سر غائب
البارت السابع عشر الثامن عشر
بقلم سماح نجيب
ربما لم يستمع لنصف ما تفوهت به فهو لا يعلم لماذا يحدق بها هكذا؟ كأنه يراها أول مرة بحياته حتى هى ضمت حاجبيها بغرابة من حملقته بها
فأردفت برنة صوت هادئة:
–مالك يا أستاذ شهاب فى حاجة حضرتك بتبوصلى كده ليه فى حاجة غلط
حمحم شهاب يشعر برعونة تصرفه فحاول أن يصرف عنه ما اعتراه منذ رؤيتها اليوم:
–لا أبدا بس سرحت شوية بس الفستان طبعا هدفع تمنه ومش هقبل جدال بخصوص الموضوع ده والا خلاص مش هاخده
أمام إلحاحه بدفع ثمن الثوب اخذت منه المال بعد أن وصلا لحل وسط وهو أن يأخذ الثوب بعد خصم جزء من المبلغ النهائى أخرج من جيبه ورقة صغيرة كتب عليها معيادة رقيقة
لشقيقته وأوصاها بإرسالها مع الثوب ثم ذهب مغادراً ،حملت ضحى الورقة بيدها وهى تتذكر تلك المرة الأولى التى رأته بها عندما سكبت محتوى كوبها على قميصه بحفل عيد ميلاد ثراء فوجدت نفسها تتذكر ملامح الغضب التى كست وجهه فى تلك
اللحظة فابتسمت وذهبت لإعداد الأثواب التى سترسلها لمنزل جمال الرافعى أحدهما لثراء والآخر لميرا
________
أغلق أيسر أزرار قميصه تاركاً إياه مفتوحاً من أسفل عنقه فهو لايرغب اليوم بارتداء رابطة العنق فارتدى سترته ووضع عطره ،أخذ فرشاة الشعر يمشط خصلاته الكثيفة بعد أن أنتهى مما
يفعل ظل يحدق بنفسه فى المرآة عدة دقائق وهو يفكر هل ستأتى ثراء لحفل العشاء أم أنها سترفض؟ ولكن فكر أنه لابد
من حضورها فخرج من المنزل وأخذ سيارته ينطلق بها سريعاً وصل إلى المطعم الذي سيتم به عقد الصفقة وجد صافى بانتظاره
أقتربت منه قائلة:
–كويس أنك جيت الناس على وصول ولسه شركاءك مجوش ومكنتش هلاقى حد يستقبلهم
جلس أيسر على أحد المقاعد ينتظر على أحر من الجمر وصولها فهو لايسعد بعقد تلك الصفقة كسعادته بوجودها قريبة منه ،لمح دلوف أفراد يمتازون بالطول الفارع والبشرة السوداء
الداكنة يولج من خلفهم رجل لايشبههم بشئ فبشرته بيضاء مشرأبة بحمرة خفيفة بملامح وجه وسيمة فتعجب أيسر قليلا فهو كان يظن أن من سيعقد معه الصفقة رجل من جنوب أفريقيا
نهض أيسر من مكانه عندما أقترب منه الرجل يصافحه:
–أهلا دكتور أيسر الرافعى أنا عدنان صفوان
رحب به أيسر يشير إليه بالجلوس:
–اهلا عدنان بيه أنا الصراحة افتكرتك يعنى
ضحك عدنان بعد سماع ما تفوه به أيسر قائلا برزانة:
–علشان أنا مش شبهم يعنى أنا فعلا عايش فى جنوب افريقيا وعندى مناجم ألماس هناك بس أنا أصلى والدى من المغرب وأمى لبنانية من اصول مصرية فعلشان كده بعرف اتكلم
مغربى ومصرى ولبنانى وبتكلم لغات كتير جدا اصلى هوايتى أن أتعلم اللغات وكمان بحب دراسات علم النفس يعنى ممكن
من قاعدتى معاك أقدر أعرف شخصيتك بالظبط وخصوصاً الألم والوجع اللى فى عينيك ده وده تقريباً بسبب واحدة ست
ضم أيسر حاجبيه بدهشة مما يقوله هذا الرجل فهل هو أحد العرافين ليعلم كل هذا أم أنه علم عنه كل شئ قبل ان يقابله حتى يستطيع ابهاره بحديثه
قبل أن يتمكن من الرد عليه رأى ثراء تولج برفقة شهاب وأمير استشاط منها غضباً فلماذا أتت برفقة ذلك المدعو أمير؟ ولكن تناسى كل ذلك وحملق بها وبثوبها الذى ترتديه فأى لعنة
جعلتها ترتدى ثوب كهذا اليوم فهل سيراها الجميع الآن هكذا ؟ فكم يتمنى الآن أن يقوم بسحبها من يدها يعيدها إلى المنزل ولكن ليس أى منزل فسيأخذها معه إلى منزله يحبسها بين
جدرانه ولا يدع أحد يتطلع إليها وهى بتلك الطلة الرائعة المبهرة فثوبها بالرغم من احتشامه كعادتها فى إرتداء ثيابها إلا أن هذا الثوب به شئ مميز ربما ينعكس بياض لونه الناصع على بشرتها الناعمة كأنها عروس بليلة زفافها
جلست ثراء قائلة بابتسامة هادئة:
–مساء الخير عليكم أسفة لو كنت أتأخرت عليكم
أومأ عدنان برأسه احتراماً:
–ولا يهمك يا ثراء هانم حضرتك تتأخرى براحتك أنا عارف لما تكون واحدة ست خارجة لازم تكون بيريفكت مراتى دايما كده
تبع حديثه بضحكة عالية شاركه إياها شهاب وأمير وصافى إلا أيسر الذى ما زالت عيناه مسلطة عليها ولكن من حظها العثر هذه الليلة أن تجلس بالمقعد المجاور له مد يده أسفل الطاولة
يأسر يدها بين كفه ضغط عليها بغضب فحاولت رسم ابتسامة على وجهها برغم الألم الذى تشعر به بمفاصل أصابعها
أستغل أيسر انشغال عدنان بالحديث مع شهاب فمال على زوجته قائلا بضيق:
–ايه اللى أنتى لبساه ده إيه الفستان ده يا ثراء
نظرت ثراء إلى ثوبها بغرابة من حديثه فما الشئ الخاطئ به؟
ردت عليه قائلة بتساؤل:
–ماله الفستان شايفنى جاية لبسة فستان سهرة ولا لابسة مايوة ،فستان زى اى فستان بلبسه ايه الغلط فيه ثم سيب ايدى هتكسر صوابعى
هتف من بين أسنانه:
–دا أنا نفسى أكسر دماغك يا ثراء
حدقت به تعاتبه عيناها على ما تفوه به إلا أنه أسرع فى الرد عليها يستطرد قائلا:
–حبيبتى أنا مش قصدى كده أنا متغاظ منك بسبب فستانك وكمان جاية وجايبة سى أمير ده معاكى أنتى عايزة تموتينى ناقص عمرك عايزة تجبيلى ذبحة صدرية وترتاحى منى
هتفت ثراء قائلة بسماجة:
–بعد الشر عليك يا حبيبى إن شاء اللى يكرهك بس حرام تزعل الست صافى عليك
لن يمل من مشاكستها وإثارة غضبها فأرخى كفه عن أصابعها قليلاً يتحسس ظاهر يدها بابهامه فظلت تزدرد لعابها بتوتر شديد فماذا يفعل هو الآن ؟ فهى منذ مقابلتها له وهو لا يترك مناسبة إلا وأن يجعلها تخرج من مجابهته وتحديه خاسرة صافرة اليدين
دمدم لها هامساً:
–نور عيون حبيبك أنتى يا ثراء
نهضت من مكانها تعتذر قائلة:
–عن أذنكم دقيقة وراجعة
ذهبت سريعاً إلى الحمام ولجت للداخل وقفت أمام المرآة تلتقط أنفاسها تهمس بداخلها بغيظ:
–الله يسامحك يا أيسر
حاولت لملمة شتات نفسها التى تبعثرت بعد همسه لها وملاطفته إياها بألفاظه التحبُبية بعد عدة دقائق عادت إلى الطاولة مرة أخرى وجدت صافى منهمكة بحديثها معه فأقتربت قائلة بابتسامة خفيفة:
–أسفة لو كنت أتاخرت مش هنوقع ورق الصفقة أصل مرتبطة بمواعيد تانية أنا اسفة يا عدنان بيه أصل النهاردة اليوم مشحون جدا بعتذرلك
رد عدنان قائلا بهدوء:
–ولا يهمك ثراء هانم الورق جاهز وكل شئ جاهز
تم توقيع العقود وتمت الصفقة بنجاح لم تنتظر ثراء لتناول العشاء فذهبت برفقة شهاب وأمير ولكن أيسر لم يجد عذر يقوله لمضيفه لينصرف هو أيضاً فتمنى أن ينتهى العشاء
سريعاً فهو يكاد أن يفقد صوابه من أفعال زوجته تناول أيسر العشاء برفقة عدنان وصافى ظل ينظر بساعة يده حتى أعلن عدنان عن ضرورة أنصرافه قائلا بلباقة:
–دكتور أيسر أشوفك بخير لازم أمشى لأن زمان مراتى مستنيانى وهتعملى مشكلة لو أتأخرت
تبع حديثه بضحكة خفيفة فنهض أيسر يصافحه قبل أنصرافه:
–مع السلامة عدنان بيه أتشرفت بمعرفتك
رحل عدنان مع حراسه أراد أيسر اللحاق بثراء إلا أنه تذكر أن صافى مازالت جالسة فأشار إليها بالنهوض:
–يلا يا صافى علشان أوصلك البيت وكمان علشان ورايا مشوار مهم جدا
أخذت صافى حقيبتها وصلت الى سيارته تتأخذ مكانها بالمقعد المجاور له قائلة:
–أيسر هى ايه حكاية ثراء الرافعى دى هى تبقى بنت عمك صح
رد أيسر قائلا بعشق:
–متبقاش بنت عمى بس وتبقى مراتى كمان حبيبتى ونور عيونى
كأنه تناسى أنه يحدث صافى فأطلق العنان لنفسه يستطرد قائلا بحنين:
–ثراء دى الحاجة الوحيدة الحلوة اللى فى حياتى الأمل اللى أنا عايش بيه
أتسعت حدقتيها مما تسمعه إلا أن ثغرها أفتر عن إبتسامة خفيفة قائلة:
–بجد هى دى مراتك يا أيسر بس ليه مش عايشة معاك فى بيتك
فهل ثراء زوجته التى أخبرها أنها هجرته طوال تلك الأعوام السابقة؟ ولكنها عادت الآن فعلمت كيف تبدلت ملامح الحزن
والأسى التى كانت تراها دائما على وجهه وحل مكانها السعادة فهو سعيد بعودتها لمصر فصوته ملائه الحنين وهو يذكرها وعيناه زاد بريقها برؤياها
غامت عيناه بحزن طفيف قائلاً:
