سر غائب
البارت الثالث عشر و الرابع عشر
بقلم سماح نجيب
رأته ياخذ منها الكوب بابتسامة فهل نسيها بهذة السرعة؟ هل هذا من أملت أن يجوب الأرض بحثاً عنها ؟ هل هذا الذى مازال قلبها يضع له أعذار ؟ فإلى متى ستظل حمقاء؟
فهذا ما سأله إياها عقلها معنفاً قلبها الأحمق الذى ما وقع بصرها عليه حتى زاد فى خفقانه ودقاته كأنه سيفلت من بين ضلوعها
أرادت إغلاق الهاتف ولكن أصر عقلها على أن ترى كل شئ حتى تقتنع بالاخير أنها لم تكن سوى أداة بيده وأنه لم يضيع وقته سدى وبحث عن من ستحل مكانها بحياته
–خاين خاين خاين
طفقت تردد تلك الكلمة وهى تعنف نفسها على تلك الدموع التى تريد أن تفر من محجرهما حتى شعرت كارلا بانهيارها الوشيك فابعدت الهاتف عن يديها تنظر اليها بقلق:
–ثراء فى ايه اهدى انتى كده ممكن يجيلك انهيار عصبى
كلما أغمضت عينيها ترى صورتهم سوياً ترى ابتسامته لها وربما يلاطفها بكلامه المعسول الذى أخضعها هى له
أذدردت ميرا لعابها وهى ترى والداتها تولج إلى القاعة بوجه مكفهر من الغضب ولكن كيف علمت أن اليوم حفل زفافها فهى حرصت على عدم إخبارها لأنها ولا شك كانت ستحاول جاهدة
أن تخرب تلك الزيجة قبل ان تكتمل فهى لاتحب فيروز ولا تحب حسام أيضاً منذ مجابهته لها علناً متحدى عجرفتها وغرورها
هتفت ميرا بوجه شاحب:
–ماما
نظر حسام حيث تنظر زوجته فوجد لبنى تقترب منهم تأفف بصوت منخفض فولا شك أن تلك الليلة ستشهد على الكثير من المشاحنات
أقتربت منهم لبنى تردف بسخرية:
–مبروك يا ميرا مش كنتى تعزمينى هو أنا مش مامتك برضه
ظلت ميرا تلتفت حولها لترى أبيها أو شقيقها رفعت لبنى يدها تدير وجه أبنتها لها:
–بتدورى على مين يا ميرا أبوكى واخوكى اللى وافقوا على جوازك من أبن فيروز
امتعض حسام من سخريتها فأردف بصرامة:
–وماله إبن فيروز حضرتك مش راجل ولا إيه ثم بنتك بتحبنى وأنا بحبها وعلشان خاطرها أنا هسكت يا حماتى
أغمضت لبنى عينيها بغضب يتفاقم بداخلها :
–حماتك بتقولى حماتى ياربى أنا هتجلط بس هقول أين ما أنت إبن فير
قبل أن تكمل إسم والدته سبقها حسام القول قائلا :
–أبن الدكتور جمال الرافعى وفيروز هانم
ابتسمت ميرا بخفة على حديث زوجها ولكن سرعان ما تلاشت إبتسامتها عندما طالعت وجه والداتها
خرجت ميرا عن صمتها قائلة بهدوء:
–ماما اهدى النهاردة فرحى وحسام بقى جوزى ومفيش قوة فى الدنيا هتبعدنى عنه ولا حتى كلام ولا أفعال حضرتك لو حابة تفرحينى تعملى واجبك كأم فى فرح بنتها لو مش هتقدرى سبينى أفرح بجوازى
أقترب عزام منهم يطالع لبنى باستياء :
–فى ايه يالبنى اهدى النهاردة فرح بنتك
طالعته لبنى من رأسه لاخمص قدميه قائلة بسخرية:
–اهلا عزام باشا أكيد لازم تدافع عنها ما أنت أبوها اللى كان بيتجوز الممثلات والرقصات هعتب عليها يعنى وأنت فى الأساس كنت خارب الدنيا جواز عرفى
رفع عزام يده يرغب فى صفعها إلا أنه تراجع بالاخير لتتدلى ذراعه بجانبه فهى مازالت زوجته ولم يطلقها بعد ولكن ربما هى تناست تلك الحقيقة
هتف من بين أسنانه بغيظ:
–علشان أحنا فى فرح ومش عايزة شوشرة هسكتلك يا لبنى بس ياريت متنسيش أنك لسه مراتى وعلى ذمتى وممكن أرجعك من كندا بورقة من المحكمة وأنتى عرفانى
صمتت لبنى بعد سماع تهديد عزام لها فظلت تلتفت حولها قائلة :
–وايه القاعة المقرفة اللى معمول فيها الفرح دى
كور حسام قبضة يده قائلا:
–استغفر الله العظيم من كل ذنب عظيم منورة يا حماتى عن أذنك شوفلها حاجة من البوفية يا عمى تاكلها جايز جعانة علشان كده شادة حيلها علينا
سحب حسام ميرا من يدها وقفوا بمنتصف القاعة بدأت أصوات الموسيقى الحالمة تصدح فى المكان فأراد أن ينسى ما حدث من والدة زوجته وأن يخفف من ضيق ميرا
فهمس بأذنها قائلا:
–متزعليش يا مهلبيتى أمك دى اللى يكون فى عونى عليها هستحملها علشان خاطرك مع أن أنا خلقى ضيق بس اوسعه علشانك
ابتسمت ميرا له قائلة بهمس ناعم:
–تسلميلى يا حبيبى
وجدت فيروز أن هاتفها فقد الإتصال بابنتها فعاودت الإتصال ثانية ولكن لم تفلح ولم يأتيها رداً منها
–أنتى روحتى فين بس يا ثراء
عندما همت برفع وجهها لمحت أيسر يقف مع فتاة لا تعرفها فعبست ملامحها الجميلة فاقترب منه بدون أن تضع حسباناً بأن اليوم حفل زفاف أبنها علا صوتها قائلة بغضب:
–أنت ايه اللى جابك هنا ومين دى كمان هى دى اللى خلتك ضحكت على بنتى مضيعتش وقتك خليت ثراء تسيب حضنى وتسيب البلد بحالها وبعدت عننا كلنا وأنت عايش حياتك ولقيت غيرها
شعر أيسر بالحرج عندما رأى العديد من الوجوه الناظرة إليهم فحاول أن يهدأ من غضب والدة زوجته قائلا:
–حضرتك اهدى انا مكنتش هاجى بس حسام اللى أصر أجى الفرح وعارف أنك وعمى مضايقين منى وأنا ماشى حالا
اقترب جمال منهم وملامح وجهه لاتبشر بخير هو الآخر حاول جعل زوجته أن تكف عن انفعالها الزائد فاشار اليها بأن تصمت:
–فيروز بلاش شوشرة فى فرح ابنك وأنت يا أيسر أتفضل أمشى من هنا
طالعت فيروز زوجها بشعور الحسرة على ما ألت إليه أمور ابنتها:
_شوفت يا جمال هو عايش حياته واحنا قلبنا واجعنا على فراق بنتنا وهو مش مضيع وقته
لم يحتمل أيسر سماع كلمة أخرى فنظر لصافى وجدتها قائلا:
–يلا بينا علشان نمشى
تبعته صافى برفقة فريدة بدون نقاش او كلمة ولكن ارادت صافى معرفة سبب ماحدث فانتظرت حتى وصلا إلى السيارة
قاد أيسر سيارته بشبه حالة من الجنون فكم من مرة تفادى التصادم مع سيارات اخرى حتى شعرت فريدة وصافى بالخوف فهتفت به:
–اهدى يا ابنى أنت كده هتموتنا
أبطأ أيسر من قيادة السيارة بعد سماع نبرة صوتها الخائفة فبادر بالاعتذار:
–أنا أسف
التقطت صافى أنفاسها تزفر زفرة هواء قوية:
–هو فى ايه ومين الناس دول اللى كلموك كده وتعرفهم منين أنت مش قولت أن ده فرح واحد صاحبك
رد عليها أيسر قائلا :
–ماهو صاحبى يبقى أبن الراجل والست اللى شوفتهم ويبقوا برضوا أهل مراتى
سمعت صافى ما تفوه به كأن دلو من الماء البارد انسكب على رأسها فجأة فهتفت بنبرة مذهولة:
–مراتك هو أنت متجوز
–أيوة متجوز بالاسم بس علشان مراتى سابتنى وسافرت ومش حابة تشوف وشى مرة تانية علشان أنا وجعتها جامد وكسرت ثقتها فيها ودمرتلها أحلامها وخليتها تسيب اهلها
وناسها وتبعد عنهم حتى محضرتش فرح اخوها علشان متحطش احتمال ولو واحد فى المية أنها تشوفني شوفتوا أنا وصلتها لايه علشان أنا واحد خاين فى نظرهم كلهم
ضرب المقود بيده وهو يكز على نواجزه حتى لاتفلت تلك العبرات من خضراوتيه فهو لايحب إظهار ضعفه أمام الآخرين أوقف السيارة أمام المنزل ترجلت صافى وفريدة وأنطلق بها
سريعاً فعينيه كادت تخونه فى أى وقت قاد السيارة حتى وصل إلى منزله الجديد ولج للداخل وأغلق الباب خلفه فالمنزل خاويًا من أى أثاث يستخدمه فالأثاث سيصل بعد يومين إلا أنه
لم يشأ أن يعود إلى الفندق الآن الذى قضى به وقته منذ خروجه من قصر عائلة الرافعى
قام بخلع ثيابه فهو يشعر بالضيق والاختناق وجد نفسه يخرج إلى حمام السباحة بالخارج ظل يسبح وقتا طويلا حتى شعر بالتعب فتسطح على سطح الماء يغلق عينيه وسوست له نفسه بأن يرخى جسده لعل الماء ستكون هى منقذته من عذابه
