أخر الاخبار

رواية وجلا الليل الفصل العاشر والحادي عشر بقلم زكية محمد


 

#وجلا_الليل

#بقلم_زكية_محمد

الفصل العاشر  والحادي عشر

صرخت بفزع ووثبت بعيدًا عن مرماه، رفعت إصبعها المرتعش في وجهه قائلة بتهديد واهي :- لو ضربتني هقول لعمي عامر، سامعني ؟


إلا أن الكمد أعمى بصره، ورغبة واحدة مصوبة أمامه وهي الفتك بها، والتخلص من عقلها الأبله ومن ترهاتها الغير متناهية، بلعت ريقها بصعوبة وقد تداركت أنها في فخ الأسد الآن، ولا مفر لها من الهرب مهما فعلت، ما إن اقترب منها وضعت كلتا يديها على وجهها بذعر خشية أن يصفعها، بينما طالعها هو بذهول قائلًا

:- هو أنتِ ليه محسساني إني عفش إكدة ؟ مرة شتيمة ومرة مفكراني هضربك، بصي يا بت الناس عشان نحط النقط على الحروف، الچوازة دي مهياش إلا مصلحة .


بصرته بغرابة من حديثه ليردف هو بتوضيح :- أنتِ مكنتيش رايدة تتچوزي راشد، فدة كان شهامة مني مع إن أبوكي يستاهل الحرق، بس يلا أهو كله بثوابه .


برقت مقلتاها بلهيب الاحتداد، ورددت بغضب دفاعًا عن والدها، وللثأر لنفسها من خضم قسوته وكلامه الذي خيم الحزن على كل خلية بداخلها :- متغلطش في أبوي تاني، وإن كان على الچوازة متشكرين چميلك نردهولك في أقرب وقت، وشكرًا يا واد عمي قوي على حديتك دة . بقلم زكية محمد


لتردف بقسوة لاذعة قصدتها؛ حتى لا تتساقط دموعها الآن أمامه وينكشف عشقها المكنون في ثنايا وجدانها، فهذا آخر ما ترنو إليه، لن تظهر له ضعفها ستعامله بالمثل وخاصة بعد عباراته السامة التي أذاقها لها منذ لحظات، والتي لولا أنها اسعفت ذاتها بكلمات محمسة لسقطت صريعة في الحال :- أوعاك تفكر إني مبسوطة، لاه الواحدة بتبقى مبسوطة لما تكون ويا اللي بتتمناه، إنما أنا .......


صمتت تبتلع الغصة التي تشكلت بحلقها، وهي تحارب ذلك النشيج حتى لا تنخرط فيه، وتابعت بوجع خفي، فهي أرادت أن تخبره بأنها كانت ستصير أسعد من وجِد على الأرض، لو أنه غير معاملته الفظة تلك معها، وأنه بثها كلمات تطمئن قلبها الهش الغارق في بحر حبه، ولكنه ماذا فعل ؟ سوى أنه تلفظ بوابل من الحجارة رشقها بها، فأصابتها بمفترق جسدها فنزفت على إثرها، خرجت كلماتها التي تشهد على كذبها ولكن ماذا تفعل، فوضعت كرامتها نصب عينيها أولًا :- إنما أنا مريداش الچوازة دي، أنا أتفاچئت بيك لما قالولي أنه أنت، مكنتش رايدة مساعدة وخصوصًا منك عشان ..عشان، أنت.. أنت..


قاطعها مردفا بغلظة :- لو نطقتي حرف تشتمي بيه هقطعلك لسانك اللي فرحنالي بيه دة، وبعدين إيه اللي مريداش مريداش، حد قالك إني هموت عليكِ لا سمح الله ؟ والله العظيم يا چدع ! 


جلدتها حروفه بقساوة دون أن ترأف لحالها، وباءت أحلامها في أن تتلاشى، شعرت بأنها سقطت من السماء أرضًا بعد أن كانت تحلق بسعادة غامرة بين السحب البيضاء، لتفوق على واقع علقم ينافي تمامًا ما تخيلته بلبها الحالم، أغضبتها كلماته فأردفت بحدة :- هي مرتك ماتت من شوية ! دي ليها الچنة .


لم تصر على جعله شخصًا آخر غير الذي يقف أمامها، والذي بالتأكيد سيبتلعها في موجة غضبه العاصفة، إذ قبض على ذراعها يضغط عليه بقوة كادت أن تهشمه، وهو يطالعها بجحيم متمثل في عينيه، بينما ارتعشت فرائصها ولعنت ذاتها أنها تسرعت وتفوهت بكلماتها التي أوصلته لهذا الحد، لم تستطع تحمل ضغطه الحاد على ذراعها فتمثل ذلك في دموعها التي سرعان ما ظهرت، لتهطل على وجنتيها فتزيدهما لهيب على سخونتهما، خرج صوته الأجش يأمرها :- سيرتها متچيش على لسانك تاني .

رفع صوته عاليًا يردد بصخب :- إخفي من خِلقتي الساعة دي .


وبالفعل لم تنتظر أكثر إذ ركضت كالرياح ودلفت لإحدى الغرف، وهي لا تصدق أنها نجت من نيرانه الحارقة والتي طالتها بعضًا منها، فماذا إن شملتها ؟ جلست على الفراش وهنا خارت قوتها الواهية التي تظاهرت بها امامه، بكت بصوت مكتوم كي لا يصل لمسامعه، تنعي جرح قلبها النازف والذي لم يقتله سواه، يا ليتها ما عاشت تلك اللحظات وظلت فقط تحتفظ بذكرياتها البريئة، والتي بعيدة كل البعد عن ذلك الوحش الذي يقبع بالخارج، توقفت عن البكاء فجأة وتطلعت أمامها بعينيها الدامية، والتي تنم عن إصرار غريب وتحد له ورددت بوعيد :- ماشي يا يحيى هتشوف، ان ما ندمتك مبقاش شمس .


