CMP: AIE: رواية ندبات الفؤاد كامله بقلم زيزي محمد جميع الفصول من الاول حتي الاخير
أخر الاخبار

رواية ندبات الفؤاد كامله بقلم زيزي محمد جميع الفصول من الاول حتي الاخير

رواية ندبات الفؤاد الفصل الاول


 

رواية ندبات الفؤاد

الفصل الاول.والثاني

بقلم زيزي محمد

توقفت سيارة سوداء اللون في أحدى المناطق الراقية، تحرك " سليم " خلف المقود يتابع هدوء الطريق في ملل اكتسح ملامح وجهه الجامدة، أرخى يده عن المقود، وكالعادة التزم جلوسه في السيارة مغلقًا عيناه لدقائق بسيطة قبل دخوله للمنزل.


وحقيقةً هو لم يدرك سبب تمسكه بتلك العادة، سوى أنها تشعره بالراحة التي يحتاجها، ولا شك أن يتغلغل ثناياها شرود قصير في ماضِ يلعب فوق أوتار تماسكه.


قرر ينهى لحظات الانتظار، مستسلمًا لجولة اعتياديه فُرضت عليه بسبب ذكريات تركت ندوبً في شخصيته.


وآه من شخصيته التي لم يستطيع تخطي حواجزها مع عائلته وزوجته، وهنا توقف العقل عند ذكرها، وبدأ القلب يتلوى كالضائع في عشقها، جميلته التي يتوق فؤاده لرؤيتها، ويشبع روحه من نظراتها البريئة المفعمة بالحياة والحب، وبالمقابل يعاملها بجفاء، ورغم محاولاته المستميتة في تكسير تلك الحواجز إلا أنه يفشل عند أول محاولة، مكتفيًا بحنانها الذي تغرقه به منذ دخوله للمنزل، فهي عطاء بلا مقابل، حتى أن المقابل من ناحيته أصبح شبه معدومًا.


 هبط من سيارته في خطوات رزينة هادئة، تناسب شخصيته القوية والصامدة والتي مرت بنوائب كانت كفيلة بتدميره، متمسكًا بشموخه وثقته في نفسه واستطاع بكل صبر اجتيازها.


قبل أن يصعد لشقته في الطابق الثاني، دخل لشقة والديه كي يطمئن عليهم، فتح الباب بمفاتيحه الخاصة ودلف في هدوء ينافي اشتعال صدره والذي التهب فجأة بسبب صوت ضحكاتها المرتفع.


هل جنت كي تضحك بهذا الشكل في شقة والديه، هل تخلت عن رداء الحياة دون علمه، انتفخ صدره بعواصف الغضب، جاذبًا أنفاسًا عميقة كي يحاول تهدئة انفعاله والذي ظهر جليًا على ملامحه.


تقدم من الصوت أكثر فوجد زوجته تجلس في أرضية الشرفة بجانب والدته ووالده، وبالمقابل أخويه " زيدان ".." ويزن".


تابع بنظراته النارية اقتراب "زيدان" منها، معطيًا إياها هاتفه، متابعًا معها إحدى الفيدوهات، كور يده بغضب شديد، وود أن يفتك بأخيه عما يفعله بكل وقاحة متناسيًا أنها زوجة أخيه الاكبر.


وفي لحظة خرج صوته يهز أرجاء المكان في عصبية مفرطة تعجبت على اثرها عائلته بالكامل : 


- شــــمــس.


وقفت شمس في فزع وهي تتابع تغير انفعالاته للأسوأ، متسائلة بداخلها تُرى ما سبب غضبه غير المبرر!.


- نـ...نعم.


خرج صوتها مهزوزًا وهي تجيبه بقلق وخوف وخاصةً حينما لاحظت انتقال نظراته القاتمة نحو زيدان، فأدركت على الفور أنها تخطت إحدى الخطوط الحمراء والتي وضعت لها منذ بداية زواجهما.


انتبه سليم على صوت والده وهو يدعوه للجلوس معهم، تفهم نظرات والده التي كانت تحاول جذب انتباهه لجفائه والذي أصبح عادة طبيعية في معاملتهم، انتقل ببصره نحوهم فلاحظ تجهم ووجوههما، حتى أنه أحس للحظات بعدم رغبتهما في الجلوس معه في مكان واحد، انغرس نصل حاد في قلبه، حينما ظهرت اعتراضاتهما للعلن مكتفين بانسحابهما من المكان في هدوء.


تفاقم لديه شعور بالغيظ اتجاههما، فضغط فوق شفتاه يكافح مشاعره التي بدأت تتبلور اتجاه اخوية في منحنى لم يعجبه، هز رأسه في ضيق محاربًا أفكاره وذكرياته التي بدأت تتدفق بذهنه، فاقدًا الأمل في التخلص منها، منساقًا خلف مشاعره الناقمة عليهما، وخاصةً بعد تعامل زيدان معه في الآونة الأخيرة.


انتبه على صوت والدته وهي تربت فوق كتفه، قائلة بهمس :


- ما تجرب تسألهم هما زعلانين منك ليه!.


رفع حاجبيه وهو يتابع نظراتها التي تحمل رجاء خاص، فود الصراخ بوجهها، معترضًا على طريقتها معه، لِمَ يقع فوق عاتقيه اللوم دائمًا، لِمَ هو دائمًا من يحاول الركض خلفهما، حتى أن دور المُضحى وقع فوق رأسه منذ اوائل شبابه، متخليًا عن حلمه من أجلهما، وبعدها انتظر الاهتمام..أو الشكر ..أو الامتنان، أي شعورًا منهما كان كفيلاً باطفاء نيران وجعه، ولكن فوجئ بلامبالاة... وكأنه لم يفعل شيء، وأن ما فعله ليس سوى واجبًا لا يستحق التقدير عليه.


أخشن صوته وهو يرمي بكلماته الحادة الخالية من الادب والذوق : 


- يتفلقوا، مش عايز وجع دماغ.


