مرآة الحب
الحلقة السادسة والأخيرة
بقلم نجلاء لطفي
تحدثت لوالدة عبدالله- حسب رغبة أمي- وأقنعتها أن أختي هي الأنسب له وهي من
ستسعده أكثر مني ورغم حزنها إلا أنها وافقت على الخطبة وجاءت لعمل الإستعدادات
اللازمة . بمجرد حضورها ضمتني لصدرها لأول مرة وقالت:
-لاتحزني سيرسل الله لك
من يُقدر قلبك الطيب وروحك النبيلة
-أنا سعيدة من أجلهما فهما مناسبان لبعضهما
وقفت أمام مرآتي مرة أخرى وتساءلت:
-يامرآتي ترى هل سأجد من ينظر إلى روحي وقلبي ولا ينظر لشكلي؟ هل سأتذوق الحب يوما؟؟
تمت الخطبة في حفل خرافي وكانت الأعين كلها على نهى وعبدالله والكل يرى
أنهما مناسبان لبعضهما، وكان الجميع سعداء ولكن أبي كان يشعر بغصة في قلبه وقال لي:
-كنت أتمنى أن أورثك شيئا أفضل من ملامحي لكنه قدر الله
-يا أبي أنا لست ناقمة على
حالي بل أنا راضية بما منحه الله لي من نعم كثيرة وإن كان قدري حرماني من الحب والزواج فأنا راضية أيضا.
-أدهشتني موافقتك
لخطبة أختك بل وسعيك لإتمامها
-عبدالله ليس مناسبا لي بأية حال لكن موافقتي كانت لإرضاءكم وإرضاء
المجتمع الذي يمنح صكوك العفة والقبول فقط للمتزوجات، أما
غير المتزوجات فهن كائنات منبوذة اجتماعيا.
-أنا على يقين أن الله سيعوضك بالأفضل
-إن شاء الله
بعد الخطبة قالت لي نهى:
-أظنك تدركين أني سأصبح زوجة شخص مهم من الأسرة المالكة، ومن غير نجلاء لطفي اللائق أن احتل تلك المكانة بينما تعمل أختي مجرد مدرسة أطفال في نفس البلد ، ستكون إساءة كبيرة لي ولمكانة عبدالله
-لقد عرفني عبدالله وأنا مجرد مدرسة أطفال، وتقدم لخطبتي وأنا مجرد مدرسة أطفال
-وتركك وأنت مجرد مدرسة أطفال
-أنت إنسانة أنانية لا تفكر سوى في ذاتها فقط نسيتي فضلي عليك وأني كنت السبب في خطبتك فلو كنت اعترضت لما أتمها أبي أبدا والأن تتعالين علي وتجرحينني بمنتهى البرود، هل تعلمين فعلا سأترك البلد ليس خوفا ولا حرصا على صورتك أنت ولا عبدالله إنما لأنني لا أحب أن أعيش في مكان أنت فيه ، ولو كنت صبرتي قليلا لعلمت أنني كنت سأترك البلد لأنني حصلت على منحة للدراسة بالخارج لكن أنانيتك دفعتك لقطع الخيط الأخير بيننا.
ودعت أبي وأمي وأختي الكبرى وسافرت أولا لأنهي تعاقدي مع المدرسة ومن هناك أسافر للحصول على المنحة، بمجرد وصولي للبلد شعرت بالحنين للقاء ياسر لأودعه الوداع الأخير فذهبت للمول فلم أجده فسألت عنه زميله و عرفت منه أنه يستعد للسفر. اتصلت به وطلبت لقائه فوافق فقلت له :
-أنا في المول سأنتظرك في المقهى
مر وقت الإنتظارعلي كأنه الدهر فقد كنت مشتاقة لرؤيته لارتوي من عينيه قبل أن أعيش في صحراء الوحدة والغربة عطشى للحب والاهتمام، فرغم برودة مشاعره تجاهي مازال قلبي يهفو إليه ومازال عقلي يختزن في ذاكرته كل لحظة مرت بيننا وكل كلمة ونظرة ويرفض أن يمحو أي شيء يخص ياسر بل يذكرني بها باستمرار، فعقلي وقلبي تحالفا ضدي لتعذيبي بحب من طرف نجلاء لطفي واحد فقط ففي الحب عذاب لي وفي الوحده عذاب أكبر.
جاء ياسر ورأيت في عينيه حزن ظهر جليا على وجهه فأضفى على عمره نحو عشرون عاما فسألته:
-كيف حالك؟
-مازلت أحيا
-علمت أنك مسافر إلى أين وما السبب؟
-إلى أي بلد لأني ضقت ذرعا بهذا البلد وأشعر أني أختنق فيه، مبارك خطبتك
-يبدو أنك لا تتابع الأخبار ، الخطبة تمت فعلا ولكن ليست خطبتي بل خطبة أختي فعندما وصل عبدالله لبلدنا انبهر بجمال أختي وطريقة تفكيرها التي تتناسب مع غروره وتفاهته ونسي كل ما يتعلق بي
-حقا؟ وهل حزنتي؟
-أبدا لقد شعرت بالراحة فقد وافقت على عبدالله لأرحم نفسي من لقب عانس وتلك النظرات الطامعة أو المشفقة أو حتى الخائفة من خطري ، لكني لم أشعر يوما بالتوافق معه وهو أيضا لم يشعر بذلك إنما كان يلبي رغبة أمه.
