رواية سحر سمره
بقلم بنت الجنوب
الفصل الثالث والعشرون
والرابع والعشرون
مأ اصعب ان ترى بعينيك أسوء كوابيسك على الحقيقة !
ابتسامته البغيضة لها ..ذكرتها بابتسامة الذئاب حينما تكشر عن انيابها لبث الرعب بقلب الفريسة ..
صوته الصادر كفحيح الافاعى مع انفاسه الحاره التى كانت تلفح وجهها بعيون مشتاقة
بعنف وكلماته التى كانت تتردد فى اذنيها باستمرار :
- مهما هربتى ومهما بعدتى .. اَخرك فى حضن " قاسم "وبس .. حضن " قاسم " وبس يا" سمره " انتى فاهمة !
أطلقت صرخة مدوية لتفاجأ بيدٍ تربت عليها بحنان فوجدتها لبنى "الجالسة بجوارها وهى تحاول تهدئتها :
- اهدى يابنتى اهدى ..الف سلامة عليكى
- انا فين ؟
قالتها برعب جلى وهى تنظر ل" لبنى " بتشتت وعيناها تطوف بالغرفة وعلى نفسها وهى مستلقية على فراش المرأه ..التى لامست جبهتها المتعرقة وهى تقول :
- اطمنى ياسمره " انتى فى اؤضتى انا يابنتى .
نهضت بجزعها وهى تجاهد لتذكر ماحدث ومالذى اتى بها هنا فى هذه الغرفة .. هى اخر ماتذكره هو اتصال " صوفيا " بها وخروجها من القصر للشارع الخلفى وهنا تذكرت عيناه و.... اصدرت شهقة عالية وهى تتلجلج فى كلماتها
- انا شوفت " قاسم " دا كان هايخطفنى .. هو راح فين ؟
فُتح باب الغرفة فجأة فدلف " رؤوف "وهو يتحدث بلهفة .
- ايه الصرخة اللى انا سمعتها دى ؟ هى " سمره " صحيت؟ انتى كويسة يا" سمره "؟
قال الاَخيرة بعد ان اقترب منها وهو يدنو بوجهه اليها .. فخرج صوتها بصعوبة مع انفاسها الاهثة والمضطربة ؟
- انا عايزه اعرف ايه اللى حصل ؟وانا ايه اللى جابنى هنا ؟ وانتو عرفتوا ازاى ؟ ولا هو كان كابوس ولا ايه بس ؟
ازاح دمعاتها بأبهامه وهو يتحدث بصوت دافئ اصدر بقلبها بعض الطمأنينة:
- هو مكانش كابوس .. وانا عايزك تطمني دلوقتى انك فى امان وماتفكريش فى اى حاجة تزعجك حتى سى زفت ده .
هزت رأسها باستفهام
- ازاى ؟ انا مش فاهمة حاجة؟
بصوته الاجش قال :
- قومى اغسلى وشك وتعالى انزلى تحت حصلينى وبعدين انا هافهمك .
..................................
كان يتفحص فى الاوراق التى امامه وهو يضرب كفاً بالاَخرى :
- الله يخرب بيتك ياقاسم .. الله يخرب بيتك
دلفت شقيقته على الصوت مجفلة وهى بيدها العصير :
- فى أيه يا" رفعت " مالك يااخوى ؟
رفع رأسه اليها ملوحاً بيده فى الهواء .
- تعالى شوفى الفلوس اللى ساحبها اخوكى يا" مروة " دا مش هايستريح غير لما يجيب ضرفها .
- ياساتر يارب حصل ايه لدا كله؟.. اشرب العصير الاول
عشان تهدى.
ازاح بكفه العصير قائلاً :
- مش عايز عصير يا"مروة "ولا عايز ....... استغفر الله العظيم يارب .. هايخلينى اغلط فى نعمة ربنا بعمايله المهببة .
- وادى العصير نسيبه هنا شويه عالمكتب .. عمل ايه بجى " قاسم " عشان يعصبك كده ؟
شبك كفيه وهو مستند بمرفقيه على طاولة المكتب يتنفس بعمق لتهدئة اعصابه قبل ان يجيب :
- البنك اللى بنتعامل معاه بعتلى رسالة عالشغل ملحجتش اقراها جيبتها معايا هنا ودلوك بس فتحتها .. عشان اتفاجأ بكم الفلوس اللى ساحبها اخوكى ..دا ساحب فلوس بالهبل.. بيصرفهم فى ايه دول ؟
مروة بتفكير :
- انا مش عارفة بصراحه .. بس أخوك اساساً مصاريفه كتيرة دا غير العربية اللى اشتراها جديد ودى شكلها غالى جوى .
