أخر الاخبار

رواية وجلا الليل الفصل السادس والسابع بقلم زكية محمد


 

#وجلا_الليل

بقلم #زكية_محمد

الفصل السادس والسابع


استمرت تصرخ وهي تحتضن أخيها الغارق في دمائه، حتى كادت أن تنقطع احبالها الصوتية، تهزه بجنون وعدم تصديق تنادي باسمه كي يفتح عينيه ويطمئنها أنه على ما يرام :- طايع قوم الله يرضى عنيك، فَتِح عنيك يا أخوي واعمل اللي أنت رايده فيني بس قوم يا أخوي ....


تسمر في محله وهو يحملق في جثة من قام بإزهاق روحه للتو، لينتبه أخيرًا لفعلته ليفر بسرعة هاربًا، تاركًا إياه غارقًا في بحر دمائه دون ذرة ندم أو شفقة نحوه، لم ينقطع عويلها وهي لا تزال على حالتها، لتهتدي بالأخير لطريقة لإنقاذ أخيها من الموت الذي ينتظره إن لم يكن أخذه إلى دروبه .


تركته وأسرعت تعدو حتى وصلت للشارع الرئيسي، وأخذت تستغيث بالمارة حتى أتى معها بعضهم، والذين حملوا جثته فورًا وبخلدهم ألف سؤال، ولكن هذا ليس مهمًا الآن، فمهمة إنقاذه تفوق أي شيء آخر .


بعد مرور ساعات قليلة، داهمت الشرطة المنزل ليفزع من بداخله، وقف هو مصعوقًا واهتز فكه برهبة، وازدادت نسبة الأدرينالين بدمائه وقد ظن أنهم أتوا للقبض عليه، هتف عامر الذي دلف المنزل لتوه بغرابة واحترام :- خير يا حضرة الظابط ؟ چايين لمين إهنة ؟


هتف الضابط بعملية وهو يأمر عناصر الشرطة التي قدمت معه :- عندنا أمر بالقبض على المدعو راضي سالم الدهشوري .


ضربت على صدرها بقوة قائلة بصراخ :- ولدي ! ليه يا حضرة الظابط عمل إيه ؟


نهرها سالم بحدة قائلًا :- اكتمي يا مرة، ثم وجه حديثه للماثل أمامه بقلق :- بتهمة إيه چاي تاخده ؟


زفر بحنق مرددًا بعملية :- متهم في قتل طايع منصور . بقلم زكية محمد


لم تستطع أن تظل صامدة، إذ أطلقت صرخة أحدثت دويًا هائلًا بالمكان، فتقدمت منها " أمينة" بتعاطف ومسكت بذراعها، بينما أردفت هي بلوع وخوف أم :- لاه أحب على يدك ولدي ما عملش حاچة عفشة . 


لم يسمع لها وأشار للرجال بالبحث عنه، ليتجمعوا بعد دقائق وأخبروه بأنه ليس موجود، فوجه عدستيه نحوهما قائلًا :- ياريت تقول لوِلدك يسلم نفسه لأننا مش هنهمله .


تدخل عامر ليقول بهدوء :- إيه ملابسات الحادث يا حضرة الظابط؟ مفهمينش أيوتها حاچة واصل .


ردد بتوضيح :- چالنا إخطار بالحادثة دي والواد بين الحيا والموت في المستشفي بس السبب مبهم لحد دلوقتي، علشان كدة هنستنى يفوق أو أخته اللي كانت معاه تتكلم، بعد أذنكم .


ظل " سالم " مبهوتًا بمحله وردد بعدم تصديق :- كيف دة وميتا حُصُل ؟ 


انخرطت في نشيج مرير، منذ أن وقع الخبر على مسامعها، وهي بالكاد تصدقه ولم تختلف حالة البقية عنها، أردف"عامر" بروية :- متقلقش تعال نشوف الموضوع إيه ونفهم من المركز بدل قعادنا إكدة .


سار معه بدون وعي، وشغله الشاغل هو أن يخبروه بأن ما سمعه مجرد ترهات أو مزاح ثقيل .


بعد وقت تم القبض عليه، وسط اعتراضه على ذلك الجرم الذي التصق به، وأنها تكذب وتدعي ذلك لأنها طلبت منه أن يتزوجها بعد أن قام أحدهم بإغوائها، وعندما رفض قامت بلصق التهمة به، ولكن الشرطة أخذت سلاحه لتتطابقه بالرصاصة التي انطلقت منه، لمعرفة مدى صدق حديثه . 


ذاع الخبر في كافة أنحاء القرية، والتي إستقبل قاطنيها النبأ بتعبيرات متغايرة، فمنهم من استنكر الحادث، ومنهم من أضاف بعض البهارات الحارة على الحدث لتزيده إثارة وتشويقًا، تناقلت النسوة الحديث والذي شاع كما تنتشر النيران في كومة القش، فلم تتوقف ألسنتهم عن الكلام ولو للحظة .


..….............……………………………………


ليلًا دلف المحقق المسؤول عن القضية، بعد أن أكد له الطبيب استقرار حالة المجني عليه،  وأنه في أتم الاستعداد لأخذ أقواله .

بالخارج تجلس ترتجف بشدة، على الرغم من حرارة الجو، إلا أنها تشعر أنها في ليال شتاء قارس، لفحتها بردوته فسرى الصقيع بعظامها، فجعلها متراخية غير قادرة على الحركة، حبست أنفاسها حينما علمت أنه استعاد وعيه، والموت الآن يحوم حولها يتربص لها بشدة .

كان يجلس إلى جوارها والدها، الذي اشرق وجهه فور سماعه أن ابنه استعاد عافيته، فهو خرج من الدنيا بهما بعد وفاة زوجته الحبيبة، فنشأهم تنشأة سليمة وأنفق على تعليمهم كل ما لديه، فهو لا يريد أن يصيروا مثله، بل يود لهم المكانة المرموقة حتى لا يتعرضوا للسخرية، كما يتعرض لها في عمله في أراضي سالم الزراعية، ولا يعلم أن من وضع ثقته بها طعنته بظهره نكرانًا للجميل .


خرج المحقق بعد دقائق وغادر، ليدلف بعدها والده للإطمئنان عليه، فينشرح صدره ويذهب همه، ما إن رآه سالمًا نصب عينيه.

