سر غائب
البارت الخامس والعشرون و السادس والعشرون
بقلم سماح نجيب
شعرت بالسخط الشديد من نبرة صوته الغير مكترثة بما هو فيه فهى تريد أن تذيقه الويل جراء ما فعله والده بأشقاءها فهى تريده أن يتجرع من كأس الحسرة والندم الذى تجرعت منه هى سابقاً
أقتربت منه بشرار يتطاير من عينيها قائلة بنزق:
–ليه هو أبوك مقلكش أن شريف وسيرين أنتحروا فى السجن وماتوا بعد دخولهم السجن بشهر واحد
ُبُهت شهاب بعد سماع ما قالته سالى فهو لم يكن على دراية بما حدث مع سيرين وشقيقها فما يعرفه انه تم الحكم عليهم بالسجن لمدة ٧ سنوات لتنقطع بذلك صلته بذلك الأمر فهو حتى لم يتقصى من والده بشأنهم طوال تلك الأعوام الماضية
هتف شهاب بنبرة صوت مذهولة:
–أنتحروا ! طب ليه عملوا فى نفسهم كده
إبتعدت سالى عنه لتقترب من الحافة الغير مكتملة البناء تنظر للخارج ركلت بقدمها بعض الحصى من الأرض ليتطاير وتسمع صوت ارتطامه بالأرض التى تبعد عن مكان تواجدهم بحوالى ثلاث طوابق
إبتسمت سالى بسخرية قائلة:
–بتسأل عملوا ليه كده يا ابن عزام علشان شريف مستحملش أنه يرجع السجن من تانى ويقضى فيه سنين وسيرين اللى
مستقبلها اتهد ولقت نفسها عايشة وسط مجرمين وقتالين قتلة أنت عارف تمارا دى كانت معاها فى السجن وهى اللى سيرين قالتلها أنها تجيلى علشان أخد حقهم من أبوك
قطب شهاب حاجبيه قائلا:
–أنتى ليه بتتكلمى عن اخواتك كأنهم كانوا ملايكة واحنا ظلمناهم أخوكى كان عايز يأذى عمى جمال وبنته واختك كانت متفقة معاهم وكمان كانوا بيبتزوا أبويا وياخدوا منه فلوس
يعنى أخواتك هم كمان جانين مش مجنى عليهم أنا اه مقدر أن حاجة صعبة أنك تفقدى أخواتك مرة واحدة بس برضه ده مش دافع أن يخليكى تقتلى حد ولو زى ما بتقولى تمارا كانت مع اختك وجاتلك عملتلها إيه قتلتيها يعنى أنتى كمان من
نفس طينة وعينة اخواتك عندك إستعداد تقتلى غيرك فى سبيل مصلحتك بس أنصحك تفكينى وأمشى من هنا وإلا هتخسرى حياتك فى المقابل
إستمعت سالى لحديثه كاملا ً فأنتظرت حتى فرغ من كلامه اشهرت سلاحها النارى تطلق منه رصاصة أصابت بها ذراعه الأيمن
أطلق شهاب صرخة ألم جراء إستقرار الرصاصة بذراعه فهتف بها قائلا:
–إيه اللى إنتى عملتيه ده
أنكمشت ملامح وجهه بألم فصارت الدماء تتدفق من ذراعه حتى أستحال لون قميصه من على ساعده للون الاحمر فصار مغموس بدماءه النازفة
حدقت به بإبتسامة شامتة تعقد إحدى ذراعيها أمام صدرها وذراعها الآخر تلوح به بسلاحها النارى فأقتربت من شهاب تضغط بفوهة السلاح على مكان إستقرار الرصاصة بذراعه فلم يتحمل شهاب ألم إحتكاك السلاح بذراعه المصابة فصرخ بصوت عالى
هتفت سالى بشماتة قائلة:
–صرخ كمان يا ابن عزام عيزاك تصرخ لحد صوتك ما يروح أنا كده كده قعدالك لسه ميعاد الطيارة كمان ساعتين فإحنا
قاعدين نتسلى مع بعض لحد ما أمشى ومتقلقش مش هموتك مرة واحدة كده لاء دا أنا هموتك بالبطئ لحد ما يخرج منك أخر نفس وتودع الدنيا دى
رد شهاب قائلا بوهن وإبتسامة هازئة:
–أنتى متأكدة أن أنتى خلاص هتقتلينى ليه متقوليش أنك مش هتلحقى تعملى كده علشان زمان فى حد جاى ينقذنى دلوقتى
لم تفهم سالى مغزى تلك الابتسامة ولا مغزى حديثه فمن سيأتى لإنقاذه؟ فهى حرصت على أن تأتى به إلى هنا تحيط الأمر بالسرية التامة حتى لا ينكشف أمرها
زمت سالى شفتيها قائلة:
–حلوة الكدبة دى يا ابن عزام ثم مين ده اللى هيجيلك دلوقتى العب غيرها يا شاطر علشان أنا...
لم تنهى جملتها حتى سمعت صوت إطلاق الرصاص بالخارج ،أجفلت سالى من ذلك الصوت المدوى ،بعد برهة وجيزة ،وجد شهاب أيسر يدلف برفقة رجال الشرطة
أشهر أيسر سلاحه هو الآخر قائلا:
–إبعدى عنه يلا
تقدم الضابط من خلف أيسر قائلاً:
–أحسنلك ترمى المسدس ده من إيدك دلوقتى
لاتصدق سالى ما تراه فكيف حدث كل هذا ؟ فهى لا تعى مايحدث فكيف وصل هؤلاء الأفراد إلى تلك المنطقة التى تشبه الخراب فالمكان غير مأهول بالسكان حتى تقول أن أحد الجيران هو من قام بتبليغ الشرطة عما يحدث
خرجت من دائرة أفكارها لترفع يدها تصوب بسلاحها لرأس شهاب قائلة:
–لو مبعدتوش برصاصة واحدة وهخلص عليه فاهمين
ولكن قبل أن تطلق الرصاصة سبقها الضابط فى إطلاق رصاصة أصابت يدها التى تحمل السلاح فسقط أرضاً ظلت سالى
تتراجع بخطواتها للخلف وهى ترى رجال الشرطة يقتربون منها لم تدرى أنها تسير إلى هلاكها فعندما صرخ بها أيسر قائلاً:
–حاااااسبى
وجدت نفسها على حافة تلك البناية فأختل توازنها لتسقط على بعض الأدوات الحادة التى أنغرست أحدها بجسدها لتلفظ أنفاسها الأخيرة
أقترب أيسر سريعاً من شهاب يحل وثاقه يطالعه بقلق قائلاً:
–شهاب أنت كويس فى أى إصابة تانية فى جسمك غير الرصاصة دى
حرك شهاب رأسه بضعف فالألم يشتد بساعده فهو يشكر الله على أن أستطاع أحد إنقاذه قبل أن تكمل سالى ما تريد وكان السبب فى إنقاذه هو فتح جهاز التتبع بهاتفه فتذكر ما حدث قبل رؤيته تمارا
عودة إلى الماضى
بعد أن أنتهى من عمله لملم أغراضه وفتح هاتفه يريد الاطمئنان على ضحى مثلما يفعل يومياً منذ عقد قرانهم
جاءه صوتها الرقيق قائلة:
–السلام عليكم يا شهاب
رد شهاب قائلا بابتسامة:
–وعليكم السلام وحشتينى
تناهى إلى مسامعه صوت شهقتها الخافتة بعد سماعها ما قاله فصمتت فهتف قائلا:
–هو أنا كل ما أقولك وحشتينى تتكسفى ومترديش أنا والله دلوقتى جوزك بس الصراحة بموت فى خجلك ده ووشك اللى بيجيب الوان الطيف
طال صمتها فأستطرد هو قائلاً:
–خلاص يا ستى هسكت أهو بس المهم أنا جايلك دلوقتى علشان أوصلك البيت
طالعت ضحى الهاتف قائلة:
–أنت لسه فى الشركة ومخرجتش الجى بى إس ظاهر عندى أنك لسه مخرجتش من الشركة بس مش عارفة إيه تصميمك أنك توصل أجهزة التتبع بتليفونتنا ببعض
جاءها رده قائلاً بصوت متهدج:
–علشان تعرفى أن جوزك راجل مستقيم من البيت للشركة ومن الشركة للبيت وكمان أبقى مطمن عليكى أنا كمان على العموم مش هتأخر مسافة السكة وهجيلك
عودة للوقت الحالى
حدق شهاب بأيسر رفع ذراعه السليمة يضغط بيده على ذراعه المصابة فإنكمشت ملامحه أكثر فأكثر إلا أنه أستطاع القول قائلاً:
–هى ضحى اللى كلمتك يا أيسر
سحبه أيسر من مرفقه ليسير معه فهو يجب أن يذهب للمشفى فى الحال فرد عليه قائلاً:
–لما فضلت مستنياك ومروحتلهاش وكمان جهاز التتبع عندها ظهر فيه أنك مش فى الطريق للمحل بتاعها فقلقت وكلمت ثراء وعرفت وروحنالها وخدت التليفون منها ولما قلقنا زيادة
بلغنا البوليس وعلى فكرة هم موجودين فى العربية تحت خليتهم يستنونى تحت بصعوبة وكويس أن اللى خطفوك ما
اخدوش بالهم من تليفونك واخدوه منك وإلا كان زمانا دلوقتى معرفناش نوصلك فيلا بينا علشان نلحق نروح نوديك المستشفى وبعدين نعرف إيه الحكاية بالظبط
أستند شهاب على أيسر حتى خرجوا من تلك البناية المهجورة ،لم تستطع ضحى الإنتظار أكثر خاصة وهى ترى شهاب يخرج
برفقة أيسر ورأت أيضاً ثيابه الملطخة بدماءه فترجلت من السيارة تسير إليهم شبه راكضة فطفقت تردد بلهفة:
–شهاب إيه اللى حصل ومين اللى عمل فيك كده رد عليا
أنزلقت دمعة من إحدى عينيها فوجدت ثراء تصل إليهم تربت على كتفها تطالع شهاب بقلق هى الآخر إلا أن أيسر حسم ذلك الجدال قائلا ً:
–مش وقته الكلام ده دلوقتى لازم نوديه المستشفى علشان الرصاصة اللى فى دراعه وبعدين هنعرف كل حاجة
أدار أيسر محرك السيارة ينطلق بها سريعاً جلست بجانبه ثراء وجلست ضحى بالخلف بجوار شهاب الذى بدأ بفقدان وعيه ولكنه يجاهد على أن تظل عيناه مفتوحتان ولكن ذلك الظلام بدأ يزحف إليه ببطئ حتى أسلم أمره له بالأخير
__________
جالسة أمام تلك النافذة بغرفتها ،تستند بوجنتها على كف يدها تنظر للقمر الذى أنار السماء ببداية تلك الليلة ،فرت دموعها من عينيها التى لم تكف عن ذرفها منذ اليومين الماضيين فهى
حتى لم تذهب إلى العيادة بل فضلت الجلوس بالمنزل تبكى بمرارة على تلك الذكرى المأساوية التى تعرضت لها على يد رجل لا يمت لصفة الرجولة بصلة بل رجل دنئ يبحث عن
رغباته بطرق ملتوية فكان بإمكانه أن يدمر لها مستقبلها وسمعتها ورغم أن القدر نصفها بالتخلص منه قبل أن يصل لمبتغاه إلا أن ذلك الخوف الذى سكنها منذ ذلك اليوم لم
تستطيع أن تتخلص منه لمحت دلوف والداتها الغرفة التى أقتربت منها تربت عليها بحنان قائلة:
–وبعدين يا سما هتفضلى حابسة نفسك هنا فى أوضتك حتى العيادة مش بتروحيها ليه دا كله يا حبيبتى أنسى بقى يا سما أنتى مش هتعيشى عمرك كله كده
