بقلبي أراك فرعونا :-
_ الفصل الحادي عشر _
يوم نهاية البداية ، هو بداية نهاية اخري !..
تطلع لـ المأزون ونهي بنظرات دامعة ، ابتلع ريقه الذي غاص في حلقه بصعوبة ، تطلع لنهي بتركيز لكنه لم يراها ..
رأي فيها هايدي ، تطالعه بدموع وحزن ، آلمه قلبه فـ تجلط لسانه عن الحديث ، كانت نهي تراقب تعابيره بتفحص ، ابتسمت بآلم وهي تري تعبه وارهاق تفكيره الواضح
نهض فجأة فنهضت معه ، نظر لها بدموع وخرج صوته مختنق:-
_اسـف يانهي مش هقدر
لم تتحدث ، تعالت همهمات البعض والبعض الاخر راح يتابع المشهد بصمت ، قالت والدة نهي بدهشة وهي تقترب منه:-
_انت بتقول اية يامحمد
تطلع لها بدموع اغزر ناطقا:-
_سامحيني ياخالتي مش هقدر ، مش هقدر اسعدها ولا احبها صدقيني
قال عم نهي بأستنكار:-
_وانت جاي تقول الكلام دا ليلة كتب الكتاب
تدخل المأذون رادفا:-
_ربما رأي في البعد خيرا ياجماعة ، خير انه فاق بدري
عم نهي بغضب:-
_دي سمعة بنت ، هو شكله اتجنن
محمد:-
_ربنا يعلم مفيش في اخلاق نهي بس صدقني قلبي مش ملكي ، في غيرها مالكة قلبي ، مش هقدر
خرج صوتها من بين شفتين باسمتين بوجع وآلم:-
_روحلها يامحمد
نظر لها بأعتذار . فتابعت:-
_انا مسمحاك ، روحلها
صاحت والدتها بغضب:-
_انتي بتقولي اية ، انتي اتجننتي انتي كمان
نهي:-
_ماما لو سمحتي ، اللي بنعمله دا الصح
لم يستمع لحديثهم ، فقد تركهم بالفعل وغادر ، عريس هارب من ليله عقد قرأنه بموافقة عروسه !
ياله من حدثا عجيب
كان السعيد بتلك الليلة هو قمير ، فهو يعلم ان كان تم هذا الزواج لكانت ستأتي بعده المصائب تباعا
والاحزان والاوجاع تباعا
خرج اسلام من ارض المطار وحقيبته علي كتفه القاها علي الارض ، فتح يديه بوسعهما في السماء ، اغمض عيونه وقال بحنين صادق:-
_وحشتيني يامصر
رغم الوجع ، رغم الآلم ، تبقي الارض هي الام الثانية لـ الجميع ، امسك حقيبته واوقف اول سيارة اجرة قابلته ، طلب العنوان وعلي مبسمه ظهرت بسمة حماس وحنين لاهل مصر ، بسمة حقيقية جدا .. !!
_هايدي ، تليفونك عمال يرن من الصبح ما تردي يازفتة
صرخت منار بالجملة وهي تضع وسادة اعلي رأسها ، جاءها صوت هايدي:-
_انا باخد شور ، شوفي انتي التليفون ، ممكن تكون هدير
تأففت منار ونهضت عن مكانها بضيق ، توجهت لفراش هايدي الملقي عليه هاتفها بأهمال امسكته وقرأت الاسم
نطقت بتعجب بصوت مرتفع:-
_محمد بيرن
جاءها صوت هايدي الجامد:-
_اقفلي في وشه
فعلت امر الصامت ولكنها لم تغلق
انتهي الاتصال وجاء اخر ، تنهدت وهي تضعه علي نفس الوضع الصامت ، لكنه لم يصمت ظل يرن ويرن
اخيرا اجابته بضيق:-
_في اية يامحمد رن رن رن ، ما دام مردتش افهم انها مش عايزة تكلمك ياخي
قال بسعادة:-
_منار انا لغيت كتب الكتاب
صاحت بزهول:-
_بتقول اية ؟
سـرد عليها الامر سريعا وعيونها كانت تتسع تباعا ، قالت بأستنكار بعدما انتهي من سرد ما حدث:-
_انا بنت زيي زي نهي يامحمد ، الموقف مرضاش يحصلي ولا يحصل لُ احبابي وكذلك مرضهوش ليها
تنهد هاتفا بضيق من نفسه:-
_والله انا كمان زعلان بس هي كمان وافقتني
قالت بالاخير:-
_ياريتك كنت عقلت قبل الليلة دي ، بدل اللي حصل دا
قال بقلة حيلة:-
_اللي حصل بقي
صمت وعاد يقول بحماس:-
_المهم ، قولي لهايدي اني جايلها في الطريق
وبالفعل كان ركب سيارة لتقطع المسافة من سوهاج الي اسيوط !!
