رواية حبيبتي الكاذبة
فصلين مع بعض 💜💜
الفصل الواحد والثـلاثـون
والثاني والثلاثون
( عودة إلي الهلاك )
تسمـرت أروي حيـن وجدت سهيـر ، لتتقلص عضلاتهـا وتتشنج ملامحـها غير مستوعبة أنهـا تقف أمامهـا الآن ، وستفسد عليهـا تلك الفرحـة ..
آفاقت من صدمتهـا علي صوت أميـر وهو يقول بجدية : ميـن دي يا أروي ؟!
ثم تطلـع إلي سهيـر بإستغراب فقد كانت ترتدي ملابس أقل ما يقـال عنهـا أنهـا فاضحـة !!
قطب ما بين حاجباه وهو يُكرر بصوت حاد بعض الشئ : مين دي يا أروي !!!!
كادت سهيـر أن تتحدث ولكن قاطعهـا قدوم سهيلة التي آجابت علي سؤال أمير بإرتباك :
- دي صاحبة المحـل الي أنا بشتغل فيه ، وهي زعلانة من أروي عشان معزمتهاش علي الفرح .. !
أخذت أروي تلتقط انفاسهـا بسرعـة وجسدها يرتجـف بشـدة ، في حين قال أمير بحدة : فعلا الاشكال دي مينفعش تدخل مكان زي ده ، خليهـا تخرج من هنا بدل ما انده أمن المكان يرموها بره !!!
إنفعـلت سهير وتعالي صوتها وهي تهتف بغضب : ايه أنا آآآ ......
إلا أن سهيلة قاطعتـها وهي تمسك يدهـا وتتجه بهـا خارج القاعة ، ليتحدث أمير بغضب :
إيه البني آدمة الزبالة دي ، ازاي أختك بتشتغل عند حد بالمنظر ده يا أروي ، دي تجيـب العـار !!
إزدردت أروي لعابهـا ، بصعوبة بالغة ثم تفوهـت بخـفوت وتوتر : مـ معـرفش ، أن أنا قلت لسهيلة تمشي وتسيبها بس هي مش لاقية شغـل في حتة تانيـة ...
ثم صمتت وسرعـان ما تلألأت العبرات في عينيها وجاهدت حتي لا تنهمـر بغـزارة .. بينما أميـر حاول تهدئة نفسـه هو الآخر لقد غضب من هيئتها الفاضـحة تلك ! ..
وكادت أروي أن تمـوت رعبا وهي تري سامـي يقبل عليهـما ..
في حين تقدم نحو أمير ومد يده مصافحا إياه وهو يقول ببرود مستفز : ألف مبروك يا أمير باشا ، مش تعزمنا يا عم ولا أنا مش قد المقام ولا إيه ؟!!!!
رد أميـر بثبات : أهلا يا سامي
ليكز سامي علي أسنانه بغضب دفيـن ، ثم إنتقل إلي أروي وكاد أن يصافحها هي الأخري بإبتسامة شيطانية ، إلا أن أمير أبعد يده بنفس الثبات وهو يقول بصوتٍ جهوري : متلمسهاش !
صُدم سامي من فعلتـه ، ثم تنحنح بحرج وهو يضحك بإستفزاز وينظر لـ أروي بتوعـد .. ومن ثم إنصرف ولازال يضحك بلا مبالاه ..
خارج القاعـة ..
صاحـت سهيـلة بضجر :
- جاية ليه ؟؟ عاوزة مننا ايه تاني حرام عليكي سبينا في حالنا وإبعدي بقا
صرت سهيـر علي أسنانها وهي تقول في وعيـد : والله العظيم يا سهيلة إما رجعتي معايا بالذوق كده لكون داخلة مبوظة الفرح ده وخرباها عليكي وعلي أروي واكشف المستخبي !! .. وأقول للبيه الي أختك متجوزاه ده أن أنا أمكوا وأنتوا مستعريين مني ، وكمان أحكي له علي لعبة سامي ، سامي حكالي علي كل حاجة !!
رفعـت سهيـلة رأسها للأعلي حيث نظـرت إلي السمـاء وكأنها تناجي خالقـها ، كيف تفعل في ذاك الموقف السخيف ، هل تترك أمها تقضي علي فرحة شقيقتها ، أم تنسحب بهـدوء وترحل معها إلي طريق الضلال مُجددا ؟!!!
باتت في حالة يرثي لهـا ، وأخيراً قالت في ضعف : هرجـع !
إبتسمـت سهير بإنتصار ، لتردف سهيلة بمـرارة : بس مش دلوقتي ، أرجوكي تمشـي من هنا وأنا أول ما الفرح يخلص هتلاقيـني عندك ..