حملقت بها سما بصمت فأقتربت منها تريح رأسها على صدرها فضمتها والداتها تحتويها بين ذراعيها بعطف وحنان فأستطردت قائلة:
–حبيبتى لازم تحاولى تنسى بقى وتشوفى حياتك خلاص أهو غار فى ستين داهية وبعد عنك ثم مش كل الرجالة وحشة زيه
أنتى كنتى شايفة باباكى الله يرحمه كان حنين إزاى يعنى زى ما فى الوحش فيه الحلو برضه أدى نفسك فرصة تطلعى من اللى إنتى فيه ده
زفرت سما بتعب قائلة:
–مش عارفة يا ماما يعنى لما فى واحد لمحلى أنه بيحبنى أفتكرت كل اللى حصل وأتخيلت أنه زيه زى اللى قبله
ضمت والداتها حاجبيها فسما لم تخبرها بهذا الأمر فنظرت إليها قائلة:
–واحد مين ده وحصل إمتى ده مقولتليش يعنى يا سما على الموضوع ده
رفعت سما رأسها عن صدر والداتها وقصت عليها ما حدث بينها وبين أمير وأختتمت حديثها قائلة:
–دا كان فاضل بس شوية وأعوره لما قالى الكلام ده
لم تمنع والداتها ضحكتها على ما تفوهت به ،فتبسمت سما هى الأخرى ومدت يديها تمسح وجهها وهى تزفر قائلة:
–منه لله اللى كان السبب فى أن أنا أعيش كده أشوف أى راجل بيقول كلمة حلوة اتخيل أنه ممكن يتهجم عليا أنا مش عارفة أعمل إيه يا ماما تفتكرى أن لازم أروح أتعالج نفسى
ربتت والداتها على ذراعها قائلة:
–حبيبتى علاجك فى أن تقوى ثقتك بنفسك وتتخطى اللى حصل ده حتى لو عايزة تروحى لدكتور نفسى روحى أنا كلمتك فى الموضوع ده زمان وأنتى رفضتى وكنتى مقفلة على نفسك
يعنى حتى بتروحى العيادة وترجعى البيت مبتخرجيش مع أصحابك ومبترضيش تخرجى معايا لأى مكان كتر القاعدة لوحدك هتسوء من حالتك النفسية مش هتحسنها يا سما
فكرت سما فيما قالته والداتها فهى محقة فلابد أن تبدأ بالخروج من تلك القوقعة التى أغلقتها على ذاتها ، فأومأت برأسها إيماءة خفيفة قائلة:
–حاضر يا ماما هفكر فى كلامك وهحاول أخرج من اللى أنا فيه بس ياريت متصدمش من تانى
جذبتها والداتها إلى أحضانها ثانية تحاول بعث الإطمئنان بنفس إبنتها المضطربة،راجية من الله أن يرشد إبنتها إلى الصواب وأن تتخطى ذلك الأمر المؤسف
_________
تجمهرت عائلة الرافعى أمام باب غرفة العمليات بالمشفى الخاص بجمال فعلم كل أفراد العائلة بما حدث لشهاب من خطف وإصابة بطلق ناري ،ظل عزام يذرع الرواق ذهاباً وإياباً وصوت عصاه تنقر الأرض يتردى صداها بأذن الجالسين وخاصة زوجته التى لم تكف عن البكاء منذ سماع ماحدث لإبنها
أقتربت ميرا من لبنى رابتة على ذراعها بحنان قائلة:
–أهدى يا ماما إن شاء الله خير والرصاصة هتخرج دى فى دراعه مش فى أى مكان تانى الحمد لله
تحاول أن تطمأن والداتها ولكنها هى الأخرى بحاجة لأن تطمئن على شقيقها ،فتلك الكوارث التى تحل على رأسهم تباعاً لا تعرف متى ستنتهى ؟
خرج جمال من غرفة العمليات وجد الجميع يتركون مقاعدهم يقتربون منه فشق عزام الجمع يقترب من شقيقه قائلاً:
–شهاب عامل إيه دلوقتى يا جمال رد عليا
شعر جمال بإرتجاف صوت شقيقه النابع من خوفه المتعاظم بداخله على ما حدث لإبنه فربت جمال على ذراعه قائلاً بإبتسامته الهادئة:
–إهدى يا عزام هو كويس وخرجناله الرصاصة وهو كويس بس علشان هو نزف من دراعه كتير فعلشان كده اغمى عليه لما وصل المستشفى بس الحمد لله شوية وهيفوق ويبقى كويس
ندت عن عزام زفرة إرتياح بعد سماع ما قاله جمال فجلس على أقرب مقعد وصلت إليه قدميه،تهللت أسارير الجميع بعد سماعهم أن شهاب بخير الآن
طفقت ضحى تردد هامسة:
–الحمد لله الحمد لله يارب أنه بقى كويس
أنتبهت على يد ثراء تحيط كتفها قائلة:
–تعالى بقى أقعدى وأرتاحى أعصابك كانت مشدودة على الاخر للدرجة دى بتحبيه
تعمدت ثراء إغاظتها بتلميحها فهى تعلم ما يصيب صديقتها عندما تحمر وجنتيها من الخجل فهى تحاول الترويح عنها بعد تلك الساعات المرهقة التى عاشتها منذ علمها بإختفاء شهاب حتى وصولوهم إلى المشفى
حدجت ثراء زوجها الجالس خافضاً رأسه يضعها بين راحتيه بنظرة إعجاب فهو بعد علمه بما حدث لشهاب لم يتوانى عن تقديم يد المساعدة له ،فتركت ثراء مكانها بجوار ضحى لتقترب من أيسر
جلست بجواره سحبت إحدى يديه من على جانبى رأسه ،فرفع وجهه إليها يطالعها باهتمام ،سمعها تهتف به قائلة:
–حبيبى لو تعبان روح البيت إرتاح وأنا هطمنك على شهاب
أستند أيسر بظهره للمقعد يعتدل بجلسته قائلاً:
–أنا كويس يا حبيبتى مفيش حاجة أنتى لازم تروحى علشان كوكى لوحدها مع الدادة فى البيت وممكن تكون بتعيط دلوقتى
قبل أن تقول ثراء شيئاً،خرج شهاب من غرفة العمليات يستلقى على سرير المشفى المتحرك بمجرد رؤيته تجمع حوله الحاضرين إلا أن جمال أشار إليهم بإلتزام الهدوء قائلاً:
–أهدوا يا جماعة أنا قولتلكم هو كويس بس لسه مش هيفوق دلوقتى فيلا كلكم روحوا أرتاحوا ملهاش لازمة قعدتكم كده وياريت تسمعوا الكلام
رفضوا الإنصراف إلا أن جمال شدد عليهم بضرورة الرحيل على أن يأتوا بوقت لاحق فأخذ كل منهم زوجته وعادوا لمنازلهم عدا عزام ولبنى فضحى أيضاً أرادت أن تظل بجوار شهاب ولكن ثراء أصرت عليها بضرورة نيل قسط من الراحة
أخذ أيسر ثراء ليعودا إلى منزلهم فجلست بالسيارة صامتة فهى حتى غير قادرة على فتح جفونها فتلك الليلة العصيبة جعلت النوم مستعصياً على أعين الجميع ،وصلا للمنزل فترجلا من السيارة ولكن تناهى إلى مسامعهم صوت بكاء صغيرتهم فأسرعوا الخطى للداخل ،فوجدا مليكة تبكى تحاول المربية تهدئتها لتكف عن البكاء
فأقترب منها أيسر قائلا بقلق:
–حبيبتى بتعيطى ليه فى إيه
سمعت الصغيرة صوت أبيها فركضت إليه ترتمى بين ذراعيه فرفعها عن الأرض رابتاً عليها بحنان فهتفت به مليكة قائلة ببكاء:
–بابى أنت ومامى سبتونى وروحتوا فين
جلس أيسر ووضع مليكة على ساقه يضمها إليه فقبلها على رأسها قائلاً بحنان:
–معلش يا روحى كان عندنا مشوار مهم ثم مش كوكى شطورة ومش بتعيط
حركت الصغيرة رأسها بعنف نافية حديث والدها فأستندت برأسها على صدر أبيها قائلة:
–لاء كوكى بتخاف لما بتكون لوحدها
جلست ثراء بجوارهم فأخذت مليكة تضمها إليها فتشبث الصغيرة بعنق والداتها فطوقتها ثراء بذراعيها بحب قائلة:
–حبيبة قلبى متزعليش ويلا علشان تنامى بقى كفاية عليكى كده النهار قرب يطلع
حملت ثراء الصغيرة يتبعها أيسر والمربية فقبل أيسر مليكة قبل ذهابه لغرفتهم ، وضعتها ثراء بفراشها تمسد على رأسها بحنان قائلة:
–يلا يا قلب مامى نامى بقى
زحف النوم لعين الصغيرة سريعاً فكثرة البكاء قد أنهكت قواها وجعلتها تستسلم للنعاس بدون مجادلة، جرت ثراء قدميها بثقل فهى تحمد الله على أن تلك الليلة قد مرت بسلام ،وصلت للغرفة أرتمت على الفراش فندت عنها زفرة هواء قوية قبل أن تعتدل لتخلع حذاءها ،رآت زوجها يخرج من الحمام بعد أنتهاءه من إغتساله فعادت وأستلقت ثانية على الفراش
تنهدت ثراء قائلة بإرهاق:
–حاسة أن عايزة أنام يومين على بعض حتى مش قادرة أقوم اغير هدومى
نزعت عنها حجابها تلقيه على الكومود بجوارها رأت زوجها يستلقى على الفراش هو الآخر ولكن لاحظت صمته
–مالك يا أيسر
قالتها ثراء وهى تمد يدها تدير وجهه إليها فطالعها بصمت لم يدوم طويلاً فزفر قائلاً:
–كنت بفكر فى اللى حصل يعنى لو شوية تأخير كمان كان ممكن شهاب جراله أفظع من كده وده كله برضه بسبب أبوه مش عارف لحد أمتى هنفضل كلنا نعانى من ماضى عزام الرافعى
لم تجد ثراء ما تقوله ،فماذا تقول ؟ فحقاً جميعهم عانوا بشكل أو بأخر من أفعال عمها بماضيه ،فأقتربت منه تتوسد كتفه وباتت تفكر متى ستأتى أيامهم الخالية من الحزن ؟ ،لم يفعل شئ سوى أنه ظل يمسد على رأسها حتى سمع صوت إنتظام أنفاسها ،فقبلها على جبينها ثم أغلق عينيه ليغفو هو الآخر
____________
نجح متولى فى تهدئة ذلك العجوز الذى لا يكف عن التذمر والتبرم مما يفعلونه ،فهو رأى انه من الأفضل مسايرته فيما يريد ،حتى ينجو بنفسه من توبيخه له
هتف متولى من بين أسنانه قائلاً:
–أتفضل يا عم مدبولى عملتلك كوباية الشاى اللى طلبتها
ناوله متولى قدح الشاى ،فأخذه متولى ينظر إليه قبل أن يرفعه لفمه يرتشف منه فطالع متولى قائلا بغرابة :
–غريبة يعنى عملت كوباية الشاى بسرعة النهاردة
إبتسم متولى من بين شفتيه قائلا:
–أصل الصراحة مش عايز أتزهق النهاردة يا عم مدبولى
أحتسى مدبولى من قدح الشاى فعاود النظر لمتولى قائلاً بهدوء:
–قولى يا واد يا متولى أنت باين عليك طيب مش زى الشيطان اللى اسمه عباس ده ايه اللى مخليك ماشى وراه
–علشان أنا حمار يا عم مدبولى
قالها متولى وهو يشعر بالاسف للحال الذى وصل إليه إلا أنه نهض من مكانه فأستوقفه مدبولى قائلاً:
