رواية لعنة العشق الفصل الاول1والثاني2بقلم شاهندة


رواية لعنة العشق بقلم شاهندة

الفصل الاول والثاني
بقلم شاهنده

الفصل الاول

نظرت كارمن إلى محيطها بتوتر غمرها وملك عليها جوارحها..هى تعلم 
أنها ليست المرة الأولى لها والتى تعمل بها كمربية خاصة للأطفال ولكنها لا 
تدرى لماذا تشعر بالتوتر وكأنها المرة الأولى تماما..رجعت بأفكارها قليلا الى الوراء..
تتذكر تصميمها على العمل مع الأطفال اليتامى فقط ..رغم حالتها المادية الصعبة .
.فهم يذكرونها بنفسها..فقد توفى والديها سويا بحادث وأصبحة بليلة
 واحدة يتيمة الابوين ولم يكن لديها عائلة سوى خالتها التى لم تستطع ان تأخذها
 الى بيتها..فعائلة خالتها كبيرة تحتوى على سبعة أطفال والذى أوضح زوج
 خالتها ان شقتهم الصغيرة لن تحتمل أكثر منهم..لذا اضطرت خالتها أن تودعها فى ملجأ.
.تكتفى بزيارتها الأسبوعية لها لتصبح زيارة شهرية ..ثم فى النهاية سنوية..
تدرك كارمن أنها فى قرارة نفسها لا تلومها على ذلك ولكن هذا لا يمنع من وجود
 غصة فى قلبها لشعورها بالوحدة وأن لا أحد يهتم بها سوى منال مديرة الملجأ الذى
 احتوتها منذ صغرها ومنحتها اهتماما ملحوظا لتتوفى هى الأخرى منذ عامين تاركة 
اياها للوحدة مجددا لتقرر كارمن ان تعمل كمربية للأطفال اليتامى لتحقق نجاحا
 ملحوظا مع أول أطفال عملت معهم حتى قررت الجدة عايدة السفر لبلدها وعائلتها لتأخذهم معها ..
لتصبح كارمن بلا عمل مجددا..لولا ذلك الهاتف من الجدة عايدة تخبرها عن 
حاجة عائلة الفيومى لمربية أطفال ترعى طفلين توأمين لابنهم الأكبر 
..وأنها رشحتها لهم قبل أن تسافر..وافقت كارمن بعد تردد ولكن لابد وان توافق فهى 
بحاجة ماسة للعمل فليس لديها الكثير من المال..تذكرت توترها الشديد وهى تدلف الى
 المزرعة اليوم وترى مدى روعتها..وها هى الآن تنتظر مقابلة والد الطفلين بعد ان
 أخبرت الخادمة برغبتها فى مقابلته..توقفت بنظرها عند لوحة تتوسط الردهة.
.اقتربت منها تتأملها بإعجاب أفاقت منه على صوت نحنحة رجولية فالتفتت بسرعة
 الى مصدر الصوت لتقابلها عينان بنيتان لرجل يبدو فى اواخر العشرينات من عمره
..يرمقها بنظرة متسائلة ..عاقدا حاجبيه وهو يتأمل ملامحها المصدومة قائلا:

حضرتك كنتى عايزة تقابلينى؟

نظرت إليه قائلة بدهشة:

انت أدهم الفيومى؟

ازداد انعقاد حاجبيه وهو يجيبها قائلا بهدوء:

أيوة أنا..ممكن أعرف ليه حضرتك مستغربة؟

قالت بسرعة ودون تفكير:

أصلك صغير أوى عشان يبقى عندك توأم عنده 6 سنين

وما ان قالت عبارتها حتى وضعت يدها على فمها بصدمة من تفوهها لتلك العبارة الحمقاء والتى حطمت قناع أدهم البارد لتظهر ملامح الدهشة على وجهه..قالت بسرعة وارتباك:

أنا آسفة والله..انا..أنا عادة مش متهورة كدة بس يمكن المفاجأة كانت كبيرة شوية علية

نفض أدهم دهشته جانبا وهو يعقد حاجبيه قائلا:

حضرتك مين؟وسبب زيارتك إيه؟

تنحنحت لتزيل ارتباكها وهى تبتسم وتتقدم منه مادة يدها إليه وهى تقول:

كارمن عزيز..مدام عايدة قالتلى انها كلمتك عنى

تاه أدهم فى تلك الابتسامة والتى أظهرت غمازتيها الرائعتين وزادتا من جمالها..لينفض أفكاره وهو يمد يده ليصافحها فى شرود مرددا اسمها :

كارمن عزيز

ما ان تلامست الأيدى فى تلك المصافحة حتى ارتعشت الكفوف وتلاقت العيون بنظرة طويلة سارعت من دقات قلبيهما لتنتقل عبر كفيهما ويشعر بها كلا منهما لتبعد كارمن يدها بسرعة شاعرة بالحيرة..بينما شعر هو بالفقد..ربما هو دفئ يديها الناعمتين..لا يدرى..تنحنح ليزيل ذلك الشعور الذى سيطر عليه قائلا فى حيرة:

احمم..مدام عايدة كلمتنى فعلا عن مربية احفادها

ثم صمت للحظة يستوعب الحقيقة ليقول بدهشة :

انتى تبقى المربية الجديدة؟

أومأت برأسها فى صمت تتعجب من دهشته..ليستطرد هو بحدة قائلا:

بس ازاى مدام عايدة ترشحك ؟انتى صغيرة اوى على انك تراعى طفلين فى السن ده..انتى عندك كام سنة؟١٨؟

قالت فى استنكار:

انا مش صغيرة على فكرة ..أنا عندى ٢٢ سنة ..يعنى اللى أدى المفروض تبقى متجوزة ومخلفة وبتربى أطفالها كمان

قال بفضول لم يستطع اخفاؤه:

طب ليه؟

نظرت اليه بحيرة قائلة:

ليه إيه؟

قال فى هدوء:

ليه ما اتجوزتيش لغاية دلوقتى؟

ظهرت لمحة من الألم بعينيها..أخفتها بسرعة ولكن ليس قبل ان يراها أدهم لتحيره أكثر بينما كانت كارمن لاتدرى ماذا تقول له..أتخبره أن من عاش وتربى فى ملجأ من الصعب أن يجد من يرضى به وبخلفيته الضعيفة.. أم تخبره أنها أحبت بالفعل زميلا لها بالجامعة وعندما عرف أنها تربت فى ملجأ وتعيش به..ابتعد عنها على الفور وخطب فتاة أخرى..اكتفت بأن هزت كتفيها قائلة بلا مبالاة مصطنعة:

النصيب

أومأ برأسه قائلا:

الصراحة صغر سنك وجما...

قطع عبارته وقد كاد ان يخبرها عن جمالها الآسر ليستطرد قائلا:

احم..يعنى مش عارف هينفع تكملى معانا ولا لأ..احنا كنا مفكرينك أكبر من كدة..فى الأربعينات مثلا

قالت فى كبرياء:

لو حضراتكم شايفين ان سنى هيبقى عائق أدام تأديتى لمهمتى فيبقى وجودى ملوش لزوم فعلا..عن اذنك

كادت ان تتخطاه عندما أمسك بذراعها قائلا:

استنى بس

عاد التيار الكهربى يضربهم بشدة لدى ملامسته اياها ليبعد يده بتوتر قائلا:

أنا آسف لو جرحتك من غير قصد..بس انا فعلا مقصدش اللى فهمتيه

نظرت اليه فى حيرة من مشاعرها التى تتولد داخلها كلما لامست يده يدها قائلة:

امال حضرتك تقصد ايه؟

لم يدرى بما يخبرها..أيقول لها أنهم فى بلد ريفية وهو يخشى عدم قبول الناس لوجود شابة فى سنها وجمالها فى بيته أم يخبرها أنه يخشاها هى..يخشى تلك الذبذبات التى تتطاير من حولهما كلما اقتربا من بعضهما..وهو الذى لم يخشى أى شئ بحياته قط..تساءل فى حيرة..لماذا هى..هل بعده عن النساء طوال تلك السنوات الست هو ما يجعله سريع التأثر بها هكذا؟نفى هذا الاحتمال وهو يدرك استحالته فحوله فى عمله العديد من النساء الذين يتهافتن عليه وهو لا يعيرهم أدنى اهتمام..اذا لماذا هى بالذات..لماذا؟

