سر غائب
البارت الثالث والعشرون الرابع والعشرون
بقلم سماح نجيب
انحنى مجدى بجزعه قليلاً للأمام ولكنه ظل صامتاً لبرهة فزوت ما بين حاجبيها بغرابة فهى بإنتظار سماع سيقوله طال الصمت لمدة دقيقة كاملة حتى هتف مجدى بإبتسامة بشعة:
–إحنا مش هننقم منه بس لاء هنقتله...
جفلت أيتن بعد سماع ما قاله مجدى فهى تريد إلانتقام من حسام ولكن ليس إلى الحد الذي يؤدى لقتله
فهتفت به بصوت مصدوم:
–أنت بتقول إيه يا مجدى نقتله إيه أنت أتجننت أنت عايز تودينا فى ستين داهية وتوصلنا لحبل المشنقة
أبتسم مجدى بجانب فمه قائلا بسخرية:
–هو أنتى مفكرة هنقتله بجد يعنى أنا قصدى نموته بالحيا نخربله حياته ونخليه يكره نفسه ونضيع منه كل حاجة هو ده ميعتبرش موت
فهمت أيتن ما يرمى إليه فأنحنت قليلاً للأمام قائلة :
–أه فهمت بس تفتكر نبتدى بأيه يا مجدى
حك مجدى جبهته بتفكير ثم هتف بحماس:
–إيه رأيك فى المعرض بتاعة نولع فيه دا العربيات اللى فيه تمنها غالى قوى وهتبقى ضربة مش هيلحق يفوق منها ونشوفله مصيبة تانية
نقرت بأصابعها على حافة البار بتفكير ثم قالت بتأكيد:
–حلو ده يا مجدى بس طالما محروق منه أوى كده محاولتش تعملها من زمان ليه
قطب مجدى جبينه قائلا بحنق:
–ومين قالك أن محاولتش بدل المرة عشرة بس كان دايما ينفد منها والموضوع يبوظ والناس اللى أبعتها تفشل فى الموضوع بس المرة دى هعملها بنفسى وأنتى طبعا معايا يا أيتن ولا غيرتى رأيك
أومأت برأسها بإصرار فهى لديها من العزم ووساوس الشيطان ما يجعلها مصممة على فعل ذلك وتشفى غليلها من حسام فمدت يدها تصافحة دليل على الموافقة فوضع يده بيدها يشد عليها بخبث قائلاً:
–الاتفاق ميبقاش كده يا أيتن
علا صوت ضحكاتها بالمكان فتركت مقعدها تتأبط ذراعه تسير بخطوات مترنحة من أثر تلك الخمور التى أحتستها بكثرة فوصل إلى سيارته يجلسها بالمقعد المجاور له وأتخذ مقعده
خلف المقود ينطلق بالسيارة حيث ذلك المكان الذى يستطيع إرتكاب تلك الفاحشة بدون خوف أو وجل من الله وليكملوا خططهم الإنتقامية
________
بمطار القاهرة الدولي...وقفت ثراء بجوار زوجها لتوديع صافى وجدتها قبل سفرها إلى دبى فهى من طلبت من زوجها الحضور
أقتربت منها صافى تحتضنها بإبتسامة واسعة تهتف بحبور:
–أشوف وشكم بخير ربنا يسعدكم يارب
ربتت ثراء على ظهرها بخفة قائلة:
–ويسعدك أنتى كمان وتوصلوا بالسلامة إن شاء الله
تركت صافى ثراء فأنحنت تحمل مليكة تقبلها على وجنتيها قائلة:
–سلام يا كوكى خلى بالك من ماما وبابا ماشى
أومأت مليكة برأسها قائلة بصوت طفولى رقيق:
–حاضر يا صافى
إبتسمت صافى على قولها فطالعت أيسر بإمتنان:
–اشوف وشك بخير يا أيسر أنا لو قعدت أشكرك طول عمرى مش هوافيك حقك ربنا يباركلك فى مراتك وبنتك ويسعد أيامكم
رد أيسر قائلا :
–تسلمى يا صافى وتوصلى بالسلامة وربنا يسعدك وأبقى طمنينى عليكم توصلوا بالسلامة يارب
أقتربت فريدة منه تصافحه بحرارة تربت على كتفه بحنان قائلة:
–ربنا يباركلك يا أبنى ويريح قلبك دايما يا رب نشوفكم على خير
أبتعدت صافى وفريدة يلوحن بيديهن لأيسر وثراء والصغيرة وملأت أعينهن الدموع ،دموع فرح ودموع فراق بعد إبتعادهم عن مرمى بصرهم إستدار أيسر لزوجته وإبنته قائلا بحنان:
يلا علشان نروح ولا تحبوا نروح نتفسح شوية
ردت مليكة قائلة بحماس شديد:
–أيوة يا بابى عايزة أتفسح وألعب
داعبت ثراء رأس صغيرتها بإبتسامة :
–ماشى نروح نفسح الست كوكىعلشان بالليل أحنا معزومين على العشا عند بابا
حمل أيسر صغيرته على ذراعه تشابكت يده بيد ثراء تسير بجواره حتى وصلا إلى السيارة يفكر فى المكان المناسب لنزهة الصغيرة ولقضاء وقت جميل برفقة معشوقته وصغيرته فربما إبتسمت له الدنيا أخيراً بعد سنوات من العذاب والجراح
أنقضى يومه برفقتهن بين الضحكات واللهو والمرح من صغيرته التى لم تهدأ منذ وصولها لمدينة الألعاب،فهى لم تترك لعبة واحدة إلا وكانت ترجوه أن يتركها تلهو بها
رفعت مليكة يدها تلوح لهم بمرح قائلة:
–بابى مامى
أبتسم أيسر على أفعال صغيرته فطالع زوجته بجانبه قائلاً:
–دا أنا فرهدت ليها سلف كفاية عليها كده يا ثراء
حركت ثراء برأسها يائسة تقول:
–قولها كده يلا نروح اصلك لسه أول مرة تروح مع مليكة الملاهى بمجرد ما تقولها كفاية ويلا نروح هتعيط وإحتمال تلم علينا الناس ويفتكروا أن إحنا خاطفينها
تعالت صوت ضحكته على ما تفوهت به زوجته إلا أنه رد قائلاً:
–متخافيش هى هتسمع كلامى
حركت ثراء كتفيها قائلة:
–ورينى شطارتك أنا شكلى هروح أنام على السفرة عند بابا فى طبق الشوربة انا تعبت عايزة أروح أريح ساعتين قبل العشا
ضيق أيسر ما بين عينيه قائلا بابتسامة:
–ولو أقنعتها وروحنا تعملى إيه تدينى إيه يا ثراء
ردت ثراء فى الحال قائلة:
–اللى أنت عاوزه يا أيسر بس بجد عايزة أروح كفاية كده
طالعها بدهاء قائلاً:
–وأنا عايزك أنتى يا ثراء
شهقت بخفوت يرافقه خجلها الذى اصبغ وجهها فزاغت بعينيها عن مرمى خضراوتيه فتصنعت عدم سماعها ما قاله
طرأت برأسه فكرة فهو أيضاً يريد العودة للمنزل ولكن كيف يقنع صغيرته بالعودة الآن ،أقتربت مليكة منهم قائلة:
–بابى عايزة ألعب اللعبة دى كمان
أنحنى أيسر إليها يحملها قائلاً:
–كفاية كده يا كوكى علشان هنروح وبالليل هنروح عند جدو وتيتة وتلعبى مع ريان
لاحظ ضيق وتبرم الصغيرة فهى مطت شفتيها بإستياء تعقد ذراعيها أمام صدرها بحزن فمسد على رأسها قائلاً
–لو روحنا دلوقتى هخليكى بكرة تركبى الحصان تانى ماشى
إبتسمت مليكة على ذلك العرض الذى عرضه عليها والداها فأومأت برأسها موافقة ليحملها على ذراعه ينظر لزوجته بدهاء فها هو أوفى بوعده وجعل الصغيرة توافق على العودة للمنزل
وصلوا للمنزل فاقتربت المربية تأخذ مليكة من أجل إطعامها وتبديل ثيابها ،بينما صعدت ثراء للغرفة دقائق ووجدت زوجها يلج الغرفة خلفها يغلق الباب يفرك يديه بحماس قائلاً:
–يلا أنا خليت مليكة ترجع البيت أهو الدور عليكى بقى تنفذى كلامك
رفعت ذراعيها وهى تتراجع بخطواتها للخلف قائلة:
–أيسر بقولك إيه أنا عايزة أنام دلوقتى
أقترب منها قائلا ً:
–أنتى قولتى اللى عايزه هتنفذيه ولا رجعتى فى كلامك
ظل يقترب منها حتى أصبح ملاصق لها يلاطف إياها يداعب وجنتيها فحاولت دفعه عنها بدلال ولكن ربما زادت فى دفعه حتى كاد أن يترنح بوقفته لم تدرك فداحة ما فعلت إلا عندما
وجدته يقف مكانه يضع يديه بجيب بنطاله ظل صامتاً لم يبدو على وجهه أى تعبير تستطيع به معرفة بما يفكر به وجدت صمته قد طال ولكن وجدته يتركها يذهب للحمام بدون أن يتفوه بكلمة ،قطبت حاجبيها بغرابة مما فعل فهى لم يكن
مقصدها أن تبعده عنها لأنها غير راغبة فى أقترابه منها فهى كانت تمزح معه وحسب ،جلست على الفراش فى إنتظار خروجه ولكن ظل وقتاً طويلا حتى غفت وهى جالسة بإنتظاره،
بعد مرور ساعتين أقترب أيسر من الفراش يوقظها بلطف قائلاً:
–ثراء ثراء أصحى يلا علشان تجهزى علشان نروح بيت باباكى
لم يزد كلمة أخرى وأبتعد عن الفراش يقف أمام المرآة ينهى إرتداء ثيابه تعجبت ثراء من صنيعه ولكن ليس لديها متسع من الوقت لتجادله فلتذهب لمنزل والداها الآن وعندما تعود ستتحدث معه بشأن ما حدث ،بعد إستعدادهم للذهاب لمنزل
جمال الرافعى أخذهن أيسر بسيارته يقودها بهدوء وصمت تطالعه هى من الحين للآخر فهو بإمكانه أن يكون أشد برودة من تلك الرياح الباردة بموسم الشتاء وقت ما يريد
زخرت تلك المائدة بمنزل جمال الرافعى بأشهى المأكولات والمشروبات فى إنتظار إجتماع عائلة الرافعى بأكملها فاليوم هو المتفق عليه بين عزام وجمال ليجتمع عزام بأيسر لتصفية
الخلاف بينهم ،حرص جمال على عدم إخبار أيسر بشأن حضور عزام لأنه يعلم أنه ربما يرفض أيسر المجئ فأخبره أن اليوم يريد منه ومن إبنته تناول العشاء معهم بجو أسرى لطيف فلبى أيسر دعوة عمه على الفور
حملت فيروز إحدى الأطباق بين يديها تطالع جليلة قائلة:
–جليلة هاتى بقية الأطباق والشوك والمعالق
أومأت جليلة برأسها إيماءة مهذبة قائلة:
–حاضر يا ست فيروز بس حضرتك تعبتى نفسك وأصريتى تعملى أكل العزومة كله لوحدك ومخلتنيش أساعدك إلا فى حاجات بسيطة أوى
إبتسمت فيروز قائلة:
–أهو كنت بتسلى ما أنا قاعدة طول النهار مبعملش حاجة ثم أن جمال عازم أخوه ومراته وإبنه وكمان ثراء وأيسر ومليكة جايين فحبيت أنهم يأكلوا من إيدى
ردت جليلة قائلة بابتسامة:
–تعيشى وتعملى يا ست فيروز ربنا يجعله عامر دايما بحسك وحس الدكتور جمال
–تسلمى يارب
تمتمت بها فيروز وهى تضع الطبق من يدها على المائدة ،أرتقت درجات السلم حتى وصلت لغرفتها ولجت للداخل وجدت زوجها ينتهى من إرتداء ثيابه فهتفت به قائلة:
–خلاص يا جمال خلصت
إستدار جمال إليها باسمها قائلاً:
–أيوة خلاص لسه محدش وصل منهم
حركت فيروز رأسها نفياً قائلة:
–لاء لسه زمانهم على وصول دلوقتى وكمان العشا جاهز وكله تمام وأنا اللى عملتلكم الأكل بإيدى
تناول جمال يدها يربت عليها بحنو قائلاً:
–تسلم إيدك يا حبيبتى أكيد هناكل صوابعنا وراه
لم يكف تلك السنوات التى قضتها برفقته من أن يمتدح كل شئ تقوم به من أجله فتلك هى عادته لايترك مناسبة إلا ويخبرها بإمتنانه لتلك الظروف التى جعلته يتزوجها ،فما زال قلبه حانياً مليئ بالحب والعطاء فدائما ما كانت تخبره أنه دعوة والدايها لها
بغرفة حسام...
