أخر الاخبار

رواية ندبات الفؤاد الفصل الثالث والرابع

رواية ندبات الفؤاد الفصل الثالث والرابع


 رواية ندبات الفؤاد 

الفصل الثالث والرابع

بقلم زيزي محمد


الفصل الثالث.


لحظات من السكون سيطرت على المكان بأكمله، كلاً من شمس ووالدي سليم أصابتهم



 الصدمة، حتى خرست ألسنتهم، وغرقت عقولهم في إيجاد تبرير قوي لوحش كان



 يحتضر أمامهم بداية من صوت أنفاسه المرتفعة المشحونة بأعلى درجات الغضب



، وجسده المتشنج نتيجة لانتفاض عقله بسبب باقة الورد الخاصة بزوجته المصون.


تراجعت شمس عدة خطوات للخلف، تلتصق بباب المطبخ وهي تراقب الوضع بأعين



 مذعورة، وكأنها تشاهد فيلم رعب.


التفت سليم إليها ينطق في همس شديد ولكنه اخترق كل خلية بجسدها: 


- انسة..


حركت رأسها في نفي، وعيناها تطلب هدنة قصيرة تستطيع بها خلق أي تبرير له، ولكن 



الصلابة والجحود سيطر على عينيه التي كنفتها تحت وطأة غضبه 



وقسوته، فأدركت ما سيحدث لها في الخطوة التالية.. فاجأها حينما كرر كالمجنون لقب 




" أنسة" بنغمات متأرجحة ما بين الهدوء الخافت والانفعال المفرط..


اقترب منها بخطوات واسعة وهو يردد ما يفعله...وسألها بنبرة حادة مرتفعة بعض الشيء، جعلت جسدها يرتجف تحت قبضة يده التي قبضت فوق مرفقها.


- أنسة؟.


- وربنا مدام.


ردت بعفوية شديدة، تشبه طفلة صغيرة تنفي فكرة سيئة التصقت بها من العدم.


وقبل أن يفتح سليم فمه، اوقفه يزن حيث ظهر فجأة..والتقط باقة الورد عنوة منه..

قارئًا الورقة في صمت، ثم ابتسم باستهزاء مردفًا بصوت خافت: 


- شوف حركات البنات ياأخي .


امتلئ وجه سليم بالضيق وعلامات الاستفهام، حيث وقف يزن حائلاً بينه وبين شمس التي مازالت على حالة الارتجاف والتوتر..


- متعليش صوتك قدام ابوك، علشان هيديني دروس في الاخلاق، الورد يخصني.


للحظة هُيء له انه استمع صوت صكيك أسنان سليم، راقب ملامحه المهدده بإنفجار بركان غضبه..فسارع يزن بكلماته المرتفعة يخبر شمس في مزاح ..


-  بواقع خبرتي، أكيد غلطوا في العنوان..يلا يابنتي حضريلنا العشا.


وفي اللحظة التالية، قبض فوق يد سليم يشده خلفه رغمًا عنه، حتى خرجا معًا من باب المنزل.


- اطلع بس هقولك.


توقف سليم في المنطقة الفاصلة ما بين باب الشقة والحديقة الصغيرة، طالع أخيه وهو يشير نحو باقة الورد في برود تام، وكأنه لا يدرك حجم غضبه.


- الورد يخصني، في واحدة بعتته ليا..


في لحظة شعر يزن باندافعه للخلف، حتى اصطدم بالجدار بعنف، ونظرات سليم تشتعل بجنون، تزامنًا مع خروج صوته المكتوم يهدد بانفجار جامح: 


- انت فاكرني غبي، عارف أنا ممكن  اتجنن من إيه.. من اللي يفكر بس مجرد التفكير  انه يستغفلني..


ابعده عنه بصعوبه، مجيبًا بصوت خافت يشوبه القلق من تصرفات اخيه الجنونية.


- ياسليم افهم ابوك لو عرف ان بكلم بنات، وفي منهم بيبعتلي هدايا وورد على البيت، هـيديني دروس في التربية والاخلاق، وانا الصراحة يعني قدام كرمهم ولطفهم مبقدرش ارفضلهم طلب، فبخليهم يبعتولي اللي نفسهم فيه هنا على البيت باسم شمس مراتك.


اخشن صوت سليم متسائلاً:


- كرم ولطف مين؟!


رد يزن في اعتيادية : 


- المزز..


ولكنه ابتلع باقي حديثه، مردفًا بجدية زائفة: 


- البنات..أصحابي.


وتحولت نظراته للبراءة تعاطفً معهن، حك سليم ذقنه وهو يراقب انفعالاته التي تحولت لشيء لم يريحه قط.


- وليه مبيعتوش على المعرض عندك..


سأله سليم في شك، فأجاب يزن على الفور  بثقة: 


- علشان عم سعيد هيروح يقول كل حاجة لابوك، لكن هنا محدش هياخد باله اوي.


زمجر سليم في حدة: 


- الحوار ده مش داخل دماغي.


- يعم يعنى هتصدق لما اجبلك البت، وبعدين تعال قولي هنا، هي شمس بتخرج من باب البيت الا معاك او معانا، مين هيعرفها، ده الشارع كله بيتكهرب لما بتعدي بيها في العربية.  


رمقه سليم بنظرة مطولة، حافظ يزن على ثباته امامه، بل ازداد من حديثه مردفًا: 


- انت الصراحة عكيت الدنيا.


عنفه سليم بصياح محذرًا إياه: 


- الزم حدودك، اعرف بتكلم مين.


- رئيس مراجيح مولد النبي.


قالها يزن بداخله بعدما ارتفعت لديه وتيرة الاعتراض الصريح المخلوط بالتهكم..


 ولكنه كتم اعتراضاته وسخريته على مضض، مقتربًا منه بهدوء واعتلى ثغره ابتسامة هادئة: 


- بكلم اخويا، اللي المفروض اعرفه انه غلط بزعيقه.


- هو انا زعقت!.


تسأل سليم في وجوم:


- انت تقريبا كنت هتقتلنا، يا سليم كانك بتقول لشمس انا شاكك فيكي.


تجمدت نظراته وهو يلقي بكلماته النابعة من اعماقه.


- انا استحاله اشك في شمس، انت مجنون.


للحظة نظر إليه يزن ببلاهة شديدة، وفم مفتوح، لم يعد قادرًا على فهم مكنونات أخيه..طال صمت يزن.. فتحرك سليم نحو الباب مردفًا بلامبالاة: 


- أنا شايف ان معملتش حاجة، من حقي اسال وافهم ايه ده، حتى لو أنت بتقول ان زعقت.


- بس مش على شمس اللي بتحبك، من رأي لازم تصالحها وتراضيها بهدية..


قالها يزن وهو يعقد ذراعيه أمامه بضجر، فاقدًا الامل في أخيه الاكبر.


- انت تقول رأيك ليه هو في حد كان طلبه، حاجة متخصكش.


دخل سليم وأغلق باب الشقة بعنف خلفه، فانفجرت ملامح الغيظ على وجه يزن، مراقبًا فعل أخيه الخالي من الذوق.


استمع لصوت ضحكات ساخرة بجانبه، فالتفت برأسه يطالع زيدان الواقف بجانب الباب الحديدي المؤدي للحديقة..


- أنت بتضحك!.


اقترب زيدان وهو يضع يده في جيب سرواله، متحدثًا بصوت تمثيلي يتخلله الحكمة الزائفة: 


- عيب يا يزن، ده اخوك الكبير، ابوك لو شافك بتبصله كده هيزعل جامد، ده مهما كان...


قاطعه يزن بعصبية خفيفة من فرط احراجه، حيث وقع الحق كله في كافة زيدان: 


- خلاص..هو حر، المهم اننا انقذنا الموقف.