ابتسم بتكلف لوالده، ومن داخله يود لو ينهض ويقوم بخنقها والتخلص منها، تلك التي غرست رأسه في الوحل دون أن تنظر خلفها، وضعوا ثقتهم بها ولكن ماذا حدث ؟ ضربتهم في الصميم، يخشى أن يعلم والده ولكنه إن لم يعرف من خلاله، فسيعلم من فم القرية، تنهد بصعوبة لألم صدره، وهتف بكمد مكبوت :- وينها ملك يا أبوي ؟


أجابه بحسن نية وحزن اعتلى ملامحه :- برة يا ولدي مقدراش تنصب طولها، مقطعة روحها من البُكا من خوفها عليك، هروح أندهها تاچي تطمن .


قال ذلك ثم خرج مسرعًا، لتظهر شبح  ابتسامة ساخرة على ثغره، ليتجهم وجهه فجأة وهو يتوعد لهما .

دلفت معه وهي تنكس رأسها بخزي من نفسها، عيناها تأبى أن تترك الأرضية، فبأي وجه ستقابله وهي السبب فيما حدث له ؟ 

أردف والدها بحنو وهو يحاوطها من ذراعيها :- متخافيش يا بتي أهو زين قدامك أها، قربي منيه واطمني عليه .


تمنت لو أنها ترتدي زيًا يمكنها من الاختفاء فلا تراه، أو يقوم بقتلها فورًا كي لا تشعر بمزيد من الذعر الذي استوطن مدن قلبها، واستعمرها غير موافق على الجلاء . بقلم زكية محمد


هتفت بصوت شبه مسموع، وهي لم تجرؤ على أن ترفع مقلتيها لتقابل خاصته، فحينئذ سيحدث قتال من نوع آخر ستكون الغلبة له فيه، فهي بحالة يرثى لها :- ألف سلامة عليك يا أخوي إن شاء الله اللي يكرهك .


رفع حاجبه باستهجان قائلًا باستخفاف :- الله يسلمك يا ملك يا خيتي يا اللي رافعة راسنا ومشرفانا .


شهقت بفزع ودقات قلبها تعدو في سباق حواجز، أما عن وجهها تحول إلى صفار الليمونة، بينما ردد والدها بفخر :- أومال إيه دي هتبقى الدكتورة ملك اللي  هتتحاكى بيها البلد كلاتها .


ردد من بين أسنانه بسخط ووعيد :- لما نشوف يا أبوي، محدش خابر هيچرا إيه بكرة .


ردد بود وابتسامة مطمئنة لرؤيته لأولاده غانمين :- طيب أنا هروح أچبلها حاچة تاكلها من الصبح على لحم بطنها .


ما إن ترك الوالد الغرفة، صرخت بوجع حينما قبض بذراعه على شعرها بعنف رغم إصابته، وهمس بفحيح خطير :- بتستغفلينا يا ملك ؟ بتستغلي ثقتنا فيكِ غلط !


هزت رأسها بألم تنفي قائلة بهلع :- لاه والله يا أخوي ما عِملت حاچة عفشة واصل تحط راسك في الأرض لا أنت ولا أبوي .


شد بقبضته بقوة أكثر عن أختها السابقة وهدر بحدة وهو يشعر بالاعياء :- وأنتِ فاكرة إن إكدة هصدقك ؟ بعد اللي عملتيه واللي شوفته ! اقري على روحك الفاتحة من دلوك أنتِ والخسيس الواطي .


أردفت بدموع :- معملتش حاچة اه غلطت عاقبني كيف ما أنت رايد بس والله ما عملت حاچة تضرك .


دفعها بشدة ترنحت على إثرها، وكادت أن تسقط لولا أنها استندت بجسدها الهزيل على الحائط، وهي تشعر بدوار شديد يداهمها. 

دلف والدهم فمسحت عبراتها بسرعة، ولكنه رآها ليردف بمرح :- وه على المخبولة دي يا ولاد ! ما قولنا زين أها .


تمتمت بخفوت كاذب كي لا تثير ريبته :- ممصدقاش حالي يا أبوي أنه زين الحمد لله .


أخذ بيدها وردد بحنان وصرامة لا تقبل النقاش :- طيب يلا تعالي عشان تاكلي .


لم ترفض طلبه، فشرعت بتناول بعض اللقيمات التي شعرت وكأنها علقم بثغرها، ولكنها بلعتها رغمًا عنها وهي تحبس دموعها حتى لا تنفجر أمامه، فيكفي ما هو فيه حتى على الأقل الآن .


.................................................................


  بعد أسبوع تم فيه حبس راضي خمسة عشر يومًا على ذمة التحقيقات، بينما كاد سالم وزوجته أن يتمكن منهما الجنون، أخذا يفكران بحيلة تخرج ابنهم الوحيد من السجن، فكرت هي بفكرة خبيثة اهتدت لها واخبرتها لزوجها الذي رحب بها بسرعة، فسلامة ابنه أهم من أي شيء آخر .


على الجانب الآخر دلف للمنزل وهو يشعر بالعري مما التقطته أذنيه، يا ليته ما بقي حيًا ليرى تلك اللحظة والتي يشعر فيها بالعجز، غير قادر على تبرأتها وغير قادر على أن يقص ألسنة القوم، نظر لوالده الذي يجلس على الأريكة المهترئة بقهر، فهو يمنعه من أن ينظف الغبار الذي تم نثره بواسطتها على سمعتهم بالبلدة، هتف بحدة وقد تمكن الاحتدام منه :- عاچبك إكدة يا أبوي ! هملني أقتلها واغسل عاري أنت ما دريش باللي برة واللي بيقولوه ؟ 


رفع مقلتيه اللتان تمكن الحزن منهما، وملامحه التي تغيرت وكأنه كَبُر مائة عام فوق عمره، فقد أثقلت كاهله وقصفته بقوة، خرج صوته المعبأ بالأنين :- هتقتلها وهتستفاد إيه بقتلها ؟ هتدخل السچن وبدل ما يبقى واحد تبقوا اتنين، بزيداك يا طايع عاد .


صرخ بغضب كفيل بأن يزلزل جدران المنزل البسيط :- ميهمش يا أبوي، بس أعرف كيف أرفع راسي وسط الخلق، بتك عرتنا يا أبوي وسيرتها على كل لسان .