بينما بالخارج ظل مكانه، وهو يحمد الله أنها انصرفت من أمامه، فلو ظلت لحظة أخرى لصب جام احتدامه عليها، وطرحها قتيلة في الحال فقد وصلت إلى أقصى الدرجات التي جعلته يفور كالمرجل، بكل غباء منها تهرتل بكلام أحمق كحالها، وهو صبره نفذ ووصل لطريق مسدود معها، ركل الطاولة الصغيرة التي تتوسط الصالة، فتناثر كل ما عليها محدثًا جلبة أجفلت هي على إثرها، جلس بإهمال بعدها وعم الصمت المكان إلا من أنفاسه المتسارعة .


★★★★★★★★★★★★★★★★★★★


روح خاوية من الحياة، وكيف تهنئ بها ووالدتها تقاطعها منذ ذلك الحادث الشؤم، لو تعلم أن هذا ما كان سيحدث لما خطت خطوة من مكانها، ولكن هذا قدرها ولا مفر منه، لم تعد كما السابق لم تنتظره بوله كعادتها، وكيف تفعل وقد رأته على حقيقته التي باتت تخاف منها، فابتعدت عن كل شيء يمكنها من رؤيته، سفحها بسكين حاد ولم يعيرها أدنى أهمية، تبًا لعشق يجعل معتنقيه بلا جدوى، اقتربت من والدتها على استحياء ونطقت بتثاقل وشفاه مرتجفة :- أما !


تنهدت بعمق ولم ترد عليها، على الرغم من أنها تود زرعها وسط اضلعها، ولكنها مستمرة على مسيرتها تضعها في دائرة العقاب، والتي لا تعلم إلى متى ستنتهي ؟


اقتربت منها وأردفت بوجع :- لحد ميتا يا أما ؟ بموت والله وأنتِ مدرياش بيني، سامحيني يا أما الله يخليكي محداييش غيرك .


خرج صوتها المحمل بنبرة سخرية لاذعة :- والبيه اللي ضحك عليكِ راح وين، لما محداكيش غيري ؟ 


التقطت يدها وقبلتها بحب، وتمسكت بها قائلة بدموع :- صدقيني يا أما مكرتهش قده، يلا بينا نهمل الدار ونروح أيوتها مطرح غير اهنة، أنا بقيت أخاف منيه يا أما والخوف بيتغلب على أي حاچة تاني .


رفعت مقلتيها ترمقها بنظرات، لو كانت رصاصًا لقتلتها في الحال، وتابعت بخفوت وهي تتابع نظرات الأخريات لهن :- رايدة تمشي وتخلي الغلط يلاحقنا، بعد ما ربنا نفخ في صورنا وبعتلنا الراچل الزين دة ؟ 


سحبتها على حين غرة، وانصرفت بها من الباب الخلفي، لتصلا لحديقة المنزل الخلفية، وهنا دفعتها بحدة قائلة بغضب وقد فاض الكيل منها :- اسمعي يا بت، مش بعد كل اللي عملته تاچي تهديه في لحظة، أنتِ هتكملي رچلك فوق رقبتك، محدش ضربك على يدك وقالك تعملي إكدة يا بت بطني، أقعدي ساكتة الله يرضى عنك، سيبيني في الهم اللي شيلتهولي .


جثت أرضًا تحت أقدام والدتها قائلة بدموع تشق وجهتها :- أحب على يدك يا أما، أرحميني معدتش قادرة أتحمل، كأنك غرستي سكين في صدري لا أنتِ راحماني وشيلاها ولا أنتِ قاتلاني بيها وتريحيني وارتاح.


قبضت على شعرها بعنف ورددت بغيظ :- خليكي إكدة يمكن تحسي شوية باللي حساه، اللي عملتيه واعر قوي يا وچد وأنتِ مدرياش .


أردفت بضعف وقد بلغ حزنها قمم الجبال :- خلاص يا أما اقتليني عشان ترتاحي مني، والله تعبت وفاض بيا . 


تابعت بقسوة :- لاه القتل خسارة فيكِ، أنتِ لازمًا تعيشي بذنبك عشان تتعلمي وتعرفي إن الله حق، همليني دلوك أنا على أخرى منك .


تمسكت بها برجاء قائلة ببكاء حار :- يا أما متصدقهومش، الناس بتاچي على اللي ملهوش ضهر وتضرب وتچلد كيف ما بدها، خابرة لو لينا حيطة نتدارى فيها محدش كان نطق بكلمة شينة في حقي، أنا مبقولش إكدة عشان أقول إني مغلطش، لاه يا أما غلطت لما طاوعت قلبي اللي رايد الحرق وروحت إهناك عشان أوعاله، بس مكنتش اعرف أنها هتاچي على راسي، والله يا أما ما عملت حاچة تزعلك مني واصل .


شملتها بنظرات مستنكرة، وهزت رأسها بأسى قائلة بجمود :- بتي حطت راسي في الطين ودي اللي مش هنسهالك واصل، واصل يا وجد .


دفعتها وانصرفت وتركتها تدلف في موجة بل بكاء مرير، لم يلومها الجميع على خطأ لم تقترفه من الأساس ؟ لم ينقلون الأحاديث الباطلة على ألسنتهم التي تمطر بوابل من الكلمات التي في غير محلها، وكل ذلك من أجل سكب المزيد من البنزين على النار، ليزيد من الموضوع إثارة وكأنه عرض سينمائي يستمتعون بمشاهدته، أخذت تضرب بيدها بقوة على الأرض، مع علو صوت بكائها الذي يذيب الحجر، ومن الحجارة ما يتفجر منها الأنهار، على عكس البشر الذين يمتلكون قلوبًا صلدة، بكت كما لم تبك من قبل، وشعور الوحدة يطغي عليها فهي غصن هش، لا يقدر على الحركة بمفرده، دون أن يجد دعامة تسنده، ولكن للأسف هذه الدعامة تخلت عنها .