–علشان مش عايزة تسامحنى مفكرانى أن بكدب عليها وخصوصا فى موضوع مساعدتى ليكى
ضمت صافى حاجبيها قائلة بتفكير:
–هى برضه معذورة ممكن تكون بتغيير عليك بس ليه مقولتلهاش أن انا متجوزة يا أيسر
إبتسم أيسر قائلا بثقل:
–بقولك رافضة تسمعنى مفكرة أن فى حاجة بينى وبينك ومتعرفش أن أنا اصلا كنت وكيلك فى جوازك ومفكرة أن موضوع أنك مديرة أعمالى حجة منى علشان تبقى قريبة منى
شعرت صافى بالأسى لرنة صوته المتعبة فهى علمت الآن أنها ربما تسبب فى إيذاءه وهدم حياته عندما تركته زوجته منذ سنوات ولكنها أيقنت أن قلبه مازال ينبض بعشقها لذلك تحولت
نظرتها إليه فهى لا تكن له سوى محبة الأشقاء فهو من ساعدها هى وجدتها حتى عندما تقدم لها زوجها كان هو وكيلها بعقد القران
فكرت صافى أنها ربما تساعده:
–طب ممكن أروح أنا اقولها كل حاجة واقولها أن مفيش أى حاجة بينا وأنا أساساً كنت الشهر ده خلاص هسافر لجوزى حمزة هو حتى أتصل عليا وقالى البيت خلاص جاهز وكل حاجة بقت جاهزة فاضل بس اسافرله أنا وتيتة
إبتسم أيسر قائلا بمزاح:
–طب الحمد لله دا أنتى قربتى تخللى بقالكم أكتر من سنة كاتبين كتابكم
بادلته صافى الابتسام قائلة:
–أعمل إيه مصر أنه يكمل حياته هناك فى دبى ومش عايز يرجع مصر يعنى الإجازة اللى نزلها كانت كام يوم ورجع تانى علشان شغله وأنا عارفة أن تقلت عليك كتير ورخمت عليك كتير برضه بس أعمل إيه حظك بقى إن مليش أخوات وأنت طلعت فى طريقى
ضحكت صافى فشاركها أيسر الضحك بالرغم مما يشعر به من تعب وإنهاك فرد قائلاً:
–أنا قولتلك يا صافى أنتى مسئولة منى والحمد لله خلاص قريب وتروحى لجوزك ربنا يسعدك يارب
نظرت إليه صافى قائلة بامتنان:
–أنا مش هقدر أوفى جميلك يا أيسر وعلى اللى عملته معايا أنا وجدتى وأتمنى أمورك تتصلح مع مراتك وترجعلك لأنها مش هتلاقى فى شهامتك وكرم أخلاقك أبدا
ظلت صامتة حتى وصلا إلى المنزل ترجلت من السيارة تغلق بابها تسرع الخطى فى الصعود إلى الشقة
فأنطلق أيسر بالسيارة حتى وصل إلى منزل عمه جمال قبل أن يترجل من السيارة لمح قدوم سيارتها تتبعها سيارة أمير
ترجل أمير من السيارة وأقترب منها نظرت له ثراء من نافذة السيارة بجوارها فابتسمت له قائلة:
–تصبح على خير يا أمير معلش عذبتك معايا النهاردة
رد أمير قائلا بسعادة:
–متقوليش كده يا ثراء أنتى تؤمرى تصبحى على خير
عاد أمير إلى سيارته ينطلق بها ضغطت ثراء على الجهاز الصغير بيدها لتفتح البوابة الرئيسية أكملت طريقها للداخل وصلت إلى مرآب السيارات فترجلت من السيارة وأخذت
الحقائب التى تحوى بداخلها على دمى وألعاب من أجل مليكة وريان أغلقت الباب ولكن عندما استدارت أصطتدمت بجسد خلفها فشهقت برعب ولكن قبل أن تصرخ
وضع أيسر يده على فمها ليمنع صراخها قائلا بهدوء:
–هشششش أهدى يا ثراء أنا أيسر
أزاحت يده عن فمها تطالعه بغضب:
–أنت دخلت إزاى وجاى ليه يا أيسر عايز منى إيه
زجرها بنظرة غاضبة قائلا من بين أسنانه:
–أنتى إيه حكايتك وكنتى فين ده كله أنتى مشيتى بدرى ومرضتيش تحضرى العشا كنتى فين يا ثراء وايه اللى خلاكى تجيبى أمير ده معاكى وكمان دلوقتى راجعة وهو جاى وراكى بعربيته كنتى فين ردى علياااا
صرخ بوجهها غير أبه بأنه من الممكن أن يسمع أحد صوت صراخه لم ترد على حديثه بل أنحنت لتلملم تلك الحقائب التى تناثرت على الأرضية أستشاط منها غضباً فانحنى إليها يلقى بما تحمله بيدها هادراً بصوت عالى:
–أنا مش بكلمك ردى عليا
استقامت ثراء بوقفتها تلقى هى بالحقائب تلك المرة فهى وصلت لحافة صبرها قامت بدفعه بصدره حتى كاد أن يترنح بوقفته:
– أنا مجبتوش معايا أنا أتفاجئت بيه قدام المطعم لما وصلت أنا وشهاب وخرجت من المطعم روحت أشترى لعب لمليكة وريان ثم أنت عايز منى أيه أبعد عن طريقى بقى وقولتلك طلقنى خلينى أرتاح منك
قبض على رأسها بين كفيه يحنيه للخلف ليستطيع النظر بعينيها ومازالت عيناه كفيض من عذاب أرادت الفكاك من بين يديه فاصطتدمت بسيارة خلفها اقترب منها رفع يده يتلمس وجنتها فضربته بخفة على كف يده قائلة بغيظ:
–شيل إيدك عنى
ربما هى على إصرار أن تصل به إلى أقصى درجات الجنون ،لم يمهلها دقيقة واحدة لتعى ما يفعله فسحب حجابها من على رأسها فهو يريد رؤية شعرها ذو الخصلات الفحمية الذى يشبه
الليل الساحر ونعومته التى تشبه الحرير تهدلت خصلات شعرها على جانبى وجهها وعيناها مازالت تلتمع كقطة صغيرة ،قبض على شعرها بين كفه يتحسسه بأصابعه فأقترب أكثر
منها يشتم رائحته العطرة أرادت إبعاده عنها وجدته يزأر بشوق بالغ لا تعلم ذلك الخوف الذى تسرب إليها من تلك الحالة الجنونية التى رأته بها اليوم
فهتفت بصوت خافت :
–أيسر أبعد ويلا أمشى من هنا
غرز أصابعه بين طيات شعرها يرفع وجهها إليه يحدجها بنظرات عاشقة فهتف بصوت مثقل بالغرام:
–أنتى عايزة تعملى فيا إيه تانى يا ثراء أنتى بعدتى عنى وهجرتينى دفعت حتى تمن غلطات لسه معملتهاش ببعددك عنى السنين دى كلها ردى عليا عايزة توصلينى لإيه
شعرت بالخدر من قربه منها فحواسها بأكملها بحالة سكون غير قلبها العاصف الذى تعالت صوت دقاته يكاد يسمعها هو فربما سيعانقها فأغمضت عينيها تهيأ نفسها لحالة جديدة من حالات جنونه الطارئ فلم يخيب رجاء قلبه الناشد قربها ولكن عناقه
تلك المرة هادئ أشبه ببتلات الورد الناعمة التى تلامس وجنتيها تنهدت بضعف لذيذ كأنها راغبة في المزيد أبتسم على فعلتها فظل يداعب وجنتيها حتى فتحت عينيها رويداً رويداً
أردف بصوت هامس:
–ثراء تعالى عيشى معايا أنا بنيتلك البيت اللى كنتى عيزاه وعملت فيه كل اللى أنتى كنتى بتتمنيه وحلمتى بيه
دمعت عيناها قائلة :
–أنت هدمتلى أحلامى يا أيسر مبقاش عندى أحلام لأن اللى قعدت ارسمه فى خيالى صحيت منه على كابوس كل ما أحاول أقنع نفسى بأن أنسى مبقدرش كل ما أفتكر أن أنا كنت
جمبك وفى حضنك وأنت بتخدعنى وتضحك عليا ،كنت بحلم باليوم اللى أخلف فيه طفل منك ولما أروح للدكتورة تقولى أنت بنت عذراء يا ثراء تفتكر كانت حالتى ايه وقتها، لما قعدت أكدب نفسى وأقول الدكتورة غلطانة وأروح لأكتر من دكتورة
وهو نفس الكلام ،لما ألاقى فى هدومك برشام الهلاوس حتى أنت مأنكرتش أنك كنت بتحطلى منوم علشان ميحصلش حاجة بينا ومبقاش مراتك بجد ،لما أبقى مستأمناك وألاقيك حولت كل الأملاك بتاعتى بأسمك ومبقاش حيلتى حاجة حتى
لو كنت عملت ده بدافع الانتقام، لما أروح شقتك والاقيك خارج من الحمام وهى بتقولك يلا عملتلك تاكل وأنت مخبى عليا أن فى واحدة قاعدة فى شقتك حتى لو بالفرض أنك بتقول بتساعدها هى وجدتها كنت تقولى وتعرفى مش تسيبنى
على عمايا حتى يوم فرح حسام متكسفتش وجبتها معاك الفرح حب ايه اللى بتحبهولى ده يا أيسر وأنت كل أفعالك ميعملهاش حد عدوى حتى، أنا زمان كنت بس بتمنى منك كلمة حلوة كنت لما بتقولى بحبك كنت ببقى طايرة من كتر الفرحة
لما كتبنا كتابنا وبقيت مراتك مكنتش مصدقة أن خلاص أمنيتى أتحققت وخلاص هبقى ملك الإنسان الوحيد اللى حبيته ومكنتش شايفه غيره فى دنيتى بالرغم من أنك شوفت
أمير كان بس بيتمنى منى نظرة رضا ولحد دلوقتى وياريتنى ما كنت مشيت ورا قلبى اللى ضيعنى
وضعت يدها على فمها ودموعها تجرى على وجنتيها بغزارة فجرحها الذى ظنت أنه ألتئم عاد اليوم ينزف من جديد مد يده يمسح دموعها
أخذها بين ذراعيه يطوقها بحنان قائلاً:
–سامحينى يا نور عيونى على أى حاجة وجعتك بس وغلاوتك أنتى عندى ما عملت أى حاجة من دى بسوء نية وبرشام الهلاوس جيسكا اعترفت أن هى اللى دفعت لحد من
الشغالين وبدلته والأملاك أنا فعلا حولتها باسمى لانها كانت ممكن تضيع منك يا ثراء لأن البنك اللى بتتعاملوا معاه كان عمك عزام واخد قرض كبير علشان الصفقة اللى كان هيعملها فمدير البنك حط شرط أن الضامن للقرض نصيبك أنتى لأنه
