أخر الاخبار

رواية حب وتضحية الفصل السادس والسابع بقلم داليا السيد

 

رواية حب وتضحية الفصل السادس



 الفصل السادس


والسابع

بقلم داليا السيد



غضب

اتسعت عيونها من كلماته التي هطلت عليها كالثلوج تثير البرد




 بالجسد وتجمد أطرافه فلم تعرف بماذا تجيبه وقد تلجم لسانها وتعثرت 




الكلمات على أطرافه

فتحت باب السيارة ونزلت وهي تسير بدون أي هدى ربما هو طريق بيتها أو أي طريق المهم أنه بعيدا عن ذلك الرجل 





الذي لا يفكر إلا بنفسه ومصلحته دونها ودون قلبها الذي يعصف به دون رحمة فيغرقه بأحزانه أكثر وأكثر. 

جذبها بيده من ذراعها بقوة معيدا إياها أمامه ليتطاير شعرها مغشيا عيونها كما تفعل دموعها وقد تحولت عيونه إلى الأحمر وهو يقول

"أمل هل جننتِ إلى أين تذهبين؟"

خلصت ذراعها من قبضته بقوة وهي تصرخ بوجهه "سأكون مجنونة لو انتظرت معك لحظة واحدة بعد اليوم، أنت إنسان أناني ولا تفكر إلا بنفسك وانتقامك ولو على حساب غيرك لا يعنيك ماذا تهد بطريقك، أنا قلب






 ومشاعر ولست مجرد آلة تقضي لك احتياجاتك ألم تفكر بمصيري بعد أن تطلقني بمجرد عودتنا أي سمعة التي ستلازمني لنهاية العمر أي قلب سيظل ينبض داخلي بعد أن قتلته؟"

عادت تتحرك بدون هدى رغم أن جسدها كان يرتجف بشدة ولكنها اصطدمت به مرة أخرى ويداه تمسكها من ذراعيها برفق وما زالت تبكي دون توقف عندما قال

"أمل من فضلك توقفي واهدئي، أنتِ على حق أنا لم أجيد التفكير فلتتوقفي عن انهيارك وغضبك هذا لنعيد التفكير سويا"

ارتخت بين يديه وهي تقول "لن نفعل، لأني لن أشاركك بالأمر بل بأي شيء، أنا لن أعمل معك بعد اليوم اتركني، أنا أريد الذهاب اتركني"

حدق بها بصمت ثم أغمض عيونه ونفخ بقوة قبل أن يعود بنظراته إليها وقال "حسنا، سأعيدك إلى البيت الآن، نحن بحاجة إلى الراحة، وبعد أن نرتاح سنعيد التفكير"

حاولت أن تتخلص من قبضته وهي تقول "لن أفكر بشيء، ولن أعود إليك، حل مشاكلك بعيدا عني واتركني لا أريد أن أكون معك"

ولكنه عاد يقول وهو يشدد من قبضته "حسنا أمل لن نتحدث بأي شيء الآن فقط تعالي لأعيدك إلى البيت، لن أتركك بوقت كهذا"

هدأت قليلاً واستوعبت المكان والوقت والكلمات القوية التي قالتها فتوقفت عن المقاومة فقادها بهدوء إلى السيارة وأركبها وقاد بصمت إلى أن عاد بها إلى البيت فنزلت بدون أي كلمات 

لم تر أمها وقد كانت سعيدة بذلك لأنها لن تجد ما تقوله لها، استلقت على الفراش والدموع لا تتوقف، لماذا يفعل بها ذلك؟ بالتأكيد لأنه لا يشعر بها وبقلبها الدامي من حبه ولا بحبها الذي نما 







وسكن وجدانها، اهتز هاتفها باسمه فنظرت إليه بدموع لا تتوقف ولم تجيب حتى توقف الاهتزاز وانطفأ الهاتف دون أن ترد.

بالصباح لم تستيقظ بموعدها، شعرت بيده تهزها برفق ففتحت عيونها بصعوبة من البكاء والصداع فرأت أمها أمامها، اعتدلت بالفراش وهي تسمع أمها تقول

"أمل إنها العاشرة، لقد تأخرتِ حبيبتي"

أغمضت عيونها وقالت "أنا متعبة يا ماما ولن أذهب إلى العمل اليوم"

هدأت الأم قليلا وقالت "أنتِ إجازة إذن؟"

قالت بضعف "نعم ماما اتركيني أنام من فضلك فأنا متعبة"

أغمضت عيونها وعادت إلى الظلام مرة أخرى بدون رغبة في العودة إلى النهار فكم يصبح الليل جميلاً عندما يخفينا من عيون أحزاننا 

عندما فتحت عيونها مرة أخرى كان نتيجة ألم شعرت به بذراعها، رأت نور يسطع بالغرفة وتحركت رأسها إلى ذراعها الذي يؤلمها فرأت سبب الألم وقد تخللته تلك الإبرة وموصل بها ذلك المحلول الذي يقطر ماؤه المالح ببطء بالأنبوب الذي يصل إلى ذراعها، كادت أن تتحرك ولكن صوت أمها أوقفها

"لا تتحركي يا أمل مازلتِ ضعيفة"

لم تفهم أي شيء وهي تنظر إليها وتقول "ماذا حدث؟"

قالت المرأة "تركتك لتنامي كما طلبتِ ولكن عندما طال نومك أصابني القلق وأتيت لأطمئن عليكِ وعندما لم تستيقظي فزعت، كدت أطلب الطبيب عندما رأيت الأستاذ وليد يتصل فأجبته بانهيار فأتى وأحضر الطبيب الذي أخبرنا أنك مصابة بأنيميا حادة ظهرت نتيجة إرهاق وعدم راحة وقلة الطعام"

أبعدت وجهها ولم ترد فعادت الأم تقول "أمل ماذا حدث؟ ماذا أصابك؟"

لم ترد أيضاً فأمسكت أمها يدها وقالت "أمل الأستاذ وليد لم يتوقف عن السؤال عنكِ بعد أن أحضر الطبيب وبدت ملامحه غير طبيعية وهو يستمع إلى الطبيب هل حدث بينكم شيء كان 





سبب لحالتك هذه؟"

حاولت أن تستعيد نفسها كي تبعد القلق أو الشك عن أمها وقالت "لا ماما لم يحدث شيء، بالتأكيد أنا تعبت من المجهود الذي بذلته بالأيام السابقة و"

دق الباب ودخلت هبة وهي تقول "أمل الأستاذ وليد بالخارج"

نهضت أمها ونظرت إلى هبة وقالت "وليد؟"

عادت ونظرت إلى أمل التي لم ترفع عيونها بأمها ولم تحاول أن تتحدث كي لا تزيد من شكوكها ولكن المرأة قالت

"حسنا أنا قادمة"