أخرج زيدان تنهيدة قوية، وهو يحرك رأسه موافقًا: 


- صح، لولا أن سمعت عم عبده، كانت شمس اعترفت مع أول قلم.


رفع يزن يده نحو عنقه، وحكه بلطف بعد قبضة سليم التي كانت تخنقه بقوة وكأنه عدو..


- وأي قلم..ده دراوكلا.


                                  ***

وقف سيف أمام شقة " ليال" بوجه جامد لا يخلو من التحدِ، متوعدًا بداخله لتلك الشرسة  بعدما تجرأت بحديثها صباحًا وضربته بنظراتها الحادة التي لا تخلو من العناد.


حرك أصابعه فوق خصلات شعر ابنة اخته الواقفه بجانبه تحمل كراستها الوردية وقلمها ذو الفراشات الصغيرة المتناثرة فوقه..


تململت الصغيرة وهي تراقب خالها الذي كان يقف كالصنم يراقب باب الشقة بصمت تام، رفرفت بأهدابها الكثيفة وهي تقول: 


- خبط بقا يا خالو.


انتبه سيف لصوتها، فحك مؤخرة رأسه وهو يرمقها بهدوء: 


- حاضر هنخبط.


ورفع يده الاخرى يطرق على الباب عدة طرقات، وانتظر ثوانٍ حتى فتحت ليال التي كانت ترتدى منامة حريرية باللون الأحمر، وشعرها الأشقر متناثر حول وجهها في فوضوية تامه، انعقد لسانه فجأة وكأنه فقد أبجدية الحديث..وقد غرق كالمسلوب في بحر غرامها المُهلك..والهلاك هنا يكمن داخل عيناها القاتلة لجموده الظاهري أمامها..وأي ثبات قد يجده أمام منظرها الأنثوى ذاك.


شعر باغلاق الباب في وجهه بقوة، فعاد تركيزه الذى غاب عنه ربما لدقائق أو ثواني، لا يعلم منذ أن وقع أسيرًا لطلتها المولعه لمشاعره.


فتحت ليال وهي ترتدى حجاب " طرحة " قصيرة للغاية تغطى بعض شعرها..


ارتسمت بسمة ساخرة فوق شفتاه ممزوجة بالسخط منها، ولم يمنع نفسه من اعتراضه المتهكم: 


- بارك الله فيكي يا ست الشيخة.


وحدجها بنظرات استحقار تشملها من أعلاها لأسفلها.. مشيرًا بأصبعه عليها: 


- وبالنسبة للبجامة مكنتش مفروض تلبسي حاجة تغطيها!.


دهشة سيطرت على ملامحه، حينما تخصرت وهتفت بنبرة تلمؤها التحدِ: 


- وأنت مالك.


رفع جانب شفتاه عقب وقاحتها التي زادت عن حدها، ومنع لسانه من توبيخها بأقذر الالفاظ حتى تستفيق من غفوتها.


 منع نفسه بصعوبه وهز رأسه موافقًا، مغيرًا مجرى الحديث كلياً، وهو يدفع توته للداخل: 


- ادخلي يا توته خدي الدرس مع المس، ولما تخلصي المس عارفه هتعمل ايه.


أدخل الصغيرة دفعًا نحوها، ثم أغلق الباب، فبقيت ليال بالداخل وهي مصدومة من فعلته، لم يسعفها عقلها بأي شيء وبقيت  مندهشة من جرأته لفترة قصيرة، حتى انتبهت لصوت الصغيرة تسألها في براءة خالطها الاشمئزاز وهي تنقل بصرها في أرجاء الشقة: 


- مس هو انتي بيتك مش نضيف ليه!.


ابتلعت ليال لعابها حرجًا من تلك الوقحة التي تماثل خالها في جرأته واشمئزازه الدائم على وجهه كلما حادثها وكأنه رئيس جمهورية وليس مجرد مكيانيكي يرفض الاعتراف بشهادته العليا ويصر على العمل في ورشة بأحدى المناطق الشعبية!.


تحركت توته نحو اريكة ومدت يدها الصغيرة تزيح بها الثياب الموضوعه بأهمال فوقها، ثم جلست بتعالِ أدهش ليال التي كانت تحت تأثير ما فعله سيف وما تفعله تلك المصيبة..


- يالا يا مس نبدأ.


هزت ليال رأسها بيأس واستسلام وهمست لنفسها بغيظ: 


- بتتأمر عليا وكأن البيت بيتها.


بينما كان يقف سيف بالخارج في احدى زوايا السلم ينتظر فتح الباب وطرد صغيرته، فوقحة مثلها تفعل أي شيء كان، ولكنه كان واثقًا أنها سترضخ للوضع الذي يريده، فشخصية مثلها يجب أن يتعامل معها بحزم وقوة أكثر، كي تترك تمردها جانبًا.


وما ان اطمئن على استمرار توته بالداخل حتى هبط نحو شقته، وصدره ينتفخ بفخر عما فعله بها، شاكرًا نفسه على اختصار مناقشات عديدة كانت ستندلع بينه وبين اخته إن رفضتهما ليال.


                                ***

وقفت شمس في احدى زوايا المطبخ، تفتح النافذة الزجاجية، كي تلتقط بعض من ذرات الهواء تعيد مجرى الحياة داخلها، بعدما انسحبت الدماء من شراينها خوفًا من اكتشاف سليم لأمرها.


- كنتي هتروحي فيها يا شمس.


همست بها بنبرة يتخللها الخوف، ولسان حالها ينطلق موبخًا عما أقدمت عليه في الخفاء دون علمه، وراحت تتخيل رد فعله اذا ادرك فعلتها الحمقاء، حتمًا كان سينهي أمر زواجهما دون أن يرمش جفنه.


- اهي حالتك دي هتودينا في داهية.


التفتت شمس تطالع يزن وزيدان الواقفان على أعتاب المطبخ، فانطلقت نحوهما تهرول بلهفة اكتسحت ملامح وجهها: 


- صدقكوا.


أومأ يزن وابتسم بثقة: 


- عيب يابنتي، أنا زيزو يعني أدخل في أي موضوع اخلصه.


التوى فم زيدان متهكمًا: 


- أنت هتقولي!.


زفر زيدان وراح يصفق بتمثيل: 


- عرفنا انك انت اللي فكرت وقولتيلي اعمل ايه، لولا مجهودات سيادتك كنا ضعنا.


- انتوا بتهزروا ومش حاسين بيا، أنا خايفه اوي، سليم لو كلمني هقول كل حاجة.


هتف زيدان محذرًا: 


- لا اهدي، الموضوع بسيط وعدى، كل اللي عليكي لو قالك انتي عارفة بموضوع صحاب يزن البنات قوليله..


قاطعته وهي تشير له بحماس كاد أن يخرج من بؤبؤ عيناها وعقلها يحيك ماتبقى من الخطة.


- هقوله لا معرفش يا سليم وكده يعني..


اتسعت أعين يزن في صدمة وهو يقوم بتقلديها: 


- وكده يعني.


هزت رأسها تباعًا لحديثه وحركاته، فقال زيدان: 


- لا يا شمس، قوليله اه عارفه، انتي كده هتبوظي الدنيا.


شهقت بخفة وهي تضع يدها فوق صدرها مشيره نحوها بأصابع مرتجفه: 


- أنا اقوله اه كنت عارفه، يالهوووي على اللي هيعمله فيا.


صمت كلاً من زيدان ويزن مشفقين عليها مما تعانيه، بينما تحركت بضعف وجسد قد خارت قواه حينما تعرض لأول عقبة قد يكشف أمر ما تخفيه..جلست فوق الكرسي ووضعت يدها فوق رأسها في حزن: 


- أنا احسن حاجة اعترف.