تقريبا هو الجزء الأغلى فى مجموعة الشركات فلو الصفقة كانت خسرت كانت كل حاجة هتضيع فحولتها باسمى علشان عمك ميقدرش يوافق بالتوكيل اللى معاه منك والله هى دى الحقيقة وكنت ناوى أقولك على كل حاجة بس ملحقتش
وبالنسبة لصافى زى ما قولتلك مساعدة منى علشان هم ملهمش حد وصافى أصلاً متجوزة يا ثراء
رفعت رأسها تحدق بوجهه قائلة:
–كنت تقولى وتعرفنى يا أيسر ده كله ميبررش أنك كنت حابب تنتقم وواخدنى أنا وسيلة علشان تدخل القصر زى ما قولت الكلمة دى وجعتنى أوى لما أحس أن كل أهميتى فى حياتك أنك بس تاخد حقك من غير ما تفكر فى مشاعرى بس أنا اللى
كنت فعلا مغفلة لما مشيت ورا قلبى فخلاص يا أيسر حاول تبعد عنى وسبنى بقى أعيش حياتى بالطريقة اللى أنا عيزاها أنا لحد النهاردة احترمت أن أنا مراتك وشايلة أسمك فياريت تحلنى بقى من ارتباطى بيك وده أخر كلام عندى
أخذت حجابها والحقائب وركضت لداخل المنزل وهى مازالت تشعر بالدموع الساخنة التى ألهبت جفونها ظل مكانه لايعلم أى طريق يسلك حتى يزيح ضيقها وحزنها الذى اعتمل بوجدانها
فهو يشعر بما تعانيه من حيرة وضياع فهو ليس بذلك الأحمق حتى لايستطيع رؤية ذلك الشوق بداخل عينيها إليه ولكنها كمن تقف بمنتصف طريق تخشى أن تخطى خطوة للأمام
فتعود لانكسارها وتخشى أن يظل عقلها يلومها على أنصياعها لذلك الغرام الذى سكن بين ثناياها إذا صدر منه شئ يؤلمها ثانية،زفر بقلة حيلة يغزو اليأس نفسه ثانية فماذا يفعل هو
حتى يتخلص من كل ما اعتراه من أوجاع وألام؟ فلو بمقدوره كان أنهى حياته بيده ولكن روحه ملك لله فلن يستطيع أن يعيش بدنياه مقهوراً ويفعل ذلك ليلقى عذاب الله بالآخرة
_______
جلس عزام بحديقة القصر يطالع الجريدة اليومية خفضها من أمام عيناه بعد أن تناهى إلى سمعه صوت خطوات تقترب منه دقق النظر بتلك القادمة تجاهه ولم تكن سوى لبنى زوجته
ترتدى ملابس سوداء تضع نظارة شمسية كبيرة على وجهها ووشاح أسود بمنتصف رأسها كأنها أتية للتو من طقس جنائزى أقتربت منه تسحب نظارتها
هتفت قائلة بصوت شابه الحزن:
–أزيك يا عزام
قطب عزام حاجبيه من رؤية ملامح الحزن التى ارتسمت على وجهها فتلك التجاعيد حول عينيها بدت أكثر ظهوراً وخصلات شعرها البيضاء التى خالطت رأسها فمن يراها لا يصدق أن تلك المرأة هى لبنى التى كانت تعتد بجمالها وتحافظ عليه بكل وسيلة
أشار إليها عزام بالجلوس:
–أتفضلى يا لبنى خير مالك فى ايه ولابسة أسود ليه كده
جلست لبنى على المقعد المقابل له اخرجت محرمة ورقية تجفف بها دموعها قائلة بصوت باكى:
–أختى ماتت يا عزام
شعر عزام بالأسف بعد سماعه ذلك منها فأردف :
–البقاء لله يالبنى الله يرحمها
انهمرت دموعها غزيرة على وجنتيها صارت شهقاتها تعلو أكثر فأكثر فهى لم يكن لديها سوى شقيقة واحدة والتى توفت مؤخراً
مد عزام يده يربت على يدها الموضوعة على الطاولة التى تفصل بينهم قائلا بهدوء:
–وحدى الله يا لبنى
ردت لبنى قائلة:
–ونعم بالله أنا كنت جاية أشوفك أنت وشهاب هو فين
–شهاب فى الشركة مش هنا
قالها عزام وهو يناولها كوب الماء لترتشف منه لعلها تهدأ قليلاً
أخذت منه الكوب أرتشفت بضع قطرات وأعادته مكانه ثانية لا تعرف ماذا تفعل هى الآن؟ فهى لم يعد لديها مكان يأويها ولكن حاولت الحفاظ على كرامتها فنهضت من على المقعد قائلة:
–أنا همشى دلوقتى يا عزام
رد عزام قائلا بهدوء:
–هتروحى فين يا لبنى أظن دلوقتى مفيش مكان تروحيه بس الظاهر أنك ناسية أنك لسه مراتى ومن حقك ترجعى القصر تانى
لم تجد ما تقوله فهو علم بما يدور بخلدها قبل أن تتفوه به فحاول أن يرفع عنها الحرج قائلا:
–فين الشنط بتاعتك وأخلى حد من الشغالين يطلعها أوضتك خلاص يا لبنى مبقاش فى العمر قد اللى راح واحنا الاتنين غلطنا خلينا نساعد بعض نكفر عن اللى عملناه
لم تتصور أن يقبل بعودتها إليه هكذا سريعاً ولكن ربما هو محق فلم يتبقى من العمر الكثير فلتحاول أن تكون أيامها القادمة أفضل مما سبقت،صعدت إلى غرفتها بعد وضع احدى
الخادمات لحقائبها بالغرفة ظلت تنظر للغرفة بحنين تغشى عينيها جلست على الفراش تستند برأسها على الوسائد وهى مازالت باكية فالحياة أقصر مما تظن فشقيقتها قد توفت بلمح البصر فتذكرت مشهد موتها فهن كن يجلسن يضحكن ويثرثرن
كالعادة ليداهم شقيقتها ألم بالصدر ولم تمر دقائق حتى وجدتها فاقدة الحياة وصعدت روحها إلى بارئها،ظلت تبكى حتى غلبها النعاس وهى جالسة مكانها
بمنزل جمال الرافعى
بعد مهاتفة شقيقها شهاب لها وعلمها بعودة والداتها إلى القصر مرة أخرى بعد وفاة خالتها لم تتردد ميرا ثانية واحدة وارتدت ثيابها وجهزت طفلها أيضاً لاخذه معها فوالداتها لم ترى ريان سوى مرة او مرتان بعد ولادته
ولج حسام الغرفة قطب جبينه قائلا بغرابة:
–أنتى لابسة وراحة فين دلوقتى يا ميرا أنتى وريان
أستقامت ميرا بوقفتها بعد أن كانت جالسة تنتعل حذائها قائلة:
–شهاب كلمنى يا حسام وقالى ماما رجعت البيت النهاردة الصبح ونفسيتها تعبانة بعد ما خالتو ماتت فعايزة أروح أشوفها
أومأ حسام برأسه موافقاً فشرع فى خلع قميصه فنظرت إليه ميرا قليلاً قبل أن تقول بحذر:
–حسام مش هتيجى معايا
ألتفت إليها حسام صمت قليلا إلا أنه قال بهدوء:
–حاضر يا ميرا هاجى معاكى ولو انك عارفة أمك مش بتسكت لم بتشوف وشى
أفلتت ابتسامة صغيرة من بين شفتيها عندما رأها حسام أقترب منها يطالعها بحب:
–يعنى حبكت تبتسمى واحنا خارجين يا مهلبية
علمت ما ينوى فعله وما تخفى خلفها تلك النظرة والابتسامة فاسرعت الخطى تجاه الباب قائلة :
–هستناك تحت أنا وريان بسرعة بقى
زفر بغيظ من هروبها من أمامه فذهب لارتداء ثيابه وبعد انتهاءه اخذ زوجته وطفله بالسيارة للتوجه إلى قصر الرافعى
وصلا إلى المنزل ترجلوا من السيارة فذهبت ميرا راساً إلى غرفة والداتها فوجدتها تجلس بالفراش حزينة ملامح وجهها ذابلة كأنها ليست تلك والداتها التى كانت على عهدها معها دائما بالأناقة والجمال
أقتربت ميرا بلهفة منها تحتضنها قائلة :
–ماما حمد الله على السلامة وألف سلامة عليكى
طوقت لبنى إبنتها بحنان تهتف بصوت تخلله الحزن:
–الحمد لله أنتى عاملة إية يا حبيبتى وحشتينى أوى يا ميرا سامحينى يا حبيبتى
ذرفت لبنى دموع الندم على أعوام قضتها تاركة أولادها فهى لم تتركهم بالأعوام الفائتة فقط ولكن منذ كانوا صغاراً لم تهتم بهم كأم فهى أنغمست بحياتها الرغيدة تاركة خلفها أبناء كن بحاجة للحب والحنان
طرقات مهذبة على الباب خرجت لبنى من أفكارها نظرت للطارق فلم يكن سوى زوج ابنتها وبيده طفله
حمحم حسام قائلا بتهذيب:
–ممكن أدخل
نهضت ميرا من على الفراش بجوار والداتها تقترب منه قائلة بابتسامة:
–تعال يا حبيبى تعال يا ريان سلم على تيتة
ركض الصغير إلى فراش جدته فرفعته بين ذراعيها تقبله تمسد على رأسه تعدل من خصلات شعره الأشقر الحريرى الذى يشبه شعر ميرا ،رفعت لبنى وجهها بعد تقبيل رأس ريان تنظر لحسام:
–هو ريان طالع شبهك أنت ومش شبه ميرا ليه
رفع حسام حاجبه فها هى لبنى تعود من جديد ولكنه لم يعقب بقسوة بل هتف ممازحاً:
–أصل بنتك بتحبنى وبتموت فيا يا حماتى علشان كده ريان طالع شبهى نورتى مصر يا حماتى
كممت لبنى فمها بيدها تمنع ضحكتها من مزاح زوج ابنتها فهى لا تفعل ذلك إلى رغبة منها فى رؤية غضبه حتى يناديها بتلك الكلمة " حماتى" رأها حسام فلم يمنع ضحكته هو الآخر لتشاركه ميرا فمن أجل زوجته سيتقبل ما تفعله تلك السيدة الارستقراطية التى تبدلت طباعها بشكل طفيف ولكنها لن تتخلص منها دفعة واحدة فلكل شئ وقته
_________
أعدت ضحى طعام الإفطار ووضعته على المائدة ثم ولجت غرفة والدها تناديه بصوتها الرقيق:
–بابا بابا يلا علشان نفطر قبل ما انزل