ازاح يدها بعيدًا عنه، وغادر الشقة رافعًا رأسه وكأنه يحارب من أجل الحفاظ على كبريائه، والذي دُهس  بفعل انسحاب اخويه غير اللائق به ولا بمكانته.


ورغم وقوع جام اهتمامه على معاملة عائلته له، إلا أنه لاحظ اختفائها المفاجئ، فالصغيرة الجميلة قررت الهروب منه، بدلاً من مواجهته، ابتسم باستهزاء وهو يتحرك لداخل شقته باحثًا عنها بعينيه في لهفة فسرها بأنها ليست سوى تلذذًا كي يعاقبها عما بدر منها بالأسفل، دافنًا بداخله مشاعره الحقيقية والتي تندلع بسبب اشتياقه لها طيلة اليوم.

                               ****

قبل دقائق...ركضت شمس نحو غرفتها تحتمي بها من غضب زوجها المستبد القاسِ، انتظرت لثوان تجيد اختيار كلمات أخرى كي تعبر عن مدى شخصيته الجامدة التي تخلو من الحياة.


أغلقت الباب جيدًا واطمئن قلبها من أمر مواجهته القاتلة لخلايا فؤادها المسكين..

جلست فوق الفراش تتنهد بصمت حينما تذكرت نظراته القاتمة وهو يتابع ضحكاتها المرتفعة مع زيدان.. زفرت بحنق حينما تسرب شعور بالخوف منه، فهزت رأسها يمينًا ويسارًا وهي تحاول اخراجه من عقلها.


وهدأت نفسها بالباب المغلق أمامها، فهو لن يطالها اليوم، حتى ينطفئ غضبه والذي كان بغير محله، فـتبًا لغيرته الحمقاء، لقد كانت تظن أن شعلة الحب والغيرة بينهما ستنطفئ مع أول زواجهما ولكن هيهات فغيرته تزداد بشكل لا يُحتمل، حتى أنها شعرت وكأنها بمثابة حبل يلتف حول عنقها رويدًا، ومع مرور الوقت تشعر بانحسار انفاسها وقلة حيلتها وهي تواجه طوفان غضبه.


وقع بصرها فوق التلفاز، فشعرت بحاجتها لاستماع أغنية صاخبة، تنفصل بها عن الواقع، وتصبح حجة قوية له يبرر عدم استماعها لطرقاته.


نهضت في خفة، واختارت أغنيتها وبدأ جسدها يتمايل على نغماتها... حينها شعرت بمدى فقدانها لعقلانيتها حيث أصبحت معتوهه على يده.


انتفض جسدها حينما اخترقت طرقته أذنها..

نفت برأسها قائلة بهمس :


- كأني مش سامعه ..


ازدادت طرقاته وبدأت تشعر بحدتها الواقعة على الباب الخشبي، فنظرت للباب بعطف وكأنها تواسيه من خشونة زوجها المستبد...

هبطت بخصلات شعرها للأسفل ثم ارتفعت بها مرة واحدة، وهي تحاول تقليد تلك الراقصة والتي رأت حركاتها الانسيابه من قبل على التلفاز..ابتسمت لنفسها بفخر ولمنحنيات جسدها ولعقلها الذي اختلق فكرة للهروب عظيمة جدًا...


انتفضت بفزع حينما رأت سليم يقف أمام مكتبته التي كانت تقبع بإحدى زوايا الغرفة..


فصرخت خائفة وهي تتراجع للخلف، قائلة بهمس :


- بسم الله الرحمن الرحيم، ازاي ده..


كانت ملامحها تصرخ بـ ذهول ممزوج بخوف، فحولت بصرها بين الباب المغلق والمفتاح الموضوع بين أصابعها.


وقفت حائرة عاجزة عن التفكير، وخاصةً حينما أغلق التلفاز تحت صدمتها ومراقبتها لخطواته نحوها، مردفًا بخفوت يحمل التهكم :


- هايل يا فنانة!.


وحينما استوعبت وجوده معها وأن سر دخوله يكمن خلف مكتبته السرية والتي لم ترتاح لها قط، تراجعت للخلف حتى التصقت بباب المرحاض، وخرج صوتها متلعثمًا : 


- سـ...سليم.


مازالت خطواته تقترب أكثر فأكثر، تزامنًا مع نظراته الغامضة التي لمعت بها وميض أشعل مشاعرها تجاهه، ونبرة صوته المهلكة لثباتها خرجت من جوفه قويه حادة: 


- نعم يا شمس هانم.


ابتلعت لعابها بصعوبة وهي تهمس مبررة كالأطفال حينما تخطأ : 


- أنا مكنتش اقصد حاجة برة، زيدان قال نكته وانا ضحكت، مش انت زعلت علشان ضحكت بصوت عالي صح.


رمشت عدة مرات وهي تلقي بنظراتها البريئة والتي يندثر منها الأسف، معتقدة بذلك إنهاء حالة التوتر بينهما، استند سليم بيديه على الباب من خلفها قائلاً:


- نكته!.


كانت نبرته تحمل السخرية منها، متعمدًا تجاهل رفاهيتها التي من المفترض أن تكون معه ولأجله فقط.. فاعتدل بوقفته ووضع يده في جيب سرواله قائلاً بخشونة : 


- لما انتي محتاجة تسمعي نكته مقولتيش ليه وأنا اقولك!.


رمشت ببلاهة وهي تنظر له، بحثت بين تقاسيم وجهه الحادة أو في شخصيته الجامدة عن خفة الظل، ولكنها لم تجد فقد  كانت معدومة لديه.


- أنت بتقول نكت!.


هز رأسه مجيبًا بسلاسة أدهشتها : 


- اممم تحبي تسمعي.