لحظات ورأته يدخل إلى غرفتها وتبعته أمها حاولت أن تتماسك أمام والدتها وهو يتقدم إليها وقد بدت ملامحه متعبة وصوته غير طبيعي وهو يقول

"كيف حالك الآن؟"

هزت رأسها وقالت بضعف "بخير، شكراً لم فعلته"

قالت الأم "نعم، إنه من أحضر الطبيب ولم يتوقف عن السؤال حقاً فعلت الواجب وأكثر أستاذ وليد"

لم يبعد عيونه عنها وهو يقول "ليس بين الأهل واجبات، أمل ليست بأي أحد إنها جزء لا يتجزأ من حياتي العملية"

أبعدت عيونها وهي تعلم أنه على حق فهي كيان عمله أما حياته فهي مجرد بطلة تمثيلية يريدها أن تنهيها معه

قالت الأم "نعم أمل تحب عملها جدا وتجيده بكل ما يمكنها"

نظر إلى الأم وقال "هذه حقيقة، فالعمل متوقف أمس واليوم بسبب غيابها وأنا أتمنى أن تسرع بالشفاء لتنهي ما ينتظرها وبخاصة السفر، أنا قمت بتأجيله يومين حتى يتم شفاؤك"

حل الصمت على الجميع إلى أن انتبهت الأم وقالت "أعلم أنك تحب القهوة مضبوطة، سأعد لك واحدة"

تابعها وهي تذهب بينما أبعدت هي وجهها ولكنها شعرت به يجلس أمام فراشها ويقول







"أمل انظري إلي"

عندما لم تفعل عاد يقول "حسنا أنا أعلم أني تماديت بذلك اليوم ولكن ظننت أنكِ ستقدرين ما أشعر به وتساعديني عليه لا أن يحدث كل ذلك وتنهاري بهذا الشكل"

قالت "لست تلك الفتاة التي تظنها بي، كيف تظن أني يمكن أن أقبل بما عرضته علي؟"

أبعد وجهه لحظة قبل أن يقول "أنا أعلم أن ما قلته لا يليق بكِ صدقيني أنا نادم على ما قلت والآن أخبريني كيف يمكن إصلاح ما حدث؟"

نظرت إليه من وراء الدموع وقالت "لا يمكنك أن تفعل، أنت كسرت صورتي أمام نفسي فكيف يمكن أن أستعيدها؟" 

اقترب منها وقال "لا يمكن لأي شيء أو أي أحد أن يكسر صورتك أمام نفسك أو أمام العالم كله أنتِ بالنسبة لي شيء لا يمكن أن تصفه الكلمات، ولو لم يهمني أمرك لما اهتممت بكِ وسعيت لإصلاح ما أفسدته وقت غضبي، أنا أريدك معي، أثق بك دون عن العالم كله، أمل من فضلك عودي لطبيعتك وسنعود لاتفاقنا الأول مجرد تظاهر أمام الناس وهو ما لن يكلفك أي شيء الفندق والبلد غريبة عنكِ ولن يعرف أحد أي شيء، وبمجرد عودتنا تنتهي القصة"

حدقت به وهي لا تدري ماذا تفعل فعاد يكمل "أمل لن تتخلي عني الآن، مرة أخرى أنا لا أثق بأحد سواكِ، ولا يمكن أن أطلب ما طلبته إلا منكِ فوافقي من فضلك أنا يمكنني أن أفعل ما تشائين 





مقابل ذلك"

سمع الاثنان صوت الأم وهي تتقدم إلى داخل الغرفة تحمل القهوة وتقول "هل ما أسمعه صحيح؟ الأستاذ وليد بذاته يطلب من ابنتي أن توافق على شيء مقابل أي شيء تطلبه وابنتي هي التي تمانع؟"

أبعدت وجهها بينما نهض هو بأدب وتناول القهوة منها وقال "هي لا تمانع هي فقط غاضبة مني لأني أسأت التصرف ببعض الأمور، ولكن هذا لا يمنع أن أطلب منكِ مساعدتي بأن توافق"

عادت تنظر إليه بقوة وبادلها النظرة والأم تقول "وما هو طلبك يا أستاذ وليد؟"

طالت نظرته إليها وهي تتابعه بعيونها ولا تعلم ما الذي يريده بكلماته بينما عاد هو إلى الأم وقال

"أريدها أن تسرع بالشفاء لنسافر لا يمكن تأجيل الافتتاح أكثر من ذلك"

ابتسمت الأم وأغمضت هي عيونها وهدأت من ضربات قلبها وسمعت أمها تقول "ابنتي لا يمكنها الابتعاد عن العمل أكثر من يوم واحد لذا اطمأن غدا ستجدها أمامك بالمكتب وربما تسبقك إلى 







هناك"

عاد إليها بنظراته وقال "أعلم، وربما أشكر مدام فوزية على هديتها لي، اسمحي لي أن أذهب"

تحرك والأم تقول "ما زال الوقت مبكراً، انتظر أنا أعد لك العشاء، لن تذهب إلا بعد تناوله معنا ربما توافق أمل على تناول البعض معك، أقصد معنا جميعاً"

حدقت بأمها بلوم وعتاب بينما ابتسم هو للأم وقال "إذا كان الأمر كذلك فلا يمكنني أن أرفض ذلك العرض"

ابتسمت الأم واستأذنته في الذهاب بينما دخلت هبة وهي تنظر إليه فقال "أمل أخبرتني أنكِ تحبين دراستك"

اقتربت هبة منه وكأنها كانت تتمنى أن يوجه لها أي كلمات وجلس بمكانه مرة أخرى وشدت هبة مقعد لتجلس بجواره واندمجت معه بحديث عن دراستها وأمل تتابعها بغيظ واضح لأنها أدركت أن أختها تحاول أن تحوز على اهتمام ذلك الوسيم الذي يجلس بجوار فراشها ينتظر طعام أمها البسيط رغم أنها منذ ساعات كانت لا تطيق أن تسمع صوته والآن تملؤها السعادة لوجوده بجوارها، وربما الغيرة من أختها 

قبل أن يرحل قال "لم يعد أمامنا سوى الغد أريد أن أراكِ بالمكتب في الصباح لدينا الكثير مما يحتاج إلى إعداده"

تدخلت هبة " ألا يمكن أن أحل أنا محلها حتى تشفى"

ابتسم وقال "ربما ولكن ليس الآن، بعدما نعود 






من الخارج وقتها يمكنها أن تعلمك"

تغيرت ملامح هبة وقالت "هي تعلمني؟ أنا لست بحاجة لأن أتعلم، على الأقل ليس منها، فقط جربني وأنا متأكدة أني سأغنيك عنها"

ظهر الغضب بملامح أمل بينما قال هو بنفس الهدوء "سأفعل ولكن لابد أن تدركي أن لا أحد يغنيني عن أختك"

ثم استأذن في الذهاب وقد أراحتها كلماته وأعادت إليها بعض من الرضا الذي أفقدها هو إياه بتصرفه السابق