أردفت سهير بنفي : لأ يا حبيبتي رجلي علي رجلك !!
ردت سهيلة بغضب : سبيني اطمن علي المسكينة الي جوه دي ، أرجوكي خلي عندك ذرة رحمة وأنا أوعدك هجيلك تاني برجليا ..
قالت سهيـر ببرود : اوك ، بس اعملي حسابك لو مجتيش ، متلوميش إلا نفسك وبرضو هفضح الدنيا ..
أنهـت جملتهـا وسارت مبتعدة عنها تاركة إياها تبكي بحسرة بل وتتمني أن تنتهي حياتهـا حتي ترتاح !!
وجدته أمامهـا بعد عدة ثوانِ وهو يقول بإندهاش : أنتي !!
عقدت سهيلة حاجباها بإستغراب وتابعت بغضب : أنت إيه الي جابك هنا ؟؟؟
أردف ماجد بهدوء : أنا جاي فرح أمير ، صاحبي !!
إزدردت ريقها وتابعـت بدهشة : صاحبك !!!
أومأ ماجد برأسه وتابع : أيوة ، أنتي الي بتعملي ايه هنا ؟!
أبدا لم تخبره أنها شقيقة أروي ، وابدا لم تفسد سعادتهـا وتطفئ تلك الفرحة التي تلمع بعينيها .. مهما كلفهـا الأمـر ، فقالت بثبات :
أنا كنت جاية مع واحدة صاحبتي ، وبعدين لو أعرف إني هشوف وشك ماكنتش جيت أبدا ، بقيت بقرف منك ومن أشكالك ربنا ينتقم منكم ويوريني فيكم يوم يا بُعدا !!
أردف ماجد بحدة : يعني أنا الي عاوز أشوفك ياختي ، أنا كده كده ماشي من أم الفرح الخنيق ده ، ثم رمقها بإستحقـار وإنصـرف ، لتأخذ نفسا عميقا وتزفره بهـدوء وتجفف دموعها وتدلف مجددا إلي القاعـة .. !
..........
ما إن دلفـت سهيـلة حتي توجهـت نحو شقيقتهـا ، ثم همست في آذنها بخفوت : متقلقيش أنا إتصرفت وهي مشيت دلوقتي ، فكي بقي
أردفت أروي بإرتياح نوعا ما : بجد ، طب عملتي ايه معاها ؟
سهيلة بتنهيدة مؤلمة : عملت الي عملته بقي يا أروي ، خليكي في الي أنتي فيه دلوقتي !
صمتت أروي وقد إرتاحت قليلاً ولكن هناك شيء يقلقها بشدة .. إلا أنها تغاضت الآن عن كل شيئاً من الممكن أن يؤلمها ، وإبتسمت من جديد ، و مالت علي أمير قليلاً وهي تهمس في آذنه : زعلان ليه ؟
تنهد قبل أن يردف بإبتسامة : مش زعلان يا حبيبتي ، بس الست دي عصبتني وكمان الزفت سامي ..
أروي بتوتر : معلش شيلهم من دماغك وأفرح عشـان خاطري ..
أخذ كف يدها بين راحتي يديه ، ثم قال بحب : بحبك جدا يعني
قالت بهمس: وأنا كمان يا أغلي من حياتي ..
.....................
إتسعت إبتسامة داريـن حين وجدت والدتها تقبل عليها وتعانقها بحنان بالغ ، لتهمس دارين بسعادة : ماما حبيبتي ، الحمد لله انك جيتي قبل كتب الكتاب
مسدت صفية علي ظهر إبنتها وقالت : ربنا يسعدك يا حبيبتي ويهنيكي يارب ، لتبتسم لزياد وهي توصيه علي إبنتها الوحيدة ، فقال زياد بصدق : في عنيا ، متخافيش عليها ..
تنهدت الأم بإرتياح ثم قامت بمصافحة نجاة لتقوم نجاة بدورها وتعرفها علي الحاضرين ..
لتتم بعد قليل مراسـم عقـد القران ، حيث جلس المأذون وخطب خطبة صغيرة جدا ومختصرة عن الحياة الزوجية لتنتهي بتوقيع أروي علي عقد زواجها من الأمير وتصبح زوجته رسميا وكذلك دارين وزيـاد ..
ثم طلبوا منهم رقصة سلو ، ليقف أمير محاوطا أروي بذراعيه وحاوطت هي عنقه بدورها .. وتمايل معها بخفة وعينيه تشع عشقا لهـا ..
