داخل مبنى إحدى الشركات فى وسط الظلام يتسلل هذا الملثم ويصعد درجات السلم بخفه وحرص حتى وصل أمام إحدى الغرف ... قام بفتحها والدخول إليها وتوجه إلى الخزنه وأخرج المفتاح من حقيبته وقام فتحها... بحث داخلها جيدا وانتهى
الأمر بأخذه لأحد الملفات ثم قام بإعاده اقفال الخزنه وبعدها هرب من الشركه ، كل ذلك ولم ينتبه أى فرد من أفراد الأمن لما حدث .
--------------------
فى إحدى الشقق فى محافظه القاهره ، تجلس هذه السيده التى تجاوزت الخمسين فى غرفتها تبكى وتدعو الله أن يسامحها على ذنبها فضميرها يعذبها بشده بسبب فعلتها التى
تندم عليها أشد الندم ولكن فى بعض الأحيان الندم لا يفيد ولا يصلح أى شىء... قطع خلوتها دخول زوجه ابنها قائله :
-"صباح الخير يا ماما".
ابتسمت لها قائله:
-"صباح النور يا حبيبه... يامن صحى ولا لسه؟"
جلست حبيبه بجوارها وهى تقول:
-"صحى وبيصلى وأنا جهزت الفطار عشان يفطر قبل ما يروح الشركه وكنت جايه أناديلك عشان تفطرى".
أومأت نوال برأسها وقالت:
-"ماشى اسبقينى وأنا هحصلك".
ابتسمت لها حبيبه وقبلت رأسها وأردفت قائله:
-"طيب أنا هروح أحط الفطار على السفره".
خرجت حبيبه من الغرفه وبعد خروجها أخذت تفكر نوال ما الذى جلبته من وراء الحقد والكره ... هل هى سعيده الآن
بعدما دمرت كل شىء ؟، ماذا سيحدث إذا عرف يامن الحقيقه ؟هل سيسامحها يا ترى ؟ ، تعترف أنها المسؤوله عن كل شىء وعليها أن تتحمل العواقب ... أغمضت عينيها بقوه ومن ثم
خرجت من غرفتها إلى صاله المنزل حيث يجلس كلاً من يامن وحبيبه على المائده فى انتظارها وعندما رأها يامن ابتسم وقال:
-"صباح الخير يا ماما".
بادلته نوال ابتسامته قائله بحنو:
-"صباح النور يا حبيبى".
جلست بجانبهم على المائده وقبل أن تتناول أى شىء لاحظت عدم وجود جميله فقالت وهى تنظر حولها:
-"فين جميله؟أنا مش شايفاها".
نظر لها يامن وقال بنبره ساخره:
-"معاليها لسه نايمه لحد دلوقتى لأنها كانت سهرانه طول الليل".
نظرت له نوال وقالت وهى تبتسم:
-"قلب أمها أكيد سهرانه بتذاكر".
نظر لها وهو يبتسم بسخرية وقال:
-"فعلا بتذاكر طول الليل على الفيس والواتس".
رمقته نوال بنظره حاده وقالت:
-"أنت مش هتبطل نقار فى أختك؟"
أنهى يامن فطوره وأخذ حقيبته وغادر المنزل
وبعد مرور دقائق من مغادرته خرجت جميله من غرفتها وهى تتثاوب قائله:
-"صباح الخير".
ضحكت نوال بشده على حاله جميله فقد كان شعرها غير مرتب مما أعطاها مظهرا مضحكا... توقفت نوال عن الضحك بعدما لاحظت نظرات جميله الغاضبه وقالت:
-"صباح النور يا قلبى تعالى افطرى عشان تروحى الجامعه ... وابقى اربطى شعرك قبل ما تنامى عشان ميبقاش منظرك بالشكل ده لما تصحى".
جلست جميله على المائده وتناولت فطورها وبعد انتهائها توجههت إلى غرفتها وارتدت ملابسها وذهبت إلى جامعتها .