تكلم بحدة :
- العربية انا عارف تمنها كويس يامروة .. وانا اللى بتكلم عليه يفوق تمن العربية اضعاف .. كتير جوى اللى ساحبه ياخيتى .
نهضت عن مقعدها متصنعه الحزن :
- طب وانا ايه ذنبى ياعم رفعت بس عشان تزعجلى.. هو انا اللى صرفتهم ؟
زفر بضيق وقد تهدلت ذراعيه الأسفل:
- يا"مروة ".. بلاش تعملى زى العيال ياخيتى انتى عارفانى وعارفة الضغوط اللى عليا .
- انا بهزر معاك ياغالى.. خد العصير هدى أعصابك ياراجل محدش واخد منها حاجة .
تناول منها الكوب حتى يرضيها وقبل ان يرتشف منها تذكر كى يسألها :
- صح انتى ايه اللى خلاكى تجيبى عصير يهدينى ؟ هو انتى بتشمى على ضهر ايدك ؟
ضحكت بمرح قبل ان تجيبه :
- لا ياعم مابشمش على ضهر ايدى .. انا اساساً كنت عاملاه لابويا وجولت اجيبلك بالمرة .. صح على فكرة هو لسه بيسالنى عن اخوك .
ضرب بكفه على المكتب بسام :
- طب اعمل ايه بس ؟ مانا كلمته كذا مرة ووعدنى بأنه هيجى .. اروح اسحبه من رجليه طب ماعرفش مكانه عشان كنت عملتها بجد .
...............................
واضعا يديه بجيب بنطاله واقفاً بهيبته المعتادة.. عيناه تتبع نزولها الدرج .. واحدة تلو الاخرى وحتى وصلت للدرجة الاخيره فتناول كفها قائلاً :
- تعالى يا" سمره " هاخليكى تشوفى حاجة .
نظرت لكفه المطبقة على كفها بدهشة قبل أن تسأله :
- انت واخدنى ورايح فين ؟
- انتى مش عايزه تفهمي اللى حصل ؟ تعالى اقعدى هنا وانتى هاتفهمى اللى حصل .
كان قد وصل بها إلى وسط البهو الكبير فاجلسها على احدى الارائك التاريخية للمنزل المهيب !
- رؤوف بيه انا مش فاهمة حاجة......
وقبل ان تكمل تفاجأت به يجلس بجوارها فارداً ذراعيه على حافة الاريكة واضعاً قدمٍ فوق الاَخرى وبصوت جهورى :
- دخلهم يا" صفوت " !
التفتت برأسها لتجد" صفوت " وهو يدلف اليهم ومعه مجموعة من حراس المنزل الاَخرين .. شهقت مخضوضة حينما رأتهم ممسكين ب" قاسم "وهو
مقيد الحركة ومعه " محسن " ابن بلدتها وصديق "قاسم "الذى ما ان وقعت عيناه عليها حتى .. صاح بصوتٍ جهورى .
- ايه يا"سمره "بتتحامى فى الغريب بعد ما هربتى من اهلك وجوازتك من واض عمك ..
هى اللجمتها الصدمة فجاء الرد من " رؤوف " بصوتٍ هادئ وحازم بنفس الوقت .
- ملكش دعوة بيها وخلى كلامك معايا انا فاهم ولا تحب افهمك بطريقتى .
صاح مرة اخرى بصوتٍ اعلى :
- يامشاء الله ...دا انت كمان بتدافع وتتكلم بالنيابة عنها .. هو فى ايه يابت ؟ .. هو انتى صفتك ايه فى البيت ده شغالة ولا حاجة تانية .؟
على الرغم من علمها التام بسوء اخلاقه الا ان صدمتها ازدادت اكثر من انحدراها الى هذا المستوى .. فحدقت اليه بتحدى رغم غلالة الدموع المحتجزة بعنيها لتسبق بالرد قبل " رؤوف " :
-انا مش هارد عليك يا" قاسم " عشان انت فعلاً ينطبق عليك المثل اللى بيجول "العيب لما
يطلع من اهل العيب ما يبقاش عيب " وانت اَخر واحد تتكلم فى حاجة فى الادب والأخلاق .
