سر غائب
البارت الحادي عشر والثاني عشر
بقلم سماح نجيب
عندما رفعت وجهها ورأت ذلك الرجل لم تصدق عيناها فهى لم تضع بحسبانها أنها من الممكن أن تلتقى به مرة أخرى، فهو الاخر كأنه بحلم وهو يراها تقف أمامه
فهتفت بصوت منخفض ممزوج بالدهشة:
-أمير
لم يسعه سوى أن تزداد ابتسامته اتساعاً برؤياها فهو قد ترك مصر حتى لايراها لتخدمه الصدفة فى رؤيتها وهنا وبهذا المكان
أفتر ثغره عن ابتسامة عريضة قائلا:
-ثراء معقولة أنتى بتعملى ايه هنا
عبست ملامحة لوهلة لظنه أنها أتت هنا برفقة زوجها فاستطرد قائلا :
-أنتى جاية هنا مع جوزك
حركت ثراء رأسها نفياً وهى تجاهد على ألا تفر تلك الدمعة التى أحرقت جفنها فقالت بصوت متحشرج:
-لاء أنا هنا لوحدى عن أذنك يا أمير
أرادت أن تذهب من أمامه ففرت هاربة إلى الحمام ولجت للداخل وقفت أمام تلك المرآة العريضة وهى تكتم فمها بكف يدها حتى لايعلو صوتها الباكى فماذا تفعل؟ فإن ظلت على تلك الحالة فهى ولا شك ستموت قهراً وخاصة عندما تتذكر أيسر
ذلك الحبيب الخائن الذى طعن قلبها بخناجر مسمومة استندت بيدها على حافة حوض الاغتسال تحاول تنظيم أنفاسها نظرت للمرآة مرة أخرى قبل أن تفتح صنبور المياة تغرف منه بيدها
ترشق وجهها للتخفيف من احمرار وجهها وعينيها من كثرة البكاء سحبت عدة محارم ورقية تجفف بها وجهها وضبطت وضع حجابها وخرجت مرة أخرى ولكن أثناء ذهابها الى تلك الطاولة التى تجلس عليها برفقة كارلا وجدت أمير ينتظرها
ترك مكانه عندما وجدها قادمة وملامحه تنم على أنه يشعر بالفضول لمعرفة ماذا تفعل هى هنا بمفردها وبدون زوجها لم يمهل نفسه دقيقة حتى بادرها بسؤاله
-ثراء هو فى ايه وبتعملى ايه هنا لوحدك ايه اللى حصل
لم تكن بوضع يخولها أن تجادل مع أحد الآن فابتسمت بوهن:
-أمير بليز بلاش أسئلة كتير اللى اقدر اقولهولك ان أنا هنا بكمل دراستى وأيوة انا هنا لوحدى تقدر تقول أن أنا وأيسر انفصلنا
وقع تلك الكلمة على مسامعها كلسعات الجمر إلا أنها تحاول ترويض قلبها على تقبل تلك الحقيقة عاودت النظر اليه قائلة:
-عن إذنك دلوقتى لازم أمشى يلا يا كارلا
نهضت كارلا عن مقعدها وهى تنقل بصرها بين ثراء تارة وأمير تارة أخرى فهى لا تفهم ماذا يحدث بينهم أو من يكون ذلك الرجل
أشارت ثراء بيدها لاحدى سيارات الأجرة فالتفتت لكارلا قائلة:
-شكرا يا كارلا على الغدا أشوفك فى الجامعة
ابتسمت لها كارلا قائلة بعفوية:
-بالهنا والشفا بس مين الرجل الوسيم ده ده حبيبك
هزت ثراء رأسها سلباً تقترب من تلك السيارة التى توقفت بجوارهن فتحت بابها وهى تلوح لها بيدها قائلة:
-باى كارلا
لوحت كارلا لها هى أيضًا فأنطلقت سيارة الأجرة ولكن تتبعها تلك السيارة التى يقودها أمير فهو يستشعر بوجود خطب ما فذلك الحزن الذى رأه على وجهها وداخل عينيها أنبأه بأن ربما حدث لها مكروه من ذلك الرجل المسمى زوجها
________
فتح أيسر باب غرفته بعد سماع عدة طرقات عالية فوجد حسام يقف على الباب فتنحى جانباً يدعوه للدخول:
-أهلا حسام أدخل
ولج حسام إلى الغرفة جلس على ذلك المقعد بالشرفة أقترب أيسر يجلس على المقعد المقابل له صامتاً
انحنى حسام قليلا للامام قائلا باهتمام:
-أنت عامل إيه دلوقتى وليه لسه قاعد فى الفندق
احنى أيسر رأسه للخلف يستند على طرف المقعد يحملق فى السماء قائلا بشرود:
-هكون عامل ايه يعنى يا حسام بعد ما أختك ضاعت منى بعد روحى ما سابتنى وأنا لسه قاعد هنا علشان ناوى أشترى أرض وهبنى عليها بيت
شعر حسام بالحزن على حال صديقه وشقيقته فكل منهم معذب بحب الآخر إلا أن أراد التخفيف من حالته قليلا فأخرج هاتفه قائلا بابتسامة:
-واللى يخليك تشوفها وتسمع صوتها
اعتدل أيسر بجلسته سريعا قائلا بلهفة:
-أزاى يا حسام أنت عرفت هى فين رد عليا
أشار اليه حسام بأن يهدأ ريثما يشرح له فهتف به قائلا:
-للأسف معرفتش هى فين بس لما كانت بتكلم ماما وبابا على التليفون فيديو طلبت اكلمها وأطمن عليها وجبت الحساب اللى بتكلمهم عليه وسجلته علشان نكلمها سوا
قفزت دقات قلبه بعد ما سمعه فحث حسام على الإسراع بمحادثتها فتح حسام الهاتف حرص على أن يظهر هو فقط حتى لا تغلق الهاتف إذا رأت زوجها
سمعت ثراء رنين ورود مكالمة فيديو فتحت الهاتف لعلها تكون والدتها أو أبيها أو صديقتها ضحى ولكن تعجبت فهذا حساب فيس بوك لا تعرفه فلم تجد ضرر من معرفة من يكون فتحت الصوت فقط لمعرفة من يكون:
-ألو ايوة مين معايا
أجابها حسام قائلا:
-أنا حسام أخوكى يا ثراء كنت بتصل أطمن عليكى عاملة إيه
ابتسمت ثراء بعد سماع صوت شقيقها قائلة:
-الحمد لله كويسة يا حسام بس أنت عرفت تتصل عليا ازاى
أجابها حسام قائلا بهدوء:
-اخدته من ماما المهم افتحى الفيديو علشان أكلمك عايز أشوفك
كل هذا وأيسر يتابع ما يحدث بترقب فهو كمن يسير على جمر حارق ولكن بعد سماع موافقتها بفتح الكاميرا اخذ الهاتف سريعاً من يد حسام فتحت ثراء الهاتف بابتسامة سرعان ما
تلاشت عندما رأت تلك العينان تطالعها التقط ايسر أنفاسه بصعوبة بالغة إلا انه استطاع القول:
- ثراء حبيبتى أنتى فين يا نور عيونى ليه يا ثراء تعملى كده وتسبينى وتسافرى ردى عليا يا حبيبتى
احتدمت ملامحها وقامت بغلق الهاتف بعد رؤيته ظل أيسر يحاول الإتصال بها مجددا إلا أنها لا تجيب على أتصاله
فصرخ قائلا بصوت حاد:
-ثرااااء ردى عليا
عندما يأس من تليين قلبها قام بقذف الهاتف من يده فاصتطدم بالجدار ليتهشم إلى قطع صغيرة
نظر اليه حسام بعيون جاحظة قائلا:
-ايه اللى انت عملته ده يا أيسر منك لله كسرتلى التليفون وانا لسه شاريه دا انا ملحقتش أفرح بيه
طالعه أيسر بغضب عارم قائلاً:
-هو ده اللى هامك التليفون ومش همك قلبى اللى بيوجعنى وإن كان على التليفون الزفت بتاعك ده هجبلك غيره
رفع حسام حاجبه قائلا بضيق:
-هو ده جزائى مش كفاية ثراء مش هترضى تكلمنى تانى بسببك مش قادر تمسك نفسك شوية على ما اكلمها وأحاول
افهمها يمكن كانت سمعت منى لكن أنت مش صابر على حاجة شوف بقى هعرف أوصلها تانى ازاى تلاقيها هتقول لماما وبابا على اللى حصل
لم يستمع أيسر لكلمة واحدة مما قالها حسام فهو لا يتذكر سوى وجهها الذى رآه منذ دقائق ذلك الوجه الفاتن ولكن عينيها حزينة وهو كان السبب بذلك فلو بإمكانه أن يذهب إليها الآن
أن يتوسلها لمسامحته أن يطرد الحزن الذى سكن عسليتيها أن يعيد البسمة الى شفتيها أن يرأف هو بحال قلبه الذى لم يعد يحتمل جراحه وأنينه باسمها فهو يصرخ به ليلاً ونهاراً بأنه يريد عودتها يريد أن يراها أن يستمع لصوتها أن يشعر
بلماساتها الحانية التى مازادته إلا عشقاً لها فهو لا يشتهى سوى عناق منها حتى وأن كان أخر شئ سيحصل عليه بحياته
__________
القت ثراء الهاتف من يدها بغضب شديد من رؤيته فهل مازال لديه الجرأة للحديث معها بعد ما فعله أغلقت عينيها بتعب وهى تشعر بتلك الهزيمة والضعف اللذان اجتاحوا قلبها بعد رؤيته زفرت بارهاق وتعب :
-يارب ساعدنى انساه بقى أنا تعبت
ولكن كيف لها بنسيانه وهو من احتل قلبها حتى وإن كان ينبض بين ضلوعها فهو مازال ساكنه ولكنها ترغب فى نزعه من داخلها ولكن كيف السبيل لذلك فهى أن ارادت فعل ذلك فهى بحاجة إلى فصل قلبها عن جسدها حتى تستطيع نسيانه