نظرات أمها إليها كانت تعني الكثير والتساؤلات التي بعيونها لم تجرؤ على إجابتها ورغم أنها اعترضت على طلبه بالبداية ثم الزواج العرفي، إلا أن تراجعه وإدراكه لخطئه جعلها تتراجع عن الرفض ولكنها لم تكن تعلم ما إذا كانت قد تصرفت صح أم خطأ؟ كان قلبها يخبرها أنها على حق ولكن عقلها يقول هذا خطأ، هذه ليست أنتِ كيف تفعلين هذا بنفسك؟ كيف تقبلين بذلك الوضع هل أنتِ مجرد رصاصة رخيصة يوجها إلى تلك المرأة ليقتلها بها ثم في النهاية يلقي بكِ مثل فوارغ الرصاص؟ هل يمكن أن تصبح كذلك بالنسبة له أو لنفسها؟ لا، لا يمكن أن يفكر بها هكذا وهو ما قاله، كان بالفعل يمكنه بماله ومركزه أن يحصل على أي امرأة سواها وبمنتهى السهولة، ولكنه اختارها هي دون غيرها، لقد قال أنه رأى فيها امرأة أي أنها لم تعد بالنسبة له طفلة كما كان يقول، وماذا بعد؟ لقد تحولت من طفلة إلى مجرد صديقة ولكن الصداقة يمكنها أن تتحول إلى حب نعم يمكن أن يراها جيداً ويشعر بحبها فقربها منه قد يجعل قلبه يدق لها ولكن أيضاً قد لا يدق، يا إلهي رحمتك بي، ليتني لم أحبه بل ليتني لم أقابله، شعرت برأسها يكاد ينفجر فقررت أن تنام ربما تأتي الأيام بما يريح قلبها وعقلها. 

بالصباح كانت بالفعل بمكتبها وبدا أثر المرض على وجهها وقبل موعده رأته يفتح باب مكتبها ويقف أمامها ويقول "لا وقت للجلوس عندك هيا 







تعالي"

لم يمنحها فرصة للرد وإنما تحرك خارجا فنهضت لتلحق به وهو يتجه إلى خارج الفندق. 

عندما ركبت بجانبه قالت "هل أسأل إلى أين؟" 

قال وهو يقود "بالطبع يمكنك هو حقك"

أبعدت وجهها وقالت "إذن أخبرني"

نظر إليها وقال "لقد تذكرت بعض الأمور التي لابد من أن ننتهي منها قبل السفر" 

لم تنتبه للطريق وإنما قالت "أي أمور وإلى أين تذهب حضرتك؟" 

نظر إليها وقال "حضرتك؟ أعتقد أنه من غير اللائق أن تنادي زوجة زوجها بحضرتك؟ أمل تراجعي عن تصرفاتك هذه لن نعود إلى الخلف مرة أخرى، والآن عليكِ أن تعتادي على التعامل معي بدون ألقاب، أنتِ ستكونين زوجتي أمام الجميع" 

دق قلبها وقالت وهي تبعد نظراتها عنه "نعم ولكن ذلك في لندن وليس هنا" 

عاد إلى الطريق وقال "ولكن على الأقل عندما نكون بمفردنا لقد اتفقنا أننا أصدقاء ولا تكلفة بين الأصدقاء" 

لم ترد، ووجدته يتجه إلى أحد المولات المعروف فقالت "والآن انا لا أفهم شيء، ماذا نفعل هنا؟" 

أوقف السيارة وقال "ماذا تفعل الناس بمثل تلك الأماكن؟" 

نزل وتبعته بضيق وقد بدأت تكون فكرة عن ما يدور برأسه، وعندما حاولت أن تبدي اعتراضها 






واجهها بنظرات غاضبة وقال بحزم 

"كفي أمل أنا تعبت من اعتراضاتك الدائمة، أظن أنكِ تدركين أن ما نفعله الآن أمر واجب فلماذا تضطريني لأن أنطق بما لا يزيد الأمر إلا سوء؟"

أخفضت وجهها وشعرت بالدماء تندفع بعروقها وهي تقول "تعلم أني لا أفعل"

نفخ بضيق وقال "بلى تفعلين وأنا لم أعد أتحمل كل ذلك، ستدخلين ذلك المكان وتنفذين كل ما يقال لكِ دون أدنى اعتراض وأنا سأنتظرك بالكافيه"

ثم تركها وتحرك مبتعدا وهي تتابعه بنظراتها الحائرة وقلبها المتألم من مصيره المجهول

كانت تعلم أنها لابد أن تخطو تلك الخطوة فملابسها حتى التي غيرتها لم تكن ترقى إلى تلك التي انتقاها لها العاملين بالمكان وربما هي نفسها لم تتخيل بأي يوم أنها يمكنها الحصول على جزء صغير من هذه الأشياء وبعد وقت طويل لم تعرف مقداره انتهت فتحركت إلى الكافيه حيث ينتظرها.

نظر إليها وهي تتقدم تجاهه وقد أنهى مكالمته على الفور فقال عندما توقفت أمامه "ما رأيك بتناول الغداء؟ بعض التغيير لن يضرنا"

بالطبع لم تحاول أن تعترض فهي مجرد ضيف شرف ولا تملك أن تقول أي شيء فهزت رأسها بالموافقة 

وضع الرجل الأشياء الجديدة بحقيبة السيارة وجلست هي بجانبه مرة أخرى فقاد في صمت وقد اتجه إلى أحد المطاعم المعروفة، دخلوا بنفس الصمت بينما كان المكان جميل وهادئ 

أجلسها بأدب وجلس أمامها وقال "إلى متى سيستمر ذلك الصمت؟ أو هل أقول عقاب؟" 

نظرت إليه وقالت "ومن أنا لأعاقبك؟ لم أنسى 






من أنا ومن أنت"

أبعد وجهه لحظة ثم عاد إليها وقال "ماذا تريدين يا أمل؟"

تأملت أصابعها الملقاة على المنضدة أمامها ثم رفعت عيونها إليه وقالت "وقت مجرد بعض الوقت"

اقترب من حافة المائدة وقال "لماذا؟"

لم تبعد عيونها عنه وقالت "لأعتاد على كل ما تريدني أن أفعله وأكونه"

قال "أنا أريدك زوجة"

دقات متتالية بداخل صدرها، عيون زائغة تعلن عن حيرة وألم وحزن انهيار ذهني لكل ما كانت عليه من قوة وصلابة 

أبعدت عيونها وقالت "وهو ما أحاول أن أجيد تمثيله"

حدق بعيونها ثوان قصيرة قبل أن يقول " والآن تريدين إشعاري بالذنب لم طلبته"

قالت بنبرة خافتة "لا أفعل، فقط الأمر صعب"

