أخر الاخبار

رواية شمس الحياة الفصل الاول1والثاني2 بقلم روان سلامة


 
رواية شمس الحياة الفصل الاول1والثاني2 بقلم روان سلامة



                    حبك.. وقتٌ بين السلم، وبين الحرب

                           أسوأ من حرب الأعصاب. 

                 حبك.. سردابٌ سحريٌ فيه ملايين الأبواب.

                          فإذا ما أفتح باباً.. يغلق باب.. 

                            يهطل من شفتي الشهد،

              وإذا غازلتك يوماً، يا سيدتي يقتلني الأعراب

      ... حبك.. يطرح ألف سؤالٍ ليس لها في الشعر.. جواب.

 


في حديقة فيلا عائلة المنزلاوي أو بالأصح دعونا نقول قصر عائلة المنزلاوي يقام حفل زفاف أكبر أحفاد سليمان المنزلاوي (نديم) على (روجين الهاشمي) وأقل ما يقال عن هذا الزفاف أنه رائع للغاية وكأنه حفل زفاف لأمير وأميرة من القصص الخيالية فكان كل شيء تم تنفيذه بعناية فائقة على أكمل وجه حتى العروس كانت تسحر الأنظار بفستانها الأبيض البسيط وكأنها حورية من القصص الخيالية. 



في الجانب الآخر كان يجلس سليمان وابناه فاروق وحسين.

وجه سليمان أنظاره إلى حفيده بفخر فكم يشبه أباه في ملامح وجهه وفي طباعه الحسنة ثم وجه أنظاره بعد لحظات إلى ابنه حسين متسائلا:

_إياد مرضيش ييجي طبعا صح؟ أنا مش فاهم حصل ايه أصلا عشان علاقتهم تبقى كده!

نظر له حسين بأسى قائلا:

_مش عارف يا بابا دول كانوا أقرب اتنين لبعض بس أنا متأكد ان في حاجة كبيرة حصلت لأن لو مش كده كان جه إياد وحضر الفرح ده.

حاول فاروق تغيير مجرى الحديث فأردف قائلا:

_خلاص بقى يا جماعة خلينا في الفرح دلوقتي وافرحوا وبعدين نبقى نشوف المشكلة دي. 


على الطاولة التي بجانبهم كان يجلس شباب وبنات العائلة.

همست ناردين ليوسف قائلة بإصرار:




_يا يوسف أنا عايزة أقوم أرقص شوية ده فرح أخويا على فكرة.

نظر لها يوسف بنظرات حارقة قائلا والغيرة تطغي على صوته الرخيم:

_أنتي تسكتي خالص وهتفضلي قاعدة هنا لآخر الفرح مش كفاية اللي أنتي لبساه.

نظرت للفستان ثم له قائلة بتعجب:

_على فكرة الفستان طويل زي ما قلتلي ومفيهوش حاجة أصلا.

نظر لها بغيرة هاتفا: 

_ما هي المشكلة بقى أن هو مفيهوش حاجة بس أنتي اللي حلوة.

احمرت وجنتاها من الخجل قائلة له:



_طب بص هقوم أنا بقى ولو مسبتنيش أقوم هقول لجدو على فكرة.

_طب قومي بس لو لقيت حد جه يضايقك هطلب إيدك قدام الناس وأعملها على فكرة.

نهضت ذاهبة بخطى مسرعة نحو أخيها وهي تلتفت بين الحين والآخر موجهة أنظارها نحوه وهي تضحك.

_بتضحك أنت وهي قدامي كده عادي، ماشي ما هو أنا عشان بداري عليكوا بس.




هتف زياد بهذه الجملة فور أن ذهبت ناردين.

فنظر يوسف باشمئزاز قائلا:

_تصدق فصلتني في حد يبقى بيبص للقمر وبعدين يلاقيك في وشه....أقولك أنا قايم من هنا خالص لما أشوف يزيد هينزل ولا لأ.

صعد يوسف إلى الدور العلوي الذي به غرفة يزيد فوجد الغرفة مظلمة وهو يجلس بداخلها، فنظر بأسى قائلا في محاولة لإخفاء حزنه:

_مش هتنزل ولا ايه؟



أجابه يزيد بنبرة جامدة خالية من أي مشاعر:

_مفيش داعي لنظرة الشفقة دي، أنا هنزل ربع ساعة بالكتير أبارك لنديم وأطلع عشان ميزعلش مش أكتر.

