أخر الاخبار

رواية حافية علي جسر عشقي الفصل الثالث3بقلم سارة محمد


 

حافية على جسر عشقي

بقلم سارة محمد

 الفصل الثالث



أنقبض قلب السيدة "رقية" بعنف ، شعرت بشيٍ سئ سيحدث ، بجانبها "ملك" بملامحٍ مذعورة تحاول مواساتها ، بينما "مريم" تقف مكتفة ساعديها أمام صدرها تطالعهم بتململ غير عابئة بتلك السيدة الكبيرة التي على بدت وكأنها على مشارف الموت



 ، صرخت بها "ملك" لتأتي بكوب من الماء ، تصنعت "مريم" أنها لم تسمعها و هي تنظر لأظافرها باهتمامٍ زائف ، ركضت "ملك " بدلا عنها لتأتي بكوب ماء ، جلست تحت أقدام والدتها ثم



 أعطتها الكوب لترتشف ببطئٍ ، عادت تتنفس بشكلٍ طبيعي لتزفر "ملك" بإرتياح حقيقي و هي تقول مربتة على كتفيها :

- بجيتي كويسة ياما ؟


أومأت السيدة رقية ببطئ و لكنها قالت بنبرة قلقة :

- أنا بخير يابتي أطمني ، أنا بس جلبي مقبوض أجده و كأن في حاجة عفشة هتُحصل ..!!!


ربتت "ملك" على كتفيها في محاولة بائسة لطمئنتها ، لكن كيف تطمئنها و هي من الأساس توازيها إحساساً بالخوف ، نهضت "ملك" من جوار والدتها لتلتفت إلى "مريم" التي ترميهم بنظراتٍ ساخرة ، لتردف بوقاحة بالغة :

- خلصتوا التمثيلية البايخة ديه ؟


لم تستطيع "ملك" أن تتحمل ، رفعت كفها عالياً لتهوي به على صدغ "مريم" بقوة صارخة بها يجنون :

- أكتمي مش عايزة أسمعلك حس !!!


ألتف وجه "مريم" إلى الجهة الأخرى ، تلونت عيناها باللون الأحمر القاني ، شهقت السيدة "رقية" لتنتفض صارخة بـ "ملك" :

- مـلـك !!!!!!


أعتدلت "مريم" بوقفتها مطالعة "ملك" بنظراتٍ لو كانت تُقتل لكانت "ملك" جثة هامدة ، ولكنها شخصت أبصارها خلف "ملك" مطالعة"ظافر الذي ولج لداخل القصر ، أنزوت شفتيها بمكرٍ و في ثواني معدودة كانت تركض صوب "ظافر" الذي



 تجمد ما إن طالع وجهها الذي تلون باللون الأحمر ، أرتمت "مريم" بأحضانه متشبثه بخصره بقوة لتقول بصوتٍ باكي :

- ألحجني يا ظافر ، أختك ضربتني يا ظافر !!!!


أنزوى ما بين حاجبيه و هو يطالع أخته بنظرة أخرستها ، كانت نظرته تطالبها بتفسيرٍ في الحال ، لم ترتعب من نظرته على عكس العادة ، همت بالحديث ولكن "مريم" قاطعتها حاظية بتلك الفرصة الذهبية لتتشبث بذراع زوجها بقوة و هي تردف ببكاءٍ زائف :

- انا معملتش حاچة يا ظافر ، الحاجة رقية تعبت فچأة و انا چريت چبتلها ماي "ماية" اختك رمتها من يدي و ضربتني بالجلم !!!!!!!


أشتد فكه ، وجه نظرات نارية إلى "ملك" التي فغرت شفتيها بذهول ، لم تتوقع وقاحتها التي تزايدت عن حدها ، صكت أسنانها و هي تضيق عيناها ناظرة لها بإشمئزاز ، لم يبالي "ظافر" لهم بل ركض بأقصى سرعته إلى والدته التي يدى الإرهاق كاسياً وجهها ، قرفص على ركبتيه ممسكاً بكفيها المجعدان ليقبل كليهما بحنانٍ جارف و هو يقول مربتاً على كفيها :

- أنتِ كويسة يا أمي ، تعالي نطلع على أكبر دكتور في مصر .


لانت نظراتها و هي تطالع ولدها الأكبر ، لطالما أعتبرته بمثابة السند لها ، الدرع الحامي لها دائماً ، هي تحب "باسل" و "مازن" بالطبع و لكن هو له معزة خاصة بقلبها ، أمتد كفها الواهن لتربت على وجنتيه بحنان أموي غريزي و هي تردف بلطف :

- لاه يا جلب أمك ، أنا زينة مافييش حاچة ..


لم يريد أن يضغط عليها ، أومأ بإبتسامة باهتة ثم نهض مجدداً بطوله الفارع ، لم يتكبد عناء النظر إلى "ملك" أو "مريم" ، صعد على الدرج بخطواتٍ سريعة ، ذهب مباشرةً إلى غرفته ، تلك الغرفة التي لا يدخلها أحد على الإطلاق ، و من يتجرأ و يُعصي أمره ؟! ، حتى زوجته لم تلج لها منذ زواجهما ، ليس بها شئٍ مثير للأهتمام فقط فراش وثير يتوسط الغرفة مع شاشة تلفاز كبيرة ، و مرحاض واسع ملحق به ، ولكنها غرفة يجد بها نفسه ، يبتعد عن ضجة الحياة ويهرب لها .. أخرج مفتاح الغرفة بين العديد من المفاتيح المصحوبة لها ، دس المفتاح بالباب ثم دلف للغرفة ، أوصد الباب خلفه ثم توجه مباشرةً إلى الشرفة الملحقة بالغرفة ، ولج لها لينزع بذلته ، حرر أزرار قميصه و كأن شيٍ ما يطبق على أنفاسه ، حتى جلس عاري الصدر ، استند بيداه على حافة الشرفة ، يطالع المنظر الذي أمامه بعينان فارغة ، عينان نُزعت منهما الحياة نزعاً ، شارد بالا شئ ، بزوجته التي للأن لم تنجب له ولدٍ يحمل أسمه ، يكمل نسل عائلة الهلالي ، ولكن كيف و زوجته عقيمة لا تنجب ، فعلوا كل شئ ، الكثير من العمليات الجراحية الباهظة و لكن لا فائدة ، دون عن ذلك والدته التي تحثه ان يتزوج من أخرى تنجب له ولداً يكمل نسل العائلة و أسمها العريق ..