قال بحزم "لا أمل، ليس بصعب، أنا السبب ما قلته سابقاً هو سبب حزنك هذا، ولكن أنا عبرت عن أني لم أقصد شيء وأننا اتفقنا على نسيانه والآن عليكِ إخباري أن الأمر لا يضايقك وأنني لا أجبرك عليه، وأنكِ لا تريدين التراجع به"

 قالت دون أن تنظر إليه "لا لست مجبرة على 






شيء، ولا أريد التراجع" 

تأملها واقترب مرة أخرى وقال "إذن لا أريد تلك النظرات الحزينة بعيونك، لقد اعتدت عليها لامعة ومشرقة يملؤها الأمل والحماس والإصرار، أمل من فضلك حاولي أن تشعري بي" 

نظرت إليه وقد عادت مشاعرها تتلاعب على أصابع العزف الخاصة بقلبها وقد كادت تخبره أنها أكثر الناس إحساساً به ولكنها بالطبع تراجعت وقالت وهي تنظر بعيونه ربما يقرأ ما بها من حب وأنين

"أفعل يا فندم صدقني أنا أفعل و"

قاطعها بقوة "مرة أخرى أمل، هل أتحدث مع نفسي أي ألقاب تلك التي تتوسط أي زوجين؟"

احمر وجهها وهي تقول "حقا لم أقصد ولكن أعدك ألا أفعل مرة أخرى"

هدأ غضبه وتراجع بمقعده والرجل يضع الطعام الذي تناولوه في صمت قاتل مؤلم لها إلى أن انتهى هو وقال

"إجراءات السفر؟"

قالت "تركت أوامر إلى سعيد بإنهائها قبل وصولنا إلى المطار"

لم ينظر إليها وهو يتبادل معها الحديث عن العمل وقد تبدلت ملامحه إلى الجدية فعادت هي الأخرى إلى شخصيتها العملية التي افتقدها بالأيام السابقة واندمجت معه وربما تناست ما 




كان وقررت أن تعود كما كانت.

لم تأخذ الأشياء التي اشترتها معها إلى المنزل وقد أخبرته أنها لا يمكنها أن تفعل حتى لا تشك والدتها في شيء 

في يوم السفر كان الوداع غريب تشاجرت أختها معها لأنها كانت تريدها أن تحصل لها على عمل في الفندق وبالطبع ثار ذلك الحوار الذي كان بينها وبين وليد وأن عليها أن تعلمها ولكنها أخبرتها أن عليها الانتظار حتى تنهي دراستها أولا قبل أن تفكر بالعمل 

كانت دموع والدتها تعلن عن حزنها الواضح على فراق ابنتها الكبيرة ولم تكن تملك أي كلمات يمكن أن تخفف بها أحزانها فاحتضنتها وقالت 

“ادع لي أمي" 













