رواية سر غائب الجزء الثاني2الفصل الثالث3 والرابع4 بقلم سماح نجيب مدونة كرنفال الروايات


رواية  سر غائب الجزء الثاني 

البارت الثالث والرابع 

بقلم سماح نجيب



فتح أيسر عيناه الخضراوتين بعد سماعه ذلك الصوت الذى علم هو أن اليوم لن يمر مرور الكرام بدون حدوث مشادات كلامية وربما أيضاً عراك..فكيف غفل هو عن وجودها ؟ وأنها مازالت ترتدى خاتم خطبته فدارت عينيه بالغرفة كمن يبحث عن شئ يقوله


الا انه نظر إليها قائلا بهدوء:

–جيسكا


عقدت جيسكا ذراعيها امام صدرها وهى ترمقه بنظرات حادة قائلة بسخرية:

–مكنتش أعرف ان ثراء من النوع ده يعنى عاملة مؤدبة ومحجبة وهى قاعدة جمبك وحاطة رأسها على كتفك ونايمة وأنت حاضنها عادى كده مش ده فى نظرها برضه حرام ولا الحرام والحلال فى حاجات معينة بس


أستمعت ثراء وهى مغمضة العينين لكل كلمة تفوهت بها جيسكا بحقها إلا إنها أرادت أن تسمع رد أيسر على حديثها فوجدته يقبل رأسها قائلا:

–ثراء دى أطهر وأشرف واحدة في الدنيا دى كلها 


صدرت أهه سخرية من بين شفاه جيسكا وهى تقول:

–باين أوى الطهارة اللى هى فيها يا أيسر


عند هذا الحد وفتحت ثراء عينيها ترمقها بنزق قائلة:

–أصل مش حرام يا جيسكا ان أنا اقعد جمب جوزى


تدلت ذراعى جيسكا بجانبها بعد سماع ما تفوهت به ثراء لتعاود النظر لأيسر قائلة:

–جوزها!!


خرجت تلك الكلمة منها بغرابة تشعر بثقلها على لسانها فكيف حدث ذلك فهى لم تغيب سوى سويعات قليلة لتعود وتجده تزوج من أخرى فأستطردت قائلة:

–انتوا اتجوزتوا أمتى انا سيباك بس من كام ساعة ولا هى بتقول كده علشان تحافظ على صورتها قدامى رد عليا يا أيسر


علا صوت جيسكا تريد منه إيضاحًا لما سمعته الآن الا انها وجدته يرمقها بنظرة محذرة من مغبة الاستمرار في سلوكها الحاد معه  


فهتف بصوت هادئ قائلا:

–جيسكا وطى صوتك وأنتى بتتكلمى ملوش لازمة ان صوتك يجيب اخر المستشفى وايوة اللى انتى سمعتيه صح ثراء دلوقتى بقت مراتى واتجوزنا الصبح


زادت عينى جيسكا اتساعاً فهو يخبرها بما حدث كأنه يتلو عليها اخبار الطقس اليوم وليس ذلك الخبر المدوى التى تلقته مسامعها كطلقات الرصاص 


فهتفت بذهول قائلة:

–اتجوزتوا النهاردة الصبح ومن غير ما أعرف ولا تكلف نفسك أن تقولى انتى مفكرنى ايه لعبة فى ايدك


اقتربت جيسكا من الفراش مدت يدها رغبة منها فى امساكه من تلابيب ملابسه الا ان يد ثراء حالت بين وصولها إليه 


فنظرت اليها ثراء قائلة بهدوء:

–أنا مش قولتلك يا جيسكا متمديش ايدك ولا تلمسيه انتى مبتحبيش تسمعى الكلام ليه ها


ظلت جيسكا تحدق بوجه ثراء وهى ترمقها بتلك النظرة الشامتة فأستطردت ثراء قائلة:

–أنا بس هسيبك المرة دى يا جيسكا تتكلمى معاه علشان هتبقى دى آخر مرة مفهوم


نفضت جيسكا يد ثراء الممسكة بمعصمها وهى تهتف بغيظ قائلة:

–وكمان بتهددينى يا ثراء وبتتحدينى


تركت ثراء مكانها بجوار أيسر وقفت بجانب الفراش وضعت يديها بجيبها فنظرت لجيسكا نظرة عابرة قبل ان تنقل بصرها إلى زوجها


ابتسمت ثراء ابتسامة خفيفة قائلة:

–انا هسيبك تتكلم معاها وانا موجودة قدام الباب علشان نقفل الموضوع زى ما انا قفلت موضوع أمير


هز أيسر رأسه موافقاً على أقتراحها فبادلها الابتسام قائلا:

–ماشى يا حبيبتى


خرجت ثراء من الغرفة وبالرغم من التحضر الذى اظهرته بتصرفها إلا أنها من داخلها تشعر باشتعال نيران الغيرة من فكرة وجود إمرأة اخرى بالغرفة مع زوجها حتى وان كانت تجلس بالخارج وترى ما يدور بالداخل 


عقدت جيسكا ذراعيها فى انتظاره أن يبدأ بتفسير كل ما حدث فاعتدل بجلسته قائلاً:

–جيسكا انا اسف على اللى حصل بس انتى كنتى عارفة ان انا بحب ثراء وهى كمان بتحبنى ولما باباها جه الصبح ومعاه المأذون نسيت كل حاجة ومقدرتش أرفض ان اتجوز ثراء



 لأن دا حلمى الوحيد انها تبقى ليا وأنا مفتكرتش حاجة غير أن  البنت اللى محبتش غيرها خلاص هتبقى ملكى ومراتى 


استمعت جيسكا لحديثه كاملاً حتى انتهى مما يقول فأقتربت منه تستند باحد ذراعيها على طرف السرير خلف رأسه وذراعها الاخرى تضعها بخصرها 


فانحنت قليلا اليه تقترب منه قائلة:

–وهو أنت مفكرنى ان أنا هسمع منك الكلام ده ودموعى هتنزل وأفرح بقصة الحب الجميلة اللى انتهت بالجواز شكلك



 لسه متعرفنيش يا أيسر مش جيسكا اللى تبقى عينيها من حد ويبقى فى ايدها وتسيبه كده من غير ما يجيلى مزاجى 


احتدمت ملامح وجهه وهو يرى تهديدها الصريح له ولكنها هى الأخرى لا تعلم ما بأمكانه ان يفعله فابتسم بجانب فمه قائلا بسخرية:

–وشكلك انتى كمان لسه متعرفنيش مش انا اللى اتهدد ومن واحدة ست يا جيسكا خلينا نفترق اصحاب أحسن ما يكون فى بينا مشاكل وعداوة واحنا كل اللى بينا دبلة وبس يعنى لا



 اتجوزنا ولا حصل بينا حاجة علشان يبقى فى خسائر فى مثل عندنا فى مصر بيقول خالتى وخالتك واتفرقوا الخالات ومتحاوليش تقنعينى انك حبتينى أوى كده


اقتربت جيسكا أكتر منه وهى ترمقه بنظرة وديعة قائلة بهمس ناعم يتمنى العديد من الرجال ان يسمعه منها:

–أنا فعلا حبيتك يا أيسر تقريبا انت أول واحدة أحس ان انا بحبه كده طول عمرى وبشوف الكل بيجرى ورايا علشان بس نظرة رضا الا أنت يا أيسر علشان كده حبيتك ولما غيرت رأيك


 لما عرضت عليك تتجوزنى وجيت قولتلى أنك موافق وهنتخطب أنا فرحت أوى ومكنتش مصدقة تيجى دلوقتى وتقولى ان انا محبتكش


زفر أيسر بخفوت قائلاً:

–ده مش حب يا جيسكا ده رغبة فى واحد أتحدى كبريائك كأنثى شايفه الكل بيجرى وراها حبيتى الاختلاف محبتنيش كأنا لاء حبيتى رفضى ليكى فاخدتى الموضوع تحدى بس بعد كده كنتى هتقفى وتفكرى وتغرفى ان أنا بالنسبة ليكى مش أكتر من نزوة عابرة زى غيرها


اثناء حديثه طفقت جيسكا تحرك رأسها يميناً ويساراً رافضة ما يقوله كأنها بذلك تحاول ان تنفى عنها ما يصفه بها ولكن ربما



 يحمل حديثه بعض الجدية بشأنها ولكن مازال ذلك الجزء الرافض منها يحثها على عدم الاستسلام لما يقوله..!!! 

_________

سمعت ضحى رنين هاتفها وجدت المتصل والدها فتحت الهاتف تهتف بنبرة هادئة :

–نعم يا بابا

أجابها منير بصوت غلب عليه الحزن قائلا:

–ضحى فى مصيبة حصلت

سمعت ضحى ذلك ارتجفت أوصالها تخشى ان يكون ألم به مكروه وهى ليست بجانبه فهتفت بلهفة شديدة:

بابا مالك فى ايه انت كويس حصلك حاجة رد عليا أنت تعبان 

سمع منير صوتها المتلهف فأجابها قائلا:



–انا كويس بس فايزة وأشرف جم البيت يعيشوا معانا يا ضحى ومصممين على كده انا خرجت ادور على اى مكان نقعد فيه ملقتش سامحينى يا ضحى أنا السبب فى كل ده من البداية


رددت ضحى ما سمعته من والدها بدهشة وصدمة احتلت ملامحها الجميلة:

–ايه جم البيت يعيشوا معانا بابا أنت بتتكلم جد


اجابها والدها بنبرة منكسرة قائلا:

–ايوة يا ضحى ومش عارف اعمل ايه يا بنتى حتى مش لاقى مكان كويس نقعد فيه وأنتى عارفة العين بصيرة والايد قصيرة


اغمضت ضحى عينيها تمنع تسلل الدموع من عينيها لتفتحها بالثانية التالية قائلة بصوت متحشرج:

–طب هنعمل ايه يا بابا 


حاول منير غرس بذرة من الأمل بداخلها فهتف قائلا:

–ان شاء الله على ما ترجعى هكون لقيت مكان نقعد فيه اطمنى يا حبيبتى متخافيش انا معاكى ان شاء الله لو قعدنا فى الشارع بس مش هسيبك تعيشى مع أشرف وفايزة


ردت ضحى بصوت منخفض قائلة:

–ان شاء الله ربنا ييسر الحال 


انهت ضحى حديثها مع والدها فرمت الهاتف من يدها على الفراش تدفن وجهها بالوسادة تكتم صوت بكاءها لم تنتبه لدلوف ثراء الغرفة بعد عودتها من المشفى فأقتربت منها بقلق قائلة:

–ضحى حبيبتى مالك فى ايه بتعيطى ليه حصل حاجة


رفعت ضحى وجهها بعد سماع صوت ثراء نظرت اليها بعينان باكيتان فروت لها ما اخبرها اياه والدها فعاودت البكاء ثانية ربتت ثراء عليها بحنان قائلة:

–حبيبتى ان شاء الله خير وكل حاجة هتتحل متقلقيش


فى تلك الآونة دلفت فيروز إلى الغرفة للاطمئنان على ابنتها بعد عودتها من المشفى فأجفلت قليلا بعد رؤيتها بكاء ضحى وجلوس ثراء بجانبها فخشيت أن يكون حدث مكروه لتلك الفتاة التى أحبتها لطيبتها واخلاقها الحميدة 


فأقتربت منهن فيروز تهتف بقلق:

–مالكم يابنات فى ايه وبتعيطى ليه يا ضحى فى ايه يا حبيبتى خير ان شاء الله


التفتت ثراء لوالداتها تهتف بحزن بسبب بكاء صديقتها :

–ضحى يا ماما هى وباباها واقعين فى مشكلة كبيرة


جلست فيروز على الفراش الآخر تنظر اليهم باستفهام عن ماهية تلك المعضلة التى تؤرق ضحى ووالدها:

–خير ان شاء الله قولولى فى إيه


قصت ثراء لوالداتها كل شئ عن زوجة والد ضحى وشقيقها البغيض ومحاولته الاعتداء عليها نهاية باصرارهم على المكوث معهم بالمنزل 


فكرت فيروز برهة وجيزة ثم اخرجت من جيبها مجموعة من المفاتيح فأخرجت أحدهم وضعته بيد ضحى قائلة بابتسامة:

–ولاتزعلى نفسك يا حبيبتى خدى ده مفتاح بيت أبويا الله يرحمه البيت فى منطقة كويسة جدا والبيت نضيف كنتى بخلى حد من الشغالين يروح كل أسبوع ينضفه وهتلاقى فيه كل حاجة تحتاجيها عيشى فيه انتى وباباكى وانا هبقى مبسوطة ان البيت هيتفتح من تانى هو من ساعة ما والدى اتوفى وانا روحت عيشت فى قصر عيلة الرافعى وهو بقاله سنين مقفول 


ظلت ضحى تنظر اليها وهى ممسكة بيدها ووضعت المفتاح بكف يدها الا ان ضحى رفضت قائلة:

–لاء يا طنط متشغليش بالك بابا ان شاء الله هيلاقى بيت نقعد فيه 


ابتسمت فيروز ومدت يدها تمسح دموع ضحى المتساقطة على وجنتيها قائلة:

–حبيبتى انتى بقيتى غالية عليا وحبيتك جدا وأنتى صاحبة ثراء الوحيدة وانا اللى يحب بنتى أشيله فى عينى واعتبرينى زى مامتك ولو ليا خاطر عندك توافقى يا ضحى


فرت دمعة من عين ضحى ولكن تلك المرة بسعادة وامتنان أن الله قد أراد لها مقابلة ثراء ووالداتها فتركت مكانها تقترب من



 فيروز تحتضنها فهى تشتاق ان يضمها أحد مثلما كانت تفعل والداتها الراحلة فشددت فيروز من أحتضانها لجسد ضحى وهى تربت عليها بحنو وعطف أمومى قد فقدته ضحى منذ زمن بعيد 


فأبتسمت ثراء قائلة بمزاح:

–ياسلام يا أختى عمالة تحضنى فى ماما وسيبانى كده سقعانة


ابتسمت ضحى رغما عنها فأقتربت من ثراء تحتضنها تهمس بأذنها:

–وهو أنتى دلوقتى بقيتى محتاجة حضنى بقى فى حد تانى اللى ريحة برفانه فايحة من هدومك دى


أتسعت عين ثراء بصدمة بعد سماع همس ضحى لها وتذكرها لقربها من أيسر فاذردت ريقها عدة مرات تحاول أن توارى خجلها الذى تصاعد الى وجهها يصبغه بلون أحمر يشبه فى احمراره حبات الفراولة الناضجة..!!!

_________

أطاحت جيسكا بكل المزهريات الزجاجية الموجودة بغرفتها فظلت تصرخ بصوت عالى وصدرها يعلو ويهبط من فرط حنقها واستياءها قائلة:



–لييييييه يا أيسر بتلعب بيا أنا بس لا عاش ولا كان اللى يلعب بيا واسكتله فاكرنى لعبة تلعب بيها وبعد كده ترميها لما خلاص وصلت للى عايزة بس لاء اذا كنت أنت مش ليا مش هخلى واحدة تانية تتهنى بيك وصدقنى ده وعد منى


نظرت لنفسها بالمرآة قبل أن تقذفها بتلك المزهرية التى تحملها بيدها ولكنها سمعت صوت طرقات عالية على باب غرفتها


 مسحت عينيها ووجها بكف يدها مما زاد فى تلطيخ وجهها بذلك اللون الأسود التى كانت ترسمه على عينيها فتحت الباب وجدت أمير يقف على الباب


نظر اليها بقلق بالغ قائلا:

–جيسكا فى ايه صوت التكسير اللى جاى من اوضتك ده وصوت صريخك اللى جايب اخر الدنيا


تركته جيسكا ودلفت للداخل فتبعها أمير فأتسعت عيناه وهو يرى كم الزجاج المتناثر بكل ركن من أركان الغرفة


فهتف قائلا:

–ايه ده كله يا جيسكا وعلشان ايه ده كله انتى بهدلتى الأوضة خالص


جلست جيسكا على الفراش رفعت وجهها إليه قائلة:

–أمير انت كنت تعرف أن ايسر وثراء اتجوزوا


هز أمير رأسه بالموافقة وهو يجلس على مقعد خلفه قبل أن يقول:

–ايوة كنت عارف وشهدت على قسيمة الجواز كمان يا جيسكا


عقدت جيسكا حاجبيها بتعجب فانحنت قليلا للامام وهى ترتكز بذراعيها على ساقيها قائلة:

–كمان يا أمير وقدرت تعمل كده وانت كان باين عليك ان انت بتحب ثراء سبتها كده بسهولة


زفر أمير بقلة حيلة قائلا:

–كنت هعمل ايه هى مبتحبنيش وبتحبه هو وفعلا انا حبيت ثراء ويمكن هى الوحيدة اللى حبيتها من كل اللى مروا فى حياتى بس بالرغم من كده مقدرتش اقبل على كرامتى كراجل ان أعيش مع واحدة غصب عنها او انها تكون معايا وبتفكر فى حد تانى أنا برضه راجل شرقى يا جيسكا 


تركت جيسكا مكانها وقفت أمام النافذة المطلة على أحد الشواطئ تأملت زرقة البحر وعقلها يدور بكل إتجاه فهى كانت تظن أن أمير لن يقبل بما حدث وربما ستتحالف معه لرد اعتبارهم ولكن ربما خسرت حليف لها 


ألتفتت اليه وأطالت النظر لوجهه قبل ان تهتف قائلة:

–وانت خلاص كده استسلمت يا أمير وهتعمل ايه دلوقتى


ترك أمير مقعدة يقف مقابل لها ثم خفض نظره أرضاً وهو يقول بصوت غلب عليه الهزيمة والانكسار:

–هعمل ايه يعنى يا جيسكا خلاص ثراء بقت مرات أيسر وأنا بس مستنى احضر فرحهم وبعد كده هسافر لندن محتاج ابعد



 عن هنا وجايز أطول هناك انا دلوقتى بحاول اظبط امورى هنا علشان لو سافرت وياريت انتى كمان تسافرى يا جيسكا ارجعى ايطاليا وهناك هتقدرى تنسى كل اللى حصل هنا واعتبريها تجربة وعدت 


كل كلمة يقولها تزيدها تعجباً ودهشة فهى على دراية تامة بطباع أمير وأنه ليس ذلك الرجل الذى يعلن هزيمته بتلك السهولة فهل حقا غير الحب من طباعه المتعجرفة وغروره؟ فهى كأنها لم تعرفه من قبل وأن من يقف أمامها لا يمت بصلة او عهد بأمير الذى عرفته هى بسنوات عمرها الماضية ..!!!

________

سمع أيسر رنين هاتفه فابتسم ابتسامة خفيفة بعد رؤيته لهوية المتصل ففتح الهاتف قائلاً

–جدى اخبارك ايه وحشنى أوى


أتاه صوت رضوان على الطرف الآخر وهو يقول:

–الحمد لله تمام بس فينك كده غيبت أوى وكمان حسام عمل حادثة معقولة ما تجيش تشوف صاحبك


انتفض أيسر من الفراش فتأوه بصوت منخفض جراء شعوره بالألم نتيجة اعتداله المفاجئ فقال بلهفة:

–جدى حسام جراله ايه وهو عامل ايه دلوقتى طمنى


سمع رضوان صوت أنينه الذى حاول هو أن يخفيه إلا انه هتف بقلق:

–أيسر مالك انت كمان صوتك مش عاجبنى وان كان على حسام هو الحمد لله بقى كويس وهيرجع قريب البيت انت فيك ايه انت كمان


لم يجد أيسر مفر من اخبار رضوان بما حدث معه وما ألت اليه أموره بعد تلقيه ذلك العيار النارى 


رد عليه رضوان قائلا:

–يعنى كل ده يحصل معاك وانا معرفش وكمان اتجوزت يا أيسر


حاول أيسر التخفيف من ذلك الضيق الذى أصاب رضوان بعد سماعه ماحدث له:

–جدى ارجوك متزعلش منى كل حاجة حصلت بسرعة ولما كنت هرجع البيت كنت هقولك على كل حاجة


نفخ رضوان بخفوت قائلا:

–طب والبنت اللى اتجوزتها قولتلها على حقيقتك يا أيسر ولا خبيت عليها شكلك كده بيقول انك مصارحتهاش بحقيقتك وانك مكمل فى عنادك وتصميمك على انتقامك اللى انا برضه حذرتك منه اللى عرفته عن عزام الرافعى يخلينى أخاف عليك يا أيسر


زادت قسمات وجه أيسر قساوة بعد سماعه أسم عزام الرافعى فهتف بتصميم:

–وانا يا جدى مش هسيب حقى لو أخر يوم فى عمرى وجايز جوازتى بثراء تسهل عليا اللى عايز اعمله لازم كل واحد ياخد جزاءه 