أنتهى من إغلاق أزرار قميصه يلتفت خلفه يحدق بزوجته التى تجلس على حافة الفراش تنتعل حذاءها تخفض رأسها فتتدلى
خصلات شعرها الأشقر على جانبى وجهها لتقوم برفعه خلف أذنها ولكن ما ينفك أن يتدلى ثانية حتى تأففت بصوت منخفض:
–أووف إيه ده أنا لازم أقص شعرى دى شوية
_إياكى تعمليها أنتى فاهمة
قالها حسام فجأة لترفع ميرا وجهها تطالعه بغرابة قائلة:
–هو إيه ده أنت سمعت اللى قولته إزاى
رد حسام ممازحاً:
–أصل ودانى ردار بتلقط الصوت على طول وأنا بحذرك أهو لو قصيتى شعرك أنتى حرة أنا بحبه كده
تركت مكانها وأقتربت منه تحاوط عنقه تنظر اليه بوداعة:
–طب خلينى أقصه شوية بس علشان بقى طويل وأنا من ساعة ما أتجوزتك ومقصتهوش خالص
تخلل خصلات شعرها بأصابعه يمرره بين يديه ينساب بحريرية يشبه سنابل القمح الناضجة فدمدم قائلاً:
–تؤ تؤ مش هتقصيه ماشى يا ميرا أنا بعشق لون شعرك ده يا مهلبية أنتى
علمت إنه إذا أصر على موقفه لن تستطيع إقناعه ولكن لا تنكرها شعورها بالسعادة كون زوجها مغرم بها حتى يخشى أن تفقد شئ من جمالها حتى وإن كانت خصلات من شعرها
فهمست بصوت ناعم:
–بتحب لون شعرى بس يا سمسم
–أنتى عارفة لو مبطلتيش تتكلمى كده بصوتك الحلو ده مش هنتعشى النهاردة
شهقت بخفوت بعد أن وعت مقصده فأبتعدت عنه سريعاً لتنهى إرتداء حجابها فتبسم ضاحكاً من فعلتها ،التقط فرشاة الشعر يمشط شعره فتنهد قائلاً:
–كان نفسى جدى وتيتة يبقوا حاضرين معانا العشا النهاردة
إبتسمت ميرا قائلة:
–هم دلوقتى فى أطهر مكان فى الدنيا أنا كل يوم أكلمهم علشان يدعولنا وهم فى الحرم يرجعوا بالسلامة إن شاء
حدق حسام بها بنظرة عابثة متكاسلة:
–أه ومش عايزين ننسى بقى نحقق لتيتة أمنيتها وترجع من السعودية نقولها أنك حامل أنتى عارفة مبحبش أزعل مرمر
فغرت ميرا فاها من حديث زوجها فهى لا تعرف ما أصابه اليوم فهو لا يترك مجال لها إلا ويجعلها أكثر خجلاً من تلميحاته لها فرأت أنه من الأفضل أن تخرج من الغرفة فهى بالأساس ليس لديها القدرة الكافية على مقاومة تودده لها فهو نقطة ضعفها التى لاتريد أن تبرأ منها أبداً حتى مماتها
هبطت ميرا الدرج فلمحت دلوف والدايها وشقيقها فأقتربت منهم قائلة بسعادة:
–نورتوا البيت أتفضلوا
أقتربت من والديها تقبله على وجنتيه ثم شقيقها وأحتضنت والداتها تقبلها هى الأخرى،جلسوا بإرتياح بغرفة الصالون دقائق وولج جمال وزوجته مرحبين بحضورهم
مدت فيروز يدها تصافح لبنى قائلة:
–أزيك يا لينى نورتى البيت
شدت لبنى على يدها لا تعلم هل تضمن مصافحتها لها ذلك الندم الذى تشعر به من إساءتها إليها طوال أعوام سابقة أم تخبرها بندمها الصريح عما فعلته معها عندما كن يعيشن بمنزل واحد ولكنها لم تستطيع سوى التفوه بتلك الكلمات:
–الحمد لله يا فيروز أنتى عاملة إيه
إبتسمت فيروز تجلس بجانبها فهى علمت بشأن كل ما حدث معها من إبنتها ميرا وأيضاً من حسام وإخباره لها بشأن تغير طباعها المتعجرفة التى لمسها من تعاملها معه بتلك الآونة الأخيرة
ربتت فيروز على يدها قائلة بإبتسامة:
–الحمد لله نحمد ربنا متأخذنيش أن من ساعة ما رجعتى مصر مجتلكيش ولا شوفتك
أومأت لبنى برأسها بتفهم فبادرت قائلة:
–أنا عارفة يا فيروز أنك ممكن تكونى لسه مفكرة أن أنا لبنى بتاعة زمان وصدقينى مقدرش ألومك لو كنتى حابة أنك
متعرفنيش أو يبقى فى صلة بينى وبينك لأن برضه أنا معملتش فيكى شوية وضايقتك كتير بس سامحينى أنتى طول عمرك قلبك كبير وبتسامحى
ضغطت لبنى بيدها على يد فيروز الممسكة بها تنشد منها المسامحة على أفعالها السابقة معها فما كان رد فيروز سوى أنها أبتسمت بوجهها قائلة:
–المسامح كريم يا لبنى وخلاص اللى فات فات ومش لازم نتكلم فيه كتير خلينا فى اللى جاى يعنى أحنا هنعيش أكتر من اللى عيشناه أنا أه اصغر منك يا لبنى ولسه حلوة وصغيرة بس ده ميمنعش أن محدش ضامن عمره
قالت فيروز جملتها الأخيرة متفكهة رغبة منها فى المزاح معها فتعالت صوت ضحكة لبنى على ما تفوهت به فيروز
ولج حسام الغرفة قائلاً:
–مساء الخير عليكم منورة يا حماتى
رفعت لبنى حاجبها قائلة:
–دا نورك يا أبن فيروز ما أنت طالع لأمك
أقترب حسام منها ينحنى قليلاً إليها قائلاً:
–مالها أمى يا حماتى
–عسل زيك يا حسام أنا قولت حاجة
تصنعت لبنى الخوف من حسام فتعالت ضحكات الجميع ،إبتسم عزام على ما تفوهت به زوجته فتلك هى المرة الأولى التى يرى بها أفراد عائلته يمزحون ويرى الضحكات والابتسامات على وجوههم فينقصه فقط أن يسامحه أيسر وثراء على ما فعله بهم وإنه كان قاصداً وغير قاصداً فى هدم حياته بالسنوات الماضية فأيسر عانى من ظلمه وبطشه منذ مولده وثراء عانت من حقد أيسر وكرهه له الذى جعله يريد إيذءاه بأى وسيلة لينتج بالأخير خسارته لزوجته نتاج ما فعله
ولج أيسر بإبتسامة يحمل صغيرته تسير ثراء بجانبه ولكن سرعان ما ماتت بسمته على شفتيه عندما وقع بصره على عزام وهو جالساً يتجاذب أطراف الحديث مع شقيقه جمال فهو لم يضع بحسبانه أن يراه اليوم ،فتلك السنوات الماضية تجنب رؤيته رغم معاملته الطيبة مع شهاب وميرا ولكن ذلك الجدار المقام بينه وبين عزام لم يحاول هو هدمه فهو سعيد بإبتعاده عن التفكير به وبما فعله به سابقاً ،لم يجد مفر من إلقاء تحية المساء ترافقها إبتسامة مقتضبة،رد الجميع التحية
فحرص أيسر على أن يجلس على ذلك المقعد بجوار حسام فربما إنشغاله بالحديث معه يجعله لا يلتفت لذلك الجالس ولم يخفض بصره عنه
هبت فيروز واقفة قائلة بإبتسامة عريضة:
–يلا يا جماعة قبل العشا ما يبرد
ألتفوا جميعا حول تلك المائدة العامرة تناولوا طعامهم بصمت ببداية الأمر سرعان ما تحولت جلستهم للمرح بسبب مزاح حسام بالبداية ليتبعه أفراد العائلة ما عداه هو فهو ظل جامداً و بارداً يتناول طعامه بصمت حتى لم يعر أنتباهاً لمحاولة زوجته فى أن تخرجه عن صمته فهى مدت يدها أسفل الطاولة تحتضن يده ولكنها أستاءت من بروده معها فشرعت فى تناول طعامها بصمت هى الأخرى ،فعلم أنها ربما أنزعجت من تصرفه معها ولكن لا تعلم ما يدور بخاطره الآن فرؤيته لعمه عزام أحييت بنفسه كل تلك الذكريات الأليمة التى تركت ندوبها بقلبه
بعد إنتهاءهم من تناول العشاء وجد أيسر جمال يقترب منه قائلاً:
–أيسر أنا عايزك أنت وثراء عمكم عزام عايزكم
أذعن أيسر لحديث جمال فسار خلفه حتى وصلا لغرفة المكتب ولج هو وزوجته يجلسون على تلك الأريكة يحاول أن ينظر لأى شئ سوى وجه ذلك الرجل الذى أستند بيديه على عكازه
بدأ عزام حديثه قائلاً:
–أنا حبيت أقعد معاكم النهاردة علشان عايزكم تسامحونى على اللى عملته وننسى اللى حصل زمان وخصوصاً أنت يا أيسر
أنتفض أيسر بحدة قائلا:
–عايزنى أنسى إيه بالظبط، أى ذكرى سودا عشتها عايزنى أنساها، أنسى لما كنت طفل وبشوف الاولاد اللى فى سنى عايشين كويس وأنا لاء، ولا أنسى لما أيام كنت بنام أنا وأمى من غير أكل وأنت كنت عايش فى نعيم، ولا أنسى لما كنت عيل مكملش ١٠ سنين وشوفت أمى واحد كان عايز يعتدى عليها وهى راحة طالبة منه شغل علشان تصرف عليا ولولا ستر ربنا عرفت تخلص نفسها منه، ولا أنسى لما كنت بشتغل فى ورش وأتهان وأنضرب علشان أرجع بفلوس أجيب بيها أكل ليا أنا وأمى أن شوفت الذل على ما أتعلمت وكبرت، أن أنا شوفت أمى بتموت قدامى ومكنش فى إمكانى أن أعالجها كويس قولى يا عزام باشا عايزنى أنسى ده كله إزاى يبقى أنا محتاج أفقد الذاكرة علشان أقدر أنسى
لن يستطيع محو كل تلك الذكريات والسنوات التى قضاها بشقاء وبؤس فهو يكفيه أن يغمض عينيه لتمر حياته أمامه كشريط فيلم سينمائى مأساوى ، تألم قلبها من تخيلها فقط لما عناه زوجها بحياته السابقة لم تجد سوى أن تمد يدها تضغط على يده تواسيه ولكن أى مواساة تستطيع محو كل تلك الندوب التى تركت أثارها على جدران قلبه
أزدرد عزام لعابه يهتف بصوت مترجى:
–ياريت تحاول تسامحنى يا أيسر أنا مش طمعان غير فى أنك تسامحنى
زفر أيسر بتعب قائلاً:
–ربنا اللى بيسامح يا عزام باشا عن إذنك أنا محتاج أرتاح ومتخافش يا عزام باشا أنا مبدعيش عليك
أنهى أيسر جملته وخرج من الغرفة تنهدت ثراء قائلة:
–عمو أيسر محتاج وقت منقدرش نخليه ينسى عمر بحاله فى أيام بسيطة بس صدقنى أيسر طيب وبالرغم من اللى عمله قلبه مبيحقدش على حد فمتقلقش مسيره يوم هيسامح وأن كان عليا أنا مسمحاك عن إذنك علشان أشوف جوزى وبنتى
خرجت ثراء من غرفة المكتب للحاق بزوجها ،فطالع عزام شقيقه جمال الذى ظل صامتاً منذ جلوسهم فهتف بحزن:
–شوفت يا جمال مش هيسامحنى يسامح إزاى وأنا عيشته عمره كله فى فقر وذل
ربت جمال على ذراع شقيقه قائلاً:
–إهدى يا عزام وزى ثراء ما قالتلك مسيره يوم هيسامح
أغمض عزام عينيه بتعب فمتى يحين ذلك اليوم المنتظر فهو يخشى أن يموت قبل أن يسامحه أيسر
عادت ثراء برفقة زوجها للمنزل فمثلما ذهبوا قد عادوا والصمت يرافقهم وجدته يسرع خطواته فى الذهاب لغرفتهم بعد تقبيله صغيرتهم ووضعها بفراشها
وقف بالشرفة بعد تبديل ثيابه يستند على السور بيديه شعر بألم بأظافره من خدشه للسطح ، فلماذا عادت تلك النيران وأشتعلت بقلبه ثانية فهو حاول أن يتخذ من عشقه لثراء دواء لندوب قلبه ،فى خضم صراعه مع نفسه وجد يدها تتسلل تطوق خصره تستند برأسها على ظهره قائلة بصوت ناعم:
–حبيبى
وجدت جسده يتصلب فهو حتى لم يلتفت إليها فأستطردت قائلة:
–أنت زعلان منى يا أيسر
أومأ برأسه نافياً ما تقوله وهو مازال يوليها ظهره فهو الآن لا يتذكر أى شئ حدث بيومه سوى مقابلته لعزام ،وجدها تسحبه من مرفقه تديره إليها قائلة:
–طب طالما مش زعلان منى مش راضى تبوصلى ليه وساكت كده ومش عايز تكلمنى على فكرة مكنش قصدى أبعدك عنى أنا كنت بدلع عليك بس الظاهر الدلع كان بزيادة
زفر بخفوت يحنى رأسه للخلف قليلاً يحدق بالسماء قائلاً:
–مفيش حاجة يا ثراء وأنا مش زعلان منك أه أنا أضايقت فى الأول بس دلوقتى بفكر فى حاجة تانية فى اللى حصل فى بيت باباكى