الفصل السابع
 غيرة
أوصلها السائق بالسيارة إلى المطار وقد استعادت نفسها وثقتها العملية وهناك وجدته يتحدث إلى أحد الضباط فاتجهت إليه وقالت 
"صباح الخير" 
قال وهو ينظر إلى الضابط "صباح النور، أمل هذا أحمد المقدم أحمد صديقي، أحمد هذه أمل مديرة أعمالي"
ابتسمت إلى المقدم بطريقة عملية بينما نظر إليها نظرة ذات معنى لم تحاول هي أن تهتم بمعناها الحقيقي وسمعته يقول 
"مديرة أعمال صغيرة ولكنها جميلة، فهل عملها جميل مثلها؟" 
لم تهتم أيضاً لمغازلته الواضحة  ولم تظهر إلا ابتسامة هادئة اعتادت عليها عندما رد وليد "صغيرة السن ولكنها كبيرة العقل في شهر ونصف أصبحت ميرة أعمالي ومسؤولة عن كل شيء في العمل وتتصرف أفضل من رجل عنده خبرة أعوام" 
لمعت عيون أحمد وهو يقول "هذه شهادة من رجل لا يستهان به، أنا تشوقت للتعرف عليكِ أكثر" 
قالت "أشكرك على مجاملتك" 
كاد يرد لولا أن رن هاتفها فردت كان أحد موظفي المطار الذي أخبرها أن الإجراءات تمت وأنهم بانتظارهم فأغلقت الهاتف ونظرت إلى وليد وقالت 
"يمكننا أن نذهب" 
نظر إليها أحمد وقال "كنت أتمنى أن نتقابل في وقت أفضل كي نتعارف أكثر وبشكل أفضل" 
قالت بدون اهتمام "وأنا أيضاً، إلى اللقاء" 
عندما مد يده لها لتسلم عليه مدت يدها ولكنه ظل محتفظ بيدها لحظات وهو ينظر إلى عيونها حاولت أن تسحب يدها بلطف ولكنه قال 
"أنا سعيد للقائك سنلتقى عندما تعودين بالتأكيد؟" 
لم ترد لأنها سمعت صوت وليد يقول بعصبية "ألن نذهب؟ تأخرنا" 
ترك أحمد يدها وتحركت هي وهو معها إلى الطائرة 
عندما جلست بجانبه شعرت بقلق فهي أول مرة لها تركب طائرة سمعته يقول "أراكِ سعيدة؟" 
نظرت إليه وقالت "أنا؟ بل أنا أشعر بخوف لا حدود له" 
نظر إليها وقال "خوف؟ معي تشعرين بالخوف ومن لحظات كنتِ تشعرين بالسعادة" 
لم تفهم عم يتحدث فقالت "منذ لحظات؟ أي لحظات تقصد؟ أنا لا أفهم شيء" 
لم ينظر إليها وهو يقول "أقصد عندما كنتِ تتحدثين مع أحمد، أخبريني هل أعجبك؟ لقد رأيت نظرات الإعجاب في عيونك وكذلك هو، ألا يمكنكِ التحكم في تصرفاتك وأنتِ معي؟ عندما تكونين بمفردك يمكنكِ التصرف بحرية" 
اندهشت من حديثه وقالت "أنا؟ أنا أعجب بأحمد؟ لا هذا غير صحيح أنا لم أفكر بأي شخص أنا أصلاً لا أعرفه حتى أعجب به" 
قال بنفس الغضب المكتوم "ولم لا هذا حقك، أنتِ لكِ حياتك وأنا لا يمكنني التدخل بها، ولكن على الأقل انتظري حتى تنتهي مهمتنا" 
زاد ضيقها من كلماته خاصة أنه لم يكن على حق فهي لا ترى رجل سواه، والآن أصبحت لا تفهم ما الذي يفكر به ولكنها قالت 
"أنا لم أفكر بهذه الطريقة أبدا، ربما لا يمكنك التدخل بحياتي ولكن هذا لا يمنع أنك أصبحت جزء من حياتي لا يمكنني تجاهله بسهولة، فكما أخبرتني من قبل، فنحن نمضي سويا وقتا أطول مما نمضيه بمفردنا، وأعتقد أن ذلك يجعلك تعرفني جيدا وتعرف هل يمكن أن يعجبني رجل مثل أحمد أم أن المجاملات تقتضي منا بعض التصرفات التي لا تعجبنا" 
نظر إليها وقال "أنا جزء من حياتك؟ وكيف يكون ذلك؟" 
اندهشت من أنه ترك كل كلماتها وتوقف عند هذا الجزء وكأنه لم يسمع سواه فقالت بصدق 
"ذلك لأني كما أخبرتك أصبحت أقضي معك وقت أكبر من الذي اقضيه حتى مع نفسي وأهلي، لذا لا يمكن  أن تكون لي حياتي الخاصة دون أن تكون موجود فيها" 
صمت قليلا وهو ينظر مباشرة إلى عيونها الخضراء قبل أن يقول "ولكني رأيت الإعجاب في عيونك وعيونه حتى وهو يمسك يدك"
ابتسمت وقالت "ربما يكون الإعجاب في عيونه هو، ولكنه ليس في عيوني" 
لم يتراجع عن رأيه وهو يقول "على العموم أنا فقط أهتم لأمرك لأننا أصدقاء وأنا أعرف أحمد جيداً، فهو ليس بشاب مستقيم وأنا أخشى عليكِ منه؛ فأنتِ لن يمكنكِ التعايش مع شخص مثله ولو حدث فسيصيبك منه الكثير من الألم" 
ابتسمت وقد كانت سعيدة لأنه يهتم لأمرها فقالت "أعتقد أنك طالما معي فلن يمكن لأحد أن يفعل بي ذلك أليس كذلك؟"
حدق بعينيها لحظة قبل أن يقول "ربما لا يمكنني التدخل بحياتك لهذه الدرجة أو أنكِ لا تقبلين تدخلي من الأساس"
بادلته النظرة ربما لتغلق الفجوة التي شعرت بأنها فتحت بينهم ثم قالت "وهل أنت تريد أن تفعل، أو هل يهمك أمري؟"
ظل يتأمل ملامحها قبل أن يبعد وجهه ويقول "ما زلتِ مديرة أعمالي وأمرك يهمني كي لا أخسرك بيوم ما بلا سبب يستحق"
ظلت تتأمل وجهه رغم بعد نظراته ولم ترد لأنها كانت تريد أن تسمع منه بعض كلمات الاهتمام ولكنه الآن يتراجع.  
مر الوقت وقد تولاهم الصمت، تناولا الغداء سويا وما أن انتهوا حتى أخرج علبة مجوهرات صغيرة من جاكتته ومنحها لها وقال 
"لقد نسيته" 
نظرت للعلبة وقالت وهي لا تفهم "لي أنا؟" 
هز رأسه ولم يتحدث، أخذت العلبة وفتحتها كانت تلك الدبلة الذهبية تلمع أمامها وأخرى ماسية بجوارها، دق قلبها وتذكرت ما هى مقبلة عليه مما أعادها إلى الذكريات القريبة نظرت إليها وظلت شاردة دون أن تتحرك عيونها بعيدا أو ينطق لسانها.
سمعته يقول "ألن ترتديها؟ سنصل لندن قريبا وكل من هناك أصبح يعلم أنني سأصل مع زوجتي، ولا يصح أن تكون زوجتي بدون دبلة، هل أضعها لكِ؟ على فكرة اسمي عليها كما هو اسمك على دبلتي" 
أعادها صوته من غيبوبة الأفكار ولا تعلم ما الذي أصابها فهي تعلم ما هي بطريقها إليه ولكن الآن يدق قلبها بشدة وتشعر بخوف شديد لا تعلم سببه أو ربما لا تريد أن تواجه نفسها به 
اعتدل وقال "أمل ماذا هناك؟" 
نظرت إليه وقالت "لا شيء؟" 
قال وهو يأخذ العلبة من يدها "حسنا أنا سأساعدك" 