بينما دارين حاولت الإعتـراض علي هذه الرقصة إلا أن زيـاد لم يترك لها المجال وأجبرها علي الرقص معه وهو يهمس بغيظ : عدي ليلتك علي خير يا دارين ، ده بيناها ليلة مش فايتة بجد .. !
ثم تمايلت معه علي أنغـام الموسيقـي الهادئة ووجهها يتلون بحمرة الخجل ، بينما زياد في أشد لحظاته السعيـدة مستمتعا بخجلهـا ، فأراد أن يزيدها خجلا حين همس في آذنها قائلا بخفوت : بحبك وأنت أحمر وشبه التفاح كده يا سكر ..
أطرقـت راسهـا وهي تبتسم بحيـاء لتستكمل رقصتها بصمت ..
ووقفت سهيـلة تتابعهم بعينيها الدامعتين بإبتسامة ، تخيلت نفسهـا بالفستان الابيض كأي فتاة في عمـرها إلا أنها تفقد الأمل في إرتدائه وفقدت الامل في الحياة أيضًا ..
.....................
كانت ماهيتـاب تسيـر بهـدوء وتتأفف بضيـق ، وما زاد من ضيقهـا حين دعس شخصا ما علي فستانهـا الطويل من الخلف بقدمـه ، لتلتفت وتصيـح بشـراسة : إيه ده أنت متخلف ولا إيه ، حد يعمل كده !!!
عقد أمجـد حاجبيه بغضب وتابع بحدة : ما تلمي لسانك ، أنتي مجنونة ولا إيه ، ايه يعني دوست علي الفستان بدون قصد ، ميكونش فستان شهرزاد وأنا مش واخد بالي ولا إيه !!!
إتسعت حدقتا ماهيتاب قبل أن تردف بصدمة : شهرزاد ، علي فكرة أنت قليل الذوق ومش محترم
لتتسع عينا أمجد ويهتف بصرامة مخيفة : أنتي إتجننتي يا بت أنتي ، أنا مش محترم ، لا علي فكرة أنا ممكن أربيكي وأمد إيدي عليكـي أنتي متعرفنيش .. !!!
......
لاحظ زيـاد مشاجرتهمـا من بعيد ليترك داريـن ويسرع خطواته ناحيتهما وكذلك فعل أميـر حين وجد زياد يسرع نحوهمـا ..
هتف زياد بحدة : ايه الي بيحصل هنا في ايه ؟؟؟
كاد أميـر أن يتحدث ولكنه قال بدهشة : أمجد !! ، ايه الي حصل مالك بتزعق لماهيتاب ليه ؟؟؟
مسح أمجـد علي رأسه بعصبية وتابع بغضب : دي بتقل أدبها عليا ، هي تخصك ولا إيه يا أمير ؟؟
أمير بجدية : أيوة بنت عمتي يا أمجد ، وده زياد أخوهـا ..
صر أمجد علي أسنانه وتابع بحنق : طب كويس إنك عرفتني ، والله ما كنت هعتقها دلوقتي
صاحت ماهيتاب بغضب : يعني كنت هتعمل ايه أن شاء الله ؟؟
إتسعت عيني أمجد وهو يتابع : بص بتتكلم ازاي !!
تدخل زياد قائلاً بجدية : ماهيتاب ، روحي إقعدي جنب ماما ، يلا بسرعة ..
رمقته ماهيتاب بنظرات نارية قبل أن تنصرف ، ليقول أمجد بتنهيدة موجها حديثه لـ زياد : أنا آسف ، بس هي الي عصبتني ، بعتذر لو خرجت عن شعوري معاها ..
قال زياد بمرح : سماح المرادي عشان تبع أمير ، إنما غير كده كنت شنيرتك !
ضحك أمجد ضحكة رجولية ، بينما قال أمير بمرح : علي طول عامل مشاكل يا أمجد أعقل بقي
أمجد بجدية : والله ما أنا يا عم ، المشاكل بتيجلي لوحدها ..
رد أمير : أعرفك يا زياد ، أمجد مأمون صاحبي من زمان وصاحب شركة مأمون رجل أعمال شاطر بس مش أشطر مني طبعا !!
لينفجر أمجد ضاحكا وهو يضرب كتفه بخفة ، فتابع أمير : وده زياد إبن عمتي وصديقي الصدوق ، وعريس الليلة برضو
فقال أمجد بإبتسامة : تشرفت بمعرفتك يا زياد وألف مبروك
ليقول أمير مازحا : عقبالك يا نجم
أمجد نافيا : لااا ، أنا كده كويس وتمام التمام !!