_وأنت بقى لما تنزله بحالتك دي مش هيزعل صح؟ يا ابني حاول تخرج من الحالة اللي أنت فيها دي و...

قاطعه يزيد بنبرة عالية بعض الشئ:




_محدش ليه دعوة بالحالة اللي أنا فيها، أنا كده مبسوط ومش عايز أنساها سيبوني في حالي بقى.

انسحب يوسف متوجها إلى الأسفل وشعوره بالحزن والأسى يتسلل إلى قلبه وإلى ملامح وجهه، فأخيه يطغي عليه الحزن والألم منذ ثلاث سنوات ولم يستطع أي شخص مساعدته ليعود إلى حالته السابقة التي تتسم بالوجه البشوش الضاحك دائما.


                                *************


في الأسفل في جانب هادئ من الحديقة كان يقف وِقَّاص في مواجهة صبا ينظر لها بحب ممتزج بالإعجاب وكأنه يراها لأول مرة قائلا:

_أنتي عنيكي حلوة أوي.

أردفت هي بنبرة غرور مصطنع:




_ما أنا عارفة أنت مش أول واحد يقولي كده.

ولكنها سرعان ما التزمت الصمت حينما رأت نظرات عينيه الحانقة، فانفجرت ضاحكة على مظهره.

ونظر هو لها بحنق قائلا:

_أنتي كمان بتضحكي يعني بتدايقيني وفي الآخر تضحكي.

قالت له من وسط ضحكاتها التي لطالما عشقها:

_خلاص بقى يا وِقَّاص أنا آسفة.

أمسك يديها ونظر في عينيها المشابهة للأشجار الكثيفة ذات اللون الأخضر الصافي قائلا:




_أنتي عارفة أنا مستني إزاي اليوم اللي هنتجوز فيه، أنا يوم كتب الكتاب مكنتش مصدق نفسي والله كنت حاسس ان أنا ملكت الدنيا كلها أنتي قدرتي تسرقي قلبي من غير أي مجهود.

توردت وجنتيها من شدة الخجل وتلعثمت قليلا في الرد فهي لا تعرف أن تقول له مثل هذا الكلام المعسول، فقالت له أخيرا بعد محاولات عديدة لتمكنها من الحديث:

_بطل بقى يا وِقَّاص أنت كده بتكسفني وأنا مبعرفش أرد عليك بس أنا بحبك والله.



وفور ان أنهت حديثها طبعت قبلة رقيقة على وجنته وذهبت سريعا.

فابتسم هو ابتسامة هادئة وهو يراها تذهب والهواء يداعب خصلاتها البنية، دائما ما تتسلل هذه البسمة إلى وجهه حين يرى طيفها من بعيد أو حين يستمع إلى صوتها الذي يمثل بالنسبة إليه سيمفونية رائعة لم يتمكن أي موسيقار من صنع ما يماثلها في عذوبتها.

 


                                    **********

 

في جانب آخر هادئ ومنعزل تكاد أصوات الموسيقى لا تصل إلى مسامعها تقف نور شقيقة صبا، (فتاة ذات بشرة سمراء وشعر أسود مجعد بعض الشئ، وأعين سوداء) تقف منعزلة



 ووحيدة تتذكر كلمات والدتها لها قبل أن تذهب هي وشقيقتها إلى هذا الزفاف، تتذكر كيف أخذت تنهال بالكلمات العذبة على شقيقتها وتقول لها بإعجاب أنها ستكون أكثر جمالا من العروس نفسها، ولكنها لم تخصها هي بأي كلمة إعجاب حتى، فأخذت تتحدث إلى نفسها قائلة بتساؤل:

_معقول أنا وحشة للدرجة دي؟ يعني للدرجة اللي تخلي أمي نفسها شيفاني وحشة؟ طب لما هي شيفاني كده بقيت الناس بتشوفني إزاي....



وفجأة قاطع حديثها كريم قائلا بهدوء:

_على فكرة أنتي مش وحشة أنتي ليكي جمال خاص هي اللي مش قادرة تفهمه، للأسف في ناس مش بيقدروا يشوفوا الحاجة الحلوة اللي قدامهم أو يفهموها خلي عندك ثقة في نفسك أكتر من كده.