_____________
فى مكتب مفيد
كان يشعر بالغضب والضيق الشديد ... كيف لا يشعر بذلك وقد سرق بالأمس ملف عرض المناقصه التى يسعى للحصول عليها ... زاد غضبه عندما أخبره رجال الأمن أنه لم يدخل أحد
الشركه ... من يمكنه أن يسرق الملف ويخرج من الشركه دون أن يراه أحد من أفراد الأمن ... انتشله من أفكاره دخول يامن وهو يقول:
-"اللى أنا سمعته بره ده صح ؟ملف المناقصه الجديده اتسرق؟"
وضع مفيد رأسه بين كفيه وزفر بضيق قائلاً:
-"للأسف أيوه ... أنا مش عارف أعمل إيه دى مش أول مره تحصل".
جلس يامن بجانب مفيد وابتسم قائلاً:
-"هنعمل حفله لما نفوز بالمناقصه".
نظر لها مفيد وعلامات الذهول تكسو وجهه ... كيف يمكن أن يمزح زوج ابنته فى موقف حرج كهذا ... هل أصابه الجنون بعدما سُرق الملف ؟ ابتسم يامن فحتما لم يفهم مفيد مقصده وقال:
-"أحب أقولك أن احنا مش فى مصيبه ولا حاجه الملف اللى اتسرق ده ملف عرض مناقصه من المناقصات القديمه وأنا حطيته بنفسى مكان الملف الأصلى عشان كنت عارف أنه هيتسرق".
ظهرت الابتسامه على وجه مفيد وقال:
-"معنى كلامك أن الملف الأصلى معاك والملف اللى اتسرق ده أى كلام واللى سرقه مفكر أن ده عرض المناقصه اللى احنا هنقدمه".
- "بالظبط كدا".
قالها يامن وهو يفتح حقيبته ويخرج منها الملف الأصلى لعرض المناقصه ... نظر له مفيد قائلاً بنبره يملؤها الانبهار:
-"بجد برافو عليك أنا نفسى أشوف وش اللى سرق الملف لما يعرف أن الملف اللى معاه ده مش هو الأصلى".
---------------------
داخل أحد المنازل الراقيه كان يمسك هاتفه يتصفح الانترنت عندما دخلت شقيقته الغرفه وهى تحمل بيدها بعض الملابس وقالت:
-"إيه رأيك فى البدل دى يا سامح؟"
نظر سامح إلى البذل بتمعن وقال :
-"حلوين جداً يا ريهام ...أنت جيباهم لأمجد؟"
تنهدت ريهام قائله وهى تجلس على الأريكه:
-"أيوه ومحتاره أخليه يلبس أنهى فيهم يوم فرحك".
نظر لها سامح وقال وهو يبتسم:
-"طيب ما تسيبه هو يختار وريحى نفسك".
وضعت ريهام البذلات بجانبها على الأريكه وزفرت بضيق قائله :
-"أنا لو سبت أمجد جوزى يختار فعلاً البدله اللى هيلبسها يوم فرحك هيلبس بدله سوده وقميص أسود وكرافته سوده باختصار كده هيبقى أسود فى أسود زى عادته ويبقى شكله
شكل واحد رايح يعزِّى مش رايح فرح وأنا مستحيل أسمح بكده ... وكمان هو مش هيكون عنده وقت يختار البدله اللى هيلبسها لأنه مش هيعرف ينزل من الكويت إلا قبل الفرح بيومين فساعتها هحطه قدام الأمر الواقع".
ضحك سامح بشده على حال شقيقته فهى دائما تتشاجر مع زوجها بسبب ملابسه السوداء ... نظر سامح إلى البذل الموضوعه على الأريكه مره أخرى وقال:
-"البدله البنى دى شكلها حلو ولأنها غامقه شويه احتمال كبير ميعترضتشى عليها".