ابتلع ريقه..وهو يحسم رأيه قائلا:

بصى احنا هنجرب..يمكن كل اللى فى دماغى مخاوف ملهاش لازمة..وبصراحة الاولاد محتاجين مربية فى أسرع وقت..ومفيش حد أدامى غيرك حاليا..ايه رأيك ..نجرب؟

رغم احساسها بالاهانة لقبوله بها لأنه ليس لديه حلا اخر..الا انها أومأت برأسها بهدوء فهى أيضا بحاجة الى ذلك العمل وليس أمامها حلا آخر سوى أن تجرب العمل لديه..افاقت على صوته يقول بهدوء:

تمام..تعالى ورايا عشان أعرفك على الاولاد

تبعته وهى متوترة ولكنه ما لبث أن توقف فجأة سائلا اياها وهو يقول بفضول:

عجبتك اللوحة؟

كادت أن تصطدم به ولكنها تمالكت نفسها قبل أن تفعل قائلة بحيرة:

لوحة ايه؟

قال يتأمل ملامحها البريئة:

اللى انتى كنتى واقفة تتفرجى عليها من شوية

ابتسمت وعيناها تلتمعان لتأسره بتلك النظرة وهى تقول بحماس أعجبه:

أكيد دى لوحة (عند النافذة)..لسلفادور دالى اللى كان راسم فيها أخته آنا ماريا ..واللى عجبت الفنان الكبير بيكاسو أول ما شافها فى العرض ..الحقيقة أعصابى بترتاح أوى لما بأشوفها

صمتت وهى ترى نظرة غامضة داخل عينى أدهم لتقول بخجل:

بتكلم كتير ..صح؟

ابتسم لأول مرة منذ أن رأته لتتوه فى تلك الابتسامة التى أبرزت وسامته وجعلته أكثر جاذبية ليقاطع شرودها قائلا:

بالعكس انا مبسوط جدا انى أشوف حد فى سنك عنده الاهتمام ده بالفن..ده أكيد حاجة كويسة وفى صالحك

ابتسمت بخجل قائلة:

الحقيقة أنا بحب الرسم جدا ..وساعات برسم كدة على أدى..بس اللى رسم اللوحة دى فنان ..تحسها نسخة طبق الاصل من اللوحة الأصلية

هز رأسه قائلا بابتسامة:

شكرا

نظرت اليه بصدمة قائلة:

انت اللى رسمتها؟

ابتسم وهو يومئ براسه قائلا:

ساعات برسم كدة على أدى

أدركت انه يردد جملتها ليتورد خدها خجلا مما زاد من جمالها..ليتأملها فى صمت..قطعته هى قائلة بارتباك:

احم..احنا مش هنشوف الاولاد؟

قال ادهم وهو يفيق من شروده قائلا:

الاولاد..آااه ..صح ...اتفضلى معايا

تقدمها لتتبعه هى شاعرة بالتوتر..فذلك الأدهم يجذبها اليه وبقوة

***************

قالت ديالا بدلال:

عشان خاطرى يامهيب ..لازم نروح حفلة انهاردة

نظر إليها من خلال المرآه التى يقف أمامها..يحاول أن يعقد ربطة عنقه دون جدوى..فزفر تاركا اياها وهو يقول:

مش هينفع ياديالا..قلتلك ميت مرة مش هينفع..أنا عندى شغل كتير متأخر ومش هينفع أسيبه وآجى بدرى عشان حضرتك عايزة تحضرى حفلة

ثم التفت اليها قائلا:

وبعدين احنا مش كنا انبارح فى حفلة فيها تقريبا نفس الناس..ايه اللى يخلينا نروح انهاردة كمان؟

قالت ديالا بملل:

أووف عليك ياموهى بقى.. انت بجد فصيل أوى

اقترب منها قائلا بحدة وهو يشير اليها باصبعه محذرا:

قلتلك مليون مرة مبحبش الاسم ده ..فياريت متناديليش بيه..وبعدين أنا ممنعتكيش تروحى الحفلة..اتفضلى روحى ياستى وانبسطى..بس أنا مش هروح ..فاهمة ولا لأ؟

حاولت ان تمتص غضبه فاقتربت منه قائلة بدلال:

خلاص ياحبيبى فاهمة..اهدى بس شوية..ولا يهمك ياسيدى ..هروح لوحدى

ثم ملست على وجنته قائلة :

بس انا محتاجة الجرين كارد بتاعك ياحبيبى

عقد حاجبيه قائلا:

اشمعنى؟؟

ابتسمت وهى تقبله على شفتيه قبلة خفيفة لتبتعد عنه قائلة:

عايزة اشترى فستان لحفلة انهاردة يابيبى

أغمض مهيب عينيه بيأس ثم فتحهما ليقول بهدوء يخالف ثورته الداخلية:

هو انتى مش لسة جايبة فستان جديد الأسبوع اللى فات ياديالا؟

مطت شفتيها قائلة:

لبسته انبارح يامهيب..ولا عايزنى ألبسه انهاردة كمان..لأ طبعا..مستحيل

قال مهيب بملل وهو يخرج بطاقته من محفظته ويمنحها اياها قائلا:

خلاص ياديالا اتفضلى البطاقة أهى بس اعملى حسابك دى آخر مرة هتشترى فساتين السنة دى..انتى دولابك مليان فساتين ابقى اختارى منهم اللى يناسب حفلاتك اللى مبتخلصش

أومأت براسها وهى تأخذ البطاقة من يده و تقبله فى وجنته بسرعة لتدخل الى الحمام وتستعد للخروج فهز رأسه يأسا وهو يخرج من الحجرة متجها الى عمله

*************

تنهد مهيب قائلا:

بس ياستى ..هو ده كل اللى حصل

عدلت مايا من وضع نظارتها قائلة بهدوء:

يعنى هو ده بس اللى معصبك ومخليك مش طايق نفسك بالشكل ده؟

قال مهيب بحدة:

يعنى انتى مش شايفة انها حاجة تعصب؟

ابتسمت قائلة:

لأ مش شايفاها حاجة تعصب..ايه يعنى مراتك وعايزة تحضر حفلة معاك؟؟عادى جدا وحقها...نفسها تتباهى بيك ياسيدى قصاد صاحباتها..وايه يعنى عايزة تشترى فستان جديد؟؟تعيش ياابن خالى وتجيبلها اللى نفسها فيه

ابتسم قائلا:

أنا بالشكل ده هيتخرب بيتى سيادتك

أخذت مايا نفسا عميقا تحاول أن تمحى به أثر ابتسامته على قلبها وكادت ان تتحدث لولا سماعهم لطرقات على الباب ليأمر مهيب الطارق بالدخول..ليدخل الساعى بصينية وضعها على مكتب مهيب وخرج بهدوء..نظر مهيب الى الصينية لتتسع ابتسامته قائلا:

انتى اللى طلبتى الفطار ده ..صح؟

ابتسمت قائلة:

أكيد زى عوايدك نزلت من غير فطار..فطلبتلك ساندوتشات البيض بالبسطرمة اللى انت بتحبهم والكابتشينو كمان

وقف ليدور حول المكتب ويجلس أمامها قائلا:

شفتى انتى عارفة عنى كل حاجة ازاى..تيجى ديالا بقى وتتعلم منك

أحست مايا بوجع فى قلبها ولكنها تمالكت نفسها وهى تنهض قائلة:

أنا..انا همشى بقى

امسكها مهيب من يدها قائلا بابتسامة:

مش عارف من غيرك كنت هعمل ايه يامايا؟

ابتسمت بمرارة لم يلحظها قائلة :

كنت هتعيش ياابن خالى..عن اذنك

تمسك بيدها وهو  لايدرى كم النيران التى تسرى بجسدها من لمسته ليقول برجاء:

استنى افطرى معايا

ابتعدت خطوة ليترك يدها قائلة بتوتر:

سبقتك يامهيب

مط شفتيه بطفولة محببة اليها قائلا:

مبحبش آكل لوحدى وانتى عارفة..عشان خاطرى افطرى معايا

ابتسمت وقد رق قلبها له لتتنهد وهى تجلس قائلة:

حاضر ياسيدى..أوامرك..أفطر مرة تانية علشان خاطرك

ابتسم مهيب قائلا:

ربنا يخليكى للغلابة يابنت عمتى

ابتسمت دون أن تنطق بلسانها ولكن قلبها قال فى عشق:

ويخليك لية ياابن خالى

رواية لعنة العشق
الفصل الثاني

دلف أدهم إلى حجرة طفليه بهدوء تتبعه كارمن..ابتسمت كارمن وهى ترى طفلين
 رائعين الجمال يهرعان الى أدهم ليحتضناه فى سعادة ..نزل أدهم على ركبتيه وضمهما بحنان
..تأملتهم كارمن باعجاب ملاحظة العلاقة الجميلة بين الأب وأطفاله.
.انهما بالفعل توأمين رائعين يتشاركن بعض الملامح المتشابهة كلون الشعر الأشقر والوجه 
المستدير والبشرة الناعمة..إلا أنهما يختلفان فى لون البشرة ولون العينين..فالفتاة 
عيونها زرقاء و بيضاء البشرة..بينما يحمل الفتى بشرة أبيه القمحية ولون عيون
 أبيه أيضا ذات اللون البنى القاتم....توقف الطفلان عن احتضان أبيهما 
وهما ينظران إلى كارمن..نظرت اليها الفتاة بفضول بينما نظر اليها الفتى بنظرة
 باردة تكاد تكون عدائية مما أصابها بالدهشة..التفت أدهم الى كارمن وهو يرى اهتمام 
طفليه بزائرتهما ليقول بهدوء:

جود..جودى..تعالوا سلموا على مس كارمن..هتكون معاكم من انهاردة مكان مس ليلى

اقتربت منهم كارمن ووقفت أمامهم لتجلس على ركبتيها بدورها وهى تمد يدها لمصافحة جودى قائلا:

أهلا أهلا بالحلوين..انتى اسمك جودى؟

اومأت جودى برأسها وهى تصافح كارمن بيدها الصغيرة..لتقول بابتسامة:

انتى حلوة اوى يامس كارمن..أحلى بكتير من مس ليلى

ابتسمت كارمن وهى تمد يدها تملس على شعر جودى بحنان قائلة:

انتى الأحلى ياجودى

ثم التفتت الى جود وهى تمد يدها إليه قائلة بحنان:

مش هتسلم علية ياجود؟

قال جود ببرود دون أن يصافحها:

متعودتش أسلم على حد غريب

قال أدهم فى صرامة:

جود !

أشارت له كارمن بالهدوء وهى تقول:

سيبه براحته ياأستاذ أدهم..هو معاه حق..مينفعش فعلا نسلم على حد غريب عننا

ثم التفتت الى جود قائلة بوعد:

بس قريب جدا مش هكون غريبة عنك ياجود

لم يعيرها جود أى اهتمام فى حين قال أدهم موجها حديثه الى كارمن:

دلوقتى هوريكى أوضتك عشان ترتاحى شوية وبعد العصر هتبتدى مع الاولاد اول دروسهم ..لكن لو مش حابة تبتدى انهاردة ممكن نأجل لبكرة

قالت فى هدوء:

لأ..ياريت نبدأ علطول لو سمحت

قال فى راحة:

تمام

ثم وجه حديثه الى اولاده قائلا:

تقدروا تلعبوا فى الجنينة لغاية لما الدادة تنده عليكم عشان تتغدوا و تبتدوا مع مس كارمن اول دروسكم انهاردة

اومأ الأطفال برءوسهم وهم يتجهون إلى الخارج تبتسم جودى الى كارمن التى بادلتها ابتسامتها بينما حدجها جود بنظرة باردة لتبتسم كارمن اثر خروجهما ليقطع ابتسامتها صوت أدهم وهو يقول معتذرا:

أنا آسف لو جود ضايقك بس هو مش معترض ابدا على شخصك..هو معترض على وجود حد ياخد باله منه هو وأخته..شايف انه كبر ويقدر ياخد باله من نفسه ومن أخته كمان

ابتسمت لتظهر غمازتيها مرة أخرى ويزداد جمالها ليحاول أدهم بصعوبة أن يركز على كلماتها وهى تقول:

أنا فاهمة ده كويس وهحاول اتعامل معاه بطريقتى متقلقش..بس أكيد هحتاج لتعاون حضرتك

أومأ برأسه قائلا:

أكيد معاكى..يلا بينا هوصلك على اوضتك

أومأت برأسها ليخرج أدهم من الحجرة تتبعه كارمن لتبدأ مهمتها الجديدة والتى تشعر بصعوبتها منذ الآن

************

قالت جورى فى الحاح:

ياماما عشان خاطرى تعالى ارتاحى شوية وسيبينى أكمل بدالك.. انتى شكلك تعبان

ابتسمت نوال بتعب قائلة:

أنا كويسة ياحبيبتى متقلقيش خليكى انتى فى مذاكرتك وابعدى خالص عن شغل المطبخ

ثم اقتربت منها قائلة فى حنان حازم:

أنا مربتكيش وتعبت فيكى ياجورى عشان فى الآخر تشتغلى بدالى فى المطبخ..انتى لازم تكونى دكتورة أد الدنيا وترفعى راس أبوكى الله يرحمه..فاهمة ولا لأ؟

قبلت جورى يدها قائلة ودموعها تترقرق فى عينيها:

ربنا يخليكى لية ياأمى ومايحرمنيش منك

ابتسمت نوال قائلة:

ويخليكى لية ياأحلى بنوتة فى الدنيا

ثم عادت لعملها وهى تقول:

يلا بقى روحى جامعتك عشان متتأخريش على محاضراتك

ابتسمت جورى وكادت تخرج إلا أنها توقفت قائلة بتردد:

إلا قوليلى ياماما..وأنا جاية سمعت عم عزمى بيقول لطه على طلبات كتيرة..هو..هو فيه حفلة انهاردة؟

ابتسمت نوال وتركت الطبق من يدها وهى تلتفت الى جورى قائلة بسعادة:

آه والله ..حفلة جامدة ياجورى بس مش انهاردة..بعد يومين تلاتة كدة..البيه الصغير هيرجع من بلاد برة ومعاه الشهادة الكبيرة والفرحة مش سايعة راجى بيه ووجد هانم..وعازمين أكبر ناس فى البلد....جورى..انتى يابنتى..روحتى فين؟

كانت جورى قد شردت بعد سماعها خبر رجوع أيهم لتفيق على صوت نداء والدتها لها لتقول بارتباك:

أيوة ياماما..معاكى ياحبيبتى

قالت نوال:

سرحتى فى ايه ياقلبى؟

ابتسمت جورى ابتسامة مفتعلة وهى تقول:

فى المحاضرات اللى هتفوتنى بسبب رغيك ياماما

قالت نوال باستنكار:

رغيى أنا ياست جورى؟

قبلتها جورى بحب وهى تبتسم قائلة:

ولا تزعلى نفسك ياست الكل..أنا اللى رغاية وستين رغاية كمان..سلام بقى عشان ألحق المحاضرة والدكتور ميطردنيش

ثم أسرعت بالمغادرة تتبعها عينا نوال وهى تقول:

ربنا يوفقك ياحبيبتى وأشوفك أحسن دكتورة فى الدنيا

***********

اتفضلى ياستى

قال مهيب جملته إلى مايا التى دلفت الى حجرة المكتب بعد ان هاتفها مهيب وهو غاضب للغاية يطلب منها الحضور على الفور..قالت بهدوءها الذى اعتاده منها وأحبه:

خير بس يامهيب؟انت علطول عصبى كدة؟

زفر مهيب بقوة قائلا:

ما هو من عمايلها يامايا..هتجننى..الهانم لسة مكلمانى عايزانى أروح آخدها من السنتر 
وهى عارفة ان عندى اجتماع مهم ومينفعش أسيبه
 وعم سيد السواق
 آخد أجازة انهاردة عشان تعبان ..أقولها خدى تاكسى تقولى مبركبش مع حد غريب
..يعنى أسيب
 أنا الاجتماع وأبوظ الصفقة عشان الهانم خايفة تركب تاكسى فى عز الضهر

قالت مايا بعد ان أخذت نفسا عميقا:

خد بالك انك بقيت عصبى فى كل حاجة تخص طلبات ديالا وده هيأثر على علاقتكم سوا يامهيب..لازم تطول بالك شوية ..الموضوع بسيط
 جدا ولو على حد ياخد ديالا من السنتر ويروحها فأنا مستعدة 

أروحلها بنفسى..أنا تقريبا وجودى مش ضرورى فى الاجتماع.
.كل الورق جاهز وانت

 كنت معايا خطوة بخطوة..بس ياسيدى اتحلت أهى ..وملهاش لازمة العصبية دى كلها

نظر اليها نظرة مطولة أربكتها وجعلتها تعدل من وضع نظارتها بتوتر ليقول هو باعجاب:

مش عارف يامايا ازاى بكلمتين منك بتضيعى كل زعلى وتوترى..بجد انتى الأخت اللى ربنا حرمنى منها بس عوضنى عنها بيكى

أحست بالمرارة فى حلقها وبقلبها يتحطم إلى أشلاء ولكنها تمالكت نفسها وهى تبتسم ابتسامة لم تصل إلى عينيها قائلة:

ماشى ياأخويا..همشى بقى عشان متأخرش على ديالا

ابتسم فاستدارت لتغادر ولكنها توقفت لتستدير عائدة إليه وهى تقترب منه وسط 
حيرته لتتوقف أمامه تماما وتمد يدها لتعقد له ربطة عنقه فى هدوء يخالف ثورة قلبها
 التى أعلنتها دقاته بسبب قربها الشديد منه والذى لم يحدث منذ زمن بعيد..أحست
 بأنفاسه الساخنة تلفح وجهها مما زاد من توترها ونبضها الذى ظهر فى أنفاسها المتسارعة..لم ترفع وجهها إليه وهى تقول بهمس:

طول عمرك مبتعرفش تربطها..كدة أحسن كتير

ثم ابتعدت مغادرة الحجرة بسرعة دون أن تنظر اليه ..تخشى أن تمنح نظرة واحدة
 الى عينيه فتجد نفسها تسرع و تلقى بروحها بين ذراعيه بينما وقف مهيب متسمرا 
وهو يتابعها بعينيه ..يتعجب من تسارع دقات قلبه فى قربها وذلك الشعور الغريب
 الذى سيطر عليه عندما تسلل اليه عبيرها وهى تعقد له ربطة عنقه..لأول مرة يجتاحه
 ذلك الشعور..حتى أنه تمالك نفسه بالكاد وقبض على يده بقوة حتى لا يمسك تلك الخصلات 
السوداء كالليل والتى تساقطت على وجهها ليرجعها خلف أذنها..أغمض عينيه
 بقوة وأخذ نفسا عميقا يحاول أن يهدئ به دقات قلبه التى تسارعت لمجرد تخيله 
لنفسه وهو يفعل ذلك..فتح عينيه وهو ينظر الى ربطة عنقه يتخيل كفيها
 الصغيرين وهما يعقدانها
..فلمس الربطة بحنان..لينفض أفكاره بقوة وهو يقول بحزم:

لأ يامهيب..فوق..انت بتفكر فى ايه بس..دى مايا..أختك الصغيرة..انت شكلك اتجننت ومشاكلك مع ديالا وبعدك عنها أثروا على عقلك وتفكيرك