ما إن أنهى جملته حتى انسحب ذاهبا بهدوء ولم يترك لها حتى مجال للحديث، فأخذت تحدث نفسها مرة أخرى:

_مين ده كمان بقى الدنيا ضلمة وأنا معرفتش شكله أصلا...... أوف أنا هشوف صبا فين عشان نروح بقى.


                                  **********


"بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير".

هتف المأذون بهذه الكلمات الروتينية بعد إتمام كتب الكتاب وتعالت الزغاريد والتهاني على العروسين، كان يقف والد روجين (أحمد الهاشمي) مع نديم قائلا له بصدق استطاع نديم أن يستشفه من صوته:



_بص يا ابني أنا مش هوصيك عليها عشان أنا متأكد وعارف أن أنت هتحطها في عينيك وهتحافظ عليها وأنا لو مش متأكد مكنتش وافقت انك تتجوزها أصلا.

أردف نديم بدوره بنبرة مطمئنة:

_متقلقش يا عمي روجين في عينيا وأكيد هحافظ عليها دي بقت روجين المنزلاوي خلاص.




كانت ناردين هي الأكثر سعادة، فهذا زفاف أخيها الوحيد ومن يمثل بالنسبة إليها كل عائلتها، باركت ناردين لروجين قائلة لها ببسمة هادئة:

_زي القمر ماشاء الله مبروك يا روجي.

أردفت روجين بابتسامة مماثلة قائلة:

_الله يبارك فيكي وعقبالك.

هتفت ناردين ممازحة بعفويتها الدائمة:

_ما أنتي خلاص خدتي أحلى قطعة في السوق بقى هلاقي زيه فين هو كان قطعة واحدة كده متفردة بنفسها.




فانفجرت ضاحكة هي وروجين على تلقائيتها في الحديث وبعد لحظات قصيرة ذهبت ووضعت جسدها الصغير بين ذراعي نديم فهي لا تعلم كيف ستستطيع المبيت في المنزل من دونه هذه الليلة.

قال لها نديم ممازحا وهو يمسد على ظهرها:

_خلاص بقى يا ناردين ده هي ليلة وأنا جاي بكرا مع روجين أصلا.

استطرد حديثه بمزاح قائلا:




_ طب إيه رأيك نروح روجين البيت ونقضي احنا اليوم في الفندق وسمعت أن هما عندهم أكل حلو أوي على فكرة.

ضحكت هي موجهة أنظارها نحو ناردين بخبث قائلة:

_طب أنا عيزاك بقى تقول كده قدام روجين مش هتدخلك الأوضة أصلا.

أردف هو بدوره قائلا باستنكار:

_بصراحة تعملها وأنا عريس جديد بقى وخايف على نفسي.

وجه أنظاره نحو يوسف الواقف بجواره قائلا بنبرة تتنافى تماما مع مزاحه منذ بضع لحظات:




_يوسف بقولك إيه متسبش ناردين لوحدها توصلها معاك البيت ولو حصل أي حاجة تكلمني أنا هسيب التليفون مفتوح.

أكمل موجها أنظاره نحو شقيقته قائلا بلين:

_وأنتي متروحيش تعيطي هي كلها ليلة وراجعلك تاني.

بعدما أنهى حديثه طبع قبلة حانية على جبينها وضمها لصدره برفق. 





ذهبت أسيل واحتضنت روجين بشدة والسعادة الممتزجة بالقلق ترتسم على وجهها قائلة:

 _بقولك إيه لو حصل أي حاجة كلميني في أي وقت هتلاقيني عندك.

_يا بنتي بطلي القلق ده بقى مفيش حاجة هتحصل أصلا وحاضر يا ستي لو في حاجة حصلت هقولك متقلقيش بس أنتي.



_تمام خلاص أنا هروح أقعد بقى عايزة حاجة؟

_لا يا سو روحي أنتي اقعدي بقى أنتي واقفة من أول اليوم.

فور التفاتها لتذهب للطاولة اصطدمت بشخص فتأوهت بخفوت ثم قالت له بنبرة صوت عالية نسبيا:

_مش تحاسب يا بني آدم.



نظر لها سيف باستنكار وهو يتفحصها بوقاحة قائلا:

_هو أنتي يعني مش فالحة في سواقة عربيات ولا حتى في مشي على رجلك.

أردفت هي بعدم اهتمام:

_أو أنت اللي مبتعرفش تسوق وكمان كنت بتتكلم في التليفون ثانيا أنت برضه اللي مش شايف قدامك وأنت ماشي عشان فاتح التليفون.