حاولت هى الترويح عنه فهى لا تريد أن يظل يفكر فيما حدث وتعتلى ملامح الضيق وجهه
فأقتربت منه تهمس له قائلة:
–وحشتنى
كلمة واحدة منها قادرة على أن تجعل سحابة الذكريات السوداء تنقشع،تسمح لنور الغرام أن ينير ذلك الظلام الذى سكن بين ثنايا قلبه وأن تمسح بيدها الحانية على تلك الجراح فتلتئم ،كأن بيدها عصى سحرية تلقى بها تعويذة العشق على قلبه تجعله خاضعاً لتلك السعادة المرتسمة بعينيها، تسابقت أنفاسه فى إخبارها بمدى إشتياقه إليها ورغبته فى أن تظل تردد على مسامعه تلك الكلمات التى لا يمل منها أبداً، لم يكن رده عليها سوى أن يقطف لها نجوم الحب يصنع لها تاج العشق وثوب الغرام
_______________
باليوم التالى مساءاً...جلس أيسر مع حسام بمعرض السيارات الخاص به يتجاذبان أطراف الحديث فزوجاتهم خرجن اليوم لشراء بعض الأغراض الخاصة للصغار
ناول حسام فنجان القهوة لأيسر قائلاً:
–خد القهوة بتاعتك أهى مش عارف بقى مظبوطة ولا أخبرها إيه الساعى مجاش وأنا اللى عملتهالك
أخذ أيسر الفنجان منه ينظر إليه بتقييم :
–قصدك عككهالى هى مالها عاملة زى الماية العكرة كده ليه
رفع حسام شفته العليا بامتعاض قائلاً:
–تصدق أنا غلطان يا أيسر عنك ما شربتها يا أخى متفلقنيش بقى
بادله أيسر نظرته الممتعضة ولكنهم ما لبثوا أن تعالت صوت ضحكاتهم على ما تفوهوا به
فزفر حسام قائلا بهدوء:
–وأنت أخبارك إيه مع ثراء تمام الحمد لله
أومأ أيسر برأسه وأرتسمت إبتسامة جذابة على شفتيه عند سماعه إسم زوجته فرد قائلا بسعادة:
–الحمد لله يا حسام أخيرا حسيت أن الدنيا ضحكتلى برجوع ثراء وبوجود مليكة كمان
مد حسام يده يربت على يد أيسر الموضوعة على حافة المكتب قائلاً بتمنى:
–ربنا يسعدكم يارب وتبقى حياتكم سعيدة على طول
–ويسعدك أنت كمان يا حسام
قالها أيسر وهو يترك مقعده فظن حسام أنه مغادرا فهتف به قائلا:
–أنت قومت ليه رايح فين كده
وضع أيسر يده بجيب بنطاله يدير رأسه لحسام قائلاً:
–هبص بصة كده على العربيات كنت عايز أغير عربيتى بقالى فترة بس مش عارف كنت مكسل ليه
تبع حديثه بضحكة عالية وخرج من المكتب يتجول بين السيارات المعروضة يتفحصها لإنتقاء أفضلها تبعه حسام يكملا حديثهم
فنظر أيسر لساعته قائلاً:
–ما تقفل المعرض وتعال نتعشى برا على ما ثراء وميرا يرجعوا علشان الصراحة جوعت أوى
وافق حسام على إقتراحه فأغلق كافة منافذ المعرض واخذ سيارته يتبعه أيسر حتى أبتعدا عن مرمى بصر هؤلاء الجالسين بتلك السيارة المترقبين خروج حسام من المعرض
ألتفت مجدى لأيتن قائلاً:
–هو خلاص خرج أهو وكمان العامل اللى بيشتغل فى المعرض النهاردة مجاش أنا عرفت أن النهاردة أنسب وقت لتنفيذ اللى إحنا عايزينه
أومأت أيتن برأسها موافقة قائلة بحقد:
–ماشى يا مجدى يلا بينا بس أستنى أكيد فى كاميرات مراقبة وممكن نتكشف كده يا مجدى ونروح فى داهية لو أتعرفنا
إبتسم مجدى بجانب فمه قائلا :
–متقلقيش أنا جايب معايا ماسكات هنلبسها ووشنا مش هيبان وكمان لما المعرض يولع أكيد كاميرات المراقبة هتتحرق لأن النار هتخلى العربيات تنفجر بسبب البنزين اللى فيها
لم يترك أى شئ للصدفة فهو وضع خطته لايريد أى شئ يفسدها لذلك وضع كل إحتمال برأسه ليجد له حل قبل أن يقدم على خطوته تلك فربما حان الآن الوقت المناسب لتفيذ ما فشل فى تنفيذه طوال تلك السنوات الماضية
مد يده يناولها قناع للوجه قائلاً بحزم:
–خدى الماسك أهو ألبسيه وكمان غطى شعرك بالكاب ده
سارعت أيتن فى تنفيذ ما قاله ليتأهبا سويا للترجل من السيارة حمل مجدى عبوات بلاستيكية بها مواد الاشتعال ناول أحدها لأيتن فظلت تلتفت حولها خشية من أن يراهم أحد ولكن ربما كان الحظ حليفيهم فالحى هادئ فى ذلك الوقت ،أقتربا من المبنى وبدأ بسكب محتويات العبوات فظل كل منهم يغلى من الحقد والشر فلم ينتبها لذلك الرزار المتطاير على ملابسهم ،بعد إنتهاءهم نظر كل منهم للأخر بسعادة فهتف مجدى قائلاً:
–خلاص كلها ثوانى والنار هتوصل للسما أنا جبت مواد سريعة الاشتعال يعنى بمجرد ما عود الكبريت هيلمسها محدش هيقدر يوقفها ولا يطفيها
أرتد بخطواته قليلاً للخلف وعلت صوت ضحكته فأخرج علبة أعواد الثقاب من جيبه فها قد حانت اللحظة المنتظرة ولكن بمجرد احتكاك عود الثقاب تتطاير منه شرار صغير وقع على قدم مجدى لم يدرى ما يحدث إلا عندما وجد النار تشتعل بملابسه فصرخ بصوت عالى وهو يرى النار ممسكة به إلى منتصف ساقه سرعان ما أشتعلت ملابسه بالكامل
فظل يصرخ بأعلى صوته قائلاً:
–أيتن ألحقينى النار يا أيتن
لم يسعفها عقلها بفعل شئ فى ذلك الوقت فأقتربت منه تحاول مساعدته ولكنها لم تضع بحسبانها أن تنشب النار بملابسها هى الأخرى فظلت صرخاتهم تعلو اكثر فأكثر فهم أصبحوا كجمرة من نار من رأسهم لأخمص قدميهم لم يجدا عون أو مساعدة من أحد فى ذلك الوقت
عاد حسام بسيارته بعد تذكره أنه ترك هاتفه فعاد هو وأيسر قبل ان يصلا للمطعم أتسعت حدقتيه وهو يرى إثنان دبت النار بجسدهم يحاولون الركض بأى مكان خرج مسرعاً من سيارته يضع يده على فمه من هول ذلك المشهد الذى يراه فتذكر مطفأة الحريق بسيارته فأخرجها بسرعة ليفعل أيسر ذلك هو الآخر حاولا الإثنان إطفاء تلك النيران وبعد دقائق سقط الجسدين المشتعلين تحت أقدامهم فأنحنى حسام ليرى من يكونان فأنحنى أيسر بجانبه
تفرس أيسر بوجه أيتن فملامح وجهها أصبحت مشوهة بالكامل فنظر لحسام قائلاً:
–مين دول يا حسام تعرفهم
حاول حسام التعرف على هوية ذلك الشاب الملقى أمامه فأومأ برأسه بجهل:
–مش عارف يا أيسر شكل وشهم متغيير خالص ومش واضح بس إزاى يحصلهم كده قدام المعرض وكانوا عايزين إيه
علم أيسر أنه ربما لم يلقا حتفهم بعد فسمع صوت أنين من تلك الفتاة وهى تقول بهمس:
–مجدى
سمع حسام ذلك الاسم فقطب جبينه وعاود النظر لوجه مجدى قائلا بحيرة:
–مجدى ! معقولة أنت مجدى
حرك مجدى رأسه بضعف قائلا بصوت هامس:
–أيوة أنا مجدى يا أسطى حسام فاكرنى
جحظت عينى حسام بعدما علم هوية من يكون ذلك الشاب فهتف بصوت مصدوم:
–مجدى وإيه اللى خلاك تعمل فى نفسك كده ومين اللى معاك دى كمان وكنت عايز إيه منى
رد مجدى يلفظ أنفاسه بصعوبة بالغة:
–دى أيتن عارفها كانت عايزة تنتقم منك هى كمان بس ربنا أنتقم مننا إحنا
لم يزد مجدى كلمة أخرى ولفظ أنفاسه الأخيرة تتبعه أيتن تصعد أرواحهم لبارئهم
نظر أليهم أيسر بأسف فاستقام بوقفته قائلا:
–لا حول ولا قوة إلا بالله إن لله وإن إليه راجعون أحنا لازم نبلغ البوليس يا حسام
أخرج أيسر هاتفه لإخبار الشرطة بتلك الواقعة وحسام ما زال جالساً القرفصاء بجوار جسد مجدى وهو لم يتجاوز صدمة ما سمعه منهم أو تخيل ماذا كانوا يريدون أن يفعلوا؟ فعدل الله نافذ فالله يعطى عباده فرص عديدة للتوبة وإصلاح نفوسهم ولكن ربما يظل شيطانهم يعبث بعقولهم حتى يوردهم موارد الهلاك
___________
مابرح ذلك الألم يعاوده ثانية بأسنانه لا يعرف ما حدث له فهو شديد العناية بهم وبمظهره بوجه عام فهتف بصوت متالم منخفض:
–وبعدين بقى فى وجع الأسنان ده دماغى صدعت منه
ولجت والدته الغرفة وجدته جالساً على فراشه يضع يده على وجنته تنكمش ملامح وجهه بألم فأقتربت منه تجلس بجواره قائلة باهتمام:
–مالك يا أمير فى إيه ووشك باين عليه كده ان فى حاجة وجعاك
ضغط أمير بيده على وجنته قائلا بألم:
–مش عارف يا ماما ضرسى عمال يوجعنى جامد ليه كده ومبقتش مستحمل وجعه
إبتسمت والدته إبتسامة خفيفة قائلة:
–ما تروح يا أمير لدكتور أسنان هو أنت لسه زى ما كنت صغير لما كنت باخدك لدكتور الاسنان كنت بتهرب منى وأقعد أدور عليك
أفتر ثغره عن إبتسامة متألمة قائلاً:
–هو أنا كده مبحبش دكاترة الأسنان وعشت طول عمرى محافظ عليها علشان مرحلهمش بس مش عارف إيه اللى حصل يا ماما
أشتد الألم فحتى أقراص الدواء المسكنة قد أنتهى مفعولها ليعاوده الألم بشكل أقوى لم يجد مفر تلك المرة من أن يقوم يرتدى ثيابه للذهاب لطبيب الأسنان فهو لن يحتمل الألم أكثر من ذلك
قبل خروجه من المنزل هتفت به سوزان قائلة:
–تحب أجى معاك يا حبيبى
حدق بها أمير ممازحاً:
–هو أنا عيل يا ماما علشان تيجى معايا سلام
خرج من المنزل يقود سيارته ليصل إلى أحد عيادات طب الأسنان التى وجدها بطريقه فهو حتى لا يعلم إسم الطبيب فهو يريد أى شئ يريحه من ذلك الألم ،ولج إلى العيادة ينظر للمرضة قائلاً:
–لو سمحتى الدكتور موجود
رفعت الممرضة رأسها تبتسم بتهذيب قائلة:
–أيوة حضرتك أتفضل الكشف بإسم مين
رد أمير قائلا بصوت هادئ:
–أمير فهمى الصواف
ملأت الممرضة الورقة أمامها وأخذت منه النقود وأشارت إليه بالجلوس ريثما يخرج المريض المتواجد بالداخل، جلس أمير لا يشعر بالراحة فترك مكانه بعد مرور بعض الوقت فأقترب من الممرضة قائلاً:
–هو لسه كتير على اللى جوا ما يخرج لو كده أمشى
قبل أن تجيبه الممرضة على حديثه فتح الباب لتخرج منه سيدة معها طفلة صغيرة فأشارت الممرضة بيدها قائلة:
–أتفضل حضرتك أدخل
ولج أمير للغرفة ولكنه لم يجد أحد ظل ينظر بأرجاء الغرفة ولكن لايوجد طبيب فتمتمت أمير بغرابة:
–إيه ده هو مفيش دكتور ولا إيه هى الممرضة كانت بتضحك عليا ولا بيتعالجوا هنا من غير دكتور
–أنت بتكلم نفسك ليه
تمتمت بها تلك الطبيبة الحسناء التى خرجت من غرفة أخرى ملحقة بتلك الغرفة إستدار أمير ليرى من تلك التى تحدثه فتأملها جيداً فهى ربما بأواخر العشرينات هيفاء القامة وجهها مستدير بعينين واسعتين بنيتين وأنف صغير وشفتين مبتسمتين فهى حقاً جميلة وخاصة بذلك الحجاب الذى ترتديه باللون الأسود يتخلله خطوط بيضاء رفيعة وثوبها الطويل باللون الأسود أيضاً وترتدى رداءها الطبى الأبيض
قطب أمير حاجبيه قائلا بتفكير:
–هو حضرتك الدكتورة بتاعة الأسنان
أبتسمت ببشاشة قائلة:
–إيه منفعش دكتورة يعنى يا أستاذ..