حاول رضوان ثنيه عن تصميمه فهتف به برجاء :

–أيسر لو ليا خاطر عندك سيبك من الموضوع ده وصارح البنت وابوها بكل حاجة بلاش تغشهم


غرز أيسر أصابعه بشعره الكثيف فشد عليه قليلا قبل أن يرد قائلا:

–لو ثراء وباباها عرفوا كل حاجة هتخرب ومش هعرف انفذ اللى فى دماغى متنساش ان عزام برضه يبقى اخوه   الكبير وأنت عارف جبروته حتى دكتور جمال ميقدرش يقف قصاده ولو اتكشفت دلوقتى كل اللى خططتله هيبوظ صدقنى انا  هصلح كل حاجة بس اخد حقى الأول وحقى محدش هيرجعه غيرى وانا خليت المحامى يجهز كل حاجة خلاص عزام الرافعى حسابه قرب أوى واللعبة لازم تنتهى زى ما انا عاوز


باءت كل محاولات رضوان لثنى أيسر عما ينوى فعله بالفشل فأنهى مكالمته معه وهو يدعو أن تصير الأمور على ما يرام 


بعد عدة دقائق ولجت ثراء للغرفة فزادت إبتسامتها  أتساعا وهى ترى أيسر يترك الفراش فاليوم سيترك المشفى أيضاً  وقريبا سيعودون إلى القاهرة فهتف قائلة:

–خلاص مستعد علشان نمشى


هز رأسه بدون ان يتفوه بكلمة فحديثه مع رضوان مازال تاركاً أثره بعقله فقامت ثراء بلم أغراضه الخاصة ولكن وجدت صورة صغيرة تسقط على الأرضية


انحنت اليها لتلتقطها فنظرت اليه قائلة:

– الله صورة مين دى يا أيسر دى جميلة أوى وفيه شبه بينكم


أخذ منها أيسر الصورة خوفاً من أن يدخل أحد الآن ويراها فاجابها باقتضاب قائلا:

–دى صورة أمى الله يرحمها


تعجبت ثراء قليلا من تغير ملامح وجهه ومن اختطافه الصورة من يدها كأنه لايريدها أن تراها فنظرت اليه قائلة:

–أنت ليه اخدت منى الصورة كأنك مش عايزنى أشوفها 


ابتسم بوجهها قائلا:

–لا ابدا عادى بس اصل مفيش غير الصورة دى بس اللى باقية ليا فدايما مخليها معايا وبخاف تضيع منى بس دى كل الحكاية


بدا جزء صغير من عقلها غير قابل للاقتناع بما قاله الا انها نفضت ذلك من ذهنها ففرحتها بخروجه من المشفى معافياً يكفيها نظرت الى ذراعه المعلق بعنقه حتى يتم التئام جرحه بصورة نهائية فحتى بأوقات ضعفه لم يزداد سوى وسامة ورجولة بعينيها خفضت عينيها سريعا بعد رؤيته يعقد حاجبيه من تأملها لملامحه 


مد يده يرفع وجهها بابتسامة قائلاً:

–مالك فى ايه كنتى بتبصيلى ولما بصيت ليكى اتكسفتى وبصيتى فى الأرض 


اذدردت ثراء لعابها قائلة بتلعثم:

–ممفيش حااجة مش يلا بينا علشان نمشى


عندما حاولت الخروج وجدته يمسك كف يدها فتخللت أصابعه اصابع يدها يتشابكان سويا يضغط هو عليها حتى شعرت بأنه كاد ان يحطم عظام أصابعها ولكنها لم تشعر بألم فهذا الألم ما تتمناه وترحب به أن تشعر بعشقه لها أن يغمرها بدفء غرامه 


فنظر اليها نظرة مشاكسة قائلا بمكر طفيف:

– برضه مش عايز تقوليلى انا عارف ان أنا حلو وقمور واتحب قولى قولى متتكسفيش


ابتسمت ثراء على مشاكسته لها فتصنعت الجدية قائلة بمزاح:

–فى احلى منك كتير على فكرة وقمامير كمان شوفت رجالة وسيمة كتير أوى


اختفت البسمة من على وجهه نظر اليها بعبوس فعلمت ان ربما يشعر هو بالغيرة فأرادت إكمال اثارة غيرته فاستطردت حديثها قائلة:

–حتى انت شوفت أمير كان وسيم إزاى


ما كان يحق لها ان تذكر اسم أمير الآن فهى كمن اشعلت بركان بالخطأ وبدون قصد ذلك البركان الذى أطل من خضراوتيه يقذفها بحممه المشتعلة احتجاجا علي ما تفوهت هى به الآن


فهتف بها باستنكار قائلا:

–أنتى قولتى مين سمعينى تانى كده انا مش عايزك تجيبى سيرة البنى ادم ده على لسانك تانى مفهوم يا ثراء


بالرغم من تعجبها من نبرة صوته المتسلطة الا إنها شعرت بالسعادة فكم أحبت هى ثورته عليها من أجل لفظها لاسم رجل غيره فهى تريده هكذا آسرا لها ولقلبها،وجدته يحيط عنقها من الخلف بيده يستند بجبينه على جبينها يغمض عينيه يرسل أنفاثه اللاهثة على بشرتها يهمس بنبرة حملت فى طياتها تهديد ووعيد من قلب عاشق ملتاع قائلا:

–اياكى تجيبى سيرته او سيرة حد تانى غيرى انا بس اللى اسمه يكون فى قلبك وعلى لسانك عايزك تحبينى يا ثراء على طول تحبينى لدرجة لو عملت حاجة تزعلك تغفريلى غلطى 


قطبت جبينها من عدم فهمها للشق الأخير من حديثه فماذا يقصد بذلك ؟ فهل ينوى أن يرتكب شيئا يجعله يطلب منها الغفران فهتفت قائلة:

–اغفرلك غلطك ! انا مش فاهمة حاجة وليه حاسة انك بتتكلم بالالغاز يا أيسر لو فى حاجة صارحنى وقولى عليها


بالرغم مما وجده من صدق بنظرات عينيها إلا أن يشعر بشئ يلجم لسانه يجعله لا يفصح بما ينوى فعله 


فابتسم محاولة منه انهاء هذا الحديث قائلا:

–مفيش حاجة يا حبيبتى يلا بينا 


خرج من المشفى وهو يشعر بأن كل خطوة يخطيها تقربه من ثأره ذلك الثأر الذى ربما لن ينتهى إلا بخسائر فادحة وتلك الخسارة تتمثل فى تلك الفاتنة التى تسير بجواره ترسم بمخيلتها احلاما وردية عن أيامهم القادمة المليئة بالعشق والشوق على ضفاف نهر الحب..!!!

________

عاود عباس الاتصال بمتولى مرارا وتكرارا حتى جاءه الرد بالاخير فهتف بنبرة متلهفة :

–ايوة يا متولى انا عباس


تعجب متولى مما يسمعه فكيف استطاع الاتصال به الا انه ازاح تفكيره هذا جانبا فأجابه قائلا:

–عباس أنت فين دلوقتى انت هربت


علقت أنظار عباس بالباب يخشى ان يدلف احد ويراه وهو يحدث متولى عبر الهاتف فقال :

–اسمعنى يا متولى انا كنت فى المستشفى وبكرة هيرحلونى على القسم ان لازم تشوف طريقة وتهربنى فاهم يا متولى والا هاخد الكل فى رجليا وهطربقها على دماغ الكل وأنت عارفنى


مسح متولى بيده على وجهه بضيق إلا أنه استطاع القول:

–ماشى يا عباس هحاول البوص أساسا اختفى ومعرفلوش طريق لدلوقتى زى ما يكون فص ملح وداب


جز عباس على نواجزه بعد سماع حديث متولى قائلا بحدة:

–ابن الكلب هرب وسابنا نغرق بالمركب لوحدينا بس وربنا ما هسيبه وهجيبه من تحت طقاطيق الأرض مش هو يخطط واحنا اللى نلبسها فى الآخر عليا وعلى اعدائى  يامتولى المهم خلينا دلوقتى نفكر ازاى اهرب من الاتنين العساكر اللى هيبقوا معايا دول


حك متولى رأسه بتفكر يفتش عن حل او مخرج يستطيع به مساعدة عباس على الهروب فالتمعت فكرة برأسه قائلا:

–بص وانت خلاص خارج معاهم على باب المستشفى اعمل نفسك انك مغمى عليك فى الوقت ده هعمل نفسى دكتور وأقول انهم يدخلوك لأن عندك هبوط فى القلب هزعق فيهم يبجبوا سرير بسرعة فى الوقت ده نغفلهم ونهرب على طول


استمع عباس لخطة متولى حتى انتهى من سردها يقيمها بداخل عقله فربما هذا هو الحل الوحيد الذى يستطيع به الهروب من ذلك المصير الذى سيتلقاه بالسجن 


هتف عباس قائلا:

–ماشى يا متولى هعمل اللى انت قولتلى عليه بس خلى بالك تكون موجود الساعة ٨ بالدقيقة هنا فى المستشفى مش يروح عليك نومة وأروح انا فى مصيبة كبيرة


أكد له متولى حضوره باليوم التالى ومن معاونته له فى هروبه..انقضت ساعات الليل الذى شعر عباس بمرورها ببطئ قاتل وحل الصباح ارتدى ملابسه وجد باب الغرفة يفتح يدلف منه احد العساكر قائلاً:

–يلا يا عباس خلينا نمشى نروح القسم حضرة الظابط مستنيك هناك


حرك عباس رأسه بخنوع قائلا:

–ماشى يلا بينا


وضع العسكرى تلك الأصفاد الحديدية بيد عباس ومتصله بيده هو الآخر حتى لايستطيع الهروب او الفرار منه خروجوا من الغرفة تقابلا مع العسكرى الاخر عبروا ذلك الرواق الطويل بالمشفى وعباس يلتفت برأسه ليتيقن من حضور متولى قبل تنفيذ المخطط فرأه على بعد مسافة قريبة منهم فقبل ان يصل للبوابة الرئيسية للمشفى تظاهر عباس بالاغماء فسقط على الأرض يجذب معه يد العسكرى الشاب الذى احنى اليه يحاول افاقته قائلا:

–عباس اصحى يا عباس مالك فى ايه


أقترب منه الشاب الاخر قائلا:

–يا خبر أبيض هو مات ولا ايه ده مبينطقش


أقترب منهم متولى سريعاً وهو يرتدى ذلك الرداء الأبيض الخاص بالاطباء يحاول أن يؤدى دوره باتقان:

–وسع كده منك ليه انا دكتور وهشوف فيه إيه


رفع رأسه بعد عدة دقائق يرسم ملامح الذعر على وجهه قائلا:

–ايه ده دا عنده هبوط فى القلب فك ايده بسرعة وهاتوا سرير ندخله بيه دا ممكن يروح فيها


حل ذلك العسكرى الشاب قيد عباس المتصل بيده وهرول سريعا يبحث عن ذلك السرير المتنقل الخاص بالمشفى ظبت نظرات العسكرى الاخر تتبعه متغافلا عما يحدث فعباس أنسل من جواره برفقة متولى يركضون ناحية البوابة الرئيسية الا انه رأهم قبل أن يتجاوزوها فصرخ بصوت عالى:

–استنى عندك يا عباس والا هضربك بالنار


ركض عباس ومتولى الا انهم اجفلوا بعد سماع صوت العيار النارى الذى أطلقه العسكرى فى محاولة منه لايقافهم ولكن حظهم السئ جعلهم يصتدمون بالمارة فتم القبض عليه سريعاً ولكن تلك المرة برفقة متولى أيضاً 

_________

عاد حسام للمنزل يستند على عكاز يستعمله حاليا حتى تلتئم كسور جسده يسنده عفيفى فهو سعيد بعودته إلى المنزل فهتف بابتسامة:

–حمد الله على السلامة يا اسطى حسام نورت البيت 


ابتسم له حسام وهو يريح جسده على فراشه بغرفته قائلا:

–تسلم يا عفيفى وتسلم على وقفتك معايا وانك شلت الورشة وقت ما كنت غايب وبرضه مسبتنيش فى المستشفى انت جدع اوى وأصيل ومتزعلش منى عطلت جوازتك يا عفيفى


اخذ عفيفى منه العكاز يضعه جانبا فالتفت إليه قائلا:

–ولا يهمك يا اسطى المهم انك رجعتلنا بالسلامة وربنا يرجع الاستاذ أيسر بالسلامة هو كمان معقولة انتوا الاتنين يحصلكوا كده فى يوم واحد لما عرفت من الحاج رضوان مصدقتش


–الحمد لله ربنا قدر ولطف الظاهر هم الاتنين مش هيسكتوا الا لما يموتونى ناقص عمر 

هتف بها رضوان وهو يدلف الغرفة بينما ذهبت سميرة الى المطبخ لتحضير الطعام لهم جلس رضوان بجوار حسام ينظر اليه فعلم انه ربما يريد الآن الاجابة على ذلك السؤال الذى يراه بوضوح بعينيه فهو يريد ان يعلم كيف حدث له الحادث


فبدأ رضوان بالحديث قائلا:

–ها مش ناوى تقولى انت ازاى عملت الحادثة وكنت بتعمل ايه فى النادى اللى جبوك منه عامل الحادثة يا حسام


حاول حسام التملص من إجابة جده على سؤاله فظل يفكر فى شئ يخبره به فقال :

–اصل كنت بجرب عربية كنت مصلحها لواحد بس شكلى مصلحتهاش كويس وعملت الحادثة بس هى دى كل الحكاية


نظر اليه رضوان بعدم اقتناع قائلا:

–لا والله يا حسام عبيط انا علشان اصدق كلامك ده عيب على شيبتى لو صدقت كدبك ده يا واد أنت


لم ينقذ حسام من جده سوى رنين هاتفه فحمد الله على ورود ذلك الإتصال من أيسر الآن فتح الهاتف يهتف قائلا:

–حبيب قلبى ألف سلامة عليك تعال اقعد جمب اخوك 


تناهى الى مسامع حسام صوت ضحكة قوية صادرة من أيسر على ما تفوه به فرد أيسر قائلا:

–خش فى حضن اخوك يا فواز عامل ايه دلوقتى


رد حسام قائلا:

–الحمد لله نحمد ربنا هتيجى امتى 


–ان شاء الله ممكن ارجع القاهرة بكرة 

هكذا اجاب أيسر على ما سأله اياه حسام ظلا يتجاذبان أطراف الحديث وقتا طويلا وذلك رغبة من حسام فى التهرب من تساؤلات جده...!!

_________

استعد الجميع للرحيل والعودة إلى القاهرة أصر أيسر على قيادة السيارة ولكن خشيت ثراء ان يصيبه مكروه إلا انه لم يقبل جدالها بشأن عدم قيادته للسيارة فأستقل سيارة ثراء فاتخذت ثراء مقعدها بجواره ففضلت ضحى الصعود الى سيارة والد ووالدة ثراء وأن تتركها بمفردها مع زوجها  بدأ أيسر بقيادة السيارة بتمهل نظر بجواره وجد ثراء تريح رأسها على طرف مقعدها تنظر من النافذة فمد يده يأسر يدها الموضوعة على ساقها فالتفتت اليه باسمة فلم يكتفى بذلك بل جذبها اليه يقربها منه يجعلها تتوسد كتفه يحيطها بذراعه يريد أن يكتنز كل لحظات قربها منه فمن يعلم تلك الأيام القادمة كيف ستكون؟


فهمس بصوت منخفض وهو يميل برأسه يستند على رأسها الموضوعة على كتفه قائلا:

–بحبك يا ثراء بحبك أوى 


كلما زادها حديثه المفعم بعشقه تزداد ابتسامتها وتحليق قلبها فرفر عالياً بأحاسيس من الصعب وصفها ولكن هى تعلم شئ واحد أن كل تلك الاحاسيس والمشاعر والعواطف هو محورها او اذا صح القول ركيزة قوتها 


فهمست له هى الأخرى قائلة:

–وأنا بعشقك يا أيسر 


قبض على مقود السيارة بقوة حتى أبيضت مفاصل يده فكل همسة عاشقة منها تزيد من خوفه مما سيحدث لاحقاً ولكنه نصب لنفسه قاضى وجلاد فهو اصدر الحكم على نفسه ليقوم بجلد ذاته بسياط الألم والعذاب ولكن اذا لم يفعل ما ينوى فعله سيذهب كل شئ خطط له أدراج الرياح فيجب ان يبر بقسمه لأمه من أنه سيحاول على استرداد حقه المسلوب ،ظلا طوال الطريق صامتين لا يسمع احد منهم سوى صوت أنفاس الآخر،أستغرق الوصول لقصر الرافعى عدة ساعات فقد حل المساء سريعاً فتحت أبواب القصر فترجل أيسر وثراء من السيارة الا انه لم يتقدم خطوة واحدة للداخل 


التفتت اليه ثراء قائلة:

–مالك واقف ليه كده مش هتدخل


هز أيسر رأسه نفيا قائلا:

–لاء انا همشى


تعجبت ثراء من وقع حديثه فاذدردت ريقها بتوتر قائلة:

–يعنى ايه هتمشى هتروح فين


ابتسم على ملامح وجهها المصدومة قليلا قائلا:

–انا راجع شقتى القديمة لأن مش هينفع اقعد انا وانتى فى مكان واحد قبل الفرح


أراد الهرب من تأنيب ضميره وسياطه اللاهبة التى مافتأت بتذكيره بخداعه لها ،حاولت ثنيه عن قراره إلا انه اصر على ماقاله فهو أخبر والداها بذلك من قبل فتركها ذاهبا يلوح لها بيده كمن يودعها رفعت يدها تلوح له هى الأخرى وهى لاتعرف ذلك الشعور المبهم بالخوف الذى تسلل لفؤادها


أشار أيسر لإحدى سيارات الأجرة فاستقل احدها للذهاب إلى منزله لكنه قبل أن يصل للمنزل هتف بالسائق قائلا:

–استنى هنا يا اسطى اتفضل فلوسك اهى


ترجل أيسر من السيارة وهو يعلم أن المسافة طويلة من هذا المكان للحى الذى يسكن به لكنه شعر باختناق فاراد استنشاق هواء نقى لعل المشى يساعده على الاسترخاء قليلا ظل يجيل ببصره بالشوارع حتى وقف أمام إحدى الأزقة الضيقة فسمع صوت استغاثة ولكن ذلك الصوت صوت انثوى ركض بدون تفكير وجد فتاة تصرخ وهى تركض ويركض خلفها شاب يبدو على وجهه ملامح السُكر وعدم الوعى


فصرخت قائلة:

–الحقووووووونى 


ظلت تصرخ حتى وصلت اليه اتخذت منه درع حماية من هذا الشاب فتوسلت اليه قائلة:

–الله يخليك ابعده عنى عايزة أروح وهو بلطجى ومش راضى يخلينى اروح بيتنا


وضع أيسر يده بجيبه ينظر إليه ببرود:

–مش مرجلة يا كابتن  اللى بتعمله يلا روح بيتكم وأشرب  كباية اللبن واتغطى و نام 


تقدم منه الشاب يضع ميدية على وجنته قائلا:

–يلا يا حبيبى من هنا احسن الحفلة تبقى من نصيبك 


ازاح أيسر الميدية بطرف أصبعه قائلا:

–بس يابابا يلا روح لامك زمانها بتدور عليك


لم يجد ايسر مفر سوى سحب سلاحه النارى من خصره يصوبه فى وجه ذلك الشاب الذى يقف أمامه قائلا:

–هتروح لأمك ولا هتيجى تستلم جثتك ان شاء الله


لم يكد أيسر ينهى جملته حتى فر هارباً وهو يتوعد لها قائلا:

–وربنا ما هفوتهالك ومسيرك تقعى تحت ايدى


التفت أيسر خلفه لتلك الفتاة التى ما زالت ترتجف خوفا ابتسم لها قائلا:

–اطمنى يا أنسة انتى فى أمان دلوقتى بس ايه اللى خلاكى تمشى فى المنطقة المقطوعة دى لوحدك


ردت عليه قائلة:

–كنت راجعة من الشغل ومعرفش طلعلى منين هو بلطجى فى الشارع بتاعنا ودايما يرزل عليا ويضايقنى انا متشكرة جدا على مساعدتك


رد أيسر بابتسامة خفيفة:

–الشكر لله يا أنسة أنتى اسمك إيه


ابتسمت الفتاة قائلة :

–اسمى صافى 


–تشرفنا يا أنسة

  هتف بها أيسر وهو يتذكر عندما التقى بثراء فكانت بموقف يشبه هذا الموقف الحالى وعند تذكر معشوقته ارتسمت ابتسامة على محياه فحمحم يجلى صوته قبل أن يردف:

–اتفضلى اوصلك بيتك بعيد عن هنا


حركت صافى رأسها قليلا قائلة:

–لاء البيت قريب أهو


سار بجوارها حتى وصلت إلى المنزل نظرت اليه بشكر وامتنان قائلة:

–انا متشكرة جدا كان نفسى اقولك اتفضل بس مفيش حد غيرى انا وجدتى


اشار لها بالدخول وهو يقول:

–اتفضلى ادخلى سلام




سر غائب

البارت الرابع



دلفت صافى للداخل وما كاد ايسر يبتعد عن المنزل حتى سمع صوت صراخها ثانية ركض ناحية المنزل ولج للداخل وجدها راكعة بجوار جسد امرأة عجوز تحاول افاقتها


بللت الدموع وجنتيها وهى تهتف قائلة:

–تيتة تيتة فريدة مالك فوقى اصحى


ركع أيسر بحوارها هو الآخر ليرى ماذا أصابها فنظر لصافى قائلا:

–هى جدتك مريضة او عندها مرض معين بيخليها يغمى عليها


حركت صافى رأسها قائلة بدموع:

–ايوة عندها ضعف وأنيميا وبيغمى عليها


فتحت فريدة عينيها تنظر لحفيدتها قائلة بهمس:

–صافى أنتى رجعتى


اسندتها صافى حتى اعتدلت قليلا قائلة:

–ايوة يا تيتة انتى ما اخدتيش الدوا ولا ايه انا كنت حطاه جمبك على ما تصحى من النوم


نظرت فريدة لذلك الشاب الراكع بجوارها هو الاخر قائلة:

–مين ده وبيعمل ايه هنا يا صافى


هرولت صافى سريعا تحضر الدواء لجدتها من على الكومود قبل أن تجيبها اقتربت منها تناولها أقراص الدواء وكوب الماء قائلة:

–خدى الدوا الاول يا تيتة وهقولك


تناولت فريدة منها الدواء تبتلعه أسندتها صافى وأيسر حتى جلست على الأريكة نظرت لصافى فى انتظار اخبارها بمن يكون هذا الضيف الا ان صافى تذكرت انها لا تعلم من يكون ولا تعلم حتى اسمه فنظرت اليه فى انتظار البوح بهويته


فنظر أيسر لفريدة بابتسامة قائلا:

–انا يا حاجة أسمى أيسر كان فى واحد بيضايق حفيدتك وانقذتها منه


حولت فريدة بصرها سريعا لصافى وهى تقول:

–الواد البلطجى ده اتعرضلك تانى نعمل ايه بس علشان نخلص منه ومن رزالته ومضايقته ليكى


ربتت صافى على يد جدتها قائلة بابتسامة مهزوزة:

–هنعمل ايه يا تيتة العمل عمل ربنا ربنا يخلصنا منه


بعد تأكده من سلامة المرأة العجوز هب أيسر واقفا يريد الإنصراف فهتف قائلا:

–الف سلامة على حضرتك الحمد لله اطمنا عليكى انا همشى


ترك أيسر مكانه ولكن قبل خروجه نادت عليه صافى قائلة:

–استاذ أيسر بجد متشكرة جدا على اللى عملته معايا


ابتسم أيسر ابتسامة خفيفة قائلا:

–الشكر لله وانا معملتش حاجة اى حد مكانى كان لازم يعمل كده عن اذنك وان شاء الله ابقى اجى اطمن على الحاجة لو مش هيضايقك


حركت صافى رأسها بابتسامة قائلة:

–حضرتك تشرف فى اى وقت مع السلامة


خرج أيسر من المنزل فى طريقه الى منزله بينما ظلت صافى مكانها تراه وهو يرحل ومازالت تلك الابتسامة مرسومة على وجهها..!!!

________ 

ولجت ثريا الى غرفة عنايات وهى تنظر اليها بابتسامة خبيثة قائلة:

–ها يا عنايات خفيتى ولا لاء اظن بقيتى كويسة اهو ومبقاش ليكى حجة فقومى معايا بقى ورينى الواد موجود فين


لم تجد عنايات مناص من التهرب منها تلك المرة فارتدت ملابسها التى أتت بها الى المشفى وخرجت معها ركبت بجوارها السيارة وهى ترشدها إلى الطريق الذى يجب أن تسلكه وصولوا الى احد الاحياء الشعبية


فأشارت عنايات الى احد المنازل قائلة:

–هو ده البيت اللى عايش فيه الناس اللى اخدوه


نظرت ثريا الى حيث اشارت عنايات وجدت منزل يبدو عليه آثار حريق فخرجت من السيارة هى وعنايات 


فأستوقفت رجل من المارة تسأله قائلة:

–لو سمحت هو البيت ده اصحابه موجودين جوا


نظر اليها الرجل بغرابة بعض الشئ الا انه أجابها قائلا:

–اصحاب البيت ماتوا من زمان حصل حريقة جامدة فى البيت وماتوا هو ده اللى اعرفه عن اذنك 


لم تكن عنايات تعلم بهذا الأمر شعرت بالاسف لكونها لن تستطيع أن تكفر عن ذنوبها الماضية فهمست بصوت سمعته ثريا:

–لا حول ولا قوة الا بالله يحصل كده قبل ما اكفر عن ذنبى ليه بس كده هفضل بتأنيب ضميرى طول العمر


زادت ابتسامة ثريا اتساعاً وهى تقول بنبرة متكاسلة:

–يا حرام يا عنايات مبقاش فى حاجة فى ايدك تهددينى بها تانى حتى لو فكرتى تقولى للدكتور جمال مش هيصدقك هتجيبى دليل على كلامك منين ودلوقتي بقى يا عنايات مبقاش ليكى لازمة عندى وحسك عينك تقربى منى او بس المح طيفك يبقى انتى اللى هتبقى قضيتى على نفسك بايدك


بعد ان انتهت ثريا من حديثها وتهديدها لعنايات اخذت سيارتها مبتعدة تاركة عنايات مازالت واقفة فى منتصف ذلك الشارع وهى تشعر بسخونة الدموع على وجنتيها فهى خسرت دنياها بالطمع والشر ولا تعلم هل سيغفر لها الله ذلتها وما أقترفته يداها ام لا ،تحركت من مكانها تمشى على غير هدى لا تعرف أين تذهب هى الآن فهى لم يعد لديها ما يأويها

______

وصل أيسر إلى منزله القديم فهو لم يشأ البقاء بالقصر حتى يحين موعد حفل زفافه لم يريد أن يبقى ويرى عشق ثراء له وهو ما زال مستمر فى خداعها فكم من مرة يقنع ذاته بأن يخبرها بكل شئ ولكن يعود بالاخير ويصمت ولا يتفوه بكلمة قبل أن يدلف الى شقته فكر فى الذهاب لرؤية حسام فدق جرس الباب


فتحت سميرة الباب قائلة:

–أيسر حمد الله على السلامة ألف سلامة عليك أنت عامل ايه دلوقتى هو انت والواد حسام جرالكم ايه كده مرة واحدة دى عين دى ولا ايه لا وكمان رضوان قال انك اتجوزت اتجوزت من ورايا يا واد انت


انفجر أيسر بالضحك من حديث سميرة فهى لم تمنحه فرصة للحديث فنظر اليها قائلا:

–اهدى يا مرمر ادينى فرصة أتكلم


تنحت سميرة جانبا تدعوه للدخول قائلة:

–طب ادخل يلا وابقى اشوف حكايتك ايه انت كمان


دلف أيسر الى الداخل فأشارت سميرة إليه بالدخول لغرفة حسام:

–حسام جوا فى الأوضة ادخله على ما اعملكم حاجة تاكلوها 


طرق ايسر على باب الغرفة وأدار مقبض الباب نظر بالداخل وجد حسام مستلقى على فراشه فأدار حسام رأسه ليرى من دلف إلى غرفته 


فابتسم قائلا:

–أيسر تعال حمد الله على السلامة


اعتدل حسام قليلا فى جلسته فنظر لأيسر قائلا:

–الف سلامة عليك يا صاحبى


جلس أيسر بجواره على الفراش قائلا:

–الله يسلمك وألف سلامة عليك أنت كمان يا حسام واعذرنى ان مكنتش جمبك وقت اللى حصل


مد حسام يده يدلك عنقه بيده السليمة قائلا:

–ولا يهمك المهم ان احنا خرجنا من الموضوع ده على خير كان زمانا دلوقتى بيترحموا علينا


ابتسم أيسر على مزاح حسام قائلا:

–الحمد لله عدت على خير 


تأمل حسام أيسر لبرهة قبل ان يقول:

–انت صحيح اتجوزت يا أيسر


هز أيسر راسه بالموافقة قبل ان يترك مكانه قائلا:

–اه اتجوزت ثراء يا حسام ومن يوم ما كتبت كتابى عليها وانا فى عذاب ونار 


تناول حسام كوب الماء الموضوع بجوار الفراش ارتشف منه قليلا قبل ان يعيده إلى مكانه فى انتظار إكمال أيسر لحديثه الا انه وجده صامتا

فبادر هو بالحديث قائلا:

–علشان يعنى مخبى عليها حقيقتك وهى متعرفش انت مين صدقنى الناس الاغنياء دول يستاهلوا أكتر من كده عايشين الدنيا بقوانينهم هم ومش هاممهم غير نفسهم وبس ومبيشفوش غير مصلحتهم ومش عارفين مين اللى ممكن يكون أتاذى من عمايلهم 


حرك ايسر رأسه نافياً وصف حسام لثراء وعائلتها قائلا:

–ثراء وابوها وامها لاء يا حسام انا مشفتش ناس باخلاقهم وضميرهم ياريتهم كانوا زى عزام كنت على الاقل ارتحت وكملت اللى ان عايزه من غير ضميرى ما يأنبنى لكن هم غيره فى كل حاجة الحاجة الوحيدة المشتركة بينه وبينهم اسم الرافعى بس مفيش غير كده حتى بنته ميرا برضه برغم عنجهيتها الا انها من جواها واحدة تايهة مش لاقية حد يرشدها للصح وبالرغم من كرهى لابوها مقدرتش اكرهها بالعكس كانت بتصعب عليا بقيت بدل ما احاول انتقم منها هى كمان بقيت بخاف عليها من نفسها ومن عمايلها جايز لسه جوايا شوية طيبة لاى حد يخص عزام الرافعى