قال لها بوقاحة لم تختلف عن سابقتها:

_ده أنتي مركزة معايا أوى بقى.




قبل أن ينهي جملته كانت تذهب هي بخطى هادئة متزنة فأخذ هو ينظر لها بأعين مشتعلة من الغضب وبعد لحظات حاول تجاهل غضبه متوجها نحو نديم وهو يحتضنه بقوة قائلا له:

_مبروك يا عم دخلت القفص بدري والله.

_يا عم احترم نفسك بقى وبعدين عشان أنت يعني مش لاقي حد يرضى يتجوزك فبتعمل كده.

أردف الآخر قائلا بغرور:




_يا بني مش لاقي إيه دول بيترموا عليا بس أنا اللي مش راضي.

_طب يا عم سيف سيبني بقى أنا مع مراتي على انفراد ويلا من غير مطرود.

_هي بقت كده من أولها طب خليكي شاهدة بقى يا روجين.

نظر له نديم بغضب قائلا بغلظة محذرة:




_مدام روجين هي مش صاحبتك ها.

_خلاص يا عم فان دام أنا ماشي أصلا إيه ده.

فور أن ذهب سيف توجهت أنظار روجين الممتلئة بالاستغراب والحيرة نحو نديم فهي لم تستطع فهم ما يجول بخاطره ليتصرف بمثل هذه الحدة مع صديقه.

 


                                  **********


فجأة استمع الجميع إلى صوت إطلاق نار وساد الهرج والمرج بداخل الحديقة رأى الجميع شخص يتخطى الحشود فعلت الصدمة أوجه الجميع فكيف لشخص ما أن يخرج سلاح في وسط حفل زفاف حفيد سليمان المنزلاوي؟!

صوب سلاحه تجاه نديم وفور أن رأته روجين حتى تملكتها الصدمة وألجمت لسانها ولكنها بعد لحظات قليلة همست بصوت منخفض يشوبه القلق قائلة:




_آدم!

أخذ آدم يوجه أنظاره نحو روجين بنظرات متفحصة تحمل العديد من المشاعر، ثم وجه أنظاره نحو  نديم وسرعان ما تحولت إلى نظرات حقد وهو يهتف بصوت مرتفع:



_هو ده اللي مكنتيش بتردي عليا بسببه يا روجين ها ردي عليا هو ده اللي مرضتيش ترجعيلي بسببه ....بس أنا بقى هخليكي تعيشي طول عمرك فاكرة اليوم ده يا روجين مش هتنسيه أبدا.




هتف فاروق بصوت مرتفع قائلا بغضب:

_فين الحرس إزاي سابوه يدخل كده.

أردف آدم ببرود:

_هدي نفسك يا فاروق بيه مفيش حرس روحهم اتقبضت خلاص ومفيش هنا غير أنا وروجين ونديم وبس.




صوب سلاحه تجاه نديم مرة أخرى ووجه أنظاره نحو روجين وكأنه يرجوها أن تترك نديم وتعود إليه، ولكنه حين رأى نظرات الخوف والقلق تنبعث من عينيها نحو نديم سرعان ما تحولت أنظاره إلى حقد وكره قائلا:




_أنا هخليكي تعيشي طول عمرك فاكره اليوم ده ومش هتنسيه أبدا مهما حاولتي ودي هتبقى هديتي بمناسبة جوازكم.

سرعان ما وضع يده على الزناد لتنطلق منه رصاصة بسرعة عالية تشبه البرق لتخترق هذا الجسد الوهن وتستقر بداخله ليسقط أرضا متألما.


الفصل الثاني:

                                 حزن يغتالني

                                  وهم يقتلني

                            وظلم حبيب يعذّبني

              آه! ما هذه الحياة التي كلّها آلام لا تنتهي

                                وجروح لا تنبري 

                          ودموع من العيون تجري

                                 جرحت خدّي 

                                أرّقت مضجعي

                                 وسلبت نومي.


استقرت الرصاصة بجسد يزيد المنزلاوي لتفتك الآلام صدره بعد أن ذهب مسرعا ليقف أمام نديم قبل أن تصبه الرصاصة، فوقع على الأرض متألما والتف الجميع حوله، نظر إليه يوسف وقد اغرورقت عيناه بالدموع قائلا وهو يجثو على ركبتيه بجانبه:

_ليه عملت كده يا يزيد ليه؟ متسبنيش أنت كمان.