هاج بغباء وهو يحاول ان يفك هذه الاغلال المحكمه بتقيده قائلاً بغل :
- وليكى عين تتكلمي عن الادب يافاجرة وانتى جاعدة جمب راجل غريب وبتتحامى فيه كمان .
هتف عليه " رؤوف " بشدة :
- انت يااخينا انت احترم نفسك وقدر كويس انى لحد دلوقتى ماسك نفسى عليك انت وصاحبك .. لكن لو زودتها اكتر انا مضمنش نفسى .
كاد ان يفقد صوابه وهو هائجاً يقول:
- ياعم انت مالك بينا من الاساس ..طب انا واض عمها وبدور عليها عشان هربت جبل جوازها من خطيبها اللى اخوى .. انت بجى تتحشر ليه بين الأهل وبعضيهم .صفتك ايه انت ؟
ابتسم بسماجة وهو يرجع بظهره للايكة قائلاً ببرود :
- انا مش ملزم انى اقولك .
على قدر ما استفزت اجابته " قاسم " الذى صاح هادراً يشتم بأفظع الألفاظ دون مرعاه لأى شئ .. على قدر ما أثارت الدهشة لدى " سمره " التى كانت تنظر لمايحدث امامها بصمت وكأنه اصبح الموضوع عن واحده اخرى وليس هى
اجفلت من صوته وهو يأمر " صفوت " والرجال بسحبهم للخارج وطردهم .
...................................
توقف بسيارته امام القصر ليترجل منه ويسير بخطواته ثم يدلف بداخله وما ان رأى امامه السيدة " لبنى " جالسة بالحديقة وحدها هل يرحب بها على طريقته :
- حبيبة قلبى يا" لولو".. انتى هنا ياامورة دا ايه الصباح اللى زى الفل دا ياناس ؟
اقترب ليقبلها فضربته على ذراعه بكفها الضعيفة :
- ياواض انت مش هاتبطل شقاوتك دى بقى وخفتك .. انت مش،ناوى اتكبر ابداً ياتيسر ؟
هز برأسه ضاحكاً قبل ان يجلس امامها يقول :
- لا طبعاً .. واكبر ليه بقى ؟ انا عايز اعيش على طول كده صغير وادلع بقى العمر كله انا ورايا حاجة .
ابتسمت هى ايضاً لاسلوبه :
- عيش ياحبيبى وادلع المهم بقى انك تكن وتتجوز قبل فوات الأوان.. انا عارفة انت كمان مالك ابه اللى مانعكوا انت وابن عمك عن الجواز.. دا انتوا هاتجنونى .
اجفل متذكراً :
- اه صحيح .. هو ايه اللى منع " رؤوف " النهاردة عن الشغل ؟ دا اتصل بيا وقالى على شوية اوراق مهمين عشان اجيبهم هنا عالبيت ويوقعهم بنفسه !
لوحت " لبنى " بكفها وهى تمط شفتاها :
- اسكت يا" تيسير " دا اللى حصل عندنا هنا ليلة امبارح ولا الخيال .. انا الحاجات دى اول مرة تعدى عليا .
- هى ايه الحاجات دى اللى اول مرة تعدى عليكى؟
.................................
ايه مالك ؟ ساكتة وسرحانة فى ايه ؟
قالها " رؤوف " ل " سمرة " المطرقة رأسها بصمت وهى مازالت شاردة وعقلها لا يستطيع جمع اى معلومة مفيد .. رفعت رأسها تجاوبه :
- بصراحة كده انا عاملة زى الاطرش فى الزفة .. ونفسى افهم .. هو ايه اللى حصل بالظبط.
رد عليها بتسلية :
- اممم انتى عايزه تعرفى اللى حصل بالظبط .. ماشى ياستى هاقولك .. اللى حصل انى سألت وعملت تحريات عنك .
اومأت بسبابتها ناحية صدرها مصدومة:
- انت عملت تحريات عنى انا ؟
ابتسامته زادت عبثية وهو يرد عليها :
- ايوه ياستى عملت تحريات عنك وعرفت اصلك الطيب حتى حكاية والدك كمان عرفتها دا غير علمى بخبر هروبك قبل جوازك من ابن عمك قبل فرحك عليه فى اقل من اسبوع .