كان في طريقه للعودة من عمله، وأثناء سيره سمع صوت شهقات عالية تجوب الأركان، فتوجه ناحية الصوت ليصدم حينما وجدها هي متكورة في ركن، يهتز بدنها دلالة على بكائها، اقترب منها بهدوء حتى إنها لم تشعر به، مال قبالتها وهتف بتساؤل :- بتبكي ليه ؟ بقلم زكية محمد


انتفضت مكانها إثر صوته المفاجئ، ورفعت مآقيها الدامية صوبه والتي اهتزت أضلعه لها، أما هي فعلت ما جعل لسانه يشل عن النطق، والصدمة تظهر على محياه، إذ هاجمته بضرواة غير مسبوقة منها، تضربه بكل قوتها في صدره وهي تردد بعدائية :- أنت السبب، أنا بكرهك، بكرهك ياخالد، أنت السبب .


أحكم قبضتيه على رسغيها، وشل حركتها تمامًا قائلًا بذهول :- بتعملي إيه يا واكلة ناسك أنتِ ؟ أتچنيتي إياك ؟


أخذت تناضل من أجل فك قيدها المحكوم في أغلاله، قائلة بصراخ :- بعد عني وهملني، أنت السبب ربنا ياخدك ويعذبك كيف ما بتعذب و ......


لم يكن أمامه طريقه ليخرسها بها، سوى أنه سحب أنفاسها بطريقته الخاصة، ليجد نفسه ينساق خلف ذلك الشعور الذي تملكه، شعر بزلزال أطاح به من الداخل، فاتسعت عيناه بعدم تصديق لما يحدث له، بينما اجتاحها هي الرعب وهي تشعر بتلك المعاناة التي عاشتها تلك الليلة تتكرر نصب عينيها، طرق قلبها معلنًا حدوث حرب يشن هو بغاراته عليه، بينما لا تملك أي نوع من الأسلحة لتواجهه، ابتعد عنها أخيرًا عندما تذوق ملوحة دموعها، ليردد بخبث :- ملقيتش طريقة غير دي اسكتك بيها، وشكلها إكدة عملت مفعول .


زحفت الحمرة لوجنتيها سريعًا خجلًا وغضبًا، لتدفعه بشدة قائلة :- يا قليل الحيا ! 


نتأت عيناه بتهديد :- ها هنعقل ولا نكرر الدوا تاني ؟


تراجعت للخلف بحذر، وهي تهز رأسها برفض فردد هو بانتصار وهو يمسكها من وجنتها يقرصها بخفة :- إكدة تعچبيني يا وچد .


جزبت يده بتذمر قائلة :- متقربش مني تاني أنت سامع ؟


ردد بعبث ووقاحة وهو يحدجها بنظرات ودت لو تبتلعها الأرض على إثرها :- أومال هنعمل ايه هنلعب إياك ؟


نهضت لتختفي من أمامه ومن وقاحته، لتشعر بدوار عنيف يعصف بها، ولكنها تمالكت لتهرب منه وحتى لا يفكر أنها لقمة سائغة، يمكن الحصول عليها بيسر وسهولة، ترنحت في مشيها ليلاحظ هو ذلك، وكادت أن تقع لولا يديه التي شكلت حاجزًا بينها وبين الأرض، لتردف بوهن قبل أن توصد عيناها مستسلمة للظلام الحالك الذي يطوقها من كل جانب :- هملني لحالي .


حملها بخفة وهو يتابع سكونها المفاجئ، تردد كثيرًا في خطواته ولكنه لم يأبه لأحد، فهي بالأخير زوجته أمام الجميع، صعد للأعلى وسط نظرات زبيدة المتبرمة و"نورا" التي تغدقه بنظرات حارقة، لو تجسدت لحولتهم إلى رماد .


هتفت الأم بكره وهي تراقب اختفائه :- عاچبك إكدة ؟ أهو فلت من تحت يدنا يا فالحة، واللي كنا رايدين نعمله راح .


جزت على أسنانها بغل ورددت بغيظ :- واعملك إيه عاد ؟ هو أنا كنت بنچم وخابرة باللي هيحصل ! لعبتها زين بت عطيات .


أردفت من بين أسنانها التي كادت أن تتهشم من ضغطها عليها :- بقى بت عطيات اللي ميسووش تلاتة تعريفة توقع الوقعة دي ! 


أردفت بحقد ورثته عنها :- بس أنا مش هسيبها تتهنى وبكرة تشوفي .


مصمصت شفتيها بعدم رضا قائلة :- وطالع بيها فوق قدام الخلق من غير خشا ولا درا ! صُح اللي أختشوا ماتوا .


بالأعلى مددها برفق على الفراش، وبدأ في فحص مؤشراتها، جلس محازاتها يسمح لنفسه باكتشافها، لتمشط عينيه قسمات وجهها الشاحب، والذي على الرغم من ذلك لم يفقد بريقه، قام بتحرير وشاحها ليعطيها حرية التنفس وبدون وعي قربه من أنفه واستنشقه، ليجد نفس تلك الرائحة التي اخترقت صدره حينذاك، ولم تبرح محلها تغلف أضلعه وكأنها تنذره بأن القادم ليس بهين، وأن ليس فقط رائحتها هي من ستسكن جنباتك بل هي ستسير في أوردتك كما الدماء، غرز أصابعه في خصلاتها السوداء كالليل، ومن ثم أخذت يده مسارًا آخر، حينما مشت برفق على ملامحها شعر بعاصفة هوجاء تقتحم ثناياه، وهنا رنت أجراس الخطر وأنها تمثل تهديدًا تمارس سحرها عليه، وها هو يستجيب كالثمل الذي غرق في بحر الخمور المسكرة، فألقت تعويذتها عليه لتسيطر عليه، ويبدو أنها نجحت وبجدارة في ذلك، نهض مبتعدًا عنها، وهو يتذكر الأخرى التي تعاتبه نظراتها كلما رأته، حالة تيه يتواجد بها لا يعلم له مرسى لينجيه من بحر الظلمات، فاق من شروده على صوت انينها الخافت، جلست نصف جلسة وهي تضع يدها على رأسها تطلع حولها بغرابة، لاحظت أنها تلامس شعرها، لينتابها القلق فتنتفض بفزع وصرخت بصوتها كله، حينما وجدته ماثلًا أمامها يحدق فيها بنظرات لم تستشف معناها، حاوطت نفسها بذراعيها وهي تتفقد ملابسها، فهتفت بهلع :- أنا، أنا بعمل إيه اهنة؟ أنت عملت فيا إيه ؟ 


رفع حاجبه باستنكار قائلًا بسخرية :- هكون عملت إيه يعني ؟ الحق عليا إني كشفت عليكِ !