نظرت لاسمه الموضوع على مكتبها لتستطر قائلة:
–يا أستاذ أمير فهمى الصواف
وضعت الورقة من يدها لتعاود النظر إليه بابتسامتها الرقيقة تضع يديها بجيبى ردائها
–هو أنتى أسمك إيه يا دكتورة
قالها أمير رغبة منه فى معرفة من تكون تلك الطبيبة التى كأنها ظهرت له من العدم
ردت قائلة بصوت هادئ:
–إسمى سما الدكتورة سما مهران بس هو إسمى هيفرق معاك فى إيه على العموم أتفضل أقعد وقولى بتشتكى من إيه
لم يجيبها على الفور ولكنه أخذ يتأمل يديها بعد أن أخرجتها من جيبها ليرى هل هى متزوجة أو مرتبطة ولكنها لم يلمح بيدها أى شئ سوى خاتم رقيق تضعه بإصبعها بيدها اليمنى ولكنه أراد التأكد فهتف قائلا:
–هو حضرتك متجوزة أو مخطوبة
زوت سما ما بين حاجبيها بدهشة كبيرة من تطفله بشأنها فهتفت بضيق قائلة:
–هو حضرتك جاى تكشف ولا تطلعلى بطاقة بتسأل الاسئلة دى كلها ليه
شعر برعونة تصرفه فحمحم بحرج قائلا:
–أنا أسف مش قصدى أضايقك
تجاهلت أسفه واشارت إليه بالجلوس على ذلك الكرسى المخصص للمرضى ،جلس أمير بدون أن ينبت ببنت شفة فاقتربت هى بمقعدها منه تضع قناع على انفها وجهها تتحدث بمهنية:
–قولى إيه اللى بيوجعك بالظبط وأى ضرس اللى مسببلك ألم
رفع أمير يشير بيده لموضع الألم قائلاً:
–هنا يا دكتورة بيوجعنى أوى ومش عارف ليه مع أن مهتم بأسنانى جداً بس مش عارف الألم من إيه
–تمام حضرتك ريح راسك لورا وأفتح بوقك كويس علشان أشوف إيه سبب الوجع
قالتها سما وهى تسحب أحد الأدوات الطبية فعل أمير ما طلبته فظلت تنظر بتمعن بداخل فمه بعد فحصها له هتفت قائلة:
–هو الضرس واللثة جمبه ملتهبين إلتهاب شديد لأن الضرس شكله عايز تنضيف وحشو يا أستاذ امير بس لازم الالتهاب الأول يخف علشان كده هكتبلك علاج وتاخده وبعد كده نعمل جلسات تنضيف وحشو للضرس
لم يفعل أمير شئ سوى التحديق بها ولم يستمع لما قالت فأنكمشت ملامح وجهها بضيق وهتفت بصوت حاد بعض الشئ:
–هو حضرتك بتبوصلى كده ليه بالظبط هو فى إيه هو أنت مامتى اللى بعتاك ليا مش كده
قطب أمير حاجبيه فهو لا يفهم ما ترمى إليه فتمتمت قائلاً:
–مامتك مين هو أنا اعرفك علشان أعرف مامتك
نهضت سما عن مقعدها تعقد ذراعيها أمام صدرها قائلة بسخط:
–متكذبش عليا وقولها أن أنا مش موافقة أتجوزك وقولها تبطل تبعت ليا العرسان الغريبة اللى بشوفها دى
وصل غضبها لذروته وهو لا يفهم ما تقوله فعن أى زواج هى تتحدث الآن وماقصة هؤلاء العرسان ولكن زاد فضوله أكثر لمعرفة من تكون تلك الفتاة التى ربما تظنه شخص أخر وتحدثه هكذا بغضب
فرد قائلاً بصوت هادئ:
–الظاهر حضرتك غلطانة وفكرانى حد تانى ثم هو انا لو عريس زى ما بتقولى هجيلك وأنا ضرسى واجعنى دا حتى ميبقاش عندى نظر وهسيب أنطباع مش تمام من أولها عريس مبيغسلش سنانه
قال جملته الأخيرة متفكهاً فشعرت سما بالحرج فربما هى مخطئة وتصرفت برعونة ولكن إلحاح والداتها لها بأن تتزوج وإرسال العرسان لها بالعيادة لرؤيتها وهى جاهلة بذلك جعلها عندما ترى أى رجل يأتى إليها هنا ويحدق بها تخاطبه بغضب وسخط
أذدردت لعابها بتوتر قائلة:
–ما أصل حضرتك من ساعة ما وصلت وعمال تسأل كتير وعمال تبوصلى بطريقة غريبة خلتنى أشك أنك من العرسان العاهات اللى بشوفها
إبتسم أمير قائلاً بتفهم:
–ولايهمك يا دكتورة سما وأنا أسف لو كنت ضايقتك ممكن تكتبيلى الروشتة علشان أمشى وتقوليلى أجى أمتى علشان جلسة التنضيف والحشو
أقتربت سما من مكتبها الصغير تدون بالدفتر الطبى أسماء الأدوية اللازمة له ،فناولته الورقة قائلة بابتسامة خفيفة:
–أتفضل تاخد الأدوية دى ولما تخلصها والالتهاب يروح هنعمل جلسة التنضيف
أخذ من يدها الورقة يجيل ببصره فيها قبل أن يرفع راسه يرمقها بابتسامة قائلا:
–تمام يا دكتورة سلام
خرج أمير من الغرفة وجلست سما على مقعدها خلف المكتب الصغير الموجود بأحد أركان الغرفة تضع يديها على وجنتيها الملتهبتين بشدة بسبب إحراجها مما قالته فوبخت نفسها قائلة:
–إيه الغباء اللى أنا فيه ده هو كل واحد هييجى هنا هفتكره عريس الله يسامحك يا ماما
طرق أحد المرضى الباب ليدلف للغرفة فتركت مكانها تباشر عملها تحاول أن تنفض عن ذهنها ماحدث منذ قليل ولكن عاد عقلها يذكرها بما حدث
___________
أستغرق حسام وقتاً طويلاً فى سكب الماء أمام معرض السيارات الخاص به لإزالة أثار تلك المواد المشتعلة يعاونه أيسر فبعد مجئ الشرطة والاسعاف وبالتحقيق أثبت أن المعرض كان من الممكن أن يحترق بالكامل بتلك المواد المسكوبة على جدران المعرض ليشرع حسام وأيسر فى تنظيف تلك الجدران
مد حسام يده يمسح جبهته قائلا بإرهاق:
–الحمد لله جت سليمة لو كان المعرض بعد الشر ولع كان زمان الحريقة بهدلت الدنيا والبيوت اللى حواليه
حدق به أيسر وحاله يرثى له هو الآخر:
–الحمد لله بس مين مجدى ده يا حسام أنت عمرك ما كلمتنى عنه ومين دى كمان البنت اللى كانت معاه أنا مش فاهم أى حاجة
ولج حسام للداخل يتبعه أيسر جلسا بغرفة المكتب فقص عليه حسام كل شئ منذ بداية معرفتة بمجدى حتى اليوم وقص عليه أيضاً سبب معرفته بأيتن فأختتم حديثه قائلا:
–هى دى كل الحكاية إلاتنين دول كانوا بيكرهونى وعايزين يدمرونى بس إيه اللى اخدوه من حقدهم وكرههم غير أنهم ماتوا أشنع موته الله يرحمهم ويغفر لهم
حك أيسر جبهته قائلاً بهدوء:
–أنا مش عارف أمتى هنعيش فى هدوء كل ما نقول الدنيا ظبطت تطلع أى حاجة كده تنكد علينا بس الحمد لله أنها جت على قد كده يمهل ولا يهمل
شرد حسام بذهنه يفكر فيما كان سيحدث إذا نجح مجدى فى إشعال النيران فربما كانت ستكون الخسائر فادحة ولكن ماذا نال مجدى من حقده غير أنه خسر حياته فالله أراد أن يذيقه كيف تكون النار هلاك وعذاب فلو لم يسلم نفسه لوساوس الشيطان ربما كان سيلقى مصير غير هذا المصير المؤسف والنهاية المفجعة
رفع أيسر يده يشير بها أمام وجه حسام قائلاً:
–هااااى روحت فين كده ومالك متنح ليه كده
زفر حسام قائلاً:
–بفكر فى اللى حصل دا الدنيا دى ولا ليها أى لازمة يعنى فى غمضة عين ممكن الدنيا دى كلها تتغير بلمح البصر وإن الإنسان ممكن يخسر كل حاجة حتى روحه فى طريق الشر والشيطان وميكنش عامل حسابه للتوبة ومخلى شيطانه متملك منه ومن عقله والموت بيبقى قريب منه وهو فى غفلة
أومأ أيسر برأسه بتفهم قائلاً:
طب يلا بينا نروح وإن شاء الله لو عايز بكرة أبعتلك حرس علشان المعرض أنت برضه متضمنش ممكن يحصل إيه تانى
ترك حسام مقعده يعدل من هندام قميصه وشعره الاشعث نتيجة جهده المبذول فى تنظيف المعرض فخرج أيسر يتبعه حسام حتى وصلا كل منهم لسيارته ونظر حسام على المبنى نظره أخيرة قبل أن يدير محرك سيارته وينطلق بها صوب منزل عائلته وصل إلى المنزل وولج للداخل يمشى بخطى ثقيلة قابلته فيروز فتعجبت من حالته فهتفت به قائلة:
–حسام مالك كده راجع هدومك وشعرك مبهدل فى إيه يا حبيبى
اقتربت منه بلهفة تتحسس وجهه تتأكد من خلوه من مكروه أصابه فأبتسم حسام بوهن قائلاً:
–أنا كويس يا ماما متخافيش هى ميرا لسه مرجعتش هى وريان
أقترب منها يلقى برأسه على كتفها فرفعت ذراعيها تطوقه تربت عليه بحنان تتمتم بحنان:
– لاء لسه يا حبيبى فى حاجة حصلت يا حبيبى مالك
أبتعد عنها فجلس على الأريكة بإرهاق فوجدها تجلس بجواره فقص عليها كل ما حدث منذ البداية وحتى عودته
وضعت فيروز يدها على فمها من هول ما سمعته منه فهتفت بذهول:
–معقولة يا حسام اللى حصل ده ياربى الحمد لله يا ابنى أنك رجعت بخير وربنا يرحمهم ويغفرلهم
نهض حسام ثانية يريد الذهاب لغرفته فطالع وجه والدته قائلاً:
–عن إذنك يا ماما أنا طالع أوضتى علشان عايز أرتاح شوية
صعد حسام الدرج بخطوات بطيئة كأنه لن يصل إلى غرفته أبدا فقدميه تتحرك بألية وصل إلى الغرفة فأرتمى على الفراش ساكناً عندما أغمض عينيه ذهب بسبات عميق كأنه بذلك يفر من تلك الذكرى المأساوية التى عاشها اليوم
___________
عادت ثراء إلى المنزل تتبعها سيارة الحراسة فغفت مليكة كعادتها فترجلت من السيارة ودارت حولها تفتح الباب بجانب صغيرتها النائمة فحملتها بين ذراعيها تضمها إليها بحب وحنان تربت على ظهرها بعطف أمومى وحملت أيضاً تلك الحقائب التى تحوى بداخلها على ثياب ودمى لصغيرتها ،ولجت للداخل قابلتها المربية أقتربت منها مسرعة تهتف بتهذيب:
–عنك يا ثراء هانم أنا هوصلها الأوضة وهنيمها
أخذتها المربية تصعد الدرج حتى وصلت لغرفة الصغيرة وصلت ثراء لغرفتها ولجت للداخل تغلق الباب خلفها وذهبت لغرفة ثيابها وبعد إنتهاءها من إرتداء منامتها عادت للغرفة سحبت هاتفها تريد إخبار زوجها بشأن عودتها للمنزل وضعت الهاتف على أذنها فى انتظار سماع صوته ولكنها سمعت رنين الهاتف ينبعث من داخل الشرفة الملحقة لغرفتهم ذهبت ثراء حيث الصوت وجدت زوجها ممدداً على تلك الأريكة بالشرفة ويبدو عليه أنه يغط بنوم عميق أنحنت إليه تجلس القرفصاء بجانبه مسدت على رأسه ومدت إصبعها تداعب طرف أنفه فتململ بنومه فكفت عن فعلتها ليعود ويغفو ثانية ولكنها عاودت الكرة حتى فتح عينيه ووجد عسليتيها الصافيتين تطالعه بعشق
فمد كف يده يغمر وجهها بدفئه قائلاً:
–نور عيونى انتوا رجعتوا أمتى وفين مليكة
ردت ثراء قائلة:
–كوكى نامت انت نايم هنا ليه كده ومتصلتش عليا ليه تقولى انك فى البيت أنا أفتكرت أنك لسه عند حسام فى المعرض بتاعه أنت قايلى أنك هتقعد معاه لحد ما أرجع البيت غيرت رأيك ورجعت ليه
اعتدل بجلسته وجذبها إليه يجلسها بجواره يطوق كتفيها بذراعه يجعلها تتوسد كتفه فهو لا يشأ إخبارها بما حدث اليوم فهو لا يريد إثارة قلقها وخوفها فهو يعلم ما يصيبها عندما تنتابها حالة الخوف فهو يخشى أن يصيبها اى مكروه إذا علمت بما كان سيحدث لشقيقها حسام اليوم
أبتسم بوجهها قائلا :
–قوليلى بقى عملتوا إيه وأشتريتوا إيه عايزك تحكيلى كل حاجة بالتفصيل ماشى يلا إحكيلى يا ثراء
حاول إلهاءها حتى لا تعاود سؤالها بشأن عودته باكراً ولكنها لم تفه بكلمة لم تفعل شئ سوى أنها ظلت تقترب منه أكثر تطوقه بذراعيها تغوص بوجهها بين كتفه وعنقه تجعل أنفاسها الحارة تداعب بشرته كلسعات الجمر الحارق فغمغت بصوت ناعم:
–أيسر أنا عايزة .....