عادت تطرق برأسها مرة ثانية ولكن هذه المرة بحرج فتابع هو :
- دى حاجة ماتكسفش يا" سمره " دى حريتك فى انك ترفضى وضع او جوازة انتى مش قبلاها .
همت لتجادله ولكنها تذكرت وضعها فماذا ستقول له .. انها هربت من شقيق العريس وليس العريس نفسه .. من المؤكد انه سيظن بها السوء فصمتت تسمع بقية حديثه لتفاجأ بقوله :
- انا كنت مكلف " صفوت " انه مايشيلش عينه من عليكى .. ودا عشان حمايتك بعد اللى عرفته .. فلذلك لما شافك خارجة بالليل راقبك طبعاً من بيعيد ومن غير ما تحسى واما شاف ابن عمك ده شايلك بعد ماخدرك اتصرف هو ورجالته معاه وعرفوا يخلصوكى منهم وانا بقى وصلت فى الوقت المناسب وشيلتك واخدتك فوق عند تيته "تراعيكى .. ويكون فى علمك انا طردت " صوفيا " لما عرفت ان اتفقت مع قريبك ده واخدت منهم فلوس كمان عشان توقعك .
وبدون سابق إنذار سألته منذهلة :
- طب وانت بتعمل معايا كده ليه وتعرض حياتك ونفسك للخطر ؟
هم ان يجاوبها ولكن قاطعه " تيسير " وهو يهتف عليه :
- ايه اللى حصل دا يا" رؤوف "؟ .. انا خوفت قوى بعد اللى سمعته من " تيته " .
لوح بيده قائلا ً :
- ادخل أستناني جوا فى اؤضة المكتب يا" تيسير " وانا جايلك على طول .
تحرك " تيسير " بخطواته لناحية المكتب متذمراً واقترب " رؤوف " برأسه ل" سمره " قائلاً :
- خليكى مكانك انا دقايق وراجعلك ... عشان نكمل كلامنا .
بعد ذهابه هزت برأسها تستوعب مايحدث !
- هو ايه اللى بيحصل ؟
قالتها بصوت خفيض وهى تحدث نفسها .
.................................
وبداخل غرفة المكتب ثار عليه " تيسير " وهو يقول:
- انت اتجننت يارؤوف؟ بتعرض حياتك للخطر عشان واحده متعرفهاش لا وكمان خدامة...
- ماتقولش عليها خدامة يا" تيسير " واحترم نفسك .
قالها بحده اجفلت الاَخر فتشدق قائلاً
- يعنى الحق عليا ..انى خايف عليك لتتورط مع ناس زى دول صعايدة ممكن يقتلوك بقلب مليان دفاعاً عن الشرف .
تجاهل حديثه ليسأله بعملية :
- انت جبت كل الاوراق اللى قولتلك عليها ولا فى حاجه تانى ناقصة ؟
اخرج الاوراق من حقيبته السوداء الصغيرة ووضعها امام " رؤوف " على مكتبه حانقاً .
.فتجاهله الاَخر مرة ثانية وهو يراجع فى بعض الاوراق والملفات بغير اكتراث.
...........................
خرج "تيسير " من القصر حانقاً :
وبمجرد دخوله السيارة طلب رقمها الذى يعلمه عن ظهر قبب .
- الوو... ايوه ياست " صافى " خليكى انتى كده نايمه على نفسك والدنيا هنا خربانه وشكل اللى انتى خايفة منه هايحصل بجد !
صرخت مجفلة
- هو فيى ايه بالظبط " ياتيسير " ؟ ماتفهمني ايه اللى حاصل يازفت انت !
الفصل الرابع والعشرون
دلف " سليمان " الى منزله وهو يهتف بصوتٍ عالى :
- بت يا" رضوى " انتى فين يابت ؟
أتت زوجته على صوت ندائه وتلتها ابنتها التى خرجت من غرفتها مجفلة :
- في ايه يابوى مالك بتنده عليا ليه ؟
جلس الرجل على اريكته يرد عليها بحماس :
- خطيبك رجع البلد يابت .
أجفلت تسأله بلهفة :
- انت جصدك على " قاسم " يابوى؟
ضحك الرجل بمرح :
- هو انت مخطوبة لحد غيره يامخبلة ؟ ايوه " قاسم " ياختى.. توى على طول سامع انه وصل البلد مع صاحب الندامة " محسن " واض المرحوم صابر .