أومأت برأسها تجيب بالإيجاب، وهي مازالت تحت صدمتها المرهونة بفعل دقائق بسيطة تنتظر بها التفوه بمزحة، فكانت ملامحها تتأهب وكأن شهادتها ستعلن التو، وبالطبع خالف انتظارها، وفتح باب المرحاض من خلفها..حتى كادت أن تسقط لولا يده حاوطتها وقربتها من صدره العريض، لم تستفيق سوى وهي مستنده بظهرها على الباب وأصابع يده تداعب عنقها من الأسفل ببطء، حتى ارتفعت تدريجيًا لمنتصف وجنتيها وبدأ في تحريكهما بعشوائية اذابتها فمدت يدها تقبض فوق يده قائلة بتلجلج : 


- بتعمل إيه.


- بقولك نكت..


هبطت ببصرها للاسفل، فوجدت أصابعه تتحرك في استمرار انحسرت أنفاسها له، حاولت إدراك ما يحاول فعله، فاقتصر عليها التفكير حينما همس بجانب اذنها بجملة قصيرة خافتة للغاية، احمر وجهها لها، فقالت بتوبيخ طفيف ممزوج بالتلعثم والتردد : 


- سليم كده عيب على فكرة.


- هو أنا قولت إيه!.


سألها بصوته الجامد والحاد، فنظرت له بنصف عين، وكأن نظراتها وحدها كفيلة بتوضيح ما يحاول الوصول إليه..


- ياريت ننهى كلامنا في الحمام، علشان العفاريت وكده.


- من امتى وانتي اللي بتنهى الكلام يا شمس.


ضغط فوق حروف اسمها في تمهل وكأنه يذكرها بمن قائد هذه العلاقة، فاغتاظت منه ولكن أظهرت عكس ذلك حينما ردت ببساطة جعلته يبتعد عنها.


- من النهاردة يا سليم.


وكادت أن تلتفت بجسدها تغادر المرحاض بعد حصاره المهلك لها، إلا أنها لم تدرك متى وكيف أصبحت بين يديه مجددًا، لاثمًا شفتيها بتروٍ  أثار مشاعرها في حالة هياج شديد، لم تستطيع مجاراته في قبلاته أو لمساته لبشرتها الرقيقة.


فهمست بجانب أذنه بخجل : 


- سليم كفاية.


ابتعد عنها يرمقها بهدوء الهب مشاعرها، فـ آه من نظراته والتي تكشف مدى عشقه لها، فكان له سحر خاص يجعلها تنزوي في كنف غرامه بكل استسلام ورضا..


خرجت من شرودها على صوته الرجولي المفعم بالمشاعر الجياشة : 


- أنتي تعرفي عني كده..


هزت رأسها بنفي، والقت نظرة توسل طفيفة حينما مد يداه يداعب خصلات شعرها السوداء..


- طب اطمن على أنس.


ابتعد في ضيق، وأشار للخارج بوجوم، حينما أبدت ابتعادها عنه، وكأنه شخص غير مرغوب لدى من حوله : 


- اتفضلي روحي.


ابتلعت لعابها في ترقب : 


- زعلت مني صح!.


خرج من المرحاض، يحدثها بنبرة غليظة خشنة غير التي كان يتحدث بها منذ قليل، وكأنه يعاني من انفصام شخصية.. فقال بسخرية : 


-  وازعل منك ليه، أنتي بتعملي حاجة تزعلني، انتي ما شاءالله عليكي بتحترميني جدًا.


كادت أن تنفلت أعصابها وتتشجار معه، راميه بمنطق عقلانيتها عرض الحائط وخاصةً أمام كلماته الجارحة، ولكن كعادتها تراجعت أمام عاصفته الغاضبة، وحاولت بقدر الامكان امتصاص مشاعره الحانقة، فقالت بهدوء : 


- أنا فعلا بحاول مزعلكش مني، وبحترمك جدًا يا سليم سواء في وجودك او في غيابك، ومش هعقب على سخريتك في الكلام دلوقتي الا لما تهدا، وتعرف ان زيدان ويزن مجرد اخواتي.


قالت كلماتها دفعة واحدة، وغادرت الغرفة في سرعة أشبه بالهرب من اعصاره التالي، استمعت لصوت الشرفة التي فتحت بقوة بسبب عصبيته، فأدركت انه اختار سجائره طريقًا لتهدئة نفسه.

                               ***

دخلت "ليال" منطقتها الشعبية في خطوات متمهله، غير عابئه بدقات الساعة التي كانت تشير للحادية عشر مساءًا، ضاربة بنظرات السكان عرض الحائط، حيث اعتادت على استقبال سموم نظراتهم بصدر رحب.


رفعت أنفها للأعلى بشموخ وثقة، وبدأت تتمايل في خطواتها في عجرفة أصبحت ملازمة لها، قاصدة كل حركة تصدر منها.


 مالت نظراتها للاشمئزاز كأنها تريد إخراج  مشاهد الحارة الشعبية من عقلها، فأنثى مثلها تستحق الافضل، ناقمة بشدة على حياتها التي اندرجت في هذا الحي رغمًا عنها، للحظة كادت أن تفقد  الشغف نحو مستقبلها الذي طالما كانت تسعى لتخطيط له بكل تفاصيله، ولكنها كانت تعود تتمسك به وكأنه أخر وسيلة قد تضمن لها حياة سعيدة.


انتبه عقلها لقرب " ورشة مكيانيكا" المالكه لجارها الوسيم " سيف "،  للحظات تتمنى أن يصبح ثري كي ينتشلها من ذلك الشقاء الذي أصبح ملاصقًا لها.


ورغم أن سيف يحمل جميع صفات فارس أحلامها، إلا أنه شخص غامض، مرات تنتفخ أنوثتها حينما يرمقها بنظرات الاعجاب، ومرات يضرب وجهها بنظراته التي يقطر منها الاشمئزاز، ولأول مرة أصبحت شبه تائهة في تحليل أفعاله، حتى أنها أحيانًا تشعر بالخجل منه رغم أن تلك الصفة بعيدة كل البعد عنها، بعدما سلكت طريق الطموح داهسة جميع القيود التي من الممكن أن تعيقها في تحقيق احلامها..