ليضحكوا ثلاثتهم ويعودوا إلي الحفل مجددا ..
...........
فنظرت ماهيتاب إلي أمجد بغيظ وهي تراه يضحك كأن شيئا لم يكن !!
تطلعت إلي هيئته فكان يرتدي بدلة راقية من اللون البني أوضحت رشاقة جسده الطويل ثم مرت بعينيها علي ملامحه الرجولية الشرقية ، حيث العينان السمراء الواسعة وبشرته القمحية الخشنه وشعره الكثيـف الأسمـر ..
ثم أخفضت عينيها في لمح البصر عندما نظر لهـا بغرور رافعا أحد حاجبيه .. لتهمس بخفوت : مغرور !!
....................
بعد ما يقارب الساعتان ..
تشبثت سهيـلة بشقيقتها أمام القاعـة لتخطلط دموع الأختان معا ، كلا منهما تخشي القادم من حياتها فها هي أروي أصبحت زوجة رجـل أحبهـا بشغف لكنها لم تعلم إلي الآن ما مصيـرها .. !
وكذلك سهيـلة قد حددت مصيـرها وستعود مجبرة إلي الهـلاك ثانية !!!
إبتعدت سهيلة عن شقيقتهـا قليلاً ثم أردفت من بين بكاؤها : متبكيش أنا هبقي معاكي ديما مش هسيبك ، إفرحي وميهمكيش أختك ديما في ضهرك يا حبيبتي
ظلت أروي تبكي كطفلة صغيـرة ، تخشي البُعد عن أمها .. نعم هي تشعر أن سهيلة بمثابة أم أكثر من كونها أخت ..
إنتقلت سهيلة بعينيها إلي أمير لتقول بتوسل : بالله عليك تخلي بالك منهـا ، هي عمرها ماحبت حد آد ما حبتك أنت ، رجاءا متأساش عليها أوعدني متجرحهاش ..
قال أمير بإطمئنان : متقلقيش عليها ، وإطمني ..
عانقتها مرة أخري بقوة قبل أن تستقل السيـارة مع أميرها ثم إنطلقت السيارات واحدة تلو الأخرى ، لتقف سهيلة وحيدة ضعيفة منكسرة تبكي وتبكي بحسرة ..
................
في السيارة ..
رفـع أميـر أنامله ثم مسح دموعها بحنان وهو يقول هامسا: كفاية يا أروي ، عيونك هتوجعك وبعدين يعني أنتي زعلانة عشان هتروحي معايا ؟؟
حركت أروي رأسها نافية ، بينما إبتسم أمير وجذبها إلي أحضانه قائلاً بحنو :
عارف إنك زعلانة عشان هتبعدي عن أختك بس هي هتجيلك وتقعد معاكي براحتها البيت مفتوحلها في أي وقت ، متزعليش بقي عشان خاطري ..
حدثت أروي نفسها والالام تنهش قلبها : اه ، قلبي بيوجعني كل ما يحس بحنانك وحبك الصافي ، أنا مستحقش قلبك وحنانك يا أمير .. يارب ساعدني !!
....................
سارت سهيلة .. علي غير هدي لم تعرف إلي أين ، تأبي العودة إلي ذاك المستنقع الذي دمر حياتهـا ، فبالتأكيد إذا ذهبت سوف تنتهي هذه المرة ، ولكن أين تذهب وحياة شقيقتها مُعلقة في عنقهـا !!
لا سأضحي من أجل شقيقتي
حتي وإن كان علي حساب سعادتي
سأعود من أجلك يا ملاكي إلي هلاكي ...
الثانية والثلاثون
(عشق الأميـر)
صعد السـلالم برشـاقة وهو يحمـلها بين ذارعيه ، ثم توجه إلي غرفتهـما ليدلف بها ثم يغلـق الباب بقـدمه ، لينزلهـا علي قدميها برفق ثم رفع كفوفه محتضنا وجهها بينهما وهو يهمس بعشقٍ أذابها :
- نورتي بيتك ومملكتك يا أروتي ..
إزدردت ريقهـا بخجل ، ثم قالت بهمس حزين : توعدني إنك تفضل تحبني علي طول .. ؟
أومأ لهـا برأسه قبل أن يختطف منها قبلة سريعة بعثت الرعشـة في جسدهـا النحيـل .. لتسمع صوته الهادئ يهمس لها : أوعدك يا رورو
ليمرر يداه بعد ذلك علي ذراعيـها بنعومة أذابت عظامهـا ..