أخرج هاتفه من جيبه ، عبث بـ شاشته ثم وضعه على أذنه ، أنتظر قليلاً ليأتي صوت باسل من الطرف الأخر ، نفث "ظافر" دخان سيجارته والنيران تنبث من حدقتيه لا سيجارته ، ظهر صوته ببحته المميزة :

- أنتوا فين !!


- جايين يا ظافر ، جبت مازن والبنت وجاي .


• • • •


منذ ركوبها تلك السيارة و هي تشعر بشئ أشبه بحجرٍ كامن على صدره ، فقط تسند رأسها على النافذة تذرف الدموع بعدما أرغمها هذا ال "باسل" على في الصعود السيارة ، رُغم صراخها بأن يتركها في سبيلها إلا أنها لم تنتصر عليه بالنهاية لينتهي بها المطاف جالسة بجانبه بينما هو يجلس خلف المقود و لتوه أنها مكالمه مع مجهولٍ -بالنسبة لها- ، و ما زاد الطين بلة إلا هذا الحقير الذي يجلس خلفهما ، تجنبت تماماً النظر إليه مثلما أخبرها "باسل" ، من الحماقه أن تصعد بسيارة بها رجلين إحداهم كاد أن يسلب منها أعز ما تملك ، و لكن هي تثق بعض الشئ في "باسل" .. و هذه أيضاً حماقة ..


بعد مرور أكثر من ساعتين ، صف "باسل" السيارة بموقف السيارات الخاص بهم والذي ضم الكثير من السيارات الفخمة ، ترجل "باسل" من السيارة مطلقاً زفيراً ، هو يعلم جيداً كيف يفكر "ظافر" ، يعلم ان "مازن" سيتلقى صفعة لم يرى لها مثيل من قبل ، نظر إلى "مازن" بإشمئزاز و هو يراه يترجل من السيارة بينما مقدمة رأسه محاوطة بشاش طبي ، كاد أن يهجم عليه و هو يراه يطلق صفيراً مدوياً ، ألتف حول السيارة ليفتح بابها مخرجاً "رهف" التي كانت ترتجف كالجرذ المبلل ، قبض على رسغها البارد بقوة ليتجه بها نحو القصر ..


لم تستطيع "رهف" إخفاء دهشتها من ذلك القصر الفخم والمكون من أربع طوابق ، سارت خلف "باسل" و هي لا تستطيع مقاومة فضولها لرؤية القصر من الداخل ..


• • • •


رآهم عبر النافذة ، طالع "مازن" بنظرات متوعدة قاسية ، أرتدى قميصه الأسود ثم شمر عن ساعديه ليخرج من الغرفة موصداً بابها بالمفتاح من الخارج ، و بخطوات رزينة هادئة كالهدوء الذي يسبق العاصفة ، لم يلاحظه "مازن" أبداً ، بينما والدته فور ما رأته بتلك الحالة ركضت نحوه لتحاوط وجهه المضمد و هي تقول بفزع غريزي :

- واه !! مين اللي عمل فيك أكده يابني أيه اللي حُصُل !!!!


طالع "مازن" والدته بإبتسامة باردة و هو يقول بلا مبالاة :

- مافيش حاجة انا بس آآآ ..


- كنت هغتصب بنت .. مش كدة ؟

قاطعه "ظافر" بنبرة باردة و هو يقف أمامه و والدته الحاجز بينهما ، شخّص "مازن" بصره على أخيه بهيبته المعهودة ، بلل شفتيه و هو لا يستطيع حتى أبتلاع ريقه ، وقف الحديث على طرف شفتيه وكأنه فقد النطق ، أعتدل بوقفته أمام أخيه و رسم -ببراعة- البراءة على وجهه علّ "ظافر" يرأف بحاله و هو يقول بنبرة خافته نسبياً :

- أبيه أنا مكنتش أقصد أنا ...


لم يستطيع حتى أن يُكمل عبارته ليجذبه "ظافر" من خصلاته بقوة مبعداً إياه عن والدته حتى لا يحتمي بها ، كاد أن يقتلع خصلاته بيده حتى تأوه "مازن" بقوة و هو يحاول إبعاد كف أخيه عن خصلاته ، بينما ضربت السيدة "رقية" على صدرها بقوة على صغيرها الذي وقع بـ يد "ظافر" ، حاول أيضاً "باسل" التدخل و لكن منعه "ظافر" بإشارة من يده و نظرة كانت كفيلة بعودة "باسل" إلى محله ، أبتسمت "رهف" شبح أبتسامة و هي ترى من أراد أنتهاك حرمتها أصبح كالجرذ الذي وقع بالمصيدة ..!!


- من أمتى و أحفاد الهلالي بيتعرضوا لحُرمة يابن ال*** !!!


هتف "ظافر" بجملته التي تردت صداها في القصر بأكمله تلاها لكماتٍ وجهها إلى "مازن" على أماكن متفرقة من جسده ، أشتعل القصر بصراخ "ظافر" بأبشع السباب و أستنجاد "مازن" و صراخه يكاد يخترق أذان المتابعين بصمت ، فـ هُم يعلموا جيداً أن من يحاول التدخل سينفجر به "ظافر" ..


