبه ... لاحظ توتر شقيقته فغمغم مازحاً:
-"خديها نصيحه مني يا ريهام ... أنت تجيبي شيكاره ليمون وتعصريها في كوبايه وتخلي أمجد يشربها ، يمكن يهدي شويه".
رمقته بسخط وغضب ... كيف يمكنه المزاح في ظل هذا الوقت المشحون بالتوتر؟!
ربت على كتفها بهدوء فليس هناك داعي لكل هذا التوتر ... يدرك أن أمجد سيتقبل هذا الوضع مع مرور بعض الوقت.
-"الموضوع محتاج شويه وقت وكل حاجه هتبقى طبيعيه".
قالها سامح وهو يتمنى حقا أن يكون كل شيء على ما يرام مع مرور الوقت.
----------
أغمض عينيه براحه شديده لم يشعر بها منذ زمن طويل ، وأخيرا شعر بهذا السلام الداخلي يغزو كيانه بعدما صُدر أمر
بالقبض علي توفيق ... استمع إلى تسجيل اعتراف توفيق بقتل عمر وهايدي والذي قدم نسخه منه إلى الشرطه ... لا ينكر أن يامن ساعده في إنجاز الأمر بسهوله لم يكن يتوقعها ...
استطاع يامن الحصول على تصريح النيابه بشكل سرى من خلال صديقه الذى يعمل بالنيابه ليتم الأمر بشكل قانونى ويكون هذا التسجيل دليلاً قويا يعتد به.
بعد كل شيء فعله يامن من أجله ، لا يصدق أنه حقا تخلى عن عمر وتركه للموت ولا يصدق أن مدحت يكذب أيضا بعد المواجهه التي حدثت بينهما بالأمس ... أقسم له مدحت أنه يقول الحقيقه ... ضرب ياسر الطاوله بعنف وسأله متحيرا:
-"إذا كنت أنت فعلا بتقول الحقيقه ، ويامن بيقول الحقيقه ، معناها مين اللي كذاب؟"
حك مدحت مقدمه رأسه وهتف بشرود:
-"عندك حق تحتار يا ياسر ... أنا نفسي بقيت محتار ومش مصدق أن يامن يعمل كده بعد ما ساعدك وخلى صاحبه وكيل النيابه يجيب التصريح بهدوء ومن غير شوشره عشان توفيق ما يعرفش بالموضوع ويعمل حسابه".
وضع رأسه بين كفيه وتنهد فى سأم ... فكر كثيراً في كل كلمه قالها يامن ومدحت ... انتفض فجأه عندما تذكر هذا الأمر الذي غفل عنه.
-"نوال!!"
قالها بشرود وهو يضيق عينيه ... كيف نسى كره نوال الشديد له؟
تذكر عندما أخبره يامن أنه سيذهب برفقه حبيبه إلى الطبيبه ، وأخبرته جميله أيضا أنها ستذهب إلى منزل صديقتها ، هذا يعنى أن نوال بمفردها الآن فى المنزل ... غادر منزله على الفور وقد عقد العزم على جعلها تقول الحقيقه.
----------
-"إيه الملل ده بس ، مبقاش فى أفلام حلوه بتتعرض فى التليفزيون!!"
تمتمت بها نوال وهي تقلب بين قنوات التلفاز بملل ... اعتادت دائما على مشاهده التلفاز عندما تكون بمفردها فى المنزل ... ضيقت عينيها ورفعت حاجبيها بتعجب عندما سمعت صوت الجرس ... تسائلت داخلها ، من يمكن أن يأتي لمنزلها الآن؟
هل يعقل أن يكون لصا؟
نفضت هذه الفكره الغبيه من رأسها مستحيل أن يأتي لمنزلها لصا في وضح النهار و يطرق بابها ... تسمرت مكانها وتخشب جسدها عندما فتحت الباب ورأته يقف أمامها ... ما الذى أتى به الآن؟ وماذا يريد منها؟
تنهد قائلاً بهدوء:
-"هفضل واقف كتير قدام الباب؟"
أشارت له بيدها إلى الداخل وهي تفسح الطريق أمامه ... سألته بتوجس وهي تتمنى ألا يكون حدثها صحيح:
-"أنت جاي هنا ليه؟"
رمقها بهدوء وهو يجلس على الأريكه وأشار لها لتجلس أمامه ، وباغتها بسؤاله:
-"عملت ليه كده يا نوال؟"
-"قصدك إيه؟"
نطقت بها نوال وهي تحاول السيطره على إنفعلاتها وتابعت قائله بحده:
-"أنت بتتكلم عن إيه بالضبط؟"
نظر لها ياسر بوجوم ، فقد تأكد الأن أنها المسؤوله عن كل ما حدث.