سر غائب
البارت الرابع والعشرون
حاول إلهاءها حتى لا تعاود سؤالها بشأن عودته باكراً ولكنها لم تفه بكلمة لم تفعل شئ سوى أنها ظلت تقترب منه أكثر تطوقه بذراعيها تغوص بوجهها بين كتفه وعنقه تجعل أنفاسها الحارة تداعب بشرته كلسعات الجمر الحارق فغمغت بصوت ناعم:
-أيسر أنا عايزة أعرف أنت رجعت بدرى ليه علشان عارفة أنك عمال تتوهنى فى الكلام علشان مسألش أنت مش وعدتنى أنك متخبيش عنى حاجة
رفعت رأسها عن كتفه تحدق به فى إنتظار سماع تفسيره لها فزفر بقلة حيلة قائلا:
-أنا مكنتش عايز أقولك علشان متقلقيش أو تضايقى علشان متتعبيش
أنبأها حدسها بأن شئ مروع قد حدث حتى يصل الأمر بزوجها بأخفاءه عنها خشية عليها من أن يصيبها مكروه فأزدردت لعابها تحاول أن يخرج صوتها هادئاً:
-لاء بجد فى إيه يا أيسر أنا كده قلقت أكتر أنت كويس حسام كويس حد حصله حاجة
ضمها إليه يربت عليها بحنان فقص عليها ما حدث اليوم فوجدها تنتفض من بين ذراعيه صارخة:
-إيه حسام كان هيجراله كده كان هيتأذى يا أيسر كان فى حد عايز يأذيه وهو عامل إيه دلوقتى
لم تنتظر أن يجيبها زوجها فسحبت هاتفها سريعاً تهاتف شقيقها الذى وصل إليها صوته ناعساً:
-ألو أيوة يا ثراء خير فى إيه
-حسام أنا عرفت اللى حصل النهاردة أنت كويس
هكذا تمتمت ثراء جملتها بخوف على شقيقها الأوحد فى إنتظار سماع رده عليها
رد حسام قائلا بهدوء:
-حبيبتى أنا كويس وعدت على خير الحمد لله متقلقيش كده تصحينى مفزوع من النوع هو أخوكى ناقص خضة
قالها حسام ممازحاً للتخفيف من وطأة خوف شقيقته فأستطرد قائلاً:
-يلا تصبحى على خير وليا كلام مع جوزك الفتان ده لما أشوفه سلام
أنهت مكالمتها مع شقيقها نظر إليها زوجها قائلاً:
-كان بيقول عليا إيه أخوكى ده أبو لسان طويل سمعته بيشتم
أفتر ثغرها عن ابتسامة خفيفة وعادت لتجلس بجواره ثانية وهى تزفر براحة بعد سماع صوت شقيقها:
-مبيقولش حاجة ويلا بينا ننام علشان عايزة أنام عندى شغل كتير أوى بكرة فى الشركة
تركت مكانها ولكن لم تتقدم خطوة أخرى فقبض هو على رسغها جعلها تستدير برأسها إليه تطالعه بصمت وجدته يقف أمامها بطوله الفارع يدنو بوجهه منها قائلاً بهمس:
-يعنى جيتى وقعدتى مفيش وحشتنى أشتقتلك أى حاجة خالص كده وكمان راحة تنامى
خلصت يدها من يديه تحيط عنقه بكلتا ذراعيها تقف على أطراف أصابعها تهمس قائلة:
-إزاى بقى الكلام ده أنت لو قدام عينيا بتبقى واحشنى
داعب طرف أنفها قائلاً:
-كلام وبس
لا تعرف كيف تخبره بعدم إسهابها فى إخباره بإشتياقها له فهى لديها ما يمنعها من أن تجعله يقربها تلك الأيام
فتلعثمت قائلة:
-ماهو ماهو أصل يا حبيبى أنا هو يعنى
قطب حاجبيه من تلعثمها الواضح بحديثها فحثها أن تكمل حديثها قائلاً:
-مالك بس يا حبيبتى فى إيه قولى ومالك زى ما تكونى مش عارفة تقولى إيه
فماذا تخبره ؟ مالت على أذنه تهمس له بما تريد ، علم مدى خجلها مما قالت فحاول الترويح عنها قائلاً:
-ماشى يا قلبى يلا ننام بس ده ميمنعش أنك تقولى وحشتينى يا حبيبى يلا قوليلى بقى
ضحكت ملأ فاها على حديثه فوجدته يحملها يولج للغرفة فهمست بأذنه قائلة:
-أنا بعشقك يا أيسر
سرت القشعريرة بجسده من همسها له ومن حرصها على تضمين حروفها كل رقة ونعومة صوتها فيكفيه فقط النظر لعينيها وأن يعلن قلبه راية الاستسلام لتلك الحروب الضارية من العشق التى أعتملت بقلبه
__________
هرولت ميرا مسرعة على الدرج بعد علمها بما حدث مع زوجها فهى عندما عادت للمنزل اخبرتها فيروز بشأن عودة حسام وما حدث معه وصلت أمام الغرفة فتحت الباب تولج بخطى واسعة حتى وصلت للفراش وجدت زوجها نائما بتلك الثياب التى خرج بها صباحاً جلست بجواره ،ربتت على كتفه عدة مرات تناديه بصوت منخفض فهى تريد الإطمئنان عليه:
-حسام حسام حبيبى إصحى
فتح حسام عينيه وجدها تنظر إليه بقلق فرد قائلا:
-فى إيه يا ميرا مالك
اعتدل بجلسته وجدها تقترب منه تطوقه بذراعيها تلقى برأسها على كتفه قائلة بصوت متحشرج:
-حسام هو إيه اللى سمعته من طنط فيروز النهاردة أنت كان ممكن تتأذى ويجرالك حاجة
رفعت رأسها عن كتفه تحدق به بإهتمام ودموعها على وشك أن تنزلق من عينيها فربت على وجهها بحنان قائلاً:
-حبيبتى أنا كويس الحمد لله
فألقى برأسه على كتفها هو هذه المرة يزفر بخفوت تناهى إلى مسامعها صوت أنفاسه المضطربة فظلت تربت على ظهره تمسد على رأسه بحنان فهى تحمد الله على أن عاد إليها سالماً
شعر بتحسن حالته قليلاً فهتف بها قائلاً:
-ميرا هاتيلى هدوم عايز أخد شاور وكمان جعان بس هاتيلى أكل هنا مش قادر أنزل أكل تحت
أومأت برأسها فذهبت لغرفة الثياب خرجت تحمل بيدها ثيابه البيتية قائلة :
-الهدوم أهى يا حبيبى وهنزل أجبلك اكل وأجى
أخذ ثيابه وذهب للحمام جلس بالمغطس يستند برأسه على حافته وهو يحملق بالسقف بشرود ظل وقتاً طويلاً حتى شعر ببرودة الماء فأغتسل وخرج من الحمام وجد زوجته أحضرت له الطعام جالسة بإنتظاره فنظرت إليه قائلة:
-إيه يا حبيبى قعدت ده كله فى الحمام ليه أنا مرضيتش أنادى عليك قولت أسيبك براحتك بس أنت أتأخرت أوى جوا
ألقى حسام المنشفة التى كان يجفف بها رأسه على حافة الفراش وجلس بجانب زوجته يتناول طعامه بصمت فتعجبت ميرا من حالته فتلك ليست طبيعته أبدا فهذا ليس حسام زوجها الذى كان يقضى معظم وقته بالمزاح والفكاهة
زاد القلق بقلبها فتمتمت قائلة:
-حسام مالك يا حبيبى
ترك حسام الملعقة من يده يضع وجه بين راحتيه يدمدم بصوت منخفض:
-المنظر يا ميرا كان بشع شكلهم والنار ماسكة فيهم وبيتحرقوا مش قادر يطلع من دماغى موقف صعب أوى بالرغم من أن مكنتش طايقهم هم إلاتنين بس مكنتش اتمنى اشوفهم فى الوضع ده أبدا ربنا يكفينا شر النار وعذابها من ساعتها وانا حاسس إن نزل عليها سهم الله حتى الكلام حاسس أنه بيوجعنى اللى حصل النهاردة شئ صعب
سحبت ميرا يده التى يغطى بها وجهه وجذبته إليها تحتضنه تحاول بث الطمأنينة والسكينة بنفسه فظلت تهدهده بين ذراعيها كأنه طفلها،فضلت أن تظل صامتة فهو بحاجة للشعور بالراحة أكثر من أى شئ أخر ،فبالرغم من الضيق الذى أصابه اليوم إلا أنه يشعر بالسعادة لكون زوجته متفهمة لحالته المزاجية والنفسية فهى كل يوم تجعله يتيقن من أنه لم يخطئ بأختيارها زوجة له
__________
فاض الحنان بعين منير وهو يطالع ضحى بعد أن أن أرتدت ذلك الثوب الجميل تتهيأ لمقابلة شهاب ووالديه من أجل خطبتها فربتت ثراء على كتفها ممازحة :
-إيه رأيك يا عمو منير عروسة عسل مش كده نحطها فى برواز
إبتسمت ضحى على مزاح ثراء التى أصرت على الحضور باكراً هى وطفلتها من أجل مساندة صديقتها المقربة فى هذا اليوم الهام بحياتها
تقدم منير من إبنته يقبلها على جبينها يهتف بصوت تخلله الدموع:
-عروسة زى القمر ربنا يتم فرحتك على خير يا بنتى
أخذت ضحى يد والدها بين يديها ترفعها إلى شفتيها تقبلها بحنان بالغ:
-تسلملى يا بابا ومتحرمش منك ابدا يارب
بعد خروج منير من الغرفة إستدارت ضحى إلى ثراء وهى تستطرد قائلة:
-ولا يحرمنى منك يا ثراء يا بنت الأكابر يا غالية أنتىيا غالية أنتى
أسندت ثراء جانب رأسها إلى رأس ضحى تطوق كتفيها بمحبة ظاهرة وهى تقول:
-ولا يحرمنى منك انتى كمان أنتى صاحبتى واختى وحبيبتى وكمان دلوقتى هتبقى من عيلتى دا شهاب محظوظ أوى بيكى يا ضحى
تلون وجه ضحى عند ذكر ثراء لإسم شهاب فضيقت ثراء عينيها قائلة بمكر وبصوت هامس بأذنها:
-هو إسم شهاب بس يخليكى تحمرى أومال لما ييجى هيحصلك إيه هيغمى عليكى يا ضحى ونجيب بيرفيوم ونفوقك بقى لاء أنا مش فاضية لكده
ضربتها ضحى بخفة على ذراعها قائلة بخجل:
-بس بقى إسكتى ثم ده من بعض ما عندكم ياثراء دا أنتى مبتشوفيش وشك لما بس تسمعى إسم أيسر جوزك عينيكى تطلع قلوب وتعمليلنا فيها صغيرة على الحب
أرتد ثراء برأسها للخلف ضاحكة :
-صغيرة على الحب ! أعمل إيه يا بنتى ما هو مش مخلينى أشوف قدامى هو عملى عمل ولا إيه مش عارفة
ضيقت ضحى ما بين عينيها قائلة :
-عملك عمل ! أنتى متأكدة أنك ثراء بنت العز وأكل الوز واللى واخدة الدكتوراة من لندن
قرصتها ثراء بوجنتها قائلة:
-أه يا أختى ثراء ثم يلا بقى زمان شهاب على وصول
أسرعت ضحى فى الوقوف أمام المرآة تتأكد من وضع حجابها و أن كل شئ على ما يرام فهى تريد ترك أثر طيب بنفس والد ووالدة شهاب فهى تعلم أن والدته إمرأة أرستقراطية من الطراز الأول
بعد مرور عشر دقائق ..دق جرس الباب أسرعت ثراء فى فتح الباب تبتسم لشهاب وعمها وزوجته وميرا قائلة بترحيب:
-أهلا أتفضلوا نورتوا
دلفوا جميعاً أشارت إليهم ثراء الجلوس بغرفة الصالون لحين مجئ منير ،اتخذ كل منهم مقعده فولج منير يهتف قائلا بإبتسامة:
-أهلا بيكم منور يا ابنى أنت وأهلك
إبتسم شهاب إبتسامة واسعة قبل أن يضع باقة الزهور التى يحملها قائلاً:
-دا نورك أنت يا عمى منير