ازدادت عدستيها اتساعا لتنهض وهي تضع حجابها على رأسها بإحكام وأخذت تردد بوجل :- يا مصيبتي السودة، يا فضيحتك يا وچد هيقولوا عليا إيه بعد ما يعرفوا إني في فرشتك ؟ منك لله يا بعيد حسبي الله ونعم الوكيل .


كبلها مجددًا لتقع تحت أسر ذراعيه، ليردد بصرامة وغضب :- بطلي هبل، ما اللي يشوف يشوف واللي يقعد يقعد هو ....


قاطعته وهي تهاجمه بظفورها الحادة قائلة بصراخ :- ما أنت مش خسران حاچة، بعد ما حطيت سمعتي في الطين، مخبراش كيف كنت مغشوشة فيك ! هملني وبعد خليني أمشي كفاية چِرس .


هزها بعنف صائحًا باحتداد :- أوعاكِ تنسي نفسك وأنتِ بتتحدتي وياي، فاهمة ؟


أردفت بوجع خفي وهي تلعن ذاك الغبي الذي يستوطن أضلعها، أنه فكر يومًا واحدًا به فها هو يذكرها بمركزها الاجتماعي، والذي لا يجب أن تغفل عنه :- منسياش نفسي يا دكتور، عارفة قيمتي زين .


دفعت يده بكبرياء ومن ثم توجهت لتغادر، لتشعر بالدوار يصيبها مرة أخرى، فاستندت على الجدار وعندما همت بأن تخطو خارج الغرفة، منعها قائلًا بحدة :- متبقاش راسك ناشفة، أنتِ ضعفانة ومحتاچة راحة ودوا .


مطت شفتيها بتهكم قائلة :- ملكش صالح إن شاء الله أولع دة ميخصكش .


جز على أسنانه بكمد مكتوم، وهو يود لو يضرب رأسها الصلب في الجدار، لعلها تعود لرشدها ولكنه تابع بجمود، وهو يرى تمردها الشديد والذي لا يروقه ويجعله في مزاج سيء :- فعلًا ميخصنيش، بس ضميري الطبي ميسحمش أنزلي وهبعتلك الدوا وانتظمي عليه .


رددت بسرعة قبل أن تتحامل على نفسها، وتفر من أمامه كي تتقي شر بطشه :- خليهولك أشبع بيه، مريداش منك حاچة .


اشتعل فتيل الاحتدام، والذي سرعان ما سرت شظاياه لتنتشر بجميع خلايا جسده، من أفعال تلك الحمقاء التي تقف له بالند ولا تخافه، ضرب الجدار بقوة بيده مرددًا بذهول وغضب في آن واحد :- وبعدين في البت دي ؟


★★★★★★★★★★★★★★★★★★★


بعد مرور شهر كانت في طريقها للعودة من المزرعة كعادتها، اتبعت فيه اسلوب التجاهل حيث إتخذت من غرفة ابنته معقلًا لها تنام إلى جوارها، تاركة إياه فعندما يمس الأمر الكبرياء فلعنة على الحب وعلى معتنقي مذهبه، تشعر بانتصار كبير حققته حينما ترى كمده الواضح، غيظه منها عندما تعانده أمام الجميع، وعندما تتحدث برسمية شديدة معه، على الرغم من أن ذلك يرهق فؤادها الذي يطالبها بالمزيد من القرب، إلا أنها نصبت حصارًا تحجم حركته من كافة الزوايا، لن تظهر له أية مشاعر تخصه حتى يغير طباعه القاسية ويقع في حبها كما فعلت، ابتسمت بسخرية من حالها على جملتها الأخيرة، كيف يحبها فبالتأكيد يحب زوجته الراحلة، والذي ثار كالبركان فجأة عندما ذكرتها في حديثها، كادت أن تستسلم لموجة بكاء حارق داهمتها، وهي تشعر أنها تجدف في مركب بيد واحدة ولا تدري لها مرسى، تكاد تغرق بمفردها في أبحر عشقه اللامتناهية، يا ليت الذكريات تمحى لمحته في الحال، ويا ليت القلب يصيبه زهايمر فينساه في الحال، ولكن كيف وهو يلاحقها أينما ذهبت ؟ 


وصلت لشقتهم الخاصة ودلفت لتنعم بحمام دافئ، يريحها من عناء اليوم، خرجت بعد دقائق وقامت بتمشيط شعرها، أجفلت فجأة من دلوفه المفاجئ، لتنهض قائلة بحدة تخفي تحتها رداء الخجل :- أنت كيف تدخل إكدة؟


حك أنفه بنفاذ صبر ولم يعبأ بحديثها، وتوجه ناحيتها قائلًا بغيظ :- هتفضلي إكدة لحد ميتا ؟ أوعاكِ تفكري إنك بتعملي دة بمزاچك، لاه أنا سايبك بكيفي بقول بكرة تعقل بكرة تعقل، لكن الواضح إن مفيش عقل .


وضعت يدها في خصرها بتحدٍ قائلة :- مش دة حديتك ليا قبل سابق، مستغرب ليه دلوك ورافض، أما عچايب !


 أردف بحدة :- أوقفي عدل وبلاها قصعة الرقاصين دي .


انتبهت لعينيه اللتين تحدقان بها، لتردف بخجل وهي تداري ما يمكن مداراته :- بتبص على إيه يا قليل الحيا، أطلع برة .


رفع حاجبه باستهجان، ولم يعطيها فرصة إذ حاصرها بذراعيه الأبية، واقترب منها إلى حد مهلك، وفعل ما جعلها تقف متجمدة كالتمثال الحجري المنحوت في جبل صلد ........