ابتسمت ريهام وقالت:
-"متشكره جداً يا سامح ربنا ميحرمنيش منك".
--------------------
أمام احدى العمارات التى يبدو عليها الجمال وكيف لا تكون جميله وهى تقع فى أحد الأماكن الراقيه ...صف سيارته فى المكان المخصص لصف السيارات وبعدها دلف إلى ذلك المبنى
وتوجه إلى المصعد وضغط على بعض الأزرار وفى خلال ثوانى قليله وصل إلى شقته وفتحهها ليتفاجئ بطفله يلقى بنفسه فى أحضانه قائلاً:
- "وحشتنى أوى يا بابا".
قال وهو احتضنه:
-"وأنت كمان يا قلب بابا".
خرجت زوجته من المطبخ بعد سماع صوت إبنها وهو يهتف بإسم والده وقالت:
-"حمد الله على السلامه يا ياسر ... ثوانى والأكل هيكون جاهز".
لم يمضى الكثير من الوقت فقد قامت زوجته بوضع الطعام على المائده وشرعوا بتناوله وأثناء تناولهم الغداء قال ياسر:
-"صحيح إيه أخبار حمزه فى الحضانه اليومين دول يا إيناس ، أنا مبقاش بيجيلى شكاوى منه زى الأول؟"
أومأت إيناس برأسها وقالت:
-"الحمد لله مشاكله قلت عن الأول بكتير".
نظر لهم حمزه قائلاً بضيق:
-"على فكره أنا مش بعمل مشاكل مع زمايلى هما اللى بيعملوا معايا مشاكل".
ابتسم ياسر وأردف قائلاً بنبره ساخره:
-"أنت برئ ومش بتعمل مشاكل خالص بأماره البنت اللى كسرتلها عروستها وبنت تانيه شديت شعرها والولد اللى عورته
فى إيده وتليفون الميس اللى كسرته لما زعقتلك ومصايب كتير لو فضلت أعدها مش هخلص ... نفسى أفهم طالع كده لمين؟"
نظرت له إيناس وقالت بنبره ذات مغزى:
-"فعلا مش عارفه هو طالع كده لمين؟"
أنهت كلامها وهى تنظر إلى ياسر الذى فهم ما ترمى إليه ولكنه لم يقل أى شىء .
----------------------------------------
كانت تجلس فى غرفتها وتبكى عندما دلف مفيد إلى الغرفه ... وعندما وجدها تبكى زفر بضيق قائلاً:
-"وبعدين معاكى يا فريده مش قولنا مينفعشى تعيطى كده ... افرضى دلوقتى إن مريم هى اللى دخلت الأوضه دلوقتى وشافتك كده كان هيحصل إيه؟"
ازداد بكاء فريده وقالت:
-"غصب عنى يا مفيد مش قادره أتخيل أن مريم فى أقل من أسبوع هتمشى وتسيبنا"
جلس مفيد بجانبها وهو يقول:
-"دى سنه الحياه يا فريده مش معقول هتفضل طول عمرها قاعده جنبنا من غير جواز"
سكت قليلاً ثم استكمل قائلاً:
-"وبعدين هى مش هتقاطعنا أو هتبعد عننا وغير كده أنت فى أى وقت عايزه تشوفها هتقوليلى أخدك بالعربيه وفى أقل من نص ساعه هنكون عندها".
تناولت فريده أحد المناديل الورقيه الموضوعه على الكومود ومسحت دموعها وهى تقول:
-"حاضر هبطل عياط ومش هعيط تانى" .
نظر لها مفيد وقال وهو يبتسم:
-"أيوه كده يا حبيبتى بطلى عياط وافرحى أنت فى الأخر أم العروسه".
----------------------------------------
فى أحد المطاعم الشهيره كانت تجلس تنتظر قدومه لتعطيه الملف الذى طلبه منها وبعد مرور بعض الوقت حضر وقال لها:
-"جبتى اللى طلبته منك".