–تعال يا متولى وقولى حكايتك إيه بالظبط وأدينا بنفضفض على ما نشوف الشملول اللى اسمه عباس ده خرج وراح فين بقاله كام يوم بيغطس ومبيقبش إلا أخر النهار قلبى بيقولى أنه بيدبر لمصيبة
أومأ متولى برأسه وهو يفكر هل لاحظ العجوز أيضاً ما يفعله عباس ؟ روى له بداية صداقته بعباس الذى أفضت بالنهاية بذهابه للسجن وخسارته زوجته وأبنائه حتى مكوثهم برفقته
فزفر متولى بقلة حيلة قائلا:
–وأدينا أهو قاعدين يا عم مدبولى حتى كل الأبواب أتقفلت فى وشنا محدش عايز يشغل ناس سوابق وخارجين من السجن
حك مدبولى جبهته وضيق ما بين عينيه فظهرت تجاعيد وجهه بوضوح فتمتم قائلاً:
–مش لاقين شغل أومال الواد عباس قال أنه لقى شغل ليه علشان كده بيتأخر كل يوم هو بيضحك عليا
عندما فتح متولى فمه لسؤاله عما يقول وجد عباس يولج الشقة فهتف بصوت جهورى:
–أنتوا أكلتوا ولا لسه أنا واقع من الجوع
حدق به مدبولى قائلاً:
–همك على بطنك على طول عملت إيه فى الشغل النهاردة يا عباس
حول عباس بصره سريعاً لمتولى الذى يطالعه بغرابة فهو لم يخبره بشأن العثور على عمل،فهو يوهم العجوز بهذا الكلام حتى يستطيع الخروج من المنزل بدون أن يستقصى عما يفعله
أزدرد عباس لعابه يهتف بصوت هادئ:
–كويس يا عم مدبولى
وضع متولى يده أسفل فكه قائلاً:
–مبروك يا عباس مقولتليش يعنى أنك لقيت شغل
غمزه عباس بعينيه أن يكف عن طرح الأسئلة الآن، رأى مدبولى يولج لغرفته فأرتمى عباس على المقعد المقابل لمتولى فهتف بضيق:
–فى إيه يا متولى طب أنا بقوله كده علشان ميوجعش دماغى أنا لا لقيت شغل ولا نيلة
صح ظن متولى فهو يعلم أن عباس يخطط لأمر ما منذ سماعه يتحدث بشأن خطف فتاة صغيرة ،ولكنه لم يشأ أن يكتشف معرفته بهذا الأمر الآن ؟ فترك متولى مكانه يتجه نحو المطبخ ،أسرع عباس فى الولوج للغرفة وأخرج هاتفه، جاءه الرد على الطرف الآخر قائلا:
–أيوة يا عباس أنت بقالك فترة يعنى مببتصلش أنت صرفت نظر عن الموضوع ولا إيه
رد عباس قائلاً:
–لاء مصرفتش نظر ولا حاجة بس دلوقتى فى حراسة على البيت وحراسة ماشية ورا البت وأمها ودى مش اى حراسة دا ممشى وراهم جيش حرس يعنى لو فكرنا بس نقرب منها هيقتلونا فى ثانية
–طب وهنعمل إيه ولا خلاص كده نفكنا من الموضوع ده بقى وخلاص ومنوجعش دماغنا
هكذا رد الرجل الآخر على عباس ، حك رأسه بتفكير قائلا:
–هو فى فرصة قدامنا بس اللى يعرف يستغلها كويس
هتف الرجل متسائلاً:
–وفرصة إيه دى يا عباس قولى عليها
أفتر ثغر عباس عن ابتسامة قائلا:
–عرفت أن أبو البت هيفتتح مستشفى وعامل حفلة إفتتاح كبيرة أوى وأكيد هيبقى فى ناس كتير وهتبقى هيصة لو عرفنا نأخد البت والكل مشغول تبقى دى فرصتنا وأنا هقولك نعمل إيه
أخبر عباس الرجل بالخطة التى وضعها من أجل خطف مليكة بالتزامن مع إفتتاح أيسر المشفى ،ظلا وقتاً طويلاً يتحدثان عبر الهاتف حتى لا ينسى شيئاً مما يريد أن يفعله
_________
فتح شهاب عينيه ببطئ بعد سماع صوت بكاء والدته الجالسة على المقعد بجوار الفراش ممسكة بيده تارة وتمسد على رأسه بحنان تارة أخرى
دمدم شهاب بصوت منخفض:
–ماما هو أنا فين
أبتسمت لبنى من بين دموعها قائلة:
–حمد الله على سلامتك يا شهاب ،أنت دلوقتى فى المستشفى قدر ولطف يا حبيبى
أقترب عزام بعد سماع صوت شهاب فأنحنى بجزعه قليلاً للأمام قائلاً:
–شهاب أنت كويس يا إبنى
أعتدل شهاب بجلسته وهو يجيب والده قائلاً:
–الحمد لله يا بابا أنا كويس متقلقوش
نظر شهاب لذراعه المصاب وللضماد الأبيض حوله فأرتد برأسه قائلاً:
–هى ضحى فين أنا أخر حاجة فاكرها أنها كانت جمبى فى العربية هى راحت فين
ربتت لبنى على كتفه بحنان قائلة:
–هى كانت هنا بس روحت ترتاح شوية هى مكنتش عايزة تمشى بس عمك جمال مسمحش لحد يفضل هنا غيرى أنا وباباك وكلهم زمانهم جايين يطمنوا عليك دلوقتى
جلس عزام على طرف الفراش يحدق بشهاب بإهتمام فهتف قائلا:
–هى كانت مين الست اللى خطفتك دى يا شهاب
ندت عنه زفرة قوية قبل أن يقول:
–كانت أخت سيرين نصار
أخترقت جملته مسامع والديه فرفعت لبنى وجهها تطالع زوجها الذى ضم حاجبيه بدهشة مما يسمعه فهتف بصوت مذهول:
–أخت سيرين هى سيرين كان ليها أخوات تانين غير شريف أنا أول مرة أسمع الكلام ده
غرز شهاب أصابعه بشعره يغمغم بصوت منخفض:
–هو ده اللى عرفته وكمان قالتلى أن سيرين وأخوها أنتحروا فى السجن بجد الكلام ده يا بابا
نقر عزام الأرض بعصاه قائلاً بهدوء:
–أيوة يا شهاب هم فعلا ماتوا وأنا عرفت بس مقولتش لحد الظروف اللى كنا فيها مكنتش مخليانى أفكر فى حاجة تانية غير العيلة اللى أنا دمرتها
يبحث عن الراحة ولا يجد لها سبيل، فهل آثامه وذنوبه هى من تحول بينه وبين راحته وراحة ضميره الذى بمجرد النظر لأى فرد من أفراد عائلته يعود إليه مأنباً
ألتفتوا برؤوسهم بعد سماعهم تلك الطرقات المهذبة ،فتهللت أسارير شهاب بعد رؤيته ضحى تقف على الباب ،فتقدمت خطوتين قائلة بخجل:
–السلام عليكم
رد الجميع التحية فاشارت لها لبنى بالدخول قائلة:
–تعالى يا ضحى أقعدى أنتى جنبه علشان عايزة أرتاح شوية
قالتها لبنى ممازحة وهى تهم بمغادرة الغرفة برفقة زوجها ،اقتربت ضحى قليلا من الفراش تفرك يدها بتوتر قائلة:
–أنت عامل إيه دلوقتى كويس
شقت إبتسامة واسعة شفتيه من رؤية وجهها التى أعتلت قسماته ملامح الخجل فرد قائلاً:
–أنا كويس وبقيت كويس لما شوفتك يا ضحى وبحمد ربنا أنك كنتى السبب فى أن أيسر يلحقني وإلا كان زمانى المرحوم دلوقتى بدل ما كنت أدخل دنيا كنت هدخل الاخرة
–بعد الشر عليك يا شهاب
قالتها ضحى وخفضت وجهها سريعاً تحملق بالأرض فهى تريد الفرار الآن،فهى تحمد الله على نجاته ،سحبت مقعد تجلس عليه يبعد قليلاً عن السرير فظلت تثرثر معه بمرح ، فهو لا يريد أن يمر الوقت وتذهب فهو يريدها أن تظل جالسة معه تحدثه عن كل شئ وعن أى شئ فهو سعيد برؤيتها وهى تمزح معه مثلما كانت تفعل بالسابق عندما كانت لا تكف عن مشاكسته
__________
نقر أمير مقود السيارة بأصابعه وهو مازال جالساً بالسيارة منذ ما يقارب العشر دقائق ،تتقاذفه رغبته فى أن يترجل من السيارة ويلج للعيادة لكى يراها وبين أن يدير المحرك ينطلق بها يعود إلى منزله
تأفف بصوت مسموع قائلاً:
–وبعدين أدخل ولا ما أدخلش أنا حاسس أنها لو شافت وشى المرة دى هتطلبى البوليس أنا مش عارف إيه حظى ده
أستند برأسه على المقود يحاول إستجماع شجاعته فوجد نفسه يفتح الباب المجاور له يترجل من السيارة قبل أن يلح عليه عقله بالرحيل
ولج للداخل أقترب من مكتب الممرضة قائلاً بهدوء:
–أنا كان معايا ميعاد مع الدكتورة النهاردة بخصوص الحشو النهائى
إبتسمت الممرضة بهدوء قائلة:
–أتفضل حضرتك أدخل الدكتورة سما حالياً فاضية مفيش حد معاها جوا
أغلق أمير أزرار سترته يتأهب للدخول فدمدم هامساً:
–حتى مفيش حد يلحقني لو هى أتهورت وعورتنى
إبتسم أمير على ما همس به لنفسه ومن تخيله هجوم سما عليه ولكن تلك المرة بألة أكثر حدة ،طرق الباب بتهذيب ليستمع لصوتها تأذن له بالدخول
فتح الباب ليلج بخطى ثابتة قائلاً:
–أنا جيت يا دكتورة سما
تركت سما القلم من يدها ،تستند بمرفقيها على حافة المكتب تشير له بيدها قائلة بهدوء:
–أهلا يا أستاذ أتفضل أنت كنت جاى علشان نعمل الحشو النهائى مش كده
–لاء مكنتش جاى علشان كده يا دكتور سما
هتف بها أمير وهو مازال واقفاً بمنتصف الغرفة فزفرت سما قائلة:
–أومال جاى ليه وعايز إيه علشان أنا مش عايزة اسمع كلام فاضى زى اللى قولته المرة اللى فاتت لأن المرة دى هطلبلك البوليس يا أما مستشفى المجانين
تقدم أمير بخطواته حتى جلس على المقعد أمام مكتبها فأستندت هى على مقعدها فالمكتب صغير وأصبحت تشعر بضألة حجمه وخاصة عندما جلس هو أمامها على الطرف الآخر كأن كل شئ أصبح يضيق عليها الخناق
حدق بها أمير حتى شعرت بالحرج وخفضت بصرها فبادر بالقول:
–أولاً أنا أسف على اللى حصل المرة اللى فاتت مكنش قصدى أضايقك أو أخوفك بس والله ما كان قصدى حاجة وحشة أنا بجد حاسس أن مشدود ليكى ليه أو إزاى مش عارف بس من ساعة ما شوفتك مبطلتش تفكير فيكى وعايزك بس تدينى فرصة أثبتلك حسن نيتى
ازدردت سما لعابها حتى شعرت بجفاف حلقها من ذلك الخجل الذى جعلها تشعر بتوهج بمسام وجهها فرفعت يدها تحك جبهتها التى تشعر بتعرقها فغمغمت قائلة:
–وأنت عايز تثبت حسن نيتك إزاى يعنى
رد أمير قائلاً:
–أن أجى أطلب إيدك من مامتك أنا مش هكدب عليكى أو اغشك أنا عرفت عنك كل حاجة حتى خطوبتك اللى كانت قبل كده