مرت بجانب ورشته ولم تمنع نفسها من القاء نظرة خاطفة نحوه، تاركه لفضولها حرية التصرف، فوجدته يجلس أمام الورشة واضعًا ساقًا فوق الاخرى وكأنه مدير بنك أو رئيس شركة، تساءلت داخلها بتعجب بات واضحًا على ملامحها من أين له تلك الثقة وهو لا يمتلك إلا هذه الورشة وشقة يتقاسمها معه اخته المطلقة وابنتها الصغيرة!.


تقابلت عيونهما في نظرة قصيرة، قطعها " سيف" عندما استقام بطولة الفارع وثيابه الملطخة بزيت السيارات.


تبطأت خطواتها وتابعت تقدمه منها، فوقفت حينما أشار إليها بيده في عجرفة تقتل ثقتها الزائدة آلاف المرات، كتمت ذهولها مؤقتًا، ووقفت تنتظر قدومه المتمهل..


- ازيك يا أنسة ليال؟!


تسأل " سيف " بصوت قوي خشن حينما وقف أمامها، فردت بصوت رقيق : 


- تمام يا بشمهندس!.


ارتفع جانب فمه في استهزاء واضح، حيث استطاع منذ اللقاء الأول قراءة اعتراضها على عمله بورشته، مندهشة لعدم عمله بشهادة الهندسة، وكأن تلك المسميات هي من ستطعمه هو وأخته التي مثلت عبأ جديد فوقه حينما انفصلت عن زوجها في شجار بسبب والدة زوجها.


قطعت تفكيره حينما تسألت في ضيق احتل ملامحها الرقيقة : 


- انا قولت حاجة غلط!


هز رأسه نافيًا وهو يجيبها بنبرة غليظة : 


- أصل مستغرب سر تمسكك ببشمهندس، مع أني قايلك أن بحب لقب أسطى اكتر.


كان التهكم من نصيبها وهي ترميه بنظرات غير راضية عما يتفوه به، حتى أنها كانت تحدق به وكأنه ابله غير مدرك لعظمة شهادته!.


انتبهت ليال له حينما حمحم بخشونة، مردفًا بعدها : 


- كنت عايزك تيجي تدي توته بنت اختي درس.


ولوهلة كانت ستوافق كالمعتوهة على طلبه، ولكنها تراجعت تهز كتفيها في رفضٍ، قائلة برقة: 


- سوري مينفعش.


ارتفع جانب شفتاه لأعلى وهو يتابع حديثها المدلل والذي استفزه بطريقة لو فك لجام لسانه، ستفر باكية من أمامه، ولكنه نفضها من رأسه، بالنهاية هي ليست سوى جارته فقط، وأكد لسان عقله على كلمة " فقط " عدة مرات، هي وهو لن يجتمعان عند نقطة واحدة، رغم تشابه حالتهما الاجتماعية، إلا أن شخصيتهما بها فرق شاسع كمثل السماء والارض..


- مش هينفع ليه؟!


لم يمنع نفسه من سؤال تردد بداخله، وأدرجه تحت بند إصرار اخته عليها، وكأنها ليس لها مثيل، فهو حتى الآن يتذكر اثناءها عليها، ومدى عبقريتها في التدريس، وبالطبع سؤاله ينتظر إجابة يريح بها أخته، ليس هو لسمح الله!.


- أصل أنا مبدخلش في بيت في عازب عايش لوحده.


 فجرت الاستهجان فوق ملامحه حينما نطقت في دلال ممزوج بمبدأ الاحترام، والذي حقًا جهل أساسه لديها، فأين الاحترام وهي ترتدي ثياب تلتصق بجسدها تنافي حجابها الذي يتوسط منتصف رأسها يغطي  نصف شعرها فقط، غير مدركه لنيران صدره التي أضرمت بخلاياه حينما وقع بصره عليها تتبختر في غنج استفز رجولته، ناهيك عن مواعيدها المتأخرة دومًا..


- بس بتخرجي وبتدخلي المنطقة متأخر عادي. 


ضحكت بسخرية : 


- معلش يعني وأنت مالك!.


كاد أن يلقنها درسًا قاسيًا، ولكنه تراجع وهتف في استسلام خبيث اغاظها :


- صح وأنا مالي، المهم يا أنسة يا ليال، أنا مش عايش لوحدى..


انتظر برهة يرمقها بنصف ابتسامة صفراء : 


- اختي عايشه معايا، وانتي عارفة كده.


زحف الحرج نحو وجهها، فقالت بتلعثم طفيف : 


- هحاول اشوف معاد، عن اذنك.


افسح لها المجال بيده، والتزم الصمت في تودعيها، وعادت نظراته الجامدة والغامضة تحتل مقلتيه.


غادرت " ليال" في عجالة تنافي خطواتها البطيئة من قبل، ودخلت لبنايتها ومنها صعدت سريعًا لشقتها..عازمة على رفضها لطلبه، إلا بعد أن يكرره بكثره، وأوهمها عقلها أنه وسيلة ممتازة لانتقام من كلماته الحادة.


القت حقيبتها بعنف، وخلعت حذائها العالي تلقيه بأهمال فوق الأرضية، متجاهلة العبث والذي عاث في شقتها بسبب ثيابها الملقاه في كل مكان دون ترتيب، فكان يبدو المنظر من حولها كئيب ومقزز. 


وارتمت بجسدها فوق الأريكة، تغوص بتفكيرها في تحليل شخصية جارها المتعجرف، والذي دومًا يثير بلبلة بمشاعرها نحوه!.




الفصل الثاني.


استيقظ " سليم " حينما صدح هاتفه بنغمته الهادئة في أرجاء الغرفة، فرق جفنيه بصعوبة بالغة، بعدما قضى ساعات الليل بالتفكير والشرود في أوجاع الماضي وتصرف أخويه، ناهيك عن اضطراب كيانه بسبب نظراتهما التي جهل تفسيرها..