أردف يزيد وهو يصارع الآلام التي تفتك بجسده الوهن قائلا بصوت متقطع:



_عشان أرتاح....عايز أرتاح....عايز أشوفها يا يوسف.....وحشتني أوى....نورهان وحشتني أوى...

فور أن أنهى حديثه غاب عن الوعي مغمضا عينيه بسكينة وهدوء فأخذت كاميرات الصحافة بتصوير أكثر المشاهد إيلاما لهذه العائلة، أخذوا بتصوير يوسف وهو يجلس بجانب أخيه يبكي بانكسار كطفل صغير يخاف فقدان عائلته.....أخذوا



 بتصوير نديم وهو يقف كالتائه وعينيه ممتلئة بالدموع، وفاروق الذي لم يتحمل الصدمة ووقع على الأرض متألما.....أخذوا بتصوير وِقَّاص الذي شعر بأنه يفقد أخيه فكان يزيد بالنسبة إليه أقرب شخص منذ أن سافر إياد أخيه الأكبر، وزياد كان يقف وهو ينظر بانكسار ليزيد فهو بالنسبة إليه كان صديقه الذي يخبره كل شيء، بينما تقف ناردين وهي تشعر



 بألم كل شخص فهي ترى نظرات أخيها المنكسرة، وترى انكسار محبوبها يوسف كالطائر الجريح فهي لم تره بهذا الضعف منذ أن توفيت والدته وفجأة وقعت مغشيا عليها وكأن عقلها وجسدها المنهك يرفضان البقاء في هذا العالم المؤلم، فحملها نديم واتجه بها مسرعا إلى السيارة من دون أن يراه أحد، بينما يقف كريم كالتائه وهو يتذكر أكثر لحظاته انكسارا؛ لحظات



 وداع أخته لحياتها؛ لحظات خروج روحها من جسدها، والآن يرى هذه العائلة وهي تتحول إلى حطام.....أخذوا بتصوير سليمان المنزلاوي كبير هذه العائلة يقف كالتائه، ألا يكفي ما خسره منذ ثلاث سنوات هل سيخسر الآن يزيد أيضا؟ هل ستتحول هذه العائلة إلى حطام مرة أخرى؟.....وروجين من اتهمت نفسها أنها سبب تدمير هذه العائلة والسبب في هذه الآلام كلها. 



فجأة صرخ بهم يوسف بصوت مرتفع متحشرج من البكاء قاطعا أفكارهم المتداخلة:

_اطلبوا الإسعاف بسرعة....نديم اعمل حاجة عشان خاطري، أنا مش عايز أخويا يروح مني اطلبوا الإسعاف.

حاولت أسيل تخطي هذا الحشد المتجمع وجثت على ركبتيها بجانب يوسف قائلة له بهدوء:

_لو سمحت حاول تهدى يا دكتور يوسف أنا هحاول أعمله الإسعافات على ما الإسعاف توصل.



أخيرا وصلت الإسعاف وحملت يزيد متجهة به إلى المشفى وبعد وقت قليل كانت السيارات متصافه بجانب بعضها بشكل عشوائي أمام المشفى.

ترجل نديم مسرعا من سيارته حاملا ناردين بين يديه متوجها إلى الطبيب وبعد لحظات قصيرة تم الانتهاء من فحصها بواسطة الطبيب ووضع لها بعض المحاليل الطبية فتركها نديم بالغرفة وذهب ليطمئن على يوسف.




وجده يجلس أمام غرفة العمليات يبكي كالطفل التائه فهو لا يعرف لمن يذهب، هل يذهب ليطمئن على والده أم ينتظر نجاة أخيه؟

وقفت صبا بجوار وِقَّاص تضمه وتحاول مساندته وذهب نديم ليجلس بجوار يوسف واضعا يده على كتفه قائلا له بصوت صارع ليخرج هادئا متزنا:

_خليك قوي يا يوسف وإن شاء الله هو هيقوم منها خليك قوي عشان أبوك.




_أنا مش عارف أستنى مين فيهم يا نديم أبويا وأخويا بيروحوا من إيدي وأنا مش عارف أعمل حاجة.

_متقولش كده يا يوسف خلي إيمانك بربنا كبير إن شاء الله هيقوموا بالسلامة.