- وليه تنكدي على نفسك وعلينا، بطلي التوتر والخوف ده، أنتي مبتعمليش حاجة غلط.


رفعت عيونها تطالع زيدان عقب حديثه والذي عبر عن مدى ضجره من خوفها الزائد، وقبل أن يغادر المطبخ هو ويزن، قال بخشونه: 


- أنتي مبتعمليش حاجة غلط يا شمس، حطي ده في دماغك قبل ما تتصرفي وتقولي أي حاجة لسليم.


غادرا معًا، بينما هي باتت تحدق في اثرهما بشرود، حيث قد وقعت في حيرة الصواب والخطأ بعدما فقدت قدرة التمييز بينهما بسبب أفعال سليم التي أحيانًا تتسم بالعدائية.

                                 *** 

أنهت ليال الشرح ووضعت القلم فوق الدفتر وهي تقول بنفاذ صبر.


- خلصنا.


- طلعتي بتشرحي كويس زي ما ماما قالت.


قالتها توته وهي تمعن النظر في ليال، والتي تفاجئت كثيرًا وهمست بحنق: 


- انتي وامك وخالك رخمين.


رفرفت الصغيرة برموشها والفضول كاد أن يقفز من عينيها:


- بتقولي إيه يا مس.


- مبقولش، قومي روحي لخالك.


رفعت توته ساقيها تحركهما بعشوائية: 


- خالو قالي المس تجبيك لغاية باب البيت.


نهضت ليال بعصبية شديدة من برود ذلك السمج: 


- كده كتير، انا استحملت فوق طاقتي قومي معايا.


وقبل أن تبدى توته اعتراضًا، كانت ليال تمسك بيدها وتجرها خلفها، فلم تستطع الصغيرة ادراك ما يحدث لها، سوى أنها رُفعت فجأة من درجات السلم وتعلقت بيد ليال التي كانت تهبط بسرعة كبيرة وصوت أنفاسها يعلن عن غضبها..


بعد ثوان استمعت توته لصوت خالها والذي فتح الباب وبيده كوب الشاي، مرتشفًا منه بتلذذ.


- خلصتي يا قمر درسك.


هزت الصغيرة رأسها بصمت، فتابع سيف حديثه ببرود: 


- والمس عجبتك ولا نشوفلك واحدة غيرها.


وقبل أن تفتح فمها كانت ليال تدفعها للداخل، وهي تردف من بين أسنانها: 


- ادخلي عند أمك.


دخلت الصغيرة وهي تركض، كي تخبر والدتها بما رآته وسمعته، فبقيا ليال وسيف وحدهما، يتواجهان في معركة من الصمت، هي تتوهج من فرط انفعالها، وبالمقابل كانت عيناه عبارة عن كتلة ثلجية وبملامحه الجامدة التي لم تخلو من عنجهيته المتأصله به.


- اسمع ما اقولك أنا عماله استحملك، واستحمل طريقتك الزفتة علشان بس احنا جيران، بس والله بعد كده ماهعمل حساب لحاجة.


هز كتفيه بلامبالاة: 


- متعمليش.


اتسعت عيناها بصدمة، وتحولت ملامحها للذهول، فاغتاظت منه ودبدبت بقدمها أرضًا قبل أن تعود للاعلى تجر اذيال الخيبة خلفها.


أغلق سيف الباب بعد أن صعدت للاعلى، والتفت بجسده يبحث عن صغيرته، فاقترب من باب غرفتها هي ووالدتها واستمع لحديثهما: 


- بيتها مش نضيف خالص يا ماما، بس ايه عندها مونكيرررررات كتير.


- ملناش دعوة يا توته، واتعودي متبصيش في بيوت حد.


- حاضر يا ماما.


هز سيف رأسه بيأس وانطلق صوب ورشته يفرغ طاقته بها، منتظرًا ميعاد صديقه المسائي.

                                 ***

اغلقت شمس باب غرفة طفلها بعد جدال طويل حول احقيته في اللعب واللهو ليلاً، لقد انتهت جميع قواها ولم يعد لديها القدرة على مواكبه الساعات المتبقيه في ليلتها البائسة تلك.


جلست فوق اريكتها المفضلة بانهاك، وشعرت بحاجتها الشديدة للراحة، فـ فضلت الجلوس قليلاً وحدها قبل مواجهة سليم..


انتبهت لصوت فتح باب غرفتهما وخروجه من الغرفة، باحثًا عنها بعينيه، تقابلت عيونهما في لحظات من الصمت، قاطعها سليم بنبرته الجافة: 


- أنا خارج.


هزت رأسها بالموافقة، دون ابداء اي رأي، وداخلها كان يتهكم من نفسها الضعيفة، حيث كانت تنتظر اعتذراً عما بدر منه بالأسفل، وما زادها أملاً حديث يزن عن رؤية الأسف يتوارى خلف نظرات سليم.


عادت بجسدها لتستند على ظهر الأريكة، تطالب بهدنة قصيرة للم شتات نفسها الضائعة بين ما تخفيه، ومعاملة سليم لها والتي تزداد جمود، فأصبحت حياتها جرداء، كبستان ذبلت زهوره بسبب إهمال صاحبه.


ولكنها تفاجئت بصوت سليم يصدح في المكان مجددًا، وكأنه عاد خصيصًا كي يقضى على أي ذرة تماسك لديها.


- انت ازاي تسمحي بحاجة زي دي تحصل!.


اعتدلت في جلستها، وبدأ عقلها يدور بسرعة يبحث عن إجابة تمثل طوق النجاة من بحر عيناه المظلم: 


- مش فاهمة.


زفر بحنق شديد، وقد ظهرت بوادر انفعاله على ملامحه:

 

- شمس انتي فاهمة قصدي كويس.


حركت رأسها بنفي، قائلة بخفوت متلجلج: 


- وضح كلامك يا سليم.


احتدت نظرات وهو يردف: 


- انتي ايه علاقتك بالبنات اللي بيكلمهم يزن.


لن تنكر أن مشاعرها الثائرة من شدة خوفها، هدأت قليلاً حينما تبين لها محور حديثه، فقالت بلامبالاة: 


- عادي بصاحبهم فيها أيه دي.


كور يده بعصبية بالغة وقد تجمهت قسماته، ناطقًا حروف كلماته بغضب: 


- لا فيها كتير، بلاش جنان على كبر.


اتسعت حدقتيها بصدمة، مشيرة نحو نفسها بامتعاض: 


- قصدك إيه إن أنا كبرت.


ارتفع حاجبيه باندهاش: 


- ده اللي فهمتيه من كلامي، أنا اقصد انك ام ومتجوزه وعندك مسؤولية، والكلام ده ممكن يمس سمعتك.


- انت معقد الأمور اوى على فكرة، وبعدين بدل المحاضرة دي في المسؤولية، كنت قولها لنفسك يا سليم وانت بتزعقلي تحت قدامهم.


ثارت ثائرته قائلاً: 


- أنا مغلطتش، والغلط كله منك.


أشارت بيدها قائلة بحزن، وعيون ممتلئة بدموع الكسرة: 


- طيب ماشي خلاص، انت مغلطتش، وانا غلطانه، اتفضل روح شوف انت رايح فين.


وقبل أن يتحدث، كانت تهرول نحو غرفتها، ثم أغلقت الباب خلفها بقوة، جعلت احد حاجبيه يرتفع في غير رضا عما تفعله.


                               ***

صباحًا..


استيقظت شمس على مداعبة لطيفة فوق وجنتيها، ففتحت عيونها الناعسة بسبب استمرار تلك اللمسات التي أشعلت مشاعرها المشتاقة لجرعة من الحب.


- سليم.


نطقت بها في همس، ونظراتها تنتقل بين قسمات وجهه الوسيمة، تبحث عن ذاك القاسي الذي كان يرميها بكلماته الحادة الجافة أمس.