اثناء معاتبتها لنفسها عن الانجراف والانسياق خلف مشاعرها سمعت رنين هاتفها ثانية ولكن تلك المرة رقم من لندن فرجحت ثراء أن تكون كارلا فتحت الهاتف قائلة
-ايوة يا كارلا
الا انه اتاها صوت رجولى قائلا:
-انا أمير يا ثراء
فما لها تلك الليلة التى لا تريد الانقضاء الا بعد أن تشعر ثراء مرة بالغضب واخرى بالتعجب فردت قائلة:
-أيوة يا أمير خير فى حاجة
زفر أمير زفرة هواء قوية قائلا :
-ثراء لو سمحتى عايز أشوفك ونتكلم اذا سمحتى أحنا ولاد بلد واحدة وأنتى عارفة أن ممكن تعتمدى عليا لو فى حاجة
مضيقاكى أنا موجود أعتبرينى أخ صديق اللى يريحك بس بجد لازم أعرف ايه اللى حصلك أنا هجيبك الكلية بكرة ونتكلم سلام
أغلق الهاتف قبل أن تتمكن من الرد بالموافقة أو الاعتراض حركت كتفيها بيأس شعرت بحاجتها للنوم فذهبت للفراش استلقت عليه وهى تفكر فيما يحدث معها ولكن عندما تتذكر أيسر ولهفة صوته وهو يناديها تغلق عينيها عبثاً كأنها تريد
حجب ذكراه عن عقلها وقلبها استطاعت النوم بالاخير ، فتحت عينيها عندما ملأ نور الصباح الغرفة تثائبت وهى تضع يدها على فمها تركت الفراش وولجت للحمام وبعد الانتهاء ارتدت ثيابها وذهبت إلى الجامعة ،انتظرت وصول أمير بين الفنية
والأخرى فهى تعلم تصرفات أمير فتذكرت ذلك اليوم عندما حضر معها إحدى محاضراتها الدراسية مصرحاً بأنها خطيبته فابتسمت رغما عنها عندما تذكرت ذلك،بعد انتهاء المحاضرة وخروجها برفقة كارلا وجدت أمير ينتظرها بالخارج
اقبل إليها واضعا يده بجيب معطفه قائلا بابتسامة:
-خلصتى المحاضرة ممكن نقعد نتكلم شوية
أرادت كارلا الإنصراف الا انها وجدت يد ثراء تمتد لتمنعها من الذهاب طالعتها بابتسامة:
-خليكى يا كارلا أنتى مبقتيش غريبة
جلس ثلاثتهم بأحد المقاهى قصت ثراء لهم ما حدث بينها وبين زوجها متجنبة الخوض في التفاصيل الخاصة فهى أخبرتهم بشأن خداعه لها للانتقام من عمها عزام وأن هذا هو السبب الأساسى فى تركها له
قبض أمير على فنجان القهوة بأصابعه كاد أن يحطمه قائلا بحنق:
-الندل يعمل فيكى كده يغشك ويضحك عليكى أه لو شوفته واحد واطى بجد
كسى الغضب ملامح وجه ثراء وهى تستمع لأمير فهتفت به قائلة:
-لو سمحت يا أمير متتكلمش عليه كده ولا تشتمه والا هقوم أمشى
هل مازالت تدافع عنه ؟ نعم فهى حتى الآن لا تحبذ أن تستمع لأحد يهينه بكلمة حتى وإن كانت غاضبة منه ونعتته هى بكل تلك الصفات إلا انها لا تحب أن تسمعها من أحد بحقه
وضع أمير فنجان القهوة من يده ينظر اليها بغرابة:
-لسه بعد كل اللى قولتيه واللى عمله فيكى بتدافعى عنه
أشاحت ثراء بوجهها فعلقت عيناها بالطريق فردت قائلة؛
-مش معنى ان أنا وهو حصل بينا كده هسمح لحد أن يهينه وهو مش موجود متنساش أن أنا لسه مراته وشايلة إسمه
رد أمير على حديثها قائلا :
-اتطلقى منه يا ثراء
بالرغم من أنها سبق وطلبت من زوجها الطلاق إلا أن وقع اقتراح أمير عليها جعلها تجفل تشعر بغرابة الكلمة كأنها سيف بتار سيشطر قلبها نصفين أرادت إنهاء هذا الحديث فهبت واقفة تشير لكارلا التى لم تتفوه بكلمة واحدة منذ جلوسهم
-يلا بينا يا كارلا سلام يا أمير
رحلت هى وكارلا ظل أمير جالساً مكانه وهو يراها تبتعد فهو يعلم أنها الآن ليست بحالة جيدة وأنها تشعر بالضياع لكنه أصر على أن يظل بجوارها حتى تتجاوز تلك المحنة وربما ستكون فرصة ثانية منحه إياها القدر
_______
وقف حسام أمام المرآة ينتهى من تمشيط شعره بعد أن ارتدى ثيابه الأنيقة وضع المشط من يده وخرج من الغرفة ليرى إذا كان انتهى رضوان وسميرة من ارتداء ملابسهم للذهاب لحفل
زفاف عفيفى وجد ميرا تجلس واضعة يدها على وجنتها فتعجب من حالها فأقترب منها قائلا:
-مالك قاعدة حاطة ايدك على خدك ليه كده
رفعت ميرا رأسها تطالعه وجدته يرتدى ثياب أنيقة كأنه على وشك الذهاب لحفل زفافه
-مفيش أنت لابس ومتشيك كده ورايح فين اللى يشوفك كده يقول رايح فرح
وضع احدى يديه بجيب بنطاله قائلا بهدوء:
-فعلا انا رايح فرح
قطبت حاجبيها بتفكير قائلة:
-ايه ده أنت هتتجوز من ورانا ولا ايه مش كنت تعزمنا
افتر ثغره على ابتسامة ليس من حديثها فقط ولكن من تغير ملامح وجهها فهل هى تشعر بالغيرة فأراد إكمال اثارة غضبها وغيرتها:
-معلش مجاش فى بالى أقولك مش هتقوليلى مبروك
شعرت بتجمع الدموع بعينيها فهتفت وهى تترك مكانها :
-مبروك ربنا يسعدك
رد حسام قائلا:
-الله يبارك فيكى وعقبالك ايه مش هتيجى معانا تشوفى العروسة
كزت على أنيابها قائلة باستياء:
-مش عايزة أشوفها كفاية أنها عجباك عن أذنك
قبل ذهابها سمعت صوته يناديها قائلا :
-على فكرة كنت بهزر معاكى انا رايح فرح اه بس مش فرحى ده فرح واحد صاحبى وكان بيشتغل معايا فى الورشة تحبى تيجى معايا انا وجدى وتيتة
تبدلت ملامحها الحانقة لتحل الابتسامة محلها فاستدارت اليه قائلة بغيظ طفيف:
-يعنى كنت بتشتغلنى
بادلها الابتسام قائلا بنبرة صوت متهدجة:
-مش اوى يعنى المهم هتيجى معانا تغيرى جو انا ملاحظ انك مبتخرجيش من البيت بس لو هتيجى متلبسيش حاجة تخليكى حلوة بزيادة علشان عايز أحضر الفرح بسلام الواد
عفيفى غلبان ومش عايز ابوظله الليلة بسبب معاكسة الناس ليكى لأن حتى وأنتى محجبة برضه حلوة
كأنه نسى أنها ما زالت واقفة تستمع لما يقوله ازدادت ابتسامتها اتساعاً وهى تسمع منه ذلك إلاطراء بحقها عندما رفع عينيه ورأها مازالت واقفة حمحم قائلا:
-أنتى لسه واقفة يلا بقى خلصينى
ركضت ميرا بحماس إلى غرفتها التى تقطنها بمنزل عمها راحت تجرب ثوب تلو الآخر لاختيار أفضلهم انتهت من ارتداء ثيابها وحجابها خرجت من الغرفة تشعر بحياء وخجل شديد عندما رأتها سميرة ابتسمت قائلة لها:
-بسم الله ماشاء الله زى القمر
خجلت ثراء من إطراء سميرة لها فخفضت بصرها قائلة:
-تسلمى يا تيتة
مالت سميرة سريعا على أذن حسام قائلة:
-دى بتقولى يا تيتة يا واد يا حسام بقولك ايه اتجوزها وهاتلى عيال افرح بيهم
اتسعت حدقتيه وهو يستمع لما أقترحته سميرة فظل يزدرد لعابه عدة مرات ولا يجد ما يقوله حتى سمع صوت رضوان قائلا:
-مش يلا بينا ولا ايه مالكم كده مسهمين أقولك يلا يا ميرا أحنا
ابتسمت له ميرا تسير بجواره نظر حسام لسميرة بابتسامة واسعة قائلا بمزاح:
-دا جدى بيعلقها منى يا مرمر الحقى الراجل قبل ما الاقيه هو اللى اتجوزها
فر حسام من جوارها عندما وجدها ترفع يدها ترغب فى ضربه على كتفه لم تستطيع منع ضحكتها وهى تراه مازال يفعل ذلك مثلما كان يفعل وهو طفل صغير
________
دلفت سوزان غرفة أمير وجدته جالساً يعزف على البيانو ترى ابتسامته الواسعة اقتربت منه تصفق بيدها قائلة باعجاب:
-برافو أمير لسه عزفك على البيانو جميل والنهاردة باين عليك مزاجك رايق أوى
أغمض أمير عينيه بانتشاء ومازالت أصابعه تعزف على البيانو عندما تذكر سر سعادته التى تمثلت فى رؤية ثراء
فتح عينيه قائلا بابتسامة عريضة:
-علشان النهاردة قابلتها تانى يا ماما
لم تفهم سوزان ما يرمى إليه فمن هى من رأها اليوم ورؤيتها جعلته سعيدا هكذا فبادرت بسؤاله:
-هى مين دى اللى قابلتها النهاردة يا أمير
رد أمير قائلا بسعادة:
-ثراء يا ماما ثراء موجودة هنا فى لندن
ارتسم الوجوم على ملامح وجه سوزان وطالعت أمير غاضبة:
-ثراء انت لسه بتفكر فيها يا أمير ثم دى خلاص اتجوزت عايز ايه منها تانى