فهذا هو أول رجـل في حياتها و أول رجل يلمسهـا ويقتـرب منها ، وهذا الشعـور جعل عضلات جسدهـا تتقلص بينما أصابعها أصبحت كلوحا من الثلـج .. وبدي الخوف واضحا علي ملامح وجهها ، ليتفهم أمير ذلك الخوف ويقول بإطمئنان : إيه رأيك نصلي الأول ؟
قالت بتوتر : نـ نصلي !
فمنذ متي وهي لا تركع ، تتذكر أخر مرة سجدت فيها منذ ما يقارب السنتان وقبلا كانت تصلي فرضا .. ثم تمتنع عن الصلاة ولم تشعر بالطبع بأي خشوع مجرد أنها تُحرك جسدها فقط ..
سمعت صوته وهو يقول بحماس : طبعا ، يلا عشان ربنا يباركلنا .. ثم طبع قبلة علي جبينها وهمس لها بغمزة : يلا .. !
................
وقفت سهيـلة أمام أمواج البحر الهائجة بعد أن سارت منذ أن إنتهي حفل الزفاف حتي وقفت أخيرا وهي تلهث ودموعها تنساب فوق وجنتيها تبكي ألما في صمت ..!!
أنه لشعورا قاسيا حين تريد الفرار ولم تجد المخرج ، حين ينزف القلب وجعا والعين تكاد تبكي دما .. !!
جثت علي ركبتيها لقد فقدت القدرة علي الصمـود أكثر من ذلك !! لتتعالي شهقاتهـا المريرة وهي تصيح غير مبالية بمن حولها : يــــارب ..
فقط الله هو الملجـأ الوحيد الذي هو أرحـم من البشر جميعهم الذين حين يرون خطأ الغير يدبحونه دبحا ويتركونه حُطام ..
ظلت تدعو خالقهـا وبكاؤها يزداد ونحيبها يتعالي ، لتشعـر بعد ذلك بيد تربت علي كتفهـا برفق ..
فشهقت بفزع وإلتفتت لتري من الذي فعـل ..
فوجدت سيـدة بسيطة في ملابسهـا وهادئة في ملامحهـا رغم كبر سنهـا ، بينما مسحت سهيلة دموعها وهي تطالعهـا بإستغراب لتسمع صوتـها تقول بهـدوء : مالك يابنتي ، في حد آذاكي ولا إيه ؟؟
وجدت نفسها تومئ برأسها تلقائيا وإنفجرت باكية مرة أخري ، فما كان من السيدة إلا أنها إحتضنتها بحنو ممُسدة علي ظهـرها قائلة بخفوت : لا حول ولا قوة الا بالله ، مين يابنتي الي زعلك كده ، تعالي لما نقعد علي جنب لحسن الناس بتتفرج علينا ..
ثم سحبتهـا من يدها لتسير بها بضع خطـوات إلي أن جلستا علي مقعد من الحجـر ، لتقول تلك السيدة في هدوء : أنتي من إسكندرية ؟
أومأت سهيلة وقالت بصوتٍ مُختنق : أيوة
فقالت متعاطفة : وليه زعلانة وبتبكي ..
رمقتها سهيلة بحذر فأكملت السيدة بإطمئنان : أنا إسمي نبيلة وجاية إسكندرية هنا مع جوزي وإبني ، هما عندهم شغل وأنا نزلت أشم الهوا أنا أصلا من القاهرة .. ومعرفش أي حد هنا
ثم ساد الصمت قليلاً لتتابع نبيلة بإبتسامة : أنتي بس صعبتي عليا والله ، ليه بتبكي ؟؟
صمتت سهيلة فربتت نبيلة علي كتفها : مش هتطفل عليكي بس حبيت أساعدك .. عموما يابنتي مفيش حاجة مستاهلة تتعبي نفسك كده ، ده إحنا كلنا رايحين وكل من عليها فان .. !
إبعدي عن أي حاجة توجعك ..
تنهدت سهيلة بثقل ، ثم أردفت بحزن : نفسي أبعد بس مش عارفه .. !
إستكملت نبيلة بتساؤل : ليه ؟
أجابتها سهيلة ببكاء : يارتني أقدر أحكيلك ، بس للأسف مينفعش ، لأن حياتي بايظة ومفيهاش حاجة تشرف ، عبارة عن ذنوب وبس عبارة عن وجع وقهر ...
تفهمت نبيلة الأمر فـ أردفت بجدية : مفيش حاجه اسمها ذنوب وبس ، ربنا موجود وفاتحلنا بابه في أي وقت مهما عملنا ذنوب هيغفرلنا بس إحنا نتوب ونلجأ ليه ، وبلاش يأس .. !