طُرِح "مازن" أرضاً و قوته تخور شئٍ فـ شئ ، لم يرحمه "ظافر" و لم يشفق عليه مقدار ذرة ، بل ظل يركله بقدمه بقوة حتى بصق "مازن" الدماءٍ ..


حتى "رهف" أشفقت عليه قليلاً و هي تراه يتلقى لكمات مفزعة في جميع أنحاء جسده ..


وقع قلب السيدة "رقية" أرضاً التي ظلت تنوح و تضرب صدرها على ما تراه من مشهد مُرهق لقلبها ، رؤية بِكرها يضرب أخيه الأصغر كان بمثابة لكمة بقلبها ، و كأن من يُضرب هي ليست ابنها !! 


لم تعلم ما تفعل غير البكاء و بجانبها "باسل" محاولاً تهدئتها و هو يحاول إقناعها بأن تعود للغرفة ولكنها أبت صارخة بوجهه بقوة ، ولكن عندما رأت فلذة كبدها وجهه مغطى بالدماء بالكامل ركضت نحو أبنها الاكبر تضربه بقوة في صدره الذي يعلو و يهبط ، ظلت تضربة بهستيرية و هي تصرخ به بقوة ، انخفضت ضربات قلبها تدريجياً لتتهاوى بين يدي "ظافر" مغشياً عليها .. 


عيناه حمراوتان بطريقة يُرثى لها ، الإرهاق بادياً على وجهه بوضوح ، يشعر بضيق في صدره و بعلقم في جوفه ، بمجرد التفكير بأنه أمه مستلقية على فراشٍ أبيض بسببه يجعله يود قتل نفسه ، والدته هي أغلى شخصٍ بحياته .. لا يستيطع الإستغناء عنها، لم يكن قلقاً على مازن _الراقد بجانب غرفة والدته_ بقدر قلقه على والدته ، بغضون ساعات تحولت حياتهم إلى جحيمٍ مُهلك ، راقب بعيناه "باسل" الذي يسند رأسه على كفيه بجانبه "رهف" يبدو عليها الذعر ،و زوجته التي للتو علِمت ما حدث و هي أيضاً يبدو عليها القلق ، مروراً بشقيقته التي تبكي بحرقة بين أحضان عمتها ، عيناها منتفخة و صوت بكائها يقطع نياط القلوب ، اقترب من مقعدها ليجلس جانبها .. وبهدوءٍ نزعها من أحضان عمتها ليُسند رأسها على صدره ، أجهشت "ملك" بالبكاء أكثر و تمسكت بقميص "ظافر" بقوة و هي تقول بحرقة :

- ماما يا ظافر .. أمي هتروح منا .


مسح على ظهرها بيدٍ وبالأخرى شدد على عناقها و هو يقول بنبرة حاول أن يجعلها جامدة مخفياً البراكين في قلبه :

- أهدي يا حبيبتي أمك هتجوم و ترجع أحسن من الأول .. أهدي .


ظلت تبكي بين أحضانه حتى غلبها النعاس ، عندما ثقلت رأسها على صدره علم أنها نامت ، أشار لـ "باسل" بعيناه ان يحملها من بين يديه و هو يقول : خدها يا باسل على البيت و خلي الخدامين ياخدوا بالهم منها ..


أومأ "باسل" بصمت ولم ينبت ببنت شفة ليلتقط "ملك" من بين يدا أخيه، همَّ بالذهاب ليجد "رهف" تتشبث بذراعه قائلة بنبرة خائفة :

- ممكن أجي معاك .. أنا خايفة اقعد هنا لوحدي ..


أومأ بصمت فـ هو أيضاً يشعر بالشفقة عليها، خرج من المشفى حاملاً اخته و "رهف" تمشي بجانبه منكسة برأسها و هي تفرك اصابعها بتوترٍ ، وضع "باسل" "ملك" في الأريكة الخلفية للسيارة ، ليستقل هو امام المقود و تعقبه "رهف بالمقعد جواره ، أنطلق "باسل" بالسيارة بوجهٍ متجهم ..


• • • • 


حمل "باسل" شقيقته ثم وضعها على فراشها ، هتفت "رهف" بمزاح قليل لتخفف عنه :

- أطلع برا بقا عشان أغيرلها هدومها .. يلا طرّأنا ..


أومأ بإيجاز -بوجهٍ خالٍ- من الملامح ثم خرج مغلقاً الباب خلفه ..


أخرجت لها "رهف" منامه مريحة ثم ألبستها إياها ، خرجت "رهف" من الغرفة بعد أن أغلقت أنوارها ..


كان "باسل" ينتظرها بعد أن أخذ ملابس جديدة له ولشقيقه ، هبطت "رهف"  الدرج قائلة :

- يلا عشان نرجعلهم ..


- لاء .. هروّحك ..

قال "باسل" بجمود ظهر في نبرته ..


حدقت به "رهف" بذهول قائلة :

- تروّحني فين ..؟!!


- هروّحك فين يعني عند أهلك !!!

أردف "باسل" بغضبٍ ساخر ..


لم تستطيع أبتلاع ريقها لتفرك أصابعها و هي تحاول أختلاق حجة مقنعة لتبقى قائلة بأرتباك :

- أيوة بس .. بس أحنا في الصعيد وانا بيتي في مصر يعني هناخد وقت عشان نروح مصر و مينفعش تسيب مامتك واخوك في المستشفى وتمشي كدة ..


بتر "باسل" عبارتها قائلاً و هو يخرج من القصر متجهاً لسيارته بنبرة لا تقبل النقاش :

- لاء متخافيش عليهم أنا عارف أنا بعمل ايه ..


ذهبت وراءه مطأطأة رأسها بحزن ، أستقلت السيارة بجانبه بهدوءٍ تام ، ألتف "باسل" برأسه لها قائلاً :

- هنطلع ع مصر ، ساكنة فين ؟!!!