أسرع أمير يجيبها بحماس:
-هى يا ماما خلاص سابت جوزها وجت هنا تكمل دراستها
عندما تذكر ما أخبرته به بما فعله أيسر يزداد غضبه فاستطرد قائلا بغيظ:
-الندل طلع بيخدعها ويغشها طلع إبن عمها هاشم اللى مات وكان بيعمل كل ده علشان ينتقم من عمه عزام كان واخدها وسيلة ينتقم بيها بس هى خلاص سابته
عقدت سوزان ذراعيها امام صدرها قائلة بحنق:
-واحنا مالنا بده كله موضوعك معاها خلاص خلصنا منه ولا أنت ناسى اللى عملته فينا فى المستشفى والإحراج اللى سببتهولنا ابعد عنها يا أمير
ترك أمير مكانه وقف أمام والدته ينظر اليها قائلاً برجاء:
-ماما أبوس إيدك بلاش كلامك ده انا لحد دلوقتى مش مصدق أن أنها شوفتها تانى أنتى عارفة أن حبيتها وأنا بس سبتها للى اسمه أيسر ده علشان هى بتحبه وهو كان بيقول بيحبها فضحيت علشانها لكن هى دلوقتى خلاص سابته جايز دى فرصتى أقرب منها تانى وتكون ليا
نفخت سوزان بضيق وهى تستمع لحديث أبنها ولكنها لا تعرف بماذا تجيبه ؟ فهى على علم بعناد أبنها وتصميمه على أى شئ يريده فهتفت قائلة بنفاذ صبر:
-اللى أنت عايزه اعمله يا أمير أنا مش عارفة اقولك ايه او اعمل ايه أنت دماغك ناشفة ومبتسمعش كلام لحد براحتك بس مترجعش تندم تانى زى ما ندمت المرة الأولى
خرجت سوزان من الغرفة بعد أن أسمعت ابنها ما تريد إلا أن امير صم أذنيه عن سماع ما يعكر صفو مزاجه فهو يريد أن يعيش تلك اللحظات بسعادة
إرتدى ثيابه متأنقاً كعادته أخذ سيارته يتجه صوب شقة ثراء فهو بعد مراقبته لها علم أين تسكن ظل جالساً بالسيارة يراقب نافذتها فالاضواء بالداخل مشتعلة فربما مازالت مستيقظة وجد نفسه يسحب هاتفه يريد أن يحدثها عندما جاءه رد منها هتف بهدوء:
-أيوة يا ثراء أنا موجود تحت البيت ممكن تنزلى. علشان عايز أتكلم معاكى
تعجبت ثراء من حديثه وضعت حجابها على رأسها تنظر من النافذة لمحت سيارته تقف أسفل البناية السكنية خرج هو من السيارة يضع الهاتف على أذنه يرفع يده يلوح لها بها
شعرت ثراء بالضيق من فعلته فليس معنى وجودها بمفردها هنا أنها ستجعل أى أحد يقترب منها بسهولة :
-على فكرة يا أمير ميصحش اللى أنت بتعمله ده
رفع رأسه يراها فأجابها قائلا:
-وأنا عملت إيه يا ثراء أنا كنت حابب نخرج نتعشى مع بعض ونتكلم
زفرت ثراء قائلة بهدوء:
-بص يا أمير مش علشان احنا كنا نعرف بعض وأن انا موجودة هنا لوحدى يبقى عادى اخرج معاك والكلام ده ثم متنساش أنا واحدة متجوزة شايلة اسم راجل فميصحش ان أنا اخرج مع حد غريب غير أنه حرام فهو عيب أنا عارفة انك عايز تساعدنى
بس صدقنى أنا الفترة دى محتاجة نفسى وبس علشان أقدر أخرج من اللى انا فيه بس برضه لو احتاجت أى حاجة مش هتردد أن اطلبها منك بحكم أن احنا معرفة قديمة وزى ما أنت قولت ولاد بلد واحدة
لم يجد أمير ما يقوله فهى محقة بكل كلمة تفوهت بها فهو لايريدها أن تتخبط بمفردها فى معيشتها هنا فهو يرغب بمساعدتها ولا ينكر شعوره بالسعادة بأنه يريد أن يتقرب منها
ولكنها أوضحت له كيف سيكون التعامل بينهم فهو كلما زادت معرفته بها زاد إعجابه لها وخاصة قيمها التى تصر على الحفاظ عليها بالرغم من إقامتها بهذا البلد الغربى المتحرر
ابتسم قائلا بهدوء:
-تمام يا ثراء وأسف لو كنت ضايقتك وأنا تحت أمرك فى أى وقت
افتر ثغرها عن ابتسامة خفيفة قائلة:
-الأمر لله وشكرا يا أمير مع السلامة
أنهت مكالمتها معه عادت للداخل خلعت حجابها وجلست أمام حاسوبها الشخصى تكمل مذكراتها ظلت وقتا طويلا بالمذاكرة حتى شعرت بالتعب والإرهاق فتركت مكانها وذهبت للمطبخ
لإعداد مشروب دافئ لها،جلبت الكوب ووضعت به المشروب لمحت برسغها ذلك السوار الفضى فكيف غفلت عن وجوده بمعصمها،عندما أرادت نزعه من يدها فشلت فى ذلك فكأن السوار يرفض ترك يدها
فهتفت قائلة بضيق:
-حتى أنت كمان مش عايز تسيبنى ليه كل حاجة خاصة بيه مش راضية تسيبنى زى ما تكون لعنة
بعد فشلها فى نزع السوار وجدت نفسها تتحسسه بأطراف أصابعها بحنين وشوق جارف كأنها تناست كل ماحدث وعقلها توقف على معرفتها الأولى به إلا عندما عاد إليها تعقلها
وتذكرت ماحدث تغيرت ملامح وجهها فأخذت كوبها لتحتسيه قبل أن تذهب للنوم إذا صح لها ذلك
_________
وقف شهاب أمام غرفة مكتب والده متردداً حتى قرر بالاخير دق الباب سمع صوت والده من الداخل فولج وأغلق الباب خلفه تقدم من مكتب والده يضع الأوراق التى يحملها من يده أمامه
رفع عزام بصره يطالع ابنه بعدم فهم:
-ايه الأوراق دى يا شهاب
رد شهاب قائلا:
-دى أوراق الأملاك بتاعتك أيسر قسم أملاك العيلة وده ورق نصيبك
فحص عزام الأوراق الموضوعة أمامه فعاود النظر لابنه ثانية
-وأنت جبت الورق ده منين مين اللى ادهولك أيسر من ساعة اللى حصل وهو مختفى
-عمى جمال هو اللى بعتهولى
قال شهاب جملته وهو يتجه صوب الباب للخروج إلا أن والده ناداه:
-استنى يا شهاب عاوزك
استدار شهاب برأسه لأبيه فى انتظار سماع ما يريده منه فترك عزام مقعده يقترب منه
-شهاب أنت ليه مبتكلمنيش
قطب شهاب حاجبيه قائلا:
-عايزنى أقولك ايه يابابا بعد اللى سمعته وعرفته عنك أنا اتصدمت فيك
أجفل عزام مما سمعه من شهاب فمد احدى يديه يضعها على كتفه قائلا:
-انا عارف ان غلطاتى كتير وأن تسببت فى وجع ناس أكتر وأن أنا السبب فى هد بيت العيلة اللى اسسه جدك بس أنا بشر فى حسنات الناس وسيئاتهم ومفيش حد معصوم من الغلط علشان إحنا مش ملايكة
زفر شهاب بقلة حيلة قائلا:
- أنا يابابا مقدرش الومك او أحاسبك أنت فى الأول والاخر والدى وليك حق عليا بس ياريت يابابا تحاول تصلح اللى عملته حتى يبقى ضميرك مرتاح وأنا كمان كنت هبقى نسخة منك لما كنت دايما احاول أقلل من أيسر واعايره باصله الفقير
بس الفترة اللى فاتت عرفتنى ان مفيش حاجة بتدوم الدوام لله يعنى فى لحظة خسرنا كل حاجة وكان بامكان أيسر انه
يورينا الذل والإهانة حتى علشان ينتقم لنفسه بس بالرغم من كده طلع هو أحسن مننا اخد حقه ورجعلنا حقنا
استمع عزام لكل كلمة قالها شهاب يشعر برعونة تصرفاته السابقة والتى أفضت بالنهاية إلى خراب المنزل فالقصر أصبح خاويا من ساكنيه فحتى معظم الخدم تركوا المنزل بعد ترك جمال وزوجته وأولاده القصر فماذا يفعل حتى يصلح ما أخطأ به؟
ضغط بيده على كتف ابنه قائلا بندم:
-معاك حق فى كل كلمة قولتها يا شهاب بس مش عارف أعمل إيه أو أبتدى منين علشان أصلح غلطى
شعر شهاب بالحماسة بعد سماع ما قاله والده فاستحثه أن يبدأ بأقرب وقت:
-أبتدى من دلوقتى يا بابا حاول تصلح علاقتك بكل اللى حواليك حاول تبقى الصورة اللى أنت كنت رسمهالنا فى خيالنا الراجل الفاضل المحافظ على القيم والتقاليد
هز عزام رأسه مبتسمًا لإبنه بعد سماع حديثه المتلهف ورغبته فى أن يبدأ فى إصلاح أخطاءه فهو سيحاول أن يفعل ذلك ولا يجعله يشعر بالخزى والعار من أفعاله ثانية فلكل منا فرصة ثانية ولكن ليس كل شخص ليه الادراك والوعى الكافى ليجعلها طوق نجاته من أثامه وذنوبه
________
انتظر جمال الفرصة المناسبة لمحاسبة ثريا على جريرتها بحقه وحق إبنه وارتكابها تلك الجريمة النكراء بحقهم ولكن خدمها القدر بعد معرفتهم بشأن حسام بسفرها خارج مصر فربما كان