-إذا لم عدت إلى هنا؟
-لأنهي تعاقدي مع المدرسة لأن أختي العزيزة تخشى على سمعتها كزوجة رجل مهم ولا تريدني أن أظل مجرد مدرسة أطفال في نفس البلد ولأني حصلت على منحة دراسية في الخارج
-من أجل هذا فقط؟
-وهل هناك أسباب أخرى؟
-أن ترغبي في رؤيتي مثلا
-نعم لقد جئت لأودعك قبل السفر وأشكرك على كل ما فعلته من أجلي كصديق
-ومن قال لك أني فعلته كصديق؟؟ أنا أحبك..نعم أحبك من أول مرة رأيتك فيها وكنت أفعل كل شيء لأقترب منك وكنت أظنك تشعرين بحبي حتى فوجئت برغبة عبدالله في خطبتك فأدركت أنك موافقه ضمنيا وأنه لا مجال لمثلي لمنافسة عبدالله
-من قال لك أني موافقة؟ ألم آت إليك وأطلب منك المشورة لأني حائرة؟ لماذا لم تعترف لي بحبك حينها؟
-وهل كنت سترفضين عبدالله من أجلي؟
-لو كنت تعرفني جيدا كما تدعي لعرفت أني كنت أريدك أنت لا هو لكن عندما سكت وتركتني وحدي أفكر بعقلي أدركت أنك لا تهتم بي إلا كمجرد صديقة، كم أضعت من عمرنا بظنونك
-لم أتخيل يوما أن ترفض امرأة المال والنفوذ من أجل الحب
-أنا منة ولست أية امرأة فالحب الصادق والاهتمام الحقيقي والقلب المخلص نجلاء لطفي عندي أهم من كل أموال الدنيا قد أكون ساذجة في نظر البعض لكن هكذا أنا، كان خوفك وسوء ظنك سيضيعنا ولولا تدخل القدر لكنا نعاني ثلاثتنا من سوء الاختيار والتقدير
-منه أنا أريد أن أتزوجك ونسافر معا فهل تقبلين؟
-كم انتظرت طويلا لسماع تلك الكلمات
-هذا يعني أنك موافقة؟
احمرت وجنتاي وأومأت برأسي بالإيجاب فقال:
-سأسافر لوالدك لطلب يدك
-أسرتي ستأتي كلها خلال عدة أيام من أجل زواج نهى يمكنك عندها الحديث مع والدي لكن مؤقتا حدثه على الهاتف
-أنا أسعد مخلوق على وجه الأرض لأن توأم روحي وحبيبة قلبي ستكون لي
ابتسمت وقد شعرت بالخجل من تلك الكلمات الجميلة التي لم أتخيل أني سأسمعها يوما، فقال ياسر:
-اطلبي مني ما تشاءين
-أن تظل مخلصا لي وألا يكون بيننا كذب ولا خداع أبدا
-أعدك أن أكون مخلصا لك طول عمري وأن أكون حبيبا وصديقا لك
اتصل ياسر بوالدي من هاتفي وأخبره برغبته في الزواج مني وتحدثا طويلا في كل شيء وحدد له والدي موعدا بعد ثلاثة أيام عندما يصل للمملكة. في المساء حدثني والدي وقال:
-هل ترغبين في الزواج منه حقا أم أنه هروب أخر من لقب عانس؟
-بل أرغب في الزواج منه فنحن متفاهمان متقاربان فكريا ونفسيا
-لكنه أقل منا ماديا واجتماعيا؟
-نحن ذاهبان لبلد لن يكون بيننا فيها أية فروق
فقالت أمي :
-مبارك يا ابنتي مادام يعجبك فلنسرع في إتمام الزواج قبل زواج أختك
-فعلا يا أمي هذا ما أريده لنسافر معا حتى لانعكر صفو زواج أختي ويعلم الناس أن أختها معلمة الأطفال تزوجت بائعا في محل ملابس فهذا قد يقلل من شأنها
-معك حق، دائما عاقلة
جاء أبي وتعرف بياسر وسأله:
-هل تريد الزواج من منه لأنك تحبها أم أنك طامع في مالي؟
-مالك؟ أنالا أعرف شيئا عن أموالك أنا أريد منة فقط وسأبذل كل جهدي لأسعدها
فقلت:
-لم أخبر ياسر شيئا عن أحوالنا المالية
فقال أبي متعجبا:
-ألا تعلم أنها سترث مني مبلغا ضخما حال وفاتي؟
-لا أعلم ولا أهتم فأنا أريد منة الإنسانة فقط
-على بركة الله متى يناسبك لعقد الزواج؟
-أمس، أقصد غدا فنحن نريد السفر بسرعة
-اتفقنا
اشترى لي أبي أجمل فستان زفاف رأيته في حياتي وكنت سعيدة جدا به فكم حلمت بارتداؤه ولكني مع مرور الزمن كدت أفقد الأمل حتى عوضني الله بفرحة كبيرة، وقفت أما مرآتي وقلت لها:
-يا مرآتي من اليوم أسعد مني ؟ حقا لست جميلة لكني سعيدة برجل يتفق عليه عقلي وقلبي
تمت إجراءات الزواج في حضور أسرتي وزميلاتي وبعد إنتهاءها قبلني أبي وقال:
-أتمنى لك السعادة من كل قلبي وإن احتجت لأي شيء فلاتترددي في الاتصال بي
-شكرا لك يا أبي
فقال لياسر:
-أوصيك بابنتي خيرا اتق الله فيها وأحسن إليها وصنها وإن كرهتها ردها إلي
-سأضعها في عيني وقلبي
احتفل بنا الجميع احتفالا بسيطا وبعد تناول العشاء ودعنا الجميع وسافرنا لنبدأ حياة
جديدة، لم أشعر بالخوف من الحياة الجديدة في بلد غريبة لأن ياسر كان وطني وأهلي وبر أماني.
تمت