حمحم بصعوبة يكافح جفاف ريقه، وبدأت عيناه تبحث عن مرهقته، انعقدت ملامحه في ضيق مستتر من تصرفاتها التي أصبحت في الآونة الأخيرة غريبة، فشعر بازدياد الحواجز بينهما، وهو في حقيقة الأمر لا يريد ذلك.


نهض بتكاسل شديد، حيث هربت منه كل ذرة نشاط كانت من المفترض أن تحتل استيقاظه المبكر، فاقدًا الأمل فيما يحدث أو سيحدث من حوله!، فبدى كعجوز وحيد أنهكه الدهر بفعل ضرباته الموجعه.


خرج من المرحاض بعد عدة دقائق استغرقها في الاستحمام، وبمجرد أن وطأت قدماه بالخارج وجدها تقف بمقابله تحمل منشفة شعره، وعلى وجهها ابتسامة عريضة مشرقة.


- الفوطه يا سليم.


مد يده يلتقطها منها، وعلى وجهه علامات الاستفهام الممزوج بالتعجب من تغيير حالها، فقال بصوت خشن بعدما حمحم عدة مرات: 


- صباح الخير.


بدأ في بعثرة خصلات شعره بالمنشفة، وذهب باتجاه الخزانة، بينما هي من خلفه تنفست الصعداء، حيث توقعت معامله غير ظريفة، او رد جاف يحطم أمالها ونشاطها منذ الصباح..


عادت ابتسامتها المشرقة تحتل وجهها، وتحركت خلفه تساعده في اختيار ثيابه كعادتها دومًا..


- يومك هيكون ايه النهاردة.


سؤال عادي كانت تكسر به حاجز الصمت الذي ساد بينهما، مجرد سؤال لا يحتمل نظراته الجامدة التي شملتها من أعلاها لاسفلها..


- ولما تعرفي يومي هتستفادي ايه.


كتمت بوادر الغيظ لديها بصعوبة بالغة، والقت ابتسامة مصطنعة نحوه وهي تحرك كتفيها بلامبالاة ظاهرية: 


- ولا أي حاجة.


- بتسألي ليه طيب؟


قبضت فوق القميص بعنف، تجاهد رد قاسِ يحاول الخروج علنًا، ولكن سيندلع غضبه يحاوط حياتهما طيلة الاسبوع كاملاً، وبعدها تعود نادمة لِمَ تفوهت به.


- مجرد دردشة عادية!.


قالتها في عدم اكتراث ظاهري، بينما داخلها كان يغلي من فظاظته..


هز سليم رأسه عدة مرات وهو يتوقف عن تجفيف شعره، مبتسمًا نصف ابتسامة: 


- افهم من كده، انك بتعتذري عن اللي حصل امبارح!.


حقًا، سيكون الاعتذار الآن من نصيبها، ظهر بوادر السخط والتهكم على ملامحها.


- اعتذر عن أيه!، انا فاكرة كويس ان مفيش حاجة حصلت امبارح!.


رمقها بنظرة مطولة، بينما هي كانت تقف بمقابله تطالعه بعيون بها لمعة شراسة ترقد خلف هدوئها الزائف أمامه، لعلمها بمدى طباعه الجامدة والحادة.


- لا في، واللي حصل ميتكررش علشان متزعليش مني!.


رمشت عدة مرات، تسأله ببلاهة: 


- هو لسه في ليڤل أعلى في الزعل عندك يا سليم!.


صعقها بنظراته الحادة، محذرًا إياها من التمادي، فهزت رأسها بيأس وهي تقول بصوت هادئ يتخلله نغمة حزينة بعدما أصابتها خيبة الأمل مجددًا..


-  أنا نازلة احضر الفطار مع ماما.


تركت القميص من يدها والقته فوق الكرسي، وقبل أن تخرج من الغرفة، استمعت لحديثه المنهي لفرارها منه: 


- هنفطر هنا.


هزت رأسها بالايجاب وخرجت دون أن تتفوه بكلمة، بينما هو ضرب بيده خشب الدولاب في غيظ من نفسه، ناقمًا على جموده والذي احتل جزءًا كبيرًا من شخصيته.


فرك وجهه عدة مرات، وزفر بقوة مقررًا مراضاتها قبل الذهاب لعمله.

                                 ***

وضعت شمس الاطباق في صمت على الطاولة، ودموعها كانت تتسابق كالشلالات فوق وجهها، برغم أنها حاولت منعها تحت بند أن ما يفعله زوجها هو الدائم والسائد منه، إلا أنها لم تستطيع التأقلم مع ردوده الجافة على الرغم من مرور أعوام على زواجهما.


لاحظت خروجه من الغرفة، وصوته المتسائل صدح في المكان: 


- أنس فين؟.


مدت أصابعها ومسحت دموعها برفق، قبل أن تلتفت له، مجيبه في اقتضاب: 


- عند مامتك تحت.


تقدم من السفرة في خطوات متهملة يحارب بها قسوته، وصلابته، محاولاً اظهار صفاته الأخرى حيث اختفت تدريجيًا حتى أصبحت شبه معدومه.


وفي ظل صراعه القصير مع نفسه، تغلب جموده عليه كالعادة، فوجد نفسه يقول في نبرة متسائلة تحمل التوبيخ: 


- المفروض أنه يقعد ويستنى يفطر معانا، مينزلش جري على تحت.


رفعت أنظارها تطالعه بتفكير للحظات، تحاول فهم ما يجول بداخله من اعتراض عن تعلق الطفل بوالديه.


حرك سليم رأسه متسائلاً بعينيه، عن سبب تجول عينيها عليه وكأنه مجنون..فأجابت على الفور بضيق: 


- سليم هو أنت مش ملاحظ أنك بقيت تعلق على كل حاجة في حياتنا حرفيًا، وكل أفعالنا غلط في غلط..