فعندما بدأ جسده يستجيب لتلك الحالة من الاسترخاء أنتفض فجأة عندما تذكر أن ما سيفعله جرم وذنب كبير بحق نفسه
لهث بصوت عالى يردد:
–استغفر الله العظيم رب العرش العظيم واتوب إليه
ردد الاستغفار كثيرا ليبث الأمان فى نفسه التى كانت منذ دقيقة واحدة أسلمها الى وساوسها خرج من الماء يجلس على حافة حمام السباحة تاركاً قدميه بالماء يتطلع بوجهه للسماء
رأى القمر كأنه يشارك قلبه البكاء على ما وصلت إليه الأمور ولكن قرر أن يبحث عن شئ يخفف به من ضيقه وأيامه الخاوية ففكر لماذا لا يأسس له عملا خاصاً فما يملكه بمجموعة
شركات العائلة يديرها من على بعد فهو لا يرغب فى الذهاب لهناك ويتذكر كل شئ وحتى لا يتصادم بالحديث مع عمه عزام ،لمعت فكرة برأسه وأنه بإمكانه إفتتاح شركة للحراسات
الشخصية فتلك المهنة هى من تعرف من خلالها على معشوقته
_________
ولج حسام إلى غرفته يحمل ميرا بين ذراعيه تخفى هى وجهها بكتفه من شعورها بالخجل فبالرغم من سعادته اليوم إلا أنه حزين على ما حدث بين أيسر ووالديه لماذا لايفهم أحد منهم
أنه حقا مظلوم بسبب حكمهم عليه فلا أحد يستمع إليه فأصبح الجميع لا يسلم سوى بحقيقة واحدة وهى أن أيسر كاذب ومخادع حتى هو حاول أكثر من مرة شرح وتفسير ما
حدث ولكن والديه يصمون أذانهم عن سماع الحقيقة،أطلق تنهيدة قوية شعرت ميرا بمدى انزعاجه
فطالعته قائلة باهتمام:
–مالك يا حبيبى فى ايه
أنزلها حسام من بين يده حتى وقفت أمامه تناول يدها بين يديه قائلا :
–صعبان عليا حال أختى وحال أيسر الاتنين بيتعذبوا وانا مش عارف أعمل حاجة ومحدش عايز يصدق أن أيسر برضه كان ضحية وأنه بنى آدم مش ملاك وأن اللى عمله رد فعل طبيعى
جدا للى كان حاسس بيه بس برضه هو أذى نفسه لما اتفهمت تصرفاته غلط ولما خطيبته الاولانية وقعت ما بينه وبين ثراء وبدلت البرشام وحطت بداله برشام هلاوس
لاتنكر ميرا شعورها هى الاخرى بالشفقة على ما وصل إليه أمورهم فردت قائلة:
–وأنا برضه صعبانين عليا أوى وخصوصا أن كنت عارفة ثراء بتحبه قد ايه وهو كمان بيحبها
أبتسم حسام ابتسامة خفيفة قائلا باعتذار:
–أنا عارف أن النهاردة لازم يبقى يوم مميز بحياتنا بس أنا ابتديت بالكلام على اللى حصل أنا أسف يا حبيبتى
رفع يده يداعب وجنتها التى تحولت للون الوردى من شعورها بحرارة يده فرفع يدها تضعها على يده قائلة بتفهم:
–ولا يهمك يا حبيبى هم برضه يهمونى زيك ثم خلاص كل اللى يزعلك أو يفرحك هيزعلنى او يفرحنى مش احنا بقينا واحد
قالت جملتها وخفضت بصرها أرضاً من سيمات الغرام الواضحة على محياها الفاتن فهى لن تنكر أو تخفى ذلك الآن فهى حقا مغرمة به لأذنيها إن لم تكن وقعت فى غرامه منذ تلك المشادات الكلامية التى كانت تحدث بينهم قبل معرفتها بأنه إبن عمها
اقترب منها أكثر هامساً فى أذنيها بتلك الكلمة التى دلت عليه كل افعاله معها عليها
–بحبك يا ميرا يا مهلبية أنتى
لم تفلح فى كبت ضحكتها الخجولة من مزحته بتلك الكلمة التى لم تعتاد على سماعها من أحد سواه فهو غير كل من تعرفت عليهم فدائما متأنقين بحديثهم ولكن حسام غيرهم فهو
يتطرق للموضوع مباشرة بدون مقدمات بغير فائدة وهذا ما يجعلها تحبه أكثر بسبب شجاعته وإقدامه على خوض أى نقاش بدون مجاملة
همست له هى الاخرى قائلة:
–وانا بموت فيك يا سمسم
انفرجت شفتيه عن ابتسامة عريضة تطالب بالمزيد من حديثها:
–وايه تانى يا روح سمسم
ردت عليه بثقة تجلت ببحة صوتها الناعمة:
–وبعشقك كمان
فرك حسام يده قائلا بحماس:
–يلا بينا نصلى علشان عايزة فى عدة مواضيع مختلفة ونقاشات مهمة ومصيرية ولا قرارات الأمم المتحدة
وضعت يدها على وجهها بخجل مما سمعته منه ففرت هاربة من أمامه أبدلت ثيابها وتوضأت وقفت خلفه يؤدون صلاتهم
وبعد الانتهاء لم يمهلها فرصة للتفكير فى أى شئ ،رفرفت رايات الشوق على قلبين اسلما أمرهم لامواج العشق تقذفهم حيثما تريد
________
حاول جمال يأساً ان يجعل زوجته تكف عن البكاء منذ رؤيتها لأيسر وعودتهم من حفل الزفاف
جلس بجوارها يزفر بتعب:
–خلاص بقى يا فيروز بطلى عياط دا النهاردة فرح ابنك حتى وكفاية نكدنا عليهم بقية الفرح
مسحت فيروز وجهها بيديها قائلة بعينان دامعتان:
–صعبان عليا بنتى يا جمال لما تسيبنا بسبب اللى عمله وهو ولا فى دماغه وكمان جاى الفرح وساحب واحدة تانية فى ايده معقولة كنا كلنا مغشوشين فيه دا كسر قلبى بنتى يا جمال
بنتى اللى كانت زى البدر المنور انطفت بسبب عمايله وكمان من بجاحته جاى لحد عندنا وجايبها فى ايده انا ساعة ثراء ما قالت على موضوع البنت افتكرت أن هى فاهمة غلط بس
2 دلوقتى عرفت ان كان عندها حق قلب أمها وقهرتها ووجع قلبها بسبب أنها شافتها معاه
لم يجد جمال ما يقوله فهو كان قلبه بدأ بالين تجاه أيسر وكان بدأ يصدق أنه مظلوم وأنهم اصدورا عليه حكم خاطئ ليأتى اليوم ويفعل ذلك ويعود جمال لغضبه منه ثانية
فهتف بزوجته بضيق:
–خلاص بقى يا فيروز أرمى الموضوع ده من ورا ضهرك هو اه ابن اخويا بس ميهمنيش أكتر من بنتى واحنا لازم نساعدها تنساه وترجع ثراء تانى بس ازاى نعمل كده مش عارف
مسحت فيروز عينيها بإصرار نهضت من مكانها قائلة فجأة:
–جمال أنا عايزة اسافر لبنتى بكرة انا اطمنت على حسام وبقى معاه مراته ودينى لبنتى عايزة ابقى جمبها حتى لو هى رفضت خلاص مش هسمع كلامها وبرضه هروحلها
هز جمال رأسه بتفهم لحالتها:
–خلاص يا فيروز هحجز التذاكر ونسافر سوا علشان عايزة اشوفها انا كمان ولو حبيتى تقعدى معاها اقعدى بس انا هرجع علشان شغلى وحسام
وقعت فيروز بحيرة فهى لا تعلم كم تنوى ابنتها البقاء هناك وهى لا تستطيع ترك زوجها وابنها مدة طويلة ولكن ستسافر وهناك ستقرر ما تفعل فربما تقنع ثراء بالعودة معها
فى الصباح..طلبت فيروز من جليلة اعداد الفطور من أجل حسام وميرا وأصرت على زوجها بضرورة حجز التذاكر لتسافر
لابنتها قبل ان تصعد جليلة بالطعام للعروسان وجدتهم يهبطون الدرج متشابكى الايدى فأطلقت جليلة الزغاريد التى صدحت بالمنزل
تهتف قائلة بسعادة غامرة:
–صباحية مباركة يا باشمهندس حسام صباحية مباركة يا ست ميرا
ابتسم لها حسام قائلا:
–الله يبارك فيكى يارب فين بابا وماما وجدى وتيتة
ردت جليلة قائلة بابتسامة:
–بيفطروا وانا كنت جيبالكم الفطار
ردت ميرا قائلة:
–احنا هنفطر معاهم حطيلنا الفطار على السفرة
هرولت جليلة فى تنفيذ ما قالته ميرا فدلف حسام وزوجته قائلا بابتسامة مشرقة:
–صباح الخيرات كده تفطروا من غيرنا
أبتسم لهم الجميع تتجلى سعادتهم على وجوههم من رؤيتهم فتركت فيروز مكانها تقترب منهم فأحتضنت ميرا ثم حسام وهى تردد بسعادة:
–ألف مبروك يا حبايبى ربنا يسعدكم يارب
اقترب حسام وميرا من رضوان وسميرة يقبلون أيديهم ثم جلسوا يتناولوا افطارهم رأى حسام شرود والده فسأله
–مالك يا بابا فى إيه
انتبه جمال على ما يقوله حسام فابتسم ابتسامة خفيفة :
–مبروك يا حبيبى مفيش حاجة بس كنت بفكر أنا ومامتك نسافر نشوف ثراء واحتمال نسافر بكرة ان شاء الله
رد حسام على حديث والده بلهفة:
–طب أجى معاكم يا بابا أنا وميرا وبالمرة نقضى شهر العسل
حرك جمال رأسه رافضا ما قاله فهتف بهدوء:
