CMP: AIE: رواية خفايا القدر الفصل الثلاثون30الاخير بقلم روان عرفات
أخر الاخبار

رواية خفايا القدر الفصل الثلاثون30الاخير بقلم روان عرفات

رواية خفايا القدر الفصل الثلاثون30الاخير بقلم روان عرفات
 


نظر لساعة يده ليجدها الساعة تعدت الثالثة فجرًا .. خرج من المنزل وتتبعه الرجال الذين هم الحماية له -كما يظن هو- يُحاوطانه من جميع الاتجاهات لكي يجعلوه في حماية من أي عدوٍ يُريد الانتقام لكون اعدائه لا عدد لها من كثرتها ومن كثرة افعاله الدنيئة. 


صعد سيارته وبجانبه رجلين وفي الامام مثلهم .. متوجهين للمخزن الذي وُضع به ورد وجاسر... بابتسامة خبيثة واسعة تحتل ثغره بكونهم تحت رحمته ولن يرحم أحد إلا عندما يُريد هو ذالك. 


ترجل من السيارة وبصحبته الرجال وكل واحد منهم بيده مسدسه الخاص.. دخل كريم لداخل المخزن تزامُنًا مع اعتدال جاسر في جلسته وكذلك ورد .


نظرات كريم مليئة بالحقد والغرور لكونهم تحت رحمته وأخيرًا سينتقم ممن سلب منه حياته الذي هو كان سببًا في موتها... أي حُب هذا الذي يتحدث عنه! 


أما عن جاسر فنظراته كانت بها بعض الخوف على ابنته، لو كان بمفرده لكان الوضع تغير تمامًا، كان يرمقه بنظرات محتقرة وكره يملأ عيناه .. كلما تذكر أن ابنه عاش وحيدًا بدون اب يُريد قتله في الحال والتخلص منه ومن افعاله.


جلس على كرسي على مقربةً منهم بالتحديد بجانب ورد بمسافة قريبة جدًا.. كانت تنظر إليه بشراسة من قربة الغير بريء، حاولت الابتعاد ولو قليلًا ولكنهم احكموا ربط الحبال بالكرسي بطريقة يصعب على أي شخص فكها. 


يتفحصها بوقاحة غير عابئ بجاسر الذي يصرخ به بصعوبة من هذا اللاصق الذي على فمه يمنع عنه الحديث ولكنه لم يلتفت له حتى... قال بتنهيدة عميقة وبلحظة ضعف لم يكن يحسب لها حسابًا أبدًا: 

- أنتِ شكلها في كل حاجة .. عيونك، نظراتك الشرسة، افعالك وطريقة كلامك .. أنت حتة مصغره من سوسن بشكل مريب .. ملامحك زيها بشكل بيخليني أول ما اشوفك بفتكرها .. هيا ما رحتش عن بالي لحظة، بس من بعد ما شفتك وهيا معايا في كل ثانية بتعدي من يومي.

ده زاد لما كبرتي .. بتفكريني بيها لما حبيتها، لما قلت لها "بحبك" أول مرة .. كانت طفلة بريئة... بس مالناش نصيب نكمل! اختارت البُعد وسابتني . 


على الرغم من أن حديثه صادق وخرج من قلبه بكل الصدق الذي يحمله لكنه بذات الوقت يُريد اثارت حفيظة ذاك الذي لا يدري ما الذي عليه فعله وكيف يجعله يبتعد عن ابنته.


انتفض من مكانه وعنف نفسه على ضعفه أمامهم وحديثه عنها بكل هذا الحُب الذي لا تستحقه .. اخذ شهيقًا عميقًا أخرجه ببطء وكأنه يخرج كل ضعفه لكي لا يضعف مُجَدَّدًا.


تبدلت نبرته من الهدوء والضعف للحقد والكراهية والغل الذي ملأ قلبه:

- المشكلة إن اخوكي مش عارف هو بيلعب مع مين .. بس عشان هو من ريحة الغالية عليا فـ هسيبه بس بردو بمزاجي .. مش عارف إنه بيلعب مع... 


صمت تمامًا وهو يستمع لحديث احد رجالته عبر سماعات البلوتوث الذي يرتديها لكي يخبروه بأي جديد يحدث .. تلقى حديث الرجل بصدمة ألجمته بأن في المكان كاميرات مراقبة مما جعله يصرخ بكل قوته لجميع الحراس والغضب يتطاير من عينيه وسرعان ما خرج من المكان وانقطع الصوت والصورة على هؤلاء الذين يشاهدون المشهد من وقت خروجه والآن انقطع عنهم كل شيء! 


بهذه اللحظة كان يُناظرهم سراج وبعض من زمائلة بالجهاز وعندما انقطع عنهم كل شيء نهض من مكانه بعصبية مفرطة وهو يضرب المكتب بيديه بغيظ... متذكرًا عندما ذهب إليه ووضع بسترته كاميرا صغيرة للحد الذي لا يجعل أي شخص يرها حتى الموضوعة على ملابسه، كان احتمال ضعيف جدًا ذهاب كريم للمكان لكي لا يفضح نفسه أو حتى يخشى رؤية أحد له وهو يذهب لهذه الاماكن وهذا ما فاجأة عند ذهابه دون خوف ولكنه يضع جميع احتياطاته لكيلا ينكشف. 


بذات الوقت قلبه مطمئنًا عليهم لأنه يعلم مكان اقامتها ولكنه منتظرًا الوقت المناسب للمداهمة. 


❤ اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد ❤


بمنزل يوسف. 


الساعة كانت تشير للثامنة صباحًا، المنزل مليء بالعائلة لكن الهدوء يعم المكان .. لا أحد يتحدث ولا أحد يحاول حتى الحديث! 


جالسين الرجال بغرفة الضيوف.. كان يوسف ينظر لكل وجه منهم بدموع يجاهد في كبحها، اشتاق لابن عمه جاسر وابنته ورد التي هي بمسابة الابنة له وزاد الامر بعدما تزوجت من أمير .. اشتاق لهذا التجمع العائلي الذي ما كان ينتهي إلا والجميع سعداء .. اشتاق لعائلته التي غيرها الزمن والقدر. 


على مقربةً منه أمير الذي تبدل حالة للنقيض.. بهت وجهه ونحف جسده للحد الذي جعله شخصًا غيره، تبدل مرحه إلى الانطفاء في بُعدِها .. لا يعلم كم مر من الزمن على ابتعادها عنه، ساعاتٍ كانت أو أيامٍ... ما يشعر به أن البُعد طال وهو لا يُجيد الانتظار .. هي من كانت تبهج الروح وفي بُعدِها الروح منطفئة إلى أن تعد. 


كما أيضًا آدم الذي يجلس على أريكة ما بالغرفة.. يجاهد في تهدئة يوسف بالكلمات..... متذكرًا لحظاته مع جاسر وحبهما الذي نشب بعد زواجة من زوجته غادة .. يعترف إنه ما كان يجلس بنفس المكان الذي يجلس به جاسر ولكنه يعترف أيضًا أن الوضع تغير تمامًا بعدما تحدثا سويًا وكل منهما اعترف للآخر بمشاعره .. من الصعب تقبله في حياته لكن جاسر كان هدفه الوحيد من الزواج من روز -مسبقًا- ما هو إلا لأجل ابنته وهذا ما جعل الامور تمشي طبيعية ليصبح جاسر أكثر من أخ من الصعب الابتعاد عنه. 


إلى جانبه أحمد وبجانبه وليد .. كل منهما غارقٍ بأفكاره، جاسر ليس بالشخص العادي، وضع بصمته في كل فرد في العائلة.. يتحدث مع ذاك ويضحك من الآخر، ما كان يترك شخصًا إلا وصادقه وأصبح صديقًا له .. لذالك كان الفراق صعب عليهم جميعًا. 


جالسًا بجانب أخيه، يربت على كتفيه وجعًا لأجله، يتألم أمام ناظرية ولا يجيد التخفيف عنه والتهوين عما يحمله من هموم .. القلب تحمل بما فيه الكفاية، من جانب هو ومشاكله بأوركيد ومن الجانب الآخر أخيه وما حدث معه وجاسر واختفائه .. تنهيدة عميقة خرجت منه مع دعاء خفي بصلاح الحال. 


كان عمرو لا يقل عنهم.. بل أكثرهم لأنه الوحيد الذي كانت جلساته تتكرر مع جاسر وبالأخص في الأونة الأخيرة، أدمعت عيناه خوفًا عليهم وهو يدعو ربه بحفظهم من كل شر. 


"بالطابق الأعلى.... عند النساء" 


تجلس روز إلى جانب غادة، محتضنة إياها بقوة وهي تبكي على حالها وما آلت إليه حياتهم .. أما عن غادة فهي كانت بعالم غير العالم، مُمسكة بيدها صورة جاسر، تحتضنها ودموعها تنسال بغزارة على وجنتيها .. متذكرة أنها كانت على شجار معه قبل اختفاؤه وهذا ما زاد خوفها عليه وغضبها من نفسها لكونها جعلت آخر حديث بينهما شجار! 


تذكرت اتصالها بسراج ليلة أمس، قبل اختفاء جاسر .. عندما كانت تجلس في غرفتها بتوتر يجتاحها على بنتها ورد، أمسكت هاتفها ودونت رقم سراج بالهاتف وسرعان ما وضعته جانبًا في فراشها وجلست تبكي بخفوت، مترددة في الحديث معه .. حسمت أمرها وأمسكت بالهاتف وضغطت على زر الاتصال سريعًا لكي لا تتراجع. 