أومأت سهيلة برأسها وقالت في يأس وكأنها لم تسمعها : الي عاوزه ربنا هيكون ..
لتنهض وتقول بضعف : أنا ماشية ..
ثم سارت بخطوات متثاقلة متجهه إلي المستنقع من جديد ، فمن الممكن أن يأتي لنا لحظة هداية في أي وقت قد تكون فرصة في صلاح أنفسنا ونحن دون فهم نوليها ظهرنا ونسير مع الطيار !! ..
.........................
الله أكبــر ..
جملة هزت قلبها وجعلتـه يرتجـف ، حين قالهـا أمير وهو يُصلي بهـا في الليلة الأولي بينهما ..
لتسمع الجملة التالية "سمع الله لمن حمده"
أغلقت عينيها لتشعر بجمال تلك الكلمات التي إخترقت مسامعها وقلبها معا ، ولـ أول مرة تنتبه إلي المعني الجميل حين نحمد الله يسمع لنا ..
ثم هبطت لتجثو ساجدة لتغلق عينيها وتدعي بأن ينجيها الله من ذلك المأذق الذي وضعت نفسها فيه ويغفر لها ما تقدمت به ذنب ..
ثم رفعت نفسها حين كبر إلي آن إنتهـت الصـلاة ..
ثم إلتفت إليهـا وإبتسـم ليضع يده علي جبهتها ويقول بنبرة هادئة :
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَمِنْ شَرِّ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ...
................................
في ڤيـلا زيـاد
جلس علي طرف الفراش وهو يدلك ركبتيه بإرهاق ، ثم هتف بغيظ : ده أنا لو جاي أكفر عن سيئاتي كلها مش هصلي كل ده !
ضحكت داريـن ثم تابعت وهي تعقد ساعديها أمام صدرها : لازم نعمل كده عشان ربنا يباركلنا يا زيزو .. !
نهض زياد لتبتعد عنه راكضة ، ليهتف بغيظ : نهارك مش فايت يا دارين ده أنا حيلي إتهد من الصلي والجري وراكي .. !
قهقهت دارين وهي تركض خارج الغرفـة ، حتي فرت هاربة منه ، لينطلق زياد خلفها ويكز علي أسنانه : دارين ، تعالي هنا !!
لم تسمع له بل هبطت الدرج لتدلف إلي المطبخ قائلة بصوتٍ لاهث آثر ركضها :
ده أنا هموت من الجوع ، استني أما نشوف حاجة ناكلها يا زيزو
ثم وجدت ساقيها تركلان في الهواء وهو يهمس لها : أنا هاكلك أنتي ..
لتقهقه عاليا وهي تحاول الفرار منه مرة ثانية إلا أنه أحكم قبضته عليها وقال بثقة : خلاص ياروحي أنتي في عرين الاسد دلوقتي !
إحمرت وجنتاها ، وكادت أن تبكي خجلا ، ثم قالت بتوسل : طب ممكن أكل ، الله يخليك يا زياد جعانة سبني أكُل
قهقه زياد عاليا ثم قال من بين ضحكاته : يا شيخة ، ده ايه البراءة دي ، ما من شوية كنتي مطلعة عيني ، اه منك يا ملوخيه لما تيجي تحت المخرطة !!
ثم تابع بحزمٍ مصطنع : مفيش أكل ، في زياد بس عاجبك ولا مش عاجبك ؟؟
قالت بخجل شديد : عاجبني يا سيدي .. خليني أكُل بقي عشان خاطري يارب يسترك وما يوقعك في ضيقة أنا زي مراتك برضو ..
ضيق عينيه وقال ضاحكا : ممم أحبك وأنت مزنوق كده ، أوك هطلق صراحك ، بس وغلاوة دارين عندي لو طلعتي تجري تاني ما أنا عاتقك سامعة ولا لأ ؟؟
أنهي جملته وطبع قبله علي وجنتها المتوردة لتلكمه في صدره بغيظ ، ليهتف هو بصرامة مصطنعة : قولنا ايه ؟؟
أومأت برأسها في طاعة وتابعت بصوت خافت : حاضر حاضر
أنزلها علي قدميهـا أخيـرا لتقوم بحمل الصحون بحذر وتتجه بهـا إلي سفرة الطعام ، ثم جلست تأكل ليتبعها زيـاد ويجلس جوارها ثم أخذ يطعمها بيده ويُغازلهـا بكلماته العاشقة ضاحكا علي خجلها الذي يعشقه بشدة ...
.......................
عودة للأمير وعروسه ..