–عايز تسافر تقضى شهر العسل سافر اى مكان فى العالم يعجبك بس ابعد عن المكان اللى اختك فيه علشان انا عارف أنت عايز تسافر ليه يا حسام وشيل من دماغك اللى بتفكر فيه
ترك جمال مقعده فزفر حسام بيأس من محاولة إقناع والديه أن يدلوا بمكان تواجد شقيقته فماذا يفعل هو ؟ هو يريد تسوية ذلك الخلاف بين شقيقته وزوجها فكلما زاد البعد بينهم زاد الجفاء وارتفعت أسوار سوء الفهم لتصبح جدران حصينة لايستطيع أحد أختراقها
__________
مرت أشهر لا بل الأصح مرت سنوات عليها وهى مازالت رافضة العودة إلى بلادها فكم مر عليها هنا نظرت للروزنامة وتذكرت التاريخ الذى هجرت به بلادها فاليوم أكملت السنة الخامسة لتركها مصر ،سمعت صوت الممرضة باحدى عيادات الطب النفسي بلندن تنادى باسمها فانتبهت ثراء عليها تبتسم لها أشارت لها الممرضة بالدخول
طرقت ثراء الباب تدلف قائلة بابتسامة:
–هالو دكتورة كاثى
ابتسمت لها تلك الطبيبة الاربعينية تخلع نظارتها تشير لها بالجلوس:
–تفضلى ثراء كيف حالك اليوم؟
ردت ثراء قائلة بهدوء:
–بخير دكتورة كاثى فأنا جئت لكى اودعك فبعد يومين سأعود لوطنى
ابتسمت لها كاثى قائلة:
–هل أنتى مستعدة للعودة ثراء
هزت ثراء رأسها بتأكيد وثقة:
–نعم متأكدة فما حدث سابقاً لم يعد يعنينى فى شئ الآن فأنا انهيت دراستى وحصلت على الدكتوراة وأصبح لدى ما أردته فأنا لم أعد اخشى العودة فأنا قد تجاوزته وتجاوزت تلك التجربة المريرة بحياتى وأنا الآن بخير
جلست بعض الوقت تثرثر بمزاح مع طبيبتها حتى حان موعد انصرافها مدت ثراء يدها لها تصافحها بحرارة قائلة بصدق:
–أنا سعيدة جدا بالتعرف عليكى واشكرك لمساعدتى للخروجى من محنتى فأنا ممتنة كثيرا لك
بادلتها كاثى المصافحة قائلة بابتسامة:
–على الرحب و السعة اراكى بخير ثراء
خرجت ثراء من العيادة استقلت سيارتها لتعود الى المنزل اوقفت محرك السيارة وترجلت منها صعدت إلى شقتها تنادى بصوتها الرقيق:
–كوكى كوكى أنتى فين مليكة حبيبتى أنا جيت
اختبأت تلك الصغيرة خلف احدى الستائر قائلة بمداعبة:
–أنا مش هنا يا مامى
ابتسمت ثراء على ما قالته الصغيرة فأقتربت من مكان مخبأها تتصنع الجهل:
–ايه ده معقولة كوكى مش هنا اهو قفشتك
صرخت الصغيرة بضحكة عالية عندما أمسكتها ثراء حملتها على ذراعها قائلة بحب:
–أكلتى يا روحى ولا لسه أنا قولت للدادة تأكلك اوعى تكونى ما أكلتيش هزعل منك يا كوكى
قبلت الصغيرة وجنتها قائلة بطاعة:
–أكلت يا مامى طبقى كله وخلصته علشان بابى وعدنى هيخرجنى ويفسحنى النهاردة
سمعت ثراء صوت جرس الباب فتحت الخادمة فدلف أمير بابتسامة يفتح ذراعيه للصغيرة قائلا بحماس:
–كوكى حبيبتى مين اللى هيخرج مع بابى ويتفسح النهاردة
تركت مليكة ثراء لتركض لاحضان أمير تتعلق بعنقه قائلة بحماس شديد:
–أنا يا بابى
نظر أمير لثراء قائلا:
–ثراء هتيجى معانا ولا ايه
اعتذرت ثراء عن الخروج معهم قائلة:
–معلش يا أمير مش هقدر فى حاجات كتير عايزة اخلصها انت عارف بعد يومين رجعين مصر ولازم أحضر كل حاجة علشان مفيش حاجة أنساها
هز أمير رأسه بتفهم فأخذ الصغيرة معه بينما صعدت ثراء لغرفتها ارتمت على الفراش لبضع دقائق ثم نهضت ثانية تلملم اغراضها فوقع عينيها على ذلك السوار الذى استطاعت خلعه من يدها رفعته بين يديها تنظر إليه فارتسمت ابتسامة على جانب ثغرها
–خلاص أنت بقيت مرحلة فى حياتى وعدت خلاص مش هخليك تتحكم فيها تانى
ظلت تقنع ذاتها بأنها برأت من هذا العشق ولكنها تعلم أنها كاذبةوضعت السوار بمكانه ثانية اخذت البوم صور جمعت به كل صور مليكة منذ ولادتها حتى هذا اليوم فهى تجاوزت عامها الرابع فتاة مشاكسة مشاغبة يعشقها كل من يراها كلما تذكرته ثراء تشعر بجراحها الثاخنة فهى ارتادت عيادة للطب النفسى من أجل نسيانه ولكن حتى وان كانت لن تستطيع نسيانه فهى ولا شك ستتجاوزه،دلفت ثراء إلى الحمام لتغتسل وترتاح قليلا حتى يحين موعد عودة مليكة للمنزل خرجت من الحمام تسطحت على فراشها وغفت بسبات عميق
________
ولج أيسر لتلك الشركة التى نالت شهرة واسعة فى مجال الحراسات الشخصية فهو يفضل الجلوس هنا عن أى مكان اخر ولا يعلم لماذا؟ أصبح يتردد اسمه فى سوق الأعمال فهو بجانب شركة الحراسة يدير الجزء الخاص به فى شركات العائلة وأيضا مازال يدرس بالجامعة فهو حرص على أن يشغل يومه حتى يعود أخر اليوم منهكاً من كثرة الأعباء ويغفو سريعا بنومه
دلفت السكرتيرة قائلة بابتسامة وقورة:
–دكتور أيسر حضرتك ده كام طلب لحرس لرجال أعمال اتبعتوا النهاردة
اخذ أيسر من يدها الأوراق يشير إليها بالانصراف:
–تمام سبيهم هنا وانا هشوفهم
فحص تلك الأوراق التى وضعتها السكرتيرة أمامه حتى سمع طرق على الباب ودلوف صافى بابتسامة عريضة قائلة:
–صباح الخير يا أيسر
بادلها أيسر الابتسام قائلا:
–صباح النور ياصافى خير جاية بدرى يعنى النهاردة مش عوايدك
أرتد رأسه ضاحكاً من رؤيته ملامح الضجر على وجهها
فعبست ملامحها قائلة:
–هو كل يوم لازم تسمعنى الكلمتين دول يعنى يا أيسر
نقر أيسر بالقلم على المكتب قائلا وهو مازال يطالع تلك الأوراق بين يده:
–مش علشان أعرفك وأنتى مديرة اعمالى يبقى هسمحلك تيجى فى الوقت اللى ييجى على بالك ده شغل يا صافى
بس علشان خاطر جدتك بس أنا هعديهالك ومفيش تأخير تانى هى صحيح هترجع أمتى من السعودية
وضعت صافى حقيبتها بغيظ على المنضدة الصغيرة أمامها نفخت بضيق وغضب طفيف قائلة:
– هترجع بعد يومين ماهو أصل حرام عليك يا أيسر ساحلنى فى الشغل من الصبح لحد ما أروح لو كنت أعرف كده مكنتش وافقت أن أبقى مديرة أعمالك
رفع رأسه خلع نظارته الطبيبة عن عينيه رفع احدى حاجبيه قائلا :
–وافقتى ليه طيب أنك تبقى مديرة اعمالى طالما كده كسولة ومش بتحبى الشغل
لن تخبره بأسباب موافقتها فهى لم توافق على عرضه بأن تعمل لديه إلا رغبة منها فى أن تظل قريبة منى فهى منذ معرفتها به ولا تستطيع سبر اغواره أو حتى معرفة ما يفكر بيه فهو ككتاب صعب القراءة أو مكتوب بلغة تجهلها ولكنها لم تشأ الاعتراف بهزيمتها فهى لن يهدأ لها بال إلا إذا علمت من تكون تلك الفتاة التى اخبرهم مرة انها زوجته ولماذا لم تعود اليه حتى الآن
ردت صافى قائلة بمزاح:
–علشان كنت زهقانة من قاعدة البيت فقولت أشتغل معاك ماعلينا أنت فطرت أنا جايبة سندوتشات طعمية هتعجبك أوى حاجة بلدى يعنى مفيش كلام
اخرجت من حقيبتها لفافة الطعام وضعتها على المكتب أمامه فرفع حاجبيه واتسعت حدقتيه بدهشة:
–ايه ده يا صافى اللى انتى جيباه ده معاكى
اذردت صافى لعابها خشية من توبيخه لها على ما فعلت فحاولت أن تبرر ما فعلت:
–أنا قولت تلاقيك مأكلتش ونأكل سوا
فهتف بها قائلا بغضب مصطنع:
–ازاى يعنى جايبة ساندوتشات طعمية من غير فول
علت صوت ضحكتها لادراكها مزاحه معها فأخذت احد السندوتشات تناوله إياه قائلة:
–اهو ساندوتش الفول بتاعك أنت رعبتنى وفزعتنى أنا قولت شوية وهترمينى أنا وسندوتشاتى برا
تناول الساندوتش من يدها قضم منه قضمة صغيرة بدأت هى الاخرى بتناول طعامها وبعد الانتهاء هتف بها بصوت عملى:
–أظن حضرتك أكلتى وشبعتى اتفضلى يلا على شغلك وتشوفى اللى وراكى علشان النهاردة عندنا ميعاد مع عملاء علشان صفقة الألماس
نفضت صافى يدها وسحبت محرمة ورقية تمسح بها فمها من أثار الطعام قائلة بجدية:
–كله تمام وورق الصفقة جاهز بس هو انت ليه مش بتروح شركتك دى ودايما قاعد هنا فى شركة الحراسة يا أما بتدرس فى الجامعة لكن شركتك الخاصة بتجارة الدهب والالماس مبتروحهاش كل الصفقات بتعملها من برا برا
أغلق أيسر عينيه بتأفف من إلحاح صافى فى معرفة كل شئ يخصه فرفع أصبعه يشير اليها بالانصراف
–يلا على مكتبك يا صافى وبلاش أسئلة كتير وتوجعى دماغى على الصبح عايز اركز فى شغلى
لم تجادله تلك المرة فأخذت حقيبتها وخرجت عاد هو لمطالعة الأوراق إلا أنه تركها من يده ثانية وترك مقعده وقف أمام تلك الواجهة الزجاجية يتطلع للخارج وضع يده بجيب سترته وأخرج صورة زوجته تلك الصورة التى يحتفظ بها دائماً قريبة من قلبه
تلمسها بيده بحنين جارف ولوعة عشق هاتفها بصوت تخلله الشجن والحب:
–كل ده فراق يا ثراء أنا قلبى اتحرق بنارك من يوم ما سبتينى بقيت عايش بكلم نفسى واللى يشوفنى يقول ده اتجنن بس ميعرفوش أن انا مجنون بيك ونفسى ترجعيلى قدرتى تبعدى السنين دى كلها أنا دورت عليكى كتير بس من غير فايدة ومحدش عايز يقولى أنتى فين وحشتينى أوى يا نور عيونى
يخبر الصورة بلوعة أشتياقه كأنه بانتظار أن تجيبه لا أحد يرى ما يفعله عندما يكون بمفرده فهو يخلع عنه رداء الصبر والصمود سامحاً لنفسه بإظهار ضعفه أمام نفسه فالصبر والجلد اخذوا منه كل مأخذ ولكن إلى متى سيظل صابراً وصامداً فجميع أسوار قلبه قد بدأت بالتصدع والانهيار أشبه بجدار قد أصابته شروخ عميقة مهددة بانهياره بين لحظة وأخرى
________
فرحة وسعادة كبيرة تخللت أرجاء منزل جمال الرافعى فاليوم ستعود ابنتهم إلى أحضانهم ثانية ولج جمال غرفته وجد فيروز قد أنهت ارتداء ثيابها وحجابها
استدارت إليه بابتسامة واسعة وقلب سعيد:
–يلا يا جمال انا خلصت اهو يلا نروح علشان نجيب ثراء ومليكة من المطار وحشونى أوى
لم يكن زوجها بأقل فرحة منها فهو اشتاق لابنته و للصغيرة منذ اخر زيارة لهم بلندن
–ومين سمعك يا فيروز أنا كمان مش قادر اصبر اكتر من كده علشان اشوفهم
لمحوا دلوف ذلك الصغير ذو الوجه الوسيم والذى يحمل ملامح وجه أبيه يهتف بطفولية:
–جدو تيتة انا لبست أهو علشان نروح لمليكة
أقترب جمال من حفيده الذى لم يكمل عامه الرابع يحمله على ذراعه يقبل وجنته الوردية:
– ريان حبيب جدو يلا بينا يا حبيبى
تعلق الصغير بعنق جده وهو يحمله خارجاً من الغرفة تتبعه فيروز وجد حسام وميرا فى انتظارهم هم أيضاً فاقتربت ميرا لتأخذ طفلها قائلة بابتسامة:
–هاتو عنك يا عمو علشان ميتعبكش
ابتسم لها جمال يضم حفيده له أكثر:
–لاء هو مش تاعبنى ده حبيب جده وتيتة مش كده يا ريان
قبل الصغير وجنة جده قبل أن يقول:
–ايوة يا جدو انا بحبكم قد البحر
اقتربت فيروز تاخذه منه تداعبه هى الأخرى:
–واحنا بنحبك قد البحر والأرض والسما وكل حاجة
ظل حسام صامتاً فنظر اليه والده قبل أن يستعدوا للرحيل قائلا:
–حسام أنا مش هوصيك تانى مش عايز أيسر يعرف أن ثراء رجعت ماشى يا حسام أنت وعدتنى ووعدت اختك وحلفت أنك مش هتقوله ولا تجبله سيرة عن موضوع أنها رجعت مصر
هز حسام رأسه بقلة حيلة فوالداه وشقيقته أخذا عليه عهد بعدم البوح لأيسر بعودتها فكم من مرة أمسك لسانه عن اخبار أيسر بشأن عودتها إلا انه يتراجع بالاخير عندما يتذكر ذلك العهد والقسم الذى اقسمه لهم بأنه لن يخبره
فهتف حسام بهدوء:
–فاكر يا بابا وادينى أهو فضلت السنين دى كلها ساكت بس يابابا مينفعش كده هو ليه حق يعرف أن ثراءرجعتمصرتانى
ردت عليه فيروز قائلة بغضب:
– هو أصلا تلاقيه مش فاكرها خلاص يا حسام هو تلاقيه نسيها وعاش حياته وزى ماهو نسيها هى كمان هتنساه فمتخلهوش يرجع لحياتها تانى كفاية اللى حصلها ولا أنت مشوفتش اختك اتعذبت قد ايه حتى انها كانت بتتعالج نفسى بسببه
أطرق حسام رأسه أرضاً قائلا :
–وهو كمان اتعذب يا ماما هم الاتنين اتعذبوا من غير داعى مع أن الموضوع كان ممكن يتحل وميحصلش ده كله
عندما رفع حسام رأسه ووجد والده ينظر اليه بغضب فعدل عن حديثه فهو مازال بعد كل تلك السنوات يدافع عنه
حاول حسام إطفاء ذلك الغضب الذى التمع بعين والده فهتف ممازحاً:
–مش يلا بينا ولا إيه زمان ثراء واقفة فى المطار بتدور علينا دلوقتى
خرج الجميع بعد اطمئنان حسام على رضوان وسميرة فأصبحوا طاعنين بالسن ولا يستطيعون الخروج كثيراً
_______
أعلنت الخطوط الجوية المصرية عن وصول رحلتها القادمة من لندن فى تمام الساعة الرابعة عصراً ،هذه الجملة هى ماتردى صداها بأذن هؤلاء الجالسين المترقبين وصول أبنتهم
فركت فيروز يدها بتوتر وقلق بالغ فهى لم تعد تطيق صبراً على الانتظار لرؤية ابنتها وحفيدتها فهتفت بصوت منخفض:
–يلا بقى كل ده الطيارة بتوصل حرام كده حرقة الاعصاب دى
ترك جمال مكانه يحاول تهدئتها قائلا بحنان:
–اهدى بقى يا فيروز بالله عليكى وترتينا أكتر ما احنا متوترين أساساً كلها شوية وثراء هتخرج دلوقتى
ظلت فيروز تبتهل بالدعاء حتى يحين اللقاء،فتحت ثراء حزام الأمان الخاص بمقعدها وكذلك بمقعد الصغيرة فالطائرة هبطت بسلام على الأراضى المصرية ابتسمت لمليكة التى غفت بالنوم تحتضن دمية الباربى الخاصة بها
وجدت أمير يسبقها فى حملها قائلا:
–أنا هشيلها يا ثراء يلا بينا
فُتح باب الطائرة لفحت أول نسمة هواء وجهها بعد فراق دام لسنوات اغمضت عينيها تستنشقه بنهم هبطت درج الطائرة تسير بجوارأمير وهو يحمل مليكة الغافية على كتفه بعد الانتهاء من المعاملات خرجت ثراء شبه راكضة وهى تلمح عائلتها رفعت يدها تلوح بقوة وإصرار وعبراتها تلتمع بعينيها فهتفت بصوت عالى نسبياً:
–بابا ماما
تململت مليكة على كتف أمير تفرك عينيها بيدها الصغيرة قائلة بنعاس:
–بابى
أبتسم لها أمير قائلا بسعادة:
–يلا يا مليكة صحصحى احنا وصلنا
التفتت مليكة حيث أشار أمير فصفقت بيدها بحماس فأنزلها أمير من على ذراعه فركضت بجوار ثراء لتصل إليهم
ضمت فيروز ابنتها بقوة ولم تعد تستطيع حبس دموعها أكثر من ذلك فهتفت بصوت تخلله البكاء الممزوج بفرحتها بعودة ابنتها اليها
–حبيبة قلب ماما حمد الله على سلامتك نورتى بلدك يا قلبى
شددت ثراء من احتضان جسد والداتها قائلة بدموع هى الآخرى:
وحشتونى أوى يا ماما أنتى وبابا وحسام وميرا وريان كلكم وحشنى أوى
أخذ الكل دوره بالترحيب بها واحتضانها بأشواق ونالت مليكة حصتها من تلك الاحضان والقبل من الجميع
فهتف حسام بسعادة:
–استنوا كده على وضعكم انتوا عايزين صورة
اخرج هاتفه فوقفوا جميعاً لالتقاط صورة تذكارية فطالع حسام هاتفه بابتسامة:
–حلوة أوى الصورة السيلفى دا أنا عليا صور
ضحك الجميع على مزاح حسام وخاصة شقيقته التى لم تسنح لها الظروف بقضاء وقت أطول معه
فى تلك الآونة قد وصل أيسر برفقة صافى التى اصطحبها معه بسيارته للمطار لاستقبال جدتها بعد عودتها من اداء مناسك الحج ترجلوا من السيارة فنظر إليها أيسر قائلا:
–هى قالتلك الطيارة هتوصل الساعة كام
نظرت صافى لساعة معصمها قائلة بابتسامة:
–هى خلاص زمانها وصلت دلوقتى
ولجوا إلى صالة الوصول بالمطار جلسوا على احد المقاعد فى انتظار خروج فريدة هب أيسر واقفاً
–هروح اجيب حاجة نشربها على جدتك ما توصل بالسلامة
حركت صافى رأسها بالموافقة فتركها مبتعداً للذهاب لاحد المقاهى بالمطار لجلب المشروبات واثناء عودته لم ينتبه فاصطتدم باحدهم فبادر بالاعتذار
–أنا أس
لم يستطيع إكمال كلمة الاعتذاز عندما تبين هوية من اصطتدم به لتوه
سر غائب
البارت الرابع عشر
حركت صافى رأسها بالموافقة فتركها مبتعداً للذهاب لاحد المقاهى بالمطار لجلب المشروبات واثناء عودته لم ينتبه فاصطتدم باحدهم فبادر بالاعتذار
-أنا أس
لم يستطيع إكمال كلمة الاعتذاز عندما تبين هوية من اصطتدم به لتوه
طالع أيسر حسام بغرابة فهتف به قائلا:
-حسام أنت بتعمل ايه هنا فى المطار
ازدرد حسام لعابه ونظر من خلف كتف أيسر وجد عائلته غير منتبه لما يجرى ولكن يخشى أن يلتفت أيسر ويراهم وسيقع بمأزق من كلا الطرفين فكلاهما سيظن به الظنون فشقيقته ستظن أنه اخبر أيسر بموعد وصولها ونحث بوعده لها وسيظن أيسر أنه أخفى عنه مكان وجود شقيقته وتصنع الجهل به طوال تلك السنوات
أبتسم حسام بتوتر فسحب أيسر من مرفقه يبتعد عن مرمى بصر عائلته قائلا :
-لاء دا أنا كنت جاى اسأل على حاجة فى المطار
مط أيسر شفتيه قائلا بعدم اقتناع:
-بتسأل على إيه فى المطار يا حسام أنت شكلك كده بتكذب
حاول حسام أن يوارى قلقه خلف ابتسامته الواسعة فهتف به بمزاح:
_عيب عليك انا اكدب عليك يا صاحبى بس قولى أنت بتعمل ايه هنا
رد أيسر عليه قائلا:
-الحاجة فريدة جدة صافى كانت فى السعودية ورجعة النهاردة وكنت جاى اخدها انا وصافى
انزعجت ملامح حسام فهتف به بضيق:
-أيسر وبعدين معاك فى حكاية البنت دى معقولة تكون خلاص يأست من رجوع ثراء ليك
بمجرد ذكر اسمها ملأ الحنين خضراوتيه فهتف بصوت متهدج:
-أنا عمرى ما أقدر أنسى ثراء ولا أن فى واحدة تانية تاخد قلبى منى غيرها بس صافى دى مساعدة منى مش أكتر علشان هى وجدتها ملهمش حد فى الدنيا هى دى كل الحكاية يا حسام
اطمأن حسام قليلاً بعدما استشعر بنبرة الحب الصادقة بصوته وجد صافى مقبلة عليهم قائلة:
-أيسر تيتة وصلت يلا بينا
طالعها حسام بحاجبين معقودين فهو لاينكر أنها فتاة جميلة الملامح وربما تستطيع جذب ايسر لها فعاود النظر لأيسر قائلا قبل ان يغادر:
-خليك فاكر كلامى يا أيسر سلام
غادر حسام وظل أيسر يفكر فى مغزى حديثه هذا انتبه على نداء صافى ليه فتوجها حيث تنتظرهم فريدة
ركضت صافى الى احضان جدتها تهتف باشتياق:
-تيتة حبيبتى وحشتينى حمد الله على السلامة
ربتت فريدة على ظهر حفيدتها تقبلها على وجنتيها قائلة بحب:
-الله يسلمك يا حبيبة تيتة
اقترب منها أيسر مصافحاً لها بحرارة قائلا:
-الف الحمد لله على سلامتك
ربتت فريدة على يده بحنو قائلة:
-تسلم يابنى انا مش عارفة اشكرك على ايه ولا ايه أنت من يوم ما عرفناك وانت شايلنا على كفوف الراحة انا دعيتلك فى الحرم أن ربنا يريح قلبك ويسعدك يارب
هو لايتمنى سوى راحة قلبه فأبتهل ان يجيب الله دعاءها له اخذ خقائبها ووضعها بسيارته وانطلق بها بعد أن اتخذت كل من فريدة وصافى مكانهن بالسيارة
_________
فى خضم انهماكها فى اخذ مقاسات الثوب الذى تريده تلك المرأة الواقفة أمامها سمعت ضحى صوت رنين هاتفها نظرت للهاتف بدهشة فهذا هو رقم ثراء الذى كانت تحدثها منه اثناء وجودها بمصر
فتحت الهاتف تجيب بلهفة:
-ثراء معقولة أنتى رجعتى مصر
ردت ثراء قائلة بابتسامة:
-أيوة يا ضحى رجعت وكنت مشتاقة أشوفك وحشتينى أوى
ابتسمت ضحى ولمعت عينيها بدموع الفرح:
-وأنتى يا حبيبتى وحشتينى أوى أنتى فين دلوقتى وهجيلك حالا أنتى فى القصر بتاعكم
ردت ثراء قائلة بهدوء:
-لاء احنا مبقناش قاعدين فى القصر قاعدين فى مكان تانى هبعتلك العنوان
أرسلت ثراء العنوان إليها عبر الهاتف نادت ضحى على تلك الفتاة التى تعمل معها قائلة :
-بصى خدى بقية مقاسات المدام على ما ارجع عندى مشوار مهم ومش هتأخر
اومأت الفتاة برأسها بالموافقة التقطت ضحى حقيبتها وهاتفها وصلت إلى تلك السيارة الصغيرة التى استطاعت شراؤها بعد أن ادخرت بعض المال مما تربحه من عملها فهى الآن نالت شهرة لا بأس بها بين نساء الطبقة المخملية بسبب ايجادها حياكة الأثواب،قادت السيارة بشوق للذهاب لرؤية صديقتها المقربة فبالرغم من حديثهن الدائم عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلا انها فى شدة شوقها لرؤيتها ورؤية طفلتها الصغيرة ،وصلت ضحى إلى العنوان المرسل إليها اوقفت السيارة ودلفت للمنزل أوصلتها جليلة إلى الغرفة التى تستريح بها ثراء بعد عودتها
صرخت ضحى بفرح وهى تهتف قائلة:
-ااااه ثراء وحشتينى
تلاقيا بالأحضان فظلت كل منهن متمسكة بالاخرى حتى فرت دموعهن من سعادة اللقاء
نظرت إليها ثراء قائلة :
-الله الله دا أحنا بقيتا قمرات بزيادة يا ضحى
ابتسمت ضحى على حديث صديقتها:
-مش هييجى حاجة فى جمالك يا بنت الأكابر
أحييت تلك الكلمة فى نفسها العديد من الذكريات إلا انها حاولت نفضها عن ذهنها الآن سحبت ضحى من يدها يجلسن سويا على احد الارائك فهن لديهن الكثير من الحديث والثرثرة ،أثناء حديثهن ولجت مليكة تفرك عينيها بنعاس تحمل دميتها على احدى ذراعها قائلة بصوت ناعس:
-مامى أنا جعانة
ابتسمت ثراء لطفلتها فنهضت من مكانها تحملها بين ذراعيها وعادت وجلست ثانية بجوار ضحى
-حاضر يا روح مامى أنتى لسه صاحية من النوم
نظرت لضحى لتستطرد بابتسامة عريضة:
-من ساعة ما رجعنا وهى عمالة تنام وتقوم فرق التوقيت عامل شغله معاها
ابتسمت ضحى على ما تفوهت به ثراء فمدت يدها تأخذ الصغيرة منها وضعتها على ركبتيها تقبلها من وجنتها قائلة:
-بسم الله ما شاء الله ربنا يباركلك فيها يا حبيبتى قوليلى بقى يا قمر اسمك ايه
ردت مليكة بطفولية :
-اسمى مليكة ومامى بتقولى يا كوكى هى وبابى
تعجبت ضحى قليلا فنظرت لثراء التى نهضت من مكانها وأخذت صغيرتها ونادت على إحدى الخادمات لتأخذها لتتناول طعامها عادت ثانية الى ضحى
بادرت ضحى بالحديث قائلة:
-أنتى لما رجعتى مشوفتيش أيسر
ردت ثراء قائلة بهدوء:
-لاء ومش عايزة أشوفه
ربتت ضحى على يدها بابتسامة مهزوزة:
-طب مفكرتيش أنك تشوفيه يا ثراء مش واحشك
احتدمت ملامح وجه ثراء بعد سماع اسمه فهتفت بغضب:
-واشوفه ليه هو مش خلاص مبقاش شايف غير الحلوة اللى كانت معاه يبقى خلاص مش مهم اشوفه او لاء هو أساسا زمانه مش فاكرنى ونسينى وأنا كمان مش عايزة أرجع اشوفه تانى او يظهر في حياتى مرة تانية انا كنت شايلة هم انه يبقى موجود فى مجموعة الشركات لما اروح أنا ادير الجزء الخاص بيا بس كلهم اكدولى انه مبيروحش هناك خالص من يوم اللى حصل وكده أحسن مش عايزة اشوفه قدام عينى مرة تانية
حاولت اخذ انفاسها بقوة بعد انفعالها فشعرت بها ضحى انها ربما ستبكى فعينيها التمعت بها الدموع فجذبتها ضحى تربت عليها بحنان:
-خلاص يا ثراء اهدى المصيبة انك لسه بتحبيه
ابتعدت ثراء عنها تطالعها بإصرار:
-لاء يا ضحى مبقتش أحبه أنا بقيت بكرهه بكرهه ولو سمحت ليا الفرصة كان ممكن أن أنا...