تناهى إلى مسامعها صوته الرجولي الهادئ والحزين بذات الوقت:

- السلام عليكم .. مين؟ 


تنهدت بقوة وقالت بهدوء:

- أنا غادة يا سراج يا ابني . 


صمتت لبعض الوقت ثُمَّ قالت بدموع: 

- كـ .. كنت بس عايزة اطمن على ورد منك .. طمني يا سراج بالله عليك . 


أغمض عينيه وجعًا وقال بألم ودموع يجاهد في منعها:

- اطمني يا غالية .. مراقب الوضع وباذن الله والله بخير .. بطلي عياط عشان خاطرها طيب. 


أخذت تبكي بقوة وهي تدعو ربها بنجاة ابنتها كما وصايتها له بأنه يهتم بنفسه .. كانت ستنهي الاتصال لكنه فاجأها بكلمته التي جعلتها في صدمة لم تكن بها من قبل حينما قال بخفوت:

- ماما ! 


قالها دون أن يشعر بشيء.. سوى أنه بالفعل شعر تجاهها باحساس الامومة من خوفها وقلقها على ورد وعليه. 


أخذ شهيقًا عميقًا اخرجه دفعه واحدة مع قوله: 

- دعواتك ليها ولبابا . 


أنهى حديثه وأغلق الهاتف بعدما ودعها ووعدها بزيارة لكي يطمئن عليها.


فاقت من شرودها جلوس أميرة إلى جانبها، حالها لم يختلف كثيرًا عن وعد وحياة .. جميعهم يشعر بالحزن تجاه ورد وغادة داعيين ربهم بمرور هذه الايام على خير. 


كانت أوركيد تحتضن سجدة وندى، يبكون بخفوت على صديقتهم .. جففت اوركيد دموعها حُزنًا ونهضت من مكانها لكي تغتسل وتمحو اثار الدموع من عليها... بينما تكورت سجدة في محلها باشتياق لصديقتها ونصفها الآخر .


المنزل الذي كان لا يرى سوى الفرحة والبهجة بداخله الآن لا يوجد إلا الحزن والدموع! 


❤ اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد ❤


بعد مرور ما يقارب تلت ساعات ونصف.. خرج سراج ومعه القوة التي تم تدريبها على ما سيفعلوه وما الذي سيواجعههم في هذه المهمة .. معه أمير الذي أصر على عدم ذهابه بالمنزل والجلوس معهم حتى وإن كلفه هذا القرار حياته.  


رفض سراج في البداية وبشدة ولكن عندما رأه بهذا الاصرار دربه على حركاتٍ بسيطة يفعلها لكي يحمي نفسه من أي اصابة يتعرض لها. 


تساءل أمير: 

- أنت ازاي عرفت مكانهم بعد ما انتقلوا لمكان تاني؟ 


راح بذاكرته حينما ان يجلس مع ورد بمنزله وهو يتحدث معها عن ذكرياته مع والدته وحديثهم الدائم عنها عندما ناظرها وأخرج من جيب سترته ساعة يد صغير جدًا... قائلًا لورد التي تعجبت بعض الشيء من منظرها: 

- البسيها ديمًا واوعي تبعديها عنك .


نظرت إليها بفرحة وتساءلت بتعجب من نبرة صوته القلقة: 

- ليه كده؟


اجابها بهدوء ونظرة مطمئنة: 

- حفاظًا عليكِ يا قلب اخوكي .  


انتشلها لأحضانه مربتًا على ظهرها بخوف.


فاق من شروده على يد أمير التي ربتت عليه بخفه ومن ثُمَّ ارتمى بداخل احضانه قائلًا: 

- اللي مطمني إنه مش عايز منها حاجة غير تخويف ليك بس .. بس هيا وحشتني اوي يا سراج .


بادلة سراج العناق بدمعة انسالت رغمًا عنه خوف.ا على توأمه.. قائلًا بنبرة مطمئنة لكي يطمئن نفسه أولًا:

- هترجع هيا وبابا باذن الله ومش هخلي أي حاجة تبعدنا عن بعض .


ابتعد عنه امير مع اقتراب ناصر الذي قال بسرعة: 

- يلا يا شباب .. كريم حاليًا في نفس المكان .. لازم نعمل مداهمة حالًا عشان مايعرفش يطلع من اللي عمله زي كل مرة .


                        *******


الجميع أمام المخزن المهجور منتظرين اشارة من سراج لكي يداهموا المكان كما اتفقوا مسبقًا .. اعطاهم سراج اشارة بالمداهمة ليصبح المخزن من جميع الاتجاهات محاصر .. دخل هو وأمير وناصر للداخل ومعهم بعض من افراد القوة بهدوء وتوجس. 


انتفض سراج عندما رأى خلف أمير رجلًا يرفع سلاحه عليه، وبسرعة البرق كان الرجل جثة هامدة بعدما اطلق عليه المسدس لتستقر الرصاصة بمنتصف قلبه.. رمقه أمير بنظرة مُحِبه ودخلوا للداخل سويًا بتوجس، كانت الرجال تملأ المكان وكان من السهل عليهم اطلاق الرصاص دون خوف ودون صوت أيضًا لكون المسدسات بوضع الصامت وهذا ما جعل دخولهم لداخل الغرفة المتواجد بها ورد وجاسر وكريم وبعض من رجالته. 


دخل ثلاثتهم وأمامهم بعض من رجال القوة وعلى الرغم من صدمة كريم بوجودهم ألا أنه قال بثبات وكأن وجودهم كان متوقع: 

- اتأخرتوا أوي بصراحة . 


اقترب أمير من ورد وجاسر ليجد بعض من الرجال اقتربوا منه ولكن توقفوا بنظرة من كريم الذي كان مسالم بطريقة مستفزة لجميعهم. 


أخذ سراج يرمق كريم بنظرات محتقرة، مع اقترابه منه ببطء وعينيه حمراء إثر غضبه ورؤيته لمعذبه طيلة أيام حياته أمام عينيه بعدما أخذ والده واخته... رفع المسدس في جبين كريم الذي انتفض قلبه فزعًا ولكنه تمالك نفسه وكأن لا شيء يحدث قائلًا بسخرية وهو ينظر لجاسر الجالس أرضًا بتعب طالبًا سراج بالابتعاد: 

- هو مش في الدين حرام إن المسلم يرفع على اخوه المسلم سكينة أو حديدة حتى .. ما بالك بقا لما تعمل كده في ابوك؟ 


ارتعشت يداه بصدمة وناظره بعدم تصديق ليتابع كريم حديثه بسخرية تحت صدمة جاسر وورد بما يقوله:

- هيا والدتك ما قالتلكش إن ابوك هو عدوك؟ شكلك ما تعرفش! أنا مقدر موقفك ومش هزعل منك . 


نبرته الساخرة جعلت سراج يضغط على المسدس مستعدًا لأطلاق الرصاصة وهو يجز على أسنانه من حديث هذا اللعين عن والدته وأنه ابنه! 


تابع حديثه بتأثر مصطنع:  

- هتقتل ابوك؟ لو مستعد تقتل ابوك يلا اقتلني .. هيبقى خبر مفجع في الجرايد .. الابن الضابط يقتل والده دون أن يرمش له جفن .


أنهى حديثه بضحكة عالية وساخرة وتابع ببرود: 

- لو مستعد للفضيحة دي يلا .


عند هذه اللحظة وفقد جميع قوته التي يحاول بنيها منذ زمن لهذه اللحظة التي طال انتظارها للانتقام .. من شدة الصدمة عليه وقع المسدس على الارض تزامُنًا مع التقاط كريم إليه بضحكة شريرة مع وضع المسدس بنفس طريقة سراج منذ قليل مع نظرته الشريرة. 


نهض جاسر سريعًا رغم الألم الذي يكاد يفتك به ووقف أمام كريم وهو يجاهد في ابعاد سراج من خلفه قائلًا بقوة: 

- موتني أنا مكانه وسيبه هو .. هو مهما كان ما لهوش دعوة بكل ده . 


صرخت ورد بصوتها مما جعل سراج يستجمع قوته ويترك صدمته جانبًا لأنه لا يصدق اي كلمة تفوه بها كريم وبسرعة البرق كانت الرصاصة تستقر في صدر جاسر وضحكات كريم العالية تملأ المكان مع صراخ ورد وصدمة أمير .


نظر لجسد والده الذي هوى أرضًا بغير تصديق.. جلس إلى جانبه وأمسك يديه بدموع، أخذ يقبلهما والدموع تنهمر عليهما بغزارة .. لا يستطيع تصديق ما حدث .


ابتسم ابتسامة واسعة وكأنه يشاهد مشهد غير الذي أمامه، رفع جاسر إلى أحضانه وضمة بكل قوته.... وصرخ ببكاء: 

- استنيتك سنين .. وحلمت بضمة ايدك ليا ليالي عمري .. حرام بعد كل صبري ده تمشي وتسيبني! 


أنهى حديثه تزامُنًا مع دخول ناصر الذي خرج منذ فترة وأتى ومعه القوة ليتم القبض على كريم الذي وكأن الأمر لا يهمه ما دام رمى قنبلته.. 