نهض منير من مكانه فاقتربت منه يستند على يدها قائلا بابتسامة:
–أبوكى عجز أوى يا ضحى يلا حسن الختام
ربتت ضحى على يده قبل أن ترفعها لشفتيها تقبلها بحب:
–متقولش كده يا بابا ربنا يباركلى فيك ثم عجزت ايه دا انا بفكر اشوفلك عروسة
أرتد رأس منير ضاحكا على مزحة ابنته:
–أتجوز تانى يا ضحى حرام وتوبة ثم أنا اللى عايز أفرح بيكى يا حبيبتى قبل ربنا ما ياخد أمانته أنتى ليه رافضة الجواز لدلوقتى يا بنتى
–لسه النصيب مجاش يا بابا
قالتها ضحى وهى تسحب مقعد والدها ليجلس عليه وجلست بالمقعد المجاور بدأت بتناول الطعام وهى شاردة تسأل نفسها لماذا هى حقاً رافضة الزواج حتى الآن؟ هل بسبب أن احدى دقات قلبها هتفت بإسم أحد قبل سنوات؟
نفضت رأسها سريعاً فما تلك السخافة التى تفكر بها فهى لم تتزوج لأنها لم تجد زوجاً يناسبها،أنتهت من تناول فطورها وارتدت ثيابها وأخذت سيارتها حتى وصلت للمتجر الخاص بها
جلس بسيارته يراقب حضورها فما تلك الافعال الصبيانية التى يفعلها فهو يجلس بالسيارة فى انتظار مجيئها ليراها فمنذ مجيئه إلى متجرها أول مرة وهو يأتى ليراها صباحاً ومساءاً كأنها ألقت عليه تعويذة بأن يتبعها بكل مكان
ركنت ضحى سيارتها أمام المتجر ولجت للداخل وجدت الفتاة التى تعمل معها سبقتها فى فتح المتجر وتنسيق كل شئ ذهبت إلى الغرفة التى تنهى بها تصميماتها وعندما بدأت فى رسم تصميمات الثياب الجديدة التى ترغب فى حياكتها سمعت طرق على باب الغرفة فأذنت للطارق بالدخول فقالت بدون أن تلتفت للخلف:
–أيوة فى ايه فى زبونة جت دلوقتى بس جت على الصبح كده لو كده خليها تدخل
سمعت صوت رجولى يحمحم فاستدارت سريعاً فوجدت شهاب يقف على الباب كادت تسقط من على ذلك المقعد الطويل الذى كانت تجلس عليه أمام تلك اللوحة التى ترسم عليها
هتفت بتلعثم:
–أاايوة يا أستاذ شهاب خير فى حاجة جاى ليه
وضع شهاب يده بجيب معطفه قائلا بابتسامة:
–مش هتقوليلى أتفضل
انزعجت ضحى من رعونة تصرفها وحديثها فحاولت إضفاء نبرة هادئة على صوتها:
–أه اسفة اتفضل حضرتك
دلف شهاب وجلس على المقعد أمام المكتب ظلت واقفة تقبض على ثيابها بكفها تشعر بتوتر خانق وبشئ يقبض على معدتها مسببا لها ألما من كثرة القلق والتوتر الذى أصابها منذ رؤيته
–تحب تشرب ايه حضرتك
هتفت بها ضحى وهى تتجه صوب الباب لتنادى الفتاة بالخارج
رد شهاب قائلا:
–ممكن فنجان قهوة مظبوط
أخبرت ضحى الفتاة بضرورة إعداد فنجان من القهوة للضيف بالداخل ثم عادت وجلست على مقعدها خلف المكتب الصغير الذى تناثرت عليه أوراق بيضاء وأوراق خاصة بالتصميمات وبعض قطع القماش فالمكتب بحالة مزرية حاولت تنسيق الاوراق حتى تتجنب النظر إليه فهو يجلس صامتاً وهى لاتجد ما تقوله دلفت الفتاة بالقهوة اخذها شهاب شاكراً إياها ظل يحتسيها ببطئ مميت كأنه يتلذذ بزيادة توترها
رفع رأسه يحدق بها صامتاً إلا أنه استطاع الكلام بالاخير:
–أنا أسف لو كنت جيت بدرى كده
أنفرجت شفتيها بابتسامة مهذبة:
–ولا يهمك حضرتك تشرف فى أى وقت بس حضرتك جيت عايز فستان تانى
–لاء كنت عايز أشوفك يا ضحى ومش عارف ليه
قالها شهاب كأن لسانه أنفلت عقاله ولم يعد لديه سيطرة عليه
حملقت به ضحى بدهشة تزدرد لعابها مرة تلو الأخرى مما سمعته منه عندما حاولت الكلام شعر بثقل الكلمات على لسانها:
–ححضرتك إيه اللى بتقوله ده
حرك شهاب رأسه أسفاً على ما تفوه به والذى يبدو عليها الضيق مما سمعته منه
–أنا بجد أسف لو كنت ضايقتك بكلامك أنا همشى حالا عن أذنك
لم يتردد شهاب دقيقة واحدة فى الخروج من المتجر وصل إلى سيارته يدمدم لنفسه بغيظ مما فعله:
–ايه اللى عملته ده أما أنا واحد غبى بجد
أنطلق بالسيارة وقفت ضحى أمام النافذة تراه يرحل بسيارته عقدت ذراعيها وهى تبتسم لنفسها على ما فعله ولكنها عادت لما كانت تفعله ولكن ظل ذهنها مشغولا بما حدث
وصل شهاب إلى الشركة فحتى لم يلمح تلك الفتاة الواقفة بانتظاره فولج لمكتبه صافقاً الباب خلفه فارتعدت تمارا من صوت إغلاق الباب
زمت شفتيها قائلة بامتعاض:
–ايه يا أختى ده جاى زى القطر حتى مشافش أن أنا واقفة مستنياه دا النهاردة أول يوم شغل يعنى أنا ايه اللى خلانى أوافق على ده كله
أرادت أن تعود من حيث أتت الا أنها سمعت صوت فتح الباب خلفها أستدارت لترى ما سيحدث فرأت شهاب واقفاً على الباب حدق بها بعبوس قائلا:
–أنتى يا أنسة مش المفروض كنتى تيجى من بدرى تستلمى الشغل واقفة عندك تعملى ايه
ضمت تمارا يدها بأدب جم تحاول ان تخرج كلماتها بتهذيب فكم ترغب هى فى لعنه بألفاظ ربما تصيبه بالصدمة:
–أنا جيت أهو تحت أمرك يا شهاب بيه
–تعالى ورايا
قالها شهاب وهو يسبقها إلى الداخل ولجت تمارا خلفه أشار اليها بالجلوس وبكتابة كل ما سيمليه عليها من مهام أخذت ورقة بيضاء وقلم ظلت تنصت إليه وتدون ما يقول حتى ملأت الصفحة بأكملها وكل مهمة مطلوبة منها تجعلها تحملق بالورقة وعيناها متسعة فربما ستعود اليوم إلى المنزل وهى لا تستطيع الوقوف على قدميها أو أن ترى ما أمامها
_________
وصل أيسر إلى منزل عمه جمال باكراً فهو يريد أن يرى ثراء قبل خروجها وأيضاً اليوم أول يوم عمل له كحارس لمليكة،ولج للداخل يقف برسمية رأته فيروز ضمت حاجبيها بغرابة قائلة:
–أيسر أنت بتعمل إيه هنا وعلى الصبح كده
لم تخبر ثراء والدايها عن مقابلة أيسر ثانية فهى حتى غفلت عن أخبارهم بشأن عمله حارساً لمليكة
رد أيسر قائلا بهدوء:
–حضرتك أنا هنا علشان أنا الحارس الشخصى لمليكة
أتسع بؤبؤ عينيها بعد ما سمعته منه ،فأى هراء يقوله هو الآن؟
–أنت جاى تهزر على الصبح يا أيسر
قالتها فيروز وملامحها أصابها الغضب والعبوس إلا أنها رأت ابنتها تهبط الدرج بتأنى برفقة مليكة
أقتربت ثراء من فيروز وعيناها تطالع ذلك الذى يراقبها بتحدى ناولته ورقة مدون بها المواعيد الخاصة بالصغيرة
–دى مواعيد مليكة النهاردة عايزة عينيك عليها ومتغبش عنك هى شقية وممكن تضر نفسها بس لو رجعت فى خدش صغير فيها متورنيش وشك بكرة
قالتها بتحدى سافر قابله هو ببرود كأنه عاد أيسر الذى كانت تغتاظ من بروده وعدم أكتراثه بما يجرى حوله
انحنى يحمل الصغيرة قائلا ببرود:
–أوامرك يا ثراء هانم أظن حضرتك عارفة أن كويس فى شغل الحراسة ولا نسيتى
أصبح الموقف لا يحتمل فصرخت بهم فيروز قائلة بصوت هادر:
–أنا عايزة أعرف بالظبط ايه اللى بيحصل يا ثراء
أخذ أيسر الصغيرة وخرج من المنزل استدارت ثراء لوالداتها تروى لها ما حدث منذ ذهابها لشركة الحراسة الخاصة بأيسر لتحديه لها على أن يكون الحارس لمليكة
جلست فيروز على الأريكة تزفر بضيق:
–يعنى أنتى فضلتى ده كله بعيد عنه ودلوقتى جبتيه لحد البيت تفتكرى هو هيسكت يا ثراء
جلست ثراء بجانب والداتها قائلة بعنفوان:
–مش هيقدر يعمل حاجة وأنا هعرف اوقفه عند حده لو فكر يعمل حاجة متخافيش يا ماما
لم تقتنع فيروز بحرف واحد مما اخبرتها به ابنتها فهى كانت تعلم مدى عشق إبنتها له ولكن لم تشأ ان تجادلها فتركتها تفعل ماتريد
وضع أيسر مليكة بالسيارة بالمقعد المجاور له نظر للورقة التى أعطته إياها ثراء فعلم أن عليه الذهاب بها للنادى من أجل تدريب السباحة الخاص بها فأنطلق بالسيارة ينظر للصغيرة بين الفنية والأخرى يبتسم لها
حدقت به مليكة بابتسامة قائلة بتساؤل:
–أنت أسمك إيه يا عمو
ابتسم لها قائلا:
–أسمى أيسر
عقدت الصغيرة حاجبيها فتعجب أيسر من فعلتها فسألها ممازحاً:
–إيه أسمى وحش يا مليكة
حركت مليكة رأسها نفياً قائلة:
–لاء يا عمو بس أسمك زى أسم بابا
أوقف أيسر محرك السيارة فجأة ففزعت الصغيرة وشهقت برعب قائلة:
–إيه يا عمو فى إيه
إستدار أيسر إليها يحملق بها باهتمام وضع شعرها خلف أذنها يحيط وجهها بين كفيه قائلا :