أخذ ينظر يوسف بعينيه باحثا عن ناردين وعندما لم يلمح طيفها سأله بقلق:_فين ناردين يا نديم؟.....اوعى يكون حصلها حاجة هي كويسة صح؟



_متقلقش هي كويسة هي بس ضغطها نزل شوية.

_نديم روحلها عشان خاطري وخليك جنبها  طمني عليها أول ما تفوق. 

_طيب خلاص اهدى بس أنت وخليك هنا وأنا هروحلها وزياد مستني عند عمي متقلقش.

ذهب نديم متوجها إلى غرفة ناردين فوجدها بدأت تفتح مقلتيها فنظرت له متسائلة بوهن:

_هو حصل إيه أنا إيه اللي جابني هنا؟

أجابها نديم بهدوء:



_مفيش حاجة أنتي ضغطك بس نزل شوية لما المحلول يخلص هنروح.

بدأت هي بتذكر ما حدث وكأنه شريط يعاد مرة أخرى بذاكرتها، فقالت وهي تتحامل على آلامها محاولة النهوض:

_نديم والنبي أنا بقيت كويسة أنا عايزة أروح أشوف يوسف عشان خاطري عايزة أطمن على يزيد.




_طب استني بس يا حبيبتي شوية لما المحاليل تخلص.

أخذت دموعها تنهمر على وجنتيها قائلة له:

_لأ والنبي يا نديم أنا لازم أروحله هو هتلاقيه دلوقتي حاسس انه لوحده ومحتاج  حد جنبه.

وافق نديم على مضض وأسندها إلى أن ذهبت عند يوسف فجلست بجواره بهدوء.

قال نديم موجها حديثه إلى يوسف:

_متخليهاش تتحرك من هنا عشان ضغطها لسه واطي وأنا هروح أشوف عمو وأجي أطمنك.

أردف يوسف قائلا بدوره:




_طيب متقلقش عليها بس طمني على بابا بسرعة.

فور أن ذهب نديم أمسكت ناردين يد يوسف بأنامل مرتعشة وهي تضغط على يده بخفة وكأنها تخبره بوجودها إلى جانبه دائما وهمست في أذنه بصوت منهك قليلا:

_متقلقش عليهم إن شاء الله هيقوموا بالسلامة ويبقوا كويسين.



_إن شاء الله ادعيلهم يا ناردين.

كانت تقف روجين تتابع جميع أفراد هذه العائلة التي بدأت تتفكك وتصبح محطمة هي تشعر أنها المسئولة عن كل هذا فآدم ذهب إلى هناك بسببها هي، ثم بدأت تدعي لهم ربها وترجوه أن يشفي يزيد بصوت منخفض للغاية والدموع تتلألأ بداخل عينيها.


                                   *********


بعد مرور أكثر من نصف ساعة عاد نديم إلى يوسف وعلى وجهه ابتسامة صغيرة قائلا:




_الحمد لله عمو قام بالسلامة هو بس هيبات يومين في المستشفى لأنها كانت نوبة قلبية بس هو بقى كويس الحمد لله. 

نظر له يوسف بامتنان وأعين دامعة متمتما:

_الحمد لله يارب. 

قالت له ناردين بابتسامة هادئة:

_مش قلتلك إن شاء الله هيقوموا بالسلامة أهو عمو بقى كويس وإن شاء الله يزيد هيبقى كويس هو كمان. 




_إن شاء الله يا ناردين.

كان يقف سليمان يتابع هذا المشهد وهو يتصنع القوة والصلابة من خارجه فهو لابد أن يكون قويا أمام أبناءه وأحفاده ويلبس ثوب الصلابة، لكن نديم كان يرى الانكسار بداخل عينيه فهو



 منذ أن مرضت عمته وهو يرى كل يوم هذا الانكسار والخيبة بداخل عينيه وكأنه يتهم نفسه أنه السبب في وضع ابنته وكأن تقصيره واهماله هو من أوصلها إلى هذا الوضع، ذهب نديم وجلس بجانبه قائلا له بهدوء:

_على فكرة مش عيب انك تظهر ضعفك لعيلتك أنا فاهمك وعارف أنت حاسس بإيه بس عمو بقى كويس وأنشاء الله يزيد هيقوم منها هو كمان.