مر من أمام سراج بابتسامة واسعة ونظرة ماكرة تحتل عينيه .. كان يود النظر لعيني سراج لكن الآخر كان بحالة لا يرثى بها.... غمز بعينيه لورد التي جست على ركبتيها وتبمي وجعًا على ابيها عندما رفعت وجهها إليه، ما لبثت أن تنهض وتقترب منه إلا وأمسكها أمير بِكلتا يديه وضمها إليه لكي تهدأ .


خرج كريم ومعه القوة وجميع رجالة كريم التي كانت تحتل المكان. 


هرول ناصر سريعًا لجاسر وسراج بعدما أجرى اتصالًا هاتفيًا لكي يأتوا بالاسعاف... مرت دقائق وكانت السيارات في طريقها للمشفى تحت بكاء سراج وصدمته التي افقدته وعيه في حال خروج جاسر من المكان....





مر تسع شهور بعد الحادث الأليم الذي حدث.. يتسطح بفراشه بعدما قضى يومًا طويلًا مع والده جاسر وزوجته غادة .. تلك التي لم تجعله بين افكاره التي تمنعه من الاقتراب منها، اقتربت هي وأصبحت الام الثانية له، تذكر في تلك اللحظة



 وصية سوسن بأن يعتبرها أمًا له .. يتذكر حينها كم صُعق من طلبها الغريب بالنسبة له، لا يعلم أنها من داخلها تُحب غادة لكونها تحمي ابنتها من القال والقيل وأنها امام الجميع ابنتها ولا تجعل لأحدًا جرح شعورها. 


تنهد بقوة ونظر لسقف الغرفة بشرود، متذكرًا حديثه مع جاسر بعدما طمئنة الطبيب على حالته بعد الحادث... حيث أنه كان يجلس إلى جانبه بدموع، دموع الانكسار والحسرة، إلى الآن وبعد مرور اليومين على حديث كريم وهو لا يُريد حتى التفكير بالأمر وأن جاسر بالفعل ليس والده؟ 

شيء صعب بالنسبة لقلبه، شيء صعب عليه تخيله، من كان يحلم به طيلة حياته بأنه والده، من كان يتمنى كل ليلة قبل ذهابه في النوم لضمه  يدري بعد كل هذه السنوات أنه مجرد زوج كان لوالدته .. ومن كان يود قتله والانتقام منه يكون أبيه؟ ياللسخرية. 


أدمعت عيناه وجعًا ولكن يوجد شيء يجعله في حيرة حقيقية، لماذا والدته قالت ما قالته؟ لماذا لم تقل له من البداية أن والده كريم؟ لماذا كذبت عليه من الاساس؟ .. من تكون ورد؟ ومن جاسر؟ ومن هذه العائلة التي كانت بالنسبة له حلم صعب الاقتراب منه؟ من أين تعرفهم والدته؟ 


عقله يضج بالأفكار والاسئلة التي لا نهاية لها وهو يقف عاجز عن فعل أي شيء.. يشعر بالعجز الفكري والجسدي معًا.


انتفض من مقعده بعدما شعر بحركة جاسر بالفراش مع فتحه لعينيه ومناظرته بعتاب.. مد يده إليه ولامس وجهه بابتسامة تتسع تدريجيًا مع قوله بهدوء وما زالت يديه تحتوي وجهه:

- مش هكدب عليك واقول لك غير اللي كنت حاسة .. الشك كان هيموتني في البداية، وما كنتش مصدق إنك ابني .. بعدها حسيتك مني… احساس رباني كده .. اطمنتلك واطمنت على ورد، يوسف قال لي كذا مرة "اعمل تحليل عشان تتأكد وتبطل تشك" .. لقيتني برفض وبقوة لأنك ابني يا سراج والله ابني. 


بكى بخفوت وشاركه سراج البكاء مع قوله بإلحاح:

- عشان خاطري نعمل التحليل .. مش هطمن غير لما يتعمل التحليل . 


تساءل جاسر بهدوء:

- خايف يكون والدك وتكون موته بايدك؟  


نفى وبقوة وقال:

- لو هعمل التحليل فهو عشان حاجة واحدة بس .. عشان اعرف افرح من قلبي .. اعرف إن الحلم اللي استنيته سنين اتحقق وفعلًا أنت والدي .. عايز اطمن واخد حق امي حتى لو كان ابويا .   


راح بذاكرته لليوم الذي خرجت فيه نتيجة التحليل، عندما كان يجلس في المنزل وبمجرد وصول الظرف الذي قام بفتحه بخوف ويداه ترتعش بطريقة مرعبة.. تنهيدة طويلة خرجت منه بارتياح مع ركضه بالدراجة إلى منزل جاسر بفرحة كبيرة تحتله. 


استقبلته غادة الذي لا إراديًا ارتمى بداخل احضانها متمتمًا بما يكنه من فرحة كبيرة بداخله، ما كان عليها سوى أنها ربتت على ظهره بحنان أم لأبنها. 


ركض لغرفة جاسر بعدما رافقته غادة وتركتهم بمفردهما.. اقترب منه سراج بدموع، كانت لدموعه مشاعر كثيرة، دموعًا ظلت حبيسة جفنية لأعوامٍ .. اعوام كان ينتظر عناق طويل يُنسيه مرارة فقدانه في حياته، عناق يجعله يشعر بالأمان ولو للحظة فقط. 


ضمه جاسر إليه وكأنه استمع لجميع احاديث قلبه وما يتمناه، كانت لضمته فرحة لذاك الساكن بداخل احضان والده گ طفل صغير . 


أخرجه من شروده بهذه الذكريات الجميلة رنين هاتفه مُعلنًا عن رسالة من زوجته التي تم عقد قرآنهما منذ شهرين تقريبًا.


ابتسامة ماكرة احتلت ثغره مع كتابته لكلماتٍ يعلم تمام العلم أنها جريئة وصعبة على الطفلة التي تزوجها، التي تخجل من أقلها كلمات.   


❤ اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد ❤

 

تطالع صورته على هاتفها بعدم تصديق لكونه بالفعل أصبح زوجها من شهر.. مر شهر گ لمح البصر، تقسم أن ثلاثين يوم جعلوها شخصية غير التي كانت عليها مسبقًا .. شخصية تُحب الحياة ومن فيها لوجوده .. وجوده فقط! 


متذكرة يومًا لن تنساه مهما مرت الاعوام.. يوم ما تقدم لخطبتها حينما كانت تجلس إلى فراشها بتوتر ملحوظ، تفرك يديها معًا ومن فرط التوتر تكاد تبكي لتنتشلها حياة من هذا التوتر بدخولها للغرفة .. ركضت سجدة إليها بسرعة وارتمت داخل احضانها قائلة ببكاء:

- وليد هيتقدم لي صح؟


ربتت حياة على ظهرها بحنانٍ وابتسامة صافية ارتسمت على شفتيها لفرحة ابنتها الوحيدة، تعلم أنها تمنته دومًا لها بعدما علمت حقيقة مشاعر سجدة تجاهه.. ابتعدت عنها سجدة قليلًا مع قولها بتوتر ويديها ترتعش بفرحة ظاهرة عليها:

- مش مصدقة .. والله ما مصدقة . 


جلست إلى الفراش وجلست بجانبها حياة التي احتوت وجهها بيديها وقالت بابتسامة:

- افرحي يا قلب امك .. لأنك تستاهلي الفرحة يا نور عيني والله .. افرحي وعيشي حياتك بس خليكِ مع الدعاء .. ما تحرميش نفسك من فعل أي شيء بس في نفس الوقت خليكِ مع ربك وكلامه .. حبيه بس ما تصرفيش مشاعرك كلها غير لما يبقى جوزك، حلالك... 


طبعت قبلة حانية على رأس ابنتها بدموع انسالت رغمًا على وجنتيها فرحًا.. تزامُنًا مع دخول الفتيات للغرفة وبصحبتهم ميار التي أصبحت جزء لا يتجزأ من العائلة، خرجت من الغرفة وتكرتهم بمفردهن لكي تجهز ابنتها وتقضي وقتًا ممتعًا مع اصدقائها. 


أمسكتها أوركيد وجعلتها تجلس امام المرآة لكي ترى ماذا تفعل بها بينما جلست ندى إلى الفراش مُمسكة هاتفها بابتسامة خجولة ارتسمت على محياها من رسالة أُرسلت لها عبر تطبيقٍ ما بالهاتف. 


قفزت من مكانها وصاحت بهم في ضجر احتل ملامحها: 

- عايزة اتقل عليه .. مش عايزة ابان مدلوقة بالشكل ده يا بنااات.  


رمقتها أوركيد بغيظ وقالت:

- هتموتيني في يوم من الايام من صراخك وكلامك اللي بيجي فجأة ده . 


انفجرت ضاحكة واجابتها بضحكة:

- هبقى اقول لك لما اتكلم حاضر .


اجابتها ميار بهدوء: 

- اعرفي امته تتقلي وامته لا .. يعني بالعقل .  


كتمت ضحكتها ووضعت يدها على وجهها بخجل وقالت: 

- أنا عندي كل الاوقات لا !   


ضحكن جميعًا وقالت ورد بضحكة عالية بعدما نهضت من مكانها وتوجهت لها: 

- أنتِ مهزأه أصلًا . 


ضحكت سجدة ودارت بجسدها وهي ما زالت جالسة على الكرسي وأمامها أوركيد وقالت:

- ده جوزك يا بنتي .. يعني يحق لك تعملي كل اللي نفسك فيه، من غير كسوف ولا تقييد، انتو بقيتوا واحد بمجرد ما اتكتب كتابكم على بعض .. كملتوا بعض، كل واحد بيكمل الجزء اللي ناقص في التاني .. فـ مفيش حاجة اسمها اتقل عليه ولا الكلام ده .. ده حلالـك . 