جلست بجواره " نعيمة " كى تسأله :
- طب وانتوا ماعرفتوش هما كانوا جاعدين الفترة اللى فاتت دى كلها فين ؟
اجابها الرجل وعيناهُ على ابنتهُ التى لجمتها المفاجأه عن الكلام :
- ياستى انا على حسب ما سمعت من " رفعت " جبل كده انهم كانوا بيدورا على مجصوفة الرجبة " سمرا" .
نعيمة بقلق :
- طب وصلوا لحاجة على كده ؟ ولا غيبتهم طلعت على فاشوش؟
- معرفش بس كل حاجة هاتبان لما نجعد معاه ونشوفه وبالمرة كمان نسأله عن موضوع جوازتوا ب" رضوى " المعلجة .. واحنا معارفينش راسنا من رجلينا .
تحركت " رضوى " بألية تذهب الى غرفتها ..وقد اكتست ملامحها بالحزن بعد هذه اللهفة الغريبة التى شعرت بها فور علمها بخبر وصوله .. مازال قلبها الخائن يشتاق الى رؤيته .. اعمى البصر والبصيرة الذى لم ولن يرى سواها هذه المحظوظة دائماً "سمره "!
................................
خرج " رفعت " من غرفته على هذه الاصوات الصادره بداخل المنزل.. فوجد والدته وهى متشبثه باحضان " قاسم " بشوق :
- كده برضوا يا" قاسم" تغيب ولا تسأل .. انت هاتفضل لحد امتى بس تاعب جلبى ياولدى ؟
كان يطوق والدته بذراعيه وهو يربت بكفه على ظهرها متجهم الوجه صامتاً .. اقترب منه رفعت مرحباً :
- حمد الله عالسلامة .. توك ما جيت ياسبع البرومبة .
رفع حاجبه يرد على اخيه متهكماً :
- الحق عليا .. انى كنت بادور ليل نهار وواجع جلبى عشان اعرفلك مكان المحروسة .
بشبه ابتسامة ساخرة اردف " رفعت " :
- لا فيك البركة والله .. متشكرين لتعبك معانا ياعم " قاسم " !
احتدت نبرته فى القول :
- انت مش مصدقني يا" رفعت " ؟ ولا شكلى المبهدل ده مش موضحلك كد ايه انا تعبت فى الايام اللى فاتت و عشان مين ؟ مش عشان خاطرك انت وسمعتك وسمعة العيلة
خرجت " نفيسة " من أحضان ولدها وهى تنظر له بتقيم :
- صح ياولدى .. هو انت ايه اللى حصل معاك عشان تتبهدل كده ؟
اومأ برأسه لولدته يقول :
- هاجولك ياما ماتخافيش بس اريح جسمى شوية .. انتى يابت جهزيلى لجمة على مااطلع من الحمام واتسبح .
قالها مخاطباً " مروة " التى كانت واقفة بجوارهم مكتفة ذراعيها .. زفرت حانقة من أسلوبه المتعجرف بصوت غير مسموع ..همت لتجادله وترفض .. فأومأ لها " رفعت " لتذهب وتتجنبه ولكنه عاد ل" قاسم " أمراً :
- جبل ما تتسبح ادخل شوف ابوك الاول.. اللى بيسأل عنك بجالوا يومين .
بابتسامة ماكرة :
- عنيا ياباشا .. هادخل اشوف ابويا واتسبح واكل عشان اتكلم معاك على رواجة ولا أجولك .. ماتخليها مشوار بالمرة لنسايبنا اصل انا كمان عايزهم فى كلام مهم وضروري.!!
...............................
سافر !!
قالتها بتشتت وعيونٍ شارده وهى جالسة امامه على الكرسى المقابل للمكتب ..عقد هو حاجبيه بتعجب :
- هو انتى زعلتي على سفره ولا ايه ؟
هزت برأسها تنفى :
- لاطبعاً .. هازعل ازاى يعنى ؟ بس انت متأكد انه سافر ؟
تعجبه ازداد اكثر :
- ومتأكدتش ازاى بس وانا خليت ناس يراقبوه هو صاحبه من اول اما خرج مطرود من عندنا هنا لحد اما سافر ووصل بلدكم .. بس انتى مالك وشك اتخطف كده ليه ؟ بصراحة انا مش فاهمك ؟
تنهدت بعمق وهى تُغمض عيناها بتعب :
عشان عارفة اللى هايحصل هناك دلوك ! ..هايروح ويجول لاهلى على مكانى ويزود كلام من مخه على سمعتى وشرفى .. ومش بعيد بكره الصبح الاقيهم هنا فى البيت .