#وجلا_الليل

#بقلم_زكية_محمد

الفصل الحادي عشر


ظل يرتشف من خمرها المسكر والذي أطاح به، ظن أنه يعاقبها بفعلته ليجد ذاته أسير تلك اللحظة، يشعر وكأنها مغناطيس تجذبه نحوها دون أي جهد منها، ابتعد عنها بعد أن شعر بانقطاع أنفاسها، وهو لا يزال يغمض عينيه مستمتعًا بذلك المذاق الذي علق بشفتيه .

شعرت هي وكأنها تمارس هواية الغطس فغاصت لأميال إلى الأعماق وصعدت فجأة لتسترد نفسها الذي كاد أن يوأد بالقاع، لم تتحرك بمقدار إنش واحد، بل ظلت متجمدة كالتمثال الحجري المنحوت في جبل صلد، عيناها متسعة على اخرهما وثغرها منفرج بذهول وعدم تصديق لما حدث منذ لحظات .


شعر بالقلق عليها من حالتها تلك، فقام بهزها برفق لعلها تعود للواقع الذي فصلت عنه، انتفضت بعنف وهنا عادت إلى رشدها لتفاجئه بردة فعل غريبة، إذ تخطته وخرجت إلى الصالة، جلست أمام التلفاز بأعين زائغة وقلبها يخفق كبندول الساعة، بداخلها زوبعة مشاعر متضاربة كقطبي المغناطيس المتشابهين يتنافران حين الالتقاء، وها هي تشعر بالمثل غضب وفرح، سعادة وحزن، بمنتصف كل شيء لا تعلم عند أي نقطة تمكث، وضعت يدها على وجهها الذي يشع سخونة وكأنه تعرض لشعاع الشمس للتو، فتوهج من شدة الحرارة التي سقطت عليه .


خرج هو خلفها ليرى أين هي بعد ردة فعلها، والتي أبهرته بشكل كامل، ليجدها تجلس أمام شاشة التلفاز بشرود وتخبط . أما هي ما إن رأته وثبت على الفور تنظر يمينًا ويسارًا تبحث عن مكان تختفي فيه، فليس لديها قدرة كافية لمجابهته الآن، فكم تود لو ترتدي قناع يخفيها عن عينيه فلا يراها، أو تكون غير مرئية في تلك اللحظة بالذات، ما إن همت لتركض جذبها من ذراعها ليهتف بنبرة هادئة :- فيكِ إيه أهدي .


عانقت عيناها الأرض تأبى تركها، بينما تعبث بأصابعها كطفل صغير، افتعل مشكلة وتم قبضه بالجرم المشهود، كما تحولت وجنتيها إلى بتلات ورود حمراء تسر الناظرين، رفع وجهها صوبه ليردد بلين ومشاغبة، فهي ليست كتلك التي تتحداه وتنظر في عينيه مباشرة دون خوف، بل يشاهد شخصية مغايرة تمامًا لما رآه طيلة تلك المدة التي مكثها معها تحت سقف واحد :- وه راح وين لسانك ؟ يكون كلته البِسة ؟ وريني إكدة أشوف .


وما كاد أن يقترب منها مجددًا، ضربته على يده قائلة بفزع :- هتعمل إيه يا قليل الرباية ؟ 


ضحك بملئ فيه على لسانها السليط ذاك، هدأت نوباته ليردف بعبث :- طيب زين كنت فاكر إن البِس كله وبلعه .


جزت على أسنانها بغيظ مرددة :- بِس يستاهل قطع الرقبة قليل الحيا . 


ابتسم بتلاعب فهي فهمت مرمى رسالته الخفية، لذلك قرر إكمال اللعبة إذ ردد بمكر :- قصدك تقولي إن البِسة لسانها طويل وعاوز القطع، وكلمة كمان في حقه هيكرر اللي عمله من شوية .


نتأت مقلتاها بصدمة قائلة :- تقصد إيه بحديتك دة ؟


مط شفتيه وتابع بمراوغة :- وأنتِ مالك ومال البِسة هي قريبتك لا سمح الله !


هزت رأسها بنفي وقد قررت أن تلتزم الصمت كي لا يطبق تهديده، فرددت بلجلجة وهروب منه فهي بالكاد تتحكم في أعصابها والتي انهارت في محيطه :- طيب، هروح أحضرلك الوكل .


كاد أن يصل حاجباه لسقف الغرفة، وهو يطالعها ببلاهة فخرجت كلماته تعبر عن حالته التي تعتريه :- هتحضريلي الوكل ! وه ايه الرضا دة كله ! ولا شكلك حطالي حاچة في الوكل عشان تخلصي مني .


قطبت جبينها بضيق قائلة :- ليه شايفني قتالة قُتلة ولا إيه ؟ بقلم زكية محمد


قرص وجنتها الممتلئة بمزاح قائلًا :- لاه شايفك سبع الليل فردالي چنحاتك، ولا راچل صُح .


عبست قسماتها وهي تظن أنه يسخر منها، فرددت بخفوت :- ربنا يسامحك .


قالت ذلك ثم انصرفت للداخل، ليتابعها بنظرات متعجبة ليعي كلماته التي تفوه بها، ليضرب رأسه بتوبيخ فالبتأكيد فهمته بشكل خاطئ، ليسرع من خطواته خلفها .


لم تستطع أن تحبس دموعها، فحبيبها يهينها كما يفعل البقية حينما يسخرون منها، خرجت منها شهقات خافتة وبدأ جسدها بالارتجاف، تحاول كل المحاولات أن لا يصل صوت بكائها له بالخارج .


دلف بخفة لتحل عليه صاعقة، حينما وجدها مولية له ظهرها، وجسدها ينتفض دلالة على البكاء، هز رأسه بقلة حيلة وتوجه ناحيتها، وحمحم بخفوت لتنتبه له، وبالفعل قامت بتجفيف دموعها سريعًا، ولكنها لا تعلم إنه رآها بالفعل، خرج صوتها المتحشرج قائلة بجمود :- ثواني والوكل يسخن .