من شدة غضبه لوصل به الأمر إلى قتلها،ولكنها عادت الآن ،أرسل إليها رسالة يخبرها بشأن شراءه منزل جديد ويريد منها المجئ لرؤيته ،أسرعت ثريا فى تلبيه دعوته أخذت سيارتها ووصلت إلى من المنزل
دلفت ثريا إلى الداخل بعد استقبال جليلة لها وأشارت إليها بالجلوس بغرفة الصالون لحين مجئ فيروز وجمال
جالت ببصرها فى أركان المنزل ولكن لمحت دلوف حسام
ضمت حاجبيها قائلة بغرابة:
-أنت مين أنت شغال هنا
طالعها حسام بتفكير:
-أنتى اللى مين وبتعملى ايه هنا حضرتك وعايزة مين
-دى تعتبر عمتك يا حسام
قالها جمال الذى دلف للتو هو وفيروز، لم تفهم ثريا ما قيل أو ربما لم يكن لديها الاستيعاب الكافى لفهم تلك الجملة التى قيلت
افتر ثغرها عن ابتسامة جانبية قائلة بعدم فهم:
-عمته ! مش فاهمة قصدك ايه يا جمال مين الشاب ده
أقتربت فيروز منه ربتت على صدر حسام قائلة بحنان:
-دا أبنى يا ثريا ده حسام أبنى
ضمت ثريا حاجبيها تطالعهم :
-ابنك ازاى يعنى هى مراتك مالها يا جمال
رده عليها كانت صفعة مدوية تلقتها على وجنتها فصرخت ثريا من شعورها بالألم فهو كاد أن يقتلع أسنانها من قوة كف يده على وجهها
حملقت به ثريا قائلة بصدمة:
-جمال أنت اتجننت بتمد ايدك عليها
حدق جمال بوجهها بعينان غاضبتان :
-أتجننت! يعنى تعملى كده فينا تتأمرى علينا وتخبى أبنى ونعيش العمر ده كله فاهمين أنه ميت وأنتى بسبب قلة ضميرك وحقدك وكرهك خليتى واحدة تبدل ابنى مع طفل ميت
اذدردت لعابها من تلك الحقائق التى تسمعها منه فكيف علم كل ذلك ؟ فهى تظن أن ابنه توفى أيضاً عندما ذهبت إلى ذلك الحى وعلمت أن أفراد المنزل توفوا اثر حادث حريق
عندما حاولت الكلام خرج كلامها بتلعثم:
-ببس إزاى وهو مات طلع عايش إزاى
اقتربت منها فيروز تنظر اليها باذدراء شديد:
-دا حكمة ربنا أن ابنى طلع عايش بعد ما عشت قلبى وجعنى السنين دى كلها عليه بس عايزة أعرف ليه تعملى كده كنتى عاملة حبيبتنا وأنتى زى الحية اللى عايشة فى وسطنا وأنتى عاملة البلاوى دى كلها
نظرت لها ثريا بكره يتأجج بعينيها:
-علشان بسببك جوزك سابنى ساب بنت الأكابر علشان خاطرك أنتى ،أخذتى الراجل اللى حبيته كان لازم أحرق قلبك زى ما قلبى اتحرق ولو الزمن رجع تانى هعمل اللى عملته تانى
علم حسام الآن أن تلك المرأة هى من كانت السبب فى إبعاده عن والديه وجد والده يقترب منها يسحبها من مرفقها قائلا بغضب:
-برا يا ثريا ومش عايز أشوف وشك تانى ومفيش علاقة هتربطنا بيكى من النهاردة برا
أوصلها لخارج المنزل وأغلق الباب بوجهها ،ظل الغضب يحتدم بصدرها يتصاعد بكره شديد ،عاد جمال للداخل وجد زوجته تجلس بجانب حسام باكية
أقترب منها قائلا بقلق:
-مالك يا فيروز بتعيطى ليه
كفكفت دموعها قائلة بصوت متهدج:
-أفتكرت اللى حصل كله وأن بسبب ثريا حسام بعد عنى سنين ودلوقتى بسبب أيسر بنتى سافرت ليه بيحصلنا كده يا جمال احنا عمرنا ما أذينا حد ولا زعلنا حد
جلس جمال بجوارها يتنهد بثقل:
-كل أمر الله خير يا فيروز كلها اختبارات من ربنا والحمد لله على كل حاجة ابننا رجعلنا وثراء أن شاء الله هترجع
مالت برأسها على كتف زوجها فتركهم حسام ربت جمال على كتف زوجته ليجعلها تكف عن البكاء وليبث بداخلها الأمل من أن كل شئ سيسير على ما يرام
____________
إنتهى اليوم الدراسى مثل سابقيه لملم أغراضه بحقيبته الجلدية خرج الطلاب من القاعة الدراسية ولكن ظلت صافى جالسة تتابع إحدى الفتيات وهى تقترب منه رغبة منها فى سؤاله عن شئ يخص شرح المحاضرة ابتسم أيسر ابتسامة خفيفة وهو يجيب تلك الفتاة عن كل اسئلتها وبعد أن إنتهى انصرفت الفتاة
رفع رأسه وجدها مازالت جالسة مكانها فقطب حاجبيه قائلا بتفكير:
-مالك قاعدة كده ليه فى حاجة مش فهماها فى المحاضرة
هزت صافى رأسها مبتسمة وهى تترك مكانها تقترب من تلك المنصة التى يقف عليها
-لاء تمام فهمت كل حاجة فى المحاضرة بس أنا كنت مستنية لما تخلص شرح للبنت اللى كانت واقفة علشان كنت عايزة أقولك أن تيتة كانت عايزة تشوفك ضرورى أنا معرفش ليه بس هى اللى طلبت منى أقولك
-تمام يلا بينا اوصلك وأشوفها وأطمن عليها
قال جملته يسبقها للخروج من القاعة خرجت خلفه بخطوات شبه راكضة فهو يسرع الخطى ولا تستطيع هى مجاراته وصل الى سيارته أشار اليها بالركوب فاتخذت مكانها بجواره وهى تشعر بالحماسة والسعادة كعادتها عندما تراه ظل أيسر صامتاً حتى وصلوا إلى المنزل
صعدوا سويا إلى الشقة
دلفت صافى تنادى جدتها:
-تيتة تيتة أنا جيت وأستاذ أيسر جه معايا
خرجت فريدة من الغرفة تبتسم بعد مناداة صافى لها رحبت بأيسر وجلست على احد المقاعد تشير اليه بالجلوس:
-أتفضل يا ابنى اقعد انا عوزاك فى موضوع مهم صافى اعملينا حاجة نشربها بسرعة
ردت صافى قائلة:
-حاضر يا تيتة وهحضر الغدا علشان أستاذ أيسر يتغدا معانا
إلا أن أيسر رفض اقتراحها قائلا بصوت رزين:
-لاء شكرا مش هقدر وكمان عندى مشوار مهم ومش عايز أتأخر
انطفأت سعادة صافى بعد سماع حديثه فأين سيذهب؟ ذهبت لغرفتها وارتدث ثيابها المنزلية ودلفت للمطبخ بدأت بإعداد المشروبات وهى فضولها يقتلها لمعرفة ذلك الأمر الذى ترغب جدتها فى محادثة أيسر بشأنه فأقتربت قليلا تسترق السمع محاولة أن تتوارى خلف الجدار فسمعت صوت جدتها تبدأ حديثها معه قائلة:
-هو الصراحة يا أبنى الموضوع اللى عيزاك فيه بخصوص صافى
استمع لها أيسر قائلا باهتمام:
-خير مالها الآنسة صافى حصل حاجة
ابتسمت فريدة قائلة :
-هو الصراحة صافى جايلها عريس فكنت عايزة أخد رأيك بما أنك دلوقتى بقيت مننا
وضعت صافى يدها على فمها فهى ليست على دراية بهذا الأمر فمتى حدث ذلك وكيف لاتخبرها جدتها بشأن ذلك العريس قبل أخبار أيسر ثم هى لا تريد الزواج الآن أو ربما لا تريد الزواج من أى شخص كان غير من تشعر تجاهه بالارتياح فاقت صافى من أفكارها وحديثها مع نفسها على صوت أيسر :
-ألف مبروك بس هو مين لو أنسان كويس يبقى على خيرة الله وربنا يتمم بخير
لم تستساغ صافى ما سمعته منه فهل هو سعيد بأنها ستتزوج وجدت نفسها تخرج مسرعة من المطبخ قائلة بضيق:
-تيتة إزاى معرفش بموضوع العريس ده ثم الموضوع مش يخصنى أنا الأول ولا العروسة أخر من يعلم
قالت كلمتها الأخيرة بسخرية فنظرت اليها جدتها قائلة بابتسامة هادئة:
-ماهو أنتى كنتى هتعرفى يا صافى بس بعد ما كنت خليت أيسر يسأل عليه يمكن يكون أنسان مش كويس مبقاش قولتلك والموضوع ميكملش
طالعتها صافى بهدوء وحولت بصرها لأيسر وهى تقول:
-ومين قالك يا تيتة أن عايزة أتجوز أى حد كده وخلاص لاء طبعا
نقل أيسر بصره بين فريدة وصافى وهن يتجادلن بشأن ذلك العريس المستقبلى رفع يده يحك جبهته مغمض العينين يشعر بالصداع ولكن عندما زار مخيلته طيف محبوبته وجد نفسه يبتسم تلقائياً فكم أشتاق إليها فالشوق والحنين عصفوا به كرياح دافئة زارته فى موسم الصقيع تذكر همسها له بكلمات الحب والعشق التى يتمنى أن يسمعها منها مرة أخرى وتلك النظرة الشغوفة بعينيها عندما كانت تنظر إليه ، فإلى متى سيظل بجحيم الهجران ؟
فانتبه على حاله وفتح عينيه حمحم قائلا:
-يعنى أنتى مش موافقة يا أنسة صافى على العريس
فركت صافى يدها بتوتر تشعر بالتعرق فبماذا تجيبه هى الآن ؟ حاولت ايجاد عذر مقبول لتخبره به إلا أنها وجدت نفسها قائلة بدون انتباه:
-هو أنا ممكن أوافق أتجوز بس لو كان العريس أنت....