رجع بظهره للمقعد بابتسامة واسعة قائلاً :
- ودا بقى اللى مخوفك وقالقك اوى لدرجادى .
علت الدهشة وجهها تقول:
- طبعاً اومال ايه ؟ دا كده ممكن يموتونى عشان بس هربت.. من غير حجة ولا بينة على جريمة ارتكبتها .. انا لازم اقوم وامشى من هنا عشان اشوفلى مكان تانى بعيد عن هنا .
قالتها وهى تنهض وقبل ان تتحرك خطوة واحدة اوقفها بحزم قائلاً :
- استنى عندك ..انتى هاتمشى كده هالطول من غير ماتاخدى رأيي ولا تستأذنينى !
- أستأذنك!
- ايوه تستأذنينى... اقعدى يا" سمره " واسمعى انا هقولك ايه ؟
جلست مرة ثانية لتستمع فتابع هو :
- انا عندى حل هايريح الكل وهايخليكى ترفعى راسك قدام ناسك وتقابليهم كمان بقلب مليان من غير اى ذرة خوف .
حدقت اليه بعينيها تسأله باهتمام :
- ايه هو الحل ده اللى هايخلينى اقابل اهلى بجلب مليان ومن غير خوف .
بابتسامة واثقة قال :
- تتجوزيني !
..............................
جالساً على طرف فراش ابيه وهو ينظر اليه صامتاً بتفحص بعد ان اخرج الجميع ولم يبقى سواهما فى الغرفة..
- خبر ايه يابوى ؟ بجالك ساعة بتبص فى وشى وبس .. أيه ياابورفعت انتى هاتاخدلى صورة ؟
قالها بابتسامة مصطنعة خبئت فور ان تكلم ابيه :
- انت ليك يد فى هروب " سمره " يا" قاسم " ؟
اجفل من سؤال والده المباغت ولكنه استدرك نفسه :
- ليه ان شاء الله ؟ كنت انا اللى هربتها لا طفشتها قبل فرحها على اخويا ؟
بلهجة حكيمة :
- طفشتها يا" قاسم " مش هربتها .. فى فرق بين الاتنين وانا جلبى حاسس ان الأولى هى اللى صح ؟
هب منتفضاً عن الفراش :
- طفشتها !!! .. ليه ان شاء الله ؟ وانا راجل خاطب وكنت هاتجوز معاهم فى ليلة واحدة.. رضوى " بت خالها !
تبسم العجوز بمرارة مع هذه النظرات الكاشفة للماثل امامه :
- اوعى تفتكر انى كلامك خال عليا يا" قاسم " ؟ انا عارف ومتاكد ان عمرك ماشيلت " سمره" من تفكيرك .. حتى لما رجعتلنا وجولت انك ندمت على عمايلك السودة اللى كانت مسؤه سمعتنا فى كل مكان وعايز تعيش نضيف وتخطب بت خال "سمره" .. عمرى ماصدجتك ياولدى ..اخوك خالت عليه عشان طيب وماصدق انه يحقق حلم عمره فى جوازه منها وامك واختك دول غلابة.. لكن انا لفيت ودورت ياولدى اكتر منك كمان .. والمرض بس اللى هدنى.
وضع يده على خصره مضيقاً عينيه :
- وعلى كده بجى انت عارف انا عملت ايه معاها عشان تطفش ؟
تنهد الرجل بقلة حيلة :
- لا ياولدى مش عارف باللى عملته .. بس انا عجلى هو بيمشينى وعجلى ده متأكد انك ورا اللى حصل ؟
ضحك بصوتٍ عالى وغريب:
- طيب جول لعجلك الناصح ده ان البت طلعت خاينة وبتعلب على كل الحبال ياابورفعت هههههه
ظل يضحك هكذا حتى خرج من الغرفة .. تاركاً ابيه ينظر لأثرهِ بدهشة وقلبهُ يُخبره بالاشياءالسيئه !
............................