عادت ثراء ثانية لغرفة الصالون ولكن تلك المرة برفقة ضحى التى تعلقت بيد ثراء وهى تشعر بخجل العالم أجمع فهى بدأت بالضغط على يد ثراء من شدة توترها فنظرت إليها ثراء قائلة بهمس:
-ضحى إهدى مالك متوترة كده ليه حرام عليكى شوية وهتكسرى إيدى
أزدردت ضحى لعابها قائلة:
-أنا أسفة يا ثراء بس بجد حاسة ان عايزة الأرض تتشق وتبلعنى
إبتسمت ميرا على ملامح وجه ضحى المتشنجة فهى تعلم كيف يكون ذلك الشعور وخاصة عندما تقدم الفتاة على تلك الخطوة الهامة بحياتها فتركت مكانها تقترب منها قائلة:
-أهلا بيكى يا عروستنا تعالى أقعدى جمب ماما
أخذتها من مرفقها تجلسها بجانب لبنى وجلست هى بجانبها على الطرف الآخر
نظر عزام لمنير قائلاً بصوت رزين:
-إحنا النهاردة يا حاج منير جايين نطلب إيد بنتك لإبنى شهاب رأيك إيه
ضمت ضحى يديها تفركها بتوتر فى إنتظار سماع رد والدها على ما قاله عزام فمدت لبنى يدها تربت على يدها بابتسامة قائلة:
-مالك يا عروستنا متوترة ليه كده
ردت ضحى بصوت خافت:
-أبدا أنا كويسة مفيش حاجة
رفعت لبنى بصرها عن وجه ضحى لتنظر لمنير قائلة:
-مقولتلناش رأيك يا حاج منير وصدقنى بنتك هنشلها فى عينينا بس أنت وافق
دام صمت منير لحظات يفكر هل ستكون إبنته سعيدة بتلك الزيجة ؟ فهو رأى شهاب وعائلته فهو علم الآن مدى ثراء تلك العائلة التى كان يسمع عنها من إبنته ولم يرى ذلك سوى اليوم ولكن رأى أيضاً سعادة إبنته فهو لا يخفى عليه تلك السعادة المتوارية خلف خجلها ولكن أيضاً أخبرته بشأن أنها أستخارت الله قبل أن تخبرهم بموعد للمجئ لخطبتها فربما سيكتب الله لها الخير بتلك الزيجة
هتف منير باسماً وهو يقول:
-وأنا موافق
زفر شهاب بإرتياح بعد سماعه كلمة الموافقة من والد عروسه المستقبلية فنظر إليه قائلاً:
-إن شاء الله مش هخلى بنتك تتندم على جوازها منى ولو سمحت يا عم منير نكتب الكتاب بعد بكرة والفرح يبقى فى أى وقت على العروسة ما تجهز براحتها بس عايز نكتب الكتاب
فهو يريد أن يعقد قرانه عليها حتى يستطيع أن يتحدث معها بحريته حتى يحين موعد أخذه لها إلى منزله لتصير ملكه للأبد
قطب منير حاجبيه بتفكير قائلا:
- بعد بكرة بسرعة كده
فهو بالرغم من سعادته بأنه سيرى إبنته عروس وستزف إلى زوجها ولكن لا يتخيل ان يستيقظ يوماً بهذا المنزل ولا يرى وجهها أو يستمع لصوتها الرقيق وهى توقظه من نومه كل صباح،ولكن فكر أن هذه هى الحياة آباء ينجبون أطفال ينشئون ويكبرون بكنفهم ويأتى الوقت ويتركون المنزل كالعصافير التى تهجر أوكارها لتبنى أعشاشها وتبدأ فى خوض حياتها الخاصة
أفتر ثغر شهاب عن إبتسامة مطمئنة قائلاً:
-متقلقش يا عم منير أنا برضه عارف أنك متعلق ببنتك وملكش غيرها وزعلان على أنها هتسيب البيت بس أنا عمرى ما همنعها عنه ولا أخليها تغيب عنك
إبتسمت ميرا بدورها قائلة:
-وأنا برضه البنت الوحيدة لهم واتجوزت ورحت بيت جوزى وثراء هى كمان يعنى دى سنة الحياة بس طبعا عمرنا ما بننسى أهلنا ولا حبنا ليهم بيقل
حدقت ثراء بميرا وهى تتحدث وتذكرت كيف كانت ميرا سالفاً وكيف أصبحت الآن ؟ فزادت إبتسامتها إتساعاً بحظ شقيقها حسام بإقترانه بميرا الحالية التى أصبحت أشد لطفاً ورجاحة عقل ،بعد محاولة إقناع عزام لمنير بالموافقة على عقد القران وافق منير مرحباً بذلك ،فعندما سمعت ضحى كلمة الموافقة من والدها زادت دقات ذلك الخافق بين ضلوعها وهى تشعر بالسعادة تتسلل إليها رويداً لتستوطن بداخل قلبها ،فما أجمل ذلك الشعور عندما تجد من يريد قربها بميثاق شرعى أحله له الله لتصبح نور دربه رفيقة عمره
_____________
ولجت ثراء غرفة صغيرتها وجدتها تُعد ذلك الشاى الوهمى بألعابها فبعد إنتهاءها ناولت أيسر ذلك القدح الفارغ الذى يجب عليه أن يتناوله
فهتفت مليكة به قائلة بمرح:
-حلو الشاى يا بابى
نظر أيسر داخل تلك القطعة الصغيرة التى تتخذ شكل فنجان صغير قائلاً:
-أوى أوى يا مليكة بس ناقص سكر
وضعت ثراء يدها على فمها تكتم ضحكتها وهى ترى زوجها يجلس على أحد تلك المقاعد حول المائدة الصغيرة التى أعدتها مليكة
فأقتربت منهم قائلة بضحكة عالية:
-هو الشاى ناقص سكر بس دا ناقص الشاى كله
طالعها أيسر يحمل قطعة صغيرة بشكل حلوى يدمدم بصوت منخفض:
-أومال لو شفتى الكيك اللى هى عملهولى ومقدرش اقول لاء يا ثراء
حدقت بملامحه الوسيمة والجذابة تراه كمن يجلس بأمر قهرى ولا يستطيع مخالفته فهى تعلم مدى تعلقه بصغيرته ودلاله لها وعدم رفضه لأى شئ تريده حتى وإن كانت ستجعله يجلس ويلهو معها بالدمى الخاصة بها ،فهو معها ينسى كل شئ سوى أنه يريدها أن تكون سعيدة
جلست ثراء على أحد تلك المقاعد الصغيرة بجواره قائلة:
-وأنا عايزة شاى وكيك أنا كمان يا كوكى
زاد الحماس لدى مليكة لتسرع فى إعداد قدح من الشاى ترفق معه قطعة الحلوى وضعتهم أمام ثراء قائلة:
-أهو يا مامى أتفضلى
طرأت فكرة برأس أيسر فهتف بهن قائلاً:
-ما تيجوا نعمل كيك بجد يا مليكة
تركت الصغيرة مكانها تقترب منه بحماس كبير قائلة:
-يلا يا بابى بسرعة
تعلقت بعنقه فحملها على أحد ذراعيه ومد يده الأخرى لزوجته قائلاً:
-يلا يا ثراء علشان نعمل كيكة أو تقريباً هنخرب المطبخ
ضحكت ثراء ووضعت يدها بيده وهبطوا للطابق السفلى ولجوا للمطبخ وضع أيسر مليكة على تلك الطاولة التى تتوسط المطبخ
اقتربت منهم الخادمة قائلة بتهذيب:
-أؤمرى يا ست هانم
ردت ثراء قائلة بهدوء:
-حضريلى طلبات الكيك ولو عايزة تروحى ممكن تروحى علشان ولادك وأنا هعمل الكيك
أحضرت الخادمة كل ما تريده ثراء وبعد أن انتهت خلعت مريول المطبخ وأخذت أغراضها وخرجت للذهاب لمنزلها
بدأت ثراء فى إعداد الكيك يساعدها أيسر ومليكة ولكن أصبح المطبخ بحالة فوضى مما فعلته مليكة فهى ظلت ترشق والديها بالطحين
نظرت إليهم ثراء تشهق بصوت عالى:
-يا خبر أبيض دا المطبخ مبقاش مطبخ والدنيا أتبهدلت خالص يلا بقى زى الشطار نضفوا معايا البهدلة دى
تصنع أيسر عدم إستماعه لما قالت فأقتربت منه تستطرد قائلة:
-هو أنا مش بكلمك أنت وبنتك
رفع أيسر أصبعه يشير لنفسه قائلاً:
-أنتى بتكلمينى أنا يا نور عيونى
رفعت ثراء إحدى حاجبيها تعقد ساعديها أمام صدرها قائلة :
-لاء يا روحى بكلم خيالك هتنضف معايا ولا لاء
إبتسم أيسر بدهاء قائلاً:
-من عينيا يا روحى
نظر لصغيرته يكمل حديثه :
-كوكى يلا يا قلبى روحى للدادة خدى شاور وغيرى هدومك اللى أتبهدلت دى
ردت الصغيرة قائلة بطاعة:
-حاضر يا بابى علشان كوكى تاكل الكيك وهى نضيفة
ركضت الصغيرة خارج المطبخ فأقترب منها يهمس بأذنها قائلاً:
-يلا علشان ننضف المطبخ
بدأت بمسح تلك الطاولة ولكنها وجدته يقف خلفها يمد يده يضعها على يدها يستند بذقنه على كتفها وذراعه الآخر يطوق خصرها قائلا بهمس:
-لسه فى دقيق فى الحتة دى منضفتهاش كويس
فتحت ثراء عينيها على إتساعها فهتفت بتوتر قائلة:
-أيسر إيه اللى بتعمله ده أبعد لحد يدخل ويشوفنا
لم يتزحزح من مكانه قيد أنملة بل زاد بضغط ذراعه حولها جاعلاً وجيب قلبها يتزايد حتى شعرت بألم خفقاته فتملمت بين ذراعيه تريد الفكاك منه فقدميها لن تسعفها بالوقوف كثيراً وخاصة وهو مازال يهمس لها بصوته القوى:
-مين اللى هيدخل الشغالة ومشيت والدادة بتاعة كوكى فوق وزمانها مع كوكى دلوقتى ثم نضفى بقى وأنتى ساكتة ولا بتتلككى
كيف لها أن تتجاهل دفء تلك المشاعر التى تسرى بعروقها من جراء قربه المهلك منها فأغمضت عينيها تستند عليه فرفعت وجهها بعد برهة تطالع وجهه المطل عليها بإبتسامة فهتفت بصوت ناعم:
-ويبقى إسمه إيه ده بقى ها أنت هتيجى معانا كتب كتاب شهاب صح
أومأ برأسه بالايجاب فمرت أنفاسه على وجهها وهو يدنو بوجهه منها يقطف من زهور وجنتيها ورحيق تلك الشفاه المُسكرة شعر بحاجتها للهواء فأطلق سراحها من بين قضبان ساعديه فوجدها هى من تعود ليأسرها من جديد ،ولكن وجدها تهتف فجأة بصوت عالى :
-الكيكة دى زمانها أتحرقت
فتحت ثراء باب الموقد وأخرجت قالب الكيك وضعته وهى تتنفس الصعداء قائلة:
-الحمد لله متحرقتش شوية كمان وكانت هتتحرق
حدقت بوجه زوجها تكمل حديثها:
أيسر متتدخلش معايا المطبخ تانى مفهوم يا حبيبى
إبتسم أيسر على تهديدها له فهتف بها قائلا:
-براحتك أنا كنت عايز أساعدك بس الظاهر أنتى اللى مش عايزة هطلع أخد شاور بقى عايزة منى حاجة تانية
غمزة من خضراوتيه جعلت الدماء تتسابق فى الوصول لوجنتيها تجعلها أكثر توهجاً وإحمراراً فرأى أنه من الأفضل له الذهاب الآن فهى أخذت حصتها كاملة من مشاكسته لها اليوم بعد خروجه أسرعت ثراء فى ترتيب المطبخ ووضعت الكيك بالأطباق تحملها له صغيرتها وزوجها دلفت غرفة مليكة وجدت المربية تمشط لها شعرها
فأقتربت منهن ثراء قائلة بإبتسامة:
-الكيك أهو يا مليكة علشانك أنتى والدادة
نظرت إليها المربية بإحترام قائلة:
-تسلم إيدك يا ثراء هانم