• • • •


- دخول والدة رجل الأعمال المشهور و صاحب شركات التصدير المعروفة بأسم "الهلالي" المشفى بالعناية المرّكزة ، و الحزن يخيم على عائلة الهلالي بأكملها ..!!!


قرأت "ملاذ" تلك العبارة على "مواقع التواصل الاجتماعي" ، شقت البسمة ثغرها لتجلس على المقعد بأريحية ، و سرعان ما هاتفت "عماد" الذي ردّ عليها في الحال ، بادرت "ملاذ" بنبرة ذات مغزى لا تخلو من الأمر :

- أعرفلي مستشفى ايه في قنا يا عماد ، لازم اعمل الواجب بردو !!!!!


• • • •


بعد وصول "باسل" و "رهف" للقاهرة ، وقف "باسل" بسيارته أمام مبنى يبدو عليه الرقي في منطقة لا تقل فخامه ، خفق قلب "رهف" بقوة ، أرتجفت يداها و هي تنظر لذلك المكان والذي من المفترض أنه عنوانها -الزائف- الذي أخبرت به "باسل" ...


- ده بيتك ..؟!

أخرجها من شرودها نبرة "باسل" التي تملؤها الشك ، أومأت "رهف" بصمت ، فـ هي لو تحدثت بنبرتها المرتجفة سيستطيع "باسل" أن يكشف كذبها بسهولة ..


أمتدت أناملها لمقبض باب السيارة ، همَّت بفتحه ولكن منعها قبل أن يلتقط "باسل" رسغها ، ألتفت له "رهف" ببطئ ، فتح كفها الصغير ثم وضع به كارت مدوّن عليه رقم المحمول بطبيعة الحال ، هتف "باسل" بنبرة دافئة بعد أن أغلق كفه على الكارت :

- لو أحتاجتي أي حاجة .. أي حاجة يارهف كلميني ، أنتِ زي أختي الصغيرة ..


أبتسامة لم تصل لعيناها رُسمت على وجه "رهف" ، يليها إماءه صغيرة ثم سحبت يدها و ترجلت من السيارة ، عصف بها الهوار فور نزولها من سيارته ، و كأنها أصبحت في مهب الرياح بدونه ..!!!!


أراد أن يطمئن عليها فـ أنتظر حتى دلفت إلى داخل المبنى ، ثم أنطلق بسيارته عائداً إلى قنا 


أنقبض قلبها بخوف و هي تسمع مكابح السيارة ، أختفى الصوت تدريجياً لتنزل من على درج البناية سريعاً و هي تراه قد أحتفى بلمح البصر ، تقف بمفردها في طريق لا يمر به أمرؤ ، و الساعة قاربت على منتصف الليل ، أحتضنت "رهف" الكارت



 إلى صدرها و هي تحاول أن تقوى كـ قوة الأسم المدون عليه ، أقتربت من رصيف الشارع لتجلس عليه ، سرعان ما أجهشت ببكاءٍ كطفله فقدت والدها ، عندما تتذكر أنها مرغمه لتعود



 لوالدتها و زوجها اللعين يعلو صدرها و يهبط و كأنها في حالة هيستيرية ، شعرت بيد وضعت على كتفيها ، أنتفضت "رهف" بقوة معتقدة أنه أحد الشباب الثامل ، ولكن أرتخت ملامحها



 عندما رفعت رأسها ووجدته ، شهقت بأسمه بقوة لتقف قبالته ، و بدون تفكير أرتمت بأحضانه متشبثه بقميصه بقوة و هي تقول بشهقات متتالية :

- ب.. باسل ..


- ششش .. اهدي .

قال "باسل" مربتاً على ظهرها بحنانٍ بالغ .. أبعدها عن أحضانه ليقول بعتابٍ مثبتاً عيناه على مقلتيها الزائغة :

- كدبتي ليه وقولتي أنه بيتك ؟!!! أفرضي مكنتش رجعتلك عشان حسيت أنك بتكدبي ؟ أنتِ عارفة كان ممكن يحصلك ايه !!


نظرت أرضاً بحزنٍ و شهقاتها تخرج جاعله جسدها بأكمله ينتفض ، ربت على كتفيها بشفقة لحالها الذي يُرثى له ، أمرها بلطف ان تستقل السيارة لتنصاع لأمره دون بث كلمة ، جاورها هو قابعاً خلف المقود لينطلق بالسيارة ..


اوقف "باسل" السيارة جانباً في مكان عام ، ألتفت لها مرّكزاً جميع حواسه عليها ، نظرت له "رهف" بتوترٍ حاولت أن تنظر إلى أي شئ حولها عدا عيناه السوداوية البرّاقة ~


- كدبتي ليه ؟

كانت نبرته مستفهمه ، وبنفس الوقت حاول أن يحافظ على هدوء أعصابه حتى لا يخيفها .. ولكن بداخله سيجن ، لِمَ كذبت ؟! لِمَ قالت أنها تقطن بتلك البناية وهي لا تعرف شئ عن تلك المنطقة من الاساس ؟!! كل هذا يفقده عقله !!!


فركت "رهف" اصابعها بتوتر قائلةً بنبرة مهتزة :

- أنا .. أنا قاعدة مع ماما و جوزها و لما أخوك حاول يعتدي عليا كنت هربانه منهم .. ومستحيل أرجعلهم تاني لو هموت ..


ثم أنفجرت في بكاءٍ مرير ، غطت وجهها بباطن كفيها ، لا تعلم أين ستذهب و من سيحميها ، كلما تذكرت ما يفعله ذلك الرجل الملقب بـ زوج والدتها بها ، تشعر بأنها تريد التقيؤ !!!


مسح "باسل" وجهه بباطن كفيه ليقول بنبرة متحشرجة :

- معندكيش قرايب .. أي حد من عيلتك ؟ خال ولا عم ولا اي حد ؟!!