سر غائب
البارت الثاني عشر
فركت صافى يدها بتوتر تشعر بالتعرق فبماذا تجيبه هى الآن ؟ حاولت ايجاد عذر مقبول لتخبره به إلا أنها وجدت نفسها قائلة بدون انتباه:
-هو أنا ممكن أوافق أتجوز بس لو كان العريس أنت..
قطب حاجبيه بعد ما سمعه منها إلا أنه انفرجت أساريره بعد أن استطردت حديثها قائلة:
-قصدى لو كان العريس أنت موافق عليه ساعتها ممكن أوافق
شقت ابتسامة خفيفة شفتيه :
-أكيد طبعا مش هوافق على أى حد أنتى بقيتى دلوقتى مسئولة منى
ضمت يديها وهى تشعر بتلك الحرارة التى غزت وجنتيها من فرط خجلها الممزوج بسعادتها فكم أحبت هى تصريحه بأنها أصبحت مسئولة منه وستشغل ولو حيز ضئيل من حياته التى لا تعرف عنها سوى القليل عادت مرة أخرى إلى المطبخ لتكمل اعداد المشروبات وبعد أن انتهت خرجت تحملها بين يديها ووضعتها على تلك المنضدة الصغيرة ولكن عندما رفعت رأسها وجدته يحملق بها فعيناه لاترف كأن جمدتاً فجأة فكانت تلك هى المرة الأولى التى ترى بها لون عينيه بوضوح تلك العينان الخضراوتين برموشها السوداء الكثيفة خفضت بصرها سريعاً
رفعت يديها بفنجان القهوة خاصته:
-أتفضل يا أستاذ أيسر قهوتك
لم يجيبها فعلمت أنه يحملق فى الفراغ كأنه يرى اشباحاً أمامه فعاودت النداء مرة أخرى:
-أستاذ أيسر أستاذ أيسر
رفرفت عيناه عدة مرات قبل ان يجيبها:
-أيوة يا صافى فى ايه
كانت تلك هى المرة الأولى يناديها بأسمها فرفعت الفنجان حتى وصل مستوى بصره قائلة:
-قهوتك يا أستاذ أيسر
تناول من يدها الفنجان قائلا بابتسامة:
-ملوش لازمة تقوليلى أستاذ أيسر قوليلى أيسر عادى من غير ألقاب يا صافى
هزت رأسها وهى تشعر بنبض فى أذنيها من شدة دقات قلبها قائلة بصوت منخفض:
-ماشى يا أيسر
تناول أيسر فنجان قهوته وكل رشفة منها يتذكر تلك التى رحلت عنه فهى كانت تحب احتساء القهوة بالحليب
تنهد شوقاً هامسا بداخله:
-وحشتينى يا نور عيونى معقولة أكون مش واحشك وقدرتى تكرهينى بالسرعة دى قلبك مش مشتاق ليها زى قلبى ما خلاص قرب يموت من اشتياقه ليكى
بعد أن فرغ من احتساء فنجانه هب واقفا يريد المغادرة فهو يريد العودة إلى غرفته التى يدفن بين جدرانها لوعة الفراق التى كادت أن تقضى على ما تبقى من قلبه فلو الجدران قادرة على الحديث كانت أخبرت الجميع عما يعانيه عندما يكون بمفرده يظل يلوم نفسه حتى انهكها من كثرة اللوم والعتاب ولكن هو من فعل كل هذا بنفسه من البداية عندما قرر الانتقام ولكن أتى انتقامه بثماره فهو الآن خسر كل غالى لديه وتمثل كل غالى ونفيس لديه فى فتاة نظرة واحدة من عسليتها قادرة على اغراقه فى بحور الشوق والهوى شعر بحاجته للصراخ فلم يمنع نفسه
فركع على ركبتيه صارخا:
-أااااااااااااااااااه
كم تؤلمه تلك الكلمة أكثر من كتمانها فإلى متى سيظل يعانى هل كتب عليه أن لاتزوره السعادة أبدا هل ألقى عليه تعويذة الحزن فستظل تلازمه حتى يفارق الحياة هل أيامه السعيدة لن ينالها فى دنياه تكاثرت الاسئلة برأسه ولكن ليس لديه إجابة واحدة على أى منها
_________
-وأنتى عاملة ايه دلوقتى يا حبيبة قلب ماما
قالتها فيروز وهى تتطلع لوجه ابنتها عبر شاشة الهاتف بشوق ودموع انسكبت على وجنتيها كالعادة عندما تسمع صوتها
رد ثراء قائلة بابتسامة واهنة:
-الحمد لله يا ماما انتوا عاملين إيه كويسين
تلمست فيروز شاشة الهاتف قائلة بحب:
-الحمد لله يا قلب ماما ثراء ارجعى يا حبيبتى بلاش تبعدى عنى انا بموت من غيرك يا بنتى ارجعى واوعدك أن جوزك مش هيعرف يقرب منك بس ارجعى أنا بقيت عين فى الجنة وعين فى النار من ناحية أنتى ومن ناحية تانية باباكى واخوكى حسام
حاولت ثراء أن تطمئن والداتها فهتف بهدوء:
-ماما أنا كويسة وانا اللى طلبت منكم محدش يسافر معايا فبلاش تزعلى انا كويسة وبروح الكلية وان شاء الله اخلص دراسة واعمل الماجستير والدكتوراه كمان
حملقت فيروز بالهاتف قائلة :
-هو أنتى ناوية تقعدى ده كله يا ثراء دا أنا قولت لو شهر شهرين وهترجعى عايزة تبعدى سنين لاء طبعا أنتى ترجعى حالا وكملى دراستك هنا زى الأول وخدى الدكتوراه براحتك لكن متبعديش ده كله
تنهدت ثراء قائلة بهدوء:
-ما أكيد يا ماما هتيجى تزورينى أنتى وبابا وتشوفونى بس من غير حسام ما يعرف يا ماما
تعجبت فيروز قليلا من إصرار ثراء على عدم حضور شقيقها برفقتهم
-ليه يا حبيبتى مش عايزة اخوكى ييجى معانا يشوفك ويطمن عليكى
حاولت ثراء حبس دموعها التى باتت تهدد بسقوطها :
-علشان أكيد هيقول لأيسر يا ماما أنتى متعرفيش اخر مرة كلمنى فيها كان معاه وكان بيكلمنى ولقيت أيسر طلع فى وشى فى التليفون فعلشان حسام مش هيقدر يخبى عليه
فهمت فيروز مقصد ابنتها فحاولت التخفيف عنها قائلة بابتسامة:
-شكل كده حسام اخوكى عينيه من ميرا بنت عمك
-بجد يا ماما
قالتها ثراء بابتسامة واسعة وهى لا تصدق ما تسمعه
هزت فيروز رأسها بتأكيد:
-أيوة هو عامل نفسه حويط بس انا قفشته وهى كمان باين عليها حبته
تمنت ثراء بداخلها التوفيق لشقيقها وابنة عمها فمن يصدق أن ميرا أصبحت الآن فتاة أخرى غير تلك الفتاة التى اعتاد الجميع أن يراها متعجرفة وتسئ معاملة من أدنى منها شأناً فربما الحب قادر على فعل المعجزات إلا أنها فقدت تصديقها بتلك المقولة فربما الحب موجود ولكن للأخرين وليس لها فهى فشلت بأول قصة حب لها وأنتهى بها المطاف تاركة اهلها وذويها تعيش بمفردها فى بلد غريب وكل هذا بسبب إيمانها بالحب
_________
تردى صوت ماكينة الحياكة داخل الغرفة فهى تعمل على إنهاء ذلك الثوب منذ قرابة الساعتين إلا أنها لا تستطيع التركيز فمنذ سفر ثراء وهى تشعر بحالة من التيه والوحدة حتى أنها تذهب لحضور محاضراتها وتعود سريعاً إلى المنزل فحتى روحها المرحة قد فقدتها وحل مكانها الوجوم والحزن، رأت والدها يولج للغرفة فابتسمت له وعادت وانكبت على إنهاء ذلك الثوب قائلة:
-أيوة يا بابا خير فى حاجة
جلس منير على حافة الفراش :
-جيت أتكلم معاكى شوية علشان أنتى اليومين دول حاسس ان أنتى حزينة كأنك مش بنتى ضحى اللى اعرفها.