تذكر حسام تلك الفاتنة الشقراء فكم تمنى ان ينتقم منها على ما نعتته به وصفعها له ولكن تعجب من دفاع أيسر عنها الآن فحاول نفض ذلك عن ذهنه الآن 


نظر اليه قائلا بمزاح:

–والفرح أمتى بقى يا عريس وهتعيش انت وهى فين فى شقتك هنا ولا هتروح قصر الرافعى علشان تلعب على أرض عزام


ابتسم أيسر بشئ من الدهاء قائلا:

–باباها أصر ان احنا نعيش فى القصر انت عارف انها تربية عز وميقدروش يخلوها تعيش فى حارة زى دى وأنا برضه ميرضنيش بهدلتها وزى ما بتقول اللعب يبقى على أرض عزام لأنها قريب أوى هيبقى الملعب ملعبى 


شعر حسام بالقلق قليلا فهتف به:

–ولو انكشفت يا أيسر هيبقى ايه العمل ساعتها دا هيفرمك 


وضع أيسر احدى يديه بجيبه أخرج ورقة مطوية بعناية فتحها يتأمل فحواها قبل أن يقول:

–الورقة دى يا حسام الكارت الرابح فى ايدى دلوقتى وبالنسبة لأن انكشف محدش يعرف حقيقتى غيركم انتم بس انت وجدك وجدتك غير كده عيلة الرافعى تعرف ان انا حارس شخصى وخلاص ميعرفوش حاجة تانية جايز القدر خدمنى فى اللعبة دى 


قطب حسام حاجبيه قائلا:

–ورقة إيه دى يا أيسر


ناوله أيسر الورقة فقرأ حسام فحواها واتسعت حدقتيه بدهشة كبيرة فرد قائلا:

–ايه ده يا أيسر معقول ده انت هتعمل كده 


اخذ منه أيسر الورقة يعيدها بمكانها فى جيبه قائلا باصرار:

–مفيش حل تانى غيره وزى ما قولتلك الورقة دى هتبقى الكارت الرابح


هز حسام رأسه قائلا:

–وهتبقى كارتك الخاسر لمراتك وحبيبتك يا أيسر


اعاده كلام حسام لواقعه المرير وإلى تلك الغصة العالقة بقلبه فهو يعلم أنه محق بما قاله ولكن ماذا يفعل هو فهو إنسان وليس ملاك حتى يغفر كل ماحدث له ولوالدته فهو لم ينسى شقاءها بالدنيا لاعالته ولم ينسى أيضاً موتها بسبب مرض عضال ألم بها ولم يكن هو يملك من المال الكافى لمعالجتها فرحلت عن هذا العالم بعد أن قضت سنوات عمرها بعذاب وألم وشقاء فكلما حاول إزاحة تفكيره بالانتقام جانبا يعود اليه مشهد وفاة والدته وهى تلفظ انفاسها الأخيرة وهو يقف مكتوف الايدى ولا يملك ما يفعله فشعوره بالعجز جعل الحقد يملأ قلبه ولكن عشقه لثراء هو ما جعل ذلك الانتقام الأعمى الذى كان يريد به ايذاء عائلة الرافعى بأكملها جعله يرى من المظلوم ومن الظالم ولكن بعد أن وضع كل تفكيره فى كيفية وضع أمور تلك العائلة لنصابها الحقيقى

________ 

دقت عنايات باب شقة شقيقتها عدة دقات فتح عزت الباب بابتسامة قائلا:

–ايوة مين


اختفت ابتسامة عزت على الفور بعد رؤية شقيقة زوجته الا انه تنحى جانبا يدعوها للدخول:

–اتفضلى يا ست عنايات


ولجت عنايات تجر ساقيها بارهاق تجمعت عبراتها بعينيها   تهدد بسقوطها بأى وقت فهتفت بصوت منخفض حزين:

–هى روحية مش هنا ولا إيه


اشار اليها عزت بالجلوس قائلا:

–اتفضلى ارتاحى على ما اناديلك روحية من جوا


جلست عنايات على احد المقاعد وضعت يديها بحجرها تفركها بتوتر شديد مخافة طرد زوج شقيقتها لها فهى تعلم مدى الجفاء بينهم إلا انه لم يفعل شيئا فهى تراه يعاملها بتهذيب كعادته معها دائما ولكن هى من كانت تفتعل الشجارات بينهم 


خرجت روحية من الغرفة تهللت اساريرها برؤية شقيقتها فهتفت قائلة:

–عنايات حمد الله على السلامة يا حبيبتى نورتى البيت مقولتليش ليه انك هتخرجى من المستشفى كنت جيت اخدك من هناك


رفع عنايات رأسها تنظر لشقيقتها وعيناها دامعتان قائلة:

–خرجت النهاردة ومبقاش ليا حد غيرك يا روحية بعد ربنا 


اقتربت منها روحية تحتضنها قائلة:

–يا حبيبتى وانا جمبك ولو مشلتكيش الأرض اشيلك فوق رأسى


نظرت عنايات حولها بتوتر قائلة:

–وجوزك يا روحية


ابتسمت لها روحية قائلة:

–انتى عارفة يا عنايات ان عزت قلبه طيب وانتى اللى كنتى فهماه غلط وكنتى بتتخانقى معاه على الفاضى والمليان


ادركت عنايات خطئها بحق زوج شقيقتها فحقا هى من كانت تفتعل الشجارات بينهم رغبة منها فى تركه لشقيقتها وتزويجها من اخر اكثر غنى ولكن تمسك شقيقتها به جعله لا يصمت على اهاناتها المستمرة له سابقا


نظرت عنايات لروحية بدموع قائلة:

–انا عارفة ان انا غلطت كتير بس خليه يسامحنى انا مش مسامحه نفسى على كل اللى عملته فى دنيتى نفسى  ربنا يسامحنى على الغلط الكتير اللى عملته


لم تفقه روحية نصف ما تفوهت به شقيقتها الا انها نهضت من مكانها تسحبها من يدها قائلة:

–قومى يا حبيبتى يلا هجبلك هدومك خديلك دش وفوقى كده وهعملك لقمة تاكليها  يا مايسة مايسة


خرجت تلك الفتاة بعد سماع صوت والداتها فرأت خالتها فابتسمت لها قائلة:

–ازيك يا خالتو عنايات نورتى البيت 


بادلت عنايات مايسة الابتسام قائلة:

–الحمد لله يا حبيبتى انتى عاملة إيه


ابتسمت روحية قائلة:

–مش تباركيلها يا عنايات مايسة اتخطبت وفرحها قريب إن شاء الله


اقتربت عنايات من مايسة تحتضنها قائلة:

–الف مبروك يا حبيبتى ربنا يتمم بخير ويسعدك


اشارت روحية لمايسة بأخد خالتها إلى غرفتها قائلة:

–مايسة خدى خالتك هتقعد معاكى فى اوضتك على ما احضرلها الحمام واعملها لقمة تاكلها


اخذت مايسة عنايات التى دمعت عيناها من فرط تأنيب ضميرها وظلمها لأقرب احباءها 

________

عاد جمال الى المشفى الخاص به دلف إلى مكتبه تبعته زهرة حتى باب الغرفة نظر خلفه وجدها تنظر له بابتسامة قائلة:

–دكتور جمال حمد الله على السلامة ايه الغيبة دى كلها


نظر اليها جمال يبادلها الابتسامة قائلا:

–الله يسلمك يا زهرة اخبارك ايه


اقتربت منه زهرة حتى كادت تلتصق به قائلة باغراء:

–انا تمام يا دكتور جمال بس حضرتك وحشتنا أوى الفترة دى حضرتك غيبت عنا كتير


لم يستساغ جمال ما يسمعه من تلك الفتاة ولم يعد يخفى عليه تقربها منه الغير مستحب فارتد هو بخطواته للخلف قائلا بعبوس:

–انتى ايه حكايتك بالظبط يا زهرة 


توترت زهرة وظلت تزدرد ريقها وهى لا تعلم ماذا يقصد؟ فتلعثمت قائلة:

–حححضرتك تقصد ايه


وضع جمال يده بجيب بنطاله ينظر اليها بنظرة زاجرة :

–بصى يا بنتى الحركات اللى بتعمليها دى متخلش عليا وانا شوفت زيك كتير وانا مش صغير علشان تضحكى عليا انتى اكيد وراكى حاجة 


زاغت عينى زهرة بكل مكان لا تعرف ماذا تقول ففضلت أن تهرب الآن من امامه فربما هو على دراية بحقيقتها فلو صح ذلك ستقع بالعديد من المصائب التى لا طاقة لها بتحملها عندما حاولت الركض خارج الغرفة التقط جمال يدها قبل أن تخرج فأيقن ان تلك الفتاة تفعل شئ لا يعلمه هو فأشار اليها بتهديد:

–احسن ليكى تقولى ايه حكايتك والا مش هيحصل طيب وهتلاقى نفسك داخلة فى سين وجيم فأحسنلك تقولى لم لم تجد زهرة مفر من اخبار جمال الحقيقة كاملة فبدأت بسرد كل شئ قائلة:

–الحقيقة يا دكتور جمال فى حد زقنى عليك علشان العب عليك واوقعك فيا وبعد كده اعملك فضيحة واسوء سمعتك


فغر جمال فاه بدهشة تملكت منه فمن يريد ايذاءه لهذا الحد فبادر بسؤالها قائلا:

–ومين يا زهرة اللى قالك اعملى كده


فركت زهرة يدها قائلة:

–واحد اسمه البوص ومعرفلوش اسم غير ده اتعرف عليا فى محل كنت بشتغل فيه عرض عليا مبلغ كبير ادانى جزء منه والباقى كنت هاخده منه لما اعمل اللى قالى عليه


اقترب جمال منها وهوى بيده على وجهها بصفعة قوية قائلا:

–يعنى ده اخرة المعروف كنتى عايزة تدمريلى سمعتى وبيتى


تحسست زهرة وجنتها والدموع تملأ عينيها قائلة:

–والله لو حضرتك قتلتنى مش هقولك بتعمل ايه انا فعلا كنت هنكر جميلك وهضرك وحقك تعمل اكتر من كده بس ابوس ايدك بلاش البوليس


اقتربت منه رغبة فى تقبيل يده لمسامحتها إلا انه نفض يده بعيدا عنها ينظر اليها بغضب جم قائلا:

–بس وابعدى عنى انتى من دلوقتى تمشى من هنا ومش عايز اشوف وشك تانى انتى فاهمة برا براااا