نفت برأسها بقوة قائلة و قد أزدادت في بكائها :

- معنديش حد ، بابا كتب كل حاجة بأسمي ومكتبش حاجة بأسم ماما ، هما أصلاً مكنوش بيحبوا بعد عشان كدة ماما اتجوزت بعد مـ بابا مات بعد م خلصت عدتها بيومين .. عشان كدة الحيوان دة عايز ياخد ورثي .. هو هددني انه هيخليني أمضي على تنازل لورثي ليه ..


أزداد بكاءها أكثر ، شعر "باسل" كما لو أن قلبه يتمزق عليها، حاول أن يجد مخرج من ذلك المأزق ولكن لم يكن أمامه سوى شئٍ واحد ..


- تتجوزيني ؟!!!!


• • • •


عندما أنارت الشمس بوهجُها الذهبي الساطع ، ارتدت "ملاذ" بنطال أسود تعلوه كنزة بيضاء خفيفة تلائم ذلك الطقس الحار مع بليزر باللون النبيتي القاتم ، عقصت خصلاتها على هيئة ذيل حصان ليُعطها مظهر جادي ، أنتعلت حذائها ذو الكعب العالٍ لتأخذ مفتاح سيارتها مع هاتفها قبل ان تخرج من المنزل ، حاولت أن ترتدي أخفّ ما لديها خاصة الجو الذي لا يُحتمل في الوجه القبلي بالصعيد ..


أستقلت سيارتها خلف المقود ، عبثت في الهاتف قليلاً لتهاتف "فتحية" (التي تعتني بـ براء) ، أخبرتها "ملاذ" بطريقة موجزة انها ذاهبة للصعيد في بعض الأعمال الضرورية ، وأخبرتها بنبرة



 صارمة أن تعتني بـ "براء" جيداً ، أغلقت معها بعد دقيقتين لتطالع الرسالة المبعوثة من قبل "عماد" مدوّن بها عنوان المشفى التي تقطن بها العجوز والدة "ظافر" ذلك .. 

ألتمعت عيناها ببريق مخيف لتنطلق بالسيارة سريعاً ..


• • • •


بعد مشوار كان شاق بالنسبة لها ، أصطفت سيارتها جانباً أمام المشفى الراقدة بداخلها والدة "ظافر" ، ألتقطت باقة الورود الحمراء التي أبتاعتها ، ترجلت من السيارة و حذائها يطرق



 الأرضية الصلبة أسفلها ، ألتوى ثغرها بأبتسامة مغترة وهي تمضي نحو المشفى في خطوات مدروسة ، وجدت فتاة الأستقبال لتسألها بإيجاز عن رقم غرفة والدة "ظافر" ، ذهبت



 لرقم الغرفة التي أخبرتها الفتاة بها ، استقلت المصعد لتصعد الغرفة رقم 201 ، ذهبت نحو الغرفة بخطى واثقة .. طرقت الباب مرتان لتسمع صوت تألفه جيداً .. كيف لا تألفه و هي أتت



 لأجل صاحب الصوت خصيصاً ، أدارت مقبض الباب لتفتحه بلطفٍ زائف .. دُهش "ظافر" عندما رآها تطل بوجهها الخمري وقوامها الممشوق ، تلقي التحية بلطفٍ بالغ .. 


بينما صُدمت "مريم" من كتلة الجمال التي دلفت لهم ، خفق قلبها بقوة كالطبول من أن يكون زوجها يعرفها .. بالتأكيد هو على صلة بها فهي ولأول مرة تراها ، نهضت متأهبة و كأنها ستتشابك معها ..


مدت "ملاذ" كفها إلى "ظافر" قائلة بحفاوة شديدة :

- أزيك يا ظافر باشا ، اعذُرني جيت من غير ميعاد بس أول مـ عرفت أن والدتك في المستشفى جيت ع طول .. أتمنى مكونش أزعجتكم ..


أنتصب "ظافر" بقوة معيداً الجمود لوجهه ليمد يده مقابلها يصافحها بجمودٍ قائلاً : 

- أهلاً يا أنسة "ملاذ" ، أزعاج أيه بس أنتِ نورتي ..


بادلته أبتسامة لتنزع يدها من يده ذاهبة بدورها إلى والدة "ظافر" التي تعلقت أبصارها بـ "ملاذ" بإعجاب بأخلاق الفتاة وجمالها التي لا تدخل به في منافسة مع أحد ، أقبلت عليها



 "ملاذ" منحنية بجسدها قليلاً لتصل إلى "السيدة رقية" التي ترقد على الفراش ، صافحتها بلطف لتقبلها على وجنتيها قائلة بتهذيب :

- أزي حضرتك يا طنط ، ألف سلامة عليكي ..


وضعت "ملاذ" الورد على الكومود الذي يجاور الفراش ، بينما أبتسمت "السيدة رقية " و هي تتفحصها من رأسها إلى أخمص قدميها ، رسمت أبتسامة عريضة و هي تقول بترحاب بلهجتها الصعيدية الأصيلة :

- الله يسلمك يا بتي ، تعالي يا حبيبتي أجعدي چاري .. " أقعدي جنبي" 


لم تفهمها "ملاذ" و أرتسم ذلك على وجهها بوضوح ، لتجذبها الأخيرة من ذراعها لتجلسها جوارها على طرف الفراش ، و على الطرف الأخر كان يجلس "ظافر" ليصبحا في مقابل بعضهما البعض وكان الحاجز بينهما والدته ..


كظمت "مريم" غيظها من مظهرهم الذي جعل الأدرينالين يرتفع لديها بقوة ، حتى انها أرادت أن تجذب تلك الحمقاء من خصلاتها المموجة تلك ، نهضت بقوة عازمة على التصرف ، أظلمت عيناها و هي ترى تلك الفتاة تنظر لزوجها بجرأة ، عيناها تشعان خبثاً عكس اللطف التي تحاول إصطناعه بجدارة ، تقدمت نحوها بخطوات عنيفة لتقف أمامها قائلة بعنفٍ ظهر جلياً في نبرتها :

- بعد أذنك عايزة أقعد جنب حماتي و چوزي يا أنسة .!!