قالتها وهي لا تزال تعطيه ظهرها، حتى لا يرى انتفاخ عينيها اللتين سكبتا الدموع على سطح وجنتيها، أدارها إليه بحذر ليغلق مقلتيه، يلعن ذاته لوصولها لهذه الدرجة بسببه، قطب جبينه بضيق جلي فور رؤيته لوجهها، أشاحت بصرها بعيدًا عنه وحاولت أن تستدير، إلا إنه جذبها نحوه ليعتصرها بين ذراعيه مرددًا بأسف :- مكنتش قاصد أبكيكِ، كنت بتمسخر معاكِ، مفكرتش واصل إن حديتي هيزعلك .


أردفت ببكاء ووجع مغلف بالأسى :- أنت علطول بتزعلني، إيه اللي چد يعني ؟ 


ربت على شعرها الناعم قائلًا بندم :- حقك علي متاخديش على خاطرك مني، أنتِ اللي نكدية مخابرش ليه !


ها هو عاد مجددًا لوقاحته في الحديث، بعد أن ظنت أنه غير منه لمراضاتها، دفعته بغيظ قائلة بحدة :- أنا مش نكدية أنت اللي لطخ  .


جذبها من أسفل رأسها، وهزها بغيظ قائلًا :- وبعدين في لسانك دة ها اعملك إيه دلوك ؟ إيه رأيك أقطعهولك ؟


قال ذلك وهو يرسم ملامح الجدية، وبسمة خبيثة تنم عن نوايا شريرة، لتردد هي بسرعة :- لاه لاه أنا، أنا هبطل أقول حديت عفش ليك تاني، بس هملني .


هز رأسه بنفي، واتجه ليلتقط سكين من على الطاولة، ليرفعها في الهواء قائلًا بمكر :- لاه أنا هقطعهولك واصل عشان أضمن أنه مهيحدفش طوب تاني .


اهتزت مقلتيها برعب، وهي تتخيل بأنه يقوم بمسك لسانها، وبعدها يقطع لسانها ويمسكه بيده ويلقيه في سلة المهملات، صرخت بفزع قائلة برجاء :- لاه يا يحيى الله يخليك، مش هقول تاني مش هقول والله .


ضغط على شفتيه حتى لا تخرج صوت ضحكاته الرجولية، وجاهد في رسم معالم الجدية على وجهه، وأردف بنبرة لا تحمل إلا الوعيد :- لاه هقصهولك، كام مرة وأنا أحذرك ؟ 


ركضت الدموع تتسابق لتعلن ظهورها في مقلتيها، وتابعت بهمس :- يحيى وحياة بتك، طيب ورحمة مرتك اللي بتحبها ما تقطعلي لساني .


تغيرت تعابير وجهه في الحال، وفجأة تركها وردد ببرود وكأنه شخص آخر يغاير ذاك الذي كان منذ لحظات :- أنا برة على ما تچهزي الوكل .


قال ذلك ثم انصرف مسرعًا، وقد تجهمت ملامحه لتعلن عن الغضب يحتل تضاريسه، بينما ظلت تنظر في أثره وكأنها برأسين، تحاول استيعاب تغيره المفاجئ ذاك فهتفت بخفوت وغباء :- هو مش هيقطعلي لساني كيف ما بيقول !


رفعت كتفيها بعدم معرفة، ومن ثم تابعت إعداد الطعام .


★★★★★★★★★★★★★★★★★★★


تجلس برفقة والدتها التي عفت عنها أخيرًا، فعندئذ فقط أشرقت شمس دنياها من جديد، ورجعت البسمة تزين مقلتيها اللتان ذبلا منذ تلك الأحداث، وعلى الرغم من ذلك إلا أن هناك جرح لم يشفى بعد، والذي يرجع لصاحبه القاسي وما فعله، وكيف يعاملها منذ ذلك الحين، عادت بذاكرتها للخلف حيث موعد زفافها الذي كان منذ خمسة عشرة يومًا، وبالتحديد بعد أن انتهى الزفاف وصعدا لشقتهم الخاصة، ما إن دلفا للداخل وهو بذهنه ألف سؤال وها قد حانت فرصته لمعرفة ما يدور بخلده، وأن يضع النقاط على الحروف، ويقف على أرض صلبة . 

جلس على الأريكة بالصالة ثم نظر لها بغيظ قائلًا بصوت أمر :- تعالي إقعدي إهنة . 

تقدمت بهدوء وجلست في المقعد المقابل له والذي أشار لها بأن تجلس عليه . 

تنهد بعمق قائلًا بصوت أجش :- بصي يا بت انتي عاوزك تقرِّي وتعترفي دلوك بكل حاچة مين اللي زقك علي ؟ 


نظرت له بعدم فهم فأردف بضجر :- مهكررش حديتي تاني كنتي بتعملي إيه في الأسطبل في الساعة إياها؟ 


نظرت له بتوتر حائرة بما تخبره أتخبره بأن قلبها اللعين هو من أرسلها إلى هناك وهي تسبه بداخلها و تلعن غباءها الذي كاد أن يودي بها. 

انتفضت في مكانها حينما هتف بحدة :- هقعد أحدت حالي كتير قري واعترفي . 


هزت رأسها بنفي قائلة بتلعثم :- أاا....مم....محدش بعتني أنا.... أنا روحت إهناك أتفرچ على الخيل . 


طالعها بغيظ قائلاً :- لا والله ! والمفروض أصدقك أنا وانتي ايه يوديكي إهناك نسيتي نفسك بتتمخطري في بيت أسيادك ولا كأنه بيت أبوكي .


هتفت بوجع ودفاع :- بقولك إيه ما تتحدتش على أبوي الله يرحمه بالعفش وكلنا ولاد تسعة يا ريت تبطل الفشخرة الكدابة دي..... 


لم تكمل حديثها إذ قبض على ذراعها بقوة قائلًا بغضب :- وه ولا بت الخدامة هتديني مواعظ فوقي لحالك يا بت أنتِ وأوعي تعملي لحالك قيمة فلو بيتهيألك إني قربت منك حبًا فيكِ تبقي غلطانة و محتاچة تراچعي حساباتك . 