- جيت امبارح متأخر لقيتك نمتي.


رمشت عدة مرات تطالعه بعدم فهم، ستفقد عقلها بسبب تصرفاته المتقلبه بين ليلة وضحاها.


- ساكته ليه؟!


اعتدلت بجلستها، وأخرجت تنهيدة قوية تعبر عن مدى ضجيجها من تغير حالته المزاجية.


- مبقتش فاهمك، انت امبارح كنت بتزعقلي، ودلوقتي...


قطعت حديثها حائرة، لا تجيد التعبير عما تعانيه معه، بينما تحدث هو بدفء أثار عاطفتها: 


- دلوقتي انتي وحشاني.


لمعت عيناها بوميض الاشتياق لهمساته القليلة ولكنها تحفر في عقلها، كلما تضايقت منه، تتذكرها كي تهدأ ثورتها.


وكالمغيبه قالت بصوت يرتجف، اثر دقات قلبها: 


- سليم هو أنت بتحبني صح!.


لم يتحدث بل اقترب منها مقبلاً إياها بنعومة داعبت أوتار فؤادها، ويده تتحرك بدرايه مدروسه فوق منحنيات جسدها الممشوق، يغمرها بمشاعر صامته لا يجيد البوح عنها، لقد كان بخيلاً في اغداقها بكلمات الحب، مناقضًا تماما افراطه في التعبير عن حبه من خلال تلاحمها الجسدي، فـ هو يدرك مدى  واقع تأثير لمساته عليها، وكيف تحلق كالفراشه بين يده القابضة على جسدها في تملك، متمنيًا  أن يدخلها بين ضلوعه مغلقًا عليها للأبد.





الفصل الرابع.


استندت شمس على وسادتها تتطلع لمنظر الفراش الفوضوي، وشعرها الأشعث تحاول ترتيبه للخلف، حاولت منع ابتسامتها الحمقاء ولكنها فشلت، حركت بصرها لنقطة ما وسمحت لنفسها بالغوص في عناقهما الدافئ، حيث مازال تاركًا أثاره في نفسها، وأثناء تأملها خرجت تنهيدات عميقة تعبر عن مدى حالميتها وافتتنانها بفارسها ومعذب قلبها " سليم الشعراوي".


همهمه خرجت منها وهي تستسلم لتيار ذكرياتهما معًا، منذ بداية انتفاض قلبها الغض له، مرورًا بأيام مراهقتها التي تركت العنان لمشاعرها البريئة تندثر في كنف الحب،.. ابن الجيران... الفظ الغليظ الذي كانت تراقب تصرفاته عن كثب، تظهر أمامه بتخطيط منها كي تخطف  نظرة منه تحتفظ بها داخل قلبها الأرعن.


عبست بوجهها حينما تذكرت كلماته الجافة كلما حانت الفرصة لهما بالتحدث، بحكم جيرتهما وصداقة عائلتهما معًا.


وفي ظل صخب ذكرياتها، تلألأت ذكرى جميلة تحتفظ بها في أعماق قلبها، ترفض التخلي عنها، تتذكر دقات قلبها العنيفة حينها، كيف كانت تتطرق تأهبًا لحديثه الصادم والمزلزل لكيانها..

                                **

وقفت شمس بجانب والدها تطالع سليم ذاك الشاب الذي يرهق قلبها بحبه، فقد قاومت وسامته التي جذبت أنظارها وأنظار فتيات الحي جميعًا، فتى أحلامهن الذي تتوفر به كل الصفات بداية من ملامحه الرجولية الخشنة، وطوله الفارع وتناسق جسده .. ناهيك عن سيارته الفارهه وامتلاكه لمحلات الذهب والمجوهرات..فكانت أحلامهن تافه بقدر عمرهمن الصغير..ولكن هي كانت في عالم آخر، عالم تذوقت به حلاوة الحب لأول مرة.


 لم تنكر مراقبتها لحركاته بجنون، أو مثلاً نبرة صوته التي تحفظها عن ظهر قلب، فواقع رنينها يمثل سعادتها كسعادة راقصة بالية تتعلم أولى خطواتها على نغمات هادئة، ترسم بخيالها مشاهدهما الرومانسية اللطيفة والتي كانت تنسجها من عقلها الباطن.


كانت أحيانًا تقاوم وأخرى تستلم، وقعت في حيرة الحب، لاعتقادها أن مشاعر الاعجاب من ناحيتها فقط، بسبب اصطدامها الدائم بمعاملته الجافه معها خصيصًا، وعقب كل لقاء تنخرط في بكاء حار عما أوقعت نفسها به، كانت شبه ضائعة شاردة، تجاهد التحكم بنبضات فؤادها أمامه.


ضغطت شمس فوق يد والدها وهي تجاهد مشاعرها الثائرة بفعل نظراته التي كانت تشملها في هدوء اثار ريبتها، لأول مرة تتجرأ نظراته وتتجول فوق ملامحها بهذا الشكل المخجل، فدائمًا كانت تنتظر منه التجاهل وكأنها لوحه فقدت رونقها.


ارتعشت شفتاها بخجل، وندمت على موافقتها للمجئ إليه كي تقتني هدية لها من إحدى محلاته لأعجابها بذوقه الفريد.


حركت رأسها برفض، وكأنها ترفض الانصياع خلف مشاعرها، فاهتمام والدها بها في تلك اللحظة يستحق التقدير، يكفي سعادته بتفوقها في الثانوية، وتحقيق حلمها بالتحاقها " بفنون جميلة"، حيث كانت تتطلع لتنيمة موهبة الرسم والتي رزقت بها، وجاهدت توسيع مداركها بها حتى في دراستها.


انتبهت شمس لصوت والدها وهو يقدم لها بضع الخواتم  الرقيقة: 


- نقي هديتك يا حبيبتي.


طالعت والدها بحب وهي تقول بصوت ناعم ورقيق: 


- اختار معايا.


صمتا ثوان، بينما عيونهما كانت تتجول فوق الخواتم في سرعة، افتقدا كلاً منهما التركيز بسبب رنين هاتف والدها، وإخبار أحد العمال بحاجتهم لحضوره الفوري..فقال وهو يغلق الهاتف:


- هروح بسرعة اشوف في إيه في المحل، وأنتي اقعدي هنا مع سليم..


ثم توجه بحديثه لسليم الجالس خلف مكتبه يطالعهما في صمت: 


- ساعدها يا سليم لغاية ما أجاي.


وقبل أن تبدي اعتراضًا، غادر والدها وتركها مع ممن كانت تتجنب النظر إليه، كي لا يقرأ الغرام بعينيها، فتعلق بصرها بالخواتم، والرؤية أمامها مشوشه لدرجة أنها افتقدت حاسه السمع، وبالتالي لم تستمع لبضع كلماته، فقالت ببلاهة: 


- ها..، بتقول إيه!.


رمقها بابتسامة ساخرة وجذابه في آن واحد، مردفًا بصوت رخيم: 


- مبروك.


أسبلت أهدابها، لتقول بخجل اكتسح ملامحها وأكسب وجنتيها حمرة لطيفة: 


- الله يبارك فيك.


هبطت ببصرها نحو يده التي كانت تحرك قلمه بعشوائية فوق مكتبه الزجاجي.


- ناويه على كلية إيه.


تحمست بحماقه، قائلة: 


- فنون جميلة طبعاً، أنت تعرف انا ذاكرت قد إيه علشان اقدر ادخلها.


قابل حماسها بنظرة جامدة يشوبها الامبالاة:

 

- كل الكليات زي بعض، مش فارقه كتير.


لِمَ شعرت وكأنه يريد التقليل من سعادتها ونجاحها، وكأنها شخصية تافهه تفرح لأمرًا لا يستحق، وفي ظل صمتها، نهض سليم ثم تقدم منها جالسًا فوق الكرسي المقابل لها.