أصتنعت "ملاذ" أبتسامة صفراء لتنظر لها بعيناها السمراوتين تتفحصها ، تناظر خِصمها و كم كانت النتيجة حاسمة لصالحها ..


وثبت "ملاذ" لتتنحى جانباً قائلة بودٍ زائف :

- أكيد طبعاً أتفضلي ..


تأففت "السيدة رقية" بقنوط ولكنها سمحت إلى "مريم" أن تجلس جوارها على مضض ، نظرت "ملاذ" إلى "ظافر" قائلة بنبرة جادة :



- معلش يا ظافر باشا انا عارفه انه مش وقته بس أحنا لازم نتكلم في الشغل عشان نبدأ نصمم ال  uniform ..


أومأ "ظافر" بهدوءٍ ليثب حتى يتحدثوا خارج الغرفة تاركين "مريم" تشتعل غضباً ..


****


وقفوا في ممر المشفى قبالة بعضهم ، "ظافر" يضع يده في جيب بنطاله الأسود منتظراً منها أن تتحدث ، أخذت "ملاذ" مهمة البدأ بالحديث قائلة بنبرة آسفة :




- بدايةً أنا بعتذر على اللي حصل أخر مقابلة بينا ، أنا عارفة أني كنت غِلسة شوية بس أنا أتعصبت لما شوفت الزفت دة .. 


تخلى "ظافر" عن صمته قائلاً :

- ولا يهمك ..


رسمت أبتسامة على ثغرها و هي تقول بمرحٍ :

قولي بقا يا سيدي نبدأ التصميم أمتى ؟


- الوقت اللي تعوزوه ..


أومأت "ملاذ" بإبتسامة لتعود إدراجها الغرفة ، دلفت للغرفة لتخبرهم بلزوم ذهابها الأن ، أعترضت "السيدة رقية" بقوة قائلة بنبرة لا تقبل النقاش :




- معقولة يا بتي ، يعني تبقي ضاربة مشوار لحديت الصعيد و تمشي أكده على طول ؟ لاء ميصحش دي مش عوايدنا ، متقول حاجة يا ظافر !!


ألتفت لها "ظافر" قائلاً :

- أقعدي يا أنسة ملاذ ، الدكتور هيكتب للحاجّة على خروج دلوقتي و روّحي معانا أتغدي و أنا تبقى أوصلك ..


رسمت "ملاذ" الخجل على وجهها قائلة بترددٍ زائف :

- بس آآ ..


- مافيش بس !!!

قاطعتها والدة "ظافر" بنبرة حادة .. 


و كأنها تجلس على جمرٍ مشتعل ، تهدج صدرها بعنف و عيناها تقطر حقداً ، تود أن تقفز عليها لتوسعها ضرباً ..


سارت الإجراءات سريعاً وخرجت والدة "ظافر" من المشفى ، أخبر "باسل" "ظافر" بأن يذهبوا بمفردهم و هو و "رهف" سيلحقا بهم بسيارته ، أومأ "ظافر" رغم أستغرابه أن "رهف" تلك لم تذهب لبيتها إلى الأن ..


جلست "السيدة رقية" بالأمام جوار "ظافر" بوجهٍ يظهر عليه الإعياء والحزن ، نظرت له "السيدة رقية" قائلة بترددٍ :

- ظافر .. كنا استنينا مازن عشان نطمن عليه آآآ


بتر عبارتها بنبرة حادة :

- أمي لو سمحتي متفتحيش الموضوع دة .. أعتبري أن مازن مـات !!!


ساد جو من الشحنات المذبذبة ، والدته بدت و كأنها فقدت النطق ، وقفت الكلمات على طرف شفتيها ، بينما كانت "ملاذ"  تجلس بالأريكة الخلفية جوار "ملك الجالسة بالمنتصف وعلى



 يسارها "مريم" التي تفادت الجلوس بجانب تلك الفتاة ، قطبت "ملاذ" حاجبيها عندما حذرّت أن أخيه أيضاً بالمشفى ، ويجب أن تعلم لماذا و بأسرع وقت لديها ..


• • • •


أستقلت السيارة جواره و هي تفرك يديها ببعضهما بتوترٍ ملحوظ ، لا تصدق أنها ستتزوج شقيق من حاول اغتصابها، ولكن ما يُطمئنها أن "باسل" ليس كأخيه أبداً ، هي بدون أسباب



 يطمئن قلبها عندما تكُن جواره ، انطلقت السيارة سريعاً مما جعل "رهف" تشعر وكأنهما يسابقا الرياح ، أنتفض قلبها من محله عندما قال "باسل" :

- أوصفيلي عنوان بيتك ..!!


ابتلعت شهقة كادت أن تصدر من داخل جوفها و هي تقول بعينين متسعتين :

- لـيـه ؟!! أنت .. أنت هترجعني ليهم ؟!!


تابعت وقد بدأت عيناها بذرف الدموع و هي تقول بتوسلٍ :

- عشان خاطري بلاش ترجعني ليهم ، هبقى خدامة تحت رجليك بس بلاش ت..


بتر عبارتها و هو يقف بالسيارة بقوة حتى أنها أرتدت إلى الوراء ، ألتفت لها ليقبض على كفيها بحنو ظهر في نبرة صوته :

- أهدي .. مستحيل أرجعك ليهم .. و أوعي تاني مرة ترخصي نفسك كدة ، أنتِ مش خدامة يا رهف ، أنتِ غالية جداً عندي ..