أخرج الدبلة ووضعها في يدها ثم وضع الأخرى عليها وظل ممسكاً بيدها لحظات وهو يقول "هل رأيتِ كم أن الأمر بسيط؟ لماذا أنتِ متوترة هكذا؟ لهذا القدر لا يمكنكِ تقبل أنني سأكون زوجك أمام الجميع؟ إنها مجرد تمثيلية وليست حقيقة" 
نظرت إليه وقالت "ومن أخبرك أنني لا أتقبل أنني سأكون زوجتك؟"
احمر وجهها وتراجعت وهي تصحح كلماتها "أقصد أمثل زوجتك، ليس هناك امرأة يمكنها أن ترفض ذلك" 
نظر إليها وقال "حتى أنتِ؟" 
دق قلبها وهي تواجه نظراته الغامضة وتسمع سؤاله الغريب، وقتها تمنت أن تخبره أنها تتمنى من كل قلبها أن تكون زوجته، ولا تريد أي شيء آخر أكثر من وجودها بجواره لآخر العمر 
عادت من الأحلام وقالت "ومن أنا حتى أفكر في ذلك؟ أنا لا يمكنني أن أفكر حتى في ذلك، أنا لم أنس الفارق الكبير بيني وبينك" 
ترك يدها وتحول بنظره بعيد وقد ظنت أنها أخطأت بشيء جعله يبتعد هكذا ولكن كيف تخطئ وهي تتحدث عن الواقع الذي تعيشه معه فما زالت هي السكرتيرة وهو...
أخرج علبة أخرى وارتدى دبلة فضية ولم يتحدث معها مرة أخرى 
عندما أعلن الكابتن عن ربط الأحزمة التفت إليها وقال "أمل حاذري في تصرفاتك أمام الجميع، ولا تنسي أنكِ زوجتي ولستِ فقط مديرة أعمالي، أي ليس هناك ألقاب أو خوف، أريد ثقتك التي أعرفها" 
هزت رأسها وهي تحاول أن تكون طبيعية ولكن ليس الأمر بمثل هذه السهولة، ومع ذلك من داخلها كانت تريد أن تكون زوجته وتتصرف على هذا الأساس فهو حلم حياتها.
وأخيرا هبطت الطائرة في وقت متأخر جداً ونزلوا إلى صالة الاستقبال وكان جاك في انتظارهم، عرفها عليه وبدأت بالفعل تتصرف بشكل حاولت أن يبدوا طبيعياً ولكن ما زال القلق يجتاحها فهي لا تحب الفشل
عندما ركبت بجانبه قال بصوت منخفض "متى ستعودين إلى طبيعتك؟ كفي عن القلق، ولا تنسي أنكِ معي وأنا أحب أن تبدي بعض الثقة بي بدلا من هذا التوتر الذي يثير غضبي" 
نظرت إليه وقد احمر وجهها وأدركت أنه غاضب من اهتزازها، لم ينظر إليها فشعرت بالضيق وحاولت أن تهدأ قليلا.
بالطبع لم يكن من الممكن مقارنة ذلك الفندق بذلك الموجود في مصر فهذا يبدو عليه الفخامة والثراء، تأملته بنظرات سريعة وهم يدخلون ورأت بعض الرجال يقفون في انتظارهم باحترام واضح فأدركت من نظراتهم أنهم المسؤولين الأوائل في المكان. 
حيتهم بابتسامه هادئة ودخلت وقد وضع يدها على ذراعه فتحركت بجانبه في ثقة غريبة اكتسبتها منه ومن قوة شخصيته 
همس دون أن يمنح أحد أي اهتمام "أعتقد أننا في حاجة إلى النوم الآن وفى الصباح يمكننا أن نفعل ما نشاء" 
هزت رأسها فهي بالفعل كانت بحاجة إلى الراحة، تحدث بإنجليزية واضحة إلى الرجال ليقدمها إليهم والعكس وبعد كلمات الترحيب البسيطة اتجه إلى مكان المصعد الكهربائي وجاك ما زال يتحدث معه باختصار وهو يرد بكلمات مختارة بدقة تعرفها هي جيدا وتعودت عليها منه. 
ركبا المصعد إلى الأعلى وقد كان كل ما حولها يثير الدفء والراحة ويمتع العين من جماله، وأخيراً اتجها إلى باب فتحه جاك وقال 
"جناح حضرتك جاهز مستر وليد تفضل"
توقف لتتقدم هي وهو يقول "نعم شكراً جاك أراك بالصباح"
انحنى الرجل بأدب وقال "تمام مستر وليد طابت ليلتكم سأرسل إليكم العشاء فورا"
عندما أغلق الباب خلفه استدارت ونظرت إليه  فتحرك إلى الداخل بهدوء وقال وهو يتأملها وهي تقف بمنتصف البهو الكبير وهي تتساءل عن هذا المكان الرائع 
"لماذا تنظرين إلي هكذا؟ إنه جناحي المفضل ولا أسمح بأن ينزل به أحد سواي ألا يعجبك؟"
وقف قليلا وهو ينظر إليها وقد تاهت الكلمات منها وهي تتعثر بكلمات غير مرتبة "أنا، أقصد، كيف؟"
ثم استدارت لتخفي ما بداخلها من خوف وحيرة ولكنه قال ليكمل ما لم تكمله "كيف سنقيم سوياً بمكان واحد؟ الإجابة واضحة، فلا يصح أن نكون زوجين جديدين وننزل في غرفتين خاصة وأن هذا هو مكاني المفضل" 
تحرك إلى الداخل وتبعته وهي تقول "أستاذ وليد من فضلك" 
ولكن ما أن تقدمت للداخل حتى أدركت أنه ليس بجناح عادي وإنما بغرفتين منفصلتين ومزود بكل ما يلزم للإقامة به وقد كان هناك صالة أخرى صغيرة تحرك إليها وجلس على أقرب مقعد بعد أن خلع جاكتته ونظر إليها وقال 
"إذا سمعك أحد العاملين هنا تقولين أستاذ ماذا سيظنون بنا؟" 
لم تحاول أن تتحدث حيث كانت مشاعرها متباينة، لم تعرف ماذا تفعل فقال "هذه غرفتك وأنا سأحصل على تلك هيا اذهبي واستبدلي ملابسك حتى يأتي العشاء" 
لم تجد كلمات ترد بها وقد كان واضحاً في كلامه مما لا يقبل جدال أو نقاش فاستدارت ودخلت إلى حيث أشار.
في الصباح الباكر كانا قد استيقظا ونزلا لتناول الإفطار بالمطعم كما أخبرها تساءلت رغم ترددها "ألم تصل حبيبتك؟" 
رفع عيونه إليها بهدوء وقال "حبيبتى؟ ليس لي حبيبة" 
نظرت إليه وقالت "وماذا تكون سارة إذن؟" 
عاد إلى الطعام وقال "هي الماضي، الماضي الذي لا أريد أن أتذكره لأن ذكراه تنغص حياتي" 
تراجعت قليلا وهي تبدي الدهشة وتقول "إذا كانت ذكراها مؤلمة وغير مرضية لك فلماذا تريد الآن أن تفتح صندوق الذكريات وتنفض محتوياته؟ لم لا تحاول أن تنسى الأمر وتتركها لحياتها وأنت لحياتك؟" 
نظر إليها وقال "لن اتركها لحياتها قبل أن أرى نظرات الألم في عيونها" 
قالت في ضيق واضح "أنت تعذب نفسك" 
ابتسم وقال بهدوء "على العكس تماماً لأني بما أفعله أشعر براحة غريبة"
قالت بدهشة "وما الذي تفعله ويشعرك بالراحة؟"
تراجع وهو ينظر بنظرات تمنت أن تفهمها بيوم ما وقال "جعلتك زوجتي، وسأجعلها تعرف ذلك وتدرك أن وليد ليس بالرجل الذي تتلاعب به امرأة، أي امرأة"
