مرآة الحب
الحلقة الرابعة
بقلم نجلاء لطفي
عادت أسرة سهيلة في منتصف الأسبوع الثاني من الأجازة ودعتني والدتها لزيارتهم
فذهبت ورحبت بي الأم كثيرا واحتضنتني سهيلة واصطحبتني لغرفتها
لتريني صور الرحلة وما اشترته هناك، أفادتها تلك الرحلة كثيرا فبدت سعيدة، ثم جاءت والدتها وجلست تتحدث معي ودعتني لقضاء يومين معهما في
بيتهما الريفي فاعتذرت لأن إدارة سكن المعلمات تمنع بيات المدرسات خارج السكن فوعدتني أن يعيدني السائق مساءا فرجتني سهيلة أن قبلت
فضعفت أما رجاءها وقبلت واضطررت أن أؤجل موعدي مع ياسر للأسبوع القادم وقد لا نلتقي لأن عندها ستكون كل المدرسات قد عدن من أجازاتهن.
ذهبت مع سهيلة وأمها في سيارة يقودها أخوها عبدالله بينما ذهب الخدم مع السائق في
سيارة أخرى، ظل عبدالله طوال الطريق لا يتحدث إنما ينظر أحيانا لي في مرآة السيارة
نظرات لم أستطع تفسيرها وأمه وسهيلة لم تتوقفان عن الكلام. وصلنا للبيت وجذبتني سهيلة من يدي لتُريني نجلاء لطفي أرجوحتها المعلقة
على الشجرة، بينما دخلت أمها لتشرف على الخدم واختفى عبد الله فشعرت بالراحة فقد كانت نظراته تصيبني بالتوتر.
استمتعت مع سهيلة باللعب
حتى نادتنا والدتها لتناول بعض البسكوتات والعصائر حتى يحين موعد الغداء فجلسنا معها قليلا ثم قالت:
-هل تحبين ركوب الخيل يامنة؟
-لم أركب خيلا من قبل
-إذا تلك فرصتك فعبدالله فارس المملكة الأول بجدارة ويمكنه أن يعلمك
-لا لا أريد أن أعطله
-لا بأس نحن في نزهة وسيخرج مع سهيلة لركوب الخيل وربما تستمتعين بالتجربة الجديدة
دخل عبد الله وقال بلا حماس :
-هل أنتما مستعدتان؟
فقلت:
-اذهبا أنتما وسأبقى مع الوالدة حتى لا أعطلكما فأنا لا أعرف ركوب الخيل
سكت عبدالله ونظر لوالدته التي قالت:
-بل اذهبي يا منة أما أنا فسأصعد لغرفتي لأرتاح قليلا
لم أرتح لما تفعله أمه لكني استجبت وذهبت معهما وراحت سهيلة تعرفني كيف أتعامل مع الحصان وماهي الطريقة الصحيحة للركوب ووقفت بجواري حتى ركبت فعلا وأمتطت هي وعبد الله فرسيهما
وانطلق عبد الله بفرسه بينما مشيت مع سهيلة ببطء ومعنا السائس ثم طلبت منه سهيلة
تركنا فكان عبد الله ينطلق بعيدا ثم يعود إلينا ليبقى معنا قليلا ثم يتركنا حتى انتهت نزهتنا وعدنا للإسطبل فتركنا عبدالله وانطلق يعدو بفرسه بمنتهى الثقة والخيلاء. عدنا
للبيت وكان موعد الغداء قد اقترب وكانت أمهما تعطي تعليماتها للخدم حتى فوجئت بدخولنا بمفردنا فتساءلت عن عبدالله فقالت لها سهيلة:
-كعادته ينسى كل شيء عندما يكون مع فرسه
دقائق وعاد عبد الله وتناولنا الغداء معا لكنه لم ينطق بكلمه ولم يرفع عينه عن طعامه، وبعد الطعام قالت أمه:
-عبدالله خذ منه وسهيلة ليتمشيان بجوار البحيرة