...............
كانت الاسئلة تتدافق علي جاسي بكثرة ، راحت تجاوب عليها هي بكل لباقة والبسمة علي وجهها ، كانت ملامحها جميلة وزاد من جمالها تلك المساحيق التجميلية التي وضعتها عليها الخبيرة بعناية ، ملابسها كانت من مكانا فخم كذلك تسمت بالبساطة والرقي بـ آن واحد
بوسط الحشود رأت حسام يجلس ويراقبها مبتسما ، زاد وجوده من ثقتها بنفسها ، فأتسع مبسمها اكثر ، راحت كذلك تتحدث بلباقة وتجيب بأجابات افضل
بعدما انتهت من الاجابة علي اسئلتها اختفت من المكان ، كذلك التصويت راح يبدأ
لحظات ولحظات في غاية التوتر كانت تمر علي الجميع
كانت اكثرهم توترا هي جاسي ، فكان حلم حياتها ان تحصل علي ذلك اللقب ، منذ زمن وهي تحلم به
بعد مرور وقت كبير ، وقفت مقدمة المسابقة علي حلبة المسرح ، راحت الكاميرات تلتقط لها الصور وهي تتحدث بلغة فرنسية مطلقة:-
_ملكة جمال باريس اليوم استحقت لقبها بكل جدارة ، امتلكته لتواضعها وجمالها ورقيها ، كان اعلي توصيت لها هي وفقط ، لم يكن هناك حتي منافس لتنافسه
ملكتنا اليوم هي...
صمتت وتطلعت لمجموعة من الفتيات المشتركات كانت من بينهم جاسي ، خرج صوتها اخيرا:-
_جاسمين الشناوي
فالشناوي كان لقب عائلة حسام واخذته هي بعد زواجها منه ، ارتفع التصفيق والصياح وقف حسام وراح يطلق عدة صفافير وهو يصيح:-
_مراتي ، مراتي
ومعها جسده كان يهتز بسعادة وفرح ...
وقفت جاسي وبيدها الميكرفون ، امسكته بيد وبالاخري كان يوجد فيه تمثال صغير للغاية شفافي ، في غاية الجمال والروعة ، ابتسمت وهي تتطالع الجميع
ارتكزت عيونها علي حسام خصيصا ، ابتسم لها بتشجيع فبادلته البسمة بأخري واسعة ، قالت اخيرا بلغة عربية متقطعة ، رفضت ان تتحدث بالفرنسية:-
_بشكر كل واحد ساعدني وحمسني علشان ادخل بالمسابقة ، اشكر اخي اسلام ، شجعني كتير في اوقات كنت فيها بضعف ، كنت ما بلاقي التشجيع الا منه بالحقيقة ، بس اليوم جوزي
كمان شجعني علشان كدا الهدية دي مش بس ليا ، هي كمان له هو ولكل مشجع ، كلنا ملوك جمال بقلوبنا وبس والله ، الشكل ما بيكفي ابدا ليثبت جمالنا
نطقها لـ اللغة العربية بوسط ذلك الحفل اشعل الموقف ، زادت اضاءات ولقطات الكاميرات ، صاحت صحفية ما:-
_اذن خبر اسلامك صحيح
اجابت:-
_نعم ، انا مسلمة متزوجة مسلم وفخورة بديانتي وبلغتي العربية كتير
..............