وبعدين أنتِ جاية تقولي الكلام ده بعد شهر جواز؟ يعني ليكِ شهر عايشة معاه وفي بيته وجايه دلوقتي تقولي كده! 


تركت ندى جميع حديث سجدة رغم اعجابها بالحديث وقالت بضحكة: 

- مرات اخويا القمـرررر .. بس حلوة كلمة "يحق لك" دي .. حبيتها .


انفجرن بالضحك لتبدأ سجدة بارتداء فستان زيتوني ينزل باتساع مع خمارها الابيض وبعض من مساحيق التجميل البسيطة التي تكاد لا تظهر لكنها أعطتها جمال فوق جمالها البسيط وخرجت من الغرفة وبصحبتها ندى والفتيات خلفهن وتقوم أوركيد كعادتها بتصوير ما يحدث من بداية اليوم لنهايته. 


دلفت للغرفة ببطء وهي تخفض رأسها للأسفل بخجل وبجانبها ندى التي تقوم بامساك يدها مع حديثها معها لكي تطمئن. 


وضعت صينية المشروبات الباردة على الطاولة وجلست بأقرب كرسي واجهته لتصبح إلى جانب خالها أحمد وهذا ما زاد توترها حينما رمقها بمكر وانفجر ضاحكًا على خجلها الواضح. 


تبادل الرجال اطراف الحديث لينهض عمرو من مكانه وتتبعه الرجال لكي يتركوا بعض المساحة لسجدة ووليد بالحديث قليلًا ومعهم ندى التي جلست بزاوية بالغرفة ومعها هاتفها تتحدث مع زوجها الذي لا يكف عن قوله للأحاديث التي تخجلها. 


كان يبتعد عنها لكونها جلست بعيدًا بعدما خرج الرجال من الغرفة، نهض من مكانه وجلس على مقربةً منها ولكن بعيد أيضًا.. تحمحم وقال بتوتر:

- أأ .. اخبارك يا سجدة .


لا تعلم لماذا ابتسمت على نبرته المتوترة، ابتسمت رغمًا ليرمقها بحب لا يعلم متى نشب بداخل قلبه، اجابته بخفوت: 

- الحمد لله وأنت. 


تنهد بقوة وقال: 

- الحمد لله بس متوتر جدًا .. عشان ابقى صريح معاكِ حاسس إني في امتحان والمراقب أنتِ . 


ضحكت بخفه من حديثه لأنها تشعر بذات الشعور، قالت بضحكة: 

- حاسة نفس احساسك . 


ابتسم لضحكتها البريئة التي سلبته، جاهد في عدم النظر لها لكنه فشل... قال: 

- طيب بصي يا بنت خالي .. بما اننا عارفين بعض وشبه متربيين سوا .. بس اللي بسمعه إن فيه اسأله بتتسأل في الوقت ده... حابة تسألي إيه؟ 


صدمته بسؤالها وهي تقول بخوف ظهر بعينيها بشيء يدور بمخيلتها مجهول بالنسبة له: 

- اتقدمت ليا ليه؟ 


لا يعلم ما سر هذه الابتسامة التي احتلت ثغره حينما علم ما يواري السؤال من اسئلة كثيرة لكنها اختصرتها في هذا السؤال الصغير... اجابها بهدوء بعدما تحمحم لكي ينظف حلقه:

- هبقى معاكِ صريح واقول لك إني حسيت بالميل تجاهك .. حسيت إني محتاجك تبقي مراتي وبنتي واختي وصحبتي وكل ما ليا .. حسيت إن ما فيش واحدة هتنفع معايا غيرك، فهماني رغم اننا مبنتكلمش بس قلبي حاسس انك فهماني. 


رفعت رأسها في تلك اللحظة لكونه قال جملته الأخيرة ببطء لكي يرى ملامح وجهها وكأنه يُريد معرفة شيء تخفيه من زمن، تابع حديثه بابتسامة ماكرة من توترها من الحديث:  

- ولو وافقتي عليا وحصل نصيب بينا فأعرفي إني اكتر واحد محظوظ بالقرب منك .. محظوظ لأنك نجمة عالية صعب على أي حد الوصول ليها، لو وافقتي فعلًا يبقى أنا كده مش عايز من الدنيا حاجة .. نصيبي الحلو بيتمثل في وجودك .. ما لقتش حاجة تليق بيكِ غير إني اتقدم واطلبك في الحلال وأحبك الحُب اللي تستاهلية ويبقى ربنا راضي عني . 


صدمت من جرأته ووضعت يدها على وجهها بحركة عفوية جعلت ينفجر ضاحكًا عليها مما جعل ندى تصرخ بوجهه بغيظ قائلة: 

- البت مكسوفة حرام عليك .. براحة عليها وبعدين مش من اولها كده . 


رمقها بغيظ مع دخول الرجال بعدما ذهبت ندى وجعلتهم يأتوا جميعًا تحت نظرات وليد المغتاظة منها لكونه يُريد الحديث معها أكثر من ذلك وضحكات سجدة عليهما بفرحة كبيرة احتلت قلبها. 


تم الموافقة منها مع الزغاريد التي اطلقتها الفتيات واتفاق عمرو وأحمد على أن كتب الكتاب بعد اسبوع من الآن. 


فاقت من شرودها على والدها الذي ضمها إليه قائلًا: 

- اللي واخد عقلك . 


ابتسمت بخجل ودارت بوجهها بخجل وقالت: 

- أنت واخـ.. 


قاطعها عمرو بخبث: 

- الكذب حرام على فكرة . 


ضحكت بقوة وقالت بعدما طبعت قبلة حانية على يديه:

- كنت جاية استأذنك في إني هطلع مع صحابي شوية .. هنشتري شوية حاجات وكده يعني .


وافق عمرو دون جدال وقال:

- ابقي كلمي جوزك وقولي له . 


اماءت بخفه وخرجت من المنزل بفستانها الكشمير الواسع مع خمارها الذي من نفس اللون، شهقت بقوة وهي ترى وليد امامها.. وضعت يدها على قلبها الذي تواثبت دقاته وقالت:  

- خضتني يا وليد .. حرام عليك. 


تساءل: 

- أنتِ طالعة فين كده؟ 


نظرت إليه بتوتر وقالت بخفوت: 

- كنت لسه جاية اكلمك واقول لك إني عايزة اخرج مع صحابي. 


دحجها بنظرات مغتاظة وقال: 

- تطلعي تروحي فين يا عنيا ؟ 


كتمت ضحكتها وقالت بتحدي: 

- مع صحابي .. فيها حاجه؟ وبعدين يعني هتحبسني لما نتجوز ولا اي؟ 


اشتاط غضبًا من ابتسامتها وقال بعصبية: 

- اه هحبسك .. هو إحنا مش هنبطل صياعة ولا اي؟ لا اول ما تدخلي بيتي تنسي بقا كل ده .. هو الواحد ما يعرفش يحكم ولا اااي؟ لا ده انا في السيطرة ما عرفش امي . 


نظرت حولها بتوتر لكونهما بالشارع أمام المنزل .. قالت بخوف حقيقي: 

- طب وانا بطلع فين؟ 


قاطع حديثها بذات العصبية: 

- هسسس ولا كلمة .. قال صحابي قال .. وأنا اقعد مع مين إن شاء الله؟  


تراجعت بالقول وهي تبتعد عنه قليلًا قائلة بخفوت وحزن: 

- خلاص مش هطلع . 


شعر أنه أحزنها.. قوس شفتيه بحزن واقترب منها وقال بمزاح: 

- احم .. حلوة بصتي انا ومتعصب يا بت؟ 


جاهدت في كتم ضحكتها لكنها فشلت وضحكت بقوة عليه ليقل بابتسامة مُحبه لها: 

- لو هتطلعي يبقى هوصلك لأني خايف عليكِ . 


❤ اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد ❤


رغم مرور تسع شهور ولكن بالقلب شيء لم يُنسى مهما مرت الاعوام.. جالسة بغرفتها في الظلام الحالك، تُطالع النجوم بشرود، وبيدها هاتفها تنظر لصورته باشتياق، اشتياق يكاد ينهيها من قوته على القلب.. تشعر بحاجة جامحة للارتماء بداخل أحضانه، تُريد الغفران واسترجاع حبهما من جديد... تبًا للكبرياء الذي يمنعنا من الاقتراب ونحن في امس الحاجة إليه. 


رغم أن الذي مضى من عمرها لم يكن هين في البعد لكنها بذات اللحظة لا تستطيع الغفران، بداخلها شيء يرفض والف شيء يُريد الاقتراب وبقوة.. أحيانًا الكثرة تنغلب رغم أنها الأقوى والأكثر، ليس كل مبتغى يُنال!  


بداخلها حنين تجاهه، حنين من قوته جعلها تأتي بالرقم الخاص به لكي تستمع لصوته فقط، شيء منعها من فعل ما كانت ستود فعله، وكأنه يذكرها بالذي فعله رغم أنه فعل الكثير تجاهه لكي تغفر له. 