فقال:
-دعيها ترتاح قليلا يا أمي
فقالت بحسم:
-دعها تمتع عينيها بجمال الريف قبل عودتها للمدينة
استجاب عبدالله وذهبنا للتمشية وكانت سهيلة تتركنا وتذهب لجمع بعض الزهور أو الفراشات الملونة وتحتفظ بها في إناء زجاجي، وظل عبدالله صامتا حتى قلت:
-الطبيعة هنا ساحرة
-فعلا كلما أرادت أمي الهروب من صخب المدينة تأتي إلى هنا
-وأنت ألا تحب هذا المكان؟
-أحبه فقط قبل التدريب لأية مسابقة فهو المكان الملائم لصفاء الذهن أما للمعيشة فأنا أفضل صخب المدن وضجيجها عن الهدوء الممل للريف
نظرت إليه وقلت :
-لو كنت أمتلك مكان مثل هذا لما تركته وكنت سأتي عند تلك البحيرة لأصطاد أو لأبحر بقارب
-أنا أكره الصيد ولم أفلح في تعلمه أبدا
-إن مشهد الغروب هنا من أروع المشاهد التي رأيتها في حياتي
-يبدو أنك خيالية ككتاب الرويات أو الرسامين
-ربما، هلا عدنا لأستعد للرحيل قبل الظلام؟
-تفضلي
نادى على سهيلة وعدنا للبيت وبدت علامات الرضا على وجه أمه وحاولت أن تُبقيني أكثر لكني رفضت فأرسلت معي السائق لتوصيلي. شعرت أن أمه لها غرض من وراء تلك الزيارة لكني لم أتوصل إليه فقلت ربما تريد أن تختبر أخلاقي لأكون معلمة خاصة لسهيلة.
عادت زميلاتي من الأجازة وعاد الضجيج والصخب للسكن وجاءت هاله ملهوفةنجلاء لطفي لرؤية حبيب
القلب فوعدتها أن نذهب للمطعم غدا بعد إنتهاء اليوم الدراسي، أما صفاء فعادت مثقلة بهموم أسرتها ومصاريفهم الكثيرة التي تلتهم كل
مدخراتها ولا تترك لها مليما من أجل زواجها فمعاش والدها المريض تلتهمه الأدوية ومصاريف إخوتها الثلاثة كثيرة جدا فلابد من أن تساهم معه ، حتى لو التهمت الغربة كل سنوات عمرها ونهشت مشاعرها وقضت على أحلامها بالحب والسعادة
. عدنا للعام الدراسي وبعد نهاية اليوم الأول ذهبنا لمحل ياسر لشراء عباءة جديدة لإحدى زميلاتنا فرأيته وتبادلنا القليل من الكلمات حتى قالت هالة :
-هيا سنتأخر على الطعام
فقال ياسر:
-لن تتأخروا فالمطعم هنا في المول مفتوح باستمرار
فقلت ضاحكة :
-سنتناول طعامنا في مطعم تفضله هالة
-أنا أعرف كل مطاعم المدينة فأيهم تقصدين؟
وصفته له فقال:
-صديقي خالد يعمل هناك سأوصيه عليكم
فقالت هاله بلهفة :
-ماذا يعمل ؟
-مسئول الخزانة
-هل تعرفه حقا؟
-نعم لماذا؟
فقلت بسرعة:
-هي تقصد أوصه علينا ليقدم لنا تخفيضا
-لو انتظرتم قليلا سآتي معكم
فقلت:
-لا بل سنذهب وتعالى وقتما تريد
ذهبنا للمطعم وقلب هالة يرقص شوقا وفرحا واختارت نفس المنضدة التي تجلس فيها أمام خالد الذي لم يرفع
وجهه عن عمله كعادته، طلبنا الطعام وبدأنا في تناوله وعندها وصل ياسر الذي جاء لمنضدتنا وقال:
-هل تسمحن لي أن يكون الطعام على نفقتي؟
فقلت:
-شكرا لكرمك ولكن يكفينا التخفيض وخاصة أن هالة هي من ستتولى الحساب
ذهب ياسر لخالد وسلم عليه بحرارة وأشار لمنضدتنا فرفع خالد
عينيه عن عمله لأول مره لتتلاقى عينيه بعيني هالة التي احمر وجهها خجلا ، جلس ياسر في منضدة مجاورة لخالد وظلا يتحدثان بصوت
خفيض بينما ياسر يتناول طعامه وعندما انتهينا من طعامنا قامت هالة في اضطراب واضح لتدفع عنا الحساب فقال خالد مبتسما:
-لتكن تلك المرة على حسابنا كنوع من الإحتفاء بزبائن قدامى ومعارف لأخي ياسر
فقالت بخجل:
-شكرا لذوقك
حاسبها بعد تخفيض الفاتورة للنصف وسألها أين تعمل فأجابته فقال لها:
-هذا كارت المحل ودونت عليه رقمي لو احتجتم لطعام في السكن
اتصلوا بي وسيصل إليكم فورا
-شكرا ولكننا نفضل الحضور لهنا فالمكان يعجبنا
-أنرتم المكان
انصرفنا وهالة يرقص قلبها طربا لتلك الفرصه وهذه الكلمات التي أحيت الأمل في قلبها ، ظلت تتحدث عنه طوال المساء حتى صرخت فيها صفاء بانفعال زائد:
-كفى لقد صدعتي رؤوسنا بخالد وسيرته
-ماذا بك ؟
-سئمت تكرار الكلام وأرغب في شيء من الهدوء
اصطحبت هالة إلى صالة الإستقبال وصنعت كوبين من الشاي
وجلسنا نتحدث وأنا أشعر أن الغيرة تنهش قلب صفاء، فهالة تحب وهي محرومة من الحب رغما عنها.
انغمسنا في عملنا وكنا نسترق القليل من الوقت للذهاب للمطعم حيث
نجلاء لطفي يرحب بنا خالد ترحيبا خاصا أو نذهب للمول حيث نتجول بلا هدف أو لشراء بعض الأشياء، أما علاقتي بسهيلة وأسرتها فظلت
قليلة وأبدت سهيلة تطورا في تحصيلها الدراسي. انتهى العام الدراسي وكان علي العودة لبلدي لقضاء شهر الأجازة هناك فلم
أستطع البقاء في السكن بمفردي وإن كنت لا أرغب في العودة. بدأت في جمع أشيائي وفوجئت باتصال من والدة سهيلة حيث ترغب في رؤيتي
حالا ، أرسلت لي السائق وذهبت إليها فجلست معي في الصالون وقالت:
-الأيام التي قضيتها هنا في بلدنا جعلتنا نعرفك وتعرفيننا عن قرب لذلك قررت أن أختارك عروسا لعبدالله ابني لتكوني
واحدة منا، ورغم أننا من الأسرة المالكة لكنني لا أبحث عن المظاهر بقدر ما أبحث عن زوجة
مناسبة لابني، وقد وجدت فيك تلك الفتاة، أعلم أن كلامي هذا مفاجأة لك لكني سأترك لك فرصة الاختيار فكري جيدا وعندما تصلين لجواب
أرسلي لي وإن وافقتي فسأرسل عبدالله ليتعرف على أسرتك ثم بعدها نبدأ في الإجراءات الرسمية
انتهت المقابلة دون أن أقول شيئا، كنت أشعر بالحيرة فأنا وعبدالله
مختلفان تماما فكيف وافق على الزواج مني؟هل
أرغمته أمه؟ هل وافق لينال رضاها فقط؟ أنا أعلم أنه لا يناسبني ولكن هل أرفضه وأظل أحمل لقب عانس؟ أم أقبله لأتخلص من اللقب
وبعد الزواج سأعتاد عليه؟ وماذا عن ياسر؟ كنت أظن أن بيننا شيء ما هل هذا حقيقي أم أني واهمة؟