- قبل ما افتح عم جمال في الكلام اللي هقوله، لازم اتكلم معاكي.


لوهلة شعرت بالتخبط، والآلاما تغزو معدتها من جديته المفرطه في الحديث، وكأنها اقدمت على خطأ هي لا تعلمه، فلم تصدر أي رد فعل، بينما هو ألقى ما في جبعته واحتفظ به طوال ثلاث سنوات.


- عايز اتجوزك.


عقدت حاجبيها لثوان، ثم عبست بملامحها ثوان أخرى، وعقب اضطراب انفعالاتها ابتسمت بخجل وهي تشير نحوها برقة: 


- تتجوزني أنا.


هز رأسه مجيبًا:


- اممم، عندك اعتراض!.


أنهى كلامه بنبرة ساخرة لم تعجبها، فقالت  بضيق طفيف: 


- انت بتكلمني كده ليه، ده جواز على فكرة.


اقترب بجسده منها، قائلاً بخفوت فاجأها بل انتفضت خلايا قلبها عقب تصريحه المدمر لعقلها الذي توقف مشدوهًا للحظات: 


- وعلشان هو جواز، باخد رأيك، ماليش في الذواق والكلام الحلو،  حبيتك وعجبتيني وعلشان أنا راجل دوغري ماليش في العك والكلام الفارغ اللي بيحصل بين الشباب، عايز اتجوزك.


رمشت بأهدابها عدة مرات وهي تتهكم: 


- ده أسوء عرض جواز شوفته في حياتي. 


- ده العرض الوحيد اللي ممكن يجيلك مني.


طال صمتها وهي تحدق به، تحاول البحث داخل عينيه الغامضة عن شعاع حبه، فحديثه الجاد الخالي من المشاعر والأحاسيس جعلها تشعر كأنها صفقة ذهب،  ربما كان ينقصه دفء حار لتعبير عنه.


كتمت توترها الزائد، وجاهدت إخفاء نظرة الاعجاب به، بينما أصابعها ارتفعت لحجابها تحاول تثبيته، وكأنها تتشبث بيه أثناء حديثها المهزوز اثر نظراته المثبته عليها: 


- يعني...آآ...أنا ناويه اكمل تعليمي الاول.


قاطعها وهو يضع ساقًا فوق الأخرى، مردفًا بغموض اثار ريبتها: 


- مفيش مشكلة، كملي في بيتي ومعايا.


هتفتت بتلعثم طفيف: 


- بس.. أنا... حاسه ان مش...هقدر.


- تقدري إيه.


قالها في جمود وحدة، فصمتت تحاول اختيار افضل الالفاظ لباقه، ولكنه فاجأها حينما قال: 


- مش موافقه عليا؟!


واحتدت نظراته عقب حديثه، فاردفت كالحمقاء وهي تحرك رأسها في نفي، تحاول ابعاد تلك الفكرة عن ذهنه.


- لا..طبعًا...


ابتلعت باقي حروفها خجلاً، وتوقف عقلها عن العمل حينما نهض ينحني نحوها في تمهل، تفرست في ملامحه عن قرب، بداية من شعره الأسود الغزير، وعيناه ذات العشب الصافي، فأصبحت دقات قلبها فوضوية، أغلقت عيناها تحارب مشاعرها المنبثقة نحوه، وكأن أنفاسه الساخنه التي كانت تلفح وجهها بمثابة المجراف لثباتها أمامه، ولو انتظر ثانية واحده لاعترفت بحبه كالتي وقع عليها تعويذة سحرية.


- تشربي عصير إيه.


صمتت لثوان عديدة كانت تبحر في عالم خاص مع أحلامها الوردية التي باتت تتجسد أمامها دون أي عناء منها، حتى أن نغمة صوته المميزة تداعب أذنها وكأنها تستمع لترنيمة لا مثيل لها، فتمايلت برأسها يمنيًا قليلاً، وتنهيدات خافتة متتابعه تلاحق بعضها تخرج منها عقب إصراره لنطق حروف اسمها..


- شمس.


فتحت عيناها تطالعه في هيام: 


- ها..


ابتسامته الساخرة اخرجتها من عمق أحلامها واستكانتها، فقالت برقة ممزوجة بالخجل: 


- بتقول ايه!.


- تشربي عصير إيه!.


- مانجه.

                                 ***


خرجت من شرودها وبحر ذكرياتهما معًا على كوب المانجه الموضوع بين يدها، وصوته الساخر يتردد في أذنها: 


-اشربي المانجه يا شمس، علشان تفوقي.


تنحنحت باحراج، قائلة بسخرية مماثلة:

 

- يااه حاسس بيا اوي كده.


انتهى من تبديل ثيابه، ثم استدار نحوها يطالعها بتهكم: 


- اممم، يعني أنتي مش طلبتيها وانتي سرحانه!.


وضعت الكوب بجانبها فوق المنضدة بيد، واليد الأخرى تشير نحوها نفسها بعصبية طفيفة: 


- مين أنا... لا استحاله، أنت بس أكيد بتتلكك  وعايزني ارضى واسامحك.


مد أصابعه يبعد خصلات شعره للخلف، وهو يتابع خطواته نحوها، وعيناه لا تفارق هيئة الفراش  من حولها، ونظراته الساخرة يليقها كعادته عليها يذكرها فيما حدث صباحًا، رفعت أنفها بكبرياء وهي تجذب الروب الخاص بها، تخفي جسدها عن عيناه التي تلاحق حركاتها كالصياد الماهر..


- يلا نهايته، سامحتك علشان خاطر ابنك بس..اعمل أيه ما أنت ابو ابني ولازم اسامحك.


أنهت حديثها وهي تغلق باب المرحاض خلفها، ونظراته المتعلقه بالفراش المبعثر، تداعب خجلها حينما ادركت مقصده، عضت فوق شفتيها وهي تقول بغيظ: 


- رخم..بس بحبه. 

                               ***

جذب "محمد" والد سليم سجادة الصلاة ثم وضعها برفق فوق الكرسي، متمتمًا ببعض الاذكار، بينما كانت " منال" زوجته تنتظر انتهائه من ورده اليومي الصباحي، وعيناها تتركز على ملامحه الواجمة منذ ليلة أمس، تشعر بالريبة لصمته الطويل عقب صدام سليم مع الورد المُرسل لشمس، حاولت التحدث معه ولكنه اكتفي بالاشارة لها مغلقًا الحديث معها، رضخت لاوامره خوًفا على صحته.


انتبهت منال على صوته المتسائل في هدوء: 


- خير يا منال.


اندفعت تسأله بقلق: 


- انت كويس يا محمد.


التفت بوجهه يسألها بعبوس: 


- أنتي شايفه إن أنا كويس.


زمت شفتيها بضيق وهي تبعد بصرها بعيدًا عنه: 


- خلاص اللي حصل حصل، هنعمل إيه يعني، هنرجع الزمن تاني ازاي.


أخرج تنهيدة قوية، محركًا رأسه بالموافقة على حديثها، نادمًا على قرار ساعد به، دون أن يعلم عواقبه ومدى خطورته على ولده سليم: 


- صح هنرجع الزمن ازاي.


نهضت منال وهي تنهي الحديث بانزعاج، بعدما بدأ ضميرها في جذبها نحو بقعة تحاول الهرب منها: 


- احنا مبنعملش حاجة غلط، ابنك اللي قفل ودماغه زي الجزمة، نعمله إيه يعني، نموت البت يعني.


أشار إليها بالسكوت، مردفًا بضيق ممزوج بالحدة: 


- طب بس اسكتي ليسمعك، مش ناقصين مشاكل.