لم تفلح كلماته إلا في زيادة بكاءها أكثر ، لأول مرة يعطف عليها شخص في حياتها بعد والدها ، منذ أن مات والدها



 اصبحت هي في تقف أمام الدنيا بمفردها ، تتلقي صفعة تليها الأخرى و تتوالى الصفعات على حياتها ، لم يواسيها شخص حتى و إن كانت كلمة ، نظرت "رهف إلى حدقتيه الحانية ،



 يتدفق من داخلهما دفئٍ يجعلها تتمنى لو أن تسكن بعيناه طيلة حياتها .. بعدما هدأت وصفت له عنوان بيتها في المنطقة التي تسكن بها ..


عندما وصلا أمام بيتها ، ترجل كلاً من "باسل" و "رهف" تلحقه ، جالت نظرات من المارّة من تلك السيارة الفخمة التي ولأول مرة تزور حيّهم الشعبي ، ألتهمتها النظرات الحاقدة و المنفرة ، أبتسمت بسُخرية محدثة نفسها :



- طبعاً مستنيه ايه لما تباتي يومين برا البيت و فالأخر تيجي ومعاكي واحد بعربية واو .. مستنيه ايه غير النظرات دي ..


صعدا كلاً منهما الدرج المتهالك ، تعالت ضربات قلبها بتوجسٍ و هي لا تعلم ماذا ستقول لوالدتها ، و مجدداً سترى وجه زوج



 والدتها البغيض ، أشارت "رهف" إلى "باسل" على باب شقتها ، أنتصب "باسل" بجسده العريض .. بينما "رهف" تقف خلفه



 ينتفض جسدها بين الفينه والاخرى ، فتح زوج والدتها و الملقب بـ "بُرعي" ، أعتلت ملامحه ارتباك جليَّ و هو يطالع "باسل" الذي يفوقه طولاً و عُرضاً ، إزدرد ريقه قائلاً بتوجسٍ :

- خير يا بيه ؟!! انت مين ؟


ثم طالع "رهف" التي تقف خلفه بغضب عارم مسطرداً :

- ولا بنت الـ *** دي عملت حاجة ؟!!


قست ملامحه بطريقة مُرعبة ، أسودت عيناه التي ترمقه بتوعدٍ لسبّ زوجته المستقبلية ، زجره في كتفه ليُزيحه من أمامه ، دلف للمنزل بعينان تجولتا في أنحاءه ، كان بسيط ومتواضع



 للغاية ، دلفت "رهف" وراءه و هي تنظر لزوج والدتها بقرف تجلى على صفحات وجهها ، مضت نحوهم والدة "رهف" ، سيدة بدينة الجسد بعض الشئ تعشق زوجها الذي أستغل هذا



 العشق لينهب نقودها و ليتحرش بأبنتها ، و لأنه تثق به ثقة عمياء فدائماً عندما تخبرها أبنتها أنه يحاول التحرش بها لا تصدقها و في بعض الأحيان تصفعها بقوة لتكف عن الافتراء عليه -كما تظن هي- ..


نظرت السيدة "زهرة" (والدة رهف) إلى أبنتها بغضب و هي تصيح بها : 

- كُنتِ فين بابت !!! بنتيمينا على ودانا وتدوري على حل شعرك !


لاذت "رهف" بالصمت ولم تعلّق ، بادر "باسل" قائلاً بنبرة تحذيرية رافعاً سبابته بوجهها :

- لولا أنك ست كبيرة كنت رديت عليكي .. بس عيلة الهلالي مبتضربش نسوان !! 


- عيلة الهلالي !!!

أردف بها "بُرغي" بنبرة مرتابة ، فـ هو قد سمع الكثير عنها و عن صيتها و ثراءها الفاحش ، أبتلع ريقه و هو يطالع "باسل" بتوجس قائلاً :



- و ابن سرحان الهلالي عايز مننا ايه ؟!!


ألتفت له "باسل" مجاوراً "رهف" ، قبض على يدها بتملكٍ و هو يقول :

- هتجوز رهف !!!


• • • •


صف "ظافر" سيارته في موقف السيارات الملحق بالقصر .. أسند والدته حتى تستطيع السير بينا ترجل كلاً من "ملاذ"



 و"مريم" و "ملك" ، دلفوا جميعهم إلى القصر لتنظر "ملاذ" إلى باحة القصر والحديقة التي زُينت بزهور أنواع مختلفة و ألوان مبهجة ، تغلغلت رائحة الزهور الذكية إلى روح "ملاذ" ،




 أستنشقتها "ملاذ" سامحة لها بالتعمق داخل جوارحها ، رأتهم جميعهم يدلفون إلى القصر يساندون السيدة "رقية" بينما وقفت هي بالحديقة تطالع الزهور من حولها ، لفت أنتباهها



 زهرة حمراء نبتت وسط الزهور البيضاء حولها ، بدت متميزة عن باقي من حولها ، سارت لها رغماً عنها تطالعها كم هي براقة و لامعة ، أمتدت أناملها الرقيقة لها لتتلمسها بلطف ، دائماً ما




 كان لونها المفضل هو الأحمر ، ترى به نفسُها و كأنه مرآة تنعكس لها .. لم تلاحظ أبداً ذلك الذي يقف خلفها يضع كِلتا يداه في جيبه ، عيناه تكاد تثقب ظهرها بنظرات كالصقر ، و بدون مقدمات أردف بنبرة غامضة :

- عجبتك ؟!!


أنتفض جسدها بذعر مطلقة شهقة عنيفه لتفاجأه بصوته ، التفتت له في حدة صارخة بغضبٍ أهوج :

- في حد يخض حد كدة !!! 


أحتدت عيناه عند صراخها بوجهه بتلك الطريقة ليهتف بنبرة حادة و نظرات صارمة محذرة :

- متعليش صوتك !!!


- أنا أعلي صوتي براحتي !!




قالت بعناد ولهجة باردة و هي تكتف ذراعيها أمام صدرها مطالعة إياه بتهكمٍ أغضبه ..