كزت على أنيابها لتكافح تلك الدموع التى بدأت تلح بإصرار على أن تطفر من عينيها فهى لا تستطيع إكمال حديثها فمسحت وجهها بيدها بارهاق فحاولت تغيير دفة الحديث فابتسمت لها قائلة:
-بس قوليلى عاملة ايه فى شغلك
ردت ضحى قائلة بابتسامة:
-الحمد لله تمام ودلوقتى ابتديت اتعرف عند ستات وزوجات رجال اعمال مشهورين مش قولتلك ايدى تتلف فى حراير والاميظ
ارتدت ثراء برأسها ضاحكة على مزاح صديقتها :
_طبعا المهم عيزاكى تعمليلى أنا وكوكى فستانين زى بعض علشان حفلة عيد ميلادى قربت والسنة دى عايزة احتفل بيه مع اهلى
أشارت ضحى لعينيها قائلة:
-من العين دى قبل العين دى انا تحت امر كوكى وبنت الأكابر كمان يا سلام أحلى فستان لاحلى بنت أكابر فى الدنيا
ظلن يثرثرن طويلاً يستعدن ذكرياتهن سوياً تتجنب ثراء ذكر تلك الذكريات الخاصة بمعذبها فهى لا تريد المزيد من الجراح التى حتى الآن لم تبرأ منها بصورة فعلية رغم قناع شجاعتها الواهية التى ترتديه أمام الجميع
________
اثناء جلوسها للحديث مع صديقتها عبر الهاتف لمحت دلوف زوجها إلى الغرفة فابتسمت ميرا لصديقتها معتذرة
-معلش يا أيتن مضطرة اقفل معاكى دلوقتى علشان حسام رجع من الشغل
ابتسمت أيتن لها عبر كاميرا الهاتف قائلة:
-اوك ميرا بس عاوزين نشوفك أنتى بقالك كتير مختفية ولا خلاص بقيتى شبه ستات البيوت اللى مبعملوش حاجة غير أنهم يشوفوا إجوازهم ويخلفوا وبس
سمع حسام كل هذا فلم يستساغ ما يسمعه إلا انه فضل الصمت بدأ بفك ازرار قميصه لتبديل ثيابه العملية بثياب بيتية أكثر راحة أثناء مروره من جوار زوجته لمحته تلك الفتاة المدعوة أيتن فهو ليس له دراية بأن زوجته تحدث صديقتها عبر الفيديو فانحنى إليها يقبلها من وجنتها يحاوط كتفيها بحميمية ولكن عندما وجد عين تلك الفتاة تطالعه بفضول قائلة بابتسامة جانبية:
-هاى يا باشمهندس حسام
حمحم يجلى صوته من احراجه مما حدث وابتعد سريعاً عن زوجته أو ربما عن مرمى بصر تلك الفتاة ،أنهت ميرا معها المكالمة
فنظر إليها حسام قائلا:
-مش تقولى انك بتتكلمى معاها فيديو انا افتكرت انك فاتحة مكبر الصوت
ابتسمت له ميرا والقت الهاتف من يدها وأقتربت منه قائلة :
-ما أنت اللى داخل تحضن على طول اعملك ايه يعنى ملحقتش اقولك
جذبها إليه قائلا بابتسامة مشاغبة:
-بلاش يعنى طول النهار فى الشغل والمهلبية بتاعتى وحشانى اعمل ايه بس
كم تحب هى اطراءه لها الخاص به فهمست بأذنه:
-وأنت وحشت المهلبية أوى والله
ماكاد يرفعها بين ذراعيه حتى سمع صوت طرقات على الباب ضيق ما بين عينيه هاتفا بغيظ:
-الخبطة دى خبطة ريان هو استاذ افساد كل لحظاتى السعيدة الواد ده
ضحكت ميرا على جملته فأنزلها من بين يديه فتح الباب وجد صغيره ومليكة فالتفت لزوجته قائلا:
-لاء ومش جاى لوحده جايب مليكة معاه
انحنى حسام إليهم قائلا بحنان:
-عايزين ايه يا عساسيل أنتم
ردت مليكة قائلة :
-عايزين نلعب معاك آنا سميرة قالتلنا روحوا العبوا مع الواد حسام
اتسعت حدقتيه بدهشة من براءة مليكة فى الحديث فعلم ان تلك مزحة تمزحها معه جدته فاخذهم وخرج من الغرفة هبط للطابق السفلى وجد سميرة تخفى ابتسامتها
فأقترب منها يصطنع الغضب:
-بقى كده يا مرمر بتقوليلهم الواد حسام طب حافظى على هيبتى شوية قدام العيال
رفع رضوان رأسه يغلق المصحف يبتسم هو الآخر:
-هى عملتها فيك
أقترب حسام من رضوان يقبل يده قبل أن يجلس بالقرب منه :
-عجبك كده يا جدى يعنى مرمر بتقطع عليا
ردت سميرة قائلة بعدم أكتراث:
-فى إيه يا واد أنت انا عملتلك حاجة انت جاى تتبل عليا
ترك حسام مكانه يجلس تلك المرة بجوارها فقبلها على وجنتها قائلا بمزاح:
-متحاوليش الإنكار يا تيتة هم اعترفوا عليكى خلاص الإنكار مش هيفيدك
عاد جمال من مشفاه وجد عائلته مجتمعة فاستقبلته زوجته كعادتها عندما يعود إلى المنزل بعد يوم شاق بعمله
ابتسمت فى وجهه قائلة:
-حمد الله على السلامة يلا غير هدومك علشان نتعشى وانت نازل هات ثراء معاك كانت فى أوضتها
رد ابتسامتها قائلا :
-الله يسلمك هى قاعدة فى اوضتها ليه فى حاجة ولا ايه
-لاء مفيش حاجة بس قالت عايزة تظبط شوية حاجات قبل ما تنزل الشغل بكرة
قالتها فيروز وهى تتجه صوب المطبخ لاخبار جليلة بإحضار طعام العشاء
صعد جمال الى غرفته وبعد انتهاءه من روتينه اليومى بعد عودته من المشفى طرق باب غرفة ابنته وأدار المقبض ولج وجدها منكبة على حاسوبها الشخصى فاقترب منها:
-حبيبتى خلصتى ولا لسه علشان نتعشى سوا
خلعت ثراء نظارتها الطبية قائلة بابتسامة عريضة:
-لاء خلاص خلصت يا بابا يلا بينا
بدأو جميعاً بتناول الطعام ران الصمت عليهم بضع دقائق حتى استطاع جمال القول:
-خلاص هنعمل الاحتفال بعيد ميلادك وادارتك للشركة بكرة
اتسعت ابتسامة ثراء قائلة:
-ان شاء الله بس مش هتكون حفلة كبيرة ولا حاجة نحتفل كلنا مع بعضنا بس من غير حد غريب
هى تريد أن تشعر بدفء عائلتها بعد تلك السنوات من الحرمان من الجو الأسرى فعائلتها هى كل ما تعنيها فى وقتها الحالى
__________
أضاء أيسر الشمعة التى تتوسط قالب الحلوى واغلق الأنوار كافة فى تلك الغرفة التى زينت كأنه يقام بها حفل عيد ميلاد صاخب
ظل يهتف بصوت منخفض ومتناغم:
-سنة حلوة يا جميل سنة حلوة يا ثراء سنة حلوة سنة حلوة يا جميل
أطفأ الشمعة فابتسم ابتسامة عريضة أشعل الضوء ثانية وعاد مكانه ينظر لصورتها التى كانت تزين جدران غرفته
تحسس الصورة بأصابعه قائلا بعشق:
- كل سنة وانتى طيبة يا نور عيونى
فهو لم ينسى أن يحضر هدية مثلما اعتاد أن يفعل كل عام فى ذكرى مولدها فأخرج ثوب طويل باللون النيلى يضيق قليلاً عند الصدر ويتسع بداية من الخصر إلى القدمين ،فرفعه بين يديه يحدث الصورة:
-أنا جبتلك الفستان ده علشان عارف أنك بتحبى اللون ده وهو هيبقى جميل اوى عليكى يا حبيبتى
وضع الثوب على الفراش ظل يتحسسه بيده وهو مضطجع على شقه الأيمن واضعا يده أسفل رأسه يهتف بصوت ملتاع:
-أمتى هترجعى بقى يا ثراء مش كفاية عذاب فيا لحد كده
استلقى على ظهره أخذاً الثوب بين ذراعيه يغمض عينيه يتذكر تلك الأوقات الحالمة التى جمعتهم سوياً فتذكر تصريح عينيها له برغبتها فى أن تصبح ملكه وهو من أضاع تلك الفرصة ولكنه كان يخشى أن بعد اكتشافها حقيقته بأنها ستوافق مرغمة على أن تظل معه وذلك ما لم يكن يريده أن تصبح زوجة له بالاجبار
ترك الثوب جانباً ونهض من الفراش تاركاً الغرفة حتى وصل إلى حديقة المنزل فوصل إلى حظيرة الخيول سمع صهيل ذلك الجواد الذى كان أول جواد يبتاعة ليتوالى بشراء المزيد حتى أصبح لديه عدد لا بأس به من الخيول وذلك تنفيذاً لرغبة معشوقته
فأقترب منه باسماً يداعب رأسه قائلا:
-انت عارف ان النهاردة عيد ميلاد ثراء مراتى وأنا اشتريتك علشان كانت عايزة يبقى عندنا أسطبل خيل أنت كمان مستنيها زيى بس تفتكر هترجع ليا تانى ولا قلبها خلاص قسى عليا
وضع قطع من السكر بكف يده ليلتهمها الجواد بسرعة ليبدأ بحك رأسه بصدر أيسر مداعباً فابتسم على فعلته فهم نشأ بينهم ألفة من نوع خاص فعندما يضيق صدره يأتى إليه شاكياً كأنه على علم ودراية بما يقوله أو يشعر به، بعد أن انتهى من بث شكواه اليه تركه ذاهباً إلى حمام السباحة لم يتردد ثانية فى أخذ جولة من السباحة فظل يسبح وقتا طويلا فهذا من أساسيات روتينه اليومى قبل النوم لعل النوم الذى جفاه ينصفه تلك المرة ويجعله ينام وقت أطول عن تلك الساعات القليلة التى لاتخلو من أحلام مزعجة وعويل قلب احترق بنيران الفراق والانتظار