أومأت رأسها بالموافقة، ولم تنبث بكلمة واحده، بل ظلت ترتب الفراش في هدوء، وعقلها يشرد في ماضي حاولت دفنه، ولكن  فؤادها يحتفظ بمشاعر تجلد ضميرها حتى اليوم، تغرق في ندم لا رجوع به، تندب عقلها على قرار اتخذته في لحظه متهورة، ولكنها كانت تفكر بعقلانية جادة، كي تنقذ الوضع الذي بدأ في الانهيار اثر تصدعاته التي ظهرت لها فجأة، والضحية لكل ذلك كان ولدها فلذة كبدها " سليم".


                                ***

في احدى المناطق الراقية توقف " منير " على اعتاب الباب الحديدي، يتابع قدوم والده من داخل عمله، حيث يعمل والده في محل الشعراوي لبيع المجوهرات والذهب، دق قلب "منير" بعنف، بعدما لمح الوجوم يسيطر على وجه والده، فأدرك أن المناقشة ستنتهي في صالح قرار والده، ولكن لن يهدأ، ولن يفقد الأمل في اقناعه بما يتمناه.


خرج " فتحي " من المحل ثم قبض فوق يد منير قائلاً بعصبية خافتة: 


- أنا قولت إيه، إيه جابك هنا!.


- يابابا علشان خاطري وافق اروح الدروس، عايز..


قاطعه فتحي بحنق، مُصرًا على قراره دون النظر إلى ما يلمع بعيون ولده من حزن وقهر:


- مفيش تعليم يا منير، اسمع الكلام وروح اشتغل.


هز منير رأسه بالموافقة، وبدأ غلاف رقيق من الدموع يحتل مقلتيه: 


- طب هشتغل واكمل تعليمي، يابابا هي سنة واحدة وادخل ثانوي.


ابتسم فتحي باستهزاء يتوارى خلفه حزن وضعف لِمَ يتفوه به:


- ثانوي إيه...انا هجيب فلوس منين لده كله، غير مصاريف اخواتك، يابني حس بيا، ومتتعبش قلبي، روح اشتغل وساعدني في مصاريف البيت.


هبطت دموعه الغزيرة فوق صفحات وجهه، بينما كانت عيناه تصر على نظرة الرجاء، كي يحن قلب والده ويتراجع عن ذلك القرار، فخرج صوته ضعيف مهزوز: 


- يابابا علشان خاطري، والله ماهتعبك في مصاريف.


وقبل أن يفتح فتحي فمه، تفاجئ بسليم يقف خلف منير، منعقدًا الوجه، عيناه تجول بالاسئلة، فابتلع باقي حديثه، ناقمًا على ولده الذي اختار مقر عمله مكانًا للمجادلة.


- في إيه يا فتحي.


قالها سليم في خشونة وعيناه لم يبعدها عن منير، فكانت نظرته أشبه بعصفور صغير كسرت جناحيه، نظرة حزينة يقطر منها الالم، هو وحده يدرك مدى عواقبها، لقد عاشها بكل تفاصيلها، حيث شعر وكأنه مخمور من شدتها، متخبطًا هنا وهناك فاقدًا آماله وطموحاته، مستسلمًا لظروف بشعة هدمت حياته وقلبتها إلى أخرى راكدة لا حياة بها.


حمحم سليم بقوة، ومد يداه تداعب شعر منير في هدوء:


- بتعيط ليه!.


مسح منير دموعه بسرعة خوفًا على اذيه والده من رب عمله، وقال: 


- مفيش ده تراب دخل عيني، سلام يابابا.


غادر منير سريعًا قبل أن ينطق والده، وتركه يصفر وجهه أمام سليم الذي كان يشمله بنظرات كره، لا يعلم سببها..


- مش عايز ابنك يكمل تعليمه ليه!.


تلعثم فتحي بحرج، مجيبًا: 


- آآ...يعني..علشان ظروف الدنيا...وال..


قاطعه سليم بغضب طفيف: 


- ابنك يكمل تعليمه يا فتحي، وانا متكفل بيه من جنية للالف، لو عندك عيال تانيه أنا متكفل بيهم لغاية ما يخلصوا دراستهم، واياك اسمع انك خليته ميكملش، حسابك هيكون عسير معايا.


هز فتحي رأسه عدة مرات، غير مصدقًا لِمَ يسمعه الآن، هل حلت معضلته بهذه البساطة، دون أن يتلوى يوميًا بسبب عذاب ضميره، يكفي سماعه لبكاء ولده الايام السابقة، فقد كان قلبه ينكوى بمرارة العجز وقلة الحيلة.


راقب فتحي دخول سليم للمحل بكامل هيبته، وقف سليم في منتصف المحل، متحدثًا بصوت مرتفع اثار انتباههم جميعًا له: 


-أي حد عنده عيال ومش قادر يصرف على تعليمهم أنا جاهز وهتكفل بيهم، فاهمين ولا لأ.


تناقلت النظرات بينهم جميعًا منها السعادة ومنها الاستفهام، ولكن جميعهم التزم الصمت وتابع عمله في جدية.

                              ****

جلس سليم فوق كرسيه، وشعر بانحسار أنفاسه، فبدا وجهه أحمر للغاية، وعيناه كانت شبة زائغة بسبب تدفق ذكريات ماضيه خلف بعضها، رغم محاولاته للابتعاد عنها، لعلمه بمدى بشاعتها على نفسه، وتأثيرها السلبي على روحه.


مد يداه وفك أزرار قميصه العلوية بسرعة، ثم التقط كوب المياة وتجرعه مرة واحدة، ظنًا منه أنها وسيلة جيدة لاطفاء نيران وجعه، ولكن هيهات بل اشتعلت وكأن ذلك اليوم المشؤوم عاد التو بكل تفاصيله المهلكة.


عاد بجسده يستند على ظهر الكرسي واستسلم لذكرى قسمت أحلامه وطاحت به للاسفل، فهوى في قاع مظلم، دافنًا طموحاته وآماله معه، فاقدًا الحرية لتعبير عن نفسه، خرجت تنهيدة حزينه حينما تذكر ليلة قاسية غيرت مجرى حياته.

                                 ***

جلس سليم في احدى طرقات المشفى بتعب وانهاك، مغلقًا عيناه المرهقة، مستسلمًا لهدوء المشفى الحالي، عقله لا يستوعب كم الصدمات التي مر بها، منذ دخول والده في غيبوبة لعدة أيام نتيجة لربكة قوية حدثت في محلات الذهب الخاصة به، وقد اوشك على اعلان افلاسه بسبب قرار عمته المفاجئ بسحب جميع اموالها من ادارة أبيه، وهذا الوضع قد خلخل أسس ادارة ابيه لمحلاته، ففقد ميزانية كبيرة جدًا من رأس ماله، وبالتالي لم يستوعب كم العقبات التي هوى بها، فقد وعيه ودخل المشفى على اثرها.


وها هو يجلس مع والدته في طرقة المشفى ليلاً ونهارًا لاطمئنان على حالة والده، وحقيقةً هو لم يدرك مدى بشاعة الموقف المالي لديهم لصغر سنه، فكانت كل آماله أن يستفيق والده باقصى سرعة ويصبح بحالة جيدة.


لمعت عيونه بدموع حزينة بعدما شعر بكم الآسى الذي تعانيه والدته وهي تنتظر شفاء والده، تنهد بعمق متمنيًا أن تزول تلك الغمه سريعًا دون الدخول في اوجاع كبرى هو لن يكون قادرًا على مواجهتها..


رن جواله، فانتبه له وأجاب على الفور: 


- الو.


- انت جنحت يا سليم وجبت ٩٢٪.


تهلهلت اسارير سليم، وردد خلفه بعدم تصديق:


- بجد أنا نجحت.


- اخيرًا يا سليم خلصنا، وهندخل كلية الشرطة.