ضغط شفتيه بقلة حيلة، فهو محق ولكن ليس القتل حلًا ردد بروية :- أعقل يا ولدي إحنا نطلع بيها على الحكيمة وتطمنا عليها وساعتها نحط بلغة في حنك اللي هيتحدت ويچيب سيرتها بالعفش .


ضحك بسخرية وغلب وتابع بتهكم :- أيوة عشان الفضيحة تبقى اتنين .


قاطعه بصرامة قائلًا :- وه يا طايع بزيداك رط بحديتك الماسخ دة، أنا متوكد أنها زينة وهتشوف، أنا هدخل لها أشوفها .


نهض من مكانه وتوجه ناحية الغرفة التي تختفي فيها منهم بداخلها، طرق الباب قبل أن يدلف ولكنها لم تجب، فولج يبحث عنها بعينيه، ليتفاجئ بأنها ليست بالغرفة، خرج يبحث عنها في أركان المنزل بجنون، وهو يصيح باسمها لعلها تجيبه، أردف بفزع :- خيتك مش في الدار يا طايع .


……………………………………………….


تسير بضعف في طريقها للعودة، بعد أن ذهبت لشراء طعام المواشي والتي تشرف عليه بنفسها، خشيت أن تسقط أرضًا لعدم تناولها الكثير من الوجبات فقد امتنعت عن الطعام إلا القليل منه، شهقت بصدمة عندما وجدت جسدًا ضخمًا يعيق طريقها، تراجعت للخلف لخطوات وهي تنوي أن تلقنه درسًا، ولكنها تسمرت مكانها ما إن رأته يبتسم لها بسماجة، يطالعها بنظرات أصابت معدتها بتقلصات شديدة، وكادت أن تتقيأ على إثرها، رسمت معالم النفور على صفحة وجهها، الذي تحول إلى اللون النبيذي بفعل غضبها المكتوم والحرارة المرتفعة، بينما هتف وهو يبرم شاربه بتفاخر :- كيفك يا عروسة ؟ 


جعدت أنفها بضيق ولم ترد عليه، وما كادت أن تخط بقدمها للأمام جذبها بكفه الغليظ قائلًا بخشونة :- مفيش حُرمة أكلمها وتهملني وتمشي، وخصوصًا اللي بتبقى من حريمي .


أخذت تعافر لتحرير كفها الرقيق من سجن يده الكبيرة قائلة بحدة :- هملني يا راچل أنت، أطخيت في نافوخك إياك ؟


اتسعت عيناه ببريق ينم عن الشر وردد بوعيد :- ولسانك طويل ! لاه دة أنا هقصهولك من العشية .


نجحت في فك أسر يدها، لتردف بتوبيخ :- بالذمة مش مكسوف من حالك، وأنت رايد تتچوز واحدة من دور عيالك، يا راچل عيب على شنبك .


أصابته صاعقة كهربائية، فهو منذ أن نشأ وترعرع إلى يومه هذا، لم يجرؤ أحد أن يتطاول عليه، ومن يفعل ذلك يلاقي عقابًا عسيرًا، لتأتي هي وتتطاول عليه بهذا الشكل ! ردد بخبث وهو يهز رأسه :- وماله أتدلعي كيف ما أنتِ رايدة، بكرة تبقي تحت طوعي واعمل فيكِ اللي أنا رايده .


ضمت حاجبيها بخوف من وقع كلماته عليها، ولكنها أظهرت القوة وأردفت بسخرية :- دة لما تشوف حلمة ودنك يبقى ساعتها أتچوزك، ويلا بعد من وشي .


إلى هنا وكفى فقد أثارت حفيظته، وجعلت الدماء تغلي بداخله فسحبها مجددًا من يدها عنوة، وهو يشدد ضغطه عليها حتى كاد أن يحطمها وتابع بغيظ :- وبعدهالك يا بت شكلك مناوياش تچيبيها البر ! بقلم زكية محمد


أردفت بوجع :- هملني يا راچل أنت الخلق تقول عليا إيه ؟


ولكنه لم يسمع لها، فنظرت حولها لعلها تجد من يغيثها، فصرخت بصوتها كله حينما رأت سيارة معشوقها السري مقدمة نحوهم :- يحيى ..


ردد بشك وهو يضغط على كفها أكثر :- مين يحيى دة كمان ؟ هو أنتِ مفكرة إني هخاف منيه ؟ لا هو ولا عشرة زيه .


توقفت سيارته فجأة حينما سمعها تصرخ باسمه، فنزل مسرعًا يرى ما بها، فجز على أسنانه بعنف عندما رأى ذلك المشهد الذي أثار حميته، فتوجه ناحيتهما وفك وثاق يده من كفها قائلًا بجمود :- يدك يا عم راشد، إيه هقولك أنا على الأصول بردو !


كز على أسنانه باحتداد مكتوم وردد بسخط :- ملكش صالح حديتي مش وياك، ويا أبوها أنت يدوب ولد عمها .


ابتسم ابتسامة صفراء، وتابع بنفس البرود :- والله أنت ملكش كلمة عليها طالما مش في بيتك . 

ثم نظر للأخرى وهدر بصرامة :- قدامي على العربية .


هزت رأسها بموافقة وبلحظة كانت بداخلها، تلتقط أنفاسها براحة فأمانها إلى جوارها، فلم الخوف إذًا ؟


تبعها هو تاركًا الآخر يغلي في مكانه، دار محرك السيارة، وخرج صوته الجامد :- واقفة وياه ليه ؟


رفعت شفتها العليا بتهكم، وكأنها بانتظار سؤاله السمج مثله، ورددت بغيظ :- مكنتش واقفة ويا حد، هو اللي وقف في طريقي .


ردد بسخرية دون أن يعي أنه يخط بقدميه على جروحها التي ذادت لهيبًا فأحرقها :- وه مقادرش يستنى العريس ! 


صرخت بحدة في وجهه :- متقولش عريس دي تاني أنا مهتچوزهوش واصل .


تابع بتهكم وهو يرفع حاجبه باستخفاف :- أومال هتچوزي مين ؟ دة أمه داعية عليه ..


احتقن وجهها وتجمعت عبراتها سريعًا، وأردفت بوجع :- ملكش صالح أديك قولت أمه مش أمك أنت .