قاطعهم صوت أنثوى فجأة يقول "وليد؟ وأخيراً أنت هنا، أنا كنت أعتقد أنك لن توفي بكلماتك وتأتي كما أخبرتني" 
لم يتحرك من مكانه وهو يرمق تلك المرأة بنظراته بينما دق قلبها هي وهي ترفع عيونها إلى صاحبة الصوت، بالتأكيد هذه هي المرأة التي كان يتحدث عنها، هي أول من أحب قلبه وهي من سرقت حلمها الصغير، عندما نظرت إليها رأت امرأة جميلة، ولكن من وجهة نظرها هناك من هم أجمل منها فعلاً، عيونها عسلية، بيضاء البشرة تضع الكثير من المكياج وترتدي ملابس مفتوحة، كانت الأخرى تنظر أيضاً إليها وهي تبتسم ابتسامة غير صريحة
سمعت وليد يقول "أهلاً سارة، متى وصلتِ؟" 
عادت إليه بنظراتها الصناعية وقالت بدلال واضح "أنت صاحب الفندق ولا تعلم؟" 
قال "صاحب الفندق نعم ولكني لن أسأل عن كل الرواد متى جاءوا ومتى ذهبوا فهو أمر لا يخصني" 
تذمرت سارة كالأطفال في تصنع لم تستسيغه أمل وشعرت بأنها تتمنى لو تصفعها بقوة على وجهها لتعيدها إلى صوابها وهي تسمعها تقول 
"ولكن أنا لي وضع خاص فأنا أخصك وأهمك دون عن الآخرين، أليس كذلك؟" 
أخفضت عيونها لأنها تمنت أن تصرخ بوجهها وتوبخها ولكنها لم تملك أن تفعل رغم أنها امرأة وقحة وتتعمد أن تتجاهل وجودها وهي زوجته ولكن وليد قال 
"لا سارة للأسف ليس هناك من يخصني هنا فكل النزلاء لا يربطني بهم شيء وأنت مثلهم فقط زوجتي هي من تخصني ويهمني أمرها" 
رفعت وجهها إليه وهي تشعر أنه يتحدث بصدق غريب رغم أنها تعلم أن الأمر لا يعدو أن يكون أكثر من تمثيلية 
لاحت نظرة حنان في عيونه كادت تصدقها لولا أنها تعلم أن الأمر كله مجرد تمثيل، تسربت يده إلى يدها وقال "أمل هذه سارة صديقة قديمة، سارة، أمل زوجتي" 
تأملت المرأة أمل مرة أخرى ولكن أمل ابتسمت لزوجها ولم تهتم بنظرات سارة التي قالت "إنها شابة صغيرة تصغرك بسنوات كثيرة، من أين أتيت بها يا وليد؟" 
قال بضيق واضح "من حيث لا يعنيكِ سارة، أين خطيبك؟ أم أنكِ هنا وحدك؟" 
نظرت إليه وقالت "إنه مع أبي بالمزرعة ينهي بعض الأشغال وسيأتي، ألن تدعوني للجلوس؟" 
قال وهو يجذب يد أمل لينهض "لا أعتقد، لأننا ذاهبان لدينا أشياء كثيرة نريد أن نفعلها، أنا أحاول أن أعوضها عن شهر العسل لأننا لم نحصل عليه وسط زحام العمل" 
كان قد نهض فتبعته هي الأخرى فاقترب منها وأحاطها بذراعه كما لو كان يحاول حمايتها من تلك المرأة وسرت رعشة بجسدها من لمسته وارتجف قلبها من قربه القاتل، بينما حلت نظرات غريبة بعيون سارة التي قالت 
"حقا! يا لها من رومانسية!؟" 
قال وليد بثبات واضح "نعم وما أجمل الرومانسية مع امرأة فاتنة ورقيقة مثل زوجتي الحبيبة"
لم تعد تقوى على كل ذلك التمثيل ورمشت عيونها من نظراته التي لو لم تكن تعلم أنها تمثيل لحلقت بها في سماء الحب والرومانسية.
ذمت سارة شفتيها ثم عضت على شفتها السفلى بأسنانها وهي تقول "زوجتك الحبيبة؟ أنت تعني أنها قصة حب؟"
نظر إلى سارة وقال "بالتأكيد، وإلا لا يكون للزواج أي معنى بدون الحب؟"
فركت سارة يديها بحركة واضحة وقالت "والعروس تهيم بحبك هي الأخرى، عيونها تنطق بذلك"
عاد بنظراته إليها ولاحت نظرات ذعر بعيونها لمجرد أنها قد تفضح نفسها أمامه ولكنه ابتسم وقال "أريد أن أراك مرة أخرى سارة لأرى تلك النظرات بعيون زوجتي"
لم تعد تشعر بالعالم وهي تحدق بعينيه التى لاح بها بريق غريب لم تعرف سببه ولكنها كانت تائهة ولا تشعر إلا بخوف لا حدود له فقط عيونه هي التي تشعرها بالأمان وصوته الحنون يمنحها ثقة وثبات 
عاد إلى سارة وقال  “سعيد بلقائك سارة ولكن لابد أن نذهب كي لا نتأخر، أراكِ في وقت آخر إلى اللقاء" 
ودفعها برفق دون أن يمنح أي من المرأتين فرصة حتى لألقاء التحية وتحرك بها إلى خارج المطعم ثم خارج الفندق وما زال يحيطها بذراعه ولم يتركها تبعد عنه إلى أن فتح لها باب السيارة وركبت وهي تحاول أن تستجمع قواها من جديد، بينما جلس هو بجانبها وقاد في هدوء 
كانت المدينة جميلة ونظيفة وهادئة، ظل الصمت حليفهم فترة قبل أن تسمعه يقول "اليوم الأحد، أجازة نهاية الأسبوع، لذلك تبدو المدينة هادئة دعينا نحظى ببعض المرح" 
عندما لم ترد عليه قال "أمل؟ أنا أتحدث إليكِ"
نظرت إليه وقد انتبهت إليه فقالت "ماذا؟ ماذا قلت؟"
تأملها قبل أن يقول "سألتك ماذا بكِ؟ الصمت يستحوذ عليكِ فهل أنتِ بخير؟ لم ينطق لسانك بكلمه واحدة منذ أن رأيتِ سارة فما الأمر؟" 
نظرت إلى الطريق ولم تعرف بالفعل ماذا أصابها ولكنها قالت "أنا بخير ولكنى لم أشعر براحه تجاه هذه المرأة، للحظة شعرت بالخوف منها" 
توقف عند أحد الأماكن الجميلة فاقترح قضاء بعض الوقت بالمكان فلم تعترض
 كانت الحديقة كبيرة والأرض الخضراء تمتد حولهم من كل جانب سار إلى جانبها وقال "لم أعهد فيكِ الخوف، وهو ما يثير غضبي أكثر خاصة وأنا معكِ، ثم لم الخوف وهي مجرد امرأة كأي امرأة؟" 
قالت بضعف لا تعرف من أين أتى "لا إنها ليست كذلك، أنا لا أعرف لماذا شعرت تجاهها بذلك الشعور! أنا لم أخاف منها على نفسي بقدر خوفي عليك" 
توقف فجأة وأمسكها من ذراعها ليوقفها أمامه وقال "تخافين علي؟"
ارتبكت وقالت "لا أقصد التقليل من شأنك ولكن.."
قاطعها بحسم "وهل يهمك أمري؟" 
نظرت إليه وقد كان الصدق في كلماتها عندما قالت "أنت تسأل؟" 
نظر إلى عيونها وقال "بصرف النظر عن أنكِ تعلمين أن لا أحد يمكنه أن يكون سبب ضرر لي خاصة إذا كانت سارة ولكن، أنتِ لماذا تخافين علي؟ ولم تهتمين وأنا لا أمثل بالنسبة لكِ سوى مديرك؟" 