التوى فمه متهكمًا وهو يرمقها بحدة، حينما شعر بتعديها لخطوطه الحمراء.


- وانتي شايفه انك مش غلط.


كان قاصدًا بحديثه ما حدث بالأمس، فأجابت برأسها في نفي، وكالعادة اغتاظ سليم من ردة فعلها، وتمسكها برأيها رغم أن ما فعلته كان خطأ غير مغفور في قاموسه..

كور يده بغضب، مكتفيًا بنظرات الغضب والسخط مما تفعله، مقررًا أن يتريث بالهدوء معها كي لا ينفلت لجام غضبه نحوها، ودون أي حديث انطلق يغادر الشقة في صمت تام.


صمت جعلها تدبدب بقدمها في الأرض، ولسان حالها ينطلق في حنق يوبخها عما تفعله معه، وعن سكوتها الدائم أمام ردوده الجافة ومواقفه القاسية معها.


اخرجت تنهيدة تحمل غيظ وقهر منه، ثم وضعت الطبق في انفعال طفيف فوق الطاولة، وجلست أمامه تستند بجبينها على يدها، محاولة التفكير بشكل مُرضي في علاقتها به.

                                  ***

بينما هبط سليم درجات السلم في انفعال بات واضحًا على جسده، وملامح وجهه الواجمه، لاغيًا فكرة الاطمئنان على والديه قبل الذهاب لعمله، حقًا لقد اكتفي بما حدث منذ دقائق، حيث كان كفيلاً لتعكير مزاجه طيلة اليوم، فاقدًا أي ذرة تحمل أخرى كي يكون صابرًا أمام رد متهور من أحد اخويه، أو والدته المعترضة دائمًا على كل ما يفعله معهم.


وقبل أن يخرج من بوابة المنزل تفاجئ بزيدان يقف مع أنس في منتصف الطريق ويمرر كرة صغيرة له، والصغير يركض باقصى سرعته نحو الكرة كي يمررها لعمه مرة أخرى..


اتسعت عيون سليم في صدمة، وانتقل سريعًا نحو ابنه يلتقطه بين يده، ويرفعه نحو صدره، ناظرًا لزيدان باتهام، تعجب له الأخر، مما جعله يرفع أحد حاجبيه في اعتراض بسبب نظرات اللوم التي القيت نحوه فجأة، وكأنه يريد مثلاً أذية ابن اخيه!.


ظهر التعجب على وجه زيدان بشكل كبير، مما استفز سليم وجعله يردف بحدة: 


- ازاي تخرج أنس برة البيت وتلعبه كورة في الشارع!.


طريقته في الحديث لم تعجب زيدان،

هو ليس بمراهق، أو طفل كي يحادثه بهذا الشكل المهين..فقال بخشونة: 


- وفيها إيه لما يلعب في الشارع، مش أنا معاه، خايف من إيه؟!


ابتسم سليم بسخرية، قائلاً بتسرع ودون أن يلاحظ كلماته الجارحة: 


- انا هخاف أكتر لو أنت معاه، أنت لو مدرك اللي انت بتقوله مش هتعمل كده، يعني إيه طفل عنده ٤ سنين يلعب في الشارع كورة وفي وسط طريق.


ضغط زيدان فوق شفتاه السفلية في غيظ، كاتمًا ردود أفعال لو أخرجها سيقلل من تهذيبه مع أخيه الأكبر..فاكتفى بقوله: 


- أنا فعلا غلطان وابنك ماليش دعوة به تاني.


والتفت بجسده تاركًا سليم تحت صدمته من وقاحته معه، هل جن كي يتعدى حدوده معه، كيف له بأن يحادثه بهذا الشكل أمام طفله، بينما أنس كان في وادٍ أخر، فالصغير كان يحاول كتم دموعه بسبب حزن عمه مما حدث، التفت سليم يطالعه بتساؤل قلق: 


- مالك.


- عمو زيدان زعلان.


ربت سليم فوق خصلات الصغير في حنو: 


- متشغلش بالك أنت، يلا اطلع لماما فوق، كانت عايزك.


هز الصغير رأسه في استسلام، أدخله سليم من بوابة المنزل ثم أغلق البوابة خلفه باحكام وانطلق صوب عالم زائف يكره الساعات التي يقضيها رغمًا عنه به، ولكن واقع المسؤولية التي وقعت فوق عاتقه كان أكبر بدليل موافقته على خوض مثل هذه التجربة رغم أنها تنافي طموحاته وآماله التي هُدمت بفعل واجب المسؤولية والعائلة!.


                                  ***

دخل زيدان إلى شقة والديه، وأنفاسه تزداد لهيبًا واشتعالاً بسبب كلمات سليم له، غير مدركًا تفسير تصرف أخيه، غير أنه تصرف أهوج لا يليق بشخص عاقل مثله، لقد كان يعامله وكأنه شخص غريب يريد أذية ولده، فرك خصلات شعره البنية في ضيق تام واتجه صوب فراشه، يرتمي بجسده فوقه، مؤنبًا نفسه على تلك الاجازة، والتي يبدو في بدايتها بعدم الرضا والراحة.


خرج يزن من المرحاض واتجه صوب الخزانة، التقطت عينيه سترة زيدان الخاصة بيه والتي تحمل إحدى الماركات التجارية الشهيرة، أخذها وبكل هدوء أزالها وارتدى السترة، مدللاً نفسه بالمرآه..


لاحظ صمت زيدان الطويل، وشروده غير العادي، فقال بمزاح: 


- ايه يابني افسر انك زعلان علشان لبست التيشرت الجديد.


هز زيدان رأسه بنفي قائلاً: 


- ميغلاش عليك، البسه.


تحرك يزن نحوه متسائلاً بفضول يتخلله مزاحه كالعادة: 


- امال مالك، ضارب بوز في وشي على الصبح ليه، أنا ناقص.