رفع حاجبه باستنكار من حدة لسانها، فهو كان يقصد ذلك من البداية وليس ما فهمته هي، ولكنه آثر الصمت فلتفهم مثلما شاءت، ود لو يقص لسانها ذاك الذي يلفظ بما يثير غضبه، بينما نظرت هي تجاه نافذة السيارة وهي تحارب دمعاتها، تمنعها من السقوط على الأقل ليس الآن، وأمامه هو بالتحديد . 


التزم الطرفان الصمت، وبعد وقت وصلا للمنزل، فاصطف سيارته لتترجل منها بغضب جلي، وقامت بإغلاق الباب بعنف حتى كادت أن تقتلعه في يدها، ثم توجهت للداخل تحت أنظاره الحانقة، فهتف بمكر وبصوت عال ليصل إليها :- براحة الباب مش قدك يا سوكة .


توقفت قدميها على الفور، وهي تشعر بالدوار قد تمكن منها هذه المرة، ولكنها أقسمت أن ترد له الصاع صاعين، انحنت لتلتقط حجرًا ومن ثم قامت بقذفه على زجاج السيارة، فتهشم الزجاج في الحال، نظرت له باحتداد قائلة بأنفاس متسارعة :- أبقى شوف كيف هتمشي بيها يا دكتور  الشوم والندامة .


طوى الأرض تحت قدميه، ليكون في مواجهتها مانعًا إياها من الفرار ليردد بوعيد :- أنتِ قد عملتك دي ؟


نظرت له بتشوش قائلة بتوتر وتبرير :- أنت اللي غلط فيا الأول، خليني أمشي مقدراش أوقف .


أردف بسخرية :- لكن قادرة تدشدشي العربية، وقادرة ترمي طوب من حنكك اللي عاوز كسره دة ! 


تمسكت بالجدار قائلة بوهن قبل أن تغلق عينيها :- يحيى نادي مرت عمي .


أنهت حديثها وسقطت فاقدة وعيها تحت قدميه، بينما نتأت مقلتيه بذهول من سقوطها المفاجئ ذاك .


………………….............………………...


ليلًا في وقت متأخر، بعد أن عالجت يدها التي انسكب عليها الماء الساخن أثناء عملها بالمطبخ، لم يزورها النوم وكيف وهي لم تلمح طيفه منذ أن نهرتها والدتها على وقوفها في شباك المطبخ تراقب دلوفه للداخل . 

تنهدت بشوق رغمًا عنها، فما على القلب سلطان إنها تحبه و عشقه تغلغل في أوردتها دون سابق إنذار، نظرت لوالدتها الغافية بجوارها فنهضت بخفة ترضخ لما يمليه عليها قلبها وألغت تمامًا عقلها، وتغاضت عن توابع ما تفعله.

خرجت للخارج و توجهت لحديقة المنزل ومن ثم إلى الإسطبل الخاص بالخيول، وقفت أمام حصان أسود عربي أصيل ومدت يدها نحوه بحذر حتى وضعتها عليه قائلة بخفوت :- وه صاحبك هملك النهاردة لحالك ! 

ثم أخذت تمسد على شعره الكثيف الناعم قائلة بهيام :- خابِر أنا بحسدك قوي عشان أنت چاره علطول إنما أنا مليش حق حتى أشوفه، ما يخبرش إني عشقاه وحتى لو عرف أكيد هيفوتني عشان هو البيه وأنا....... مصمصت شفتيها بتهكم :- كيف ما أنت شايف . بقلم زكية محمد


كان عائدًا مبكرًا لمنزله على غير عادته وهو يترنح بفعل الخمر الذي شربه برفقة أحد زملائه، عندما أخذوه عنوة وأخبروه بأنهم سيذهبون ل"المولد" السنوي، الذي يقام في البلدة، وليرفه عن نفسه ذهب معهم، وتفاجئ هناك أنهم يقدمون له ذلك المشروب، وعندما أبدى اعتراضه، سخروا منه وقللوا من شأنه وأنه ليس برجل كافيًا ليقدم على فعلة مثل هذه، وكانت هذه النتيجة عائد وهو في حالة  مزرية، 

كان على وشك أن يدلف للمنزل، ولكنه سمع صوت صهيل الحصان الخاص به، فتوجه لهناك ليتفقده وما إن دلف للإسطبل وجد تلك الفتاة تمسد على فرسه بحنان فاقترب منها قائلًا بحدة :- بتعملي إيه إهنة ! 


شهقت بصوت عالٍ وهي تنظر له بصدمة وحب خوف ولهفة ومشاعر أخرى متضاربة تزاحمت عليها، شحب وجهها ما إن اقتربت خطواته منها أما قلبها كاد أن يقفز من بين ضلوعها . 

لم يتبين ملامحها بفعل حالة السُّكر التي فيها فهيئ له عقله إنها ابنة عمه فابتسم بعذوبة قائلًا :-  أنتِ چيتي إهنة ! أنا رايد أقولك حاچة مهمة قوي ..... 


أخذ يهذي بكلماته تلك وهو مازال يتقدم ناحيتها حتى احتجزها في إحدى الزوايا مما زادها رعبًا من القادم . 

مال ناحية وجهها فلفحت أنفاسه الدافئة صفحة وجهها البيضاء فزادته لهبًا من فرط الخجل، وما أن اقترب منها على ذلك النحو واستنشقت رائحة كريهة مختلطة بأنفاسه منبعثة منه هتفت بخوف وهي تحاول أن تتملص من بين يديه :- خالد بَعِّد .. 


هتف بحرارة وهو يمرر أصابعه على وجهها :- لاه مهبعدش أنتِ حلوة قوي ..... وأنا بحبك قوي....... 




الفصل السابع

#وجلا_الليل

#بقلم_زكية_محمد


طالع جسدها الساكن بصدمة، ليزيد من طفح الكيل والدها الذي ظهر من العدم، والذي هدر بعنف وهو يقترب منهم، وقد صور له عقله أنه من فعل بها ذلك :- شكلك مناويش تچيبها البر يا واد عامر، أطخك بعيارين وأخلص منك ولا إيه العبارة ؟


زفر بحنق وهو يتمتم بداخله بأفظع السباب، يا لحظه الذي يشبه الليل في سواده، فدائمًا ما يوقعه في مواقف موضع شبهات، ومع من مع نفس الأشخاص، ردد بغيظ وهو يقبض على كفه حتى لا تنفجر عروقه :- وأنا اعملك إيه يعني ؟ كنت داخل ولأچل حظي الشوم وقعت في نفس اللحظة اللي داخل فيها، أها بتك قدامك مش كل ما هتوعالي هتتبلى علي بالعفش !