متذكرة لقائهما الذي كان قوي على قلبها بكل حرف خرج من كل واحد منهم.. تتذكر هذا اليوم بكل تفاصيله، حينما رأته جالس مع صديقة فارس والشر يتطاير من أعينهم، تتذكر صدمتها بمعرفة الحقيقة وأن الذي حدث ما هو إلا تخطيط من هذا المدعو فارس، حينها واجهته بأنها علمت الحقيقة ولكنها لا تُريده.. ما كان عليه فعله إلا أن ابتعد، ابتعد رغم صراخ قلبه بعدم البُعد والاستجابة لطلبها، ولكن كرامته گ رجل لم تسمح له الاقتراب  


أدمعت عيناها وهي تتذكر أنه ظل شهر لا يتحدث معها سوى للضرورة، كان يأتي لروز لكي يجلس معها بعض الوقت وقبل خروجه يسأل عنها وعن حالها، ابتسمت بسخرية منه... حتى عندما كان هو المخطأ جعل الخطأ عندها ورغم كل ما حدث لم يطالبها بالبعد أبدًا. 


راحت بذاكرتها عندما كانت تقف في الحديقة تبكي على حالها، بعد جلوسه مع والدتها وحديثه معها وكأن شيئًا لم يكن.. كان يتجنب الحديث عنها مع روز وهذا ما أحزنها. 


وضعت يدها على قلبها وأغمضت عينيها وجعًا.... قالت ببكاء: 

أنا لوحدي! لما ببص حواليا مش بلاقي غير نفسي! ده حتى اللي ضحيت عشانهم ياما.. بعدوا عني لما رديت الأذى بالبُعد، وكأني مطالبة بالصبر وعدم البُعد حتى لو القرب مسبب لي الاكتئاب.. وكأنهم من كتر حُبي ليهم افتكروا إني مابحسش زيي زي أي حد! 


أجفلها صوته من خلفها: 

- بس أنتِ مش لوحدك يا أوركيد . 


دق قلبها بعنف، توقفت عن البكاء وجففت دموعها بضعف، دارت بجسدها تجاهه وناظرته بعتاب جعله يقترب منها دون تردد وانتشلها لأحضانه، لفت ذراعيها حوله ببكاء، بخوف من الابتعاد، طالبته بعدم البعد حتى وإن طلبت هي ذلك، طالبته بالبقاء معها مهما يحدث أو سيحدث .. قالت له أنها بحالة متخبطة وعليه البقاء معها واخراجها مما هي فيه. 


فاقت من شرودها على رسالة نصية منه.. يخبرها أنه يُحبها ويُريدها زوجته، ابتسمت بمحبه وبداخلها شيء خفي تسلل لقلبها بالغفران وعدم البعد مرةً أُخرى. 


      ❤ استغفر الله العظيم وأتوب إليه ❤


باليوم التالي... 


خرجت من شقتها وهي تأخذ نفس عميق أخرجته ببطء مع نزولها للسلم بحزن ظهر على ملامحها بِبُعد وعد عنها، تتذكر آخر مرة ذهبت إليها حينما قابلتها وعد بطريقة عادية غير التي اعتادت عليها .. لهفتها في رؤيتها انطفأت بعدما علمت حقيقتها وأنها سببًا فيما حدث في كرم. 


اوقفت سيارة اجرة لكي تنقلها لمنزل وعد التي استقبلتها كالمرات السابقة ولكن عيناها كانت تفضحها بشدة، دلفا سويًا للداخل وجلست روجينا وإلى جانبها وعد كما اعتادت منها .. قالت روجينا فجأة وببكاء: 

- ما تبعديش بالله عليكِ .. أنا ما صدقت لقيتك . 


أدمعت عيناها وهي تراها بهذا الألم، اقتربت منها ببطء وضمتها إلى أحضانها.. لفت الأُخرى يديها على خصرها مع بكائها المرير على كل شيء وأي شيء تحت حديث وعد لكي تهدأ وبداخلها ألم على حال تلك الفتاة بعدما علمت انها تُحب ابنها كرم، تعلم أنها وقعت بحبه سهوًا.. أحبته لكي تتعذب فقط! 


قالت وعد بابتسامة حنونة: 

- ما فيش ام بتزعل من بنتها .. ويلا شدي حيلك أنتِ وورد في المشروع .. عايزة اتفاخر بيكم يا حبايب قلبي .


أنهت حديثها وابتعدت عنها وطبعت قبلة طويلة على جبهتها مع ذهابها للمطبخ لكي تعد لهما مشروب بارد تزامُنًا مع دخول كرم الغرفة مع خروج والدته بصدمة كبيرة احتلته في وجودها ورؤيتها بهذه الحالة. 


تجمد مكانه عندما وقعت عيناهما على بعض بنظرة سريعة تحمل كثيرًا من الاحاديث التي لا تُقال. 

نهضت من مكانها واقتربت منه، وقفت أمامه مباشرةً، أغمضت عيناها وهي تشم رائحته عن قرب بقلبٍ لن يعشق الاقتراب من رجل سواه، قامت بفتحهم وهي تُناطره بدموع مع قولها ببكاء:

- ما كنش قصدي كل الأذى ده .. والله ما كان قصدي كده .. سامحني يا كرم . 


أغمض عينيه بسخرية، فحتى وإن كانت هي سببًا فيما حدث فهو السبب الرئيسي لدماره، فما حدث ما حدث إلا بإرادته . 


رمقها بهدوء وطالعته هي بحزن ظهر جليًا بعينيها، كيف تخبره أن ما خطط له أتى على هيئة دمار لقلبها؟ كيف تخبره أنها وقعت في شباك حبه دون أي مجهودٍ منه؟ كيف تخبره أنها تعاني أكثر مما يعاني هو؟ 


أخذت شهيقًا عميقًا وقالت:

- مش عايزاك تزعل مني .. خليك مع أوركيد يا كرم لأنها تستاهل كي خير، تستاهل المعافرة والله .. آسفة والله ما كنت عارفة بعمل كده ليه .. بس أوقات حاجات كتير بتخليك تعمل أي حاجة في سبيل إنك تبقى قريب! 


ناظرها بتعجب لكونه لم يفهم حديثها وما الذي تقصده، بينما شعرت هي أنها تحدثت كثيرًا ولو بقيت أمامه أكثر من ذلك ستعترف لحبها له للمرة الثانية ولكن هذه المرة تختلف في كل شيء... قالت وهي تهم بالمغادرة لكي تكف عن احاديثها الغامضة:

- أنت اخ ومـ... 


صمتت وهي تعض شفتيها تمنع موجة البكاء التي احتلتها فجأة، بقيت على حالتها تلك لبعض الثواني ثُمَّ قالت بدموع: 

- أنت اخ ومش مستعدة اخسرك . 


أتت وعد وصدمة أُخرى تلقتها بوجود ابنها وحديثهما.. اعتذرت روجينا وغادرت المكان بسرعة وكأنها تُريد الهروب من مشاعرها التي تطاردها لا تعلم أن المشاعر لا تتركنا إلا عند الموت! 


نظر كرم لوالدته وارتمى بداخل احضانها وبكى، بكى حُزنًا وتعبًا وألمًا .. بكى وهو لا يعلم سببًا رئيسيًا لحزنه، أسبابًا كثيرة وهو حقًا يشعر بالألم وبالكره تجاه نفسه. 


 ❤ لا إله إلا الله ❤ سبحان الله وبحمده ❤


بدأ سراج بالعمل بجدية، تاركًا شروده بالذي مضى جانبًا لكونه يكاد يشعر أنه من كثرتها ا يذكر أنه يعيش حياة طبيعية، دائمًا شارد فيها وفيما حدث . 


أخذ يمسك الملفات التي أمامه بعزم كما بداخلة أمنية خفية بتحقيق عيادته الطبية يومًا ما بوجود زوجته الحبيبة. 


لم يدم هذا الاستقرار طويلًا ليستند على الكرسي بظهره بتنهيدة وابتسامة شارده.. متذكرًا حينما كان يجلس ومعه اخته ورد، شارد الفكر بها لا يوجد ثانية إلا وكانت من نصيبها في التفكير، لتقطع شروده سريعًا ورد بصراخها: 



- بتحب من ورايـا يا سررااج؟ هيا حصلـتت؟ حصلت تحب من ورايا؟ قلت لها إن عيالنا هيبقالهم عمتو حرباية ولا لسه؟ 


جحظت عيناه بصدمة من حديثها وسرعان ما انفجر ضاحكًا على جملتها الأخيرة قائلًا بضحكة: 

- يا مجنونة حُب إيه ده؟ وبعدين عمتو حرباية مين؟ ده يا بختهم بيكِ . 


غمزت بعينيها وقالت بمكر:

- ما تحكي لي . 


رفع حاجبيه بتساؤل لتتابع حديثها بذات المكر:  

- احكيلي وما تخفش .. أنا اختك. 


ضحك بخفوت وقال:

- ما هـوو ما فيش حاجة عشان احكيها . 


رمقته بنظرة كفيلة لكي تجعله يسرد مع حدث معه هو وميار بسرعة جعلتها تكتم ضحكتها باعجوبة مُنهيًا حديثه:

- عايز اكلمها .. محتاج اكلمها بجد .. بس خايف من خطوة إني اتقدم لها، حاسس إن مشاعري لسه في بدايتها ومش عارف اقرر .. اللي هو محتاج احبها عشان اعرف اتقدم وأنا مطمن .


جلست إلى جواره وأمسكت يده وقالت بابتسامة هادئة: 

- ما فيش حاجة اسمها "محتاج احبها عشان اعرف اتقدم وأنا مطمن!" .. فيه حاجة اسمها هسأل ربنا عليها، هصلي استخارة وهدعي ربنا بالخير ليا معاها أو مع غيرها . 