نظرت إليه وقالت وهى تبتسم:
-"أيوه جبتهم ... يا ترى أنت جبتلى اللى اتفقنا عليه؟"
أخرج من حقيبته بعض الأموال ووضعهم أمامها ، لمعت عيناها بشده عندما رأت المال الموضوع أمامها وبسرعه شديده أخرجت الأوراق وقامت باعطائها له وأخذت الأموال ووضعتهم فى حقيبتها وقالت:
-"متشكره يا باشا وأنا دايماً فى الخدمه".
ابتسم لها قائلا:
-"اللى أنت أخدتيهم دول ولا حاجه بالنسبه للى هتاخديه لو عرفتى تجيبيلى ورق عروض كل المناقصات اللى مفيد ويامن بيقدموا عليها".
-"تمام أنا هحاول أجبللك أى ورق يخص المناقصات".
قالتها وهى تغادر ، ابتسم وهو يقول بنبره يملؤها الحقد والغل:
-"مش هسيبك يا يامن أنت ولا مفيد غير لما أدمركم وأقضى عليكم
الفصل الثاني
فى الكافتريا التابعه للجامعه التى تدرس بها جميله كانت تجلس تنتظر موعد المحاضره عندما سمعت صوت فتاه تقول لها:
-"اتفضلى".
قالتها وهى تعطيها ظرف صغير ... نظرت جميله إلى الظرف باهتمام وقالت:
-"أنا مش فاهمه إيه ده؟"
أجابتها الفتاه قائله:
-"فى واحد كان واقف هنا دلوقتى طلب منى أديهولك".
ابتسمت جميله للفتاه وقالت:
-"تمام متشكره أوى".
انتظرت جميله ذهاب الفتاه وبعدها جلست على أحد المقاعد ... فتحت الظرف ووجدت داخله خاتماً ذهبياً ... تفاجأت كثيرا
عندما رأت الخاتم فهو الخاتم نفسه الذى أعجبها ولكنها لم تطلب من يامن شراؤه لأنه باهظ الثمن مع أنها تعرف أنها إن أرادته سيشتريه لها يامن ولكنها لا تحب إسراف المال فيما
ليس مفيداً...أخذت الأفكار تتلاعب فى رأسها من يمكن أن يرسل لها هديه كهذه؟ قامت بإخراج الورقه الموجوده فى الظرف وقرأتها والتى كان مضمونها:
-"كل سنه وأنت طيبه وعقبال مليون سنه يا جميله... تعرفى إن أنا لحد دلوقتى مش مصدق أن القرده اللى كنت بشيلها على دراعى زمان كبرت وبقى عندها تلاته وعشرين سنه ... أتمنى
تكون هديتى عجبتك ومتفكريش فى نقطه غاليه ومش غاليه لأن مفيش حاجه تغلى عليكى ، أنا لو أقدر أجبلك نجوم السما هجبهالك عشان أشوفك مبسوطه على طول".
تأكدت بعد انتهائها من قرائه الرساله أنه هو من أرسلها وبالأخص عندما رأت كلمه (قرده) لأنه لا يقول لها أحد هذه الكلمه غيره ، ولكنها تتسائل كيف علم بأمر هذا الخاتم فلا أحد يعرف هذا الأمر غيرها... هل أصبح يقرأ أفكارها الآن ؟ شعرت
بقليل من السعاده لأنه لم ينساها وشعرت أيضا بالأسى لأنه لا يحاول حتى أن يلتقى بها ، ولكنها تعرف السبب فهو لا يريدها أن تجبره يوما ما على مصالحه يامن والعوده إلى سابق عهدهما ...نفضت كل ما فى رأسها من أفكار وقامت بنزع
السلسال الموجود فى رقبتها ووضعت به الخاتم وبعدها ارتدته مره أخرى ... على الجانب الأخر كان ينظر لها وهى تقرأ رسالته وترتدى الخاتم ابتسم ابتسامه سريعه ومن ثم ارتدى نظارته الشمسيه واستقل سيارته وغادر المكان بأقصى سرعه
---------------------------------
قام مفيد بدعوه يامن وعائلته لتناول الغداء فى منزله الذى هو عباره عن فيلا كبيره للغايه وفى غايه الجمال والتى تقع فى إحدى الأماكن الراقيه... ابتسمت حبيبه لوالدتها وقالت:
-"وحشتينى أوى يا ماما".