-"أنت عارفه كويس أنا قصدى إيه ... بلاش اللف والدوران".
صاحت ببعض الكلمات وهى ترمقه بغضب ... لم يستطع ياسر تمييز الكلمات التي تهذئ به بسبب سرعتها فى الحديث ... صرخ فى وجهها بغضب وقد وصل غضبه إلى ذروته:
-"امتى هتبطلى عمايلك دي يا شيخه ... كل اللى فى سنك دلوقتى بيعملوا لأخرتهم عشان عارفين أن مش فضلهم كتير
فى الدنيا ، وأنت لحد دلوقتى بتكدبي وتنكري ...معقول مش خايفه تموتى بكره أو بعده والذنب ده متعلق فى رقبتك؟"
بكت نوال بحرقه وهى تتذكر ما حدث منذ بضع سنوات.
فى منزل يامن
كانت نوال تحمل بيدها دلو ماء وتتوجه به إلى باحه المنزل لتنظفها عندما اصتطدمت بيامن الذي سقط هاتفه فى الماء ... نظرت نوال إلى الهاتف بتأفف وقالت:
-"التليفون شكله باظ".
انتشل يامن هاتفهه من الماء ، وحاول تشغيله لكنه لم يعمل ... زفرت نوال بضيق وتمتمت:
-"استغفر الله العظيم ... أنا مش عارفه إيه اللي بيحصل ده!!"
حاول يامن تشغيل هاتفهه مره أخرى ولكنه فشل.
-"أنا هنزل أروح أصلحه ... لو اتصلح خير وبركه متصلحش هجيب بداله ... مش معقول هنضايق نفسنا عشان خاطر موبايل!!"
بعد مرور أكثر من ثلاث ساعات ...كانت تقوم نوال بتقطيع بعض الخضراوات برفقه جميله وملامح الضيق تسيطر على وجهها ... لاحظت جميله ذلك فهتفت بتساؤل:
-"مالك يا ماما مضايقه ليه؟"
أجابتها نوال بضيق وهي تقطع البطاطس:
-"مش عارفه أخرتها إيه مع أخوكى؟"
لم تفهم جميله ما ترمى إليه نوال إلا عندما استكملت نوال كلامها قائله بغضب:
-"كل ما أفتح معاه سيره الجواز يقول مش وقته ويغير الموضوع".
تابعت بنبره جمعت بين الحقد والغل والغضب:
-"مش فاهمه هيفضل كده لحد امتى ، وياسر ابن راويه اتجوز وخلف ومراته حامل دلوقتى للمره التانيه".
"استغفر الله العظيم من كل ذنب عظيم "
قالتها جميله بضيق ، فهى لا تفهم لماذا تكره والدتها ياسر لهذه الدرجه؟
في هذه اللحظه سمعت كلاً منهما صوت رنين الهاتف ... أجابت نوال على الفور ليأتيها صوت مدحت ، الذي أخبرها بضروره حضور يامن إلى المستشفى من أجل عمر ... تمتمت نوال بغيظ:
-"يعنى هو مفيش غير يامن ابني يديله دم ... ميديله هو الدم ... لازم يشحطط ابنى ويخليه يروح المستشفى".
بعد مرور بعض الوقت عاد يامن إلى المنزل وأخبرته جميله أن مدحت اتصل به ، وعندما سألها عن السبب قالت له نوال بضيق:
-"مش عارفه أقوهالك إزاي يا يامن بس ... ياسر وإيناس إتخانقوا النهارده وهما بيتكلموا في التليفون ... وهي راحت بيت أبوها لأن ياسر زودها معاها أوي في الكلام".
نظر لها بصدمه وذهول في آنٍ واحد ... لا يتصور كيف يفعل شقيقه هذا بزوجته ووالده طفله.
-"اللي عمله ده مش لازم يتسكت عليه ... أنا هكلمه دلوقتي من موبايل جميله وهبهدله".