انفجر زيدان بغيظ وغضب: 


- اخوك اتجنن، بيتهمني أن عايز أذي ابنه.


أشار له يزن بالصمت مردفًا بصوت خافت:


- ابوك وامك لو سمعوا طريقتك وانت بتتكلم عن سليم كده هيزعلوك جامد، وبعدين هو ده سليم مش هيتغير، ايه الجديد.


اشار زيدان نحو عنقه بانفعال طفيف: 


- الجديد ان اتخنقت منه ومن افعاله، انا حاسس بالكره في عينه ليا.


هز يزن رأسه في نفي، وهو يُلقي بكلمات اللوم والعتاب: 


- سليم عمره ما بيكرهك، بالعكس بيحبنا و...


انفعل زيدان وهو يشير نحوه :


-بيحبك أنت، لكن أنا لا...


فتح يزن فمه متعجبًا من حديث زيدان، قائلاً بهدوء: 


- متتجننش، من امتى الكلام البايخ ده، روق كده مش علشان موقف من سليم يخليك تقول الكلام العبيط ده، هو بيعاملنا كلنا كده واولنا مراته، ياريت متتكلمش عليه كده تاني، ابوك لو سمع هيزعل، أنت عارف مكانته ازاي عنده.


زفر زيدان في سخط، مستغفرًا ربه بعد عدة ثواني، محاولاً نفض تصرفات سليم بعيدًا عن عقله، كي تمر تلك الاجازة دون اثارة أي بلبلة تزعج والده.


انتبه زيدان على دندنة يزن أمام المرآة وهو يعدل من التيشرت في تريث، فاندفع بغيظ يقول: 


- اقلع التيشرت ده يا حكيم زمانك، مش هتلبسه.


انتهى يزن من روتينه المعتاد، مقتربًا من الباب في عجلة: 


- في واحدة جاية النهاردة تستلم مني عربية في المعرض، وده عاجبني وداخل دماغي، وبعدين ده اللي هيجبها.


هتف زيدان في سخرية تامة:


- بتشقط بالتيشرتات على أخر الزمن..


- الحب مُباح فيه كل حاجة.


قالها يزن في خبث وابتسامة جانبية تحتل ثغره، قبل أن يغلق الباب خلفه.


أخرج زيدان تنهيدة عميقة، وهو يريح بجسده فوق فراشه، متأملاً سقف الغرفة في شرود، متمتمًا ببعض الكلمات الخافتة التي تحمل بين حروفها اوجاعًا ذاقها بسبب تجرع خيبات العشق.


- ولا تعرف حاجة عن الحب يا يزن.

                                    **

هبطت ليال درجات السلم في عجلة من أمرها، بعدما فقدت طابورها الصباحي في المدرسة التي حصلت على عملٍ بها بعد عناء جاهدت فيه اختيار وظيفة تليق بها وبمكانتها الوهمية التي رسمتها حول نفسها وكأنها أميرة وقعت من فجوة زمنية في حي شعبي لا يليق بها!، كانت خصلات شعرها كالعادة تتمرد من حجابها ولكن في تلك اللحظة خرج نصف شعرها من الحجاب، وحقيقةً هي لم تهتم سوى أن تصل في الميعاد مبكرًا، أفضل من خصم يوم كامل بسبب التأخير.


- مس ليال.


رفعت ليال عيناها، ترمق فاطمة الواقفه أمام شقتها، تبتسم ابتسامة واسعة، وكأنها حصلت على جائزة ثمينة، رمقتها ليال بنظرة تعالي كعادتها، قبل أن تتأفف قائلة: 


- خير يا فاطمة.


سارعت فاطمة بالقول الذي كان يتخلله حماس: 


- سيف قالك ان عايزكي تدي توته درس انجليزي.


هزت ليال رأسها في صمت، بينما تحركت عيون فاطمة بعدم فهم لصمتها، حتى هزت رأسها وابتسامتها بدأت في الارتجاف: 


- مش فاهمة، موافقة ولا ايه!.


مطت ليال شفتيها في ملل، قائلة بلامبالاة: 


- لا مش موافقة.


التفت ليال بجسدها لتستكمل طريقها في الهبوط، فستوقفتها فاطمة بسؤالها :


- ليه؟.


- ابقى اسالي اخوكي.


خرجت منها حادة بعض الشيء، مما جعلت الاخرى تقبض ما بين حاجبيها في تعجب، غادرت ليال وبقيت فاطمة على اثرها حتى انتبه عقلها لنقطة وضحت معنى إجابة ليال، بالتأكيد سيف، هو من تتمحور لديه الاجابة، وهو من جعلها ترفض بهذا الشكل..


ركضت صوب الشقة تبحث عن جوالها، حتى التقطته من يد توته ابنتها واجرت اتصالاً بأخيها..جاءها رده السريع.


- ايوا يا حبيبتي.


- وليك عين تقولها بعد ما طفشتها يا سيف.


- طفشت مين؟.


قالها سيف في استهجان، فردت فاطمة على الفور بهجوم شرس:


- ليال، أنت اصلا مالك، أنا قولتلك تعملي خدمة، تتدخل بالخير، ولا تخرب الموضوع، اهو البت لو سقطت في الانجليزي ذنبها في رقبتك ياسيف.


- ذنب ايه، بنتك في كي جي ٢.


- اسمع ما اقولك، ليال هتدي البت درس يعني هتديها، انت أكيد ضايقتها، هي قاتلي كده.


- مين دي!.


قالها في تعجب، محاولاً لم شتات الموضوع بأكمله..


- ليـــــال.


 صرخة اخته بأذنه جعلته ينتفض من حالة الخمول والملل المسيطرة عليه أثناء الاتصال..

                                 ***

بالأسفل كان سيف محاولاً التحدث مع أخته بطريقة مهذبة، مراعيًا مشاعرها الانثوية حيث تبدلت كليًا بعد طلاقها، وأصبحت أنثى شرسة تشن الهجوم على كل ما هو ذكر، بعدما تلقت خيبات على يد زوجها الابلة المنساق خلف والدته الحرباء، كما يطلق عليها سيف..