–مليكة أنتى بتقولى أسم باباكى زى أسمى بس مش أنتى بتقولى لأمير بابا
أنتظر ردها عليه ودقات قلبه تكاد تنفذ من بين ضلوعه
فأبتسمت مليكة قائلة ببراءة:
–أنا بقول لأمير يا بابى بس هو مش بابا أنا عارفة أنه مش بابا علشان ماما قالتلى بابا مسافر وأنا كنت عايزة أقول بابى زى أصحابى فقولت بابى لبابا أمير
أذدرد أيسر لعابه عدة مرات قبل أن يقول:
–وأنتى أسمك إيه بالكامل يا مليكة
ردت مليكة قائلة بجدية:
–أسمى مليكة أيسر هاشم الرافعى
أتسعت حدقتيه حتى كادت عيناه تخرج من محجرهمها فما الذى سمعه الآن؟ هل تلك الصغيرة أبنته حقاً ؟ ولكن كيف حدث ذلك؟ فهو يتذكر أنه لم يأخذ من ثراء حقوق الزوج فعلاقتهم أقتصرت على بعض العناقات فهو من كان يضع لها أقراص المنوم بيده فى مشروبها ولم يكن يغفو حتى يتأكد من غرقها بسباتها،تكاثرت الأسئلة برأسه كوحش مفترس على وشك أفتراس عقله
سر غائب
البارت الثامن عشر
أتسعت حدقتيه حتى كادت عيناه تخرج من محجرهمها فما الذى سمعه الآن؟ هل تلك الصغيرة أبنته ؟ ولكن كيف حدث ذلك؟ فهو يتذكر أنه لم يأخذ من ثراء حقوق الزوج فعلاقتهم أقتصرت على بعض العناقات فهو من كان يضع لها أقراص المنوم بيده فى شرابها ولم يكن يغفو حتى يتأكد من غرقها بسباتها،تكاثرت الأسئلة برأسه كوحش مفترس على وشك أفتراس عقله إذا لم يحصل على جواب يريح نفسه التى أوشكت على بلوغ فقدان ثباتها فهو يعلم أن ثراء لن تعطيه جواب يرضيه فستجعله معذباً بأفكاره،لم تدوم ثوانى حتى طرأت له فكرة فهو قبل أن يجابه ثراء بمعرفته بشأن مليكة يجب أن يتيقن أولاً من أن تلك الصغيرة أبنته حقا ،أدار محرك السيارة
فألتفت أيسر إلى الصغيرة يبتسم لها مطمئناً من فزعها مما حدث منذ قليل فرفع يده يداعب وجنتها المكتنزة بحنو:
-حبيبتى معلش لو كنتى خوفتى من شوية
ابتسمت له الصغيرة قائلة:
-خلاص مش خايفة يا عمو
مسد أيسر على رأسها فقلبه ربما زاد من معدل دقاته ونبضه فهو يريدها أن تكون أبنته فربما مليكة ستكون ذلك الرابط الذى سيجعل ثراء تعود إليه،سحب بعض الشعيرات من رأس الصغيرة فتأوهت بصوت منخفض:
-ايه ده يا عمو شعرى
ربت أيسر على كتفها معتذرا:
-أنا أسف يا حبيبتى بس كان فى حاجة لازقة فى شعرك شيلتها
رفعت مليكة يدها تتحسس رأسها فنظرت إليه قائلة :
-مفيش حاجة على راسى أنت بتكذب عليا مامى بتقول الكذاب بيروح النار وهى مش بتحب حد يكذب عليها
زفر أيسر زفرة هواء قوية قائلا بثقل:
-عارف يا مليكة أن أمك مبتحبش اللى بيكذب لأن تقريبا أنا عقدتها وخليتها تشك فى اللى حواليها بس كان غصب عنى
زمت الصغيرة شفتيها وهى لا تعى ما يقوله إلا أنها عادت للهو بدميتها حتى يصلوا للنادى ،أخرج أيسر منديله القطنى النظيف ووضع به تلك الشعرات الخاصة بمليكة فهو سيجرى تحليلاً لإثبات نسب الصغيرة له للتأكد من صحة ما تفوهت به مليكة،وصل أيسر إلى النادى أخذ الصغيرة للداخل للمكان المخصص لأداء تمارين السباحة تقابل مع المدرب الخاص بها فأراد استغلال أنشغال الصغيرة ويذهب لاحدى المستشفيات لإجراء تحليل DNA ،لم يتردد دقيقة أخرى أخذ السيارة ينطلق بها سريعاً يحرص على أن يعود قبل أن تنتهى مليكة من تدريبها،وصل إلى المشفى ولج للداخل أخبر احد الأطباء بما يريد
أخرج أيسر المحرمة القطنية من جيبه فتحها قائلا بجدية:
-دى شعرات من البنت اللى عايز أعرف نسبة القرابة بينى وبينها ولو سمحت عايز الموضوع يتم فى أقرب وقت
أومأ الطبيب برأسه موافقا قائلا بمهنية:
-تمام أتفضل حضرتك ناخد منك عينة أنت كمان
ولج أيسر برفقة الطبيب إلى إحدى الغرف جلس بهدوء وثباب ولكنه قلبه بعيد كل البعد عن الهدوء ولكن يجب أن يتحلى بالصبر والصمود حتى تنكشف الحقيقة كاملة فإذا كانت مليكة حقا أبنته فهو لا يعلم ماذا سيفعل بوقتها ؟ بعد الإنتهاء خرج من المشفى أخذ السيارة عائداً إلى النادى وهو كمن وضع بجحيم وأشعلت به النيران تحرق عقله وقلبه وأوردته فهو لم يحتمل كثرة أفكاره العاصفة كمن يشعر بالاختناق فسحب رابطة عنقه كمن توشك أنفاسه على الانتهاء.
_________
لامست أقدامهم تلك الأرض خارج حدود السجن الذى قضوا به مدة عقوبتهم فهم اليوم حصلوا على حريتهم دفعهم أحد العساكر حتى كادوا يقعوا على وجههم قائلا بصرامة:
-يلا غوروا مش عايزين نشوف وشكم هنا تانى
عدل عباس من هندامه يسب من بين أسنانه بصوت منخفض:
-داهية فيك وفى كل اللى شغالين هنا على أساس ان احنا حابين نشوف وشكم تانى
نظر متولى بحزن وهو يرى طريقه الخالى من عائلته التى فقدها فى خضم طمعه وسلوكه السيئ فأين سيذهب هو الآن؟ ولمن؟ شعر بيد عباس تربت على كتفه قائلا :
-يلا بينا يا متولى نشوفلنا أوضة ولا شقة نقعد فيها ما مراتك باعت البيت وطفشت
كمن وضع ملح على جراحه فألهبها فشخص متولى ببصره إليه قائلا بحزن:
-وهو كان مين السبب فى ده كله يا عباس مش أنت بعمايلك السودا
دفعه عباس بكتفه ليتقدمه فى السير قائلا :
-يلا يا أخويا متوجعش دماغى أنت هتقرفنى معاك ليه كل شوية تقولى الكلمتين دول يلا بينا نشوف لينا سكن يلمنا أنا أعرف واحد قريب أمى ساكن فى حتة شعبية كده يمكن نقعد عنده هو راجل كبير فى السن
تقدمه متولى يجر قدميه جراً وقف حتى استطاع عباس أن يقف عربة للنقل فجلس متولى بدون حراك كمن فقد روحه لم يتبقى له سوى أنفاس يزفرها بهم وحزن ، ترجلا من العربة بعد وقوفها بإحدى المناطق الشعبية فبتلك المنطقة ربما سيحصلون على سكن بسعر زهيد ومكان يأويهم وصلوا إلى إحدى البنايات السكنية المتهالكة التى يكاد يجزم من يراها أن من يدفع جدرانها سيتهدم المنزل بأكمله
نادى عباس بصوت جهورى :
-عم مدبولى يا عم مدبولى
وضع متولى يده على أذنيه من صوت عباس العالى الذى يكاد يصيبه بالصمم ،أطل رجل عجوز من النافذة ليرى من يناديه فهتف بصوت عالى:
-مين ايه ده عباس أنت طلعت من السجن أمتى أطلع أطلع
ألتفت عباس حوله ليرى الجيران ينظرون له كمن يحمل داء مميت فهتف من بين شفتيه بهمس:
-منك لله يا عم مدبولى فضحتنى فى الحتة قبل ما أسكن فيها
صعد عباس ومتولى الدرج حتى وصلا الى الشقة بالطابق الثالث فتح مدبولى الباب بابتسامة وعاد للداخل بخطى بطيئة فهو طاعن بالعمر تقوس ظهره وانحنى بفعل سنوات عمره السبعون
جلس على مقعد يريح عظامه زافراً بارهاق:
-حمد الله على السلامة مين اللى معاك ده واحد صاحبك اللى كان معاك على البورش
أهتز جسد متولى بفعل ضحكته التى يكتمها من حديث هذا العجوز فهم منذ مجيئهم يمازحهم كمن يوبخهم بالحديث
رد متولى قائلا:
-أه كنت معاه على البورش وعباس مش هيرجع الا لما يسلمنا لعزرائيل
طالعه مدبولى قائلا بتوبيخ:
-هو عباس دول عمره ماشيه شمال عيل شيطان وخلفة شياطين
فلو لم يكن أحد أقاربه ومن سيوفر له مكان يأويه ربما لزهق أنفاسه ليستريح من حديثه فابتسم عباس بسماجة:
-معلش بقى يا عم مدبولى هنتقل عليك وأنت كده كده عايش لوحدك فهنونسك
نهض مدبولى من مكانه يشير إلى المطبخ:
-المطبخ عندكم أهو قوموا اعملوا لقمة تاكلوها وفى غسيل خدوه فومين وانزلوا اشتروا خضار من تحت
بعد أن أنتهى مدبولى من إملاء أوامره عليهم ولج لغرفته فنظر كل منهم للأخر فربما أيامهم مع هذا العجوز ستكون أكثر مرارة من أيام السجن
_________
ولج شهاب غرفة مكتب ثراء تسوقه رغبته فى سؤالها عن صديقتها ضحى فابتسم على تلك الأفعال الصبيانية التى يفعلها،رفعت ثراء رأسها له باسمة:
-اهلا يا شهاب اتفضل خير فى حاجة ولا إيهفى حاجة ولا إيه
جلس شهاب نظر لأظافره قبل أن يبدأ الحديث كم يبحث عن الكلمة المناسبة ليبدأ بها فهتف بهدوء:
-ثراء كنت عايز أسالك على حاجة
أنصتت إليه ثراء قائلة باهتمام :
-أتفضل يا شهاب قول خير فى ايه انا كده ابتديت اقلق
افتر ثغره عن ابتسامة خفيفة قائلا :
-مفيش حاجة تقلق بس كنت عايز أسألك على صاحبتك ضحى