رددت بسهم حاد مغروس بصدرها، وهي تحاول أن تتملص منه :- لاه خابرة إنك عملت إكدة عشان شوفتها هي مش أنا. 


اتسعت عيناه ذهولًا قائلًا بصدمة :- قصدك إيه يا بت ؟ هو.....هو . . أنا قولت إيه ساعتها؟ 


ابتسمت بمرار وهي تتذكر كلماته التي طعنتها بقوة قائلة :- قولت إنك بتحبني وإني حلوة قوي وطبعاً الحديت دة مكانش ليا كان ليها هي اللي انت تقصدها. 

ثم أردفت بكذب :- هي مين دي صوح اللي بتحبها قوي إكدة؟ 


توتر قليلًا وسرعان ما هتف بحدة :- وانتي مالك هو انتي هتحققي معاي ولا إيه ! غوري من وشي.... 


نظرت له بقهر ثم استدارت و دلفت للداخل وهي تجر أذيال الخيبة معها فقد ظنت ذلك الملاك الذي تعلقت به رغماً عنها ولم تدري أن خلف ذلك الملاك يقبع شيطان. 


شعرت بخنجر مسموم يقطع أضلعها شيئًا فشيء فكيف ستتحمل رؤية غريمتها هنا معها بنفس المنزل وكيف ستتعامل معه هو شخصيًا ؟  فهي صُدمت عندما علمت حقيقته من رائحة فمه الكريهة التي كانت تفوح منه وهي تسعى بكل جهدها أن تكون قريبة من ربها رغم اعترافها بأنه أكبر معصية، كم ودت لو تركض وتلقي بنفسها بين ذراعي والدتها وتفرغ لها تلك الهموم من على صدرها ولكن كيف وهي تعاملها منذ أن علمت بتلك الواقعة بجفاء شديد ألم قلبها بشدة . 

أخذت شهيقًا عميقًا وزفرته بقوة ثم فتحت باب الغرفة المخصصة لهما وهي تبتسم بتهكم فكم رسمت العديد من التخيلات السعيدة معه ولم تتخيل أبداً ذلك السيناريو. 

نفضَّت رأسها بأسى فلتترك كل شئ يسير كما هو ولترى ما تخفيه لها الأيام. 

بالخارج جلس بتوتر وهو يهتف بخفوت :- يا ترى قولت إيه تاني ومقالتهوش؟ ربنا يستر على الأيام الچاية هتحمل كيف قعادها قصادي وأنا چواي نار قايدة دلوك . 

ثم أردف بغضب :- كله من بت الفرطوس اللي چوة دي هي اللي حرمتني منها وعملت كيف السد إنما طلعته على چتتها مبقاش أنا. 


قال ذلك ثم أخرج سيجارة و أشعلها وشرع في تناولها بشراهة وغضب وهو يغلي كالمرجل . 

بعد وقت نهض بخطوات مسرعة نحو الغرفة ودلف للداخل كالإعصار وهو يبحث عنها بعينيه حتى استقر بنظره عليها ممدة على الفراش استعداداً للنوم . 

توجه ناحيتها بغيظ ثم جذبها من ذراعها بعنف قائلاً :- انتي هتعملي إيه؟! 


قطبت جبينها بتعجب قائلة بهدوء :- هنْعَس . 

طالعها بخبث قائلًا :- لاه لسة بدري على النعس يا حلوة . 


لم يمهلها فرصة لاستيعاب كلماته إذ جذبها نحوه لتغرق معه في طوفان عشقه الذي لا تعلم متى النجاة لها منه. 


بعد وقت ابتعد عنها قائلًا بصدمة وهو يشير للفراش :- وإيه دة يا هانم ! 

أردفت بدموع :- كان بديِّ أقولكم وقتها إنك ملمستنيش في الليلة إياها بس محدش إداني فرصة أو صدقني حتى . 

هتف بغضب :- يعني انتي قاصدة تعملي كل دة وتوقعيني في شباكك لأچل ما تبقي مرتي ! 


أردفت بدموع :- بزيداك حرام عليك انت ما بتزهقش واصل من الحديت العفش دة . 


إعتصر ذراعها قائلاً بفحيح :- لاه ماهبطلش ولا هنسى إنك بعدتي بيني وبينها . 


أردفت بوجع :- طيب اعمل حساب إني بقيت مرتك دلوك حتى . 


طالعها بغضب قائلًا :- متحلميش كتير قريب قوي هطلقك بس أخد حقي منك الأول واشفي غليلي على اللي عملتيه فيا . 

نهض من جوارها بسرعة بينما دفنت وجهها في الوسادة تبكي بحسرة على حالها. 


في اليوم التالي أتت والدتها، والتي ما إن رأت دليل برائتها، أطلقت الزغاريد فرحًا، وكانت هذه البداية التي أعادت المياه الراكدة لمجاريها، تجرى في تناغم لتسقي القلوب فتزيدها خضرة ونضرة .

عادت من شرودها على كف والدتها، التي هزتها برفق لتنتبه لها، فما كان أمامها سوى أن تغتصب ابتسامة بسيطة، تطمئنها بها أن الأمور على ما يرام حتى وإن كانت مزيفة، فيكفي أن ترى ابتسامتها مجددًا بعد الذي فعلته . 


★★★★★★★★★★★★ 


يجلس بمفرده بعد أن انصرف شقيق زوجته، دلفت هي بوجه متجهم وهتفت بعدم استحسان لما يحدث :- وآخرة دة إيه يا سالم ؟


قطب حاجبيه بعدم فهم وهتف بدوره بتعجب :- اخرة إيه دي كمان يا زبيدة ؟


عضت على شفتيها بحنق قائلة بشدق ملتوي :- آخرة أخوك وعياله اللي چوا واتزرعوا وسطينا .


نظر لها بانتباه وردد مسرعًا :- ريداني أمشيه من بيته إياك !


جعدت أنفها بضيق جلي وتابعت بتبرم :- مكانش كنت كتبت البيت ويا الأرض، كان زمانه ميخبرش يحط رجله في الدار .


