كثيرا ما سمعت قصة سنوهوايت وأتوقف عند اللحظة التي تنظر فيها المرأة الشريرة للمرآة وتتساءل ترى من أجمل منها؟ وكنت أنظر للمرآة أتساءل
ترى هل سأجد أحدا يتقبل دمامتي ويفكر في الإرتباط بي؟ لقد كنت مختلفة عن أمي البيضاء ذات العيون الخضاء والشعر البني الفاتح وأختاي فالكبرى
سوسن ببشرة خمرية وشعر بني مجعد قليلا وعيون زرقاء أما الصغرى فهي نهى (باربي) كما تُطلق عليها العائلة ذات القوام الممشوق والبشرة البيضاء
والعيون الزرقاء والشعر البني الفاتح الناعم،بينما كنت قطعة من أبي الصعيدي فبشرتي سمراء كطمي النيل وعيوني سوداء وأنفي طويل وشفتاي رفيعتان وشعري أسود وخشن ولا يستكين إلا عندما تفرده مكواة الكوافير بمشقة، لم أكن ناقمة على ميراثي من أبي بقدر
نقمتي على مجتمع لا يٌقيم الناس إلا بالشكل والمال والنفوذ. لقد كنت رشيقة مثل نهى لكن الكل كان يطلق عليها رشاقة عندما تقترن بنهى ونحافة عندما تقترن بي ويبدأ السؤال المعهود نجلاء لطفي(ألن يزيد وزنك أبدا ليضفي البياض على وجهك ويبدل ملامحك؟)
وكأني خلقت نفسي ومسئولة عن دمامتي من وجهة نظرهم. لم أهتم بأحد إنما وضعت كل إهتمامي في دراستي وكنت أنجح من أختاي ورغم ذلك لم أحظ باهتمام أحد،إنما كنت في البيت كم مهمل ،مجرد شيء لا يتذكرونه إلا عندما يحتاجونه فقط. كانت أختي الكبرى سوسن تزوجت بدبلوماسي وسافرت معه لأوربا وأنا في الثانوية العامة فلم يهتم بي أحد ولا بمذاكرتي ولا بتوفير الجو الملائم للمذاكرة إنما كان الكل يستعد للعرس الكبير فحصلت على مجموع أقل مماتوقعت فقررت أن ألتحق بقسم اللغة الإنجليزية بكلية التربية لأن مجموعي لم يكن كافيا لألتحق بكلية الألسن، كما أني أحب التدريس والأطفال حبا جما، نجحت بتفوق في كليتي وتخرجت بتقدير عال وفي نفس العام رسبت نهى في كلية التجارة فتحول البيت لمأتم وحاول الكل مواساة باربي ولم يفكر أحد في تهنئتي على نجاحي بتفوق سوى أبي.
بدأت رحلة البحث عن عمل فعرض أحد أقاربنا أن أعمل بمدرسته الخاصة كمعلمة للأطفال في البداية ثم إذا أثبت جدارتي سأدرس للفصول الأكبر سنا،وافقت على العمل لأشغل نفسي بشيء مفيد ولأهرب من تلميحات أمي الدائمة أنني لن أجد من يتزوجني بسبب دمامتي. عشقت عملي ومنحته كل وقتي وطاقتي وبعد العمل بحثت عن كورسات لتزيد من كفاءتي فكنت مشغولة تقريبا طوال اليوم. نلت ثقة مديري في العمل بعد أن ظهرت نتائج الأطفال ونجح معظمهم بتفوق فقام المدير بتكريمي، وشكرني الكثير من أولياء الأمور.
طوال سنوات عمري الخمس وعشرون لم يتقدم للزواج بي سوى أحد أقارب أبي الفقراء الذي يطمع في مال أبي رجل الأعمال وأرضه التي ورثها عن جدي، وأحد أصدقاء أبي طلبني للزواج من أجل أخيه الأرمل الذي يرغب في زوجة ترعى أطفاله فرفض أبي رفضا تاما وقال لي:
-لا تحزني يا ابنتي بل اصبري وسيعوضك الله بزوج يستحق قلبك الطيب وجمال روحك
كنت أعلم أن أبي يواسيني بكلماته التي لا يصدقها لأنه يعلم جيدا أنه لايوجد رجل يتحمل دمامة الشكل إلا من أجل المال أما جمال الروح فهي كلمة نضحك بها على أنفسنا فقط، كنت أدرك جيدا ألا أمل في زواجي رغم حنيني الجارف لرجل بحق يشاركني حياتي وأطفال أحبهم وأرعاهم نجلاء لطفي لكني رضيت بنصيبي من الدنيا.