_________
اجتمعت العائلة بحديقة المنزل للاحتفال بتولى ثراء إدارة شركاتها وأيضاً ذكرى يوم مولدها خرجت ثراء إليهم وهى تحتضن كف صغيرتها التى تسير بجوارها بثوب مماثل لثوبها فضحى أتمت حياكة الثوبين على أكمل وجه اقتربت ثراء منهم وجلست بجانب والدايها أخرجت جليلة قالب الحلوى الكبير الذى اوصى جمال به من أجل ابنتها يحمل صورتها
فابتسمت ثراء قائلة بحب:
-شكرا يا بابا تسلملى
ربما منذ مغادرتها لم تشعر بالسعادة مثلما تشعر بها اليوم من عودتها إلى أحضان والدايها
اغمضت عينيها وتمنت أمنية ثم اطفأت الشموع بقالب الحلوى قامت بتقطيعه وأطعمت والديها ومليكة واخيها وكل من كان حاضراً
اقتربت مليكة من ثراء تبتسم بطفولية:
-مامى هلعب مع ريان
اومأت لها ثراء بالموافقة فركضت بسرعة لتبدأ باللهو مع ريان قامت ثراء من مكانها تتجول بحديقة المنزل وقفت أمام ورودها المفضلة قطفت إحداهما تقربها من أنفها تستنشق رائحتها العطرة
سمعت صوت شقيقها من خلفها قائلا بابتسامة:
-كل سنة وانتى طيبة يا حبيبتى
ابتسمت ثراء :
-وأنت طيب يا حسام مقولتليش بقى اخبارك ايه مع ميرا مبسوطين مع بعض
تأبط حسام ذراعها يكملوا تجولهم بالحديقة قائلا بمزاح:
-أه المهلبية بتاعتى حلوة بس ساعات بيبقى سكرها زيادة توجع الأسنان من حلاوتها
أرتد رأس ثراء للخلف تتعالى صوت ضحكتها سمع والديها ذلك ابتسموا تلقائياً فربما ابنتهم بدأت فى عودتها إلى طبيعتها
نظرت لشقيقها قائلة بمكر:
-هى الصراحة ميرا حلاوتها زايدة وده باين على عينيك اللى راحة جاية وراها فى كل حتة
أدار حسام رأسه يميناً ويساراً ينظر حوله :
-هو انا مفضوح أوى كده حتى أيسر بيقولى نفس الكلام
اختفت الابتسامة من على وجهها وحل مكانها العبوس والوجوم فهتفت بضيق:
-أنت لسه بتشوفه يا حسام أنت وعدتنى انك مش هتقوله أن انا رجعت
اومأ لها حسام يتنهد بثقل قائلا:
-متخافيش يا ثراء مش هقوله بس صدقينى أيسر بيحبك وكل اللى حصل غصب عنه هو برضه بنى ادم مش ملاك واحد عاش حياته مقهور ومظلوم أنتى لو شوفتى حالته دلوقتى هيصعب عليكى أى ينعم بقى رجل أعمال مشهور وبقى ليه اسمه بس لما بيكون لوحده بيكلم نفسه يا ثراء
هتفت ثراء مسرعة:
-يستاهل كل اللى يجراله وانا مصعبتش عليك يا حسام لما هو ضحك عليا وخدعنى أنا لما كنت فى لندن كنت بتعالج نفسى بسبب الصدمة اللى هو جبهالى بقى يخلينى أشك فى اللى حواليا لما يبقى جوزى ومستأمناه وهو بيغشنى وبيضحك عليا لاء وكمان يعرف واحدة تانية ومقعدها فى شقته وبيروحلها
أمسكها حسام من كتفيها يهزها برفق قائلا:
-البنت دى بيساعدها مش اكتر علشان ملهاش حد بس هى دى الحكاية هو مفيش فى قلبه غيرك أنتى مشفتيش البيت اللى بناه مخصوص ليكى وقالى ان ثراء كانت عايزة البيت بالشكل ده وزرعلك ورد الجورى اللى بتحبيه وجابلك كمان خيل
تذكرت أحلامها بمنزلهم سوياً وتذكرت أيضاً كل ما أخبرته بشأنه لوهلة عادت إليها ذكريات الماضي عندما كان قريباً منها يهمس بأذنيها أشواقه إليها يسمعها كلمات ليست كأى كلمات تشبه حبات المطر التى تروى ظمأ ورود قد جفت سيقانها ،لم تشأ أن تنساق خلف تلك الذكريات ثانية فعادت إلى رشدها
ولت شقيقها ظهرها قائلة بعدم أكتراث:
-ميهمنيش أى حاجة هو عملها مبقاش يخصنى يا حسام أنا دلوقتى عايزة أعيش لمليكة وشغلى وبس وبليز بلاش تفتح الموضوع ده تانى
تركت شقيقها مكانه فعادت وجلست حيث كانت جالسة بين والدايها فمالت برأسها على كتف والدتها رفعت فيروز يدها تربت على وجنتها بحب فأغمضت عينيها تعنف قلبها على الخضوع ولو لثانية واحدة لحديث شقيقها عنه فهى حتى لو حاولت الإنكار لن تستطيع خداع قلبها الذى ما يأتى ذكر إسمه فقط حتى تتعالى دقاته تكاد تصم أذنيها من ذلك النبض العنيف الذى يتردى صداه بين جدران قلبها لمحت ركوض مليكة إليها فإبتسمت لها ابتسامة واسعة
وقفت الصغيرة أمامها تحمل بيدها عصى تشبه العصى السحرية قائلة :
-مامى أنا بقيت العرابة الساحرة يلا علشان تتمنى أمنية وأحققها بالعصاية السحرية
تصنعت ثراء الجدية وهى تنقر باصبعها على ذقنها كأنها تبحث عن أمنية فطالعت الصغيرة قائلة :
-أمممم مش عارفة أتمنى إيه يا كوكى
قفزت الصغيرة بمكانها تحثها على الإسراع:
-يلا يا مامى قبل الساعة ما تبقى ١٢ والسحر يروح ومش هعرف أحققلك أمنيتك
أغمضت ثراء عينيها قائلة بابتسامة:
-خلاص هتمنى أمنية يلا قولى التعويذة السحرية
وضعت مليكة العصى على رأس ثراء بخفة قائلة بصوتها الطفولى العذب:
-هبرا كادابرا بووو
وضعت ثراء يدها على فمها تكتم صوت ضحكتها تدمدم بصوت خافت:
-دا أفلام ديزنى أكلت دماغك يا كوكى
هتفت بها مليكة قائلة:
-خلاص يا مامى أمنيتك هتتحقق افتحى عينيكى بقى
فتحت ثراء عينيها تحدق بوجه الصغيرة بحنان فطوقتها بذراعيها بحب:
-حبيبة قلبى يلا روحى كملى لعبك مع ريان
ذهبت الصغيرة فظلت ثراء تبتسم على ماحدث ولكن تذكرت تلك الأمنية التى راودتها وهى مغلقة عينيها فلم ترى سوى وجه أيسر كأن قلبها يحرضها أن تتمنى رؤياه لعل القدر يجمعها به ولكن ذلك لن يحدث فهى ستفعل كل ما يجنبها لقياه فهى لا تريد المزيد من الجراح خرجت من أفكارها على صوت نقرات عصا على الأرض رفعت رأسها رأت عمها عزام يولج مستندا على عكاز برفقة شهاب
أقترب منه جمال مرحباً به:
-أهلا عزام أتفضل
اقترب ميرا هى الأخرى من والدها تقبله على وجنتيه مبتسمة:
-أهلا بابا أهلا شهاب أتفضلوا
أستراح عزام فى جلسته ظل ينظر مطولا لثراء التى لم تفه بكلمة واحدة فابتسم لها قائلا:
-أزيك يا ثراء حمد الله على السلامة
ابتسمت ثراء ابتسامة خفيفة قائلة:
-الله يسلمك يا عمو الحمد لله أنا كويسة
هربت بعينيها من مطالعته لها وتحديقه بوجهها كأنه يريد أن يقول شيئاً ولكن لا يجد الكلمات المناسبة ليعبر بها عن مكنون صدره فهو يعلم أنه من تسبب فى جراح ابنة شقيقه منذ البداية فأيسر لم يفعل ما فعل إلا رغبة فى إلانتقام منه ولكن ثراء هى من دفعت ثمن ذلك بهدم أحلامها
ظلت ثراء تتجنب الحديث مع عمها طوال الوقت فعندما شعرت بأنه ربما سيبدأ معها الحديث عما حدث سالفا ً هبت واقفة متعللة باصابتها بالصداع وأنها تريد النوم باكرا
- عن أذنكم لازم أنام بدرى بكرة أول يوم شغل وعايزة أكون فايقة تصبحوا على خير
أخذت ثراء مليكة لتضعها بالفراش قبل نومها وبعد ذلك ذهبت لغرفتها أبدلت ثيابها وذهبت إلى السرير ظلت مسهدة وقتاً طويلاً تغلق جفنيها عبثاً عندما سأمت من جلب النوم لعينيها تركت الفراش ولجت إلى الشرفة حدقت بالنجوم اللامعة فخفضت رأسها تنظر للحديقة كأنها ستراه يقف بأحد أركانها كما اعتادت أن تراه ولكن هى الآن ليست بالقصر وهو لم يعد ذلك الحبيب الذى وقعت بشرك غرامه فهى تذكرت ذلك الحلم الذى كان يراودها فتلك الأصفاد التى تكبلها كانت عشقه، وعصبة عينيها كانت غفلتها عن رؤية حقيقته وذلك الشخص الذى كان يسجنها لم يكن سواه وتلك اليد التى قبضت على عنقها رغبة فى زهق أنفاسها كانت أفعاله التى قضت على حلمها الوردى فهى لم تجد تفسيرا لذلك الحلم سابقا ولكن الآن علمت ماهو مدلوله
فى الصباح....خرجت ثراء من غرفتها بعد أن أرتدت ثيابها الأنيقة التى أضفت عليها لمسة عملية فاليوم أول يوم لها بالشركة تقابلت مع والداتها التى يبدو عليها أنها كانت بطريقها لغرفتها
هتفت فيروز بابتسامة جميلة:
-صباح الخير يا قلب ماما أنا كنت طالعة أصحيكى أفتكرتك لسه نايمة
هبطت ثراء الدرج تتأبط ذراع والداتها قائلة بتوتر:
-لاء صحيت من بدرى أو تقريباً معرفتش أنام أنا خايفة يا ماما