أتسعت حدقتيها بعد سماع ما تفوه به فشدت على أصابعها تحاول أن تهدأ من فوران دماءها بعروقها فهتفت متصنعة الهدوء:
–أه وعرفت إيه عنى تانى عرفت أن انا بقى عندى رهاب من أى راجل بسبب أن خطيبى الندل كان عايز يعتدى عليا وجابلى عقدة
صح ظنه الآن ،فمنذ المرة الماضية عندما رأى هجومها المفاجئ عليه،علم أن ربما السبب بتصرفها العدوانى حادث أليم ترك اثره بنفسها
أومأ أمير برأسه قائلاً:
–أنا خمنت كده لما لقيتك اتعصبتى جامد وخوفتى منى بس عايز أقولك أن أنا مش زيه أو كلنا مش زى بعض هى صوابعك كلها زى بعضها زى ما فى الوحش فى الحلو
عقدت سما حاجبيها فهو يتحدث مثل والداتها إلا أنها أستطاعت القول:
–وأنت عايز تقنعنى أنك من مرتين شوفتنى فيهم انك معجب بيا وعايز تتجوزنى
إبتسم أمير قائلاً:
–مسمعتيش عن الحب من أول نظرة يا دكتورة سما مع أن باللى عملتيه المرة اللى فاتت كان لازم اصرف نظر قبل ما تطيرى رقبتى المرة دى
أفلتت منها ضحكة على وصفه لها فخفضت رأسها وهى تتمتم قائلة:
–هو أنا كنت شريرة أوى كده ما علينا لو اللى أنت بتقوله ده صح أو أنت معجب بيا وبتقول عرفت عنى كل حاجة ممكن تقدر تكلم ماما مبدأياً معنديش مانع وهنعمل خطوبة علشان أدرس أخلاقك لقيتك زى اللى قبلك يبقى متلومنيش على اللى هعمله فيك
لاتعرف من أين أتتها هذه الجرأة ؟أن تجلس معه وتحاوره وتخبره بشأن موافقتها المبدأية فربما أصاب عقلها الجنون ولكن لن تستطيع إيهام نفسها أكثر من ذلك فمن يجلس أمامها الآن لا يمت بصلة لذلك الشخص القمئ الذى كان يسمى خطيبها ،فربما هو فرصتها المنتظرة للتخلص من خوفها وجبنها وأن تعود لحياتها من جديد
_________
فتحت ثراء غرفة إبنتها لتبحث عن أيسر فهى لاحظت أختفاؤه منذ عودتهم من المشفى بعد زيارة شهاب ،وجدت مليكة تغط بنوم عميق ولكنه ليس بالغرفة فتمتمت بغرابة:
–هو أيسر راح فين حتى مش هنا فى أوضة مليكة ولا حتى فى أوضتنا راح فين
أغلقت الباب ثانية فهبطت الدرج حتى وصلت للطابق السفلى ولكنها لم تجده ،استبد بها القلق فخرجت للحديقة تفتش عنه حتى وصلت لحظيرة الخيول وجدته يستند على السياج الخشبي يداعب جواده المفضل
فأقتربت منه تهتف بصوت هادئ:
–أيسر أنت موجود هنا وأنا عمالة أدور عليك جوا
أستدار أيسر برأسه إليها بعد سماع صوتها فرد قائلا:
–قولت أنزل أشوف رهوان بقالى كام يوم كنت مشغول عنه كنتى بتدورى عليا فى حاجة
وقفت بجواره وأستندت بذراعيها على السياج فتبسمت قائلة:
–لاء مفيش حاجة بلاش يعنى أدور عليك
فتح الباب الخشبى للسياج أخذها من يدها ووقف بجوار" رهوان" فحملها ووضعها على ظهر الجواد وقفز يجلس خلفها سار بروية فأنكمشت بين ذراعيه وجدته يهمس بأذنها قائلاً:
–ثراء قوليلى الخمس سنين اللى بعدتى فيهم عنى كنتى بتعملى إيه أو بتقضى يومك إزاى
رغم تعجبها من سؤاله إلا أنها قصت عليه ما فعلته بتلك الاعوام الخمس الماضية فبدأت حديثها قائلة:
–كانوا أصعب خمس سنين فى عمرى كله لما أعيش متعذبة بحبك وفى نفس الوقت عايزة أنساك وأكتشفت كمان حملى فى مليكة مكنتش مصدقة أن بالرغم من أن حاولت أهرب منك وأبعد عنك ألاقى نفسى شايلة حتة منك زى ما يكون القدر بيقولى ريحى دماغك مش هتقدرى تنسيه أو تشليه من قلبك لدرجة أن روحت أتعالج علاج نفسى تخيل كده كنت بدور على أى حاجة أنساك بيها ومكنتش لاقية زى اللى بتلف فى دايرة مقفولة ألف وأرجع لنفس نقطة البداية من تانى أنت زى ما قولتلك يا أيسر بدايتى ونهايتى ،بس لما ولدت مليكة ولما كنت أبص فى عينيها وأشوفك فيهم كنت أفضل أحضنها وأضمها جامد وقلبى يفضل ينادى بإسمك كنت عاملة نفسى شجاعة وأن نسيتك وكل اللى حواليا واخدنى على قد عقلى لأنهم كانوا عارفين أن لسه بحبك ، كتير كنت بسأل نفسى أنا ليه بحبك اوى كده أو ليه متعلقة بيك بس تصدق مش لاقية جواب على سؤالى ده غير أنك فى عينيا مش زى أى حد ولا فى حد ينافسك
مد يده يداعب وجنتها قائلا :
–أنا بقى كنت عايش بكلم نفسى ،ويوم فرح أخوكى حسام لما باباكى ومامتك شافوا صافى وأضايقوا منى جيت البيت هنا وكنت بفكر أغرق نفسى فى حمام السباحة
أرتجف بدنها بعد سماع ما قاله هو وصل به الأمر للتفكير بالانتحار فهتفت بذهول:
–كنت عايز تنتحر يا أيسر معقولة الكلام ده
أومأ أيسر برأسه فندت عنه زفرة قوية قائلاً:
–فى الوقت ده كان كل حاجة أسودت فى عينيا محدش راضى يسمعنى وأنتى سبتينى ومكنتش قادر أستحمل وجع قلبى بس فى أخر دقيقة رجعت لعقلى وأستغفرت ربنا بس الحمد لله دلوقتى أنتى رجعتيلى وكمان بقى عندى بنت منك يا حبيبتى
أغمضت ثراء عينيها تتذكر بأسف سنوات أضاعتها من عمرها وعمره فردت قائلة:
–إحنا الاتنين أتعذبنا جامد بس خلاص وقت العذاب أنتهى وأوقاتنا الحلوة هى اللى جاية
همس بأذنها قائلاً:
–أنتى أحلى ما فى العمر يلا علشان نطلع ننام بكرة إفتتاح المستشفى
طوق كتفها وهى تسير بجواره يدنيها من قلبه فكم يهفو هو إليها الآن ، وصلا لغرفتهم فأشتدت عواصف قلبه نابضاً بتناغم مع صوت دقات قلبها المتلاحقة التى تكاد تنهى أنفاسها
نسيم الحب ،وعناق دافئ ،وأريج الزهور ،ورائحتها العبقة جعلوا عقله يستكين ،ليهدر قلبه بطوفان العشق الذى جرف معه كل آلامهم وأحزانهم ،لتشرق شمس السعادة من خلف غيوم التعاسة، تلقى بنورها على نهر الحب الصافى الذى نبتت على ضفافه ورود الغرام ،يفوح منها عطر الأشواق والمحبة
فى صباح اليوم التالى....
وقف أيسر أمام قبر والداته تقف بجواره ثراء وهى ممسكة بيد مليكة ،رفع يده يدعو الله لها بالرحمة والمغفرة ولكن لم يمنع تلك الدموع التى أنزلقت من عينيه ،فرفعت ثراء يدها تربت على ذراعه قائلة:
–الله يرحمها ويغفر لها ويسكنها فسيح جناته
مسح براحتيه على وجهه قائلا:
–اللهم أمين يارب العالمين دى وحشتنى أوى يا ثراء كان نفسى أقدر أعملها حاجة وهى عايشة كان نفسى أخفف عنها الحزن اللى عاشت عمرها كله فيه بس ملحقتش ملحقتش يا ثراء
قضم شفتيه ليوقف إرتجافها فحدقت به ثراء مشفقة على تلك الحالة التى أنتابته منذ مجيئهم لزيارة قبر والداته ،فتلك هى المرة الأولى التى تراه بهذا الضعف أو ترى دموعه
أخذت يديه بين يديها قائلة بحنان:
–حبيبى إهدى ربنا عايز كده ومتفضلش تلوم نفسك لأن أنت مكنش بإيدك حاجة واللى كنت تقدر عليه عملته بس أمر الله نافذ
أقتربت مليكة منه ترفع ذراعيها قائلة:
–بابى شيلنى
حمل الصغيرة على ذراعه فمدت يدها الرقيقة تمسح دموعه من على وجنتيه مستطردة بإبتسامة:
–بابى مش تعيط خد الشيكولاتة دى ومتعيطش
أخرجت قطعة الشيكولاتة من جيبها تلوح بها أمام وجهه فإبتسم أيسر رغما عنه فطوقها بذراعيه يشدد من ضمها له يقبلها على وجنتيها قائلا:
–حبيبة قلب بابى أنتى أنتوا أغلى ما فى حياتى كلها
أخذ زوجته وطفلته وهو يرمق القبر بنظرة أخيرة قبل أن يدير عجلة القيادة ينطلق بالسيارة فاليوم يوم إفتتاح المشفى
ترجل أيسر من السيارة تتبعه ثراء ومليكة ،فوجدوا عدد لا بأس به من الحضور منهم أطباء وممرضات والعاملين بالمشفى
ركضت مليكة قائلة بصياح:
–جدو
أرتمت بين ذراعى جمال فرفعها عن الأرض يقبلها على وجنتيها قائلاً:
–حبيبة جدو يا كوكى
أقتربت ثراء منه قائلاً:
–بابا أنت جيت لوحدك فين ماما وحسام وميرا وريان
لمحت ثراء خروج باقى أفراد العائلة من الداخل فجميعهم أصروا على الحضور فى هذا اليوم الهام
نظر جمال لأيسر قائلاً:
–المحافظ زمانه على وصول دلوقتى وأنا أطمنت على كل حاجة فاضل بس الإفتتاح
–وليه تتعبوا المحافظ ما أفتتحها أنا هو أنا هقولكم لاء يعنى
قالها حسام متفكهاً كعادته ،فوكزته ميرا بكتفه قائلة:
–بطل خفة دمك النهاردة يا حسام أحسن يتقبض علينا يا حبيبى
علت أصوات الضحكات التى ملأت افواه الجميع على مزاح حسام وميرا،دقائق ووصل المحافظ تتبع سيارته موكب من الحراسات، تقدم منه جمال مصافحاً له يتبعه أيسر يعرب عن إمتنانه لحضوره ،تم قص الشريط وصفق الجميع وولجوا للداخل يتفقدوا المشفى والأجهزة الطبية وكافة الاستعدادات اللازمة لاستقبال المرضى
ركضت مليكة مع بعض الصغار بالرواق ولكن وجدت نفسها تصطدم برجل لا تعرفه فرفعت رأسها قائلة:
–أنت خبطتنى جامد قولى أسف علشان أسامحك
ارتسمت إبتسامة على ثغره ،فأنحنى إليها قليلاً يمسد على رأسها فوجد عقد يتدلى من عنقها يحمل إسمها فرفعه بين أصابعه يتأمله فهتف قائلاً:
–أنتى بقى مليكة
سر غائب
البارت السادس والعشرون
ارتسمت إبتسامة على ثغره ،فأنحنى إليها قليلاً يمسد على رأسها فوجد عقد يتدلى من عنقها يحمل إسمها فرفعه بين أصابعه يتأمله فهتف قائلاً:
–أنتى بقى مليكة
إبتسمت الصغيرة قائلة :
–أيوة أنا مليكة أنت مين بقى يا عمو
أستدار أيسر برأسه للخلف ليرى صغيرته فوجدها تتحدث مع رجل غريب لم يراه من قبل فأسرع الخطى إليهم قائلاً:
–مليكة
سمعت الصغيرة نداء أبيها فالتفتت إليه تلوح له بيدها أقترب منهم قبض على كتف الصغيرة يقربها منه فتشبثت بساقه تنظر إليه بوداعة
حدق أيسر بوجه ذلك الرجل الذى مازال جالساً القرفصاء فهتف به بصوت صارم:
–أنت مين وعايز إيه من بنتى
سكنت الريبة بداخله فما يحدث لهم بتلك الآونة الأخيرة جعله يخاف من أن يصيب إبنته أو زوجته أى مكروه أو سوء
إستقام الرجل بوقفته ومازال يبتسم للصغيرة قائلا:
–متقلقش يا دكتور أيسر أنا طارق سعد رائد بمديرية أمن القاهرة
أخرج طارق هويته الخاصة به وناولها لأيسر ،فدقق أيسر النظر بها ثم أعادها إليه فسأله بقلق:
–أهلا حضرتك بس كنت عايز إيه من بنتى
همس له طارق بصوت منخفض قائلاً:
–دكتور أيسر لو سمحت كنت عايز اتكلم معاك فى أمر ضرورى على إنفراد
أومأ أيسر برأسه موافقاً فنادى على ثراء لأخذ مليكة أشار أيسر لطارق بأن يتقدمه إلى غرفة جانبية خاصة بالأطباء ،فجلس خلف إحدى المكاتب الموضوعة بالغرفة وجلس طارق على المقعد أمام المكتب
أظهر طارق بعض اللطف قبل أن يقول:
–هو الموضوع أن بنت حضرتك فى حد مخطط لخطفها النهاردة من المستشفى هنا
أنتفض أيسر بعد سماع ما قاله طارق فصرخ بصوت جهورى:
–إيه بنتى أنا هتتخطف وإزاى وليه ومين اللى عايز يعمل كده
ترك مكانه مسرعاً يريد الخروج من الغرفة فأستوقفه طارق وهو يقول:
–دكتور أيسر أهدى حضرتك مش كده وخلينى أكمل كلامى
ألتفت أيسر برأسه إليه ويده على مقبض الباب فهتف بإستنكار :
–أنت عايزنى أهدى وأنا عرفت أن بنتى هتتخطف أنت بتتكلم إزاى
سحبه طارق من مرفقه يديره إليه قائلاً بصوت رزين:
–مقدر قلقك وخوفك على بنتك بس متقلقش أنا مأمن المستشفى كلها أنا بس عايز حضرتك تتصرف بشكل طبيعى علشان أقدر أقبض على اللى هيعملوا كده صدقنى بنتك هتبقى فى أمان وأنا قولتلك وعرفتك علشان تساعدنى لأن لو المجرم اخد باله أنه أنكشف هيهرب وأكيد هيحاول يخطفها تانى وجايز المرة الجاية ينجح فى خطفه ليها فخلينا ننهى الموضوع ده النهاردة علشان حضرتك تبقى مطمن
كيف له بأن يهدأ باله وهو علم بشأن من يريد السوء بصغيرته التى إذا حدث لها شئ سيئ ،فهو لن يرحم من سيفعل ذلك ،فكل العالم بكفة وزوجته وطفلته بكفة أخرى فهو على إستعداد أن يتخلى عن ذوقه وكياسته وتهذيبه من أجلهن من أجل جواهره الغالية
أزدرد أيسر لعابه بخوف ولكنه رأى أنه من الأفضل أن يستمع له فرد قائلاً:
–وإيه المطلوب منى دلوقتى، بس يا حضرة الظابط لو بنتى جرالها حاجة أنا عندى إستعداد أن أهد الدنيا دى على دماغ اللى هيعملها بس عندى سؤال أنت عرفت إزاى أن فى حد عايز يخطف بنتى
–اقعد يا دكتور أيسر وهحكيلك على كل حاجة
قالها طارق وهو يشير له بالجلوس ليتسنى له إخباره بكل ماحدث فأستطرد قائلاً:
–الموضوع كله حصل لما فى واحد جه إمبارح المديرية يقدم بلاغ أن فى واحد إسمه عباس ناوى يخطف بنتك النهاردة وعامل خطة أن يخطفها أثناء حفلة الإفتتاح اللى قدم البلاغ ده إسمه متولى هو عايش هو وعباس فى بيت واحد وعرف ان عباس متفق مع واحد تانى علشان يخطفوا مليكة واللى عرفته كمان إن عباس ده بيكرهك من زمان وأنهم أتحبسوا بسببك
قطب أيسر حاجبيه بدهشة قائلاً:
–عباس ومتولى هم ممكن يكونوا دول اللى أتحبسوا فى قضية خطف ثراء مراتى زمان حتى عباس ده ضربنى برصاصة قبل كده ،معقولة يكون هو
إستند طارق بمرفقيه على ساقيه ينحنى للأمام قائلاً:
–هو فعلا متولى حكالى على كل حاجة بس لما خرجوا من السجن عباس حب يرجع يشتغل شغل السرقة والخطف بتاعه ده تانى بس متولى الظاهر عليه أنه تاب بدليل أن هو اللى جه وبلغ عنه بعد ما عرف وسمع كل حاجة وطبعاً يا دكتور أيسر حضرتك رجل أعمال معروف وموضوع خطف أولاد الناس الاغنيا ده بيحصل كتير علشان طلب الفدية وأنا طبعاً أمنت الحفلة من غير ما حضرتك تعرف وقولتلك دلوقتى علشان تساعدنى أقبض عليه ولو سمحت مش عايز حد غيرك يعرف وخلى كل حاجة تمشى طبيعى هو أكيد موجود هنا دلوقتى ومراقب بنتك وكل تحركاتها بس برضه إحنا عينينا عليها وأى حاجة تحصل هنقبض عليه فوراً فعايز تتصرف بشكل طبيعى علشان محدش يشك فى حاجة وكويس أن المحافظ والحراسة بتاعته مشيوا علشان كان ممكن الموضوع يكبر وتبقى شوشرة جامدة فحضرتك يلا بينا نخرج وأتصرف بشكل طبيعى
غرز أيسر أصابعه بشعره يشد عليه حتى شعر بألم وظل صدره يعلو ويهبط بغضب وخوف فماذا سيحدث له أو لزوجته إذا نجح مخطط عباس فى خطف مليكة؟ ، أو كيف سيواجه ثراء ؟
____________
وضعت لبنى ذلك الوشاح باللون الأبيض على رأسها ،كأنها تمهد بذلك لإرتدائها الحجاب بشكل فعلى ،أخذت حقيبتها وخرجت من غرفة نومها ،هبطت درجات السلم بتأنى حتى وصلت إلى غرفة مكتب زوجها ،دقت الباب دقات متتالية حتى سمعت صوته من الداخل أدارت المقبض وولجت الغرفة بإبتسامة ،بادلها إياها عزام وهو يرى زوجته قد تغيرت طباعها المتعجرفة تغيراً جذرياً
حدق بها عزام بإهتمام قائلاً:
–خير يالبنى عايزة حاجة ولابسة وراحة فين كده
تدلى ذراعها تقبض على طرف حقيبتها قائلة بهدوء:
–كنت جاية أقولك أن أنا هروح أشوف ضحى فى المحل بتاعها
لم يمنع القلق من أن تظهر بوادره على وجهه فلماذا تريد الذهاب لرؤية عروس إبنها اليوم؟ فهتف قائلا:
لبنى..!!
علمت بما يظن فأقتربت تجلس على المقعد أمام المكتب فأنفرجت شفتيها بإبتسامة ولكن لا تنكر شعورها بالسوء لظنه أنها تريد مقابلة ضحى لأمر سيئ أو أن تفتعل معها بعض المشاحنات التى لم تكن تكف عن إثارتها مع من حولها
أزدردت لعابها بخفة قائلة:
–متخافش يا عزام أنا رايحة أزورها عادى وكمان ميرا قالتلى أنها بتعمل لبس محجبات حلو فكنت عايزة أشوفه بس هو للدرجة دى مش واثق أن أنا أتغيرت يا عزام ومفكر أن أنا رايحة أضايقها
شعر عزام بالحرج من سوء ظنه فبادر بالقول:
–لاء يا لبنى مش قصدى أنا بس كنت عايز أعرف رايحالها ليه بس وعلى العموم متزعليش منى لو كنت ضايقتك من غير قصد
كمن كانت ترتدى غمامة سوداء على عينيها لم تجعلها ترى الأمور من البداية بمنطق سوى وانغمست بحياتها الرغيدة فهى تعلم أنها سبب أساسى لأفعال زوجها بحقها فهى لو كانت أعطته الحب والاهتمام الكافى ربما لم يكن فعل ما فعله من زيجات بالخفاء وأمور مشينة لاهثاً خلف البحث عن الحب الذى كان من المفترض أن تكون هى منبعه، ولكنها تراه اليوم من منظور الاحترام فعزام الذى لم يحاول يوماً تبرير قول أو فعل لها تراه يبدى أسفه وأعتذاره إذا جعلها تشعر بالضيق
تركت مقعدها تومأ برأسها إيماءة خفيفة قائلة:
–مش زعلانة منك يا عزام وسلام بقى علشان الحق مشوارى
خرجت من غرفة المكتب وصلت لحديقة القصر وجدت السائق ينتظرها بجوار السيارة فتح لها الباب الخلفى ،فأتخذت مقعدها وأخذ هو مقعده خلف المقود ينطلق بالسيارة حيثما أخبرته
وصلا أمام المتجر الخاص بضحى فترجل السائق يفتح الباب قائلاً بأدب جم:
–أتفضلى يا لبنى هانم وصلنا حضرتك
ترجلت لبنى من السيارة ترمقعه بإبتسامة وولجت للداخل تقدمت من الفتاة التى تعمل لدى ضحى قائلة:
–هى ضحى موجودة
إبتسمت الفتاة قائلة:
–أيوة حضرتك عيزاها بخصوص فستان عادى ولا سهرة ولا إيه
خلعت لبنى نظارتها الشمسية قائلة بإبتسامة:
–قوليلها بس لبنى الرافعى حماتك
رحبت الفتاة بها قائلة:
–أهلا وسهلا بحضرتك مكنتش أعرف أنك حماة الانسة ضحى أتفضلى حضرتك تحبى تشربى إيه
ردت لبنى بهدوء:
–لو فنجان قهوة مظبوط يبقى تمام
قالتها لبنى وهى تكمل سيرها حتى وصلت غرفة مكتب ضحى دقت الباب وولجت بسرعة وجدت ضحى منكبة على مكتبها تراجع بعض الأوراق
–أزيك يا ضحى
قالتها لبنى وهى تتقدم بخطواتها فرفعت ضحى رأسها فهبت واقفة مكانها قائلة بترحيب:
–أهلا وسهلا بحضرتك أتفضلى إيه النور ده
أقتربت منها ضحى بتردد فوجدتها تقترب منها تقبلها على وجنتيها تربت على ذراعيها بحنان ،أشارت إليها بالجلوس وزاد فضولها لمعرفة سبب زيارتها لها
رأت لبنى ملامح القلق عليها التى رأتها على وجه زوجها قبل المجئ فحاولت أن تلطف ذلك الجو المشحون بالقلق فهتفت بصوت رزين:
–وحشتينى قولت أجى أشوفك وكمان علشان كنت جاية أشوف موديلات المحجبات الجديدة اللى عندك
أقتربت ضحى من الكاتالوج الموضوع على مكتبها فأخذته وناولتها إياه قائلة ببشاشة:
–أتفضلى حضرتك أتفرجى على اللى هيعجبك يا لبنى هانم
إبتسمت لبنى قائلة:
–إيه حضرتك ولبنى هانم دى أنا أبقى مامت جوزك دلوقتى لو تحبى ممكن تقوليلى يا ماما
زفرت ضحى براحة من لطافتها معها بالحديث فأطرقت برأسها خجلاً قائلة:
–حاضر
مدت لبنى يدها ترفع وجهها تتفرس بملامحها الرقيقة فخفضت يدها تربت بها على يديها المضموتين فتبسمت قائلة:
–أنا برضة مجتش النهاردة علشان أشوف لبس المحجبات بس، أنا جيت علشان كنت عايزة أقولك كلمتين يا ضحى
أنصتت إليها بإهتمام فعقبت لبنى قائلة:
–أنا جاية أقولك أن عيزاكى تحبى إبنى وتهتمى بيه خليه دايما نمرة واحد فى حياتك ولما تخلفى متنشغليش عنهم خليهم هم أهم حاجة فى حياتك قبل أى حاجة تانية ومتتغريش بمظاهر الدنيا اللى ممكن تضيع منك أقرب الناس مش عيزاكى تغلطى غلطتى يا ضحى لما انا أنشغلت عن جوزى وولادى وكانت النتيجة إيه ضيعتهم من إيدى زمان وجيت ندمت دلوقتى فمش عيزاكى تندمى ،شهاب إبنى ممكن يكون عملى شوية وبيحب شغله بس فى نفس الوقت راجل زى أى راجل بيدور على السعادة مع واحدة تفهمه وتقدر تسعده أنا سعيدة أن ميرا لقيت الحب اللى كانت بتدور عليه وسعيدة أكتر إن شهاب هو كمان لقاكى أنتى بنت جميلة ومحترمة وهتحافظ عليه وعلى بيته أنا بس حبيت أنصحك النصيحة دى علشان أنا مريت بتجربة أتمنى ان محدش يجربها أبدا لما يلاقى فجأة أن الدنيا كلها فضيت من حوليه فخلى بالك من إبنى يا ضحى
إستمعت ضحى لكل كلمة قالتها بأهتمام بالغ وأعطتها عهداً بالحفاظ على تلك النصيحة التى نصحتها إياها فهى أيضاً لاتريد سوى أن تسعد بحياتها مع زوجها
___________
منذ سماعه بموافقتها على خطبته لها والإبتسامة أصبحت لا تفارقه فاليوم هو اليوم الموعود بذهابه لخطبتها ولج لغرفة ثيابه لينتقى منها ما يناسبه وقع إختياره على قميص أزرق فاتح اللون وبنطال باللون الأسود تأكد من حسن مظهره بعد تمشيط شعره ووضع عطره المفضل
هبط الدرج بخطوات سريعة قائلاً بحماس:
–بابا ماما يلا بينا خلاص خلصت
نظرت إليه سوزان بتقييم قائلة بإعجاب:
–إيه الشياكة والوسامة دى كلها يا أمير
إبتسم أمير من إطراء والدته له فهتف ممازحاً:
–يارب بس يا ماما الموضوع يعدى على خير وميجراش حاجة تانى علشان المرة دى لو حصل حاجة خلاص هعيش عازب ومش هتجوز ولا هفكر فى الجواز لأن خبطتين فى الراس توجع
رد فهمى قائلاً:
–والتالتة تعور يا أمير بس اتفائل يا أبنى علشان كمان عايز أنا ومامتك نروح بيتنا بدل ما أنت رابطنا جمبك هنا ومحكم رأيك منمشيش إلا ما تتجوز
أقترب أمير من والده قائلاً:
–يعنى عاوزنى أعيش فى البيت ده لوحدى بطولى كده ادعيلى بس الموضوع يمشى على خير
ربتت سوزان على كتفه بحنان قائلة:
–إن شاء الله يا حبيبى هيتم على خير وهنفرح بيك وبأولادك كمان يلا بينا بقى هنتأخر كده على الناس
خرجوا من المنزل ،يستقلوا إحدى السيارات الفارهة المصفوفة بالمرآب ،قاد أمير السيارة بحماس حتى وصل أمام تلك البناية التي تسكن بها سما برفقة والداتها ،وصلوا أمام باب الشقة دق أمير الجرس
فتحت الباب والدة سما يرافقها شقيقها فهتفت قائلة:
–أهلا وسهلا بيكم أتفضلوا ده الاستاذ حسن أخويا
ولج أمير خلف والديه فمد يده بباقة الورود التى يحملها قائلاً:
–أتفضلى يا طنط
أخذت والدة سما الورد من يديه تبتسم له قائلة:
–تسلم على ذوقك أتفضل على ما أنادى لسما
ولجت والدة سما إلى غرفة إبنتها فوجدها تقف أمام المرأة تنهى إرتداء حجابها فتبسمت قائلة:
–بسم الله ماشاء الله زى القمر يا حبيبتى
أستدارت سما لوالداتها وأعتلت ملامح وجهها الخجل قائلة بصوت منخفض:
–تسلمى يا ماما هو العريس وصل هو وأهله
أومأت والداتها برأسها إيماءة خفيفة قائلة:
–أيوة يا حبيبتى وصلوا وقاعدين مع خالك حسن فى الصالون وهو ماشاء الله عليه باين عليه أصل وذوق وأخلاق وكمان شكله حلو أهو الجزمة خطيبك الاولانى ميجيش شعره فى راسه
أدركت والداتها فداحة قولها إلا أنها عندما حدقت بسما وجدتها هادئة فهى لم تثور عند ذكر خطيبها السابق
أفتر ثغر سما عن إبتسامة هادئة قائلة:
–خلاص يا ماما هو راح لحاله وأنا مش عايزة أفتكره ولا أفكر فى اللى حصل
خرجت سما من الغرفة ترافقها والداتها حتى وصلت لباب غرفة الصالون أخذت نفس عميق زفرته ببطئ تحاول تنظيم أنفاسها للتخلص من التوتر الذى بدأ يؤثر على قدميها التى بدأت تشعر برجفة خفيفة بهما
ولجت للداخل قائلة :
–السلام عليكم
رد الجالسين التحية فتركت سوزان مكانها تقترب منها تقبلها على وجنتيها قائلة:
–أهلا بيكى يا عروستنا
جلست سوزان وجلست سما بمقعد مجاور لها، دققت بملامحها تستحسن إختيار أمير، فسما جميلةو هادئة وخجولة فتمنت من الله أن تتم الزيجة تلك المرة بخير بدون أى عراقيل
حمحم فهمى يجلى صوته قائلاً:
–أختيارك رائع يا أمير باين على عروستنا الأدب والأصل الطيب فحضرتك إيه رأيك فى إبنى أمير يا أستاذ حسن شايفه أنه يستاهل بنت أختك ولو موافقين ده يشرفنا
قالها فهمى فى إنتظار سماع رأى والدة سما وشقيقها فنظر حسن لإبنة شقيقته بأبتسامة فرد قائلا:
–تسلم على ذوق حضرتك هو إبنك زينة الشباب و سما موافقة وأحنا طبعاً يهمنا سعادتها
–وأنا هشيلها فى عينيا يا عمى
قالها أمير مبتسماً وهو يرى سما تخفض رأسها خجلاً ،فشرعوا بقراءة الفاتحة وتم الإتفاق على أن الزواج بعد خطوبة ستدوم ثلاثة أشهر فقط،فعوضاً عن الطلب أن تمد فترة الخطوبة وجدت نفسها توافق عن طيب خاطر أن تصبح زوجته بعد تلك المدة القصيرة ،وأمير لا يصدق أن تلك المرة سيحصل على مبتغاة ستكون له زوجة ورفيقة وضياء لدربه
_________
حل المساء...تم إنارة حديقة المشفى بالكامل لبدأ الحفل الخاص بالأطفال الذى أقترحته ثراء لإدخال السرور على قلوب الصغار إلا إنها تسرب القلق بداخلها وهى ترى زوجها يلتفت حوله كمن أضاع شيئاً ، فمنذ أنصراف المحافظ وبدأ حفل الافتتاح وهى تراه متجهم الوجه فأقتربت منه تربت على ذراعه قائلة:
–أيسر فى إيه مالك
أرتعد أيسر بخفة بعد سماعه صوت زوجته وشعر بملمس يدها على ذراعه فحاول أن يوارى قلقه خلف تلك الابتسامة المرتجفة:
–لا أبداً يا حبيبتى مفيش حاجة بتسألى ليه
نظرت إليه بعينيها تخبره صراحة عن مدى قلقها وشعورها بحدوث شئ مبهم فألحت عليه بسؤالها:
–لا بجد فى إيه أنت زى ما يكون حصل حاجة كبيرة ومش عايز تقولى
حول بصره لطفلته التى تلهو برفقة ريان وبعض الأطفال ،فبما يخبرها ،فهى لو علمت ربما سيجدها تقع مغشياً عليها الآن فمن الأفضل عدم إخبارها حتى تمر تلك الليلة بسلام
أفتر ثغره عن إبتسامة خفيفة قائلاً:
–أبدا يا حبيبتى بس أفتكرت أمى ويمكن كمان علشان جعان ممكن تجبيلى أى حاجة من البوفية أكلها علشان عصافير بطنى بتصوص
رفق حديثه بإبتسامة جذابة ليبعث بداخلها الإطمئنان فأومأت برأسها موافقة فذهبت لتجلب له الطعام
بينما طارق يتابع جميع الحاضرين وجد بعض الأفراد يرتدون زى مهرجين وبعض الشخصيات الكارتونية الشهيرة فعلم أن ربما عباس وشريكه أحد هؤلاء الأفراد
أجتمع الأطفال حولهم يمرحون ويصفقون بأيديهم بحماس شديد فأقترب عباس من مليكة يرتدى الزى الخاص" بميكى ماوس" ، حرص على أن يكون الزى خفيف حتى يستطيع الركض به ،فحمل الصغيرة على ذراعه وهى تضحك بصوت عالى تشعر بالسعادة ،تعرق جسده بالكامل داخل ذلك الزى الذى يرتديه فحتى أنفاسه صارت ثقيلة فهو يجب عليه الخروج من هنا مسرعاً فأرتد بخطواته للخلف ينسحب بهدوء ليصل لباب المشفى بالباحة الخلفية فتقدم شريكه يلهى باقى الأطفال والحضور
اصتطدم عباس بطارق الذى أشهر مسدسه قائلا:
–رايح بيها على فين كده يا عم ميكى ماوس
جفت الدماء بعروق عباس بعد سماعه صوت طارق فأستدار إليه وجده يشهر المسدس بوجهه ،فتململت الصغيرة بين ذراعيه تحاول الفكاك منه فصرخت قائلة برعب:
–باااااابى
سمع أيسر صوت صراخ طفلته أثناء ركضه بعد أن رأى طفلته تبتعد برفقة عباس، فركض إليها سريعاً حتى وصل للباحة الخلفية للمشفى فلم يجد سوى طارق وعباس يحمل الصغيرة التى بدأت بلبط الهواء بقدميها وهى تنتحب فنظرت لأبيها قائلة ببكاء:
–بااابى ألحقنى أنا خايفة
لم يجد عباس وسيلة ليجعلها تكف عن الحركة سوى ضربها على مؤخرة رأسها حتى فقدت وعيها وأخرج سلاح نارى من جيب رداءه يضعه برأس الصغيرة قائلاً:
–أبعدوا كده زى الشطار علشان ميبقاش أخر يوم فى حياتها النهاردة
حتى إذا لم يحقق مبتغاه فسيتخذها وسيلة للهروب من قبضة الشرطة ، فأخرج أيسر سلاحه النارى هو أيضاً فشكل ثلاثتهم مثلث بثلاثة أضلاع خائفة فأيسر مرتعب على صغيرته ، وعباس خائف من القبض عليه وأن يزج به فى السجن ثانية ،وطارق يخشى إخفاقه بمهمته و بحماية الصغيرة