-"وأنت كمان وحشتينى يا حبيبتى".
قالتها فريده وهى تبتسم لحبيبه ...نظر مفيد لحبيبه وقال بضيق مصطنع:
-"مامتك بس اللى وحشتك وأبوكى مفيش خالص".
تدخلت فريده قائله بهدوء:
-"هى بتتكلم معاك على طول وبتشوفك فى الشركه أما أنا مش بشوفها كتير".
نظر يامن إلى مفيد وقال:
-"كنت عايز أسألك يا دكتور هو مدير شركه الاستيراد والتصدير الجديده كان فعلاً من تلاميذك؟"
ارتبك مفيد قليلاً ولكنه قرر إجابه يامن فهو فى كل الأحوال سوف يعرف كل شىء وخاصه أن هذا المدير الذى يتحدث عنه سيكون حاضراً فى حفل زفاف مريم... نظر له مفيد وقال:
-"أيوه يا يامن ومن دفعتك كمان".
-"ده الموضوع فعلاً بجد ... ده مش بعيد كمان أكون عارفه".
قالها يامن وهو ينظر لمفيد بذهول ...ضيق مفيد عينيه وسأله بتوجس:
-"أنت صحيح عرفت ازاى موضوع أنه كان من تلاميذى هو أنت قابلته؟"
أجابه يامن قائلاً:
-"لما كنت قاعد بدردش أنا وسامح قالى بالصدفه أن صاحبه مدير شركه الاستيراد والتصدير الجديده كان واحد من تلاميذك ففكرت أسألك هو يطلع مين من زمايلى؟"
نظر له مفيد بهدوء وقال:
-"أنا مش فاكر اسمه بالظبط ... بس أنت بتقول أن سامح عازمه يحضر الفرح أخر الأسبوع شوفه وهتعرف ساعتها هو مين".
تملك الفضول من يامن وخاصه عندما لم يعرف من مفيد من هو هذا الرجل ولكنه قرر الصبر إلى نهايه الأسبوع ليعرف هويته كل ذلك وجميله تتابع حديثهم فى صمت وعقلها يخبرها أنها تعرف هذا الشخص ولكن ترى من يكون؟
------------------
جروح الماضى لا تختفى بسهوله ... ربما يلتئم الجرج ولكن يترك أثرا يذكرنا دائما به ... هو يتذكر كل جروحه ... يتذكر عندما عرف حقيقه والدته ... لا يتذكر كم كان عمره فى هذا
الوقت ولكن يتذكر ما حدث معه كل ما مر به ... يتذكر كذبه والده لم يكن يصدق أن المرأه التي كان يعتقد أنها والدته هى مجرد زوجه أب رغم صدمته بهذا الأمر لكنه لم يحزن بشأن
هذا ، لطالما كانت تعامله كزوجه أب وليست أم ... يتذكر عندما كانت تصرخ في وجهه دائما عندما يطلب منها أى شىء وعندما كانت تعنفه لأتفه الأسباب ... يتذكر عندما حدثت مواجهه بينه
وبين والده عندما سمع حديثه مع زوجه أبيه وعرف الحقيقه ...أخبره والده وقتها أن والدته تخلت عنه وتركته ... عاد بذاكرته إلى ذلك اليوم عندما صرخ فى وجه والده وهو يقول:
-"أنت بتكدب عليا زى ما كدبت وقولتلى أن سها تبقى مامتى".