تنهد بعمق قائلًا بعدم مبالاة :- دة بيته يا زبيدة، يعني يقعد كيف ما بده، وبعدين ما هو ولده أتچوز بتك مرضياش ليه عنيهم ؟


تنفست بشكل سريع وهي تشعر بألسنة اللهب تتصاعد من جنباتها، ورددت بغيظ :- أنا عمري ما هرضى على عيال أمينة، ومش هيهدالي بال غير لما يهچوا من الدار . بقلم زكية محمد 


ضرب بعصاه الأرض بحزم وتابع بصرامة :- زبيدة بزيداكِ حديت ملهوش عازة، وإياكِ دماغك توزك بحاچة إكدة ولا إكدة، طالما هو مرايدش الشر يبقى هو في حاله وأنا في حالي . 


ضغطت بكفها على حافة الكرسي المبطن الذي تعتليه وأردفت بكره :- بس أنا معچبنيش شوفة أمينة في وشي واصل ولا خلايفها .


نهض من موضعه قائلًا بتحفظ :- معاچبكيش المطرح خليكِ في أوضتك يا زبيدة، أنا طالع أشوف مصالحي بلاها من رط الحريم الماسخ دة .


غادر المنزل وتركها تفور حتى كانت على وشك أن تنفجر من كثرة غليانها، تطلعت أمامها بغل قائلة :- أنا وأنتِ والزمن طويل يا ....يا أم الولاد .


على الجانب الآخر كانت تقف تفكر بأمر ما، لتشفي غليلها منها فهي مستمرة على استمالته نحوها، وهي ترسم قناع البراءة بزيف ولكن بكل براعة، تعاتبه وتدلل عليه وتمارس سحرها الأنثوي عليه، وهو تارة يميل وتارة يعزف، ولكن رؤيتها لها هكذا لا يسرها، فهي تود تحويل حياتها لمرار ولا تعلم أنها كذلك بالفعل، فليس كل ما هو ظاهر للعيان يُصدّق، فأحيانًا نخفي أوجاعنا تحت رداء ابتسامة مزيفة، لنتجنب الكثير من الأسئلة التي لا نود التطرق إليها .


نظرت أمامها وجدته مقبلًا نحوها، ولحسن حظها وسوء حظها كانت تمر هي أيضًا في طريقها للأعلى، فأسرعت الأخرى تصرخ بخبث وهي تجلس أرضًا، تضع يدها على كاحلها وتتظاهر بالألم، ابتسمت بخبث حينما رأته يركض نحوها وهي ترى اللهفة بعينيه تسبقه، لتحول نظرها للجانب الآخر وترى الأخرى التي تقف جامدة تتابع ما يحدث، بروح مليئة جدرانها بالندوب، دموعها تتراقص في مقلتيها لطالما رأت نظراته تلك، التي لم تجربها أبدًا ويبدو إنها لن تفعل، وضعت يدها على ثغرها، تحبس تلك الشهقة التي كادت أن تتحرر من محبسها، وهي تراه يحملها والأخرى تشرأب بعنقها نحوها، تطالعها بنظرات ماكرة مغمورة بالتشفي، وكأنها ترسل لها رسالة تنص على، أنه ملكها مهما فعلت قلبًا وقالبًا .


لم تستطع الصمود إذ توارت خلف الجدار، تضع يدها على قلبها تهدأ من روعه، فهو على حافة الموت يعاني سكراته الموجعة، جثت أرضًا تشاطر قلبها ومقلتيها الحزن، بمفردها فلمن ستذهب وتفرغ ذلك الثقل الذي يقف كجبل شامخ فوق صدرها، والدتها التي ادعت أمامها بالسعادة المفرطة بالصباح، ولا من ؟ فهي لا تعرف غيرها، كلما تذكرت المشهد وعيناه اللتان كانتا تفيضا قلقًا ولهفة، تشعر بنار هوجاء تضرمها من جميع الانحاء، لم تبكِ ؟ تساءلت بداخلها ؟ أليس ذلك من عاهدك فؤادكِ الخائن بأنه يمقته وما عاد له مكان بداخله ؟ لم تحترقين لرؤيتهم هكذا ؟ 

والإجابة واضحة فحينما يطغي القلب على العقل، يقيده بأصفاد ويمنعه من التفكير، ويملي عليه كل ما يرغب به، فإذا تعلق الأمر بالحب، فالعقل في رحلة بدون عودة .


★★★★★★★★★★★★★★★


في صبيحة يوم جديد، تسير بخطوات تحاكي خطوات الرجال، متنكرة في الزي الخاص بهم، إذ ارتدت جلباب وعمامة كما حال رجال القرية، وضعت يدها على جيبها تتأكد من وجود ما احضرته، عيناها تنم عن شر ستخاطر بحياتها، فلا يهم الآن سوى أن تسترد حقها منه، توارت خلف الأشجار لتلمحه يسير في الأراضي الخاصة بهم، ولحسن حظها أن المكان فارغ عدا هو وإياه، أخرجت السكين التي بحوذتها، والتي نوت أن تنحر رقبته بها، بعد الذي حدث لأخيها بسببه وايضًا بسببها، وما يعانيه والدها من فقد له ومن أسى عليها، لن تترك هذا يذهب سدى دون أن تقتص لأجلهما، لا مجال للعودة بعدما وصلت لهنا، فلتكمل خطتها على أكمل وجه، وترحل دون أن يراه أحد، فقدت جميع ذرات تعقلها ولم يتبقى لها سوى الجنون، الذي يحتل قاعدة لبها يوسوس لها بالانتقام، نعم الانتقام



 وهذا ما ستفعله، أخذت تقترب بحذر منه وقد ساعدها أنه يوليها ظهره ويتحدث بالهاتف، اقتربت لحد لا يسمح لها بالتراجع، أخذت يدها


 وضع الاستعداد لتنقض عليه، لتتفاجئ بمن يكمم فيها ويقبض على معصمها، متوجهًا بها لداخل ذلك المحصول، ولأبعد نقطة كي لا يراهم الآخر .........

                    الفصل الثاني عشر من هنا

لقراة باقي الفصول من هنا



تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close