احساسك ده بداية حُب، أو نقول اعجاب .. بس مش معنى انه اعجاب يبقى تكلمها من غير رابط شرعي بينكم؟ اتقدم واطلبها من والدها وبعدها بقا اعرفها واعرف شخصيتها .. فيه فترة تعارف هتعرفك أنت قررت إيه، غير كده ما ينفعش يا قلب اختك... صلي استخارة وباذن الله خير .. وأخيرًا هتتجوز بقـااا . 


ضحك بقوة وقال:

- هو أنا عجزت أوي كده؟ 


ابتسمت بحب وارتمت داخل احضانه وقالت:

- لا أنا محتاجة البس فستان وابقى اخت العريس بقا وكده . 


نهضت سريعًا من مكانها وقالت بزعر:

- أمير هيموتني .. أنا اتأخرت جامد . 


صمت لبعض الوقت ثُمَّ انفجر ضاحكًا على نبرتها، قائلًا:

- محسساني اننا اتنين عشاق .. أنتِ توأمي يا بنتي ومتخافيش مش هيقدر يكلمك طول ما أنا موجود . 


أعطته الهاتف وقالت وهي تكتم ضحكتها:

- طيب خد يا سندي رد عليه . 


نهض من مكانه وركض للخارج سريعًا: 

- هو أنا اعرفك .. لا ياستي مش ناقص أنا . 


تنهد بعمق وتذكر يوم ما ذهب لخطبتها عندما كان يجلس بغرفة الضيوف وهي على بُعدٍ منه ومالك يبتعد عنهما.. مر على هذا اليوم ثلاثة أشهر حيث انه عقد القرآن بعد شهر من قراءة الفاتحة. 


تحمحم بتوتر وقال:

- طمنيني عنك . 


رفعت عيناها عليه بابتسامة متوترة وهي تجيبه بخفوت:

- الحمد لله .. وأنت؟ 


اجابها باختصار:

- الحمد لله . 


ران عليهما صمت دام لدقائق، قطعه سراج بحديثه:

- طيب أعرفك بنفسي .. اسمي سراج جاسر .. عندي تسعة وعشرين سنة وقربت خلاص اتم الثلاتين، خريج كلية طب


 وكنت خلاص هفتح عيادة بس حصلتلي ظروف وأكيد هتعرفيها بعدين وهقولها لك .. المهم حصلت ظروف خلتني احول لمخابرات.. اخدت سنتين تدريب وحاليًا ليا سنة ونص



 أو اكتر ضابط في المخابرات .. والدتي متوفية وهيا كانت الزوجة الأولى لوالدي قبل ماما غادة .. ورد طبعًا توأمي وأنتِ أكيد عارفة القصة دي صح؟ 


اماءت ميار بحزن وهي تناظره وتستشعر من نيرته الحزن الذي ظهر عليه، تابع حديثه بمرح لكي يخرج نفسه ويخرجها من حالة التوتر والحزن التي هو بها.. قال مقلدًا نبرة صوتها بطريقة مضحكة: 

- حرااامـي .. بذمتك فيه حرامي بيقدم ورد؟ 


ضحكت بخفوت وقالت بتذمر:

- ما هو أنت اللي حركاتك كانت غريبة. 


كان يخفض رأسه خجلًا وتوترًا.. رفع عينيه لنظرة سريعة ورمقها بنظرة اخجلتها حقًا .. تساءل:

- مطمنة يا ميار؟ 


تفاجأت بالسؤال وناظرته بغرابة من أمره، تحمحمت وهي ترتب الكلمات قبل خروجها... قائلة بهمس وهي تنظر إلى عينيه: 

- قعدتي معاك دلوقتي ما هي إلا طمأنينة يا سراج. 


اعجبه ردها وأردف بجرأة: 

- ما تيجي نكتب الكتاب بقا .


أخرجه من شروده السكرتير الخاص به يخبره كون ميار بالخارج وتود مقابلته، أمره بدخولها في الحال ليخرج السكرتير تزامُنًا مع دخول ميار بفستانها الاسود وخمارها الابيض الذي يتناسب مع لون الفستان... اقتربت منه وقالت بُهيام: 

- أنا عايزة اقدم بلاغ لواحد هنا . 


كتم ضحكته وتساءل بتعجب مصطنع: 

- مين؟ 


اجابته بعشق جاهدت في اخفاؤه لكنها فشلت:

- اسمه سراج قلبي . 


ضحك بعلو صوته واسند رأسه على الكرسي وقال بخبث: 

- طيب وده ماله ده؟ ده حتى بسمع انه كيوت وبغمازات ومراته قمر بينور له حياته. 


رفعت اصبعها تجاهه بحركة تحذيرية وقالت:

- خطف قلبي .. وأنا بطالب برجوع قلبي ليا وإلا! 


نهض من مكانه وابتسامة خبيثة ارتسمت على محياه، اقترب منها ببطء وكان لمشيته البطيئة توتر وخجل يزداد بقلب تلك المسكينة التي دارت بجسدها تجاهه وناظرته بضحكة بريئة.. اقترب منها مُجَدَّدًا مما جعلها تجلس على المكتب مرغمة ليصبح تجاهها مباشرةً .. مال بجسده وهمس بجانب أذنيها بعشق:

- وإلا إيه ؟ 


سلب عقلها بنبرته، أغمضت عينيها مستنشقة رائحته وهي تذوب به عشقًا قائلة بذات الهمس:

- مش عايزاه خلاص . 


تساءل بمكر:

- إيه هو؟ 


اجابته وهي ما زالت على حالتها:

- قلبي . 


ابتعد عنها قليلًا لكيلا يضعف أمامها وقال:

- أنا بقول نتجوز ونخلص .. ده رأيك أنتِ كمان؟ خلاص على خيرة الله . 


ابتسمت بخجل وارتمت داخل احضانه، من شدة خجلها تحتمي منه إليه. 


❤ الحمد لله ❤ الحمد لله ❤ الحمد لله ❤


أغلق الباب بتعب ظاهر عليه، أنتهى للتو من عمله بالعيادة .. كانت الساعة تشير للسابعة مساءً، وضع المفتاح جانبًا وما لبث أن يدخل لغرفته إلا وأجفله التلفاز وهو يُضاء فجأة، وقف للحظة رافعًا حاجبيه بتعجب سرعان ما حل محله ابتسامة واسعة وهو يرى زوجته ورد عبر التلفاز في فيديو مصور لا يعلم متى فعلته. 


بعد الترحاب المرح الذي فعلته ورد بالفيديو أخرجت من سترتها اختبار حمل ابتاعته من يومين تقريبًا... قائلة بتوتر:

- أنا خايفة أوي .. بس احساسي بيقول لي إنك هتبقى بابي قريب أوي .. أنا هعمل الاختبار وأنا بصور .. هنفرح باذن الله. 


وضعت يدها على شفتيها وطبعت قبلة طويلة ثُمَّ رمتها تجاه الكاميرا مما جعله يضحك بخفه عليها. 


انقطع الفيديو لثوانٍ معدودة لتقل ورد بخجل: 

- معلش كنت بعمله . 


ابتسم على خجلها لتتابع هي حديثها بتوتر:

- هنستنى سوا لحد ما يظهر .. اتكلم معايا عشان مفضلش بالتوتر ده . 


صمتت لبعض الوقت وهي تستغبي نفسها.. فكيف له محادثتها وهي تصور الفيديو في وقتٍ هو بذاته لا يعلمه، ضحكت بقوة وشاركها هو الضحك وهو يعلم بداخله كم تشعر بالتوتر والخوف لكونهما إلى الآن لم يرزقهما ربهما بفرحتهما المنتظرة. 


لا تعلم كم مضى من الوقت وهي منتظرة... رفعت الاختبار أمام عينيها وبكت، أخذت دموعها تنسال بغزارة دون توقف، وضعت يدها على فمها للحظات ثُمَّ وجهت الاختبار للكاميرا بعينان حمراء وابتسامة على ثغرها وهي تبكي .


نظر أمير للأختبار بصدمة، للحظة لم يكن يدري ما الذي عليه فعله، يشعر بالتيه والتوتر والفرحة في آنٍ واحد .. مشاعر متخبطة وكثيرة بذات الوقت، وضع يده على فمه مثلها وبكى بفرحة لفرحتها وبالطفل الذي أتى نتيجة حبهما الدفين . 


احتضنته ورد من الخلف ليغمض عينيه بقوة ويدير جسده تجاهها مع قولها بدموع الفرحة: 

- هتبقى أحلى وأجمل بابي في الكون .


قبل وجنتيها بحب وقال وهو يضمها إليه بكل قوته: 

- وأنتِ هتبقي احن مامي وأجن مامي في نفس الوقت . 


ضحكت وهي تدفن رأسها بصدره وابتسامتهما على شفتيهما بفرحة. 


انتشر الخبر في العائلة مع فرحة الجميع بهذا الخبر الذي طال انتظاره، ليقوم يوسف بفعل حفل صغير للعائلة بأكملها بمناسبة حفيده. 


❤ اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد ❤


تسلل ضوء القمر لغرفتها ذات الشرفة الواسعة كما تمنت دومًا، كانت تُضيء اضاءة خفيفة وهي تدخل لدورة المياة لكي تأخد


 حمامًا دافئًا يمحو آثار تعبها طوال اليوم بعدما استغرقت وقتًا لا تعلم مدته وهي في حيرةٍ من أمرها في ارتداء أي الملابس لاستقبل زوجها. 