حاول طارق كسب المزيد من الوقت لصالحه فهتف بعباس قائلاً:
–أهدى يا عباس وسيب البنت ومتوديش نفسك فى داهية
رفع عباس يده يزيح قناع الوجه الذى يرتديه فإبتسم بسخرية:
–ما أنا كده كده رايح فى داهية هتفرق إيه يعنى
أزدرد أيسر لعابه يهتف به قائلاً بنبرة أقرب للتوسل:
–أنت عايز إيه وأنا مستعد أدهولك بس سيب بنتى هى مالهاش ذنب فى حاجة
طالعه عباس من رأسه لأخمص قدميه زاجراً إياه بنزق:
–أنا مش عارف إيه يا أخى الحظ بتاعك ده اللى بيخليك كل مرة تنفد منها كان الأول مراتك ودلوقتى بنتك حتى نفدت من الرصاصة اللى ضربتهالك إنت إيه بسبع أرواح
نبرة صوته الحاقدة أنبأت أيسر أنه يمكن أن يصل به الأمر إلى إيذاء إبنته ولكن ماذا يفعل هو الآن؟ فهو يشعر بالعجز فهو لو حاول إطلاق النيران لن يضمن سلامة مليكة وخاصة أن عباس يحملها على ذراعه
أومأ طارق برأسه إيماءة خفيفة لذلك الشرطى المتسلل من خلف عباس ولكن شعور عباس بوقع أقدام خلفه جعله يستدير برأسه ليرى من القادم عندما رأى أحد يتقدم إليه يحمل سلاح نارى يصوبه تجاهه ،حاول إطلاق النار عليه ولكن كان طارق أسرع منه فأصابه بطلق نارى بمنتصف ظهره عندما أستدار بكامل جسده ليصوب تجاه ذلك الشرطى ، فسقطت مليكة من يده وسقط سلاحه أيضاً
أقترب أيسر منه بسرعة يحمل صغيرته يضمها إليه ونظر لعباس الذى صار يلفظ أنفاسه الأخيرة بصعوبة فتحشرج صوته قائلاً بصوت منخفض:
–حتى المرة دى نفدت منها وروحت أنا بلاش
ظلت عيناه مفتوحة على إتساعها بعد مغادرة روحه لجسده تقدم متولى الذى كان متواجداً بالمكان منذ مجيئه برفقة طارق ولكن كان يتوارى عن أنظار عباس حتى لايراه
جثى متولى على ركبتيه بجوار جسد عباس ،فأنزلقت دمعة من إحدى عينيه فهتف بصوت حزين:
–ليه عباس فضلت راكب دماغك لحد ما خسرت حياتك وعلشان إيه الله يرحمك ويغفرلك
مد يده وأغلق عينيه ونهض من مكانه فأقترب منه طارق قائلاً:
–دكتور أيسر ده متولى اللى بلغ عن عباس
نظر إليه أيسر بإمتنان قائلاً:
–أنا مش عارف أشكرك أزاى أنك كنت السبب فى إنقاذ بنتى قولى اكفأك إزاى
زفر متولى بثقل قائلا:
–لا مكافئة ولا حاجة أنا كمان عندى أولاد وعارف ازاى الضنا غالى ولو بعدوا عننا قلبنا بيوجعنا إزاى أنا كمان قلبى موجوع على غياب مراتى وولادى ومش عارف ليهم طريق لدلوقتى فمش عايز حد يجرب النار اللى فى قلبى
قبل أن يفه أيسر بكلمة لمح مجئ أفراد عائلته فركضت إليه ثراء التى وضعت يدها على فمها مشدوهة وهى ترى جسد عباس المسجى بدماءه
فتلعثمت قائلة بخوف:
–ااايه ده يا أيسر ومين ده دا قتيل فى المستشفى مين اللى قتله وليه
أنتبهت ثراء على إبنتها الغافية على كتف أيسر فاقتربت منها تتحسس جسدها بلهفة:
–هى مليكة نايمة ليه كده هو كان فى إيه بالظبط يا أيسر عايزة أعرف
مد أيسر يده الحرة وجذبها إليه يحاول أن يهدأ من روعها فهتف بصوت هادئ:
–إهدى يا ثراء وهقولك على كل حاجة يلا بينا دلوقتى وأنت يا متولى عايزك إن شاء الله تبقى تجيلى على عنوان الشركة دى
ناوله أيسر بطاقته التعريفية وأخذ زوجته وطفلته وباقى أفراد عائلته التى أصابها الذهول مما رأوه ولكنهم ظلوا صامتين ليسمعوا تفسير أيسر لما حدث
قضى متولى ليلته متنقلاً بين قسم الشرطة والمشفى التى تم إيداع جثمان عباس بها لإنهاء إجراءات الدفن ، ومع طلوع الشمس وبتمام الساعة العاشرة صباحاً ،اتجهت السيارة التى تحمل الجثمان إلى المقابر ،تم دفن عباس ورحل من كان موجود
جلس متولى بجوار القبر فتساقطت دموعه من عينيه قائلاً:
–الله يرحمك يا عباس متفتكرش يا صاحبى أن أنا ندل أنا مكنتش عايز غير أنك ترجع عن الطريق اللى كنت ماشى فيه بس شيطانك كان قوى عليك يا عباس حاولت معاك كذا مرة بس كنت دايما ترجع لنفس الطريق كأنك كنت بتجرى ورا موتك الله يرحمك يا صاحبى
نهض متولى من مكانه يمسح عينيه بكف يده ونفض ملابسه من التراب العالق بها من جلوسه أمام القبر ،رحل ولكن لم يمنع نفسه من أن يلتفت خلفه يلقى نظرة على تلك القبور التى ملأت المكان فهذا ما يناله إبن أدم بنهاية سعيه ركضاً خلف الدنيا فمن سعى للخير جزاه الله بسعيه ومن سعى للشر لن ينل سوى العذاب والغضب من الله ، وصل لذلك الحى الذى كانوا يقيمون به يجر قدميه ولا يعرف ما سيكون مصيره مع ذلك العجوز مدبولى إذا علم بما حدث لعباس فهو قريبه بالنهاية فربما لن يتوانى عن طرده فهو وضع كل إحتمال برأسه فإذا فعل مدبولى ذلك سيأخذ ثيابه ويبحث عن محل إقامة أخر
ولج للشقة بالمفتاح الذى يستخدمه ، أصدر الباب صوت صرير قوى جعل مدبولى يخرج من الغرفة مسرعاً
حدق بمتولى قائلاً:
–متولى أنتوا كنتوا فين وعباس فين من إمبارح وأنتوا مختفيين ومشفتش وش حد فيكم
رد متولى قائلاً بثقل:
–عباس مات يا عم مدبولى
تلك الجملة جعلت ذلك العجوز يرتمى على المقعد خشية من خذلان ساقيه بالوقوف فخرج صوته خافتاً متلعثماً:
–ممات إززاى يعنى يا متولى
روى له متولى ما حدث منذ البداية ومنذ معرفته بشأن هوية تلك الطفلة التى كان ينوى عباس إختطافها وأخبره أيضاً بشان تقدمه بعمل بلاغ للشرطة وإخبارهم بما كان ينوى عباس فعله
رفع مدبولى راسه بعد سماع حديثه فحدق به قائلاً:
–يعنى أنت اللى بلغت عنه يا متولى
أومأ متولى برأسه بالموافقة ولكن سارع بالقول:
–بس والله ما كنت عايزة يتقتل يا عم مدبولى أنا بس كنت عايز يبطل اللى بيعمله مجاش فى بالى أن هيجراله كده
لمس مدبولى الصدق بصوته فظل يومأ برأسه فرد قائلا:
–أنت ملكش ذنب هى دى كانت هتبقى نهايته طول ماهو كان مسلم دماغه لشيطانه الله يرحمه
–أنا دلوقتى هاخد هدومى وأمشى أكيد أنت مش هتحب ان أقعد معاك وكنت السبب فى موت قريبك
قالها متولى وتحرك ذاهباً لغرفته فأوقفه صوت مدبولى قائلاً:
–هتروح فين يا متولى خليك قاعد وياريت تكون أتعلمت درس من اللى حصل أن الشر أخرته وحشة يا سجن يا موت
فهو تلقن درساً لن ينساه طوال حياته بأسرها ،ذهب للغرفة وأرتمى على الفراش فأخرج تلك البطاقة التعريفية الخاصة بأيسر وهو يفكر جدياً فى الذهاب إليه لعله يبدأ من جديد فى البحث عن ذاته الضائعة والعالقة بين ماضِ مؤلم ومخزى تسبب فى دمار حياته وخرابها وضياع زوجته وأولاده فكم يشتهى هو لقياهم الآن وأن يطلب منهم الصفح عما فعله بحقهم وأن يعدهم بأن يصبح مثلما يريدون ولكن أين سيجدهم ؟ فكل سبيل أستطاع أن
يسلكه للوصول إليهم لم يفضى بالنهاية سوى لفشله فى إيجادهم
_________
سمعت ضحى صوت طرق على باب غرفة مكتبها فأستدارت برأسها لترى من الطارق الذى لم يكن سوى شهاب زوجها
فولج مبتسماً وهو يقول:
–إيه يا ضحى فينك كده ومش بتردى على التليفون
تركت ضحى ما تفعل وسحبت غطاء توارى أسفله ذلك الثوب الذى تحيكه من أجل حفل زفافها ولكن لا تريد لأحد أن يراه قبل أن تنتهى منه
فتبسمت قائلة:
–معلش التليفون فاصل شحن بس مالك كده بتدور عليا ليه فى حاجة ولا ايه
جلس شهاب على أحد المقاعد قائلاً:
–كنت بدور عليكى علشان نروح نشوف الفندق اللى هنحجز فيه لفرحنا وعلشان كمان أخذت إذن من باباكى علشان نتعشى برا النهاردة فيلا بينا بقى
أخذت حقيبتها تسبقه للخارج ،فرأته يتجه نحو غطاء الثوب ففضوله يقتله لرؤية ما خبأته تحت ذلك الغطاء
فسارعت الخطى تحول بينه وبين الغطاء قائلة بإبتسامة:
–رايح فين أنت مش يلا بينا
أفتر ثغره عن ابتسامة خفيفة قائلا:
–ما هو أنا هموت وأعرف خبيتى إيه تحت الغطا ده أكيد ده فستان الفرح لو كده خلينى أشوفه
أومأت برأسها نافية قائلة بإصرار:
–لاء يا شهاب مش هتشوفه ده مفاجأة ولسه كمان مكملش هتمشى ولا أروح البيت أتعشى مع بابا
أمام رفضها القاطع ،أذعن لأمرها بالأخير فهى على ما يبدو عنيدة،لم يشأ إزعاجها أكثر من ذلك فخرجا من الغرفة حتى وصلا لسيارته أتخذت مقعدها بجواره ولكنها أيضاً تشعر بالقلق والتوتر فتلك هى المرة الأولى التى تذهب معه إلى مكان بمفردها
نظر اليها قائلا:
–مالك خايفة ليه كده متخافيش يا ضحى مش هاكلك
أزدردت لعابها قائلة بصوت خافت:
–أصل الصراحة دى أول مرة أخرج معاك لوحدينا من غير ما يكون معانا حد فأنا مش متعودة على كده
زاد إعجابه بخُلقها ،فهى من ستؤتمن على عرضه وماله ،هى من ستنجب له أطفالاً تنشأهم على الاحترام والتحلى بالاخلاق والصفات الحميدة
رد قائلاً بإعجاب:
_أنا كل يوم يزيد إعجابى بيكى وبأخلاقك يا ضحى وأنا محظوظ أن ربنا كتبك من نصيبى مراتى وحبيبتى وأم ولادى إن شاء الله