اصطكت أسنانه ببعضها بقوة، وتابع بخشونة :- هِم شوف حالك رايح وين، ولا هتقعد تبحلق إكدة كتير ؟


مسح بيده على وجهه، يحاول أن يتمسك بآخر حبال الصبر قبل أن تذوب، وردد بغيظ مبطن بالسخرية :- أها سايبهالك مخدرة، قال يعني هشوف الأملة .


قال ذلك ثم دلف كالإعصار، وما إن رأت والدته وجهه المحتقن بالدماء من كثرة غليانها بداخله، هتفت بقلق :- مالك يا ولدي ؟ داخل بزعابيبك إكدة ! 


أردف باحتدام مكتوم :- روحي نادي مرت عمي وروحوا شوفوا شمس برة واقعة من طولها .


ضربت على صدرها بفزع ولم تسمع له، بل ركضت للخارج لرؤية تلك المسكينة، والتي ولا بد أنها فقدت وعيها إثر امتناعها عن الطعام، هزت رأسها بسِقَم عليها .


بالأعلى ما إن خطت قدميه بداخل معقله، رمى الاوراق التي بيده بكمد، وضرب المقعد بقدمه فتطاير من أمامه، وجلس يلتقط أنفاسه التي تذهب وتجيء، ردد بضجر وضيق :- خير تعمل شر تلقى، بدل ما الراچل يشكرني إني چبتهاله لحد الدار عمال يخربط بحديته السم دة .

صمت قليلًا ليردف بعصبية مفرطة :- وسوكة ميحلاش ليها الوقعان غير لما أبوها ياچي وتكون وياي ! هبلة صُح .


لاحت فجأة بوادر ابتسامة، لتأخذ مجرى آخر وتتحول إلى ضحكات عالية، وهو يتذكر كيف رشقت سيارته بالحجارة، تلك البلهاء التي لا تفكر فيما هي مقدمة عليه .


~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~


تطلعت له بصدمة وأعين متسعة مما تفوه به، ولوهلة ظنت بأنها تحلم وستفتح عينيها لترى ذلك الواقع المرير، وكم كانت كلماته بمثابة قطرات المطر في صحراء جرداء أتت في وقتها لتزهر بصيص من الأمل في بستانها الذي ذبُلت زهوره وماتت أشجاره .

هتفت بعدم تصديق وقد تمكنت عواطفها منها، ولم لا وهي عاشقة له إلى حد النخاع :- بت...بتقول إيه؟ عيد اللي قولته دة تاني إكدة، أنا ممصدقاش حالي.


أردف بلوعة وهو يومأ بتأكيد :- بقولك بحبك ورايدك تبقي مرتي العمر كلاته.


شعرت بأن قلبها سيتوقف من فرط السعادة، وتغلغلت عباراته أوردتها لتزيد من حبها المكنون له، وعقلها الصغير يخيل لها أن تلك الكلمات موجهة لها وإنما هي لا تمت لها بصلة .


أردف يبث لها شوقه المكبوت وهو لا يعي بما يفعله أو يقوله :- بحبك ......بحبك يا نورا..... متوافقيش تتچوزي أخوي أنا اللي رايد أتچوزك قولي لاه ومتخافيش .


تجمدت كالتمثال حينما سمعت اسم أخرى غيرها وكأنها سقطت من السماء السابعة أرضًا بقوة هشمتها، بعد أن كانت تحلق في العنان منذ دقائق، أيقصد أخرى بكلماته منذ البداية ؟ وهي كالبلهاء ظنت بأن كلماته المعسولة تلك لها وحدها ! نزلت دموعها بصمت وهي تشعر بثقل أنفاسها و سيف حاد يمزق قلبها إلي قطع صغيرة.


فاقت على لمساته التي ازدادت جرأة بعد أن سحب حجابها عنها عنوة فأخذت تدفعه بعيدًا قائلة بخوف ووجع :- أنا مش هي مش نورا، هملني يا خالد هملني الله يرضى عنيك .


كان كالأصم ورغبته فقط من تقوده فحاولت التحدث فأسرع يخرسها حينما بلع كلماتها داخل جوفه فما كان أمامها سوى أن تغرس أظافرها بوجهه و رقبته لعله ينتبه لما يفعل . بقلم زكية محمد


كان مقيد حركتها بالكامل ومستمر فيما يفعله غافلان عن تلك الأعين المصدومة التي تراقب ما يحدث عن كثب بذهول .


دفعته بكل قوتها حينما دقت أجراس الخطر، وأن القادم لا يبشر بالخير، وبالفعل نجحت في ذلك فأختل توازنه وتراجع للخلف، فانتهزت هي ذلك ثم ركضت بكل سرعتها من هذا المكان .


ولجت للداخل بحذر وحمدت الله أنه لا يوجد أحد متيقظ، فركضت مسرعة للمرحاض وجلست تحت المياه المتدفقة عليها بعد أن فتحت الصنبور، وهي تبكي بحرقة و تمسح بعنف مكان لمساته التي ما زادتها إلا تقززًا و احتراقًا .


أما هو هتف بضعف وهو يستند على الجدار :- استني روحتي وين متهملنيش.


وضع الوشاح الذي بيده على أنفه، وأخذ يستنشق عبيرها الأخاذ، ثم عاد إلى أدراجه ووصل لغرفته و ألقى بنفسه على الفراش، وهو لا يزال محكمًا بيده على ذلك الوشاح بامتلاك شديد، وسرعان ما ذهب في نوم عميق و رائحتها تتغلغل في صدره، تزرع بوادر من عشق يطفئ لهيب حقد .