زوت ثراء ما بين حاجبيها فى انتظاره أن يكمل حديثه فما شأن ضحى به فاستطرد هو قائلا بتوتر:
-قصدى يعنى أنتى أكتر واحدة تعرفيها فكنت حابب أسالك عليها
فطنت ثراء لتلك الحالة التى أعترته فربما هو معجب بضحى ولكن لا يعرف كيف يعبر عن مكنون صدره فابتسمت له ابتسامة واسعة:
-أمممم ضحى قولتلى بقى هو حصل يا شهاب
لا يعلم شهاب من أين أتته تلك الحرارة التى يشعر بها بوجهه فهو أرخى رابطة عنقه يحك جبهته بتوتر قائلا:
-هو ايه اللى حصل يا ثراء قصدك إيه
تعالت صوت ضحكتها وهى ترى شهاب بتلك الحالة كمراهق ضبطه احد والديه يكتب رسالة غرامية لصديقته بالمدرسة
طالتعه ثراء قائلة بهدوء وابتسامة:
-على العموم يا شهاب ضحى مفيش فى أدبها وأخلاقها وتربيتها بالرغم من أنها كانت فقيرة إلا أنها كرامتها وعزة نفسها كبيرة دى صاحبتى الوحيدةو غلاوتها وحبها عندى ميتقدرش ولو اللى بفكر فيه صح وأنت معجب بيها مش هتلاقى زوجة أحسن منها يا شهاب وعن ثقة
شعر شهاب بالراحة من حديث ثراء عن ضحى فاردف بحماس:
-طب كلميها يا ثراء وأساليها عن رأيها علشان الصراحة لما بشوفها الكلام مبيرضاش يطلع منى بخاف تزعل
أومأت ثراء برأسها قائلة بسعادة:
-بس كده من عينيا الاتنين يا شهاب هكلمهالك واخد رأيها وهبلغك أن شاء الله ولا أقولك انا هكلمها هخليها تيجى البيت نقعد مع بعض وتعال أنت كمان وأتكلم معاها وصارحها كأنك جاى تشوف ميرا هنستعبط يعنى
خرج شهاب من مكتب ثراء يشعر بالسعادة إلا أنه اصطتدم بتمارا التى يبدو عليها أنها كانت تسترق السمع على الباب
قطب حاجبيه قائلا بتفكير:
-أنتى واقفة هنا بتعملى ايه أنتى كنتى بتتصنتى علينا
هرب الدم من عروقها وتسلل الجفاف لحلقها لاتجد ما يسعفها من كلمات تستطيع بها إنقاذ نفسها مما سيحدث ىها إذا علم شهاب بما تفعله نظرت للورقة بيدها فهاهى منقذتها فرفعت الورقة أمام عين شهاب قائلة:
-لاء حضرتك كنت بدور عليك علشان جالك فاكس مهم جدا
أخذ شهاب من يدها الورقة يجيل ببصره فيها فأشار إليها بالانصراف فولج لمكتب ثراء ثانية يهتف بعملية:
-ثراء دا فاگس من الناس اللى هتعملى معاهم أنتى الصفقة المرة دى أنتى اللى عليكى الدور هى هتبقى بكرة الحمد لله مفيش شركة زى مجموعة شركاتنا بتعمل صفقات كده ورا بعض يعنى أيسر والدور عليكى والمرة الجاية ليا أنا
أخذت ثراء الورقة من يده تطالعها باهتمام فتذكرت أن تلك هى أول صفقة ستعقدها بنفسها ولكنها تذكرت أيضاً أن أيسر وشهاب لابد لهم من الحضور
رفعت رأسها تضمن نبرة صوتها شئ من الجمود:
-أكيد طبعا لازم أنت وأيسر تحضروها مش كده
حرك شهاب رأسه بالموافقة فأنصرف عائداً لمكتبه ،تركت ثراء مقعدها أقتربت من تلك الستائر الموضوعة على النافذة ازاحتها قليلا تنظر من النافذة لتلك البنايات الشاهقة بالخارج وهى تفكر كيف تعقد تلك الصفقة وتثبت جدارتها فى إدارة أعمال شركتها ولكن طاف وجه زوجها بعقلها تذكرت موعد عودة مليكة إلى المنزل نظرت لساعة يدها فوجدت أنه يجب عليها العودة الآن فأخذت حقيبتها وذهبت للمنزل
________
وصلت فيروز لمشفى زوجها طرقت باب غرفته مكتبه ثم ولجت بابتسامة ترك جمال مقعده يقترب منها يشعر بالقلق فهى نادرا ما تأتى إليه بالمشفى.
فأقترب منها قائلا بصوت قلق:
-خير يا فيروز جاية المستشفى ليه فى حاجة أنتى كويسة والولاد كويسين
ربتت فيروز على ذراعه قائلة بابتسامة:
-اهدى يا جمال مفيش حاجة أنا جيت مع الحاج رضوان والحاجة سميرة علشان يكشفوا قبل ما يطلعوا يعملوا عمرة فجيت معاهم علشان أشوفك أنا سيباهم دلوقتى بيعملوا فحص شامل
زفر جمال بارتياح فرفع يده يربت على يدها الموضوعة على ذراعه:
-الحمد لله طمنتينى طب أقعدى
جلست فيروز ولكن علم زوجها أن يوجد ما يقلقها فهو يعلمها جيدا فنظر إليها باهتمام:
-مالك يا فيروز فى حاجة مضيقاكى وشك بيقول أن فى حاجة
رفعت فيروز وجهها تطالعه بنظرات مطولة:
-أيسر جه البيت النهاردة وثراء قالتلى أنه هيبقى الحارس لمليكة وشكلهم الاتنين واخدين الموضوع عند فى بعض ومش فاهمة ثراء عملت ليه كده أو هو قبل إزاى مبقتش فاهمة حاجة يا جمال إزاى هى عايزة تبعده عنها وفى نفس الوقت يبقى قريب منها وتشوفه على طول
أسند جمال ظهره للمقعد قائلا بهدوء:
-دا علشان بنتك لسه بتحبه بس كرامتها وكبرياءها مانعينها أنها ترجعله فعيزاه يبقى بعيد وقريب فى نفس الوقت زى اللى نفسه فى الحاجة بس مش قادر يقرب منها
زفرت فيروز بقلة حيلة قائلة:
-طب وبعدين يا جمال طالما هى كده أتغربت عنا ليه السنين دى كلها وكلنا رفضنا نسمعه أو نسمع وجهة نظره كان قلبنا وجعنا على بنتنا وفضلنا جمبها فى اللى عملته ليه بقى دلوقتى ده بيحصل وأيسر يرجع على حياتها تانى
رد جمال قائلا برزانة :
-بنتنا وكنا لازم نفضل جمبها ومنسيبهاش فى محنتها أه كلنا أضايقنا من تصرفات أيسر بس مكدبش عليكى يا فيروز لما ثراء رجعت وشوفتها راجعة بحزن جواها أكتر من اللى سافرت بيه صعبت عليا أنها عذبت نفسها وعذبته معاها زى حسام ما قال بس المشكلة أنها كانت عايزة تثبت لنفسها أنها تجربة وعدت واتجاوزتها بس طلع ده كله كده قناع ثراء لبساه علشان توهمنا لكن من جواها نفسها ترجعله
فكرت فيروز فى حديث زوجها إلا أنها أردفت:
-بس أنت مشوفتهاش بتكلمه إزاى ثراء اللى عمرها ما حاولت تهين حد بكلمة كانت بتكلمه بغرور كأنه فعلا شغال عندها
-دا بتعمله علشان تحس أنها ممكن توجعه زى ما وجعها هى مفكرة كده هتاخد حقها منه حتى لو بالكلام
قال جمال جملته وهب واقفاً يحثها على النهوض فاستطرد قائلا:
-بس أقولك سيبيهم منهم لبعض يا فيروز خليهم يحلوا مشاكلهم بنفسهم وتعالى يلا نروح نشوف الحاج رضوان والحاجة سميرة
خرجت فيروز برفقة زوجها ومازال حديثه يرن بأذنيها من أنها تترك إبنتها على سجيتها فربما تستطيع إيجاد مبتغاها وتريح قلبها وعقلها من كثرة التفكير والحيرة
___________
بعد انتهاء جدول مواعيد مليكة اليوم أخذها عائداً إلى المنزل ولج للداخل يحمل الصغيرة على كتفه غافية فهى أدركها النعاس بالطريق،رأته ثراء التى حرصت على أن تعود باكراً اليوم من عملها لعلها تراه قبل ذهابه فهى لم تعد تسيطر على ذلك السخيف الذى أعلن عليها التمرد كعادته
نهضت من مكانها تقترب منهم تحاول أن تتحدث بصرامة:
-كوكى راحت النادى وخلصت التمرين وكل حاجة كتبتها فى جدول مواعيدها زى ما قولتلك
رد أيسر قائلا ببرود :
-أيوة وهى نامت دلوقتى أتفضلى حضرتك
تقدمته تشير إليه بأن يتبعها :
-تعال ورايا علشان تحطها فى سريرها طالما نايمة علشان لو أخدتها منك ممكن تصحى
ذهب أيسر خلفها بدون أن يفه بكلمة حتى وصل الى غرفة الصغيرة وضعها على الفراش بتأنى فهو لا يريدها أن تفزع من نومها لم يمنع نفسه من أن ينحنى إليها يقبلها على جبهتها وسحب الغطاء يدثرها به كأنه تناسى وجود ثراء تقف تتابع ما يفعله بعد أن أنتهى استقام بوقفته ينظر اليها بخواء وبرود
-تمام كده حضرتك ولا فى حاجة تانية عيزاها منى
زمت ثراء شفتيها قائلة بعدم أكتراث:
-لاء مظنش مع السلامة أنت دلوقتى وتيجى بكرة بدرى ماشى
لم يجادلها أو يثور عليها بل نظر إليها نظرة عابرة يهم بالمغادرة تعجبت هى من صنيعه فهى كانت تظن أنه سيحاول إستغلال كل موقف بينهم عندما يكونوا بمفردهم ولكنه الآن كأنه أصبح ذلك البارد الذى عذب قلبها سابقاً ببرودته ورفضه لها ولقلبها
قبل أن يصل لباب الغرفة سمع صوتها قائلة:
-أه مقولتليش هتاخد كام فى الشهر تمن حراستك لمليكة يا أيسر وتحب تاخدهم نقداً ولا بشيك أصل معرفش أنت بتتعامل مع العملاء بتوعك إزاى
نظر اليها من فوق كتفه قائلا بابتسامة هازئة:
-مش هنختلف يا مدام ثراء اللى تدفعيه حتى ممكن اعملها جدعنة منى من غير فلوس علشان أحنا برضه أهل