استغل قمير الامر ، حيث بعدما غادر محمد باتجاة اسيوط توجه هو نحو منزله سريعا ، كان متأكدا من انها ستكون بالمنزل بذاك الوقت ، تأكيده لم يخيب ، حيث وجدها مع والدته القعيدة يتسامرون معا ، اقترب يقبل يد امه
فحركت يدها بين خصلاته بحب وهي تسأله:-
_كتبوا الكتاب يابني ؟
تطلعت هدير له بأهتمام بعد هذا السؤال ، فقال وهو يطالعها بنظرات ذات مغذي:-
_لا
اتسعت عيونها ذهولا وابتسمت بتوسع ، حاولت ان تخفي الابتسامة وهي تقول بحزن مصطنع:-
_مكتبوش ، لية طيب ؟
طالعها بمكر وهو يرد:-
_في حد كدا عيونه عسلي بصلهم في كتب الكتاب
رمشت ببراءة عدة مرات وتجاهلت اشارته لـ لون عيونها ، راحت تراقبهم والدته بخبث ونظرات تمني بأن يحدث ما تريد ، هتف هو متابعا:-
_قال انه بيحب واحدة كدا...
قالت باندفاع:-
_هايدي
سارعت بوضع يدها علي فمها وصمتت ، فاكمل هو مبتسما:-
_سافر ليها دلوقتي علشان يقابلها
صاحت بحماس وشغف:-
_بجد
نهضت عن مقعدها وهي تكمل:-
_انا مبسوطة اووي
واختفت من امام عينيه بسرعة شديدة ، كي تغادر منزلها لتأتي بهاتفها التي وضعته علي الشاحن لتتملئ بطاريته ، وتتصل بهايدي وتري ماذا سوف يحدث..
هتف وهو يطالعها بشرود مبتسما:-
_مجنونة
................
طرقات علي الباب من يده جعلت قلب السيدة وفاء يهوي ارضا ، تعلم صاحب تلك الدقة الخاصة ، تركت اريكتها التي كانت تجلس عليها مع عائلتها واتجهت للباب وهي تقول بتلهف:-
_اسـلام
قال طارق ابنها الاخر بتعجب:-
_اسلام اية بس ياماما ! اسلام في باريس !
استعدت لتفتح الباب وهي تقول بتأكيد:-
_والله اسلام ، انا عارفة دقته
وسارعت بفتح الباب فوجدته بالفعل امامه ، شهقت عاليا وهي تلقي ذاتها بين احضانه باكية الاشتياق له ، فهي كانت تشتاق له لحد الموت ، كما يشتاق هو لها وربما اكثر
بادلها حضنها بالاقوي ، بكت فانزل هو دمعا اكثر ، كانت ترتجف واعصابه هو انفلتت ، ابتعدت اخيرا عنه تمسد وجهه بحماس تنطق بتلهف:-
_وحشتني ياحبيبي
وراحت توزع علي وجهه قبلات الحب الامومي المفترقة علي كامل وجهه
ابعدوه من بين يديها بصعوبة وراح يتناقل من بين حضن الي اخر ، الجميع السعادة تكاد تعصف به الي دربا من الجنون ، فتلك المفاجأة كانت اجمل ما حدث لهم منذ وقت طويل ..
...............
صاحت هايدي بأستنكار:-
_مستحيل انا قولت مستحيل ارجعله ولو حصل اية
منار:-
_يابنتي دا ساب البنت ليلة كتب الكتاب علشان خاطرك
قالت بأعتراض زائف:-
_مليش دخل انا مقولتلوش سيبها
منار بنظرات ذات معني:-
_هايدي حركاتك دي مش عليا ، انا عارفة اللي فيها وعارفة انك كنتي بتطنطتي ورا الباب وانا بكلمة
تنحنت بحرج فتابعت منار:-
_فبلاش نلعبهم علي بعض ووافقي بقي وخلصوا علشان ندخل في حوار الزفتة التانية ونخلص منه
هايدي بتساءل حزين:-
_طيب وانتي ؟
منار ببسمة خفيفة ، وهي تحاول ان تغير مجري الحديث:-
_انا اية ! ما انا زي الفل اهو
طالعتها بصمت ولم تتحدث ، فأكثرهم وجعا هي منار ، خاصة بعدما عرفت بعودته لمصر من حسام وهو لم يفكر ليخبرها بهذا بنفسه
حتي مكانه صغيرة في قلبه لها .. لم تحصل !
مازالت غريبة في عالمه ، مازالت غير مهمة في حياته ، مازالت قليلة في عينيه .....