★★★★★★★★★★★★★


قبيل ذلك بسويعات يسير دون هوادة، يبحث عنها وهو يشعر بأن جبال الهموم تجثو فوق صدره، لم يترك ثغرة إلا وبحث عنها فيها، لا يصدق الدوامة التي يدور فيها والتي قذفته شقيقته فيها، كسرت ظهره الذي كان يقف كالتمثال الشامخ، ولم تكتفي بذلك بل هربت لتثبت قول الزور والبهتان بحقها، ماذا يفعل وكيف سيتصرف ؟ لكن إلى هنا وكفى سيعثر عليها وبعدها سيمحو ذلك الغبار الذي نثرته على جدار شرف عائلتهم، نعم هذا هو الحل الوحيد ليعيد بناء ظهره، فهو لا يستحق أبدًا أن يتلقى منها ذلك، فهو كان إلى جوارها خطوة بخطوة، لم يشأ أن يبدد أحلامها التي نسجتها، تحدى الظروف والعرف السائد لتكون بالأخير هذه هي النتيجة، وأن هذا هو رد الجميل .


★★★★★★★★★★★★★★★★★


استيقظ بكسل واعتدل واضعًا ظهره على الوسادة خلفه، هز رأسه بقوة بسبب الدوار الذي يشعر به، وهو يتطلع حوله وكأنه يتواجد لأول مرة بالغرفة، شعر بملمس ناعم بيده فرفع كفه فوجد وشاحًا يلفه حول يده فنظر له بدهشة قائلًا بتعجب جلي :- إيه دة كمان!


ثم فجأة بدأ عقله يسترجع بعض الصور عما حدث بالأمس، وبعض الومضات تمر أمامه كشريط سينمائي، فقفز في مكانه قائلًا بهلع :- أنا عملت إيه؟ عملت إيه؟ ومين اللي كانت وياي ! يا رب ما تكون هي يا رب ما تكون هي...


أخذ يسير ذهابًا و إيابًا كالزوبعة التي ثارت في منتصف البحر، وهو يعتصر ذهنه كي ينتشل صورة تلك الفتاة من بين تلك الومضات ولكنه فشل في ذلك، دق قلبه بعنف وهو يتصور أن من كانت معه هي" نورا"، وردد بوجل ما الذي فعله بها ؟ لم تسعفه ذاكرته بشيء، وكأنه فقد الذاكرة في تحديد هويتها.


وقف بصدمة يطالع هيئته في المرآة، فاقترب بحذر وهو يمرر أصابعه على تلك الخدوش التي أصابت وجهه فهتف بصدمة:- يا وقعة مربربة مين البِسة اللي خربشتك دي يا خالد ! هتقولهم إيه ولو طلعت هي صُح ؟ هتقولهم إيه يا وقعة مطينة .


أخذ يهذي بتلك الكلمات وهو يتمنى أن لا تكون هي حقًا، وإلا ستقوم حرب أشعل فتيلها، لتطول الجميع .


★★★★★★★★★★★


في اليوم التالي ولج راكضًا لمنزل "سالم"، والذي أخبره بالهاتف أنه يعرف مكان شقيقته، وأن يأتي على الفور لمقابلته إن كان الأمر يهمه، اصطدم بشخص ورفع بصره لتتسع عينيه بذهول، وهو يرى ذلك القابع أمامه .

بادله الآخر نظرات الذهول، وخرجت حروفه تعبر عن ذلك :- وه طايع ! كيفك يا راچل، وكيف أحوالك ؟


اغتصب شبح ابتسامة، وهتف بخفوت وتعجب في الوقت نفسه :- يا مرحب يا مؤمن، كيفك أنت ؟


ردد بود فهو صديقه في الدراسة، كانا سويًا في نفس الكلية، إلا أن"طايع" أكمل دراسته في مجاله ليصبح معيدًا بالجامعة :- زين طمني عنك أنت، ولا زمان يا طايع ! بس يعني لا مؤاخذة أنت چايلي ولا چاي لحد تاني ؟


أردف بدهشة :- أنا كنت چاي لعم "سالم"، بس شوفتك إهنة غريبة !


ضحك بخفوت قائلًا بمرح :- ما غريب إلا الشيطان يا راچل، سالم يبقى عمي .


رفع حاجبه باستنكار وضيق طغى على صدره، فآخر ما تمناه أن يكون له أية صلة به، تابع بهدوء مغاير :- طيب أنا هروح أقابله، وأبقى أشوفك بعدين .


قال ذلك ثم تركه، وتوجه لمقابلته ليعرف مكان شقيقته، بينما ضيق الآخر عينيه بغرابة، منظره يدل على أن هناك ثمة أمر يحدث في الخباء، استدار ليغادر على نية اللقاء به ومعرفة ما يحدث .


جلس كالذي يتقلب على جمر، يحرق كل إنش يلامسه، ما إن ابصره مقدمًا نحوه، نهض بسرعة وتأهبت جميع حواسه، بانتظار ما سيخبره له بشأنها، هتف الآخر بصوت أجش وهو يأمره بالجلوس، فرضخ له وبداخله يود لو ينهض ويقتلع رأسه من مكانها، ذلك الأب الذي أتى بذلك المستهتر على الدنيا، ليزيدها عناء ومشقة، تابع "سالم" بازدراء :- أقعد يا طايع رايد أتحدت وياك ضروري .


أسرع يهتف بغضب ولهفة :- مش قبل ما تقولي وينها خيتي ؟ 


أردف باستخفاف وتحدٍ :- إختك في الحفظ والصون متخافش، هتعمل اللي هقولك عليه هديهالك معملتش يبقى استنى فضيحتها اللي هتبقى بچلاچل دة إذا مكانتش إتفضحت من الأساس .


بهتت ملامحه وتحول وجهه إلى صفار الليمون وردد بصدمة :- بتقول إيه ؟ خيتي عندك ؟


هز رأسه بموافقة قائلًا بسأم :- أيوة هي غنيوة ! ها مقولتش رأيك يعني ؟


زمجر باحتدام عارم مصحوب بصوت زلزل جدران المنزل :- أنت بتهددني يا راچل أنت ؟ ما عاش ولا كان .


صاح بصوته الجهوري :- اسمع يا واد أنت، أنت هتروح المحكمة الچلسة اللي چاية وتغير أقوالك وإلا ساعتها هخلي الكلاب السعرانة تنهش چتت إختك، أطلع برة الدار وبعد بكرة هيكون الچواب في يدك ..


هدر بغضب لو تجسد لباده في الحال :- إختي هترچع يا سالم برضاك غصب عنك هترچع .