اغلقت زر الماكينة تضع الثوب جانباً وضعت رأسها بين يديها قائلة بخفوت:
-هو أنا بس زعلانة علشان ثراء سابتنى وسافرت وكانت هى صحبتى الوحيدة
ترك منير مكانه فأقترب منها يربت على كتفها مواسيا ً فتنهد قائلاً:
-عارف يا بنتى بس هى الدنيا كده لقاء وفراق ودايما الحزن بيبقى كبير على ناس غاليين
رفعت ضحى رأسها قائلة بهدوء:
-عارفة يا بابا بس أن الاقى نفسى بقيت وحيدة بعد ما كنا على طول سوا دلوقتى حتى الكلية مبقاش ليا نفس اروحها بس لازم اخلص دراستى
ابتسم لها والدها فأخرج من جيبة دفتر صغير وضعه أمامها قائلا بحنان:
-ضحى ده دفتر توفير كنت عاملهولك من زمان من غير ما تعرفى ولا حتى فايزة الله يرحمها كانت تعرف كنت بحوشلك فيه فلوس على ما تكبرى وهو فيه مبلغ كويس ايه رأيك لو تشوفى محل وتفتحيه تفصيل وتعملى ليكى شغل وأظن دلوقتى بقيتى تعرفى ناس وهيبقى ليكى زباين
تناولت ضحى الدفتر من يد والدها وهى لاتصدق فهذا ما كانت تحلم به أن تنشأ لها عمل خاص ولكن كانت تخشى ذلك نظرا لضيق ذات اليد فتهللت أساريرها وملأت الفرحة وجهها بشرا وسرورا
فهتفت قائلة بفرحة عارمة:
-بجد يا بابا أنا من زمان وده حلمى أن أفتح محل تفصيل بس كنت عارفة أن الظروف متسمحش دلوقتى أقدر أحقق حلمى يابابا
شعر منير بالسعادة لتلك الفرحة التى رآها على وجه ابنته فهتف قائلا بحماس:
-احنا ان شاء الله من بكرة ننزل ندور على محل فى حتة كويسة وأنتى ان شاء الله كام شهر وتخلصى دراستك يكون المحل بقى جاهز وتشتغلى على طول
تركت ضحى مكانها تقفز من سعادتها كطفلة صغيرة حصلت على حلواها فأقتربت من والدها تحتضنه قائلة بسعادة:
-شكرا يا بابا انت أحسن أب فى الدنيا دى كلها
كأنها بتلك الكلمات أزاحت عبأ كبير عن كاهله فهو كان يخشى أن تظل تتذكر ما فعله بوالداتها وتظل تتجنبه وتحترس فى معاملتها معه لكن عاد كل شئ كسابقيه وعادت له ابنته الحبيبة فهو يعلم انه لايستطيع أن يعيد الزمن للوراء ويصلح أخطاءه ولكنه سيحرص على جعل مستقبل أبنته أكتر سعادة وأماناً
________
حرص أمير على أن ينهى أعماله اليوم باكراً ويعود للمنزل فهو أراد أن يذهب لرؤية ثراء ولكنه تذكر أنها لن تسمح له بالاقتراب فلم يجد احد يساعده سوى والدته بعد أن انتهى من تبديل ثيابه هبط للطابق السفلى وجد والدته تجلس تتصفح مجلة بيدها فجلس بجوارها
رفعت سوزان رأسها عن المجلة تنظر لابنها المبتسم المحيا :
-مالك عايز تقول إيه قول يا أمير
كيف علمت أنه يريد منها شيئا فابتسمت سوزان كأنها تعلم ما يدور بخلد أبنها الآن
-أكيد بتفكر أنا عرفت ازاى انك عايز منى حاجة
هز أمير رأسه قائلا بفضول:
-أيوة عايز أعرف أنتى بقيتى تقرى الأفكار يا ماما
ألقت سوزان المجلة من يدها على المنضدة أمامها تستدير بجسدها حتى جلست مقابل له وضعت يدها أسفل ذقنه قائلة بمزاح:
-علشان أنت ابنى وأنا عرفاك ودى عادتك من زمان لما تكون عايز منى حاجة وعارف ان ممكن ارفض كنت تيجى تقعد جمبى وتبتسم كده على أساس يعنى أنك تصعب عليا وأوافق علشان كده بقولك عايز أيه يا أمير
حمحم أمير قائلا :
-عايزك تيجى معايا نزور ثراء
عبست ملامح وجه سوزان فهبت واقفة تعقد ذراعيها امام صدرها تنظر اليه بغضب:
-أنت كمان عايزنى أروح معاك أزورها أنت جرا ايه لعقلك يا أمير أنت ليه مصر تقرب منها تانى
اقترب أمير من والدته بعد أن ترك مكانه هو الآخر يناشدها بصوت أقرب للتوسل:
-ماما علشان خاطرى توافقى وحاولى تنسى اللى حصل من ثراء. تعالى معايا هى مش سمحالى أصلا أقرب منها ولا اكلمها لكن لو أنتى معايا جايز متبقاش محرجة انا بجد عايز اساعدها أنتى مشوفتهاش بقت عاملة ازاى فاكرة ثراء اللى كانت زى الوردة المفتحة دبلت يا ماما
تهدج صوته بجملته الأخيرة وهو بتذكر ملامح وجهها الحزينة لم تستطيع سوزان مجادلة أبنها بهذا الأمر فهى رأت تلك اللهفة بعينيه التى لم تراها منه سوى عندما يتحدث عن ثراء فقط
تنهدت سوزان بقلة حيلة قائلة:
-حاضر يا أمير هاجى معاك بس خليك فاكر أن تفكيرك ده والطريق اللى انت ناوى تمشى فيه آخرته مسدود
لم تزد كلمة أخرى وصعدت إلى غرفتها لترتدى ملابسها لم يشأ أمير التفكير في مغزى حديث والدته فهو لايريد التفكير بأى شئ سوى أنه يريد عودة ثراء إلى إشراقها وبهاءها مرة أخرى
أوقف أمير محرك السيارة أمام تلك البناية السكنية ذات الطابع الراقى اخرج هاتفه ليعلم ثراء بقدومه هو ووالدته
فتحت ثراء الهاتف تجيبه بهدوء:
-أيوة يا أمير
رد عليها أمير قائلا بحماس:
-ثراء أنا وماما تحت البيت ماما جاية حابة تشوفك لما عرفت انك هنا ممكن نطلع
اجابته ثراء قائلة على الفور:
-أه اتفضلوا تنوروا
بعد عدة دقائق فتحت ثراء الباب بابتسامة وهى ترى أمير ووالدته فهتفت قائلة:
-أهلا وسهلا اتفضلوا اتفضلى يا طنط سوزان
حملقت سوزان بوجه ثراء فهى كانت تظن أن ابنها يبالغ فى وصف حزنها ولكنها رأت الآن بعينيها ملامحها الذابلة وعلامات الحزن والارهاق التى اخذت منها كل مأخذ وجدت سوزان نفسها تقترب منها تحتضنها قائلة بابتسامة خفيفة:
-أزيك يا ثراء اخبارك ايه انا مصدقتش لما أمير قالى أنك هنا فى لندن عاملة ايه دلوقتى
بادلتها ثراء الابتسام تتنحى جانباً تشير إليهم بالدخول:
-الحمد لله اتفضلوا
دلفت سوزان برفقة أمير الذى ظل صامتا ً منذ صعوده إلى الشقة ذهبت ثراء لاعداد بعض المشروبات المرطبة فنظرت سوزان لابنها قائلة:
-يا خبر معقولة دى ثراء ايه اللى جرالها انا افتكرتك بتبالغ يا أمير ومجاش فى دماغى أنها ممكن تكون بالحالة دى
-صدقتينى دلوقتى يا ماما وكل ده كان بسبب جوزها اه لو بس أشوفه مش هسيبه إلا لو طلعت روحه فى ايدى الندل الجبان..
عادت إليهم ثراء تحمل بيدها المشروبات فبتر أمير بقية حديثه مدت يدها تناولهم أكواب العصير قائلة بابتسامة:
-اتفضلوا العصير
اخذت منها سوزان الكوب ووضعته ثانية على المنضدة فنظرت اليها مبتسمة ومدت يدها تتناول يد ثراء بين كفيها قائلة:
-ثراء أنا تقريبا عرفت أنتى هنا ليه وطبعا كل حاجة باينه على وشك وباين عليكى الحزن فأنا موجودة وأمير موجود واعتبرينا زى عيلتك اللى موجودة فى مصر واسمحيلنا ان احنا نقف جمبك فى محنتك علشان تتجاوزيها مفيش حاجة بتدوم على طول لا فرح ولا حزن فأعتبرينى حتى زى مامتك أنا منكرش ان اضايقت منك ومن تصرفك اللى حصل فى المستشفى وبرضه مكدبش عليكى مكنتش حابة أمير يرجع يفتح الموضوع ده تانى بس لما جيت وشوفت الحالة اللى أنتى فيها بجد مقدرتش أفتكر اى حاجة غير ان حابة أساعدك
برغم استياء ثراء من أمير لبوحه لوالدته بما حدث لها إلا إنها لم تنكر شعورها بالارتياح الذى عاودها ثانية من سماع حديث سوزان معها :
-شكرا يا طنط سوزان على ذوقك
ظلت سوزان تربت على يديها بحنو فظلوا وقتاً طويلا يتحدثت ويمزحن وكأنهن تناسين وجود أمير معهن إلا أنه لم يشعربالضيق فهو سعيد وهو يراها تبتسم وتضحك فربما تلك هى خطوة أولى لاعادتها مثل ما كانت عليه سابقاً
________
ركضت ميرا باسمة تقترب من شقيقها شهاب الذى حضر للتو لرؤيتها فهى منذ انتقالها مع أسرة عمها وهو يأتى دوماً للاطمئنان عليها فعلاقتهم أخذت فى طور التحسن عن ذى قبل
قبلته على وجنتيه قائلة بسعادة:
- اهلا يا شهاب عامل ايه
ربت شهاب على ظهرها قائلا :
-تمام يا حبيبتى أنتى عاملة ايه كويسة بابا بيسلم عليكى
لم تنكر حزنها لفراق أبيها فبالنهاية هو والدها فسألت شقيقها بلهفة:
-هو عامل ايه دلوقتى يا شهاب كويس
رد شهاب قائلا:
-الحمد لله هو تمام حتى بعتنى ليكى فى موضوع مهم
جلست ميرا برفقة شقيقها بحديقة المنزل فأرادت معرفة ماهية هذا الأمر الهام الذى يريد شقيقها اخبارها به
-خير يا شهاب فى إيه
ابتسم شهاب قائلا بابتسامة واسعة:
-الموضوع يا ستى أن فى عريس متقدملك هو شاب كويس أوى وأبن ناس فبابا بعتنى ليكى علشان أقولك على الموضوع وأعرف رأيك ولو وافقتى نتمم الموضوع
-بس أنا مش موافق
التفتت ميرا وشهاب خلفهم وجدوا حسام يبدو عليه أنه خرج للتو وضع يده بجيب بنطاله يطالعهم بهدوء
تعجب شهاب من قوله فهتف متسائلا:
-ومش موافق ليه يا حسام
أقترب حسام يرتاح بجلسته قائلاً بطيف ابتسامة:
-علشان يعنى مينفعش أوافق أن حد ييجى يطلب ويتجوز مراتى
صعقت ميرا قبل شقيقها من ذلك التصريح الذى أدلى به حسام لتوه فبما يهذى هو الآن فهذا ليس وقت المزاح
نظر شهاب لشقيقته قائلا بغضب:
-ميرا أنتى اتجوزتى من غير انا وبابا نعرف
حركت ميرا رأسها نفياً وهى تشعر بجفاف حلقها ولا تجد ما تقوله إلا انها أستطاعت تجاوز صدمة حديث حسام
-ابدا والله يا شهاب دا تلاقى حسام بيهزر مش أنت بتهزر يا حسام وربنا ما اتجوزنا يا شهاب
مال حسام بجسده قليلا للامام قائلا بضيق:
-نعم يا أختى ومالك بتتكلمى بقلب جامد كده أنتى موافقة على العريس اللى متقدملك طب دا انا كنت طلبتك فى بيت الطاعة حلوة أوى دى والله وأنت يا شهاب قول للعريس ده معندناش عرايس أختى خلاص هتتجوز ابن عمى وده اخر كلام واعملوا حسابكم الفرح بعد أسبوعين وأنتى انجزى وشوفى فستان الفرح على ما أشوف قاعة نعمل فيها الفرح ولا أقولك انا هعمله هنا فى الجنينة اذا ما اتجننتش وروحت اتجوزتك فى الحارة اللى اتربيت فيها وأنت يا شهاب قول لعمى عزام ان احنا جايين النهاردة نخطبها ونكتب الكتاب بالمرة أنا بفهم برضه فى الاصول وهسمحلك تاخدها معاك لحد يوم الفرح بس حسك عينك تخرجى هنا ولا هنا من غير ما أعرف ولا تأخدى أذنى عن اذنكم بقى هدخل أعرف الناس اللى جوا دول بقرراتى المصيرية وعلشان كمان كتر الكلام جوعنى
فغرت ميرا فاها وهى تستمع لكل ما قاله حسام ولم يكن شهاب بأقل صدمة منها فربما هذا الشاب مجنون فهو أملى عليهم قراراته بدون ان بتفوه احد منهم بكلمة
استطاع شهاب تجاوز دهشته قائلا بعدم فهم :
-هو حسام اتجنن ولا ايه حكايته هو على طول كده
افتر ثغرها عن ابتسامة وضاءة قائلة بسعادة:
-دا أحلى حاجة فيه جنانه
انتبهت على حالها فزاغت بنظراتها من شقيقها إلا إنه لم يمنع ابتسامته هو الآخر فهتف قائلا:
-دا أنتى باين عليكى موافقة بقى ماشى على العموم لو بيتكلم جد قومى يلا تعالى معايا على ما ييجى بسلامته يخطبك
تركت ميرا مكانها تركض إلى غرفتها تلملم اغراضها الضرورية فقط فهى ستعود إلى هنا ثانية ولكن ستعود زوجة حسام خرجت من الغرفة تحمل حقيبة صغيرة قابلها حسام قبل ان تهبط الدرج
-مش هقول تانى على موضوع الخروج من غير أذن ماشى يا ميرا
ارادت مشاكسته قليلا فهتفت بضيق مصطنع :
-أنا حرة يا حسام ثم أنا مش أمينة ياسى السيد
رفع احدى حاجبيه قائلا:
-بقى كده ماشى هنشوف يا ميرا صبرك عليا لما نكتب الكتاب ونتجوز
هربت ميرا من أمامه وخاصة وهو يتحداها بعينيه ان تخالف له أمرا فكم هى تحب إصراره على أن لايرى احد جمالها كأنه يريد أن يجعل جمالها هذا حكرا عليه هو فقط ولا يجعل أحد أخر يراها ،خرجت سميرة من الغرفة تسرع الخطى تكاد تحلق من شدة سعادتها فاليوم سيتقدم حسام لخطبة إبنة عمه ميرا فهى كانت بانتظار تلك اللحظة منذ سنوات وجدت زوجها والجميع بانتظارها
فهتفت قائلة بسعادة:
-يلا بينا أنا خلصت أهو ألف مبروك يا حبيبى وجه اليوم اللى استنيته من زمان يا واد يا حسام هتتجوز وتخلفلى عيال
ولكن غشى عينيها الحزن عندما تذكرت أن حسام لم يربطهم به سوى رابط الحب والمودة فرابط الدم لم يعد ضمن تلك الروابط التى تربطهم سويا
اغرورقت عيناها بالدموع تهتف بصوت متحشرج:
-معلش نسيت أن الفرحة دى من حق مامتك دلوقتى
نهضت فيروز عن مقعدها تقترب منها تحتصنها تمسح دموعها بحنو قائلة:
-متقوليش كده يا حاجة سميرة حسام هيفضل طول عمره حفيدكم مش شرط رابط الدم اللى يربط بين الناس ياما ناس رابطهم الدم وهم زى الأغراب لكن انتوا لو قعدت عمرى كله أشكركم مش هوفيكم حقكم واللى عملتوه مع أبنى والحب اللى حبتهوله ورعايتكم ليه ثم إن شاء الله حسام يتجوز ويخلف ونربيهم أنا وأنتى
ابتسمت سميرة من بين دموعها على ما تفوهت به فيروز فوجدت جمال يقترب من رضوان يربت على كتفه قائلا بابتسامة:
-حتى الحاج رضوان أن شاء الله هو اللى هيطلب ميرا بنت أخويا لحسام لانه جده وكبيرنا
بادله رضوان الابتسام :
-تسلموا على ذوقكم يا أبنى
دمعت عين حسام فمسحها قبل أن يلاحظ أحد يهتف بمزاح كعادته:
-ما يلا بينا بقى أحسن نروح نلاقى العروسة زهقت ونامت
تعالت ضحكات الجميع فذهبوا جميعاً إلى قصر عائلة الرافعى ،ولج جمال المنزل ينظر بعينيه يميناً ويساراً فهذا المنزل ولد به وقضى سنوات طفولته وشبابه حتى عندما تركه بعد زواجه من فيروز فعاد اليه بالاخير ولكن الآن يرى الحزن سكن كل أرجاء المنزل فلم يعد أحد يقيم به سوى عزام شقيقه وشهاب الذى رفض ترك والده بمفرده خاصة بعد سفر لبنى إلى الخارج
جلسوا بالصالون، دقائق وولج عزام برفقة شهاب طالعه جمال بنظرات مطولة فأين ذهبت هالة القوة التى كانت تحيط بشقيقه فهو يبدو على وجه التعب والإرهاق كمن لم ينم أو ينال راحته منذ سنوات غابرة
وجد نفسه يترك مكانه يقترب منه قائلا باهتمام:
-عزام مالك كده وشك باين عليه التعب والارهاق
ربت عزام على يد شقيقه الموضوعة على ذراعه يبتسم له فجمال مازال قلبه حانى حتى على من أساء التصرف معه
-أنا كويس يا جمال بس هو شوية إرهاق لسه زى ما أنت قلبك طيب وبتنسى الزعل بسرعة
زفر جمال بثقل قائلا:
-أعمل ايه بس يا عزام فى الأول والاخر انت اخويا الكبير
جلس عزام بجواره جمال فأشار لرضوان بأن يبدأ الحديث
حمحم رضوان قائلاً بهدوء:
-أحنا طبعا يشرفنا نطلب ايد بنتك لحسام حفيدنا هو طبعا اللى ليه الحق فى طلب أيدها دكتور جمال بس محبش يكسر بخاطرنا أنا ومراتى الصراحة عمرى ما شوفت كرم أخلاق وطيبة كده
حدق عزام بشقيقه بفخر فحقاً جمال مثال الطيبة والشهامة ،فتذكر طباعه الدنيئة شعر بوخز بقلبه على أفعاله السابقة لم يخرجه من أفكاره سوى ولوج أبنته ترتدى الحجاب فحتى شقيقه استطاع إصلاح ابنته فهل كان غافلاً لتلك الدرجة؟
أشارت إليها سميرة بالتقدم منها فاقتربت منها ميرا تجلس بينها وبين فيروز التى ربتت على يدها التى تفركها بتوتر وخجل ففيروز لم تفه بكلمة منذ دلوفها المنزل
بعد إعلان عزام موافقته لم تمنع سميرة نفسها من إطلاق الزغاريد بصوت رنان فلم تعرف من أين أتتها تلك القوة وهى أصبحت بمثل هذا العمر ولكن هذه هى الفرحة التى تنتظرها
اقترب شهاب من شقيقته قبلها على مقدمة رأسها قائلاً بسعادة:
-مبروك يا ميرا ربنا يتمم بخير
ردت ميرا قائلة بصوت خافت:
-الله يبارك فيك يا شهاب وعقبالك إن شاء الله
تم الإتفاق على عقد القران بالغد على أن يكون حفل الزفاف بعد أسبوعين فقط بسبب تلهف وإصرار حسام
ذهبت سميرة إلى ذلك الحى لدعوة معارفها لحضور حفل الزفاف أثناء صعودها الى شقتهم القديمة لمحت فتاة أمام الشقة الخاصة بأيسر فتذكرت إخبار حسام لهم بشأن ما فعله أيسر مع فتاة وجدتها كن بحاجة للمساعدة
هتفت بها سميرة بابتسامة:
-ازيك يا بنتى هو أنتوا اللى ساكنين فى شقة أيسر مش كده
هزت صافى رأسها بالايجاب :
-أيوة حضرتك أنا صافى وجدتى اسمها فريدة أتفضلى حضرتك أشربى حاجة
أقتربت منها سميرة :
-تشرفنا يابنتى تسلمى يارب أنا كنت بدعى سكان العمارة علشان فرح حفيدى ابقوا شرفونا خلوا أيسر يجيلكم الفرح هو يبقى صاحب حفيدى الروح بالروح وأكتر من الأخوات
أومأت صافى رأسها بالموافقة بعد اعطاء سميرة وعداً بالحضور فهى لا تجد ضررا فى الحضور طالما سيكون أيسر برفقتهن