اتسعت ابتسامته قائلاً: 


- الحمد لله، هقفل معاك دلوقتي.


أغلق سليم هاتفه الصغير، والتفت لوالدته يخبرها في سعادة بالغة:


- ماما أنا نجحت وجبت ٩٢.


مسحت والدته دمعه حزينة هبطت من عينيها، والتفت تقول له في لامبالاة جعلته مصدومًا: 


- ماشي.


عقد ما بين حاجبيه في عدم فهم لرد والدته الخالي من أي معالم للفرحة: 


- هو أنتي مش مبسوطه، كنتي عايزني اجيب مجموع اكبر، بس انتي عارفة أنا نفسي ادخل شرطة والمجموع ده هيدخلني.


- انا ولا مبسوطه ولا زعلانه، أنا مش فايقلك، ولا فاضية للكلام الفارغ ده.


ابتلع ريقه مرددًا بهمس: 


- نجاحي، بقا كلام فارغ.


حركت والدته رأسها في تنعت، وبدأت تلقي بكلماتها الموجعه دون انتباه لِمَ يعانيه هو من تخبط اثر ما تلفظه.


- انت في ايه ولا ايه، ابوك تعبان يا سليم، وكمان افلس، يعني مبقاش معانا فلوس، وانت سعيد وفرحان، يا خيبتي في ابني الكبير.


- أنا زعلان علشان خاطر بابا، وانا واثق في ربنا انه هيكون كويس، ولما يقوم بالسلامة هيفرح بيا، علشان قدرت احقق حلمي.


قال سليم حديثه ببسمة امل يتخللها الم، ولكن والدته كانت مُصرة على جذبه نحو بقعة لا يعلم دواخلها سوى أنها عالم يجهله، فقالت: 


- كل اللي انت بتقوله مش هيفرق، قد ما يفرق ان ابني الكبير يشوف مصالح ابوه وينقذنا من الوضع اللي احنا فيه.


اشار على نفسه مجيبًا ببلاهة: 


- أنا اشوف مصالح بابا.


هتفت والدته بعناد: 


- ايوا أنت، مالك في ايه صغير، أنت عندك ١٨ سنة، تقدر تمسك محلات ابوك.


جلس سليم بصدمة، هامسًا: 


- همسك محلات بابا اللي على وشك الافلاس.


اقتربت والدته وجلست أمامه، وهي تخبره بجمود لأول مرة يقرأه بعينيها، لطالما كانت مصدر الحنان والامان لديه.


-  ابوك مكنش بيحكي ايه اللي بيحصله في شغله، وكلنا اتفاجئنا من خبر افلاسه، بس الحمد لله أنا عندي حته ارض هتجيب سعر كويس، وشوية مجوهرات ودهب هيعملوا مع الارض مبلغ حلو، عمك جمال صاحب ابوك هيساعدك في الادارة وهيفهمك اصول الشغلانه وتقدر...


انتفض سليم كمن لدغته حيه، قائلاً: 


- أنا عايز اكون ظابط، بيعهم ونصرف منهم لغاية ما اتخرج انا..


قبضت والدته فوق يده بعنف، قائلة بغضب: 


- أنا لسه هستنى لما تتخرج، أنت تنسى حكاية انك تكون ظابط دي، انت من بكرة هتمسك شغل ابوك مش عايزة اشوف وشك في المستشفى.


بكى سليم بقهر، مردفًا بصوت مرتجف: 


- انتي ليه بتعملي معايا كده، أنت اتغيرتي اوي يا امي.


منعت نفسها من البكاء بصعوبة، وقالت بصوت مبحوح يشوبه الحزن:


- اللي شوفته من وقت ما ابوك دخل المستشفى خلاني كده، الفلوس مسيرها تخلص، هنمد ايدنا للناس ياسليم نشحت، ولا انزل اخدم في البيوت، طب واخواتك زيدان ويزن اللي لسه في مدارسهم اصرف عليهم منين.


نكس رأسه في صمت، واطلق العنان لدموعه، بينما كان يحاول كتم شهقاته بداخله، ومازالت والدته تردد كلماتها دون انقطاع، دون شعور بما يمر به، هو لا يجيد الاختيار، لا يجيد افضل الحلول، سوى ان الرضوخ لحديث والدته هو الحل الانسب لمشاكلهم، ولكن طموحه وامنيته الوحيدة اليس لها جانب، لا يوجد بصيص من النور أمامه، بل حل الظلام باوجاعه..


- أنا املي فيك كبير، انا عايزة اتسند عليك، لو فاكر ان ابوك بعد ما ربنا يشفيه هيقدر ينزل شغله تاني تبقى غلطان، ابوك وقع الوقعه دي وخبى علينا علشان بس اسم عيلة الشعراوى ميتهزش قدام تجار الدهب، واللي زاد وغطى عمتك باللي عملته معاه، مرحمتش ولا سابته يشوف حل، زي ما تكون كانت مستنيه يحصل فيه كده.


صمتت لحظات تجذب انفاس اخرى كي تستكمل باقي حديثها الذي أجلته لايام، خوفًا من مواجهة صغيرها، ولكن ما باليد حيلة، ستبحث بكل قوتها عن سبيل للحياة أفضل حتى لو كان عن طريق هدم آمال ولدها، ولو كان ذلك يندرج تحت بند الانانية، ليكن، لكن الصعاب التي ستواجهها فيما بعد ستكون اعور واشد مما هو عليه الآن.


مسحت دموعها المنسابه فوق وجهها، وتحلت بالجمود والقسوة الزائفة، كي تنقذ مستقبل عائلتها: 


- سليم أنت دلوقتي مكان ابوك، عايزك تفوق لشغله وتهتم به، حط هدف قدامك ترجع اسم ابوك تاني، اخواتك دول اعتبرهم عيالك، هتتخلى عنهم؟!


سألت وتركت الاجابة في ملعبه، فهز رأسه رافضًا فكرة التخلي عنهما، فتشجعت قائلة بحماس: 


- يبقى من بكرة، تنزل شغلك ده دلوقتي شغلك مش شغل ابوك..


رفع رأسه وعيناه تنطلق منها الحيرة والعجز، وبصوت خافت ضعيف سألها: 


- طيب هقدم في كلية إيه؟


نهضت والدته بعيدًا عنه، وتوجهت صوب غرفة والده، مدت يدها تفتح الباب وقبل أن تدخل فجرت مفاجأتها له: 


- أنت مش هتكمل تعليمك، مفيش كليات، الكلية هتشغلك عن شغلك، من بكرة يا سليم تروح المحل الكبير ومش عايزة اشوف وشك، تنام هناك، تركيزك كله يبقا في الشغل وبس.


القت بكلماتها القاسية في حقه، ثم دخلت في هدوء ينافي عاصفته الغاضبة والمتمردة عما تقوله، لِمَ يحدث معه هكذا، لقد رُجت مشاعره في غربال لا يعرف الرأفة بما يعانيه، حتى أن تسربت الحياة من اوردته، ودفن شغفه، وانبثقت حياة مظلمة فُرضت عليه قسرًا.


                                 ***

عاد سليم على صوت العامل وهو يضع القهوة أمامه، فتمسك بجموده الظاهري، مازالت اثار تلك اللحظة تحفر في صدره، وكأن الزمن سيمر وهي لن تزول، بل ستبقى تذكره كم كانت والدته قاسية عليه، لقد ظن أن القصة ستنتهى عند هذا الحد، ولكن العقبات كانت تأخذ من روحه تدريجيًا، فاقدًا الأمل بهم، وبه، وحياته بأكملها.


انتبه على صوت مساعده، وهو يقول في هدوء ممزوج بالضيق: 


- سمير بيه ابن عمتك بيركن العربية بره وداخل.