احتضنت فيروز وجه ابنتها بين كفيها قائلة بحنو:
-حبيبة قلبى اهدى خالص ومتتوتريش وأن شاء الله كل حاجة هتبقى كويسة ثم أنتى يعنى اخدتى الدكتوراة وبدرجة أمتياز يعنى مش هيبقى صعب تديرى شغلك
انكمشت ملامحها الخائفة بتوتر:
-الحاجة العلمية حاجة والعملية حاجة تانية خالص وخايفة أفشل يا ماما
حاولت فيروز طمأنة ابنتها فأهدت لها مصحف صغير :
-خلى كتاب ربنا دايما معاكى وهو هيحفظك وأن شاء الله كل حاجة هتبقى كويسة
شعرت بالراحة من حديثها مع والداتها ولكنها لم توافق على تناول إفطارها قبل الذهاب ذهبت إلى المرآب وأخدت سيارتها تنطلق بها حتى وصلت إلى مقر الشركة
_________
إجتمع العاملين بالشركة على رأسهم شهاب للترحيب بثراء لتوليها إدارة شركاتها فتقدم منها شهاب قائلا بابتسامة:
-نورتى الشركة يا ثراء وحمد الله على سلامتك
ناولها باقة من الزهور أخذتها منه قائلة بابتسامة:
-شكرا يا شهاب على ذوقك
ولجت إلى غرفة مكتبها تبعها شهاب وفتاة فى أواخر العشرينات أشار اليها شهاب قائلا:
-دى تبقى نور يا ثراء هتبقى المساعدة الشخصية وسكرتيرتك هى كفاءة جدا فى الشغل
مدت ثراء يدها تصافحها فصافحتها نور بحرارة فليس من اليسير العمل فى مجموعة شركات الرافعى
فابتسمت لها ثراء:
-اهلا بيكى يا نور وأتمنى تكونى مبسوطة بالشغل معايا انا الحمد لله مش دكتاتورية انا غلبانة خالص
ابتسم شهاب ونور على مزحة ثراء فردت نور بصوت خافت:
-أنا يشرفنى أن اشتغل فى شركة كبيرة زى ومع حضرتك واتمنى اكون عند حسن ظنك
بدأت ثراء العمل حاولت دفن يأسها وآلامها به أن تشغل أوقاتها وأن تحقق ذاتها،ظل أمير يعتنى بمليكة فهو يصر على اخذها يوميا لقضاء بعض الوقت برفقته فتذكرت ثراء أن مليكة بحاجة إلى حارس لها عندما تكون هى بأوقات عملها اخبرت نور بالبحث عن أفضل شركة للحراسات الشخصية لاختيار أحدهم للعناية بمليكة ومراقبتها أيضاً لمنع أي شيء ربما يحدث لها وهى ليست بجانبها
رفعت رأسها عن تلك الأوراق الموضوعة أمامها بعد ان تناهى إلى سمعها صوت طرقات على باب غرفة مكتبها فنزعت نظاراتها الطبية تردف بصوت هادئ
-ايوة أدخل
دلفت المساعدة الشخصية تحمل بيدها اوراقاً ربما خاصة بالعمل فزفرت ثراء بخفوت فهى اليوم قد أرهقها كثرة العمل ولن تحتمل ان تراجع اوراق أخرى فاستطردت قائلة:
-أيوة يا نور خير ورق ايه ده تانى الصراحة النهاردة تعبت من كتر الشغل
تبعت حديثها بابتسامة ممازحة كما اعتادت أن تفعل مع موظفيها فابتسمت نور ابتسامة خفيفة تضع الورق أمامها قائلة:
-لاء حضرتك ده مش ورق شغل ده عنوان شركة حراسة اللى حضرتك طلبتيها علشان عايزة حارس شخصى للأمورة الصغيرة مليكة
زادت ابتسامة ثراء اتساعا بعد سماع اسم صغيرتها فنظرت الى نور وهى تنهض عن مقعدها قائلة:
-اه فكرتينى هى مليكة وأمير لسه مرجعوش أتاخروا النهاردة أوى
عقدت نور يديها باحترام جم قائلة:
-لاء لسه أمير بيه موصلش وانتى عارفة تصميمه ان مليكة متفارقوش
التقطت ثراء الورقة من على مكتبها تنظر اليها فعاودت النظر إلى نور :
-طب قولى للسواق بتاع الشركة يجهز علشان انا خارجة هروح شركة الحراسة على ما أمير ومليكة يرجعوا
اومأت نور برأسها احتراماً وانصرفت مغادرة لتفيذ ما طلبته منها ثراء ،نظرت ثراء للمرآة الموضوعة باحد جوانب مكتبها تتأكد من وضع حجابها والتقطت حقيبتها لتغادر من الشركة وجدت السائق ينتظرها فأبلغته بالعنوان المفترض به ايصالها اليه ،جلست بالسيارة تنظر لصور ابنتها وأمير وهى مازالت مبتسمة حتى أعلن السائق عن وصولهم الى وجهتهم
-وصلنا يا ثراء هانم
اغلقت ثراء هاتفها وترجلت من السيارة نظرت إلى ذلك المبنى الذى تقع به شركة الحراسة ولجت إلى الداخل تقابلت مع السكرتيرة التى تجلس خلف مكتب منكبة على اوراق أمامها
فهتفت ثراء بهدوء:
-لو سمحتى ممكن اقابل صاحب الشركة عيزاه ضرورى
رفعت السكرتيرة رأسها بابتسامة تشير اليها بالجلوس قائلة:
-اتفضلى حضرتك وعيزاه بخصوص إيه
ابتسمت ثراء ابتسامة هادئة مردفة:
-علشان عايزة حارس شخصى لبنتى الصغيرة بس عايزة حارس كفء ويأخد باله منها كويس وخصوصا لما تكون فى النادى أو التدريبات بتاعتها
هزت السكرتيرة رأسها بتفهم لتنهض من مكانها تدلف للداخل وبعد دقيقتين خرجت وأشارت لثراء بالدخول:
-اتفضلى حضرتك ادخلى أنا بلغته ومستنى حضرتك
نهضت ثراء من مكانها تاخذ حقيبتها مرت بجانب السكرتيرة وهى ترمقها بابتسامة قائلة:
-شكرا ليكى يا أنسة
ولجت ثراء للداخل لا تعرف سر ذلك الشعور المبهم الذى طغى على قلبها الا انها حاولت نفض رأسها من تلك الوساوس فليس كل حارس شخصى فى العالم سيكون هو نظرت لذلك الذى يوليها ظهره ينظر للخارج عبر تلك الواجهة الزجاجية.
فحمحت قليلا قبل ان تقول:
-انا كنت جاية بخصوص ان عايزة حارس شخصى زى ما السكرتيرة قالتلك
قطب حاجبيه بعد سماع ذلك الصوت الانثوى،ذلك الصوت الذى لم تستطيع الأيام محوه من ذاكرته او محوه من قلبه فكم يخشى ان يلتفت ويراها أن يرى ذلك الطيف الذى سكن بين ثنايا قلبه يجلده بسوط الهجران فالتفت الى مصدر الصوت لا يعرف كم مر من الوقت وهو مازال محدقا بوجهها فهو حتى يخشى ان ترف جفونه وتختفى من أمامه أما هى فقد نالت قسطها من الصدمة فأى صدفة لعينة جمعتها به ثانية ولكن لماذا خفق ذلك الذى حاولت اسكاته منذ سنوات فهى حتى غير قادرة على ان تحملها قدميها لتفر هاربة من هنا فنظرت اليه تتفرس فى ملامحه هل نقص وزنه هل ازداد شعره طولا هل كثفت لحيته فكل ما تراه الآن لا يتطابق مع هيئته سابقا
فهتفت ثراء قائلة:
-أيسر
فخرج اسمه من بين شفتيها كماء عذب تمنى لو يروى ظمأه الذى أنهك روحه من كثرة الانتظار والفراق لم يمهل نفسه وقتا للتفكير تسابقت قدميه فى الاقتراب منها أراد أن يضمها إليه أن تبعث به الدفء الذى هجر قلبه وجعل الصقيع يكتنفه منذ اختفاءها فياله من أشتياق عصف بكيانه كأوراق الخريف التى تساقطت من أغصان الفراق ولكن إشارة واحدة من يدها جعلته يتسمر فى وقفته ناظرا اليها بشوق وحنين فكم يود هو الآن الاقتراب أن تجعله يشعر بقلبه ينبض مرة أخرى فهى قد ذهبت وسلبته نبضاته
خرجت كلماته متهدجة:
-ثثراء معقولة أنتى موجودة هنا قدامى دلوقتى يا حبيبتى أنتى وحشتينى أوى يا ثراء بعدتى عنى ليه سبتينى ليه يا ثراء
زفرت بضيق ليس من حديثه فقط ولكن مما اعتراها بعد سماع اسمها منه فهو مازال قادرا على سلب أنفاسها فهى تشعر بالدموع التى احرقت جفنيها راغبة فى السقوط معلنة عن تداعى صروحها الواهية ولكن هى لم تعد كما كانت فالسنوات الماضية قد ابدلت ما بداخلها
فحاولت اضفاء نبرة عملية على صوتها
-انا لو أعرف ان دى شركتك مكنتش جيت بس طالما جيت فأنا عايزة حارس شخصى لبنتى
طنت كلمة "بنتى" فى أذنيه فأتسع بؤبؤ عينيه واعترته ملامح الصدمة والدهشة هل أصبح لديها طفلة ولكن كيف حدث ذلك ؟
-بنتك! أنتى عندك بنت بس ازاى
زمت شفتيها قائلة بحنق شديد:
-غريبة يعنى يكون عندى بنت ايه الغريب فى كده
تجلى بصوتها الارتجاف ليس من صوته الهادر بدهشة فقط ولكن من رؤيته مقبلا عليها بطوله الفارع الذى طالما كانت تشعر بأنها أسيرة ذراعيه التى لم تنسى هى حتى الآن دفئها
احتدمت ملامحه نظر اليها بعينان قاتمتان مما سمعه منها الآن فعلا صوته مستنكراً صارخاً بها:
-انتى عندك بنت ازاى وانتى أساسا لسه مراتى وعلى ذمتى ومينفعش تتجوزى وحتى انا ملمستكيش يبقى عندك بنت ازااااى فهمينى
القراة باقي الفصول الجزء الثاني جميع الفصول من هنا