غرت فاهها قبل ان تسأله ببلاهه :
- تتجوزنى ازاى يعنى ؟
اطلق ضحكة عالية بمرح :
- بقولك اتجوزك ..يعنى مأذون وشهود .. دى بقى فيها ازاى ؟
هزت برأسها تستنكر:
- يارؤوف بيه .. انا مقدرة انك عايز تساعدني بس مش لدرجادى يعنى .. انا اهلى صعبين وماضمنش اللى هايحصل وانت راجل محترم و......
- بس انا عايز كده ..
قالها بمقاطعة اجفتلتها ولجمتها عن المجادلة فنهض هو عن مقعده خلف المكتب يجلس امامها فى الكرسى المقابل وتابع :
- انتى امبارح سألتيني .. انت بتعمل كده ليه وتعرض حياتك للخطر ؟ وانا بقى بقولهالك ياستى .. انا قابل كده عشان بحبك .
داهمها شعور الصدمة وظهر جلياً على ملامحها .. اقترب هو برأسه اليها يتحدث بصوتٍ اجش .
- ايوه يا" سمره " انا بحبك ومستعد اضحى بعمرى كله عشانك .. انا عارف انك مخضوضة من كلامى بس انا بقالى مدة نفسى اكلمك وماصدقت الاقى فرصة ..عايزك تفكرى كويس فى عرضى .. وانا معاكى فى اى قرار تاخديه الا انك تبعدي عنى ولا عن نطاق حمايتى .. سمعانى يا" سمره " .
هزت برأسها وهى زامة شفتيها .. فتحت فمها أخيراً لتقول :
- ممكن اروح اشوف " لبنى " هانم ميعاد دواها قرب .
بابتسامة جلية قال :
- روحى يا" سمره " .. بس متنسيش تفكرى كويس فى عرضى عشان الوقت .
هزت برأسها مرة اخرى وهى تنهض عن مقعدها مرتبكة لدرجة جعلتها تتعثر فى خطواتها ولكنها تداركت نفسها قبل ان تقع !
..................................
بعد ان اخبرتها والدتها بقدوم " قاسم " وأخيه لمنزلهم .. ورغم فتور الحماسة لديها من مقابلته ولكنها لم تستطع كبح نفسها فى ان تتزين وترتدى اغلى ملابسها حتى يراها فى ابهى صورة علٌه يشعر ولو مرة واحده بها .. ومع سماعها لصوت السيارة نظرت من نافذتها فوجدته يترجل هو اولا منها قبل اخيه .. امعنت النظر جيداً فى هيئته الخاطفة لانفاسها .. فهو ابيض البشرة عكس معظم الرجال فى قريتها وذلك لانه لم يشقى فى حياته بسبب ثراء عائلته.. لقد ورث العيون العسلية من والدته وملامح رجوليه جذابة من والده .. على الرغم انه يُشبه كثيراً لاخيه " رفعت " ولكنه يتميز بجاذبية وحيوية يفتقدها الاَخر بسبب المسؤلية التى القت على عاتقه مبكراً ولكن " قاسم " يبدوا ان سر انجذابها اليه هو روح الاجرام لديه وقلبه الميت الذى لا يخشى شئ وأفعاله المجنونة دائماً .. تابعته حتى دلف لداخل المنزل ثم القت نظرة اخرى للمراَه للتأكد جيداً من زينتها وملبسها .. اخذت شهيق طويل قبل ان تخرج من غرفتها لتنزل اليه
وبداخل غرفة الاستقبال جلس " سليمان " وأخيه " حسن " مع " رفعت " و" قاسم " بناءً على رغبة الاخير .
سليمان مرحباً :
- يامرحب ياقاسم يامرحب يا" رفعت " .. نورتونا والله .
اومأ قاسم برأسه اما " رفعت " فوضع كفيه على صدره يرد التحية:
- تُشكر ياعم " سليمان " .. الله يحفظك يارب .
تدخل " حسن " يسأل مباشرةً :
- عاش من شافك يا" قاسم " .. خبر ايه ؟ كنت مختفى فين ياراجل ؟
هم ليتكلم ولكنه اجفل لطرق الباب ودلوف " رضوى " بكامل زينتها ؟
- مساء الخير
قالتها وهى تتقدم نحوهم .. صافحت " رفعت " اولاً وبعدها اقتربت منه لتصافحهُ باعين يملؤها الشوق :
- ازيك يا" قاسم "عامل ايه ؟
ضغط على كفها بجرأه معتاده منه ولكنه كان متجهم الوجه ولم يكلف نفسه حتى عناء ابتسامة بسيطة تروى ظمأها .