جلس على المكتب ينظر الى صورة تجمعه مع ديالا ليتذكر كيف انبهر بجمالها 
وفتنتها ليجد نفسه غارقا فى حبها ليتزوجها فى فترة قصيرة جدا..اكتشف فى
 بداية زواجهما كم هى فتاة أنانية ومستهترة..ظن بعد فترة أنها ستحمل وتنجب له
 طفلا يغيرها ولو قليلا
..ولكن حتى انجاب طفلا له أصرت على حرمانه منه بحجة انها مازالت صغيرة على
 تحمل تلك المسئولية..وجد نفسه يعقد مقارنة غريبة بينها وبين مايا..لتفوز مايا 
دون أدنى مجهود..نهض زافرا فى قوة وهو يقول:

مالك بس انهاردة يامهيب..انت اتجننت فعلا ومحتاج حد يرجعلك عقلك ..مفيش غير أدهم هو اللى ممكن يعقلك..أيوة مفيش غيره

************

قدم أدهم والدته الى كارمن قائلا:

دى تبقى ماما وجد يآنسة كارمن

ثم التفت الى وجد مقدما كارمن اليها قائلا:

آنسة كارمن ياماما..اللى مدام عايدة رشحتها لينا واللى كلمتك عنها

نظرت اليها وجد فى دهشة ثم مالبثت ان ابتسمت قائلة:

قربى يابنتى..تعالى اقعدى جنبى

اقتربت كارمن بخجل من تلك الجميلة والأنيقة والتى عرفت لتوها ان التوأمين 
قد ورثوا منها جمالها لتجلس بجوارها ..استطردت وجد قائلة:

صغيرة أوى ع المهنة اللى اخترتيها لنفسك دى ياحبيبتى

تبادل كل من أدهم وكارمن النظرات..لتنظر اليه كارمن بتحدى..نقلت 
وجد نظراتها بين الاثنين لتبتسم خفية فى حين ابتسمت كارمن لتظهر غمازتيها الرائعتين وهى تنظر الى وجد قائلة :

انا مش صغيرة ولا حاجة يامدام وجد..انا عندى 22سنة..وبصراحة 
حسيت انى هلاقى نفسى فى شغلى ده..يمكن لأنى يتيمة وحسيت بطعم الحرمان 
من أهلى فحبيت أعوض الأطفال عن الحنان اللى اتحرموا منه لما فقدوا مامتهم..
اللى بحسه لما بلاقيهم مبسوطين بيسعدنى أكتر من أى حاجة فى الدنيا

ابتسمت وجد ابتسامة رضا وهى تقول:

كلامك بيطمنى ياكارمن..ربنا يسعدك أد ما بتسعديهم واكتر ودايما الابتسامة الحلوة دى أشوفها على وشك ياقمراية انتى

ابتسمت كارمن قائلة:

كلك ذوق يامدام وجد..تسلمى

قالت وجد:

أدهم قالى انك بتحبى الرسم..صحيح ياكارمن؟

نظرت كارمن الى أدهم بنظرة سريعة لتجد عيونه عليها مما أربكها وهى تقول:

بحبه أوى يامدام وجد

ابتسمت وهى تلاحظ تلك النظرات بين ابنها الاكبر وتلك الفتاة الجميلة لتقول بهدوء:

انا كمان بحب الرسم اوى يابنتى..ممكن فى وقت فراغك نقعد نرسم مع بعض..ايه رأيك؟

ابتسمت كارمن قائلة فى سعادة:

ده شئ يشرفنى طبعا

ابتسمت وجد قائلة:

تمام..انا هطلع أرتاح فى أوضتى دلوقتى وأشوفكم على الغدا ..بعد اذنكم

غادرت وجد تتبعها أربعة أعين ليقول ادهم بهدوء:

الولاد هتلاقيهم فى قاعة الدرس..تعالى أوريهالك لأنى مضطر أمشى..عندى مشوار مهم

أومأت برأسها وتبعته وقد اطمأنت قليلا لوجود وجد..تلك السيدة الرائعة والتى 
تذكرها بالسيدة منال..لديها نفس النظرة الحانية والطريقة السلسة 
فى التعامل مع الآخرين..لقد أحبتها على الفور..فكرت كارمن..
ربما لم تكن فكرة 
سيئة على الاطلاق مجيئها الى ذلك المكان..أو هكذا تتمنى
  
                  الفصل الثالث من هنا

تعليقات



<>