ربت سليمان علي كتف نديم قائلا له وهو مازال يتصنع القوة والجبروت:

_روح شوف مراتك يا ابني واقفة على رجليها من الصبح وهي عروسة خليك جنبها.

تيقن نديم من عدم إرادة جده بإظهار ضعفه حتى أمامه، فنهض مقبلا يده قائلا:

_حاضر هروح أشوفها وأنت خلي بالك من نفسك.


 

                                  ********


لمح نديم طيفها وهي تقف بفستان زفافها والوجوم يعلو وجهها تنظر بأعين دامعة إلى غرفة العمليات وكأنها تنتظر شخصا تعرفه منذ سنوات فقال لها نديم باستغراب:



_هو أنتي تعرفي يزيد قبل كده؟!

فنظرت له باستغراب ثم أردفت:

_لأ بس ليه السؤال ده؟

_مش عارف بس قاعدة تعيطي على واحد متعرفيهوش أصلا وواقفة مستنياه عند أوضة العمليات فاستغربت.

قالت له وهي تصارع نزول دمعاتها فهي لا تظهر ضعفها أمام أي شخص وبالأخص هو:



_عشان أنا شوفت نظرة الحزن اللي في عين كل واحد فيكوا وحسيت قد إيه أنتو بتحبوه وأن هو شخص مهم عندكم فمش عايزة أكون أنا السبب أن أنتو تخسروه ومش هستحمل أن حاجة زي دي تحصل بسببي.



فنظر لها نديم بإعجاب فكم هي نقية  المشاعر رقيقة القلب وكأن قلبها مازال يحتفظ بطهارته منذ ولادتها:

_أنتي مش السبب في حاجة يا روجين وهو انشاء الله هيقوم ويبقى كويس، أنا هشوف زياد وأرجعلك لو احتاجتي حاجة قوليلي.




ذهب نديم منسحبا بهدوء من جانبها وكأنه يترك لها مجال لتبكي وتظهر ضعفها، فتوجه صوب زياد وجلس بجانبه قائلا له:

_على فكرة يزيد قوي وإن شاء الله ربنا هيقومه منها بالسلامة. 

بكي زياد بين أحضانه بانهيار وكأنه أعاد فتح جراحه مرة أخرى، قائلا له من بين شهقاته:




_أنا خايف أوي يحصله زي نورهان يا نديم أنا من ساعة ما إياد سافر وهو بقى أقرب حد ليا.

قال نديم وهو يمسد بيده على ظهره في محاولة لتهدئته:

_يزيد هيبقى كويس إن شاء الله خلي إيمانك بربنا كبير يا زياد.


                                  *********


خرج الطبيب من غرفة العمليات ويبدو على وجهه علامات الإنهاك وتبعته أسيل، فقد أصرت على حضورها للعملية.

نهض الجميع من مقاعدهم سريعا حينما رأوا خروج الطبيب ينتظرون حديثه، فبدأ هو حديثه بنبرة عملية هادئة:




_الحمد لله قدرنا نطلع الرصاصة من جسمه هو بس محتاج دم لأن هو نزف كتير وهيفضل تحت المراقبة لمدة 48 ساعة فياريت لو تعرفوا حد فصيلة دمه AB negative ييجي يتبرع بسرعة.

أردفت صبا مسرعة فور انتهاء الطبيب من حديثه:

_أنا نفس فصيلة الدم وممكن أتبرعله.




نظر لها وِقَّاص بنظرات امتنان، ثم ذهبت هي مع الممرضة بهدوء وبعدما انتهت من تبرعها بالدماء احتضنها وِقَّاص بضعف لا يظهره أمام أي شخص،  ولأول مرة يبكي وِقَّاص المنزلاوي أمام أحد، هتف قائلا من وسط بكاءه:



_بجد شكرا أوي يا صبا أنا مش عارف من غيرك كان ممكن يحصل إيه، لو يزيد حصله حاجة يا عالم عمي كان ممكن يحصل فيه إيه أنتي مش عارفة أنتي عملتي حاجة كبيرة إزاي.

قالت هي بدورها بحنو وهي تزيل دمعاته بأناملها الرقيقة:

_أنا مش عيزاك تشكرني أنا معملتش حاجة أنا بس عايزاك توعدني انك هتفضل جنبي طول العمر ومهما حصل اوعى تسبني.



_مش هسيبك أبدا أوعدك......تعالي أوصلك أنتي ونور الوقت اتأخر أوى.