جاءني عرض من إحدى زميلاتي في العمل لأسافر لإحدى الدول العربية للعمل بمدرسة كبرى هناك معها ،فكرت كثيرا حقا لم أكن أحتاج للمال لكني كنت أحتاج لتغيير المكان والعقول المريضة ومقابلة ناس جدد لا يقارنوني بأمي ولا أختاي، كنت أحتاج بشدة للسفر لكن والدي رفض بشدة وقال:
-لقد تركتك تعملين حتى لا تعاني من الملل لكن فكرة السفر مرفوضة تماما فأنا لا أحتمل غيابك عن عيني وعن رعايتي فربما يصيبك مكروه وأنت بعيدة فلا أستطيع أن أكون بجوارك
-لكني أحتاج للسفر فهي تجربة جديدة في مجتمع جديد ستضيف لي الكثير وإن لم يعجبني الحال فسأعود
فقالت أمي :
-دعها تسافر وتجرب حظها في بلد لا يعرفها فيه أحد ربما تجد من يرغب في الزواج منها ولا يكون طامعا في أموالنا ولا يرغب في أم لأطفاله، حتى وإن لم تجد زوجا على الأقل ستجمع مبلغا لا بأس به يؤمن لها مستقبلها وقد تفتح مدرستها الخاصة ،لاتقف في طريق مستقبلها .
-نعم يا والدي أنا أرغب في السفر بشدة
فقال بعد لحظات صمت:
-سأستخير الله ثم أقرر لكن كيف أوافق على أن تعيشي في بلد غريب وحدك؟
-لست وحدي معي زميلات كثيرات من بلدنا وسنقيم في بيت مخصص لنا وعليه حراسة، أرجوك يا أبي أنا أرغب في خوض تلك التجربة
-دعيني أفكر بمفردي
بعد عدة أيام وافق أبي تحت تأثير أمي القوي، فسعدت جدا بموافقته ورحت أستعد للسفر وبدأت الإجراءات، حزن مديري كثيرا على تركي للمدرسة وكذلك أولياء الأمور والأطفال، كما حزنت كثير من الزميلات لأني كنت لهم أخت وصديقه و بمثابة بئر أسرارهن ومن أنصحهن فكن يفضين إلي بكل أسرارهن ولا يخشين من إفشاءها ويثقن بنصحيتي وهن يعلمن أن قلبي لا يحمل لهن إلا كل الخير والمودة، ورغم فرحتي بالسفر فإني كنت حزينة لفراق من يحبونني حقا ويهتمون لأمري وخاصة الأطفال لأنهم لا يعرفون الكذب والخداع وحبهم مخلص صادق.أنهيت الإجراءات وودعت أسرتي وركبت الطائرة وأنا أحلم بحياة جديدة مختلفة كان يملؤني التفاؤل واليقين بالله أن القادم أفضل.
جلس بجواري شاب في نهاية العشرينيات وبمجرد جلوسه تفحصني باشمئزاز ثم أشاح بوجهه عني وانشغل باللاب توب الذي معه وظل يلعب عليه بعض الألعاب بصوت عال أزعجني فقلت له:
-من فضلك أخفض صوت الألعاب أو ضع سماعاتك
-لا شأن لك سأفعل ما أريد
-لكن الصوت يزعجني
-إذا ضعي سماعاتك أو أبدلي مكانك
-أنت لا تعرف الذوق
-هذا حقيقي
رفع صوت الألعاب أكثر بشكل مزعج فناديت على المضيفة وطلبت منها أن تتصرف فنظرت إليه واضطربت يبدو أنها كانت تعرفه وأنه شخص بارز في تلك البلد التي نتوجه إليها فقالت:
-بإمكاني نقلك لمكان أخر إن أحببتي
-نعم أحب هل تسمح لي؟
-لا لن أسمح لك؟
فنظرت له متعجبة فقال:
-بل سأترك أن المكان لأنك أزعجتني وأفسدتي يومي أيتها السخيفة
نظرت إليه بتعجب فكم هو مغرور وتافه ، شاب في مثل عمره لا يشغله سوى الألعاب ولا يهمه إن كان يزعج الأخرين أم لا.وصلت الطائرة ولا حظت أن هناك سيارة تنتظر ذلك الشاب المغرور تحت سلم الطائرة واصطحبته يبدو أنه شخص مهم جدا لكنه يعاني من فراغ العقل والوقت معا ،ابتسمت وقلت :