لم تعرف لما شعرت بوخزه في قلبهـا وهي تري حنانه ذاك ، أنهـا خدعته وكذبت كذبة من الممكن أن لا يغفرها لهـا مهما مـر الزمـان ..
فهل يكون جزاء الاحسان إساءة ؟
هكذا راحت تُفكر وقد ترقرقت العبرات في عينيها ، بينما قال أمير بلهفه : مالك يا حبيبتي بتبكي ليه ؟؟
هل تعترف ؟؟ ..
إنهـا ليلة العمـر في حياة أي فتاة ، فهل تفسدهـا ؟؟
تفوهت أخيرا بضعف : أبدا ، بس سهيلة صعبانة عليا عشان سبتها لوحدها ، وكمان قلقانة أوي عليها .. !
فقال محاولا التهوين عليها : معلش يا اروتي ، ده شئ طبيعي عشان انتوا مرتبطين ببعض بس
أومأت له برأسها ، فإقترب يمحي لها الدموع ثم قال مازحا بحزم : مش عاوز أشوف دموعك تاني مهما كانت الأسباب مفهوم ولا لأ ؟؟
أومأت ثانية بإبتسامة ، ليقول وهو يجذبها إليه : أيوه كده ، تعالي أقولك حاجة سر بقي !!!
لينهل الحب من بحر عشقها ويسرقا من الزمن اجمل لحظـات حياتهمـا الزوجيـة
...................
في منزل السيدة نجـاة ..
جلست ماهيتـاب تتصفح الانترنت حيث كانت تتبادل الرسائل مع شخص ما ، تعرفت عليه من خلال تطبيق الفيس بوك مؤخرا وأصبحت تراسله يوميا ، إنجذبت له أو ربما تحاول نسيان أمير به هي لا تعلم.. الأهم أنها ترتاح حين تتحدث معـه ، وتنقل له تفاصيل يومها وهو كذلك ، فهل ستتطور العلاقة إلي أن تصبح حب ثم خطبة وزواج أم سغيره يلعب بها كنوع من أنواع التسلية ؟؟
...........
عادت سهيلة إلي العالم الذي ظنت هي أنها نجت منه ، ها هي تعود مرة ثانية ، مُرغمة علي ذلك أو ربما مستسلمة للهلاك من جديد ..
ما إن دلفت حتي أقبلت عليها سهير بفرحة ، فها إبنتها ستعود لفعل المحرمات معها !!!!!
أوقفتها سهيلة قبل أن تلمسها قائلة بحدة : أرجوكي متلمسنيش !
تجهمت ملامح سهير لتتابع : ماشي يا سهيلة علي راحتك المهم إنك رجعتيلي !
قالت سهيلة بغضب : أنا محتاجة أخد راحة شوية علي الأقل أسبـوع ، لو سمحتي متضغطيش عليا وسبيني لحد ما أرجع لطبيعتي لوحدي أنا نفذت الي أنتي عاوزاه وجيت بس محدش هيلمسني إلا لما أرتاح نفسيا .. !
أومأت سهير بالإيجاب : ماشي بس هو أسبوع واحد بس !
تركتها سهيلة ، ثم دلفت إلي غرفتهـا مجددا، لتوصد الباب جيدا وتستكمـل بكاؤها المرير ..
..................
صباح يوم جديد ..
نشرت الشمس دفئها في كل مكان ، لتتململ أروي في فراشهـا بتكاسل ، ثم فتحت عينيها حتي نظرت إلي الأمير النائم بجانبها ، إلي الآن لا تصدق ، لامست وجهه بيدها حتي تتأكد أنها لا تحلم وأنه بالفعل زوجها !!
إبتسمـت له وحاولـت نسيان كل شئ يؤلمهـا ثم نهضت بحـذر حتي لا تفيقه ثم إرتدت روبها الستان الأحمـر لتخرج من الغرفة وتهبط الدرج وهي تتلفت بسعادة إلي أن وصلت إلي المطبخ ، فدلفت لتجد "سحر"
إبتسمت وقالت : صباح الخير ..
ردت عليها سحر مبادلة إياها الإبتسامة : صباح النور يا ست هانم صباحية مباركة ..
أردفت أروي بعتاب : ايه هانم دي ، أنا إسمي أروي يا دادة
سحر بهدوء : المقامات محفوظة برضو يابنتي
قالت متنهدة : أنا بسيطة جدا يا دادة لو اعتبرتيني بنتك يكون أحسن ممكن ؟
أومأت لها وقالت بحنو : ماشي ياحبيبتي ، أحضر الفطار ؟
إبتسمت لها أروي وتابعت : ياريت ، أنا هعمل تيلفون وأجي أساعدك يا دادة ..