_تمام بس لو حصل أي حاجة اتصل بيا وابقى طمني.

أوصل وِقَّاص نور وصبا إلى المنزل.

عاد إلى المشفى مرة أخرى وهو يقود سيارته بسرعة عالية وكأنه يدهس الدقائق والثواني تحت إطارات سيارته.


 

                                **********


وقف نديم منهكا من كثرة محاولاته لإقناع جده بالذهاب إلى المنزل لأخذ قسط من الراحة مع عمه حسين، بينما ذهبت روجين إلى يوسف وجلست بجواره تنظر له بأسى قائلة باعتذار:

_أنا آسفة..... أنا عارفة انها كلمة ملهاش لازمة بس لو في إيدي حاجة أعملها قولي عليها و.....




نظر لها يوسف باستنكار مقاطعا حديثها بحدة:

_آسفة!....آسفة على إيه هو أنتي وقعتي عليا عصير؟ أنتي كان ممكن تبقي السبب في موت أخويا وأبويا كان هيموت بحسرته على ابنه.

امتلأت عيناها بالدموع فهي ليس لها ذنب في كل ما يحدث ثم حاولت استجماع قواها قائلة:

_بس أنا والله مكنتش أعرف أن في حاجة ممكن تحصل و....

قاطع هو حديثها بحدة مرة أخرى قائلا:




_لو سمحتي ممكن تمشي من هنا.

فنهضت روجين وهي تبكي .....تبكي حزنا على اتهامه لها وتبكي ألما على شعورها بالذنب الذي سيخنقها..... تبكي حسرة بسبب خوفها من أن تتفكك هذه العائلة بسببها.... تبكي خوفا من فكرة أنها وضعت ثغرة مؤلمة بداخل قلب أحدهم.


 

                                     *********


وأخيرا استطاع نديم إقناع الجميع بالرحيل ولم يبقى بالمشفى غير يوسف ووِقَّاص وروجين.




قال لهم نديم قاطعا أفكار كل منهم:

_طب يا جماعة أنا هاخد روجين أوصلها البيت وورايا مشوار كده هعمله وأرجع تاني .

تبادل يوسف ووِقَّاص نظرات التعجب فأي مشوار هذا الذي سيذهب إليه بعد منتصف الليل وبمثل هذا اليوم؟ لم يستطع يوسف كبت فضوله أكثر من ذلك فهتف  متسائلا:

_مشوار إيه؟



أجابه نديم بنبرة غامضة لم يستطع أحد فك شفراتها:

_اوعى تكون فاكر أن أنا هسيب حق يزيد يروح في الأرض. 

ذهب صوب روجين ممسكا يدها وخرجا من المشفى دون انتظار سماع حديث أي منهم.

قالت له روجين متسائلة بفضول:

_نديم أنت هتعمل إيه؟

أجابها هو بجمود:

_ملكيش دعوة أنا هروحك دلوقتي هتلاقي ناردين مستنياكي في البيت هتوريكي الأوضة.

أردفت بنبرة خائفة استطاع هو أن يستشفها من صوتها:

_اوعى تكون هتموته.




لم يجبها متعمدا ولم يظهر أي شيء على ملامح وجهه الجامدة الباردة، ثم أوصلها إلى المنزل وقبل أن تنزل من السيارة أمسك يدها وهو يجذبها نحوه قائلا:

_روجين متزعليش من الكلام اللي يوسف قاله هو بس كان متعصب وأعصابه بايظة عشان اللي حصل.

قالت له بنفس الهدوء والجمود بصوته:




_لا أبدا أنا مزعلتش وبعدين مفيش حاجة تضايق ومتخافش أنا فاكرة كويس أوى احنا اتجوزنا ليه يعني مليش حق اضايق أصلا ولغاية ما لعبة الجواز دي تخلص أنا مش هعمل أي حاجة تضر العيلة دي يا....يا نديم المنزلاوي

هتفت بآخر كلمة من حديثها بتهكم، ثم ترجلت من السيارة سريعا  دون انتظار لسماع حديثه وكأنها لا تعبأ لما يقول وأخذ هو يتابع ذهابها بأعين متعجبة من كل هذه القوة التي تكنها بداخلها ومن هذه الحصون التي تقيمها من حولها وكأنها تخاف من تقربه إليها.

                 الفصل الثالث من هنا

لقراءة باقي الفصول من هنا




تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-