لم يزد كلمة اخرى بل تركها وذهب ظلت واقفة مكانها حتى شعرت بأن قدميها لن تسعفها بالوقوف كثيراً فجلست على حافة فراش إبنتها وهى تفكر فيما أصابه فهل سأم من تمردها عليه وصد كل محاولاته للتقرب منها؟ هل أصابه اليأس منها بتلك السرعة؟ حاولت طمأنة نفسها من أنه مازال يرغبها فهتفت بحيرة:
-لاء طبعا أكيد مزهقش منى ممكن يكون بس فى حاجة شغلاه
مسدت على رأس إبنتها بحنان فتسللت رائحة عطره إلى أنفها فأقتربت أكتر من مليكة فعطره عالق بملابس الصغيرة ضمت جسد الصغيرة اليها تتمدد بجوارها تملأ رئتيها من رائحته التى تركها سلوى لها حتى تراه بالغد أغمضت عينيها فغلبها النعاس سريعا بدون أن تدرى لعلها تراه بأحد أحلامها وتعاتبه على ما فعله
صوت زقزقة العصافير بالخارج أنبأتها بأن الصباح أنبلج حاملاً معه يوم جديد سحبت يدها من أسفل رأس صغيرتها التى تململت بنومها ولكنها غفت ثانية ،ذهبت لغرفتها لتأخذ حماما سريعا تخرج بعده ترتدى ثيابها وتؤدى روتينها اليومى فنظرت للساعة المعلقة على الجدار فتبقى على موعد وصوله نصف ساعة تقريباً عادت لغرفة مليكة أقتربت من الفراش تداعب وجنتيها مردفة بابتسامة:
-كوكى يلا أصحى يا حبيبتى يلا يا قلب مامى
فتحت الصغيرة عينيها تبتسم بنعاس فأقتربت من ثراء تقبلها قبلة الصباح:
-مامى عايزة أنام مش عايزة أروح تمرين السباحة مش بحبه عايزة ألعب مع ريان
أبعدت ثراء مليكة عنها لتحدق بوجهها قائلة:
-هو أنتى يا روحى مش اللى طلبتى تتعلمى سباحة
زمت مليكة شفتيها قائلة بوجوم:
-مبقتش أحبها خلاص خلى عمو أيسر يودينى الملاهى بلاش تمارين السباحة
أنفرجت شفتيها بابتسامة عريضة :
-أنتى مبقاش فى حاجة عجباكى خالص يا كوكى يلا بقى بلاش دلع وخلاص شوية وهترجعى الحضانة تانى
أنهت ثراء إعداد ابنتها للذهاب برفقة أيسر هبطن للطابق السفلى يتناولن طعام إلإفطار برفقة العائلة وبعد الإنتهاء أنصرف كل منهم لوجهته ولكنها لم تراه بعد فمر ١٠ دقائق عن موعد حضوره
عندما همت بسحب هاتفها لترى ما سبب تأخره وجدت جليلة تخبرها بقدومه ولكنه ينتظرها بالحديقة أخذت مليكة وخرجت إليه وجدته ينتظرها يقف بالقرب من البوابة أقتربت منه تناوله الحقيبة الخاصة بمليكة قائلة:
-دى شنطنها فيها اللعب اللى بتحبها وأكلها اللى بتحبه كمان وده الأماكن اللى هتروحها النهاردة
تناول الحقيبة والورقة من يدها قائلا بهدوء:
-تمام حضرتك أى أوامر تانية
لاتصدق أذنيها أن من يتحدث هكذا هو أيسر زوجها ذلك العاشق المدله بغرامها فهو صار كقطعة الجليد التى لن تذيبها حرارة ألف شمس مجتمعة سوياً ،فأقترب يحمل الصغيرة يضعها بالسيارة وأتخذ مقعده خلف المقود بدون أن يرمقها بنظرة واحدة ،أنطلق بالسيارة وهى مازالت واقفة مكانها لا تعى ما يحدث معها
ظل أيسر يقود السيارة بهدوء وروية حتى وصل للنادى فبعد تأكده من بدأ مليكة تمرينها ذهب هو إلى المشفى فهو اليوم سيعلم نتيجة التحليل الذى أجراه هو ومليكة وصل الى المشفى وذهب للطبيب المختص أخرج مظروفا أبيض يخرج من داخله ورقة النتيجة
فابتسم الطبيب قائلا:
-دى نتيجة التحليل والتحليل أثبت أن البنت دى فعلا بنتك
ران عليه الصمت كمن يحمل فوق رأسه طيراً ،فما سمعه الآن كفيل بجعله أن يثور بوجه زوجته على اخفاءها عنه ذلك الأمر فكيف تفعل به ذلك؟ فهى حرمته من أبوته جعلت طفلته تنادى لرجل أخر " بابا" جعلته غريباً بالنسبة لها تركته مهمشاً بحياة الصغيرة فهى أخبرتها أنه مسافراً وهو قريب منها
مد يده يأخذ الورقة من يد الطبيب شاكراً له:
-شكرا يا دكتور عن أذنك
خرج من المشفى وعاد الى سيارته وصل للنادى ولج للداخل وجد مليكة تلوح له بيدها وهى بحمام السباحة قائلة بمرح:
-عمو أيسر
شعر بالألم وهو يسمع منها تلك الكلمة فهو الأحق أن تناديه بكلمة" بابا" أنتظرها حتى خرجت من حمام السباحة أخذ منشفة يجفف لها جسدها وشعرها بابتسامة حملت بعض الحزن الذى سكن عينيه ذهبت مليكة لارتداء ثيابها تساعدها احدى العاملات بالنادى وعادت إليه مرة أخرى
لم يمنع نفسه من أن يطوقها بذراعيه حتى تألمت الصغيرة فحاولت دفعه عنها وهى تقول:
-عمو أيسر متحضنيش كده تانى علشان عيب
رفع أيسر يده يداعب وجنتها بابتسامة حزينة:
-معلش يا حبيبتى بس أنا مش غريب يا مليكة أنا أبقى...
ولكنه صمت فجأة ولم يكمل ما يريد قوله فربما تلك الصغيرة لن تتفهم كونه أباها فهى لن تعى ما سيخبرها به فهو حتى لا يعلم كيف أصبح أباً؟
_________
حل المساء سريعاً فهى لم تراه عندما أعاد مليكة للمنزل فربما هو أعادها باكراً ليتسنى له العودة إلى منزله والاستعداد لعقد تلك الصفقة التى سيكون أحد الشاهدين على توقيعها حرصت ثراء على أنتقاء أفضل ثوب لديها وأن تتأنق الليلة أنهت إرتداء ثيابها ترسم عينيها بكحل عربى أسود يبرز لون عينيها العسليتين فهى ليست بحاجة لمساحيق التجميل فجمالها يبرز فى كونها أنها لا تستخدم شئ سوى ذلك الكحل ،كأنها تفعل كل ذلك من أجله بعد أن أنتهت خرجت من المنزل تأخذ سيارتها لتصل لذلك المطعم المتفق عليه ولجت للداخل فهى لم تشأ أن تحضر معها أمير اليوم وجدت أيسر وصافى ينتظروا على إحدى الطاولات يبدوا أنهم منهمكين بحديثهم
فأقتربت منهم قائلة:
-مساء الخير مفيش حد غيركم وصل
رفع أيسر رأسه حملق به لثانية يرد تحيتها وعاد يكمل حديثه مع صافى ضغطت بيدها على تلك الحقيبة الصغيرة التى تحملها بين يديها سحبت المقعد بغيظ تجلس عليه شعرت كأنها شئ مهمل فهو حتى لم يكلف نفسه عناء إخبارها بشأن تأخر العملاء ،شعرت بأن دموع المهانة مُلحة على عينيها ولكنها لا تريد إفساد زينتها فحاولت جاهدة أن تكافح تلك الدموع ولا تجعلها تسقط من عينيها، رفعت رأسها عندما سمعت صوت ضحكة صافى وهى تقول:
-معقول ده كله يحصل يا أيسر كفاية أنا فصلت ضحك مش قادرة
فعن أى شئ يتحدثوا فهل هو قادراً على المزاح مع
الأخريات؟ فلماذا كان معها هى معذباً لقلبها مُبكياً لأعينها ،فربما نصيبها منه هو الألم والعذاب فقط ولن ترى جانب أخر له بحياتها ،أخذ أيسر هاتفه مبتعداً لإجراء مكالمة هاتفية وجدت ثراء نفسها وجهها لوجه مع صافى التى بادرت قائلة بابتسامة:
-إزيك يا مدام ثراء أنا عرفت أن أنتى تبقى مرات أيسر كمان بس إزاى فى واحد تانى بيقول أنه خطيبك ده اللى جه معاكى وقت توقيع عقد صفقة أيسر كان إسمه إيه أمير باين
رفعت ثراء وجهها إليها تطالعها بهدوء:
-الحمد لله.. أصل ناوية أنا وأيسر ننفصل
رمقتها صافى بأسف قائلة:
-يبقى خسارة يا مدام ثراء لو ضيعتى من إيدك واحد زيه مش شايف فى دنيته أمل غيرك زى ما بيقول أنا عارفة أن ممكن أكون جزء من خلافك معاه بس أقسملك أن أيسر مش أكتر من مجرد أخ فى حياتى سند لقيته بعد ما كنت أنا وجدتى ملناش حد فى الدنيا وبرضه مش هكدب عليكى وأقولك أن منجذبتش ليه أول ما عرفته بس مكنتش أعرف أنه متجوز وأنه بيحبك أوى كده ولما عرفت بجد حسيت أن غلطت جامد يوم ما طلبت منه ييجى وجدتى تعبانة وأنتى جيتى وشوفتيه عندنا هو حكالى ولما كان خارج من الحمام كان تعبان ودخل الحمام يغسل وشه وراسه بالمايه علشان يفوق لأن كان ممكن يغمى عليه أنا مكنتش متذكرة ملامح وشك أوى بس لما عرفت وشوفتك حاولت أفتكر وعرفت كمان انك لسه لحد دلوقتى مفكرة أن فى حاجة بينى وبين أيسر أنا دلوقتى متجوزة ومش هقولك أنا بحب حمزة جوزى قد إيه وكان سبب معرفتى بيه كان أيسر برضه لأن هو المهندس اللى بنى البيت بتاعه وجاتله فرصة عمل فى دبى بس كان على إتصال بأيسر ومرة كان فى مصر وشافنى وطلبنى للجواز ووافقت وكتبنا كتابنا من حوالى سنة بس هو مصر منتمش جوازنا إلا لما يجهز بيتنا هناك علشان نعيش معاه انا وجدتى وخلاص قربت اسافرله فنفسى بجد تفكرى تانى فى موضوع إنفصالك عن أيسر