دخلت لدورة المياة وخرجت بعد وقت طويل جعلها تستجم حقًا.


وقفت أمام المرآة بخجل مما ترتديه.. طالعت الفستان الاحمر القصير إلى نوعًا ما بحياءٍ وهي تتخيل ردة فعل مالك حينما يرها .. تركت العنان لخصلات شعرها الطويل تنسدل على كتفيها بطريقة جذابة مع وضعها بعض مساحيق التجميل التي جعلتها جميلة بحق. 


جلست على الكرسي الذي أمام المرآة مباشرةً بابتسامة واسعة من جمالها الذي لا يظهر إلا إليه، فرحتها بإنبهاره، ومغازلته لها،



 حديثه الماكر، ونظراته الجريئة التي تخجلها بدرجة تجعلها ترتمي داخل أحضانه.... يجعلوها تزداد ثقة فوق ثقتها، فما الحُب إلا قوة تندرج تحت أقلها مواقف... وما الثقة إلا بوجود



 من تحب إلى جانبك، للأسف الكثير لا يعلم أن الكلمة التي تُقال حتى وإن كانت دون وعي گ سكين تلم انغرس بقلبك من أقربهم ودًا... لا أحد يعلم أن المشاعر تتغير من مجرد كلمة،


 تنقلب للنقيض بمرور الثانية، ينقلب القلب من عاشقٍ إلى عدوٍ -إذا أراد ذلك- بمجرد موقف أو كلمةٍ وصل احساسها للقلب.  

أما زلت لا تدري أن الكلمة گ النار تحرق كل ما هو جميل أو العكس! 


راحت بذاكرتها ليوم زفافها عليه، ذاك الذي مر شهر ونصف عليه.. لم تكن تعلم أن الحياة يمكنها الضحك لنا بوجود من نحب إلى جوارنا، الحياة تغيرت وأصبح بها نصف آخر يتشارك روتين اليوم. 


تذكرت حينما انتهى الزفاف وذهبا لشقتهما الذي استأجرها مالك، دخل هو أولًا وناظرها بمكر لتخفض رأسها خجلًا وهي تقول بتذمر:

- يا مالك الله .. أنت بتكسفني بنظراتك دي .


تحمحم مالك بخبث وأمسك يدها لكي تدخل للشقة مع ضمة يديه لها بحب ظهر جليًا في فعلته، وتلك التنهيدة الطويلة التي أظهرت كم هو مشتاقًا لها وكم هو سعيد بوجودها في حياته. 


صدمت من فعلته ودفنت رأسها في صدره ببعض الخجل الذي تلاشى سريعًا وهي تستنشق رائحته القوية التي لا ترحم قلبها الضعيف أبدًا.. متعجبة كيف لشخصٍ بإمكانه أن يجعلك تعشق كل شيءٍ يخصه، أقلها الاشياء تجد نفسك أحببتها لكون مُحبك يُحبها. 


حاولت الابتعاد بخجل ورمقته بابتسامة خفيفة بعيناها المزينة بالكحل الاسود وهي فقط التي يراها الآن لكونها لم تتخلى عن نقابها حتى بليلة العمر كما يسميها البعض وأنها لا تعوض! 



بينما هو دخل بها لغرفتهما وجعلها تجلس إلى الكرسي الخاص بالمرآة لكي يقوم بفك نقابها.. قائلًا بفرحة ظهرت في نبرة صوته الهامسة:



- فرحتي ما تتوصفش وأنا مطمن إن ما حدش هيبص لك .. أنا بس اللي عارف ملامحك، أنا بس اللي ببص لك وبتمتع بملامحك اللي سحرتني .. أنتِ جميلة أوي يا ندى .. أنا مش


 عارفة لو النقاب مكنش بإرادتك كنت عملت إيه .. بس أكيد كنت هقنعك .. تقعدي ازاي من غير نقاب يعني والناس تبص عليكِ؟ قولي لي ازاي؟ 


توقف عن سحبه للدبابيس وهو يناظرها بغيظ جعلها تنفجر ضاحكة وهي تقوم بفك النقاب والخمار... انتهت بعد وقت لا بأس به وهي تنهض من مكانها وقالت بتوتر وخجل من نظراته لكنها جاهدت في الحديث بدون خجل:  



- وأنت قول لي ازاي هسمح لحد يلمح بس أي حاجة فيا وأنا معايا سيد الرجالة كلهم؟ 

أنا مكتفية بيك وحابه اللي أنا فيه لأني لراجل واحد بس وهو أنت .. ده غير إن الحاجة دي من الدين وأنا حابه نكون بنعين بعض على طاعة ربنا فعشان كده اخترتك تكون مُكملي اللي معاه مش بحس بالنقص. 


ناظرها مالك باعجاب من حريتها في الحديث.. لأول مرة يستمع لحديثٍ مثل هذه النوعية منها .. قال بمكر: 

- أنا بقول يلا نصلي وندعي كتير لأن الوضع ما يطمنش وبعدها نتكلم .. ولا إيه؟ 


ركضت من أمامه وهي تقول بصوتٍ عالي ومازح: 

- لا أنا تعبانة وعايزة انام .. تصبح على خير من دلوقتي يا جـوزي . 


كتم ضحكته من فعلتها وقال بذات الصوت العالي لكي يصل لها وبنبرته الماكرة التي اعتادت عليها في الأونة الأخيرة: 

- من النهار ده الوقت كله ليا يعني مش تلت ساعات ولازم يتاخدوا كلهم لا .. ده العمر كله حقي .. حقي النهار ده هاخده كله .


قال جملته الأخيرة ببطء جعلها تضع يدها على وجهها بحياء وهي تقف في الصالة وابتسامة واسعة تسللت لها لكونه لم ينسى لها شيء ويظل يذكرها دومًا بما قالته يوم الامتحان.


فاقت من شرودها على يد حنونة تلتف حولها، مستنشقًا لرائحتها التي جعلته يغمض عينيه لا إراديًا مع قوله بهمس:

- القمر بتاعي سرحان في إيه؟ 


دارت بجسدها تجاهه وبكت بدموع فرحة بوجوده معها.. وقالت ببكاء:

- أنا بحبك أوي يا مالك .. ما تعرفش فرحانة قد إيه بوجودك .. وجودك جنة والله .


أخذ يربت على ظهرها بحنان بابتسامة لحديثها مع قوله بمرح لكي تكف عن البكاء: 

- اهي كده الست المصرية .. تفرح تعيط تزعل تعيط .. ماشية توزع دموع على خلق الله وبس . 


ابتعدت عنه ولكزته بغيظ ليقترب منها هو مما جعلها تأخذ نفسًا عميقًا أخرجته ببطء وتوتر ظهر عليها بقربه منها، طبع قبلة


 طويلة على وجنتيها وقصد أن يطيل في قربه منها لكونه يعلم أنها تخجل مع همسه لها بجانب أذنيها وأنفاسه تلفح عنقها.. قائلًا بهمس:

- على فكرة عليكِ تسميع ربع من سورة الاعراف وخليكِ فاكرة كويس إنك اتأخرتي يومين عشان تسمعيه .


ضحك بقوة على تعابير وجهها التي تغيرت في ثانية، شاركته الضحك وجلسا سويًا على الفراش لكي تبدأ تسميع ما قامت حفظه مسبقًا تحت ابتسامته بفرحة من هذه العادة التي لازمتهما منذ أن تم عقد قرآنهما.... 


❤ اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد ❤


بعد مرور شهر ونصف تقريبًا.. 


بمكان واسع أشبه بالنادي.. مليء بالناس الغريبة والبعيدة، يصطف الرجال المقاعد الأمامية في المكان المخصص للرجال كما النساء أيضًا الآتي افتعلن مثلهم وخلفهن الكثير من الاصدقاء والاقارب في انتظار ظهور ورد وروجينا.


بينما يقف يوسف بابتسامة محبة لكون زوجة ابنه شريكة بهذا النادي المختص للأطفال، لتربيتهم ومراعاتهم وتعليمهم أمور الدين والدنيا ومصاحبتهم .. كما يوجد فقرة صغيرة للوالدين،



 يلقون على مسامعهم بعض النصائح لتربية طفل تربية سوية كما الالعاب الخاصة بالاطفال للتسلية والعاب ذكاء تم اختيارها من قبل العائلة بأكملها.  


خرجت ورد وإلى جانبها روجينا تزامُنًا مع التصفيق الحار من الجميع برؤيتهم بهذه الطلة التي تسحر العيون، كانت ورد تبتسم بفرحة للجميع بينما روجينا تفرك يديها بتوتر ملحوظ، كم تمنت وجود عائلتها في مثل هذه اللحظة، لحظة تمنتها



 طيلة حياتها، تحقيق ما تمنته ستفرح به بمفردها .. وقعت عينيها على وعد الناظرة لها بحب، وحنان ظاهر على عينيها.. بابتسامتها المعتادة وكأنها بنظرتها تلك تخبرها أنها هنا.. لأجلها



 ولأجل اسعادها، ابتسمت، ودق قلبها فرحًا، وتلألأت الدموع بمقلتيها لترفع وعد يدها وقامت بطبع قبلة طويلة ثُمَّ قامت برميها في اتجاه روجينا التي أمسكتها وكأنها شيء صلب من الممكن الامساك به .. مع ضحكة خافتة جعلت وعد تبتسم




 رغمًا على هذه الفتاة التي ما زالت تحتفظ بروح الطفلة الصغيرة بداخلها... كيف يمكن لشخص واحد فقط تغير كل شيء بداخلنا حتى التفكير، كيف لشخص واحد اساعدنا؟ 



هكذا تساءلت ولكنها بالأخير ابتسمت بمحبة لتلك المرأة التي تُحبها حُبًا جمًا. 