ردت ثراء قائلة:
-تسلمى كليها ونامى يا كوكى علشان تصحى بدرى علشان حضانتك يا روحى
أقتربت من صغيرتها تقبلها على وجنتيها فإبتسمت مليكة قائلة:
-خلى بابى يجى يبوسنى قبل ما أنام يا مامى
-أنا جيت أهو يا قلب بابى
تمتم بها أيسر وهو يولج الغرفة فقفزت الصغيرة من مكانها تقترب منه تندفع إليه ليضمها و يقبلها قبل نومها فأطمعها من الحلوى ثم وضعها بالفراش يدثرها جيداً فلم يشأ الخروج قبل أن يراها تغرق بنعاسها بعد إطمئنانه على أنها غفت أخيراً أخذ زوجته وذهبوا لغرفتهم ولجوا للداخل أخذ منها الطبق يضعه على المنضدة ليبدأ عناقها من جديد ولكن تلك المرة بحرية تامة فهم الآن بعالمهم الخاص فتلك اللحظات الحالمة لن يستطيع أحد أن يقاطعها فطفق يردد إسمها ونسائم الليل تردد معه تنير هى درب العشق من بهاء وجمال وجهها ترشده عينيها لطريق النعيم
فغمغم لها بصوت دافئ:
-بعشقك يا أغلى ما فى حياتى
عاد يخبرها إياها من جديد تلك الجملة التى لا تعادلها أو توازيها أى كلمة أخرى فست كلمات ضمنها كل معانى الحب فهى لا تستطيع وصف شعورها بتلك اللحظة التى يخبرها بتلك الكلمات التى تجعلها تسبح بغيمة وردية من الأحلام والأمنيات
____________
برحاب مسجد الحسين بالقاهرة، وبعد الإنتهاء من تأدية صلاة العشاء، أجتمعت عائلة الرافعى، وجلس شهاب يضع يده بيد منير والد ضحى لعقد القران ،ظل شهاب شهاب يردد مثلما أخبره المأذون لينتهى عقد القران بتلك الجملة الشهيرة التى يطلقها المأذون بالاخير:
-بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير
تقدم أيسر وحسام يوقعون على قسيمة الزواج ليكونا بذلك الشاهدان على عقد القران ،لتقترب النساء من تقبيل ضحى وتهنئتها ،فظلت ثراء وقت لابأس به وهى تطوق صديقتها ودموع السعادة تغشت عينيها فهتفت قائلة:
-مليون مبروك يا ضحى ربنا يتمملك بخير يا حبيبتى
ربتت ضحى على ظهر ثراء وهى قائلة:
-حبيبة قلبى متحرمش منك ابدا يارب يا ثراء
تلقى شهاب التهنئة من جميع أفراد عائلته ولكن عيناه صارت تتبع تلك الجميلة التى يراها تبتسم لنساء العائلة المحيطين بها ليجد والدها يقترب منه
شد منير على يد شهاب مصافحاً وهو يخبره بتلك الكلمات التى يريده أن يوفى بها :
-شهاب خلى بالك من بنتى أنا مليش غيرها فى دنيتى وأوعى فى يوم تزعلها أنا عارف أن بنتى إن شاء الله مش هتحاول تزعلك
ربت شهاب على يد منير يريد أن يطمئنه فهو يرى بعينيه خوفه على فراق إبنته الذى بدا جلياً على وجهه فطالعه بهدوء:
-أطمن يا عم منير بنتك فى عينيا مش عايزك تقلق خالص
شعر منير بصدق صوته فهذا ما جعله أن يطمأن أن إبنته ربما ستسعد بزيجتها من هذا الشاب الذى ما عاودت عيناه عن البحث عنها من جديد وسط الجمع المحيط بها،فكم يتحين هو ذلك الوقت الذى يجلس معها يحدثها بما يكنه لها بقلبه
فهتف جمال بالحاضرين قائلاً بصوت سمعه الجميع:
-يلا بينا يا جماعة علشان شهاب عازمنا كلنا على العشا ولا ايه يا شهاب
لم يستطيع شهاب منع ضحكته على ما أقترحه عمه فيبدو على الجميع أنهم على دراية بما يريد شهاب فعله فأرادو المزاح معه فرد شهاب قائلاً:
-بس كده يلا بينا وفى أفخم مطعم كمان
خرجوا جميعهم من المسجد،فأخذ كل منهم سيارته يسبقهم شهاب بسيارته التى يرافقه بها عروسه ووالدها ،وصلوا لأحد أرقى المطاعم الشهيرة المطلة على النيل، رحب العاملين بشهاب وعزام فهم يرتادون هذا المطعم كثيراً
أقترب شهاب من المدير قائلاً:
-أنا عايزك تعملنا قاعدة خاصة بينا كلنا شوف عدد الأفراد قد إيه وأعملنا مائدة كبيرة وعايزة أحسن أكل موجود عندكم النهاردة
أومأ المدير برأسه بتهذيب قائلا:
-أمرك يا شهاب بيه حضرتك صاحب مكان مش مجرد زبون سواء حضرتك ولا عزام باشا منورينا عن إذنك
أسرع العاملين فى تجهيز تلك المائدة التى ألتف حولها الجميع ،جلست ضحى بين شهاب ووالدها، وتلك الدماء الحارة التى صبغت وجهها تشتد إلتهاباً ،حتى وجدت شهاب يميل برأسه قليلا إليها يهمس لها:
-مبروك يا عروسة يعنى مفيش ولا كلمة كده ليا خالص وعماله تهربى منى
أزدردت ضحى لعابها لاتعرف بما تجيبه فهى سابقا كانت تتعمد إغاظته وإثارة سخطه بحديثها فماذا حدث لها الآن ؟ فهى كمن فقدت النطق فجأة إلا أنها أستطاعت القول بصوت مبحوح:
-عايزنى أقولك إيه
رفع شهاب أحد حاجبيه يحدجها بإبتسامة عريضة يقول ممازحاً:
-يعنى مفيش مبروك يا حبيبى يا اللى بقيت زوجى وقرة عينى
أفلتت إبتسامة من بين شفتيها على ما تفوه به فتلك هى المرة الأولى التى تسمعه بها يمزح معها ،فربما لديه من الخصال الجيدة ما لا تعلم عنها شئ ، ولكن تلك الخصال القديمة من العجرفة والغرورة تدعو الله أن لا تراها به ثانية
خيمت المحبة والمودة على جلسة العشاء،سعد عزام بحضور أيسر فبالرغم من أنه لم يوجه له كلمة منذ حضوره إلا أنه لم يفتعل الضيق أو الحزن من رؤيته بل هو جالس يمازح حسام وشهاب وصغيرته التى لا تنفك عن أن تستأثر بإهتمامه بها وملاطفته إياها
بعد إنتهاء العشاء ،أنصرفوا تباعاً عند خروج عزام من المطعم لم ينتبه للدرج فأنزلقت عصاه وكان على وشك السقوط هو الآخر إلا أنه وجد يد تقبض على ذراعه تحول بين ذلك إلتفت عزام ليرى من فعل ذلك وجد أيسر يحدق به قائلاً:
-حاسب أنت كان ممكن تقع ،أنت كويس
لم يصدق عزام أن من سانده هو أيسر فقبل أن يراه يسحب يده عن مرفقه شد عليها بيده الأخرى قائلاً:
-أنا الحمد لله شكراً يا أيسر
زفر أيسر بهدوء قائلاً:
-الشكر لله عن إذنك ومبروك لشهاب
أما ثراء فكانت تتابع ما يحدث لاتنكر شعورها بالسعادة كون زوجها مازال قلبه حانياً حتى على من أراد به السوء سابقا ،وصل إليها يدير محرك سيارته ينطلق بها سريعاً ،ومازال عزام واقفاً وتلك الإبتسامة الهادئة تغزو شفتيه
_____________
ظل يدور حول نفسه بغرفة مكتبه فى إنتظار مجئ ذلك الحارس المكلف بمراقبتها ليأتى له بكل المعلومات اللازمة عنها فهو لايعلم لما يفعل ذلك ولكنه يعلم شئ واحد أنه يريد معرفة كل شئ عن تلك الطبيبة الحسناء المسماه سما ولكن فكر قليلاً هل من الممكن أن تكون هى تلك الفتاة المنتظرة التى حدثته والداته بشأنها ولكن لا ينكر هو شعوره بالخوف من الإقدام على تلك الخطوة ويحدث ما حدث سالفاً عندما رأى ثراء أول مرة ولكن لا يعرف لما يشعر تلك المرة بشعور مغاير لذلك الذى شعر به تجاه ثراء لم يدوم تفكيره طويلاً فهو خرج من دائرة أفكاره على طوت طرقات على باب الغرفة
فجلى صوته قائلاً بصوت هادئ:
-أدخل
ولج ذلك الحارس يقدم التحية بتهذيب فحاول أمير أن يوارى تلهفه لسماع أخبارها فأشار إليه بالتقدم فوضع الحارس الأوراق من يده قائلا بإحترام:
-أتفضل يا أمير باشا دى كل المعلومات عن الدكتورة سما مهران
نظر أمير للأوراق نظرة شاملة إلا أنه أراد سماع المعلومات منه فهتف به قائلا:
-أه وعرفت عنها إيه عايز كل حاجة بالتفصيل
بدأ الحارس يسرد له كل تلك المعلومات التى حصل عليها من كل الاماكن التى تتواجد بها كالحى الذى تقطن به وأيضاً مكان عملها:
-هى حضرتك عندها ٢٨ سنة باباها متوفى من حوالى سنة كان شغال مدير بنك ومامتها شغالة فى منصب كويس بوزارة التربية والتعليم هى ملهاش أخوات وحيدة كانت مخطوبة من حوالى سنتين بس العريس سابها وأتجوز واحدة تانية أنا معرفتش سبب الخلاف بينهم إيه بس هى من ساعة فسخ الخطوبة وهى رافضة الجواز مع أن فى شبان كتير أتقدمولها بس هى مش موافقة على حد نهائى
وضع أمير إحدى يديه أسفل ذقنه قائلاً:
-وأنت عرفت الحاجات دى كلها إزاى
إبتسم الحارس قائلاً:
-أبدا يا باشا بواب العمارة ومراته أديتهم قرشين قروا بكل حاجة على طول أى خدمة تانى يا أمير باشا
رد أمير وهو يتفحص الأوراق ولكن تلك المرة بعناية :
-لاء خلاص روح شوف شغلك
خرج الحارس وظل أمير يفكر فيما سمعه فربما خطيبها السابق قد خلف بنفسها مأساة ليجعلها رافضة الزواج هكذا ،وجد نفسه يسحب سترته يرتديها فاليوم موعد ذهابه إلى العيادة حسبما أخبرته هى بضرورة مجيئه ،وصل إلى سيارته ينطلق بها سريعاً حتى وصل أمام تلك البناية التى تقع بها العيادة ،ولج للداخل أخبر الممرضة بشأن حضوره لمقابلة الطبية فاشارت إليه بالجلوس ،جلس أمير فى إنتظار أن يحين موعد دخوله ولكن طال الوقت كثيراً إلا أنه رفض الإنصراف قبل رؤيتها قبل أن يصيبه السأم كان قد حان دوره أغلق أزرار سترته يتأهب للدخول كأنه على وشك خطبتها
ولج أمير الغرفة قائلاً بلباقة:
-السلام عليكم يا دكتورة سما أنا جيت زى ما حضرتك قولتى
رفعت سما رأسها لترى من يحدثها فنظرت إليه بملامح وجه خالية من أى تعبير يستطيع به معرفة إذا كانت سعيدة أو أصابها الضيق من رؤيته
ردت سما بهدوء:
-أهلا يا أستاذ إيه
حاولت أن تتذكر أسمه ولكن عقلها لم يسعفها بتذكره فهى يأتى إليها يومياً العديد من المرضى وليس لديها الوقت بتذكر أسماءهم