ابتسم بتشفي وتابع بخبث :- والله أنت وشطارتك عاد . بقلم زكية محمد


تقدم نحوه ليطرحه أرضًا، فقد بلغ غيظه منتهاه، ولكن رجاله منعوه حينما حاوطوه وقاموا بزجه للخارج، ليتفاجئ مؤمن بذلك المنظر، فيصرخ فيهم بأمر :- همله يا بغل منك ليه، ماسكينه إكدة ليه ؟


لم يذعنا له، بينما هتف طايع بقهر مصحوب بالموجدة :- بعد من خلقتي أنت التاني، لا طايقك ولا طايق عمك، وإختي هعرف أچيبها منيه زين .


تصنم في محله وهو لا يعي لما يتحدث عنه، ولكن بالتأكيد عمه متورط معه، إذ عزم على معرفة الأمر والتنقيب عنه، لطالما كان لا يهمه شأن الآخرين ولو بشق ثمرة، إلا أن ما حدث أمامه أثار رغبة الإطلاع لديه .


نزل خالد من الأعلى شاحب الوجه، عندما سمع صياح عمه فظن أن ما اعتقده صار حقيقة، ولكنه زفر براحة عندما علم أنه لشئ آخر وهذا يعني أن تلك الفتاة لم تكن هي إذن من تكون! 


اقترب منهم وجلس بحذر بعد أن ألقى عليهم تحية الصباح، وسرعان ما انتفض في مجلسه حينما هتفت أمينة بفزع :- إيه اللي في وشك دة؟


هتف بغيظ من نفسه ومن تلك المجهولة :- مفيش يا أما دي بِسة خربشتني .


ضيق الجميع أعينهم بانتباه وهم يشعرون بأنه يخفي أمرًا ما فهتف يحيى بدهشة :- و البسة هتعمل فيك إكدة بردك ؟


أردف بتوتر :- وه يا يحيى ما أنا مكنتش واخد بالي وماشي في الضلمة نطت مرة واحدة على وشي وخربشتني كيف ما أنت واعي .


هز رأسه بعدم اقتناع  قائلًا :- ماشي يا خالد يلا افطر عشان نمشي نشوف مصالحنا .


هز رأسه بهدوء وهو يراقب بطرف عينيه "نورا"، لعله يستشف بعضًا من الحقيقة، ولكنه وجدها عادية فلو ارتكب جرمًا بحقها، ما كانت طالعته بهذا الشكل، وما شكل الهدوء خطوطه على قسمات وجهها، نشب صراع وفضول قاتل بداخله لرؤية صاحبة الوشاح الذي بالأعلى .


★★★★★★★★★★★


انتشرت الواقعة بسرعة بين العاملين في المنزل، كما انتشرت أيضًا بالخارج تلك الفادحة التي حدثت بالأمس، ولم لا فنقل مثل تلك الأخبار محبب لدى أهل البلدة، حيث يتخذونه أُحجية يتسامرون بها ليلًا ونهارًا، فالجميع يهم بنقل الأخبار ويا حبذا لو كان هو المصدر الأول لنقله فكم يزيده فخرًا وكأنه صنع إنجاز عظيم.


بدأت النسوة بالتحدث عليها وعلى ما تفعله ابنتها من خلفها وكيف تذهب خفية لفعل تلك الأمور المشينة ومع من ؟ مع من يعملون لديهم .


كانت تمر بالصدفة وسمعت همهمات النسوة، فاتسعت عينيها صدمة وشعرت بدوار شديد أصابها، لا تعلم كيف قادتها ساقيها للداخل فتوجهت للغرفة المخصصة لهن والتي كانت وجد بها معللة بأنها متعبة .

كانت تجلس على الأريكة وتضع رأسها بين ساقيها و دموعها تنزل بغزارة لما حدث وكان سيحدث .

شعرت بالجرم العظيم فظلت طيلة الليل تصلي و تستغفر ربها، مسحت دموعها بسرعة حينما دلفت والدتها الغرفة كالإعصار و ملامحها لا تبشر بالخير .

نهضت من مكانها وهتفت بتوتر :- في إيه يا أما ؟


وقفت أمامها تطالعها بانكسار وغضب فهتفت بصرامة :- اقلعي الطرحة لابساها ليه في الحر دة؟


قبضت على حجابها قائلة بتلعثم :- أااا....لاه يعني أنا زينة إكدة.


صرخت بعنف :- بقولك اقلعي الطرحة . صرخت بكلماتها تلك وهي تسحب الوشاح عنها فشهقت بصدمة وهي ترى تلك البقع الحمراء على طول جيدها .


أخذت تهز رأسها بعنف وعدم تصديق فقد كذبت أذنيها فأتت لتبحث عن الحقيقة عند ابنتها ويا ليتها ما فعلت .


هتفت بوجه شاحب وبكاء :- والله يا أما ما كان برِضاي هو....هو .....ااااااه.....


قاطعتها بصفعة قوية، احتضنتها الأرض برحابة صدر،  ثم هتفت بضياع :- ليه إكدة يا بتي ليه؟عملتلك إيه أنا دي آخرتها يا وچد تحطي راسي في الطين تفضحيني يا بتي ليه ؟ 


نهضت قائلة ببكاء :- والله يا أما هو مش أنا.. أنا مظلومة والله.


هتفت ببكاء و صراخ :- سلمتيله نفسك يا وچد هوَّري الناس وشي كيف دلوك وأنا عايشة بتباهى بيكي بقول بتي ...بتي اللي مفيش في أخلاقها اتنين كسرتيني يا وچد كسرتيني ...


هتفت بنفي :- لاه يا أما والله ما حصل أنا زي ما أنا متصدقهمش صدقي بِتك .


هزت رأسها بأسى قائلة :- يا ريت أقدر بس خلاص بتي قتلتني و عرتني وحطت راسي في الطين هقول إيه ليهم دة چزات المعروف فتحولنا بابهم نقوم نعمل إكدة !


ولم تشعر إلا وهي تسقط عليها بالضرب المبرح وهي تردد كلماتها الأخيرة بينما هتفت وجد بصراخ وتوسل :- والله يا أما ما حصل حاچة استني هقولك ....يا أما بزيداكي الله يخليكي .


إلا إنها كانت كالصماء مستمرة فيما تفعله وبعد أن انتهت هتفت بقسوة :- أنا مش أمك بتي ماتت ومليش بنتة انتي عار وبس وتستاهلي الموت .


قالت ذلك ثم توجهت للخزينة وأخذت تجمع ملابسها بعشوائية وهتفت بحدة :- قومي فِزي لمي خلقاتك خلينا نمشي كفيانا چِرَس .