خفضت ثراء رأسها ولا تجد ما تقوله ولكنها لمحت عودة أيسر للطاولة مرة أخرى فعاد لحديثه مع صافى ثانية نقرت بأصابعها على الطاولة فظل يراقب فعلتها فيبدو عليها أنها تشعر بالانزعاج فهى لا تفعل ذلك إلا عندما تصل إلى حافة صبرها ،حمدت الله على وصول شهاب
أفتر ثغرها عن أبتسامة وهى تراه يقترب منهم يتخذ مقعده بجوارها بادلها ابتسامتها قائلا:
-معلش لو كنت أتأخرت الطريق كان زحمة جدا وأنا جاى
ردت ثراء قائلة بهدوء:
-ولايهمك يا شهاب على العموم هم لسه موصلوش
ظلت تثرثر مع شهاب لتتجنب النظر لزوجها بعد عدة دقائق وصل الرجال المعنيين بالأمر بعد التحية والتعارف تم امضاء العقود وتمت الصفقة بنجاح تناولوا العشاء وبعد انتهاءه هموا بالمغادرة أخذ شهاب سيارته ينطلق بها
وصلت ثراء لسيارتها ولكن عندما حاولت تشغيلها وجدت أن السيارة ربما بها عُطل ،نفخت بضيق فهذا ما كان ينقصها خرجت منها مرة أخرى بعد أن أغلقت نوافذها لتتركها هنا ويأتى أحد لإصلاحها ولتعود للمنزل الآن بإحدى سيارات الأجرة
أقترب منها أيسر فهو لم يكن غادر بعد فلم يشأ المغادرة إلا بعد أن يطمئن بذهابها وعندما رأها تترجل من السيارة لم يمنع نفسه بأن يقترب منها ليعلم ما حدث
-فى حاجة يا ثراء
قالها أيسر فالتفتت اليه ثراء تشهق بخفوت فهى ظنت أنه رحل بسيارته
ردت ثراء قائلة باقتضاب:
-العربية اتعطلت وهشوف تاكسى أروح البيت
وضع يده بجيب بنطاله قائلا بهدوء:
-تعالى أوصلك يا ثراء
قبل أن تفه بكلمة سحبها من مرفقها يجرها معه،حتى وصل للسيارة فتح الباب الخلفى يجلسها ويغلق الباب وكل هذا وصافى تتابع ما يحدث أشار إليها أيسر بالركوب فجلست بالمقعد المجاور له ،لينطلق بالسيارة ،ظلت صافى تنظر لذلك الدفتر الصغير المدون به مواعيد أعماله
رفعت صافى رأسها قائلة:
-على فكرة يا أيسر بكرة ضرورى لازم نروح المستشفى
سمعت ثراء ذلك فأدارت رأسها تشخص ببصرها إليه فعن أى مشفى يتحدثون هل أصابه مكروه وهى لا تعلم؟
رد أيسر قائلا باهتمام:
-متقلقيش أنا فاكر كل حاجة يا صافى وهكون موجود هناك فى الميعاد
ظل الصمت حليفهم حتى وصل أيسر إلى ذلك الحى الذى تقطن به صافى فترجلت من السيارة تلوح لهم مودعة وصعدت إلى الشقة ،قاد أيسر السيارة ثانية لإيصال زوجته الى منزل والدها ،طوال الطريق لم يتحدث معها بكلمة ظلت تنظر من نافذة السيارة وهى شاردة حتى سمعت صوته يناديها:
-خلاص وصلنا البيت يا ثراء
أطلق بوق السيارة فأقترب حارس البوابة يفتحها بعد رؤيته لثراء ولج بسيارته للداخل وأوقف المحرك أخذت ثراء حقيبتها وفتحت الباب المجاور لها تترجل من السيارة بخطى ثقيلة جدا فهى بانتظار وصولها لغرفتها ولسوف تبكى بشدة،خرج من السيارة ليتأكد من دخولها المنزل ولكن قبل أبتعادها تعثرت بطرف ثوبها فهى لا ترى أمامها من تلك الدموع التى ملأت مقلتيها كادت تسقط على وجهها لولا تداركه لها ،تطلعت إليه لبرهة لتبتعد عنه فلم يمنعها ، فتدلى ساعديه بجانبه بعد أنفلاتها من بينهما
هتف بها قبل أن يغادر:
-تصبحى على خير
عن أى خير هو يتحدث فهى ستصاب بنوبة قلبية حادة من أفعاله معها فما الذى حدث جعله يعاملها تلك المعاملة الصلدة ؟أين ذهب شوقه إليها وتلك اللهفة التى كانت تسكن خضراوتيه وحالة جنون العاشق التى كانت تتلبسه منذ رؤيتها بعد عودتها إلى مصر ،قبل أن يصل إلى السيارة وجدها تمسك ذراعه فاستدار إليها ليعلم ماذا تريد منه؟
فقطب حاجبيه قائلا:
-خير فى حاجة يا ثراء
لمعت عينيها بغضب:
-أنا اللى المفروض أسألك فى إيه وليه بقيت بتتعامل معايا كده ببرود
رفع يده وأزاح يدها القابضة على ساعده قائلا بنبرة ثلجية:
-مالى أنا كويس مفيش حاجة بس مش أنتى اللى عيزانى أبعد فخلاص بعدت وعلاقتنا هتبقى فى الحدود زى ما طلبتى أصل مش هفضل أجرى وراكى وأنتى تصدينى يا ثراء لكل شئ أخر وكل حاجة هتنتهى قريب
لم يزد كلمة أخرى واخذ سيارته مغادراً،ظلت واقفة تفكر فى معنى حديثه لها ،ركضت إلى غرفتها دلفت إليها وأغلقت الباب تستند عليه تطلق لدموعها العنان التى ظلت تحبسها طوال الليل ظلت تشهق بصوت خافت،فلماذا تبكى هى الآن ؟ فهذا ما كانت تريده وأخبرته بشأنه ولكنها لم تضع بحسبانها بأن سيأخذ حديثها على محمل الجد،فهى كانت ترغب فى أن تذيقه ويلات قلبها المعذب بعشقه ليأتى هو ملبياً لمطالبها يتخذ من بروده درع واقى يجابهها به،وصلت للفراش فارتمت عليه تسترسل فى بكاءها حتى غلبها النوم وهى بثيابها كانت الغرفة غارقة فى الظلام عادت ودفنت وجهها بالوسادة ثانية لئلا تدع ذلك الحلم يهرب منها ،هذا الحلم المجنون المستحيل لقد رأت أيسر بمنامها وشعرت بذراعيه القويتين والحنونتين تطوقانها كانت تعرف أنه حقا حلم مستحيل بعد قناع الجمود والبرود الذى عاد يرتديه أمامها ثانية ،فأعتراها ألم قوى وبدأت تجهش بالبكاء ورأسها على الوسادة
سمعت صوته الحبيب فى أذنيها:
-ثراء أنا هنا يا حبيبتى بوصيلى
فتحت عينيها وهى لا تصدق قربها على طرف الفراش كان يجلس لم تميز ملامحه إلا عندما انحنى بجزعه إليها فرأت عينيه الخضراوين
وضع يده على كتفيها قائلا بحنان:
-أنا هنا يا حبيبتى
اعتدلت بجلستها ثم أستقامت وتركت الفراش ،وقف أمامها فأرتمت بين ذراعيه تكمل بكاءها تهتف باسمه بصوت باكى:
-أيسر
لم يتحدث فأكتفى بهدهدتها بين ذراعيه كطفل صغير بحاجة للعطف قبل رأسها يغرق وجهه بين طيات شعرها الأسود يدمدم بعشق:
-بحبك يا نور عيونى يا أغلى ماليا فى حياتى
ظل يسمعها كلمات العشق وهى تشعر كأنها تحلق عالياً كطائر نال حريته أخيراً
رفعت وجهها عن كتفه تنظر اليه قائلة بعتاب:
-ليه بقيت تتعامل معايا ببرود كده يا أيسر أنت خلاص زهقت منى
وضع أصبعه على فمها حتى لا يدعها تكمل حديثها :
-بس يا ثراء
لم يزد كلمة أخرى وجدته يعود ليطوقها من جديد تشعر بدقات قلبه تتسارع رفعت ذراعيها وطوقت جسده تريد أن تشعر بقربها منه ثانية أهداها عناقاً ليس كأى عناق يشبه قطرات المطر فى ليالى الشتاء الذى يتوق العاشقين فيه للدفء
عندما فتحت عينيها ثانية تغوص بوجهها فى الوسادة تتحس ذلك المكان بجوارها فلم تجده ، أنتصبت بجلستها تنظر حولها لعلها تراه ولكن عندما نظرت إلى ثوبها أدركت أن ماحدث لم يكن سوى حلم فهى مازالت بثوبها الذى كانت ترتديه بالأمس
أستندت للوسائد خلفها تحاول كبح تلك الدموع التى عادت تغرق جفونها من جديد
فى اليوم التالى ...لم تشأ الذهاب إلى عملها فظلت حبيسة غرفتها حتى سمعت طرق على باب الغرفة ورأت جليلة تولج الغرفة بابتسامتها البشوشة:
-ست ثراء فى واحد عايز حضرتك تحت
زوت ثراء ما بين حاجبيها بتفكير قائلة:
-واحد مين ده وعايز منى إيه
أرتدت حجابها وهبطت الدرج لترى من يريد رؤيتها وبأى شأن يريد محادثتها وصلت للطابق السفلى وجدت رجل ربما فى منتصف الأربيعينات ينتظرها هب واقفا عند رؤيتها قادمة
هتف الرجل بصوت رزين شابه بعد الصرامة:
-حضرتك مدام ثراء جمال الرافعى زوجة أيسر هاشم الرافعى
اومأت ثراء برأسها موافقة فأقترب الرجل منها يناولها قلماً يريد منها أن توقع على إحدى الأوراق
-أتفضلى حضرتك أمضى هنا وأستلمى الورقة دى
وقعت ثراء الورقة التى يريدها وناولها ورقة أخرى ولكن قبل أن تنظر اليها هتفت بحيرة قائلة:
-ورقة إيه دى
طافت نظراتها بالورقة بين يديها فحدقت بها مشدوهة لا تصدق ما تراه بعينيها هل فعل أيسر ذلك ؟ لا لابد أنها تحلم هى الآن فهو لن يفعل ذلك ولكن هذا ما حدث؟ والورقة بيدها خير دليل على أنه فعل ذلك حقاً
سمعت صوت الرجل ينبأها بما تحويه الورقة قائلا :
-دى ورقة طل....
لم يكمل الرجل كلمته حتى وجدها تسقط مغشياً عليها فهرولت إليها جليلة التى جثت بجوارها تحاول إفاقتها فظلت تربت على وجنتيها بخفة حتى تستعيد وعيها
القراة باقي الفصول الجزء الثاني جميع الفصول من هنا