أصابه الضيق من عدم تذكرها إياه فهتف بنبرة مقتضبة:
-أسمى أمير أمير الصواف يا دكتورة سما مهران
ضمت سما حاجبيها بغرابة من حدة صوته كأنها أرتكبت شئ خاطئ بعدم تذكره فرفعت إحدى حاجبيها قائلة:
-وحضرتك مضايق كده ليه وأنت بتقول أسمك ولا ضرسك لسه بيوجعك يلا ما علينا أتفضل أقعد
جلس أمير وبدأت هى بمباشرة عملها أخرجت إبرة مخدر تحقنها بلثته أنتظرت قليلاً وسألته قائلة:
-حاسس أن عندك المكان ده منمل حقنة المخدر اشتغلت علشان أبتدى
أومأ أمير برأسه فعادت ثانية وأخرجت أدواتها الطبية لتبدأ فى معالجته مر الوقت حتى أنتهت مما تفعل فهتفت به قائلة:
-خلاص كده يا أستاذ أمير النهاردة حطتلك حشو مؤقت وكمان كام يوم هنحط الحشو النهائى أتفضل حضرتك
ترك أمير المقعد فشرعت سما فى خلع قفازيها تلقيهم بالقمامة وسحبت قناعها الطبى ولكن عندما إستدارت وجدته ما زال واقفاً مكانه فنظرت إليه قائلة بغرابة:
-فى حاجة تانية يا أستاذ أمير حاسس إن ضرسك وجعك أو حاجة
جاءها رده أسرع مما كانت تتوقع فهتف قائلا بلهفة:
-لاء دا قلبى اللى واجعنى مش ضرسى يا دكتورة سما من ساعة ما شوفت ضرسى خف وقلبى وجعنى
أتسعت حدقتيها مما قاله فهل هو مصاب بداء الجنون ؟ حتى يأتيها ويخبرها بحديثه هذا فأزدردت لعابها تهتف به بغضب:
-أنت شكلك مجنون يلا أمشى من هنا أنت أتجننت
ظلت تتراجع بخطواتها للخلف حتى إصطتدمت بالحائط خلفها فرفعت إحدى أدواتها الطبية الحادة تلوح بها أمام وجهه قائلة:
-أنت لو ممشيتش من هنا أنا هوديك فى داهية أنت فاهم متفتكرش أن أنا خايفة منك
فهى حقاً خائفة بل مرتعبة فتلك الذكرى السوداء التى حدثت لها منذ عامين عندما حاول خطيبها السابق الإعتداء عليها وأنقذت هى نفسها من بين براثنه بصعوبة وهى أصبح لديها رهاب شديد وخوف عندما تجد رجل يخبرها بهذا الكلام أو يقترب منها حاولت كثيرا التغلب على خوفها ولكن فى أقرب فرصة تعود لخوفها ثانية
-أهدى يا دكتورة أنا والله قصدى شريف ومالك كده خايفة هو أنا هاكلك اهدى متخافيش والله ما قصدى أخوفك
قالها أمير وهو مازال متعجباً من هجومها المفاجئ عليه عندما سمعت تصريحه لها
أصبحت أنفاسها ثقيلة وفرت دمعة من إحدى عينيها فمسحتها بإصرار قائلة:
-أنت كداب أنتوا كلكم زى بعض واغرضكم دنيئة كلكم زى بعض كلكم سفلة
لم يعى مغزى حديثها ولكن يعى شئ واحد أنه عندما رأى خوفها وتلك الدموع التى ملأت عينيها شعر بوخز بقلبه فمن تقصد بحديثها ومن جعلها هكذا فتذكر عندما اخبره الحارس بشأن خطبتها السابقة وترك خطيبها لها فهل هو من فعل بها ذلك وجعلها تفقد ثقتها بالمحيطين بها
رفع يده يشير إليها أن تهدأ من ثورتها العارمة عليه فهتف قائلاً:
-أهدى يا دكتورة سما أنا ماشى وأسف لو كنت ضايقتك
خرج أمير من العيادة بينما هى أرتمت على مقعدها تضع وجهها بين يديها وظلت تبكى مسحت دموعها بإحدى المحارم الورقية وضغطت على الزر الموضوع على مكتبها فدلفت الممرضة هتفت بها سما قائلة:
-أنا هروح دلوقتى علشان تعبانة لو فى مرضى برا اعتذرلهم علشان أنا مش قادرة أكشف على حد تانى دلوقتى
خلعت رداءها الطبى وأخذت حقيبتها،خرجت من العيادة أخذت سيارتها تقودها بهدوء فعادت الدموع تملأ مقلتيها من جديد حتى وصلت إلى البناية السكنية التي تقطن بها وسؤال واحد يلح على عقلها وهو متى ستتخلص من ذلك الخوف الذى يصيبها من رؤية رجل يتودد لها ؟
_____________
نفخت تمارا بضيق وهى تذرع الشارع ذهاباً وإياباً فى إنتظار خروج شهاب من الشركة فاليوم سيتم تنفيذ ذلك المخطط الذى أخبرتها به تلك المرأة ،نظرت لساعة معصمها وجدت أنه تأخر اليوم بالخروج من الشركة،عندما رفعت رأسها لمحت خروج أيسر برفقة ثراء فأسرعت فى الاختباء خلف إحدى السيارات المصفوفة أمام الشركة،بعد إطمئنانها لرحيلهم خرجت من خلف تلك السيارة التى كانت مختبأة خلفها ثوانى ووجدت شهاب يخرج من الشركة فأسرعت الخطى شبه راكضة حتى وصلت إليه
هتفت قائلة بوداعة:
-شهاب بيه
إلتفت شهاب إلى مصدر الصوت فضم حاجبيه يتمتم بغرابة:
-تمارا هو أنتى ! إيه اللى جابك هنا تانى وصحيح اليوم اللى خرجتى تجرى فيه من الشركة وأيسر قالى أنك كنتى بتدورى على حاجة فى مكتبه انتى إيه حكايتك بالظبط
أحنت تمارا رأسها قائلة :
-أنا هقولك على كل حاجة يا شهاب بيه بس فى حاجة حضرتك لازم تشوفها علشان لما اقولك اللى عندى تصدقنى ممكن تيجى معايا وهعرفك كل حاجة
شعر بالريبة منها فحاول صرفها قائلاً:
-مش عايز أسمع منك حاجة يلا أمشى من هنا بخيرك وشرك
تركها شهاب وذهب لسيارته فتح الباب يتخذ مكانه خلف المقود وجدها تفتح الباب الآخر للسيارة تتخذ مقعدها بجوارها
هتف شهاب بها بصوت صارم:
-هو فى إيه يلا أنزلى قولتلك مش عايز أسمع منك حاجة
نظرت إليه تمارا بوداعة وهتفت بصوت منخفض:
-طب حضرتك إسمعنى ولو الكلام معجبكش ممكن تنزلنى على أول الشارع أشوف تاكسى وأروح
قاد شهاب السيارة بروية حتى إبتعد عن مبنى الشركة فنظر إليها قائلا:
-ها قولى عايزة تقولى إيه خلصينى
أخرجت تمارا تلك الزجاجة الصغيرة التى تشبه زجاجة العطر فالقت رزازها على وجه شهاب وماهى إلا ثوانى حتى غط شهاب فى نوم عميق نتيجة ذلك المخدر الذى أستنشقه
أخرجت هاتفها ووضعته على أذنها قائلة:
-خلاص هو فى العربية معايا أهو فين الرجالة اللى هتشيله
دقائق وسمعت تمارا طرق على زجاج السيارة فرأت رجلين ضخام الجثة يشبهون المصارعين فعلمت أن هذان الرجلان هم المخولين بأخذ شهاب ففتحت الباب وترجلت من السيارة قائلة:
-أهو نايم هتوه وحطوه فى العربية التانية ويلا بينا
حمل الرجلان جسد شهاب المتراخى ووضعوه بإحدى السيارات جلس أحدهم خلف المقود تجلس بجواره تمارا والآخر يجلس بجوار شهاب فى الخلف ،وصلت السيارة إلى أحد تلك البنايات السكنية المهجورة التى تنتظرهم بها تلك المرأة حمل أحد الرجلين شهاب على كتفه حتى وصل للداخل وضعه على مقعد
فهتفت به تلك المرأة قائلة:
-أربطة فى الكرسى كويس ماشى وبعد ما تخلص فلوسكم أهى ومش عايزة أشوف وشكم تانى
تقدم الرجل الآخر يأخذ من يدها النقود يشير لصديقه بأن يتبعه،بعد خروجهم إلتفت إليها تمارا قائلة:
-أهو جبتهولك أهو لحد عندك فين الشيكات والفلوس
إبتسمت تلك المرأة بخبث قائلة:
-عايزة فلوسك يا تمارا والشيكات حاضر
أخرجت من حقيبتها سلاح نارى اطلقت منه على جسد تمارا التى سقطت على الأرض تلتقط أنفاسها بصعوبة قائلة:
-ليه هو ده وعدك ليا تغدرى بيا
اقتربت منها وأنحنت إليها قائلة :
-أصلك كنتى زى الصداع يا تمارا ووجعتى دماغى كتير والصراحة مش ضامنة بعد ما تسبينى تعملى إيه هتوحشينى يا تمارا
رمشت تمارا بعينيها بضعف قبل أن تغمضها للأبد وتلك الدماء تسيل من جسدها ،استقامت بوقفتها واقتربت من مقعد شهاب حملت بين يديها دلو من الماء سكبته بوجه شهاب الذى انتفض يشهق بصوت عالى التقط أنفاسه والماء يقطر من رأسه ووجهه عندما حاول رفع يده يمسح وجهه وجد جسده مكبل بالقيود بالمقعد الذى يجلس عليه
حدق بوجه تلك المرأة قائلاً:
-أنتى مين
حول بصره لجسد تمارا الملقى على الأرض غارقة بدماءها فاتسع بؤبؤ عينيه قائلاً بذهول:
-إيه ده أنتى قتلتيها ليه عملتى كده وعايزة منى إيه
أقتربت منه تضع فوهة سلاحها النارى أسفل ذقنه ترفع به وجهه لتجعله ينظر إليها فتمتمت بإبتسامة جانبية قائلة:
-عارف أنا عايزة منك إيه عايزة أحرق قلب أبوك عليك زى ما كان هو السبب فى حرق قلبى لازم يدوق النار اللى دوقتها لما يروح منه إبنه الوحيد وأكيد من حسرته عليك هيموت هو كمان وأبقى كده ارتحت
طغى الحقد والكره على صوتها طالعت شهاب بحقد أسود فظل شهاب يتذكر ماذا فعل والده بها حتى تريد إلانتقام منه هذا الانتقام الغاشم ،فهل هى عانت منه فى الماضى،فوالده أخطأ كثيرا بماضيه فحاول كسب مزيد من الوقت للتعرف على هويتها
ضيق شهاب ما بين عينيه قائلاً:
-بس أنتى علاقتى إيه بوالدى تعرفيه منين أو هو يعرفك منين
إبتسمت بسخرية قائلة:
-أبوك مكنش يعرفنى أنا شخصياً كان يعرف أخواتى شريف وسيرين فاكر سيرين اللى كانت مرات أبوك اللى دخلها السجن هى وأخوها أنا بقى أبقى أختهم وأعرفك بنفسى سالى
رد شهاب قائلا بعدم إكتراث:
-تشرفنا يا سالى بس هو حضرتك خطفانى ليه أخواتك غلطوا وكان لازم يتعاقبوا ثم إحنا منعرفش عنهم حاجة من ساعة ما أتحبسوا احسنلك تفكينى وتسبينى أمشى أحسن مش هيحصل كويس أنتى فاهمة
شعرت بالسخط الشديد من نبرة صوته الغير مكترثة بما هو فيه فهى تريد أن تذيقه الويل جراء ما فعله والده بأشقاءها فهى تريده أن يتجرع من كأس الحسرة والندم الذى تجرعت منه هى سابقاً
أقتربت منه بشرار يتطاير من عينيها قائلة بنزق:
-ليه هو أبوك مقلكش أن شريف وسيرين أنتحروا فى السجن وماتوا بعد دخولهم السجن بشهر واحد...
القراة باقي الفصول الجزء الثاني جميع الفصول من هنا