-يبدو حقا أني سأخوض تجربة جديدة في مجتمع جديد
أنهيت الإجراءات وطلبت من أحد سائقي التاكسي توصيلي للعنوان المدون بالورقة ، وصلت للمدرسة قرب إنتهاء ساعات العمل فرحبت بي المديرة في مدرسة للبنات فقط وعرفتني مهام عملي وأين سيكون فصلي وقالت لي:
-انتظري قليلا حتى تأتي زميلاتك ليصطحبنك إلى محل إقامتك وستبدأين العمل بعد غدا
بعد نحو ربع ساعة توافدت الزميلات وقامت المديرة بتعريفي لهم ثم قالت لهالة وصفاء:
-الأنسة منة ستكون زميلتكم في الغرفة أرجو أن تنسجموا معها ولا أريد نجلاء لطفي أن أسمع أية شكوى وخاصة منك ياهالة
-أنا لا أفعل شيء وكما تعلمين أتميز بالهدوء
- أعلم جيدا هيا فمنة تحتاج للراحة
ذهبت معهن فتوجهنا إلى مبنى أخر بعيدا عن مباني الدراسة يفصل بينه وبين المدرسة سور صغير له باب حديدي فتحنا الباب ودخلنا إلى مبنى مكون من أربعة طوابق كل طابق يتكون من عدة غرف وبه 4 حمامات ومطبخ كبير، كان سكننا في الطابق الثاني في أول غرفة على اليمين ، فتحت صفاء الغرفة بمفتاحها وقالت:
-هذا السرير بجوار الباب سريري والأخر بجوار النافذة سرير هالة أما سريرك فهم في المنتصف والدولاب في المنتصف خاص بك وبه مفتاحه، وهذا مفتاح الغرفة الخاص بك
-ربما لن أحتاج مفاتيح
قالت هالة وهي تخلع ملابسها
-لا تكوني ساذجة لابد من إغلاق كل شيء بمفاتيح وإلا لن تجدي أشيائك فلا تغرنك المظاهر فمعظمهن لصات محترفات سرقة ملابس وعطور وماكياج بل ومال أيضا
قالت صفاء:
-كوني حريصة فقط
فقلت:
-مانظام الأكل هنا؟
-فقالت هالة:
-إما أن تأكلي من طعام المطعم الأشبه بطعام المستشفيات أو أن تطهي طعامك بنفسك أو أن تستغلي كل يوم زميلة لتطهو لك في مقابل مادي
فقلت:
-سأجرب طعام المطعم فإن لم يعجبني قد أشتري بعض الطعام من الخارج
فقالت صفاء:
-سينتهي بذلك راتبك قبل نهاية الشهرفالطعام هنا مُكلف
فقالت هالة:
-دعك منها فأنا أعرف مطعما طعامه جيد وسعره مناسب
فضحكت صفاء وقالت:
-مطعم حبيب القلب
-نعم هو حبيبي وموتي بغيظك
-يا مجنونة إنه لا يراك ولا يشعر بك كفاك جريا وراءه
-سيأتي يوم وينظر لي بعيونه العسلية الجميلة ويشعر بدقات قلبي
فقلت:
-أهو صاحب المحل
فقالت هالة :
-بل هو أحد العاملين بالمحل لكن عيناه أسرتني من أول لقمة
ضحكنا معا فقالت هالة :
-منة بالتأكيد أنت جائعة ألست كذلك تعالي سأعزمك اليوم على الغداء
لبست ملابسها بسرعة وجذبتني من يدي ولم تترك لي فرصة للإعتراض وذهبنا لمطعم قريب من سكن المعلمات وقبل أن ندخل أشارت للفتى الجالس على الخزينة وقالت:
-هذا هو سارق قلبي
-يبدو جادا جدا وأنت مهرجة جدا
-إما أن أعلمه التهريج أو أن أصبح جادة مثله لكني لن أتركه ، تعالي لنجلس في المنضدة المواجهة له
بدأنا في طلب الطعام وعيناها لاتفارقانه بينما هو لم ينظر إلينا ولا مرة، إنتهينا فأسرعت هالة لدفع الحساب وقالت:
-مساء الخير
لم يجب إنما ظل محملقا في خزينة الفلوس فمنحته إيصال الدفع فتناوله من يدها دون أن ينظر إليها ثم قال بهدوء:
-أين الفلوس؟
-أية فلوس؟