تحدث سليمان بصفو نية :
- اجعدى يابتى معانا دول عيال عمك .. ولا اجولك ماتاخدى " قاسم " واجعدوا فى الجنينة شوية .. تلاجيكم عايزين تتكلموا.. ..
- انا مش فاضى لاحديت الخطاب دلوك .
وكأن دلواً من الماء البارد سقط على رأسها من مقولته الجافة.. فتكلمت بكرامة مهدورة وصوتٍ مبحوح :
- انا كنت جاية اعمل بأصلى واسلم .. عن اذنكم .قالتها وخرجت على الفور حدق اليه " رفعت " بغضب وتبادل سليمان مع اخيه هذه النظرات الحانقة فهتف هو فى الجميع :
- لا مش وجت نظراتكم دى خالص ..عشان انا جاي فى مهمة محددة وهى ان اعرفكم على مكان المحروسة بتكم الهربانة !!
.................................
بتتكلمى جد يا" سمره " والنبى انتى صادقة فى كلامك ومابتهزريش ؟
قالتها " سعاد" بفرحة عارمة وعيون تملأها قلوب حمراء .
.. حدقت اليها" سمره " وهى مستندة بمرفقيها على طاولة السفرة الكبيرة تتحدث بيأس :
- شوفتى اديكى انتى نفسك مش مصدجة ؟ اصدق ازاى انا بجى ؟
شهقت بسعادة وهى تجلس بجواره :
- لأ ياختى انا مصدقة و قلبى حاسسها من زمان كمان .. بس هى المفجاه اللى برجلتنى فى الأول .
فغرت فاهها وهى ناظرة اليها ثم مالبثت ان تهز برأسها ااستنكاراً :
- يا"سعاد "بلاش كلامك ده ؟ قلبك كان حاسس ومن زمان كمان..ليه بجى ان شاء الله ؟
رفعت حاجبيها تتحدث بزهو :
- ياحبيبتى انا بفهمها وهى طايرة وسى " رؤوف " بيه كان باين من نظرته ليكى .. انا حبيبة قديمة يابنتى والحاجات دى ياما وردت عليا
مرة ثانية سألتها بعدم تصديق:
- والنبى !! ياعنى بذمتك انتى شوفتيها فى عنيه ؟.
سعاد بابتسامة واسعة :
- والنبى ياختى مش انا بس.. لا دا انا متأكده ان كل اللى شغالين معاكى هنا واخدين بالهم كمان .. دا عيونه فاضحاه ياحبيبتى .. مش زكاوة منى يعنى .. فضحاه عارفة ياعنى ايه فضحاه ..
- مساء الخير يا" سعاد "
شهقت " سمره " ومعها " سعاد " ايضاً حينما أجفلن لرؤيته بعد ان قالها وهو خارج من مكتبه بابتسامة ماكرة
تداركت " سعاد "نفسها فوراً :
- يامساء النور .. يامساء الهنا ياسعادة الباشا ..
اومأ لها بكفه قبل ان يصعد الدرج وابتسامه ازدادت اضعاف .
حدقت اليها" سمره "بلونٍ مخطوف وهى تشير بسبابتها :
- هو ماله بيضحك كده ليه .. يانهار اسود ليكون سمعك يا"سعاد "؟
ابتسمت لها الاَخرى غير عابئة :
- ياختى ومايسمع .. هو اللى بيزمر بيخبى دقنه .. طب دا انا نفسى ارعقها زغروته دلوقتى اصحى بيها الناس النايمة ... حتى تحبى اوريلك اهو ..
اوقفتها "سمره " بكفها :
- لا والنبى يا" سعاد " .. وحياة عيالك ياشيخة ماتعمليها .. هو انا لسة رديت من اساسه ؟
خبئت ابتسامتها تسألها بريبة :
- ليه يا" سمره " ؟ هو انتى مش هاتردى بالموافقة على طول .
تنهدت بتعب وصوت عالى :
- بصراحة مش عارفة يا" سعاد " .. انا حاسة فكرى مشوش ومش قادرة اخد اى قرار .