نظر والده إليه وعلامات الذهول تكسو وجهه هذا الطفل يصرخ فى وجهه ويتحداه أيضا... هذا الطفل الصغير الذى يخاف منه يتجرأ ويصرخ فى وجهه ... كتم غيظه وهو ينظر إلى ابنه بهدوء وقال:
-"أنا لما كدبت عليك وقولتلك أن سها تبقى مامتك ده لأنى مكنتش عايزك تحس أنك معندكش أم ... بس صدقنى يا ممدوح أمك سابتك وأنت لسه مولود واتخلت عنك".
تطلع إليه ممدوح بأعين دامعه وأخذ يبكى لا يصدق أنه والدته أيضا نبذته كما نبذه زملائه ومعلميه وأقاربه ... الجميع ينظر له وكأنه جرذٌ قذر ... ماذا فعل ليستحق كل هذا ؟ ربت توفيق على كتفه قائلاً بحنو:
-"أنا هفضل معاك يا ممدوح وعمرى ما هسيبك أبدا".
كفف ممدوح دموعه بأنامله ونظر إلى والده وهو يقول بحزم:
-"أنا عايز أشوفها".
نظر له توفيق بصدمه ليستأنف ممدوح :
-"أنا مش هكلمها أنا بس هشوفها من بعيد مش أكتر".
أمام إصرار ممدوح استجاب والده لطلبه وأخذه إلى المنزل الذى تقطن به والدته ... صف سيارته فى مكان قريب وأشار
على إحدى السيدات ... نظر ممدوح إلى حيث يشير والده ليرى سيده جميله عينيها تشبه عينيه لدرجه كبيره ... نظر له والده وقال :
-"شايف الولد اللى واقف جنبها ده؟"
أعاد ممدوح النظر حيث يشير والده ليرى هذا الطفل الذى يعانق والدته وهى تبتسم له بحب ... التفت إلى والده الذى قال:
-"هى سابتك عشانه عمرها ما حبيتك ولا اعتبرتك ابنها هى بتحبه هو وبس".
نظر ممدوح إلى ذلك الطفل وقد امتلئت عينيه بالدموع ... لم يستطع تحمل رؤيه والدته وهى تغمر طفلا أخر بحبها وحنانها لذلك طلب من والده المغادره على الفور ... عاد بذاكرته إلى
واقعه المرير ابتسم بسخريه فهو يشرب هذا الشىء الذى يفترض أن يجعله ينسى أوجاعه ولكن عجبا هو لا ينسى بل
يتذكر ... يتذكر كل شىء ضغط بقوه على الكأس بيده ليتهشم وتخترق قطع الزجاج يده ، لم يبالى بالدماء التى تخرج من يده أو الألم الذى يشعر به فهذا الألم ليس كألم قلبه الذى يلازمه ولا يفارقه منذ طفولته .
-------
مرت الأيام سريعاً وأتى اليوم الذى سيتم فيه حفل الزفاف .
فى منزل سامح أمسكت ريهام البذله التى انتقتها لزوجها وقالت وهى تنظر له:
-"اتفضل يا حبيبى البدله اللى هتلبسها".
ابتسم لها أمجد وقال:
-"شكرا يا قلبى بس أنا اشتريت البدله اللى هلبسها وأنا فى الكويت".