كان ينظر لزوجته بفخر ظهر جليًا بعينيه، رمقته ورد بفرحة كبيرة، لطالما كان هذا حلم الطفولة وها هو يتحقق! 



يا إله.. إلى الآن لا تصدق أنها في مثل هذا الانجاز، كانت فرحته صادقة، نابعة من قلبه لأجلها ولأجل ابتسامتها الظاهرة عليها والتي تدل كم هي سعيدة بتحقيق ما تتمناه. 


رمقت اصدقائها بضحكة خفيفه ليبادلاها الضحكة بابتسامة واسعة ودموع تتلألأ بمقلتيهم بينما نظرت روجينا لأوركيد بنظرة عفوية، لا تعلم لماذا شعرت بحاجة جامحة في الحديث



 معها والآن .. فاجأتها أوركيد وهي تصفق بحرارة لها وتبتسم لها بحب حقيقي، حُب بدون مقابل.. كانت لأبتسامتها اشياءً كثيرة فهمتها روجينا دون حديث. 


تقدمت ورد قليلًا وأخذت المايك من روجينا التي طالبتها بالحديث هي أولًا لكونها تشعر بالتوتر وغير قادرة على الحديث الآن. 


بدأت ورد بالترحاب بجميع من أتى لها ولصديقتها روجينا التي نشبت صدقاتهم بفضل وعد التي هي السبب الرئيسي في انشاء هذا المشروع وتحقيق كل ما تمنته واحدة فيهم. 


بدأت بالحديث ببعض التوتر الذي زال سريعًا بنظرة زوجها أمير المطمئنة لتتحدث بكل أريحية بحديثٍ اتفقت عليه هي وروجينا: 



- الطفل رغم انه طفل وكتير مننا بيستهون بعقليته لكنه بيفهم واكتر من بني آدم كبير وعاقل .. ما ينفعش نصده، نستهين باللي بيقوله، نهينه على شيء غلط قدام حد. 


لازم نراعي مشاعره لأن المشاعر من السهل جدًا جرحها وبذات في السن الصغير ده .. بتكون رهيفة ومش مستحملة حاجة ..


 أنا ما قولتش إن مش هيبقى فيه عقاب او كلام! لا بالعكس.. عاقبيه لما الأمر يتلزم العقاب، كلميه وعاتبيه لما الأمر بردو يلزم المعاتبة. 


كل واحدة مننا المفروض تبقى فاهمة ابنها .. فيه اللي بيجي بالعتاب وفيه اللي لازم معاه العقاب وده بيكون غلط في


 التربية من البداية، اكيد لازم عقاب لأن أي حد معرض للخطأ بس خطأ عن خطأ يفرق لأن التربية هنا هيا اللي هتقرر .



بس خليني اقولكم حاجة... التربية الصحيحة من البداية بتلغي كل ده، بيكون الابن أو الابنة قلبها على والديها وخايفة


 عليهم من أقل شيء لأنهم خلاص زرعوا جواها حبهم واحترامهم وماينفعش يتخطوا الحدود اللي حطوها بمرور الايام من يوم والدتها. 


أعطت المايك لروجينا التي أخذته منها بتردد وتوتر يجتاحها بالكامل لكنها تشجعت من نظرة وعد ويوسف الذي شعرت للحظة أنهم والديها... شرعت بالحديث بكل ثقة وهذا كله بنظرة واحدة من يوسف وزوجته:



- ما تستهونيش وماتستهونش بعقلية الطفل .. اتكلم معاه وكأنه شخص كبير عاقل وفاهم وواعي .. واسألته في اوقات كتير مش بتخطر على بال حد... طفل دماغه لسه بتتكون



 فمحتاج للي يكونها صح، للي يبنيها بأساس متين وقوي صعب الدنيا والزمن يغيره ويهده .. عقله بيتكون فمحتاج كلام كتير يتقال له يكون مفيد، يفيده ويخزنه جواه ينفعه فيما بعد. 


يعني ممكن يفاجأك ويسألك "أنت ليه بتصوم؟" 

فيه ناس ممكن ترد عليه بكل عفوية وتقول له "عشان نحس بالفقرا"

هتلاقيه بيصدمك بسؤال أقوى وبيقول لك "طيب والفقير مش بيصوم؟" 


هتحس هنا إنك عاجز عن الرد لأن الرد من البداية كان خطأ.. من البداية استهونت بعقليته ومارضيتش تقول له إن الصيام فرض علينا، إن الصيام ركن من اركان الاسلام، استهونت بأنه



 طفل صغير ممكن ما يفهمش اللي هتقوله لكنه لو مفهمش دلوقتي هيفهم بعيد وهيخزن المعلومات وهيفضل فاكرها. 


كتير مننا بيقع في الغلط ده ومش بياخد باله من إن الطفل بيحتاج للي يتكلم معاه وحتى لو وقت صغير بس يكون مفيد،



 مش هتمنعه من اللعب بس في نفس الوقت منمنعش نفسك من تربية ابنك ولا بنتك تربية صح بأساسيات قوية. 

الطفل بإمكانك إنك تكسبه بأقل الكلمات والافعال ومن السهل جدًا خسارته ولازم الثقة تبقى بينكم من وهو لسه طفل صغير. 


أنهت حديثها ليصفق الجميع بحرارة كبيرة مع ابتسامة ورد وروجينا الواسعة ودموعهما التي انسالت رغما عنهما على خديهما. 


نهضن الفتيات وتوجهن إليهن وقاموا باحتضانهن بفرحة كبيرة تحت صدمة روجينا بهذه العائلة التي كانت كنز كبير وجدته في مسيرتها الحياتية. 


ابتعدت عنهن وذهبت سريعًا لدورة المياة وهي تشعر بتعب مفاجئ في معدتها.. خرجت من دورة المياة بعد وقت لا بأس


 به وهي تخفض رأسها خجلًا وكأن الجميع علم بالذي جعلها تتألم فجأة.. خرجت وما كادت أن تذهب إلى والدتها أوقفها كرم بنظراته المتفحصة لها قائلًا بمكر:



- نفسي رايحة على أكل خدود مش عارف ليه .. وكمان الخدود لما تبقى حمرا من الكسوف .. يلهوي عليها .. أكيد تجنن. 


يعلم أن بينهما حواجز من الصعب هدمها لكنه سيحاول بكل الطرق لأنها حبيبته الأولى والأخيرة. 


وضعت يدها على فمها بصدمة من جرأته بالحديث.. تخطته وذهبت من أمامه لينفجر ضاحكًا عليها وركض خلفها قائلًا بجدية بعض الشيء:

- أوركيد استني .


توقفت وناظرته بتوتر وخجل زاد بوجوده.. تنهد كرم بعمق وقال: 

- أنا محتاجك معايا وهفضل معاكِ غصب عنك ولو طلبتي لبُعد هتلاقيني بقرب لك مش ببعد .. البُعد خارج علاقتنا يا أوركيد وده كان كلامك أنتِ في يوم من الايام. 


صمت لبعض الوقت ثُمَّ تابع باشتياق ظهر في عينيه لها ولضمها إلى قلبه: 

- قولي لي حاجة بس تخليني اكمل .. اديني أمل عشان اعرف اكمل وأنا مطمن، قولي لي إنك محتاجة وقت بس وأنا والله ههد الدنيا عشان ترجعيلي أوركيد حبيبي اللي بحبها. 


رمقته بذات النظرة المشتاقة ولكنها صمدت وتظاهرت بعدم الاكتراث.. ولكن قلبها صرح بالاشتياق بدقاته التي تتواثب بقوة لكونه بالقرب، جاهدت في اخفاء توترها لكنها فشلت وظهرت معالم الحُب والاشتياق على ملامحها، وكأن الاشتياق



 وصل بها إلى المنتهى ليشعر كل شيءٍ بها بعدم القدرة على تكملة الصمود حتى كبريائها ضعف قليلًا أمام جميع من يُريد الاقتراب متذكرًا جميع ما فعله من اجلها ومن أجل مسامحتها. 


قالت بمكر ونبرة هادئة انثوية جعلته لوهلة يظن أنها ليست أوركيد:

- ابقى تعالى النهار ده وكلم بابا وحدد معاه معاد الفرح . 


تخطته بذات النظرة الماكرة بعدما رأت الصدمة تحتل ملامح وجهه.. ود لو يركض خلفها لكي يضمها لقلبه لكنه وكأن قدميه شلت عن الحركة، فقط قلبه يقفز فرحًا لكونها ستبقى قريبة... ستبقى قريبة تستمع دقات قلبه التي تخفق من أجلها.  

      هنا .في كرنفال الروايات. ستجد
.كل.ما هوا جديد.حصري ورومانسى
.وشيق.فقط ابحث من جوجل.باسم
. الروايه علي مدوانة. كرنفال الروايات.وايضاء.اشتركو على

ليصلك. اشعار بكل ما هوه. جديد من اللينك الظاهر امامك

  🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹

                      تمت بحمد الله ❤ 

لقراءة باقي الفصول من هنا


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-