فنظر إليها وقال بجدية :
-ألم تأت لهنا لدفع الفلوس؟
-أه طبعا تفضل
ناولته إياها وهي تبتسم وهو غارق في عمله وأعطاها الباقي دون أن ينظر نجلاء لطفي إليها فشعرت بحرج موقفها فقلت:
-هيا يا هالة لقد تأخرنا
وجذبتها من يدها وخرجنا فقال لي :
-ما رأيك؟
-جاد جدا ومهتم بعمله فقط
-وهذا ما جذبني إليه لقد سلطت عليه كل الزميلات فلم يستجب لأية واحدة
-لكنه سيعذبك بقسوته وجديته
-أفضل من أن يعذبني بكذبه وخيانته مثل خطيبي الذي خانني مع كل صديقاتي وزميلات العمل حيث كنا نعمل معا فأدمى قلبي بخيانته وفسخت الخطبة بل وتركت البلد كلها من أجله وجئت لهنا منذ ثلاث سنوات وتعافيت من صدمتي ثم قابلت فتى الخزينة فسقطت صريعة جديته وصرامته مع الجميع.
-قد تكونين تعلقت به فقط لأنه عكس خطيبك الذي سبب لك الصدمة لكن الحب شيء مختلف يحتاج لطباع مشتركة وتفاهم وإحترام ومشاعرمتبادلة
-يبدو أنك خبيرة بالحب كم رجل ياترى مر بحياتك؟
-ولا رجل لكن تلك وجهة نظري في الحياة
-هيا بنا يا صاحبة وجهة النظر لننام فقد أنهكني التعب والشوق.
الحلقة الثانية
بقلم نجلاء لطفي
-جاد جدا ومهتم بعمله فقط
-وهذا ما جذبني إليه لقد سلطت عليه كل الزميلات فلم يستجب لأية واحدة
-لكنه سيعذبك بقسوته وجديته
-أفضل من أن يعذبني بكذبه وخيانته مثل خطيبي الذي خانني مع كل
صديقاتي وزميلات العمل حيث كنا نعمل معا فأدمى قلبي بخيانته وفسخت الخطبة بل وتركت البلد كلها من أجله وجئت لهنا
منذ ثلاث سنوات وتعافيت من صدمتي ثم قابلت فتى الخزينة فسقطت صريعة جديته
وصرامته مع الجميع.
-قد تكونين تعلقت به فقط لأنه عكس خطيبك الذي سبب لك الصدمة لكن الحب شيء مختلف يحتاج لطباع مشتركة وتفاهم وإحترام ومشاعرمتبادلة
-يبدو أنك خبيرة بالحب كم رجل ياترى مر بحياتك؟
-ولا رجل لكن تلك وجهة نظري في الحياة
-هيا بنا يا صاحبة وجهة النظر لننام فقد أنهكني التعب والشوق
ضحكنا معا وعدنا لغرفتنا وانشغلت بترتيب جزء من ملابسي وذهبت للإغتسال ثم عدت لغرفتي فقالت هاله:
-ميعاد العشاء سيكون في الثامنة مساءا في المطعم
-ألن تأتي؟
-لا فمازلت أعيش على تلك اللحظات الجميلة التي رأيته فيها فأشعر بالشبع
فقالت صفاء:
-دعك منها فعندما يقرصها الجوع ستسبقنا، ارتدي ملابسك وتعالي لنذهب في جولة في المبنى قبل موعد العشاء
خرجنا من الغرفه فأرتني غرفة الاستقبال الكبيرة التي بها جهاز تليفزيون كبير تلتف حوله الزميلات، وفي الدور الأرضي هناك غرفة المكتبة التي لا يدخلها أحد تقريبا وتمشينا قليلا في الحديقة المزروعة بالورود والرياحين وفي الثامنة ذهبنا للمطعم في الدور الأرضي فوجدنا نجلاء لطفي الزميلات بدأن في الحضور والوقوف بانتظام وكل واحدة معها صينية مقسمة لعدة أقسام ثم يتوجهن بالدور للطاولات التي عليها الطعام ويخترن ما يردن من أنواع الجبن و المربى والخبز والمشروبات. أخذنا طعامنا وتوجهنا للطاولة المخصصة لنا فوجدنا هاله سبقتنا بعد أن ملأت صينيتها بالطعام فقالت صفاء ضاحكة:
-ألم يكن الحب يملأ كل كيانك؟
-نعم لكنه لم يملأ معدتي