اقتربت منه نوال وأمسكته من ذراعه قائله:
-"متدخلش في الموضوع ده يا يامن ... لازم ياسر يتعلم يحترم مراته وأنه يحل مشاكله بنفسه لأن بنات الناس مش لعبه وأظن أنت مترضاش لأختك لما تتجوز أن جوزها يعمل معاها كده".
هز يامن رأسه موافقا على حديث والدته ... لا يجب أن يتدخل في هذه المشكله ... أخبر يامن مدحت عندما اتصل به أنه لن يتدخل في أمور ياسر ومشاكله ... أخبره أيضا أنه يثق أن ياسر يستطيع التصرف فى الأمر دون تدخله".
هز ياسر رأسه عده مرات ... لم يتصور يوما أن نوال تكرهه لهذه الدرجه ... كيف يمكنها فعل هذا الشيء بطفل صغير لم يتجاوز الخامسه من عمره!!
-"أنا مكنتش أعرف أن مينفعش حد تاني غير يامن يتبرع بالدم لعمر ، صدقني أنا ....
صرخ في وجهها بغضب:
-"اخرسي ... أنت لسه ليكِ عين تتكلمي بعد اللي عملتيه ، نفسي أفهم ضميرك كان فين وأنت بتعملي كده!!"
أخفضت نوال رأسها أرضا بخزي ... تبكي بشده وتعض أصابعها من الندم بسبب فعلتها النكراء ... رمقها ياسر بغضب وإزدراء وكاد يغادر ولكنه رأى جميله تقف أمامه وترمق نوال بنظرات غاضبه.
-"ليه عملتِ كده يا ماما؟"
تعالت شهقات نوال عندما تأكدت بأن جميله سمعت كل حديثها ... شعرت في هذه اللحظه أنها خسرت كل شيء.
------------------------
استعادت سيرين وعيها داخل المخزن ، وتذكرت كل ما حدث معها في غرفه توفيق وسها ... تسللت بخفه إلى الخارج دون أن ينتبه أيمن وباقى الرجال ... حاولت جاهده ألا تصدر أي
صوت ونجحت في ذلك ولكنها تفاجئت بسها التي أشهرت سلاحها في وجهها وأطلقت النار ... أغمضت عينيها بقوه مستسلمه لمصيرها ، ولكنها شعرت بمن استند عليها واستقرت الطلقه في جسده.
-"ممدوح!!"
قالتها بصدمه بعدما رأت ممدوح الماثل أمامها وقميصه ملطخ بالدماء.
#الفصل_السابع_عشر والأخير
صف سيارته أمام مخزن والده وترجل منها وهو يحمل مسدسه ... رأى سها وهي تشهر سلاحها في وجه سيرين فوقف أمامها واخترقت الطلقه كتفه ، وقبل قيام سها بشحذ المسدس واطلاق النار مرة أخرى ، أطلق ممدوح النار عليها واستقرت الطلقه في قلبها ... أسندت سيرين ممدوح وقالت بلهفه:
-"أنت كويس؟"
أومأ برأسه عده مرات قائلاً:
-"أيوه".
دوى صوت سيارة الشرطه في أنحاء المنطقه وخرج منها الضابط برفقة مجموعه من العساكر وحاصروا المخزن ... توجه الضابط ناحية ممدوح الذي قال وهو يشير بإصبعه ناحيه جثه سها:
-"دي الست اللي حاولت تقتل مراتي ولولا أنى وصلت أنا والرجاله في الوقت المناسب كان زمانها قتلتها".
نظر ممدوح إلى رجال والده نظره ذات مغزى فهمها أيمن وباقي الرجال ... لم يسلمهم ممدوح إلى الشرطه لأنهم امتثلوا لأوامره ولم يقتلوا زوجته ...
حضرت سياره إسعاف لنقل جثه سها إلى المشرحه ، وحضرت سياره أخرى وأخذت ممدوح إلى المستشفى بعدما خارت قواه.
----------
-"البوليس بره يا توفيق بيه وعايزين حضرتك!!"
قالتها الخادمه لتوفيق الذي ظهرت على وجهه علامات التعجب والاستنكار ....خرج من غرفة مكتبه وتوجه إلى باحة المنزل حيث يقف رجال الشرطه ورمق الضابط بازدراء وهو يقول بنبرة محتده:
-"أنتم عايزين إيه بالظبط؟"
بادله الضابط نظرته بأخرى ساخطه وقال ساخراً
وهو يشير إلى اثنين من العساكر بوضع الأصفاد في يد توفيق:
-"جايين نقبض عليك ... مش معقول هنيجي نشاهد جمالك".