انتفضت زهرة بعد صراخ جمال بوجهها فهرولت راكضة خارج غرفة مكتبه اصطتدمت بالعديد من الممرضات الا إنها لا ترى شئ يوى انها يجب مغادرة المستشفى فتخشى أن يتراجع جمال عن الصفح عنها ويقوم بتسليمها الى الشرطة

________

وجدت ثراء قدميها تسوقها إلى تلك الغرفة التى كان يسكنها أيسر فتحت الباب وولجت للداخل ظلت تجيل ببصرها فى انحاء الغرفة وحنينها وأشتياقها إليه يقتلها لرؤيته الا أنه أصر عليها بعدم الذهاب اليه بشقته حتى يحل يوم زفافهم جلست على الفراش تتحسسه بيدها اخذت تلك الوسادة الصغيرة باحضانها وهى تشتم تلك الرائحة العالقة بها وهى رائحة عطره الذى يستخدمه دائما فهى تحفظ تلك الرائحة عن ظهر قلب فهمست قائلة:

–انت وحشتنى أوى يا حبيبي

لم تكد تنهى جملتها حتى سمعت رنين هاتفها فرأت اسمه ينير الشاشة وضعت الوسادة جانباً فاجابته قائلة بصوت عذب:

–أيسر 

سرى ذلك الإحساس المفعم بالاشتياق فى خلاياه فكم هو حقا يشتاق قربها فأجابها قائلا:

–قلبه وعمره وروحه 

عادت واخذت الوسادة باحضانها وابتسامتها تزداد اتساعاً بسماع صوته قائلة:

–كنت لسه بفكر فيك عارف انا فين دلوقتى


ابتسم هو يجيبها قائلا:

–فين انتى خرجتى من البيت اوعى تكونى جاية ليا هنا


تمددت ثراء على الفراش قائلة بابتسامة:

–لاء متخافش مش جيالك انا هنا فى الاوضة بتاعتك اللى كنت قاعد فيها هنا بس ليه خفت كده اكون جيالك بيتك على العموم لو حبيت اجيلك مش هاجى لوحدى يعنى أكيد هيكون حد معايا


وجد نفس يهمس لها قائلا:

–وحشتينى أوى يا ثراء معقولة كام يوم مشوفكيش فيهم


ردت ثراء قائلة بخجل:

–وانت كمان وحشتنى على العموم خلاص فاضل يومين بس على الفرح وهنفضل مع بعض على طول


ظلا يتحداث وقتا طويلا حتى غفت ثراء بالنوم لم تعى اين هى الا عندما وجدت يد توكزها بكتفها توقظها من نومها ابتسمت بنعاس قائلة:

–أيسر


علت ضحكة ميرا على ما تفوهت به ثراء قائلة:

–لاء ياست المتيمة مش أيسر انا ميرا 


فتحت ثراء عينيها فوجدت ميرا تقف بجوار الفراش فاعتدلت سريعا وهى تدلك عنقها قائلة:

–خير يا ميرا فى ايه


ابتسمت ميرا وجلست بجوارها قائلة:

–جيت ادور عليكى علشان اقولك فستان فرحك وصل خلاص وتعالى علشان تقسيه ولو فيه حاجة يتظبط قبل الفرح


نهضت ثراء من الفراش بفرحة عارمة رغبة فى رؤية فستان زفافها فخرجت من الغرفة برفقة ميرا التى أصبحت فتاة اخرى غير تلك الفتاة المتعجرفة

تلالأت الأنوار بقصر عائلة الرافعى فاليوم زفاف ثراء وأيسر فجمال أصر باقامة حفل زفاف ضخم بالرغم من رفض أيسر القاطع لذلك إلا انه أقنعه بالاخير انه ليس لديه سوى ابنة



 واحدة ويريد أن يراها بثوب الزفاف فرضخ أيسر بالاخير فهو أيضاً يريد رؤيتها بذلك الثوب الأبيض الذى تشتد هى نقاء عنه



 ،وقفت ثراء أمام المرآة واضعة يدها موضع قلبها تحاول تهدئة تلك المشاعر التي فاضت بقلبها فاليوم هو اليوم المنتظر نظرت اليها ضحى قائلة بابتسامة

–الف مبروك يا ثراء ربنا يتمم بخير ويسعدك يا حبيبتى

ابتسمت لها ثراء أيضاً قائلة:

–عقبال عندك يا ضحى انتى كمان 

فتح باب الغرفة دلفت فيروز ومن خلفها ميرا وجليلة وعفاف يطلقن الزغاريد الذى زادت من سريان القشعريرة بجسد ثراء من شدة سعادتها أقتربت منها فيروز تحتضنها تقبلها ودموعها تنساب على وجنتيها مردفة:




–حبيبة ماما مليون مبروك عشت وشوفتك بالفستان الأبيض يا قلبى ربنا يسعدك يارب



أقتربت ميرا منها هى الآخرى تهنئها فالعلاقة بينهن تحسنت عن ذى قبل فهتفت قائلة:

–مبروك يا ثراء ربنا يسعدكم 

أقتربت ثراء تحتضنها تهتف بابتسامة:

–الله يبارك فيكى يا ميرا وعقبالك



حمحم جمال وهو يقف على الباب لينتبه الحاضرين فنظر لابنته بابتسامة وهو يرى طفلته قد أصبحت عروس واليوم يوم زفافها فتقدم منها يحتضنها بقوة وهو يشعر بدموعه هو الآخر تكاد تخرج من معقلهما قائلا:




–الف مبروك يا حبيبتى ربنا يتمم بخير وتعيشى العمر كله فرحانة ومبسوطة


ضمها إليه فرت دموعها هى الاخرى وهى تشدد من احتضانها لوالدها قائلة:

–ربنا ما يحرمنى منك ابدا يا بابا


تأبطت ذراع أبيها وصوت دقات قلبها تكاد تعلو على صوت حفيف ثوبها الأنيق خرجوا إلى حديقة المنزل نظرت إلى ذلك الذى بنتظرها بتلك الحُلة السوداء التى أشبعته وسامة ورجولة



 فشعرت بالغيرة من رؤية الفتيات له وهو بتلك الوسامة اقترب أيسر من جمال وضع يد ثراء بيده يشد عليها قائلا:

–انا بسلمك اغلى ماعندى يا أيسر خلى بالك منها


رد عليه ايسر قائلا بثقة ويقين:

–دى فى عنيا يا دكتور جمال


بدأ حفل الزفاف توافد المدعوين تباعاً كان الجو مشبع بالبهجة والسرور وهى تقف بجواره تتأبط ذراعه تبتسم للحاضرين لمحت دلوف أمير فأقترب منه قائلا بابتسامة خفيفة:

–الف مبروك وربنا يتمم بخير 


ردت ثراء بابتسامة قائلة:

–الله يبارك فيك يا أمير عقبالك


ظل ايسر متجهم الوجه منذ رؤية أمير حتى أنه لم يرد على تهنئته لهم فرغب فى أن ينصرف من هنا الا انه وجده يمد يده بعلبة مغلفة يبدو عليها أنها هدية فناولها لثراء وهو يقول:



–دى هدية الفرحة وكمان علشان اقولك اشوف وشكم بخير علشان انا مسافر لندن طيارتى كمان نص ساعة سلام


ابتهج أيسر بعد سماعه بشأن مغادرة أمير الحفل وليس ذلك فهو سيغادر البلاد ايضا فرد عليه قائلا:

–تروح وترجع بالسلامة ان شاء الله خد بالك من نفسك


لم يعير حديث أيسر اهتماماً حتى وجد ثراء قائلة:

–مع السلامة يا أمير


رحل أمير الا انه لم يمنع نفسه من الالتفات لرؤيتها مرة اخيرة قبل مغادرته فهو أصر على ان يترك مصر بيوم زفافها على ان تكون هى أخر شخص يودعه قبل سفره اخذ سيارته يتجه


 صوب مطار القاهرة الدولي وهو يشعر بالحزن لخسارته الفتاة الوحيدة التى رسم باحلامه من انها ستصبح له ليأتى له القدر بمفاجأة اخرى وتصبح زوجة رجل أخر


أقترب عزام من جمال وملامح الاقتضاب والعبوس لم تفارق وجهه منذ علمه بزواج ثراء وأيسر ليأتى ذلك الحفل ويقضى على ما تبقى من تماسكه فهتف بشقيقه بحدة قائلا:




–يعنى كان لازم يا جمال تعمل فرح وهليلة وتعزم كل اللى نعرفهم حلو الفضايح دى لما الكل هيعرف ان بنتك اتجوزت واحد كان شغال عندنا


نفخ جمال بضيق من حديث شقيقه قائلا:

–والله انا بفرح ببنتى وان كان على الفضايح فالفضيحة الاكبر جت هناك اهى سيرين وصلت


نظر عزام الى حيث أشار جمال فوجد سيرين تولج الحفل يستقبلها شهاب بترحاب شديد 

تم خفض الاضاءة قليلا وبدأت تعلو صوت الموسيقى الهادئة وضعت ثراء يدها حول عنقه يحيط خصرها بذراعيه يتمايلان سويا على انغام الموسيقى ،اثناء ذهاب ميرا لجلب مشروب مرطب لمحت حسام قادما يستند على عكاز يعرج قليلا تعجبت مما أصابه فوجدت نفسها قائلة:

–ايه ده ايه اللى فشفشك كده 


رفع حسام احدى شفتيه قائلا بضيق:

–اللى فشفشنى كده اللى زيكم 


لم تفهم ميرا شئ مما يقوله الا انها سألته قائلة:

–هو انت جيت الفرح ليه جاى مع مين


عدل حسام من وضعية وقوفه ليريح قدمه المصابة قائلا:

–جاى مع العريس اصله صاحبى تقدرى تقولى ان احنا اخوات اكتر ما احنا صحاب


تركها حسام مغادرا فأكملت طريقها الا انها التفتت خلفها تنظر اليه فلم تنتبه لوالداتها القادمة باتجاهها فاصطتدمت بها قائلة:

–فى ايه يا ميرا مالك ماشية تايهة ليه كده


ردت ميرا قائلة:

–ها لاء يا ماما مفيش حاجة


ظلت لبنى تنظر حولها فسألتها ميرا عن سبب فعلتها تلك:

–مالك يا ماما بتدورى على ايه


ردت لبنى على ابنتها وهى مازالت تجيل ببصرها فى الحاضرين قائلة:

–باباكى بقاله شوية مختفى مش عارفة راح فين

وقف شهاب على بعد خطوات قليلة من ذلك المكان الذى يتواجد به والده وسيرين سمع أيضاً صوت شجار بينهم لم يستمع جيدا لما يقولون فاقترب أكثر فهم يتوارون عن الانظار