رفع سليم عيناه وطالعه في صمت قاتل، متفهمًا نظرات الكره الذي يكنها جميع العمال بالمحل لسمير ووالده، فقال بابتسامة يتخللها التهكم:


- يتفضل، جاي لقضاه.


 دخل سمير بابتسامته المستفزة، يبحث عن ابن خاله الذي ينبض له قلبه بالكره الشديد، لطالما كان يبغضه، ناقمًا على وسامته، وذكائه، رغم أن سليم لم يكمل تعليمه، الا انه الاذكى والاقوى والاجدر بقيادة اسم الشعراوي في سوق الذهب والمجوهرات، رغم انتكاسه خاله لعام كامل.


- والله يابن خالي لما بشوفك منور المحل كده، بفرح ليكوا.


رفع سليم فنجان القهوة وارتشف منه القليل، مجيبًا في استفزاز: 


- انهي محل بالظبط، المحلات كتير يا سمير.


مط سمير شفتيه ساخرًا: 


- وانت من كترهم بتنسى!.


- ربنا يخلي الحج عملنا اللي غيره ميقدرش يعمله، بس إيه اللي فكرك بينا؟!


تسأل سليم في وجوم، فرد سمير ببرود: 


- عادي قولت اجاي اسال عليكوا، واطمن على الباشا زيدان..


هز سليم رأسه عدة مرات، ضاحكًا بسخرية: 


-الباشا زيدان كويس الحمد لله.


رسم سمير ابتسامة سمجة قائلاً: 


 - لازم يكون كويس، أصل الواد زيدان ده لما بقا ظابط خلاص محدش عارف يكلمه، بس يستاهل ابن الايه لايقه عليه.


لمعت عيون سليم بوميض غريب، مردفًا بفخر:


- طبعا مش ابن محمد الشعراوي، واخو سليم الشعراوي لازم تكون لايقه عليه.


أومئ سمير رأسه مؤكدًا، قاصدًا كل حرف يتفوه به:


- زيدان يستاهل راجل وجدع، لكن يزن يعني والمصايب بتاعته في المعرض بتاعكوا، سمعته مش ولابد.


أخفض صوته في نهاية حديثه، كناية عن حجم المصيبة التي تحيط بسمعتهم، ولكن رد سليم السريع حاملاً كم من المفاجآت له، فجعلت عروقه تنتفض بغضب، وعيناه تبرز بسهام الكره والحقد.


- أنا شاكر إنك قلقان علينا وعلى شغلنا، بس خليك في حالك كفايا عليك المشاكل اللي انت فيها من ورا تراخيص المحل الجديد اللي مش عارف تطلعها والدهب المسروق والشرطة بقت شاكة فيك الا صحيح هما لسه مش مسكوا دليل قوي؟ لو عايزين تليفون مني أبعتلهم بدل الدليل عشرة.


أنهى حديثه وهو يشير نحو هاتفه، وعيناه تضيء بوميض يشابه نظرات الذئاب المنتصرة حينما تحقق فوزًا جديدًا على أعدائها.


حاول سمير تمالك اعصابه، حينما تسربت منه جميع الردود، وبقى كخصم خاسر في حرب جدالية ينبثق منها حروف نارية.


نهض سمير مردفًا بصوت ثابت جاهد في اخراجه، بعد حدوث زلزله لعقله الغارق في أمر الذهب المسروق.


- أنا همشي وابقى سليملي على باقي العيلة الكريمة.


تحرك خطوتان نحو الباب الرئيسي، ولكن صوت سليم الذي صدح في المكان جعله يقف غاضبًا:


- اخواتي خط أحمر، زيدان ويزن فكر الف مرة قبل ما تجيب سيرتهم على لسانك.


دارت عيون سمير في جميع ارجاء المحل، يراقب نظرات التشفي المنبعثة من جميع العاملين، شعر بارتفاع درجة حرارته، نادمًا على قرار مجيئه لسليم، لقد كان قاصدًا مضايقته، ولكن انقلب الوضع بجره للاذيال خيبته بسبب صفقة مشبوهة، حرضته نفسه البشرية على خوضها.


فور خروج سمير من المحل، جمع سليم متعلقاته، مقررًا مداهمة أخيه الاصغر، وتوعيته عما يفعله، لقد فاض الكيل به، ونفذ صبره.


                               ***


هبطت ليال درجات السلم كعادتها في عجالة، وعيناها ترتكز فوق شاشة هاتفها تتابع نقاش هام مع أحد اولياء الامور، فـ لم تنتبه الا وجسدها يرتطم بصدر سيف الواقف مصدومًا منها ومن أفعالها الهوجاء:


- جرى إيه يا استاذه، فتحي.


صوته القوي أخرجها من عمق شرودها بملامحه التي لاول مرة تقترب منها بهذا الشكل، للحظة اضطربت وصابتها حالة من الخمول المؤقت أمام ملامحه الرجولية الخشنة، فقالت بصوت ناعم:


- انت اللي خبطت فيا.


مازالت المسافة بينهما منعدمة، فتراجع سيف ورد بجفاء: 


- أنا ولا انتي مش فارقة، اتفضلي شوفي انتي رايحة فين.


عادت روحها الثقيلة تسيطر عليها، فرفعت حاجبيها باستنكار، وبدأت ملامحها تأخذ وضعًا  لوصلة الحي الشعبي في العراك، فتوقع سيف شهقة يستمع لها جميع سكان البناية، تصرف سريعًا ووضع يده فوق فمها يمنعها:


- الروح الشعبية متطلعش على اللي خلفوني يا انسة ليال.


ابعدت يده بعصبية قائلة:


- ايدك متلمسنيش، وبعدين أنت اللي مُصر تخرج اسوء ماعندي، مالك انت بيا، هااا، مالك بيا.


هز كتفيه بلامبالاة، مجيبًا:


- ماليش، احنا مجبناش سيرتك.


- ايوه خليك في حالك، علشان ترتاح يا...، يااسطى.


انهت حديثها وهبطت درجات السلم، ووجهها يسرد ما كانت فيه مع ذلك الفظ المتعجرف.

                                   ***

فتحت شمس جميع الادراج في فوفوضية تامه، تبحث هنا وهناك، لم تترك مكانًا الا وبحثت به:


- مالك يا شمس، بتعملي إيه!.


التفت شمس وصدرها يعلو ويهبط في وتيرة سريعة اثر تنفسها السريع:


- بدور على الكارت اللي جاي مع الورد.


- يابنتي تلاقيه مع زيدان ولا يزن.


قالتها منال في لامبالاة، فردت شمس بضيق:


- لا ياماما مش موجود معاهم، هيكون راح فين..


التفتت منال حول نفسها، تستذكر ما حدث:


- يمكن البت الصبح وهي بتكنس، رامته في الزبالة، انس ابنك كان مقطع ورق كتير.


توقفت شمس بارهاق، وبدأت تشعر بضعف يتخلل ثناياها:


- او يمكن يكون لسه مع سليم.


حركت منال رأسها في نفي واصرت قائلة:


- لا سليم استحاله، أنا شايفه يزن بياخدوا منه، وبعدين انتي بتدوري عليه ليه!.


    

 👇

 🌹 🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹

🍁🍁🍁🍁مرحبا بكم ضيوفنا الكرام 
هنا نقدم لكم كل ما هوا حصري وجديد
اترك ١٠ تعليقات ليصلك الفصل الجديد فور نشره

عندنا  ستجد كل ما هوا جديد حصري ورومانسى وشيق فقط ابحث من جوجل  باسم المدوانة 

    وايضاء  اشتركو على

 قناتنا        علي التليجرام من هنا

ليصلك اشعار بكل ما هوه جديد من اللينك الظاهر امامك

 

  🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹

               الفصل الخامس من هنا

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-