وجّه لها نظرة غامضة ليتحرك من أمامها يطوي الأرض بقدميه بعينان مشتعلتان من الغضب ، دلف إلى القصر تاركاً باب القصر مفتوح .. 




بينما الأخيرة أنعقد ما بين حاجبيها بغرابة .. لِمَ لم يصرخ بها ؟ لِمَ لم يعنفها ؟ أو لِمَ لما يقوم بطردها خارج قصره ؟ دارت تلم



 الأسئلة في عقلها و لكنها لم تجد أية إجابة لها ، دلفت إلى القصر بخطوات بطيئة ، شردت بذهنها و هي تسير داخل القصر



 عيناها تتجول على كل أنش به ، لم تجد نفسها إلا وهي تصتطدم بـ "ظافر" بقوة لترتد للخلف بألم و كأنها أصتدمت بحائط ضخم ليس بإنسان ، قطب "ظافر" حاجبيه بغضب صارخاً بها :

- مش تاخدي بالك أيه عميتي !!!!


تفاجأت من ردة فعله الغاضبة و صراخه بوجهها لتصرخ بوجهه هي أيضاً بعنفٍ :

- أنت بتزعق ليه انا مكنتش اقصد .. 


- يعني أيه مكنتيش تقصدي أنتِ غبيه مش تبصي قدامك !!!


ضربت الأرض بقدميها بغضب صارخة به بإحتجاج :

- متقولش عليا غبيه و متزعقش !!!


وقفت "ملك" خلفهم فارغة فاهها بصدمة و كأنها تشاهد طفلين يتشاجروا أمامها ، لم تستطيع كتم ضحكتها لتدوي بالقصر و هي تنحني من شدة الضحك ، ألتفتا لها يقولان معاً بغيظ :

- بتضحكي على ايه ؟


نظرا كلاهما لبعضهما البعض بغيظ لتستطرد "ملك" محاولة إيقاف ضحكاتها :

- عاملين زي العيال الصغيرة !!


- مـلـك !! حاسبي على كلامك ، هي اللي عيلة !!!


نظرت له "ملاذ" بشرارات تخرج من حدقتيها ليقول "ظافر" بجمودٍ إلى "ملك" :

- وصلي ضيفتنا لأوضة الضيوف .


أومأت "ملك" بأبتسامة مرحة لتأخذ "ملاذ" من يديها صاعدين الدرج ، تابع "ظافر" صعودهم بنظرة ثاقبة حتى أختفا كلتاهما عن ناظريه ..


• • • •


أوصلت "ملك" "ملاذ" إلى غرفة الضيوف جالبة لها منامية مريحة لتُقضي بها اليوم ، شكرتها "ملاذ" بلطفٍ زائف لتحاول أستدراجها مسطَّردة :




- قولي لي ياملك هو اخوكي مازن في المستشفى ، أصلي سمعت طنط مامتك بتقول انه محجوز في المستشفى ، خير حصله حاجة ؟


أرتبكت "ملك" لتفرك يداها تنظر إلى "ملاذ" التي قالت بحزن مصطنع :

- خلاص يا ملك لو مش عايزة تقولي خلاص براحتك ..


تراجعت "ملك" قائلة سريعاً :

- هحكيلك ..


أنتبهت لها "ملاذ بجميع جوارحها ، قصت لها "ملك" ما حدث مع اخيها الأصغر و العراك الذي صار بينهُ و بين "ظافر" ، ألتوى ثغر "ملاذ" بخبث استوطن صفحات وجهها و ملامحها لا تنتوي الخير أبداً !!


• • • •


بدت و أنها تقف على جمر مشتعل ، وجهها أصبح احمر من كثرة غضبها ، تشعر و كأن روحها تُسحب منها ، تعلم أن تلك الدخيلة ليست لطيفة او بريئة كمان تتصنع ، فـ هي لمحت



 نظرات خبيثة بعينها عندما تنظر إلى زوجها و ذلك ما جعلها تتمنى لو تقفز على عنقها تكسره بيداها ، ألتفتت للباب الذي




 فُتح لترى "ظافر" يدلف للغرفة ، اتجهت له ومن دون سابق إنذار ارتمت بأحضانه بقلبٍ ملتاع ، تفاجأ "ظافر" من عناقها له بتلك الطريقة و لكنه رفع يده يربت على خصرها قائلاً بتساؤل :

- مالك يا مريم ؟ في حاجة ..


نفت برأسها و هي تشدد عناقها على خصره أكثر قائلة بنبرة خائفة :

- ظافر .. أنت مش هتسيبني صُح ؟


قطب حاجبيه بغرابة ليبعدها عن احضانه ، رأى وجهها الممتلئ بالدموع ليرفع حاجبيه بإندهاش أزداد أكثر ، فـ هو و لأول مرة يراها تبكي بتلك الطريقة ، أمتدت انامله الخشنة لتمسح دمعاتها من على وجهها قائلاً بلطف :

- ليه العياط دلوقتي ؟..


وكأن جملته كانت القشة التي قسمت ظهرت البعير لتنفجر في البكاء بقوة و هي تقول بتقطع أثر بكائها :

- أنت هتسيبني يا ظافر .. أنا متوكدة ، أنت عمرك مـ  حبيتني و فوقه أنا مجبتلكش العيل اللي نفسك فيه .. يعني أكيد هتتچوز عليا ..


ربت على رأسها بحنان و هو يقول :

- أيه اللي جاب الأفكار دي لدماغك يا مريم ..


لم تخبره أن تلك الشكوك بدأت تحل على رأسها بسبب تلك الفتاة ، جذب رأسها إلى صدره عندما رأى صمتها ، يمسح على ظهرها مشفقاً على حالها ، يعلم أنها تعشقه و لكنه لم يبادلها ذلك العشق يوماً ، ولكن بدلاً من ذلك العشق كان يعوضها حناناً و عطف 

                          الفصل الرابع من هنا

لقراة باقي الفصول اضغط هنا


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close