وضع العسكري الأصفاد في يد توفيق الذي صاح بغضب:
-"أنا هوديك في داهيه ... شكلك مش عارف أنا مين و أقدر أعمل فيك إيه؟"
زفر الضابط وهتف بنفاذ صبر وهو يركب السياره ويتبعه العساكر وهم يجرون توفيق:
-"نفس الأسطوانه المشروخه ... كل ما أروح أقبض على واحد يقول أنا هعمل وهسوي ... ما بيزهقوش دول ولا إيه؟!"
أدخل العساكر توفيق سيارة الشرطه (البوكس) وانطلقت السياره متوجهه إلى المديريه.
------------------
كانت تركض بسرعه في رواق المستشفى غير عابئه بنظرات الجميع المصوبه نحوها ... وصلت إلى غرفته وهي تشعر
بالتردد ... لا تعرف ماذا تفعل إما أن تدخل وإما أن تتراجع ... خياران ليس لهما ثالث ... حسمت أمرها وكادت تدلف إلى الغرفه ولكن استوقفها صوته وهو يسألها:
-"أنت متأكده من الخطوه دي؟"
التفتت له والدموع تهطل من عينيها بغزاره على وجنتيها وهمست بنبره متحشرجه:
-"لازم أشوفه ، ده ابني اللي اتحرمت منه يا أمجد".
يخشى عليها من المواجهه ، فهو على يقين بأن ممدوح سيطردها فور دخولها غرفته ... تنهد بضيق وقال:
-"على فكره الطلقه كانت في ذراعه وهو دلوقتي كويس".
سكت قليلا واستكمل قائلاً بسخط:
-"قاعد في الأوضه جوه زي القرد".
رمقته هدير بحنق وقالت:
-"متنساش أن ممدوح يبقى ابني ... عارف يعني إيه ابني يا أمجد؟"
يعرف هذا جيدا ولكنه لا يمكنه تقبل الأمر بهذه السهوله التي تعتقدها عمته ... ليس من السهل تقبل حقيقه أن عدوه اللدود أصبح بين ليله وضحاها ابن عمته ... زفر أمجد بحنق وقال:
-"أنت مش متوقعه مني أني أحبه صح؟!"
زفرت بضيق ودلفت إلى غرفه ممدوح ليتبعها أمجد ، فهو لن يتخلى عنها في هذا الوقت العصيب.
-"أنت إيه اللى جابك هنا؟"
صاح بها ممدوح في وجه هدير التي تبكي وتنتحب بشده ... كيف ستخبره بكل شيء وهو لا يريد رؤيتها؟
نظر له أمجد بغضب وقال:
-"اتكلم معاها بأسلوب كويس أحسنلك".
لم يهتم ممدوح بتهديد أمجد فكل ما يشغل تفكيره والدته التي أتت بعد كل هذه السنوات إليه وتذرف الدموع من أجله ... هل ندمت على فعلتها الآن؟
لن يسامحها أبدا مهما فعلت من أجله ... هذا الجرح الذي جرحته له عندما تركته لم ولن يلتئم ... صرخ في وجهها بغضب:
-"اطلعي بره أنتِ وابنك ... أنا مش عايز أشوفكم".
نهض من سريره عندما رأها لم تحرك ساكنا ... حاولت سيرين منعه ولكنها لم تستطع ... وقف أمام هدير وأمسكها من معصمها محاولا إخراجها بالقوه من غرفته ولكن دفعه أمجد
بعيدا عنها ولكمه في وجهه ... صرخت هدير بجزع وأمسكته بقوه من قميصه عندما رأته يحاول لكم ممدوح مره أخرى وقالت بغضب:
-"متمدش إيدك على ابني يا أمجد".
هتف ممدوح بتهكم وسخريه وهو يزيل الدماء التي خرجت من أنفه:
-"ونعم الأمهات ... الصراحه عمري ما هشوف أم زيك أبداً".
أمسكت هدير بيده وهتفت برجاء:
-"الموضوع مش زي ما أنت مفكر ... اسمعني الأول وبعدين احكم".
أشاح ممدوح بوجهه بعيدا عنها ... تدخلت سيرين وهمست بجوار أذن ممدوح:
-"سيبها تقول اللي هي عايزاه لأن ممكن تكون فاهم كل حاجه غلط".