 بالباحة الخلفية للقصر فهو عندما رأى سيرين تبتعد تبعها الى هنا فوجد والده معها أيضاً لذلك أصر على معرفة ماذا يدور بينهم فسمع صوت والده الغاضب قائلا:




–انتى ايه حكايتك يا سيرين مش مبطلة زن اليومين دول انا مش فايقلك ولا فايق لدلعك الفارغ ده كفاية المصايب اللى على دماغى وسمعة العيلة اللى هتقع فى الأرض بعد اللى جمال



 اخويا وبنته عملوها لاء وكمان عملهم فرح وانتى جاية دلوقتى عيزانى اشوف حل لجوازنا العرفى



وضع شهاب يده على فمه من صدمته بعد سماع حديث والده فسيرين زوجة أبيه فربما هو يرى كابوس الآن فسمع سيرين ترد قائلة:



–اه عايزة حل يا عزام انا مش هفضل فى الضلمة كتير وانت شايف كمان ابنك كان بيحاول يقرب منى ومرضتش اقوله انى مراتك مع ان كان بامكانى اقولها






شعر عزام بلهجة التحدى بصوتها فقبض بيده على ذراعها حتى كاد ان يغرس اظافره بلحمها قائلا:

–بقولك ايه انا مبتتهددش وان كان على الورقتين العرفى خلاص بليهم واشربى ميتهم يا سيرين ملكيش حاجة عندى

نفض ذراعها بغضب وتركها مغادرا وضعت يدها تدلك ذراعها بعد تركه اثار أصابعه عليها وهى تهتف قائلة :

–ابلهم واشرب مايتهم ماشى يا عزام صبرك عليا اما هديت الدنيا على دماغك مبقاش أنا

عندما رأها شهاب قادمة فر هارباً من المكان حتى انه لم ينتبه لضحى وهى قادمة فسكب محتويات كوبها على الأرض فنظر اليها نظرة عابرة وتركها بدون ان يتفوه بكلمة تعجبت ضحى من صنيعه قائلة:

–ماله ده بيجرى زى ما يكون فى عفريت بيجرى وراه

انتهى حفل الزفاف وانصرف المدعوين صعدت ثراء إلى ذلك الجناح الذى أعد خصيصا من أجلها وأجل أيسر يبعد قليلا عن باقى غرف القصر فجمال خصهم بتلك الغرفة حتى يستطيعوا اخذ حريتهم بدون ازعاج من الآخرين دلفت برفقتها والداتها وصديقتها ضحى فابتسمت لها ضحى قائلة:

–مبروك يا عروستنا القمر تتهنى يارب انا همشى بقى زمان الحاج منير قاعدلى على الباب

ابتسمت ثراء على مزاحها قائلة:

ماشى يا حبيبتى ماما خلى السواق يوصلها 

هزت فيروز رأسها موافقة فقالت قبل ان تخرج برفقة ضحى:

–حبيبتى لو احتاجتى اى حاجة رنى عليا والأكل اهو أبقى كلى كويس يا قلب ماما 

هزت ثراء رأسها بالموافقة وهى ترمش بعينيها عدة مرات فهى لاتنكر شعورها بالخوف والتوتر الشديد من تلك الليلة  بعد خروجهن اخذت تلك الملابس الموضوعة على السرير وذهبت لغرفة الثياب قامت بخلع فستانها نظرت لذلك الثوب المنوط بها ارتداءه الآن وهى تقلبه بين يديها بعيون جاحظة فهتفت بصوت أقرب للصدمة:

–ايه ده والبسه ازاى ده مستحيل البسه دلوقتى

وضعته جانباً لتبحث عن ثوب آخر ظلت تجيل ببصرها وكلما ترى ثوب من تلك الاثواب الخاصة تهتف قائلة:

–ايه ده مفيش حاجة محترمة تتلبس ولا إيه 

نسيت وهى تحدث نفسها أنها بتلك الثياب الخفيفة التى كانت ترتديها أسفل فستان زفافها فولج أيسر للغرفة يبحث عنها فسمع صوتها صادرا من غرفة تبديل الثياب ذهب اليها وماكاد يهتف باسمها

–ثراء انتى...

التفتت اليه ثراء وهى تصرخ بعد سماع صوته ورؤيته له هكذا:

–اعاااااااااا

اجفل أيسر من صوت صراخها فأشار اليه بيديه يحاول ان يجعلها  تكف عن الصراخ

–بسسس اهدى يا ثراء انا خارج 

ترك أيسر الغرفة ومازالت هى واقفة تضم احد الثياب تحاول ان توارى جسدها ظلت تلتقط أنفاسها وهى مازالت تشعر بالرجفة التى دبت بأوصالها ،جلس أيسر على الفراش مد يده يسحب ربطة عنقه وهو يزفر زفرة هواء قوية ليتخلص مما ألم به منذ رؤية ثراء فتلك ليست معادلة عادلة فمن أين يأتى


 بالصمود وقوة التحمل والصبر   نظر وجد أكواب العصير الموضوعة بجانب الطعام تناول احدها وارتشفه بالكامل بدون تردد وضع الكوب مكانه وصدره يعلو ويهبط كأنه بسباق



 للركض بعد عدة دقائق خرجت ثراء ترتدى إسدال توارى أسفله ذلك الثوب الذى انتقته وارتدته تضم يديها تنكس رأسها بخجل جم فهتفت بصوت بالكاد يسمع:

–مش هنصلى يا أيسر

نظر اليها أيسر قليلا ثم قال:

–اه هنصلى هغير هدومى واتوضا واجى

ذهب هو أيضا الى غرفة الثياب ابدل ثيابه بملابس مريحة ودلف الى الحمام توضأ وخرج أليها وجدها تنتظره وهى جالسة على حافة الفراش ومازالت تفرك يدها بتوتر فهتف بهدوء قائلا:



–يلا علشان نصلى

نهضت بدون أن تتفوه بكلمة وقفت خلفه وهو يأمها بالصلاة وبعد الانتهاء نهض من مكانه يأخذ كوب العصير الاخر يقدمه لها بابتسامة قائلا:

–دى كوباية العصير بتاعتك انا كنت عطشان وشربت كوبايتى 

ابتسمت بخجل وهى تتناولها منه وضعتها على فمها ترتشفها ببطئ تريد إطالة الوقت ولكن بالنهاية انتهت من ارتشاف الكوب بأكمله وقفت لا تعرف ماذا تفعل؟ وحاله هو أيضا لا


 يفرق كثيرا عنها ولكنه رأها تذهب لغرفة تبديل الثياب مرة اخرى فلم يشأ سؤالها عما تفعل وقفت ثراء بمنتصف الغرفة تحاول ضبط أنفاسها التى تشعر بنقصانها من رئتيها فظلت تخاطب نفسها قائلة:



–اهدى يا ثراء هو دلوقتى جوزك وعادى لو خرجتى كده مش حرام يعنى لاء بس ازاى يشوفنى كده عيب 

لتعاود وتجيب نفسها قائلة:

–عيب ايه يا عبيطة ده جوزك وده لا عيب ولا حرام

ظلت تصارع نفسها بالحديث حتى انهكها كثرة مجادلة عقلها وقلبها فحسمت أمرها وخلعت اسدالها وخرجت اليه  مسرعة قبل ان تعود الى صراعها النفسى وجدها أيسر تخرج إليه



 بخطوات هادئة بذلك الثوب الذى ربما لم لن يرى بجمال ودقة تصميمه وخاصة وهى ترتديه تلك الحسناء كشعاع من ضوء


 القمر أصاب قلبه جعله متأوها بنيران الشوق وقفت على بعدة عدة خطوات منه لاتعرف ماذا تفعل فلم تدم حيرتها طويلاً فوجدته مقبلاً عليها يبتسم لها يأسر كفيها بين يديه قائلا 

–مبروك يا حبيبتى

اطرقت رأسها أرضاً وهى تبتسم بخجل قائلة:

–الله يبارك فيك يا حبيبي

رفع وجهها اليه يتفرس بملامحها الفاتنة تسمرت عيناها على وجهه وجدته يقترب منها يعانقها بشوق كبير جعل دقات قلبها تكاد تألمها من تسارع وجيبه فتلك هى المرة الأولى التى تتذوق فيها طعم العناق رفرفر قلبها وهى تشعر بحرارة عناقه



 وجدت نفسها تتشبث به كغريق تتقاذفه الأمواج العاتية ورأت به منقذها وطوق نجاتها إلا أنها وجدت نفسها تنظر خلفه قائلة:

–أيسر إيه ده

نظر أيسر الى حيث أشارت وأعاد نظره اليها ثانية قائلا:

–فى ايه يا حبيبتى تقصدى ايه

ظلت تشير بأصبعها على تلك الظلال التى رأتها كشبح متخف بالسواد والذى لايعلم هو عن ماذا تتحدث؟ فهو لايرى شيئاً فاستطرد قائلا:



–حبيبتى تقصدى ايه انا مش شايف حاجة ولا فاهم حاجة

نظرت ثانية فلم تجد شيئاً هى الأخرى تعجبت قليلا فحاولت نفض ذهنها مما اعتراها فربما توترها بدأ يؤثر على أعصابها وتركيزها فهتفت قائلة:

–ها لاء خلاص الظاهر انا بقى بجيلى تهيئوات 

حاول أيسر التخفيف عنها فابتسم بوجهها قائلا:

–الظاهر انك متوترة يا حبيبتى




وضعت رأسها على صدره وهى تحاول تجميع شتات نفسها فأحاطها بذراعيه يشدد من ضمها إليه فلم يمنع نفسه من عناقها ثانية فليذهب كل شئ خطط له الى الجحيم هكذا صرخ به عقله الذى لم يعد له طاقة على تحمل كم تلك الصراعات النفسية التى تدور بخلده الآن



فوجد نفسه قائلا بأنفاس تكاد تتلاشى:

–ثراء حبيبتى انا عايز أقولك حاجة

دفنت ثراء وجهها بعنقه قائلة بهمس:

–عايز تقول ايه يا حبيبى

تسارعت دقات قلبه كمن يعدو بطريق طويل ليس له نهاية فأجابها قائلا:

–عايز أقولك ان انا....

             الفصل الخامس من هنا

لقراءة باقي الفصول الجزء الثاني من هنا

لقراءة الجزء الاول جميع الفصول كاملة من هنا

تعليقات



<>