أخرج أمجد البذله التى اشتراها ليريها إياها وكما توقعت ريهام فقد كانت البذله وقيمصها باللون الأسود... تأكدت أنها حتما
ستصاب يوماً بإحدى الجلطات بسبب عشق زوجها الغريب للون الأسود فهو تقريبا كل ملابسه باللون الأسود ...حتى فى المناسبات السعيده يرتدى هذا اللون ...تذكرت ريهام عندما أتى أمجد لخطبتها برفقه والدته رحمها الله فقد كانت جميع
ملابسه سوداء وهذا ما جعلها تظن أن والدته تجبره على هذه الزيجه فقد كان يبدو من مظهر ملابسه السوداء أنه يرثى نفسه لأنه سيتزوج غصباً وبسبب هذا الظن كانت سترفض الزواج
منه قبل أن يقسم لها أكثر من مره أنه أتى لخطبتها بإرادته ولم يجبره أحد على ذلك ...تذكرت أيضاً أنه اختار البذله التى سيرتديها فى حفل زفافهما سوداء أيضا إلا أنها أصرت أن
يرتدى بذله بلون أخر وأمام اصرارها اضطر لتغير البذله واختار بذله بلون مختلف ... فاقت من شرودها على صوته وهو يناديها قائلاً:
-"مقولتليش يا حبيبتى إيه رأيك فى البدله؟"
كزت ريهام على أسنانها من الغضب ولكنها أخفت ذلك وابتسمت ابتسامه مصطنعه وقالت:
-"أنت مش عايزنا نتخانق صح يا أمجد؟"
ظهرت علامات الاندهاش على وجه أمجد فهو لا يفهم لماذا تقول هذا .
-"إذا كنت مش عايزنا فعلا نتخانق يبقى هتلبس البدله اللى أنا جايبهالك وهتجيب البدله اللى أنت جايبها دى".
قالتها وهى تأخذ البذله السوداء من يده وتناوله البذله الأخرى وبعدها خرجت من الغرفه تاركه إياه يرتدى البذله التى اختارتها له .
بعد مرور ساعات بدأ حفل الزفاف فى إحدى القاعات الراقيه ووصل ياسر برفقه إيناس إلى الحفل ورحب بهم مفيد وأمجد أما يامن فقد كان منشغلاً بأحد أصدقائه ولم يرحب بياسر كما
أنه لم يراه أيضا وقد أسعد هذا مفيد وتمنى أن يمر الحفل دون أن يرى كلاً من ياسر ويامن بعضهما .
---------
كانت تجلس حبيبه على إحدى الطاولات بجوار نوال أما جميله فقد شعرت بألم شديد فى رأسها ولذلك ابتعدت قليلاً عن الحفل ...سألت نوال حبيبه قائله:
-"هو كتب الكتاب امتى؟"
-"كمان عشر دقائق".
قالتها حبيبه وهى تنظر إلى مريم ... نظرت نوال هى الأخرى إلى مريم وقالت:
-"أختك يا حبيبه بسم الله ماشاء الله قمر منور".
ابتسمت حبيبه وقالت:
-"ماما لما شافت مريم النهارده كده قعدت تقرأ قرآن كتير أوى عشان خايفه لتتحسد".
-"عندها حق كويس أنها عملت كده".
قالتها نوال لتؤما لها حبيبه رأسها بهدوء .
------------
أثناء وقوف يامن مع مفيد الذى يستقبل المدعوين رأى يامن أحد أصدقائه القدامى فأتجه نحوه ولكنه فجأه اصتدم بأحدهم عن طريق الخطأ وقبل أن ينطق بأى كلمه ألجمت الصدمه لسانه... كانت الصدمه أيضا من نصيب الأخر ...ظل كلاً منهما
ينظر للأخر بذهول لا يصدق أياً منهما أنهما تقابلا بعد كل هذه السنوات... فى هذه اللحظه ظهرت إيناس ولم تكن انتبهت لوجود يامن وقالت:
-"ياسر ... دكتور مفيد بيسأل عليك".
لم يرد عليها ياسر وهذا أثار دهشتها ... لاحظت أنه ينظر لشخصٍ ما فنظرت إلى حيث ينظر وتفاجأت بوجود يامن .
عادت إلى الحفل بعدما أخذت مسكن لرأسها وكانت الصدمه فى انتظارها عندما رأت ياسر ويامن يقفان أمام بعضهما...
مرت دقيقه قبل أن تتأكد مما تراه وبعدها هطلت دموعها بغزاره ... لا تصدق أنها تراه يقف أمامها... لا تصدق أنها ترى شقيقها بعد كل هذه السنوات .