أذعنت لطلبها ونهضت بألم وهي تشعر بأن عظامها تهشمت أخذت تتوسل والدتها لكي تعطيها فرصة ولكنها أبت و التزمت الصمت .


بالخارج وصلت الأخبار ل"عامر" فنهض من مكانه بفزع قائلًا :- بتقول إيه يا واكل ناسك ؟


هتف الرجل بحذر :- والله يا حچ عامر دة مش حديتي أنا لما شفت الناس بتتحدت بالعفش في حق ولدك چيت أقولك طوالي .


هتف بهدوء مغاير :- طيب روح انت يا محمدين .


انصرف الرجل وجلس هو بإهمال يهتف بضياع :- وأنا هلاقيها منين ولا منين ؟ استغفر الله العظيم يا رب .


بعد دقائق دلف خالد بوجه شاحب فور علومه بالأمر ووقف قبالة أبيه بخذي ينظر أرضاً صامتًا .

نهض الآخر وتوجه ناحيته حتى وصل أمامه وهتف بإنفعال :- هي حصلت تتعدى على حُرمة البيت دة عملت إيه انطق ؟ صوح الحديت اللي سمعته ولا لاه؟


هز رأسه بموافقة قائلًا بخفوت :- صُح يا أبوي بس أنا مكنتش واعي ومفاكرش عملت إيه ولا حتى فاكرها هي.......


قاطعه بصفعة قوية ولأول مرة قائلًا بغضب :- وهتفتكر إيه وانت شارب المدعوك دة ! يلا شوف أهي چات على راسك شيل بقى .


أردف بإنفعال :- تلاقيها قاصدة،  إيه اللي هويديها لمُطرح الخيل بتاعي أنا مرحتلهاش فرشتها لقيتها قدامي .


أردف بغضب :- وكمان بتقاوح يا كلب اسمع أما أقولك أنا صبرت عليك كتير بس خلاص چبت آخري معاك والحديت دة لازمن يتحطله حد عشان تخْرَّس بيه الناس اللي مورهاش غير الرط انت هتچوز البت وتستر عليها .


أردف بصدمة وغضب مكتوم :- أتچوز مين ؟أنا هديها قرشين و.....


صمت حينما باغته جده بصفعة أخرى مرددًا بحدة :- هو شرف الناس بيتباع إياك يا دكتور ! أنا هچمع كل الخدم اللي إهنة دلوك وقولهم إنها مرتك وإنك مرضيتش تقولنا عشان خوفت لا منوافقش عليها لحد ما تكتب عليها وتعملها فرح .


صرخ بغضب وعدم تصديق للفرمان الذي أبرمه والده لتوه والذي لا نقاش فيه :- يا أبوي.......


قاطعه بصرامة :- ولا كلمة انت هتنفذ اللي هقوله وبس .


وبالفعل بعد دقائق كان العاملون مجتمعين بالمنزل،  ووقف عامر قبالتهم وإلى جواره خالد وهتف بغضب :- طبعًا أنتوا ما صدقتوا تلقوا سيرة چديدة تتسلوا بيها، إيه عرض الناس لعبة عشان تنقلوه من واحد للتاني نسيتوا رسولنا لما قال " من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة" لاه انتوا عاملينها لبانة كل شوية في خشم التاني طيب اعرفوا الحقيقة الأول وبعدين اتحدتوا كيف ما انتوا رايدين.


اللي شاف اللي حُصل في الإسطبل عشية وراح نقله ومخافش ربنا رايد أقوله إن دة عادي يحصل بين أي تنين متچوزين ولا ليكم رأي تاني !


نظروا له بصدمة عن أي زواج يتحدث! بينما وكز خالد ليتحدث بدوره فجز على أسنانه بغيظ مكبوت قائلاً :- أيوة صُح الحديت اللي قاله أبوي دي مرتي وأنا ما قولتش لحد عشان خوفت يرفضوا فأتچوزتها على سنة الله ورسوله بس من وراهم بس إتفاچئت لما لقيتهم مش معارضين عشان إكدة هعلن چوازي منيها آخر الشهر، وأي كلب هيچيب سيرتي ولا سيرتها تاني هقطعله لسانه وملهوش عيش حدانا تاني .


أومأ الجميع له بخفوت ثم انصرفوا فجلس إلى جوار جده وهتف بغيظ :- ها عملت اللي انت رايده زين إكدة؟ ودلوك وينها الهانم اللي ورطتني الورطة المهببة دي ؟


هتف بإنفعال:- خالد متنساش إنك اللي غلطان هنادي عليها دلوك هي وأمها وأتفق معاهم .


ثم أضاف بعتاب :- إكدة يا خالد الوليِّة قاعدة إهنة في حمايتنا ويَّا بتها تقوم تعمل إكدة؟


أردف بحرج :- والله ما كنت في وعيي كنت ....


بتر كلماته فبما سيجيبه تخيلها ابنه عمه لذلك ود قربها حتى وإن لم يكن محقاً فيما فعله .


بعد وقت دلفن بخطى بطيئة ثقيلة عليهن من تلك المواجهة.


تقدمت الأم منه وأردفت بصوت محشرج :- أنا خابرة يا حچ بتي غلطت وخونا اليد اللي اتمدتلنا أنا هاخدها وهنهمل الدار والنچع كلاته يا حچ ومش هتشوف وشنا تاني .


نظر لها بتعجب قائلاً :- وه حديت إيه دة، بلاش تحملي حالك فوق طاقتها وهي مغلطتش لحالها ولدي كمان غلطان وعشان إكدة بقولك متخافيش مقامكم محفوظ .


هتفت بنحيب :- راسنا اتحطت في الطين يا حچ والناس ما بترحمش وكلامهم يوچع وكيف السم بس اعمل إيه لبتي الغلط راكبها من ساسها لراسها .


أردف بمقاطعة وكمد فما كان ينقصه هم آخر :- بزيداكي حديت لا هيقدم ولا هيأخر برَّاحة على بتك وبزيادة اللي هي فيه .


ثم وجه حديثه لوجد، التي تقدمت نحوهم بخطوات شبيهة للسلحفاة، قائلًا بغيظ:- تعالي إهنة !

                   الفصل الثامن من هنا

لقراة باقي الفصول من هنا



تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close