لمح سيف بطرف عينيه غزال جامح يخرج من البناية سريعًا تحاول تخطي الزحام الشعبي من بين البائعة اللاجئين واطفال وشباب المدارس..


وضع كوب الشاي الخاص به، وهذة عادة صعب أن يتركها في الصباح..ولكن الأمر تعلق بشقيقته وتوته ابنتها..


تحرك خلفها في هدوء مدروس، وما إن خرجت من المنطقة بأكملها، حتى استوقفها بصوته الخشن: 


- اقفي..


التفت ليال سريعًا تطالع من يأمرها في حدة تعجبت لاثرها، وما إن وقع بصرها عليه، حتى هدأت ملامحها لثوان، بعدما كانت تتأخذ طريقًا للهجوم والتوبيخ.


- خير يا بشمهندس سيف.


قالتها في عناد، وعيناها تزداد شراسة، فابتسم باستهزاء واضح قائلاً: 


- هو أنتي رفضتي تدي توته الدرس ليه؟!


هزت كتفيها بلامبالاة: 


- أنا حرة، مش هديها حاجة!، هو عافية؟.


ابتلع ريقة بصعوبة، مجاهدًا نفسه المتمنية، بضربها وتكسير عظام رأسها، ناهيك عن خصلات شعرها التي خرجت من الحجاب بكثرة..


راقبت عيونه وهي تتحرك مع خصلات شعرها المتطايرة، ولكن يبدو في نظرته الحدة، والقسوة، والاشمئزاز، لم يكن هناك أبدًا شيئًا من الاعجاب، مثلما ترى دائمًا، أو مثلما تعودت من ذلك الصنف، فتلقائيًا اهتزت مشاعرها وثباتها أمامه، ومدت أصابعها تحكم خصلات شعرها أسفل حجابها بهدوء مخلوط بالتوتر الملحوظ..


فرك سيف وجهه في ضيق، وعاد يقول في هدوء: 


- هتدى الدرس لتوتة الساعة كام؟! 


رفعت عيناها تقابله بشموخ وهي تلقي بكلماتها الخالية من الادب: 


- مش هديها، وده اللي عندي.


أشارت ليال بيدها لسيارة الاجرة، وتوقفت أمامها في لحظة، فركبت سريعًا تهرب من نظرات عينيه الغاضبة، ونبرته الخشنة تخبرها في تحدِ: 


- واللي عندي أكتر منه.

                                 ***

مساءًا.


توقفت سيارة سليم أسفل بنايتهم وكعادته انتظر دقائقه المفضله في هدوء احتاجه قبل الدخول لمنزل أصبح يرهقه في الآونة الاخيرة.


خرج من سيارته ممسكًا بحقيبة ورقية عليها شعارهم الخاص بالمجوهرات، وذلك بعدما قررًا صباحًا أن يراضي شمسه، معترفًا بمدى الضغط النفسي الذي يمارسه عليها كثيرًا في الفترة الأخيرة بتصرفاته الجنونية المتقلبه بين حين وآخر، حيث أصبحت تعاني معه وظهر ذلك جليًا على ردود افعالها وبُعدها الجزئي عنه.


دخل من باب شقة والديه، وصلت إلى مسامعه صوتهم في الصالة الداخلية، خطى بخطوات هادئة نحوهم، ولكن قبل أن يدلف، لمح شمس بالمطبخ تضع العصير في الاكواب..


غير خطاه، ودخل في هدوء شديد، حتى توقف خلفها مباشرةً، ومن شدة تركيزها لم تشعر به سوى وهو يلمس يدها في لطف، انتفضت انتفاضة صغيرة، والتفتت سريعًا تطالعه في قلق، لتصرفه ذاك.


- سليم.


-عيونه.


ظهرت البلاهة على ملامحها وهي تستمع لنبرة صوته الدافئة، وملامحه الهادئة، فابتسمت حتى ظهرت نواجزها:


- حمد الله على سلامتك.


رفع حاجبيه معًا مبتسمًا بتهكم:


- هو أنا جاي من الحجاز!.


امتعض وجهها وهي تنظر له حنق:


- على طول معترض على كلامي.


هز رأسه مجيبًا في هدوء: 


- علشان مش في محله.


وضعت يدها في خصرها تطالعه بدلال: 


- امال اقول ايه بقا!.


- تقولي اي رد يكون على الوزن ده!.


ضحكت بخفة، وهي تقف على أصابع قدمها، حتى تصل لمستواه: 


- الجميل رايق النهاردة.


فتح فمه كي يتحدث، تزامنًا مع رفع يده بالحقيبة امام وجهها ولكن قطعه صوت حارس البناية، وهو ينادي بصوت عالِ: 


- سليم بيه.


ترك سليم شمس على مضض واتجه صوب الباب المفتوح، نظرًا لعادتهم دائمًا..


- الورد ده جاي لشمس هانم.


التقطه سليم منه بقوة بعدما استغرق ثوان يترجم بها كلمات الحارس.


قرأ الكارت الموضوع فوقه، حينما لمح لقب يخص زوجته، توقف عقله عن العمل بسببه..


       " احلى ورد لاحلى انسة شمس".

 👇

 🌹 🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹

🍁🍁🍁🍁مرحبا بكم ضيوفنا الكرام 
هنا نقدم لكم كل ما هوا حصري وجديد
اترك ١٠ تعليقات ليصلك الفصل الجديد فور نشره

عندنا  ستجد كل ما هوا جديد حصري ورومانسى وشيق فقط ابحث من جوجل  باسم المدوانة 

    وايضاء  اشتركو على

 قناتنا        علي التليجرام من هنا

ليصلك اشعار بكل ما هوه جديد من اللينك الظاهر امامك

 

  🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹

                        الفصل الثالث من هنا

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-