ثم خرجت من المطبخ وهي تعبث بهاتفها وتسير إلي أن خرجـت في الحديقة ..
بعد قليل آتاها صوت شقيقتها الناعس : صباح الخير يا أروي ، ايه مصحيكي بدري كده ؟؟
أجابتها أروي مبتسمه : قولت أطمن عليكي يا حبيبتي ، أنتي فين دلوقتي ؟
- عند أمك .. قالتها بيأس وصمتت
لتردف أروي بحزن : برضو رجعتي يا سهيلة
ردت بصوت متألم : نصيبي كده ، المهم طمنيني عليكي
تنهدت وقالت بضيق : الحمدلله ، بس مش هبقي كويسة أبدا إلا لما أنتي ترتاحي أنا حاسه بالذنب واني أنا السبب في الي أنتي فيه يا سهيلة
سهيلة بنفي : لا يا أروي ، سهير هي السبب وأنا ، إنما أنتي ملكيش أي ذنب ، المهم سيبك مني وإفرحي شوية
تابعت أروي بحزن : أفرح ازاي وأنا كذابة وخدعت أمير يا سهيلة ، علي قد السعادة الي عيشني فيها علي قد رعبي منه
سهيلة بجدية : أروي إعترفيله وريحي نفسك
أروي بخوف : خايفة أوي هموت من الخوف ، لو سبني هرجع أعيش مع أمك تاني وهعاني من جديد ده زائد إني بحبه ومقدرش خلاص أتخيل حياتي من غيره يا سهيلة ، أنا مش عارفه والله ما عارفة أقوله ايه !
صمتت سهيلة قليلاً ثم تابعت بعد أن تنهدت بألم : مش عارفه أقولك ايه يا أروي ، ربنا معاكي ومعايا ..
أروي بإيجاز : يارب ، هسيبك دلوقتي يا حبيبتي وهرجع اطمن عليكي ..
لتقول بإيجاب : ماشي مع السلامة ..
لتغلق أروي الخط وتتجه إلي الداخل ..
في الغرفة ..
فتح أمير عينيه ليجد مكانهـا خالي ، فنهض جالسا وهو يفرك عيناه بتكاسل ، بينما هتف مناديا عليها ربما تكون بالحمام إلا ان لا يوجد صوت ..
فبعد قليل وجدها تدلف من باب الغرفة وهي تحمل صينية الطعام ..
ليعقد حاحباه ويقول بجدية : كنتي فين ؟؟
أجابته مبتسمة بتلقائية : كنت بحضر الفطار مع دادة سحر ..
فرفع أحد حاجبيه وقال بحدة : ومين قالك تخرجي برة الأوضة أصلا ؟؟ وإزاي خارجة بالمنظر ده !!
إستغربت أروي وقالت بحذر : يعني ايه ، بقولك كنت بحضر الفطار ..
إنفعل قائلاً بحزم : وأنا بقول مفيش خروج من الأوضة طول ما أنا موجود فيها ، أما بقي إنك تنزلي بالروب ده ، فده إستهبال وان اتكرر تاني متلوميش إلا نفسك
إتسعت عينا أروي وتابعت بحنق : ليه ، ما هو البيت مش فيه حد غير دادة سحر ، ايه المشكلة يعني
رد عليها بحزم : لأ فيه عم سعيد جوزها الي ممكن يدخل في أي وقت يناولها حاجة !
عبست بوجهها وقالت بتذمر : آسفة مش هعمل كده تاني .. !
ثم تابعت بضيق : ممكن بقي تفطر ولا هتزعقلي تاني ..؟
تنهدت بعمق ثم أومأ برأسه لتجلس أمامه بالطعام ثم إعتدل ليتناولا الطعام في صمت ...
بينما أروي غاضبة منه وخائفة في نفس الوقت ، لتتفاجئ به يطعمها .. فنظرت له بعتاب إلا أنه قال بحزم : إفتحي بؤك ..
فتحت فمها لتلتقط من يده الطعام ، ثم سمعته يقول بمرح :
أنا كده غيور ، وعصبي ومبعرفش أسيطر علي نفسي لما ألاقيكي عاملة حاجة معجبتنيش ، ممكن تكون الحاجة دي بالنسبالك ولا حاجة بس بالنسبالي حاجة كبيرة ..
وكمان لازم تتعودي علي كده عشان أنا بعشقك وبخاف عليكي
إبتسمت لجملته الأخيرة ليطعمها مرة ثانية ويمازحها إلي أن شاركته الضحك لتغرق معه في بحر عشقه ...