_________
وقف أيسر يتابع تشييد المنزل الذى كانت تريده صغيرته فهو مازال متذكرا ذلك البيت الرملى الذى شيدته هى على الرمال فاراد أن يصبح حقيقة مثلما تمنت اقترب منه المهندس المختص بالبناء يصافحه بحرارة:
-اهلا يا دكتور أيسر
شد أيسر على يد المهندس يبادله المصافحة قائلا:
-اهلا بيك يا باشمهندس كده كل حاجة تمام التصميم كويس جدا زى ما كنت عاوز
رفع المهندس نظارته الشمسية الى منتصف رأسه قائلا بمهنية:
- إن شاء الله هتستلم البيت زى ما حضرتك طلبت وعلى أعلى مستوى كمان
حك أيسر مؤخرة عنقه وعيناه تتأمل كل زاوية من زوايا المنزل فحتى ألوانها المفضلة سيتم طلاء الجدران بها وكأنه بانتظارها أن تسكن ذلك المنزل برفقته بعد انتهاء جولته بالمنزل سمع بوق سيارة بالخارج فأقترب من البوابة الرئيسية وجد حسام فتح الباب فدلف بسيارته وقف بالقرب منه فترجل منها
أقترب منه قائلا بابتسامة:
-أنت فين يابنى عمال ادور عليك وبرن على تليفونك محدش بيرد
تحسس أيسر جيبه فأخرج هاتفه فنظر لحسام معتذرا:
-معلش التليفون عاملة على الصامت بس خير بدور عليها ليه عرفت ثراء فين يا حسام
شعر حسام بالأسف عليه فعيناه متلهفة تسبق لسانه فى السؤال عنها ولكن لا يوجد لديه جواب يرضيه ويبرد تلك النيران المشتعلة بقلبه منذ غيابها عنه
هتف حسام قائلا
-للأسف لاء بس جيت علشان اقولك أن فرحى الأسبوع الجاى
تهللت اسارير أيسر فاقترب من حسام يحتضنه يربت على ظهره بحبور:
-ألف مبروك يا حسام ربنا يتمم بخير بس مين العروسة
وثراء هتحضر الفرح يا حسام
رد حسام قائلا بمكر طفيف:
-حزر فزر مين العروسة
ازدادت ابتسامة أيسر قائلاً بثقة :
-أكيد ميرا بنت عمنا
رفع حسام حاجبه بتفكير:
-هو أنا كنت مفقوس أوى كده ما علينا المهم أكيد هتحضر الفرح احنا هنعمله فى قاعة.... ولا زم تيجى وإلا والله هزعل وللأسف ثراء مش هتحضر الفرح رافضة
فكر أيسر قليلا قبل أن يجيبه:
-وباباك ومامتك يا حسام أنت عارف هم زعلانين ومضايقين منى ومش عايز أضايقهم أكتر
وضع حسام يده على ذراع أيسر ليجعله ينصت لما يقوله:
-أيسر أنت صاحبى الوحيد وأكتر من اخويا وعارف أن برضه أختى مضايقة منك بس برضه عارف أنت بتحبها قد إيه وهو ده اللى مخلينى أدافع عنك وعايزك ترجعها وقولتلك لو مجتش الفرح هتبقى بزعل العمر كله أنا بقولك أهو وانا عملت الفرح فى القاعة مخصوص علشان تتجنب أى حرج ماشى وسلام بقى علشان عندى مشوار مع المهلبية بالمكسرات بتاعتى
فتح باب السيارة يتخذ مقعده خلف المقود وأخرج يده من النافذة يلوح لأيسر حتى قبل أن يتمكن أيسر من الرد عليه فهو ليس لديه عذر مقبول ليتجنب حضور حفل زفاف صديقه الوحيد فهو كان يمنى نفسه بحضور ثراء حفل زفاف شقيقها وربما يستطيع إصلاح ما أخطأ به ولكن حتى تلك الفرصة لن ينالها
_______
فكرت ثراء كثيراً بشأن حضورها حفل زفاف شقيقها وعندما تقنع ذاتها بحضوره تعدل عن قرارها سريعاً لاحتمال رؤية زوجها فبالأخير أيسر صديقه الوحيد زرعت غرفتها ذهاباً وأيابا وهى مازالت تفكر حتى يأست من التفكير وارتمت على المقعد المجاور لها وضعت رأسها بين يديها سمعت صوت جرس الباب فتركت مكانها لترى من أتى إليها فى هذا الوقت المتأخر
فتحت الباب قائلة بتعجب وغرابة:
-كارلا فى ايه مالك
ولجت كارلا تجر حقيبة ثيابها خلفها قائلة:
-اتخانقت مع أهلى وجاية أقعد عندك يومين ممكن
ابتسمت لها ثراء تشير إليها بالجلوس:
-تنورى يا كارلا بس خير اتخانقتى معاهم ليه
جلست كارلا حيث أشارت لها ثراء تخلع حذاءها:
-فى شاب والدى يعرفه والشاب ده سمج كده ورخم ودمه تقيل وعايز يتجوزنى فرفضت
تعجبت ثراء قليلا من حديثها فهتفت بها قائلة :
-غريبة هو أنتوا عندكم العادات دى أنتوا بلد متحرر يعنى واظن هنا كل واحد عايش براحته ومحدش بيغصب على حد فى موضوع الجواز ده حاجة غريبة فعلا
افتر ثغر كارلا عن ابتسامة واسعة قائلة بمزاح:
-أصل شكل بابا من القاعدة فى مصر بقى كده تخيلى كده بابا يجبلى عريس ويقولى أتجوزى ده وأنا أساساً لسه مخلصتش دراسة بذمتك شوفتى أنتى كده
ابتسمت ثراء ابتسامة واهنة قائلة :
-أه شوفت أنا برضه اتجوزت بالطريقة دى بس مختلفة شوية بابا مش هو اللى جابلى العريس لاء ودانى أنا له وجوزنى ليه وطلع مخادع وبيضحك عليا وواخدى وسيلة ينتقم بيها من عمنا بابا فكر أنه كده هيسعدنى ويسعده بس طلعت أن أنا اللى عايشة فى الوهم لوحدى جوزى فرح بجوازنا علشان لقانى كوبرى يعدى عليه ويوصل للى هو عاوزه
بعد أن ختمت حديثها وضعت وجهها بين كفيها فهى ما تفتئ تتذكر جراح قلبها تحاول أن تخفف من وطأة العذاب الذى تشعر به بنعتها له بتلك الصفات ولكن ما زادتها كلماتها سوى حزناً وألماً
اقتربت منها كارلا تربت على ذراعها قائلة :
-اهدى ثراء كل شئ هيبقى كويس مفيش حاجة بتفضل زى ماهى وهييجى عليكى يوم وتنسيه خالص
كم تأمل هى الآن أن يصبح نسيانه سهل المنال،بعد مكوث كارلا برفقتها أكتشفت أنها فتاة طيبة المعشر تتمتع بحس الفكاهة والدعابة ولديها أيضاً شخصية قوية
مرت الأيام سريعاً وحل يوم زفاف شقيقها حسام جلست ثراء وكارلا يشاهدون الهاتف ففيروز فتحت كاميرا الهاتف الخاص بها تنقل لها مراسم الزفاف حتى أقتربت من حسام وميرا قائلة بابتسامة:
-مبروك يا حبايبى وربنا يتمم بخير ثراء عايزة تقولكم مبروك
أخذ حسام الهاتف من والدته ينظر بشوق لشقيقته التى لم تسنح له الظروف بأن يحيا برفقتها وقت أطول فنظر اليها معاتباً
-كده يا ثراء متحضريش فرحى
جاهدت ثراء على أن يخرج صوتها طبيعياً بدون تلك الغصة التى علقت بحلقها :
-معلش يا حسام متزعلش منى ومبروك ليك أنت وميرا
اخذت ميرا الهاتف من حسام تطالعها بابتسامة:
-ثراء وحشتينا أوى مش ناوية ترجعى بقى
حملقت ثراء بميرا عبر الهاتف فكم كانت فاتنة وهى ترتدى ثوب زفافها وحجابها فابتسمت لها ابتسامة واسعة قائلة بسعادة لم تستشعرها منذ أن تركت المنزل:
-ألف مبروك يا ميرا بجد أنا فرحنالكم أوى ربنا يتمم بخير ويسعدكم
ظلت بعض الوقت تحدث حسام وميرا أخذت والداتها الهاتف تتنقل بين الحضور لنقل تلك الأجواء التى زخر بها حفل الزفاف اثناء تنقل فيروز وحديثها مع إحدى النساء لمحت ثراء وجهاً مألوفاً يقف بأحدى الزوايا كأنه يتوارى عن الحضور ظلت تطيل النظر بوجهه تحملق به كأنها تناست كل شئ إلا أنها تنظر إليه شعرت كارلا بغرابة من تحديق ثراء بالهاتف بدون أن يرف جفنيها
وكزتها بخفة فى كتفها قائلة بتساؤل:
-مالك يا ثراء بتبصى على ايه كده وساكتة وكأنك مش هنا
ألتفت ثراء إليها قائلة :
-ها بتقولى حاجة يا كارلا
أعادت عليها كارلا سؤالها :
-بقولك مالك ومين ده اللى بتبصى عليه وعينك هتطلع من مكانها كمان شوية كده
ردت عليها ثراء قائلة بهدوء:
-ده يبقى أيسر جوزى
نظرت كارلا الى الهاتف بتمعن لمعرفة أوصاف من أخبرتها ثراء بأنه زوجها فهتفت بعد دقيقتين من التحديق به قائلة:
-واوووو دا وسيم أوى يا ثراء
ابتسمت ثراء بألم فهى خُدعت بتلك الوسامة فلم ترد جواباً على ما قالته كارلا فعاودت النظر إلى الهاتف مرة أخرى فعلا صوت أنين قلبها تعاتب كل نبضة من نبضاته الأخرى كأنها تلومها على ذلك الخفقان الذى عاودها من جديد بعد رؤيته ،ولكن بلمحة واحدة تغيرت ملامح وجهها وكست ملامحها الغضب والوجوم والعبوس وهى ترى تلك الفتاة تقترب منه تناوله كأس من المشروبات المرطبة فهى لم تنسى وجه تلك الفتاة فهى سبقت ورأتها معه بشقته ذلك اليوم الذى أكتشفت به حقيقته رأته ياخذ منها الكوب بابتسامة فهل نسيها بهذة السرعة؟ هل هذا من أملت أن يجوب الأرض بحثاً عنها ؟ هل هذا الذى مازال قلبها يضع له أعذار ؟ فإلى متى ستظل حمقاء؟
فهذا ما سأله إياها عقلها
القراة باقي الفصول الجزء الثاني جميع الفصول من هنا