تحركت من أمامه وانفلتت ذراعها من قبضته وهي تبتعد كي لا تفضحها عيونها أكثر من ذلك وقالت بصوت واهن ضعيف لا يكاد يسمع 
"ربما هذا ما تظنه أنت" 
لم يسمعها بالفعل فاقترب منها وقال "أمل ماذا قلتِ؟"
لم ترد فعاد يقف أمامها وقال "أنا حقاً لم أعد أفهمك، منذ بدأ أمرنا هذا وأنا لم أعد أستطيع أن أقرأ عيونك كما أعتدت أن أفعل، بل أصبح الصمت صديقك وتعلمت عيونك أن تخفي عني كل شيء، لماذا تغيرتِ؟ أشعر وكأني لا أعرفك" 
نظرت إليه بحزن وقالت "لا، أنا لم أتغير، ولكن يبدو أنك أنت الذي لا تستطيع أن ترى جيداً، أو أن موضوع سارة لا يجعلك ترى، أنا كما أنا لم ولن أتغير خاصة تجاهك" 
تأملها لحظة ثم قال "تلك النظرة بعيونك أمل وقت كنا مع سارة كانت تعني الكثير فماذا تخفين لرجل يكبرك بسنوات كبيرة؟" 
تناثرت شجاعتها مع النسمة التي هبت عليهم وهي تحاول أن تستوعب سؤاله فقالت "لم أر عمرك يوم عرفتك ولا يمثل ذلك لي أي فارق"
ظل ينظر إليها وفتح فمه ليتحدث ولكن رنين هاتفه أوقفه فأخرجه ليرد وهو يبتعد من أمامها ولكنه عاد والتفت إليها وقال بعد أن أغلق 
"لأول مرة أغضب لأن العمل يناديني ولكن بالطبع الأعمال لم تتوقف بالفندق اليوم رغم الإجازة ويبدو أنهم يواجهون مشاكل تستدعي وجودي هل تأتين معي أم أوصلك للفندق؟" 
قالت بدون تردد "بالطبع سآتي معك بالتأكيد هذا عملي ولابد أن أتعرف عليه فأنا هنا من أجله ولم أنسى أنني مديرة أعمالك وأتقاضى راتب على ذلك" 
كادت تتحرك لولا أنه أمسكها من ذراعها مرة أخرى وجذبها برفق إليه ونظر في عيونها بجرأة أربكتها وجعلت قلبها ينتفض فزعاً من ذلك الرجل الذي لم تعد تفهمه  
سمعته يقول "أنتِ لم تعودي بالنسبة لي مجرد مديرة أعمال، أمل أنا لم يكن لي أبداً شخص مميز يمكن أن أرتاح في وجوده أو أتحدث معه عما  يدور داخلي حتى أصحابي كلهم لا يمثلوا لي أي أهمية إلا قضاء وقت سعيد، أما أنتِ فشيء مختلف" 
لامست يده خصلة من شعرها انسابت على عيونها وسقطت أصابعه على وجنتها، كانت تنظر بعيونه وتتمتع بلمسة يده وعقلها يتساءل يا ترى هل بدأ يشعر بها؟ هل أحس أنها تحبه؟ هل فضحتها عيونها؟ 
صوت واهن خرج منه ومازالت يده على وجنتيها وعيونه تتأمل ملامحها "أمل أنا .." 
اقترب منها أكثر وضاع الجميع من حولهم ولم تعد ترى أو تسمع إلا هو ولم تسمع غير زقزقة العصافير هنا وهناك وعندما لاح عبير عطره حولها أدركت أنه اقترب منها إلى حد الهلاك، وفجأة شعرت بأنفاسه الحارة تقترب من وجهها، تردد قلبها في أن يقبل باقتراب حبيبه منه أم يبعده، ولكنه لم يمنحها فرصة لتقرر حيث  تراجع فجأة كما لو أنه استيقظ من كابوس، أغمضت عيونها من الألم الذي شعرت به وغضبت من نفسها لأنها صدقت للحظة أنه يمكن أن يفكر فيها، ابتعدت وهي تحاول أن تخفي خجلها من نفسها وحزنها منه
استدار إليها مرة أخرى وقال "هيا دعينا نذهب كي لا نتأخر"
لم يتحدثا طوال الطريق ولم تحاول أن تفهم ماذا يحدث؟ الآن تغير معها كثيراً، أحيانا تشعر أنه أصبح قريب منها إلى أقصى حد، ثم فجأة يتراجع إلى أقصى مكان مبتعدا عنها تاركاً برودة غريبة بينهما، ترى لماذا كل ذلك لقد كانت الأمور بينهم أبسط من ذلك قبل ظهور سارة بحياتهم، ولكن بالتأكيد ما زالت تلك المرأة تسكن قلبه وهي سبب كل ذلك.
كان الفندق الجديد مختلف تماماً؛ أكبر وأكثر ارتفاعاً وفخامة طبعا، تقريباً انتهى من الخارج، أما من الداخل فرغم أن الطابع الفرعوني الذى تميزت به الجدران الجرانيتية كان رائعا ومميزا، إلا أن الأمر ليس بالسهل فهناك الكثير من الأشياء التي لابد من إنهائها. 
عرفها على المهندس المسؤول وكذلك النائب الخاص به وبسرعه وجدت نفسها كعادتها تندمج في العمل الذي حاولت أن تعرف عنه كل شيء، لم تشعر بالوقت وهي تتحاور مع المهندس المسؤول في العمل ومع باقي الموجودين وبالطبع معه، كان هادئاً جدا مع الجميع، أما هي فحاولت أن تتعلم لأن الموضوع جديد عليها وبالفعل تولى المهندس شرح العديد من الأمور لها ومن لحظة لأخرى كانت تختلس النظرات إليه ورأته وهو ينظر إليها، أحيانا نظرات لا معنى لها وأحيانا كثيرة يبدو مشغولا فتعود إلى عملها ولم تنكر أن الاشخاص الذين كانوا حولها في غاية التعاون وشرح لها المهندس كل شيء وفجأة سمعت صوته يقول 
"هل انتهيتم؟" 
نظرت إليه، كانت نظراته لا تدل على شيء أو ربما كانت عصبية! لا تعرف ولكنها ردت قائلة "وهل ينتهى العمل؟" 
ابتسم المهندس وقال "بالفعل العمل لا ينتهي ولكن حضرتك سريعة التعلم ولا تفوتين أي شيء والعمل معكِ ممتع مدام" 
قالت "شكراً على المجاملة" 
كان صوته هذه المرة غاضباً وهو يقول "هل انتهت مجاملاتكم؟ أظن أنه وقت الذهاب" 
وتحرك أمامها دون أن ينتظر أي رد وشعرت هي بالإحراج من المهندس فاستأذنت منه وتحركت تتبعه والخوف ينبض داخلها والتساؤل مما قد يكون أغضبه هكذا؟
اتجهت إلى السيارة وما أن ركبت حتى تحرك بسرعة أفزعتها فقالت "أستاذ وليد ماذا هناك؟ أنت تقود بسرعة؟" 
لم يرد عليها فانكمشت في مقعدها وشعرت أنه على غير ما يرام فقالت "ماذا هناك؟ لماذا أنت غاضب بهذا الشكل؟" 
لم يرد عليها أيضاً وظل يقود بسرعة مما زاد من خوفها فلم تحاول أن تتحدث 



معه إلى أن وصل إلى الفندق فشعرت بالراحة، لم ينظر إليها عندما نزل وانتظرها حتى وصلت إليه ودخلت معه

 وما أن دخلا حتى سمعا صوت تلك المرأة تنادي علية مرة أخرى فتوقف وتوقفت معه

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-