أخبرته هدير بالحقيقه التي لم يصدقها إلا عندما ذهب لزياره توفيق في السجن وألح عليه ليخبره الحقيقه.
------------------
تغيرت أمور كثيره خلال سته أشهر ... قاطع يامن وجميله نوال بعدما عرفا أنها خدعتهم ... أدرك ممدوح الحقيقه التي خدعه والده بشأنها طوال حياته وأن والدته لم تتخلي عنه ، وأصبحت علاقته بوالدته جيده وأيضل تحسنت علاقته قليلا بأمجد.
ذهب ياسر برفقه إيناس إلى البلده لحضور حفل زفاف عادل والذي تقبلت ولاء زواجه أخيرا من ناديه ... حاولت نوال كثيرا التحدث مع يامن ولكنه لم يعطها الفرصه ، فهو لا يزال غاضبا منها
-------------
الوحدة سم قاتل يقتلك ببطء ... كيف يمكن أن يحتمل أي شخص أن يكون وحيدا ومنبوذا؟
ابتسم بسخرية فهذا ما يجب أن يحصل عليه بعد كل ما فعله في حياته ... غمغم بسخرية وهو ينظر بحزن إلى النافذه:
-"مبقاش ليك حاجه في الدنيا دي يا توفيق ... ابنك اتخلى عنك ومسألش فيك بعد ما عرف الحقيقه ، ومراتك فضلت طول عمرها تستغلك وفي الأخر ابنك قتلها".
عاد بذاكرته إلى اليوم الذي حضر به ممدوح لزيارته.
ابتسم توفيق بشدة عندما رأى ممدوح يقف أمامه ولكن سرعان ما اختفت ابتسامته عندما رأى ابتعاد ممدوح عنه ... نظر له توفيق بتعجب بينما رمقه ممدوح بجمود قبل أن يقول ببرود:
-"أخبارك إيه يا توفيق بيه؟"
نظر له توفيق بقهر وحزن ... ابنه الوحيد الذي ظل ينتظره لكي يأتي لزيارته يتعامل معه وكأنه شخص غريب عنه ... ابتلع غصه مريرة في حلقه قبل أن يردف:
-"توفيق بيه؟! هي كلمة بابا صعبة عليك أوي كده يا ممدوح؟"
زفر ممدوح أنفاسه بملل ، فهو ليس لديه الوقت لهذه الدراما الحزينه وهتف قائلاً بنبرة ساخرة:
-"أنت متخيل أنها هتكون سهله؟! أنت واحد عشت حياتك كلها تابع لمراتك ومش عملت حساب لابنك الوحيد ... كنت دايما بتفضلها عليا في كل حاجه ... فاكر وأنا صغير لما كنت أجي أشتكيلك منها أنت كنت بتعمل إيه؟"
سكت ممدوح قليلا ليرى تأثير حديثه على والده قبل أن يتابع:
-"أنا جاي هنا النهارده عشان أعرف الحقيقة".
عقد توفيق حاجبيه في دهشة فهو لا يدري ما الذي يقصده ممدوح بالحقيقة.
سأله توفيق بتوجس:
-"حقيقة إيه اللي بتتكلم عنها وعايز تعرفها؟"
جلس ممدوح على الكرسي المقابل لتوفيق ونظر إليه بقوه وهو يردف بجمود:
-"حقيقة أمي اللي أنت فضلت طول عمري مفهمني أنها اتخلت عني".
نظر له توفيق بذهول وصدمة ولم يتكلم ... غمغم ممدوح ساخرا وهو يضحك بقهر:
-"يعني الحكاية دي كمان طلعت بتكدب عليا فيها ... أنا نفسي أفهم إيه اللي أنت استفادته من ده كله؟"
طأطأ توفيق رأسه بخزي وحاول أن يتحدث ولكن قاطعه ممدوح بحدة:
-"أنا النهارده أبويا مات ... هعتبر من دلوقتي أن مليش أب".
رفع توفيق رأسه وأمسك بيد ممدوح قبل أن يغادر وقال:
-"استنى يا ممدوح اسمعني أنا ..."
قاطعه ممدوح وهو يصرخ في وجهه بعنف:
-"أسمع إيه بالظبط؟ أسمعك وأنت بتقول أنك حاولت تقتل مراتي؟! ولا أسمعك وأنت بتقول أنك فضلت تخدعني طول
عمري وأنا صدقتك زي الغبي؟! ولا تكون عايزني أسمعك وأنت بتقول أنك قتلت طفل بريء لمجرد أنك تنتقم من أبوه في حاجه هو عملها مساعده لصاحبه؟ أنت مينفعش يتقال عليك بني آدم ".