-حقا وإلا من أين ستأتي كل تلك الشحوم
-أنت حاقدة علي لأنك لا تستطيعين الحصول على جسد كجسدي يجذب الجميع
ضحكنا جميعا وتناولنا طعامنا وبعد أن انتهينا قلت لهالة هامسة :
-إذا أردت جذب انتباهه عليك التقليل من وزنك قليلا فالرجال يجذب انتباههم الشكل قبل الجوهر وهم لا يفضلون السمينات
نظرت إلي وقالت:
-معك حق سأبدأ نظام غذائي من الأن لأفقد بعض الوزن
انسجمت سريعا معهما ويبدو أن الغربة تزيل الحواجز أسرع، كانت الأيام تنقضي
بين الاستعداد للعام الدراسي الذي سيبدأ بعد عدة أيام وبين المرح والحكايات والسهر أمام التليفزيون ، كنت أتصل بأبي وأمي في الأسبوع مرتين
وكانت المكالمات روتينية مكررة بين السلامات وأسئلة الإطمئنان فلم يكن بيني وبينهما يوما أي حوار.
قبل بدء الدراسة بيوم قررت معظم الزميلات الذهاب للمول الكبير في المدينة
فذهبت معهن وتجولنا في المحلات وكنا محل أنظار الجميع لأن ملابسنا وطريقة كلامنا تختلف عن أهل البلد وعند نهاية اليوم فكرت أن أشتري عباءة سوداء لأبد وقريبة الشبه بأهل البلاد وشجعتني
هالة وصفاء وتوجهنا لأحد المحلات ورحب بنا شاب مصري متوسط الطول أسمر اللون بعيون سوداء تشع طيبة وشهامة ، كان مسئولا عن البيع بالمحل
فعرض علينا أفضل البضائع فاخترت واحدة فأثنى نجلاء لطفي على ذوقي فقررت شراءها ولم أخلعها لإعجابي بشكلها وطلبت منه وضع ملابسي القديمة
في الحقيبة بدلا منها، ولأني غير معتادة على إرتداء العبايات فكنت أتعثر بها في طريقي، حتى قررنا الإنصراف ونزلت على السلم الكهربائى
وفوجئت بطرف العباءة محشور تحت السلم حاولت تخليصه فلم أفلح خفت لأن السلم كاد أن ينتهي وستتمزق العباءة تحت السلم وربما تجذبني معها،
صرخت لأستغيث بالموجودين فلم يغثي أحد فصرخت بصوت أعلى وفجأة قفز شاب على السلم وأمسك بطرف العباءة وحاول تخليصي فلم يفلح فطلب
من الأمن إيقاف السلم حتى لا أصاب بأذى فأوقفوه ، نظرت إليه فوجدته البائع في محل العباءات فقال مطمئنا
-لا تخافي سأحاول تخليصك
وبدأ فعلا محاولة تخليصي بجذب طرف العباء فلم يفلح فنظر إلي وقال:
-لابد من قص طرف العباءة فهل ترتدين ما يسترك تحتها؟
احمرت وجنتاي وقلت:
-نعم أرتدي بنطلون قصير ولكن إن تم قص العباءة فسيظهر جزء كبير من ساقاي وأنا كما ترى محجبة
فقالت زميلة:
-ارتدي هذا الإسدال فوق العباءة وعند قصها لن يظهر منك شيئا
ذهب لإحضار مقص وعاد وأشار لهاله من أي جزء ستقص العباءة وبالفعل تم التخلص من جزء منها وستر الإسدال ماتم قصه فقالت هاله للبائع مازحة:
-يبدو أنك دعوت علينا لأننا جادلناك في السعر ولم تسامحنا
فقال بجدية:
-أنا أبدا
فقالت:
-إذا هي عين الزميلات أصابت العباءة
شكرته كثيرا وانصرفنا للسكن والكل يسخر مني بسبب ارتدائي للإسدال في الشارع ،حمدت الله على الستر والنجاة وتذكرت قول أبي ( يا ابنتي افعلي الخير ولا تنتظري الجزاء فربما ينجيك الله يوما)
دعوت له في صلاتي بالستر كما سترني رغم أني لا أعرف اسمه لكني على يقين أن الله سيجازيه كل الخير على مافعله.