هى تريد شئ يلطف من حرارة وجهها المشتعلة فتحت النافذة بجوارها تجعل نسمات الليل تلفح وجهها ترطب من لهيب الخجل المشتعل بوجنتيها .وصلا إلى احد الفنادق المقامة على النيل ،ولج شهاب وضحى لغرفة مدير الفندق
هتف شهاب قائلا بهدوء:
–أحنا جايين علشان نشوف القاعة فى الفندق هنا علشان فرحنا أنا شهاب عزام الرافعى
وقف المدير يمد يده مصافحاً له بحرارة:
–أهلا شهاب بيه طبعا غنى عن التعريف أتفضل حضرتك معايا هنا فى ٣ قاعات شوف اللى يناسبك وتقولى الميعاد علشان الحجز
تقدمهم المدير للخارج وتبعه شهاب ترافقه ضحى حتى وصلا للقاعات تجولوا بها لاختيار أفضلها بعد إنتهاء جولتهم
حدق شهاب بضحى قائلاً:
–ها أى قاعة فيهم عجبتك يا ضحى
وقعت ضحى بحيرة من أمرها فالقاعات الثلاث جعلت أختيار أفضلهم أمراً صعباً للغاية بالنسبة لها ولكنها حسمت أمرها قائلة:
–القاعة رقم ٢ جميلة
اثنى المدير على أختيارها قائلاً:
–أختيار حضرتك ممتاز دى أفضل قاعة فيهم وكمان أتعمل فيها افراح مشاهير كتير
شقت إبتسامة شفتاه وهو يقول:
–خلاص احجزلنا القاعة والميعاد.....تمام
أومأ المدير برأسه احتراماً:
–أوامرك يا شهاب بيه
بعد الإنتهاء خرج شهاب وضحى من الفندق ،عادا إلى السيارة من جديد يهتف شهاب بحماس:
–هنروح نتعشى فى مطعم حكاية هيعجبك أوى
لمعت فكرة برأس ضحى فهتفت قائلة:
–طب بقولك أيه تعال انت معايا بقى هأكلك فى مكان عمرك ما أكلت فيه قبل كده وأتحداك أنه ميعجبكش
رد شهاب قائلا بحماس:
–تمام ماشى أمشى منين طيب علشان نوصل
أخبرته بالطريق الذى يجب أن يسلكه حتى يصلا للمكان الذى أشارت عليه بتناول العشاء به ،وصل شهاب إلى أحد الأحياء السكنية الشعبية
قطب حاجبيه بغرابة قائلا:
–هو فين المطعم ده يا ضحى مش شايف مطاعم هنا خالص
ترجلت ضحى من السيارة تشير إليها أن يتبعها قائلة:
–تعال بس واقفل العربية هو المطعم جوا بس مش هتعرف تدخل بعربيتك فاركنها هنا
ترجل شهاب من السيارة يغلقها ، سار خلف ضحى وهو يلتفت حوله يميناً ويساراً حتى وصلا أمام أحد المطاعم ، ولجت ضحى يتبعها شهاب جلست على مقعد لاحدى الطاولات وجلس شهاب مقابل لها ينظر حوله بغرابة
هتف شهاب بها قائلاً:
–إيه الريحة دى يا ضحى
إبتسمت ضحى قائلة:
–متقلقش دى ريحة الكبدة وهتعجبك متخافش
جلس شهاب صامتاً ،طلبت ضحى الطعام الذى جاءهم على وجه السرعة فنظر شهاب للأطباق الموضوعة وعاود النظر لضحى قائلاً:
–ضحى إيه الأكل ده أنا أول مرة أشوفه
ردت ضحى قائلة وهى تشير للأطباق الموضوعة على الطاولة :
–دى كبدة وده ممبار ودى فتة كوارع وده مخ ودى شوربة كوارع وسلطة وطحينة وعيش
حملق شهاب بالأطباق مشدوهاً فهو بحياته لم يذق مثل هذا الطعام ،رفع الملعقة لفمه بتردد ولكنه أعادها مكانها ثانية
إبتسمت ضحى على فعلته فأخذت من الطبق الموضوع أمامها قائلة:
–خد بس جرب دى ومتخافش
أخذها من يدها يضعها بفمه شيئاً فشيئاً شعر بمذاقها الطيب فأردف قائلاً:
–طعمها حلو فعلاً
بدأ بتناول الطعام بشراهة لم يكن معتاد عليها فهو دائماً متأنفاً بما يأكله ولكن اليوم يأكل كأنه لم يذق الطعام منذ وقت طويل
هتفت به ضحى قائلة:
–شهاب بلاش تعك فى الاكل كتير أنت مش واخد على كده لتتعب أنا قولتك تاكل أه بس بلاش تملا معدتك على الآخر
رد وفمه ممتلئ بالطعام قائلاً:
–طعمه حلو أوى يا ضحى أول مرة اكل حاجة زى دى فى حياتى طعمه لذيذ
–بألف هنا وشفا بس برضه بلاش تدوس جامد فى الأكل لأجرى بيك على المستشفى دلوقتى بعد الشر يعنى
قالتها ضحى متفكهة فزادت إبتسامته إتساعاً فربما تلك الفتاة لديها الكثير مما تسعده به فلطافتها وجمالها وخجلها وأحياناً مشاكستها تتحالف جميعاً لتنتج بالأخير حظه السعيد فى العثور عليها وإقترانه بها
__________
بعد مرور يومين ....
مازالت متعلقة بعنقه تبكى على صدره يهتز جسدها المتشنج بفعل شهقاتها المتلاحقة فظل يربت عليها بحنان ليجعلها تهدأ وتكف عن ذلك البكاء الذى رافق عينيها منذ ماحدث لها بيوم إفتتاح المشفى ،فهى تغفو على أن تقوم صارخة تنادى أبيها من شدة فزعها
هتف أيسر قائلاً بحنان:
–كوكى حبيبة قلبى إهدى يا روحى أنا معاكى أهو متخافيش
تتابعت أنفاس الصغيرة قائلة ببكاء:
–كان هياخدنى يا بابى وهيخطفنى أنا خايفة يا بابى خايفة
أنكمشت مليكة بأحضانه فنظر لزوجته الجالسة على طرف الفراش صامتة لم تفعل شئ سوى أنها تمسد على رأس الصغيرة وعينيها ممتلئتان بالدموع هى الأخرى
فهتف بصوت هادئ:
–ثراء
رفعت ثراء رأسها تحدق بزوجها بعد منادته لها قائلة :
–نعم
–مالك أنتى كمان يا حبيبتى
قالها أيسر رغبة منه فى أن يجعلها تتحدث بما يدور بخلدها فهو لا يريد أن تتشنج قدماها وتعجز هى عن تحريكها مثلما يحدث معها دائماً فآفة الخوف إذا تملكت منها تجعلها غير قادرة على الحركة
شعرت بثقل الكلمات على لسانها وتلك الظنون السوداء تُطل من رأسها تعبث بأفكارها فعلا صوتها بصياح قائلة:
–هيكون مالى يعنى يا أيسر لما أعرف أن بنتى كانت هتتخطف ولما بنتى تتعرض للى أتعرضتله زمان لما كانوا عايزين يخطفونى أنا كمان هنفضل لحد أمتى كده ها قولى هنخلص من البلاوى والمصايب دى إمتى عملنا إيه لده كله عايزة أعرف
وضعت يدها على فمها تكتم صوت شهقاتها وعينيها تذرف الدموع حزناً وقهراً
ندت عنه زفرة يائسة قائلاً:
–مش عارف أقولك إيه أو أعمل إيه أنا زيك بالظبط مش عارف كل ده بيحصلنا ليه يا ثراء
عاود النظر لصغيرته التى بدأ النعاس يداهم عينيها الباكية فمسد على رأسها وربت على جسدها حتى سمع صوت إنتظام أنفاسها ،وضع رأسها على الوسادة ودثرها بالغطاء، فقبلها على رأسها وخرج من الغرفة يجر زوجته خلفه ،وجد المربية تنتظرهم أمام الباب فخاطبها قائلاً:
–مليكة نامت خلى بالك منها لو صحيت وعيطت نادى علينا
ردت المربية قائلة:
–حاضر يا دكتور أيسر
أكمل سيره إلى غرفته ،ولج للداخل فأطلق سراح يد زوجته التى كانت تسير بجواره كالدمية لا تفعل شئ سوى ذرف الدموع، وقفت بمنتصف الغرفة متحجرة الساقين والعينين كأنها تنظر بالفراغ
دار أيسر حول نفسه ومسح وجهه بيديه قائلاً بثقل:
–ثراء أرجوكى تفوقى كفاية اللى أنا فيه
تساقطت دموعها غزيرة على وجنتيها قائلة بصياح:
–أنا خلاص هتجنن أحنا هنعيش زى الناس الطبيعيين أمتى أنا عايزة أعيش معاك أنت وبنتى من غير قلق وخوف ولا كل شوية تطلعلنا مصيبة وحد يتأذى أنا خلاص أعصابى متستحملش أكتر من كده
أندفعت إليه تبكى على صدره فطوقها بذراعيه فتركها تبكى على سجيتها مكتفياً بتأرجحها بلطف بين ذراعيه ،يستند بذقنه على رأسها يغمض عينيه هو الآخر يشعر بالإرهاق فغمغم لها قائلاً:
–حبيبتى طول ما أنا معاكى متخافيش مش هسمح لحد أن يأذيكى أو يأذى بنتنا أنا أفديكم بروحى يا نور عيونى وكفاية بقى عياط غرقتى القميص
قال جملته الاخيرة يمازحها لعله يخفف من وطأة ذلك الحزن الذى سكن بداخلها ،فأبتسمت رغما عنها قائلة:
–هو ده اللى همك القميص بتسخر من أحزانى يا أيسر
رفع وجهها إليه ماسحاً بعينيه كل إنش بوجهها فعينيها أصبحت بلون الدم من كثرة بكاءها ووجنتيها رطبتان من أثر عبراتها ،فأخرج محرمته القطنية من جيبه يجفف دموعها ،فأخذتها منه تمسح أنفها تتمخض بها فصدر عنها ضحكة عالية من ذلك الصوت الذى أصدرته تهتف قائلة:
–لما بعيط مبعرفش أسيطر على مناخيرى بيبقى شكلى زبالة لما بعيط مش كده
برغم ما يثقله من هموم لم يفلح فى كبت ضحكته هو الآخر فرد قائلا:
–لا يا قلبى أنتى عسل فى كل حالاتك بغض النظر عن الصوت الغريب اللى سمعته من شوية ده
لكمته بخفة بمنتصف بطنه قائلة:
–بس بقى متفكرنيش أنا مضايقة لوحدى أحسن أكمل وهصدعك النهاردة
رفع أيسر كفيه بإستسلام قائلاً:
–وعلى إيه اللى فيا مكفينى بلاش وحياتك
تنهدت بصوت مسموع فعاد إليها وجومها مرة أخرى عندما تذكرت ما حدث فوجدته يربت على وجنتها مواسياً:
–حبيبتى خلاص اللى حصل حصل والحمد لله عدت على خير وأظن كده إن شاء الله مفيش حاجة وحشة هتحصل تانى إحنا مكنش لينا اعداء ،وعباس ده كان بيكرهنى بسبب أن دايما كنت أبوظ خططه فى خطفك ،فمظنش فى حد تانى عايز يضرنا
تمنت ثراء أن يكون محقاً بما قاله ،فهى سأمت هذا الحزن الذى طالما طاردهم كثيراً كمطاردة أحد الوحوش الضارية لفريسته فكلما فرت منه ركض خلفها يلهث يريد النيل منها ، فدنت منه قائلة بحيرة: :
–أنت متأكد يا أيسر إن إحنا خلاص ملناش أعداء تانى أصل أنا .....
القراة باقي الفصول الجزء الثاني جميع الفصول من هنا