تركه ممدوح وغادر غير عابئا بنظرات توفيق المتوسله له بأن يبقى.
انتظر توفيق طوال ستة أشهر بأن يأتي ممدوح لزيارته مرة أخرى ولكنه لم يأتي ... كفكف دموعه بيده وأخرج من جيبه شفرة معدنية ومررها على معصمه قبل أن يشق بها رسغه
وتسيل دمائه ... نظر إلى معصمه وإلى دمائه التي تناثرت على الأرضية بحزن قبل أن يغمض عينيه للأبد وتصعد روحه إلى بارئها.
-------------
-"عشان تعرفي أن أنا عندي حق".
قالتها جميله بفخر وتباهي وهي تنظر إلى صديقتها ... تنهدت مروه بأسى عندما رأت زميلتها أمنيه وهي تجلس في زاويه بعيده عن الجميع ومعالم الوجوم تكسو وجهها وقالت:
-"شايفه حالتها عامله إزاي يا جميله ... مش مصدقه أن مروان يعمل فيها كده ... أنت طلع عندك حق ، الشاب الحقير اللي بيصاحب بنات عمره ما هيتغير حتى لو اتجوز ملكه العالم في الاحترام ... حسبي الله ونعم الوكيل فيه ... ربنا ينتقم منه".
تأملت جميله أمنيه بشرود ... ليست هذه هي زميلتها التي تعرفها ويعرفها الجميع بالصبر والحيويه ... لم تتوقع أن تقتلها خيانه مروان بهذه الطريقه ... امتعضت ملامحها عندما تذكرت
هذا الحقير الذي خان زميلتها قبل زواجه منها ... حملت حقيبتها وتوجهت برفقه مروه ناحيه أمنيه للتخفيف عنها وبث الأمل والعزم داخلها من جديد.
------------------------
شعر ممدوح بالصدمة بعدما علم بانتحار والده داخل السجن ولكنه تلقى هذا الخبر بثبات وجمود أثار دهشة جميع من هم حوله ... لم تقل صدمة سامح وريهام عن صدمة ممدوح وشعرت ريهام بالحزن عليه ، فقد عاش ظالما ومات وحيدا ، وخسر حياته وخسر آخرته.
زفر أمجد أنفاسه بهدوء قبل أن يهتف قائلاً وهو يصوب نظره نحوهما:
-"أنتم ملاحظتوش أن ممدوح مزعلش عليه؟"
هز سامح رأسه نافيا وقال:
-"بيتهيألك ... ممدوح زعلان أوي عليه بس هو متعود طول عمره أنه ميظهرش انفعلاته قدام أي شخص حتى لو كانت مراته".
تنهدت ريهام بضيق وهي تمسح صفحة وجهها:
-"خلاص يا جماعة اقفلوا السيره دي بالله عليكم ... احنا كل اللي هنعمله أننا ندعيله بالرحمة والمغفرة حتى لو كان شخص مش كويس".
------------------------
بعد مرور خمس سنوات
أقام يامن حفلا بمناسبه مناقشه جميله رسالة الماجستير ... احتضن ياسر جميله وقبل رأسها وهو يقول:
-"مش مصدق أن القرده الصغيره ناقشت رساله الماجستير النهارده".
عبس وجه جميله بطريقه طفوليه فعلى الرغم من تجاوزها الثامنه والعشرون من عمرها لا يزال ياسر يناديها (قرده) ابتسم يامن ولكز ياسر بخفه في كتفه وقال:
-"متقولش عليها قرده".
أمسكت راويه بأذن ياسر وقالت بحده مصطنعه:
-"بطل كلمه قرده دي بقى ... أختك مش صغيره عشان تقولها قرده".
نظرت جميله بحزن إلى صوره نوال التي ماتت منذ ثلاث أعوام بعدما سامحها يامن .
حضر سامح ومريم برفقه ابنهم ياسين وأيضا حضر أمجد وريهام لتهنئه جميله التي شعرت أخيرا بالسعاده التى تمنت الحصول عليها ودعت الله أن يظل شقيقيها معا وألا يتفرقا مره أخرى.
- تمت بحمد الله