انشغلت في بدء العام الدراسي وانتظام التلميذات وترتيب الفصول في يومنا الأول الذي كان شديد الإرهاق حتى أني نمت
دون تناول الغداء وبعد نحو ساعتين اغتسلت وفوجئت باتصال من إدارة المبنى لأن هناك شيء باسمي في الإستعلامات، بدلت ملابسي ونزلت فوجدت حقيبة بلاستيكية بها عباءة مماثلة للعباءة الممزقة ومعها ورقة مكتوب فيها:
(حتى لا تحزني على عباءتك الممزقة مع تحياتي ياسر فهمي)
تعجبت من تصرفه ووقفت مذهولة للحظات وعندما صعدت لغرفتي حكيت لصفاء وهالة ماحدث فقالت هالة:
-خذيها فقد قبل النبي الهدية
فقالت صفاء بجدية:
-كل هدية لها مقابل فهل تقدرين على مقابلها؟
-أفكر في أن أقبلها مقابل أن أدفع ثمنها
فقالت صفاء:
-فكرة جيدة ولكن احذري الهدايا فهي عربون صداقة فالبعض يظن أن المغتربات فتيات يسهل الحصول عليهن لأنهن بلا رقيب
فقالت هالة :
-لو أهداني صاحب العيون العسلية طعاما فلن أرفضه أبدا
فقالت صفاء مازحة:
-وهل ترفضين الطعام أبدا منه أو من غيره؟
فقذفتها هالة بالوسادة وضحكنا معا فقلت لهما:
-هل تأتيان معي؟
فقالت هالة:
-سأغسل ملابسي اليوم
وقالت صفاء :
-وأنا لدي كثير من العمل لأنجزه
فقلت :
-لا بأس سأذهب بمفردي وأعود قبل العشاء
ذهبت بالفعل للمول وتوجهت مباشرة لمحل العباءات فوجدته يقف مع إحدى
المشتريات ويعرض عليها البضاعة فوقفت أنتظره وبعد أن انتهى بمجرد أن رآني فجاء مبتسما وقال:
-مرحبا أنسه منة
-كيف عرفت اسمي ومكان إقامتي؟
-من زميلاتك عندما كنتن في المحل قلن هيا حتى لا نتأخر على سكن المعلمات وليس في مدينتنا سوى مدرسة واحدة للفتيات، وعرفت اسمك عندما كنت محتجزة على السلم نجلاء لطفي وكلهن يقلن لك لا تخافي يا منة
-شكرا على هديتك لكن اسمح لي لن أقبلها إلا إذا دفعت ثمنها
-وهل هناك هدية يُفع ثمنها؟
-أرجوك لن أقبلها إلا بهذا الشرط فأنا لا أقبل هدايا من الغرباء
-لكننا من نفس البلد –كما عرفت من لهجتك- فلسنا غرباء
-شكرا على ذوقك وشهامتك ولكن إما أن تأخذ الثمن أو تستعيد العباءة
نظر إلي للحظات وقال:
-بل سأقبل الثمن حتى لا أحرمك من إرتداء شيء تحبينه لكن بما أنك اشتريت من عندنا قطعتين فإن الثانية تكون بنصف الثمن فقط
-حقا؟
-ألم تري الإعلان على الباب؟
-أه فعلا شكرا لك يا أستاذ ياسر
-تحت أمرك وإن أردت شراء أي شيء من أي محل في المول قولي لي وسأحصل لك على خصم هائل
وأعطاني كارت وقال:
-هذا رقم المحل وذلك رقمي ان احتجت لأي شيء أرجو أن تعتبريني صديق
انصرفت وقلت لنفسي:
-يبدو أن صفاء فهمته جيدا إنه يريد من تصادقه لتهون عليه غربته ولكني
لست من ذلك النوع، ألم ير دمامتي؟ ماذا اجتذبه في؟ هل أبدو فتاة سهلة؟أم أنه يظن أني سأستلم
لأي معاملة رقيقة لأعوض نقصي؟ هل يظن أني فتاة تتلهف على أية علاقة؟؟ لابد أن انتبه لتعاملاتي
بعد الأن. عدت لغرفتي وقصصت عليهما ما حدث فقالت صفاء
-خيرا ما فعلت فلابد من وضع حدود صارمة مع الجميع